الإخْـوَانيَّـات

(١) ذكرى وتشوُّق (نشرت في سنة ١٩٠٠م)

كتب بها من السودان إلى صديقه محمّد بك بيرم

أثَرْتَ بنا مِنَ الشَّوْقِ القديمِ
وذِكْرَى ذلِكَ العَيْشِ الرَّخيمِ
وأيّامٍ كَسَوْناها جَمالاً
وأرْقَصْنا لها فَلَكَ النَّعيمِ
مَلأناها بنا حُسْنًا فكانت
بِجيدِ الدّهْرِ كالعِقْدِ النَّظيمِ
وفِتْيانٍ مَساميحٍ عليهمْ
جَلابيبٌ منَ الذَّوْقِ السَّليمِ
لهُمْ شِيَمٌ ألّذُّ مِن الأماني
وأطْرَبُ مِنْ مُعاطاة النَّديمِ
كهَمِّكَ في الخَلاعَةِ والتَّصابي
وإنْ كانوا على خُلُقٍ عَظيمِ
دَعَوْتُهُمُ إلى أنْسٍ فوافَوْا
مُوافاةَ الكَريمِ إلى الكَريمِ
وجاءوا كالقَطا ورَدَتْ نَميرًا
على ظَمَإٍ وهَبُّوا كالنَّسيم
وكانَ اللَّيْلُ يَمْرَحُ في شباب
ويَلْهُو (بالمَجَرَّةِ) والنُّجومِ
فواصَلْنا كُئُوسَ الرّاحِ حتّى
بَدَتْ للعَيْن أنْوارُ الصَّريمِ
وأعْمَلْنا بها رأْيَ (ابنِ هانِي)
فألْحقْنا بأصحابِ الرَّقيمِ
وظَبْيٍ مِنْ بني مِصْرٍ غَريرٍ
شَهِيِّ اللَّفْظِ ذي خَدٍّ مَشيمِ
ولَحْظٍ بابليٍّ ذي انكسارٍ
كأنّ بطَرْفِهِ سِيما اليَتيمِ
سقانا في مُنادَمَةٍ حَديثًا
نَسينا عندَه بِنْتَ الكُرومِ
سَلامُ اللهِ يا عَهْدَ التَّصابي
عليكَ وفِتيةِ العَهْدِ القديمِ
أحِنُّ لهم ودُونَهُمُ فَلاةٌ
كأنّ فَسيحَها صَدْرُ الحَليمِ
كأنّ أديمَها أحشاءُ صَبٍّ
قد التَهَبَتْ منَ الوَجْدِ الأليمِ
كأنّ شَرابَها إذْ لاحَ فيها
خِداعٌ لاحَ في وَجْهِ اللَّئيمِ
تَضِلُّ بلَيْلِها (لِهْبٌ) فتَحكي
(بوادي التِّيهِ) أقْوامَ الكَليمِ
وتَمْشي السّافياتُ بها حَيارى
إذا نُقِل الهَجيرُ عن الجَحيمِ
فَمَنْ لي أنْ أرى تلكَ المَغاني
وما فيها من الحُسْنِ القَديمِ؟
فما حَظُّ (ابنِ داوُدٍ) كحَظِّي
ولا أُوتيتُ من عِلْمِ العَليمِ
ولا أنا مُطْلَقٌ كالفِكْرِ أسْري
فأسْتَبِقُ الضَّواحِكَ في الغُيومِ
ولكنّي مُقَيَّدَةٌ رِحالي
بقَيْدِ العُدْمِ في وادي الهُمُومِ
نَزَحْتُ عن الدّيار أرومُ رِزْقِي
وأضْرِبُ في المَهامِهِ والتُّخُومِ
وما غادَرْتُ في السُّودانِ قَفْرًا
ولم أصْبُغْ بتُرْبَتِه أديمي
وهأنا بيْنَ أنْيابِ المَنايا
وتحتَ براثِنِ الخَطْبِ الجَسيمِ
ولولا سَوْرَةٌ للمَجْدِ عِنْدي
قَنِعْتُ بِعِيشَتي قَنَعَ الظَّليمِ
أيابْنَ الأكْرَمينَ أبًا وجَدًّا
ويابنَ عُضادَةِ الدِّين القَويمِ
أقامَ لدِينِنا أهْلوكَ رُكْنًا
له نَسَبٌ إلى رُكْنِ الحَطيمِ
فما طافَ العُفاةُ به وعادوا
بغَيْرِ العَسْجَدِيَّةِ واللَّطيمِ
أتَيْتُكَ والخُطوبُ تُزِفُّ رَحْلي
ولي حالٌ أرَقُّ منَ السَّديمِ
وقد أصْبَحْتُ من سَعْيي وكَدْحي
على الأرزاق كالثَّوْبِ الرَّديمِ
فلا تُخْلِقْ — فُديتَ — أديمَ وَجْهي
ولا تَقْطَعْ مُواصَلَةَ الحَميمِ

(٢) عتاب محمّد البابلي بك (نشرت في سنة ١٩٠٠م)

