الفصل الثامن عشر

قال محدثي: ولما عاد مختار إلى أخته ليلًا جلس يتحادث معها بخلاف عادته. قال: هل تتزوجين يا إحسان؟ فاحمرَّ وجه الفتاة؛ لأنه بذلك السؤال قد أحيى نفسها؛ لأنها — المسكينة — كانت قد سئمت حياة الفقر بعد الغنى والذل بعد العز، وظنَّت أنها تتزوج شابًّا جميلًا غنيًّا؛ فيزول همها وغمها، وتتمتع بشيء مما يتمتع به النساء، ولكن تلك الفريسة الإنسانية لم تكن تعلم ماذا تخبئه لها الأيام، فقالت لأخيها: إنني لا أحب أن أفارقك؛ لأن أمك أوصتني بك، ثم انحدرت دموعها، وأخذت تنتحب انتحاب الأطفال، وتهتزُّ كما يهتزُّ الغصن إذا هبَّ عليه الهواء، ولكن مختارًا لم يتأثر؛ لأنه ماتت كل عواطفه، ولم يكن يطلب إلا المال، ولكنه طيَّب خاطرها وضمها إلى صدره، وقال لها إنه يرغب في سعادتها، وإنها إن تزوجت ربما يتزوج هو أيضًا، فأبرقت أسِرَّة إحسان، وعلمت إن أخاها تزوج وهي تزوجت تصبح عائلتهم عائلتين، ويمكنهما أن يعيشا بسعادة وهناء، وينسيا همومهما القديمة، وقالت له: إن كان الأمر كذلك فأنا طوع إشارتك.

قال مختار: ولكن يا أختي العزيزة، أنت تعلمين أن شبان هذه الأيام ليس فيهم خير، وكلهم فاسد؛ ولذلك لا أحب أن تتزوجي شابًّا صغيرًا يلعب بك ولا يحبك؛ فاصفرَّ وجه إحسان؛ لأنها خافت أن يرغمها أخوها على الزواج برجل عجوز، وقالت له: وماذا تعني يا أخي بذلك؟ قال مختار: أعني أنني أريد زواجك برجل يعرف قدرك ويحبك ويكرمك كما يحب الرجل ابنته ويكرمها. قالت إحسان: إذن تزوجني من رجل عجوز كأبي؟ فابتسم مختار وقال: لا، إني لا أقصد ذلك، إنما لا يكون زوجك شابًّا صغيرًا، قالت إحسان: وكم يبلغ عمره؟ قال مختار: هو لا يزيد عن أربعين سنة، قالت إحسان: أربعون سنة؟! إنه عجوز جدًّا، قال مختار: ولكنه غنيٌّ جدًّا، قالت إحسان: وماذا يهمني ماله؟ إنني لست أتزوج الذهب إنما أتزوج الرجل، ولو لم يستحِ مختار لقال إنه بقدر ما يهمك شباب زوجك وجماله تهمني ثروته وماله، وأنا أفرح بزواجك كلما كان خطيبك غنيًّا، ولكنه أراد أن يصل إلى غرضه بطريق غير طريق العنف والشدة، ثم أراد أن يقطع الحديث إلى الغد، فقال لها: إننا نتحدث في هذا الموضوع في غير هذه الليلة.

•••

ولكن إحسانًا لم تنم ليلتها؛ لأنه حدث لها رد فعل، فبعد أن أملت الزواج بشاب جميل، تحققت أن زوجها سيكون عجوزًا، وربما كان قبيح الصورة، وقد حركت تلك الأفكار شجونها فلم تذق أجفانها طعم الكرى، وبقيت طول ليلتها تعالج همومها وأحزانها بالبكاء والسهر.

وكذلك مختار لم ينم؛ لأنه بقي يبني صروحًا لآماله وأمانيه، وهو يحدث نفسه بالحصول على ٢٠٠ جنيه من وراء زواج أخته، فيمكنه بهذا المال أن يصلح شأنه، ويمكنه أن يغيظ منيرة التي غاظته واحتقرته في فقره.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