أخي واللهِ قد مُلئِ الوِطابُ
وداخَلَني بصُحْبَتِكَ ارْتِيابُ
رَجَوْتُكَ مَرَّةً وعَتَبْتُ أُخْرى
فلا أجْدَى الرَّجاءُ ولا العِتابُ
نَبَذْتَ مَوَدَّتي فاهْنَأ ببُعْدي
فآخِرُ عَهْدِنا هذا الكِتابُ

(٣) بين حافظ وداود عمّون (نُشرت في ٢٦ مارس سنة ١٩٠٢م)

بعث حافظ بهذه القصيدة إلى داود عمّون بك الشاعر اللبناني والمحامي المعروف، فأجابه عليها بقصيدة تأتي بعدُ.

شَجَتْنا مَطالِعُ أقْمارِها
فسالَتْ نُفوسٌ لتَذْكارِها
وبِتْنا نَحِنُّ لتِلْكَ القُصور
وأهْلِ القُصورِ وزُوّارِها
قُصورُ كأنّ بُروجَ السَّماء
خدورُ الغَواني بأدْوارِها
ذَكَرْنا حِماها وبَيْنَ الضُّلوع
قُلوبٌ تَلظَّى على نارِها
فمَرَّتْ بأرواحنا هِزَّةٌ
هيَ الكَهْرَباءُ بتَيّارِها
وأرضٌ كَسَتْها كِرامُ الشُّهور
حَرائِرَ مِنْ نَسْجِ (آذارِها)
إذا نَقَّطَتْها أكُفُّ الغَمامِ
أرَتْكَ الدَّراري بأزْهارِها
وإنْ طالَعَتْها ذُكاءُ الصَّباح
أرَتْكَ اللُّجَيْنَ بأنْهارِها
وإنْ هَبَّ فيها نَسيمُ الأصيل
أتاكَ النَّسيمُ بأخْبارِها
وخِلٌّ أقام بأرْضِ الشَّآم
فباتَتْ تُدِلُّ على جارها
وأضْحَتْ تَتِيهُ بربِّ القَريض
كتِيهِ البوادي بأشعارِها
ولَلنِّيلُ أوْلَى بذاكَ الدَّلال
ومِصْرُ أحَقُّ (ببَشّارِها)
فشَمِّرْ وعَجِّلْ إليها المَآب
وخَلِّ الشآمَ لأقْدارِها
فكيفَ — لعَمْري — أطَقْتَ المُقام
بأرضٍ تَضيقُ بأحْرارِها؟
وأنتَ المُشَمِّرُ إثْرَ المَظالِـ
ـمِ تَسْعَى إلى مَحْوِ آثارِها
ثأرْتَ اللَّيالي وأقْعَدْتَها
بمَصْقولِ عَزْمِكَ عَنْ ثارِها
إذا ثُرْتَ ماجَتْ هِضابُ الشَّآم
وباتَتْ تَرامَى بثُوّارِها
ألَسْتَ فتاها ومُختارَها
وشِبلَ فتاها ومُخْتارِها؟
وإنْ قُلْتَ أصْغَتْ مُلوكُ الكَلام
ومالَتْ إليكَ بأبْصارِها
(أداوُدُ) حَسْبُكَ أنّ المَعالـ
ـيَ تَحْسَبُ دارَكَ في دارِها
وأنّ ضمائرَ هذا الوُجود
تَبوحُ إليكَ بأسْرارِها
وأنّك إمّا حَلَلْتَ الشَّآم
رأيْناكَ جَذْوَةَ أفكارِها
وإنْ كنتَ في مِصْرَ نِعْمَ النَّصير
إذا ما أهابَتْ بأنْصارِها

(٤) أبيات داود بك التي أجاب بها حافظًا

أمِنْ ذِكْرِ سَلمى وتَذْكارِها
نَثَرْتَ الدُّموعَ على دارِها
وعِفْتَ القُصورَ لأجْلِ الطُّلول
تُطالِعُ طامِسَ آثارِها
وَقَفْتُ بها لَيْلَتي ناشِدًا
عَساها تَبوحُ بأسْرارِها
ولَلدَّارُ أنْطَقُ آياتُها
مِن الرّاوِياتِ وأخْبارِها
تُعيدُ عليكَ ليالي الحِمى
بأنْجُمِها وبأقْمارِها
سلامٌ عليْكَ زمانَ الشَّباب
رَبيع الحَياةِ بآذارِها
لأنْتَ مُخَفِّفُ أحْزانِها
وأنْتَ مُسَوِّغ أكْدارِها
ولَوْلا الشَّبابُ وذِكرى الشَّباب
لعاشَ الفَتَى عُمْرَه كارِها
قَطَفْنا الحياةَ به حُلْوَةً
وقد جاء إبّانُ إمْرارِها
أطَوِّفُ في الشَّرقِ عَلِّي أرَى
بلادًا تَطيبُ لأحْرارِها
فلم أرَ إلا أمورًا تَسوء
وتَصْدَعُ أكبادَ نُظّارِها
فظُلْمٌ بتلكَ وذُلُّ بهذي
وجَهْلٌ مُغَشٍّ لأبْصارِها
تَعُقُّ مَراحِمَ رُعْيانِها
وتَرْعى الوَلاءَ لجَزّارِها
إذا شاء (قاسِمُ) رَفْعَ الحِجاب
تُسَمِّيه هاتِكَ أسْتارِها
فلا قَوْلَ إلاّ لجُهّالها
ولا رَأْيَ إلاّ لأغْرارِها
يَدِبُّ التَّراخي على تُرْبِها
ويَجْري الخُمولُ بأنهارِها
مَنالُ التَّرَقِّي بإرغامها
ومَرْجَى الفَلاحِ بإجْبارِها
أهذا الّذي أوْرَثَتْ أهْلَها
بلادُ العُلومِ وأنوارِها؟
عَدِمْتُ حَياتي إذا لَمْ أقِفْ
حَياتي على نَفْعِ أمْصارِها
(أحافِظُ) هذا مَجالُ العُلا
فَشمِّرْ لسَبْقٍ بمضْمارِها
(أشَوْقي) (أحافِظ) طالَ السُّكوت
وتَرْكُ الأمورِ لأقْدارِها
فصُوغا القوافيَ مَصقُولَةً
وشُقَّا الجُلودَ ببَتّارِها
عَساها تُحَرِّكُ أوْطانَنا
وتَنْشُرُ مَيِّتَ أحْيائِها
أقولُ وأعْلَمُ أنِّي سأُرْمَى
بأنِّي مُحَرِّكُ ثُوّارِها
وأنِّي الدَّخِيلُ وأنِّي الغَريب
وأنِّي النَّصيرُ لقهّارِها
أحِبُّ بلادي على رَغْمِها
وإنْ لم يَنَلْني سوى عارِها
ولَسْتُ بأوّلِ ذي هِمَّةٍ
تَصدَّى الزّمانُ لإنكارِها

(٥) (إلى إسماعيل صبري باشا) عند استقالته من وكالة الحقّانيّة (نُشرت في ٩ فبراير سنة ١٩٠٧م)

يا صارِمًا أنِفَ الثَّواءَ بغِمْدِه
وأبَى القَرارَ، ألا تَزالُ صقيلاَ
فالبِيضُ تَصْدَأَ في الجُفونِ إذا ثَوَتْ
والماءُ يأْسِنُ إنْ أقامَ طويلاَ
أهْلا بمَوْلايَ الرِّئيسِ وليس مِنْ
شَرِفِ الرَّآسةِ أنْ أراكَ وَكِيلاَ
فاطرَحْ معاذِيرَ السُّكوتِ وقُلْ لنا
هَلاَّ وجَدْتَ إلى الكَلامِ سَبيلاَ؟
واضرِبْ على الوَتَرِ الّذي اهتزَّتْ له
أعطافُنا زَمَنًا وغَنِّ النِّيلاَ
واردُدْ على مُلْكِ القَريضِ جَمالَه
تَصَنَعْ بصاحِبِكَ القديمِ جَميلاَ
ما زال يَرجو أن يُقالَ عِثارُه
حتّى أقالَ اللهُ (إسْماعيلاَ)

(٦) ذكرَى وتشوّق (نشرت في ١٥ يوليه سنة ١٩٠٨م)

كتب بها إلى صديقه أحمد بك بدر وهو في كُلّيّة أدنبره بإنجلترا

مُلِكَتْ عليَّ مّذاهبي
وعَصاني الطبعُ السَّليمُ
وجَفا يَراعي الصَّاحِبا
نِ فلا النَّثيرُ ولا النَّظيمُ
أشْقى وأكْتُمُ شَقْوَتي
واللهُ بي وبها عَليمُ
حَلِمَ الأديمُ وما الّذي
أرْجو وقد حَلِمَ الأديمُ
لا مِصْرُ تُنْصِفُني ولا
أنا عَنْ مَوَدَّتها أريمُ
وإذا تَحوَّل بائِسٌ
عن رَبْعِها فأنا المُقيمُ
فيها صَحِبْتُكَ واصْطَفَيْـ
ـتُكَ أيُّها الخِلُّ الحَميمُ
أنا مَنْ عَرَفْتَ ومَن خَبَرْ
تَ ومَنْ مَوَدّتُه تَدومُ
للهِ ذَيّاكَ الجِوا
رُ وذلكَ العَيْشُ الرَّخيمُ
بالجانبِ الغَرْبيِّ فَوْ
قَ النِّيلِ والدُّنيا نَعيمُ
أيّامَ يَعْرِفُنا السُّرو
رُ بها وتُنْكِرُنا الهُمومُ
أيّامَ نَلهو بالظِّبا
ءِ وفي مَسارِحِها نَهيمُ
لا أنتَ تُصغي للعَذُو
لِ ولا أبالي مَنْ يَلومُ
للهِ أنْدِيَةٌ لنا
قد زانَها الخُلُقُ الكَريمُ
لم يَغْشَها وَغْدٌ ولَمْ
يَنْزِلْ بساحَتها لَئيمُ
تَمْشي الخَلاعَة في نَوا
حيها تُراقِبُها الحُلومُ
لهْوٌ كما شاءَ الصِّبا
وحِجًا كما شاءَ الحكيمُ
ومُدامَةٌ يَسعى بها
مُتأدِّبٌ ويَطوفُ رِيمُ
يَجْري على كاساتها
أنْسٌ يَخِفُّ له الحَليمُ
لا تَشتَكي منّا ولا
يَشكو عَواقِبَها النَّديمُ
والنِّيلُ مِرآةٌ تَنَفْـ
ـسَ في صَحيفَتِها النَّسيمُ
سلَبَ السماءَ نُجومَها
فهَوَتْ بلُجَّتِه تَعُومُ
نُشِرَتْ عليه غِلالةٌ
بَيضاءُ حاكَتْها الغُيومُ
شَفَّتْ لأعْيُنِنا سِوى
ما شابَه منها الأديمُ
وكأنّنا فوق السَّما
ءِ وتحتنا ذاكَ السَّديمُ
تَجري الحوادِثُ حيثُ تَجْـ
ـري لا نُضَام ولا نَضيمُ
لا الصُّبْحُ يُزْعِجُنا بأنْـ
ـباءِ الزَّمانِ ولا الصَّريمُ
يا ليْتَ شِعْري كيف أنـ
ـتَ وكيفَ حالُكَ يا زَعيمُ
أمّا أنا فكما أنا
أبْلَى كما يَبْلَى الرَّدِيمُ
لا خِلَّ بَعْدَكَ مُؤْنِسٌ
نَفْسي ولا قَلْبٌ رَحيمُ
كادَ الزَّمانُ لنا ولا
عَجَبٌ إذا كادَ الغَريمُ
أمْسَى احتَواكَ الزَّمْهَريـ
ـرُ وظَلَّ يَصْهَرُني الجَحيمُ
فشَرابُكَ الماءُ الشُّنا
نُ وشُربيَ الماءُ الحَميمُ
ومُناكَ لو طَلَعَتْ ذُكا
ءُ عليكَ في يومٍ يَصومُ
ومُنايَ لو مُحِقَتْ ذُكا
ءُ وغالَها لَيْلٌ بَهيمُ
فبَلِيَّتي الحَرُّ الأليـ
ـمُ وخَطْبُكَ القُرُّ الأليمُ
فكأنّني فِرْعَوْنُ مِصْـ
ـرَ وأنتَ شَيْطانٌ رَجيمُ
فابعَثْ إليّ بنَفْحةٍ
بَرَدًا بها يَحدو الهَزيمُ
أبْعَثْ إليكَ بلَفْحَةٍ
حَرَّى بها تَجْري السَّمُومُ
أمّا تَحِيَّتُنا إليـ
ـكَ فسَوْفَ يَشْرَحُها الرَّقيمُ

(٧) شكـر

أنشد هذه القصيدة في فندق الكونتننتال في الحفل الذي أقيم لتكريمه في يوم الجمعة ٣١ مايو ١٩١٢م

مَلَكْتُمْ عليَّ عِنانَ الخُطَبْ
وجُزْتُمْ بقَدْري سَماءَ الرُّتَبْ
فمَنْ أنا بَيْنَ مُلوكِ الكَلام
ومَن أنا بيْنَ كِرامِ الحَسَبْ
أتَسْعَى إليَّ حُماةُ القَريض
وتَمْشي إليَّ سَراةُ العَرَبْ
وتَنْظِمُ فيَّ عُقودَ الجُمان
وتَنْثُرُ فوقي نِثارَ الذَّهَبْ
وأُكرَم حتّى كأنِّي نَبَغْت
وقُمْتُ لمصرَ بما قدْ وَجَبْ؟
فماذا أتَيْتُ من الباقِيات
وهذا شبابي ضَياعًا ذَهَبْ
عَمِلْتُ لقَوْميَ جُهْدَ المُقِلّ
على أنّه عَمَلٌ مُقْتَضَبْ
فلم يُغْنِ شَيئًا ولم يُجْدِهِمْ
ولم يَبْقَ إلاّ بَقاءَ الحَبَبْ
وهلْ أنا إلا امرؤُ شاعِرٌ
كثيرُ الأماني قليلُ النَّشَبْ
يَقولُ ويُطْرِبُ أتْرابَه
ويَقْنَعُ منهمْ بذاكَ الطَّرَبْ
تَعَلَّقْتُ حِينًا بذَيْلِ البَيان
وأدْخَلْتُ نَفْسِيَ فيمَنْ كَتَبْ
فلا السَّبْقُ لي في مَجالِ النُّهَى
ولا ليَ يَوْمَ الفَخارِ الغَلَبْ
ولا أنا منْ عِلْيَةِ الكاتِبين
ولا أنا بالشّاعِرِ المُنْتَخَبْ
ولكنْ سَمَا بيَ عَطْفُ الأمير
ورَأيُ الوَزير وفَضْلُ الأدَبْ
وما كنتُ أحْلُمُ — لولا الوزير —
بهذا الهَناءِ وهذا اللَّقَبْ
عليَّ أيادٍ له جَمَّةٌ
وفَضْلٌ قديمٌ شَريفُ السَّبَبْ
فآنًا أقَالَ به عَثْرَتي
وأوْرَى زِنادي وآنًا وَهَبْ
تَفَيَّأتُ مِنْهُ ظِلالَ النَّعِيم
وأصبَحْتُ أعْرِفُ لُبْسَ القَصَبْ
وأمْشي اختِيالاً إلى عابِدين
يُطالِعُني بَدْرُها عَنْ كَثَبْ
وألْثِمُ كَفَّ كَريمِ الجُدودْ
غِياثِ العُفاةِ مُزيلِ الكُرَبْ
وأحْتَثُّ بَيْنَ وُفُودِ السَّراة
مَطايَا الرَّجاءِ لذاكَ الرَّحَبْ
أتَوْا خالِصين لوَجْهِ الأمير
فلا عَنْ رِياءٍ ولا عَنْ رَهَبْ
لهمْ ما يَشاءُون من رَبِّهِمْ
رِضاءُ الأميرِ وَنَيْلُ الأرَبْ
وللكاشِحِينَ نَكالُ الزَّمان
ونَحْسُ النَّجومِ ذَواتِ الذَّنَبْ
فعَهْدُ الأميرِ كعْهْدِ الرَّشيد
يَمُتُّ إليه بحَبْلِ النَّسَبْ
إليكَ (أبا حَسَنٍ) أنْتَمِي
فما زَلَّ مَوْلًى إليكَ انْتَسَبْ
عَرَفْتَ مَكاني فأدْنَيْتَني
وشَرَّفْتَ قَدْرِي (بدارِ الكُتُبْ)
وعَرَّفْتَ دَهْري مكانَ الأديب
وقد كانَ دَهْري شديدَ الكَلَبْ
فلو أنّ لي مُرْقِصاتِ (الخَليل)
وإعْجازَ (شَوْقي) إذا ما رَغِبْ
لَقُمْتُ بشُكْرِكَ حَقَّ القِيام
ولكنْ طَلَبْتُ فَعَزَّ الطَّلَبْ
فشُكْري لصُنْعِكَ شُكْرُ النَّبات
ببَطْنِ الفَلاةِ لقَطْرِ السُّحُبْ
وشُكْرًا (لشَوْقِي) رَسُولِ القريض الـ
ـكَريمِ الإخاءِ المَتينِ السَّبَبْ
وشُكْرًا (لداوُدَ) ربِّ اليَراع
وشُكْرًا (لسَرْكيسَ) رَبِّ العَجَبْ
وشُكْرًا لكلِّ كَريمٍ سَعَى
إليَّ وكلِّ أديبٍ خَطَبْ
هُمُ شَجَّعوني على أنْ أقول
وما كان لي بَيْنَهُمْ مُضْطَرَبْ
هُمُ ألْهَمُوني فَصيحَ الكلام
هُمُ عَلَّموني طَريقَ النُّخَبْ
فعَنْهُمْ أخَذْتُ وعنهمْ صَدَرْتُ
ومِنْ عِنْدِهمْ فَضْليَ المُكْتَسَبْ
فحيُّوا عَزيزَ البِلادِ الّذي
على السُّحْبِ ذَيْلَ المَعالي سَحَبْ
وحَيُّوا (سعيدًا) وَزيرَ الأمير
قَريبَ الصَّوابِ بَعيدَ الغَضَبْ
تَوَلَّى الرَّآسةَ والحادِثات
تَرُوعُ النُّفوسَ بوَقْعِ النُّوَبْ
فساسَ البِلادَ وأرْضَى العِباد
وأرْضَى الأميرَ وأرْضى الأدَبْ

(٨) إلى حفني ناصف بك (نشرت في ٥ أكتوبر سنة ١٩١٢م)

قالها في حفل أقامه أعضاء نادي طنطا لتكريم حفني بك؛ لانتقاله من القضاء إلى التفتيش بنظارة المعارف

يا يومَ تكريمِ (حفْني)
أرْهَفْتَ للقَوْلِ ذِهْني
فيا قَريضُ أجِبْني
ويا بَيانُ أعِنِّي
عَلِّي أفيِ بَعْضَ دَيْني
إنْ كان ذلكَ يُغْني
يا مَنْ ضَرَبْتَ بسَهْمٍ
في كُلِّ عِلْمٍ وفَنِّ
بَنَيْتَ للشِّعْرِ فينا
والنَّثرِ أعْظَمَ رُكْنِ
وما خُلِقْتَ لَعَمْري
في الشَّرْقِ إلاّ لتَبْني
فكلُّ ربِّ يَراعٍ
في مِصْرَ خِرِّيجُ (حِفْني)
إنْ قال شِعْرًا فراحٌ
تُدارُ في يَوْمِ دَجْنِ
أو قال نَثْرًا فروْحٌ
يَجْتازُنا غِبَّ مُزْنِ
فإنْ بَدأتَ بقَوْلٍ
منه فبالكَأسِ ثَنِّ
وطِرْ إلى اللَّهْوِ وارْغَبْ
عن حِكْمَةِ المُتَأنِّي
فالعيْشُ في بِنْتِ فِكْرٍ
تُجْلَى وفي بِنْتِ دَنِّ
وإنْ طَلَبْتَ مَزيدًا
ففي مُناجاةِ خِدْنِ
لولا الحَياءُ ولَوْلا
دِيني وعَقْلي وسِنِّي
لَقُمْتُ في يَوْمِ (حفْني)
أدْعُو لسَكْرَةِ «يَنِّي»
ولا أقولُ (لحفْني)
ما قيلَ قِدْمًا (لمَعْنِ)
لا تَنْسَ عَيْشًا تَوَلَّى
ما بَيْنَ شَرْحٍ ومَتْنِ
ولَّى شبابُكَ فيه
ما بيْنَ مَدٍّ وغَنِّ
وذُقْتَ مِنْ «جاءَ زَيْدٌ»
ومِنْ شُروحِ (الشُّمُنِّي)
ومنْ حَواشي الحَواشي
على مُتُونِ (ابنِ جِنِّي)
ما لَمْ تُذِقْكَ اللَّيالي
قَلَبْنَ ظَهْرَ المِجَنِّ
أيّامَ (سُلْطانُ) يَلْهُو
(بمشِّه) ويُغَنِّي
يَبيتُ يَقْصَع ما لَمْ
أُسَمِّه أو أُكَنِّي
يَشْكو إليكَ وتَشكو
إليه عيشةَ غَبْنِ
أيّامَ يَدعوكَ (حفْني):
منَ الحياةِ أجِرْني
هاتِ المُسَدَّسَ إنِّي
سَئِمْتُ (مشِّي) و(جُبْني)
مَنْ لي بدِرْهَمِ لحْمٍ
علَيهِ حبّة سَمْنِ
قَرِمْتُ واللهِ حتّى
صاحَتْ عصافيرُ بَطْني
أيّامَ عيدُكَ يَوْمٌ
تَفُوزُ فيه بدُهْنِ
أيّامَ (مَهْيَأ) أشْهَى
إلَيْكَ مِنْ (سَنْ جُوَنِّ)
أقولُ هذا وإنِّي
لَمُحْسِنٌ فيكَ ظَنِّي
فإنْ غَدَوْتَ وزيرًا
يومًا وجِئنا نُهَنِّي
فلا تَكُنْ ذا حِجابٍ
ولا تُطِلْ في التَّجَنِّي
ولا تَقُلْ من غُرورٍ
يأيُّها الناسُ إنِّي
أخْشى عليكَ المَنايا
حتّى كأنّكَ مِنِّي
إذا شَكَوْتَ صُداعا
أطَلْتُ تَسْهيدَ جَفْني
وإنْ عَراكَ هُزالٌ
هَيَّأتُ لَحْدِي وقُطْني
وإنْ دَعَوْتُ لحَيٍّ
يومًا فإيّاكَ أعْني
عُمْري بعُمْرِكَ رَهْنٌ
فعِشْ أعِشْ ألْفَ قِرْنِ
نَبْقَى وإبْليس فيها
نُبْلي اللّيالي ونُفْني
أسْرَفْتُ في المَزْحِ فاصفَحْ
يا سَيِّدي واعفُ عَنّي
فالذنبُ ذَنْبُ (شُدودي)
فالعَنْ (شُدودي) ودَعْني
قد سَنَّ فينا مُزاحًا
على الحقيقةِ يَجْني
ذُقْتُ الأمَرَّيْنِ منه
فسَلْ (سَليمًا) وسَلْني
واسمَعْ مَديحَ مُحِبٍّ
يُطْري بحَقٍّ ويُثْني
لقد جَمَعْتَ خِلالاً
تَضَمَّنَتْ كلَّ حُسْنِ
مُفَتِّشًا وفَقيهًا
وقاضِيًا وابنَ فَنِّ
إنَّ (المَعارِفَ) فازَتْ
بمُنْيَةِ المُتَمَنِّي
(بحِشْمَتٍ) و(عَليٍّ
أبي الفُتوحِ) و(حفني)

(٩) اعتذار إلى أحمد شوقي بك (نشرت في ١٥يناير سنة ١٩١٣م)

كتب به إليه حينما أقيم حفل زواج كريمته السيّدة أمينة هانم بحامد العلايلي بك في كرمة ابن هانئ ولم يحضره حافظ لمرض ألمّ به

يا سَيِّدي وإمامي
ويا أديبَ الزَّمانِ
قد عاقَني سُوءُ حَظِّي
عن حَفْلَة المِهْرجانِ
وكنتُ أوّلَ ساعٍ
إلى رِحابِ (ابنِ هانِي)
لكنْ مَرِضْتُ لنَحْسي
في يَوْمِ ذاكَ القِرانِ
وقد كفاني عِقابًا
ما كانَ منْ حِرْماني
حرِمْتُ رُؤْيَةَ (شَوْقي)
ولَثْمَ تِلْكَ البَنانِ
فاصفَحْ فأنتَ خَليقٌ
بالصَّفْحِ عن كلِّ جاني
وعِشْ لعَرْشِ المَعاني
ودُمْ لتاجِ البَيانِ
إنْ فاتَني أنْ أوَفِّي
بالأمْسِ حَقَّ التَّهاني
فاقْبَلْهُ مِنِّي قَضاءً
وكُنْ كَريمَ الجَنانِ
واللهُ يَقبَلُ مِنّا الصْـ
ـلاةَ بَعْدَ الأوانِ

(١٠) دُعـابـة (نشرت في ١٥ يوليه سنة ١٩١٣م)

رُزق الشيخ أمين تقيّ الدين الأديب السوريّ بمولود سمّاه حافظًا، وقال فيه:

لي وَلَدٌ سَمَّيْتُه حافِظًا
تَيَمُّنًا بحافِظ الشّاعِرِ

فقال حافظ:

كحافِظِ إبراهيمَ لكنّه
أجْمَلُ خَلْقًا منه في الظّاهِرِ
فلَعْنَةُ اللهِ على (حافِظٍ)
إنْ لَمْ يَكُنْ بالشّاعِرِ الماهِرِ
لَعَلَّ أرْضَ الشامِ تُزْهَى به
على بلادِ الأدَبِ الزَّاهِرِ
على بلادِ النِّيلِ تِلْكَ الّتي
تاهَتْ بأصْحابِ الذَّكا النّادِرِ
(شَوْقي) و(مَطْرانَ) و(صَبْري) ومَنْ
سَمَّيْتُه في مَطْلَعي الباهِرِ

فقال الشيخ أمين:

واخَجْلَتي إنْ لمْ يَجِئْ شاعِرًا
يُنْسِي أَباهُ حِكْمَةَ النّاثِرِ
شِعْرٌ نَظَمْناهُ ولَوْلا الّذي
رُزِقْتُه ما مَرَّ بالخاطِرِ

فقال حافظ:

فيا وَليدي كُنْ غدًا شاعِرًا
وابدَأْ بهَجْوِ الوالِد الآمِرِ
فالذَّنْبُ ذَنْبي وأنا المُعْتَدي
هَلْ يَسْلَمُ الشّاعِرُ منْ شاعِرِ

(١١) بين شوقي وحافظ (نشرت في سنة ١٩١٧م)

كان (أحمد شوقي بك) قد بعث بأبيات ثلاثة وهو في منفاه بالأندلس إلى حافظ، وهي:

يا ساكِني مِصْرَ إنّا لا نَزالُ على
عَهْدِ الوَفاءِ — وإنْ غِبْنا — مُقيمِينَا
هَلاَّ بَعَثْتُم لنا من ماءِ نَهْرِكُمُ
شيئًا نَبُلُّ به أحْشاءَ صادِينَا
كلُّ المناهِلِ بَعْدَ النِّيلِ آسِنَةٌ
ما أبْعَدَ النِّيلَ إلاّ عَنْ أمانِيَنا

(١٢) فأجابه حافظ بهذه الأبيات (نشرت في ٨ مايو سنة ١٩١٧م)

عَجِبْتُ للِّيل يَدْري أنَّ بُلْبُلَه
صادٍ ويَسْقي رُبَا مِصْرٍ ويَسْقينا
واللهِ ما طابَ للأصْحابِ مَوْرِدُه
ولا أرتَضَوْا بَعْدَكُمْ مِنْ عَيْشِهِمْ لينا
لمْ تَنْأ عنه وإنْ فارَقْتَ شاطِئَه
وقد نأيْنا وإنْ كُنّا مُقيمينا

(١٣) بين حافظ والهرّاوي

احتجب المرحوم حافظ إبراهيم بك حين كان بدار الكتب المصريّة بعض أيّام في بيته بالجيزة سنة ١٩١٨م فذهب صديقه محمّد الهرَّاوي الشاعر المعروف ليزوره، ولمّا رآه على غير حالته المألوفة جالت بعض المعاني في خاطره، فارتجل هذه الأبيات:

يا رَئيسَ الشِّعْرِ قُلْ لي
ما الّذي يَقْضي الرَّئيسُ
أنْتَ في الجِيزَةِ خافٍ
مِثْلَما تَخْفَى الشُّموسُ
قابِعٌ في كِسرِ بَيْتٍ
قد أظَلَّتْه الغُروسُ
زاهِدٌ في كلِّ شَيْءٍ
مُطْرِقٌ ساهٍ عَبُوسُ
أين شِعْرٌ منك نَضْرٌ
فَلَنا فيه مَسيسُ
وحَديثٌ منكَ حُلْوٌ
يَتَشَهّاهُ الجُلوسُ
وفُكاهاتٌ عِذابٌ
تَتَمنّاها النُّفوسُ
قد جَفَوْتَ الشِّعر حتّى
حَدَّثَتْ عنك الطُّروسُ
وهَجَرْتَ الناسَ حتّى
ساءَلُوا أين الأنيسُ؟

فأجابه حافظ على البديهة أيضًا:

أنا في الجِيزةِ ثاوٍ
لَيسْ لي فيها أَنيسُ
أنْكَرَ الأنْسُ مَكاني
ونَأى عنِّي الجَليسُ
لَيْسَ يَدْري مَنْ رَآني
أطَليق أمْ حَبيسُ

(١٤) دعابة كتب بها إلى السيّد محمّد الببلاوي نقيب الأشراف

(لمّا ولِي نقابة الأشراف في سنة ١٩٢٠م)

قُلْ للنَّقيبِ لقد زُرْنا فَضيلَتَهُ
فذَادَنا عَنْه حُرّاسٌ وحُجّابُ
قد كان بابُكَ مَفْتوحًا لقاصِدِه
واليومَ أُوصِدَ دُونَ القاصِدِ البابُ
هَلاّ ذَكَرْتَ (بدارِ الكُتْبِ) صُحْبَتَنا
إذْ نَحْنُ رَغْمَ صُروف الدَّهْرِ أحْبابُ
لو أنّني جِئْتُ (لِلْبابَا) لأكْرَمَني
وكان يُكْرِمُني لو جِئْتُه (البابُ)
لا تَخْشَ جائِزَةً قد جِئْتُ أطْلُبُها
إنِّي شريفُ وللأشْرافِ أحْسابُ
فاهْنَأ بما نِلْتَ من فَضْلٍ وإنْ قُطِعَتْ
بَيْني وبَيْنَكَ بَعْدَ اليومِ أسْبابُ

(١٥) استئذان الرئيس (نشرا في ٢٥ نوفمبر سنة ١٩٢٤م)

بيتان ارتجلهما في الاستئذان على المغفور له سعد زغلول باشا

قُلْ للرَّئيس أدامَ اللهُ دَوْلَتَهُ
بأنّ شاعِرَه بالبابِ مُنْتَظِرُ
إنْ شاءَ حَدَّثَهُ أو شاءَ أطْرَبَهُ
بكلِّ نادِرَةٍ تُجْلى بها الفِكَرُ

(١٦) دعابـة

قالها في الدكتور محجوب ثابت سنة ١٩٢٧م، وكان كلاهما في ضيافة المرحوم سعد زغلول باشا في مسجد وصيف، وكان الدكتور — فيما قالوا — مشغولاً بأمرين إذ ذاك: وزارة يتولاّها، وفتاة غنيّة من بيت عريق يتزوّجها وإلى هذا يشير الشاعر في هذه القصيدة:

يُرْغِي ويُزْبِدُ بالقافاتِ تَحْسِبُها
قَصْفَ المَدافِعِ في أفْقِ البَساتينِ
منْ كلِّ قافٍ كأن اللهَ صَوَّرَها
من مارِجِ النارِ تَصْويرَ الشَّياطينِ
قد خَصَّهُ اللهُ بالقافاتِ يَعْلِكُها
واختَصَّ سُبحْانه بالكافِ والنُّونِ
يَغيبُ عنه الحِجا حِينًا ويَحْضُرُه
حِينًا فيَخْلِطُ مُخْتَلاًّ بمَوْزونِ
لا يَأْمَنُ السامِعُ المِسْكينُ وَثْبَتَه
مِنْ (كردفان) إلى أعْلى (فِلَسْطينِ)
بَيْنا تَراه يُنادي الناسَ في (حَلَبٍ)
إذا به يَتحدَّى القَوْمَ في (الصِّينِ)
ولم يَكُنْ ذاكَ عنْ طَيْشٍ ولا خَبَلٍ
لكنّها عَبْقَريّاتُ الأساطينِ
يَبيتُ يَنْسُجُ أحْلامًا مُذَهَّبَةً
تُغْني تفاسيرُها عن (ابْنِ سيرينِ)
طَوْرًا وزيرًا مُشاعًا في وِزارَتِهِ
يُصَرِّفُ الأمْرَ في كلِّ الدّواوينِ
وتارَةً زَوْجَ عُطْبُولٍ خَدَلَّجَةٍ
حَسْناءَ تَمْلِكُ آلافَ الفَدادينِ
يُعْفَى من المَهْرِ إكْرامًا للِحْيَتِه
وما أظَلَّتْه من دُنْيَا ومِنْ دِينِ

(١٧) دمع السرور

قال هذين البيتين عند زيارته للمجمع العلميّ بدمشق

شَكَرْتُ جَميلَ صُنْعِكُمُ بدَمْعي
ودَمْعُ العَيْنِ مِقياسُ الشُّعورِ
لأوّلِ مَرّةٍ قد ذاقَ جَفْني
— على ما ذاقَه — دَمْعَ السُّرورِ

(١٨) دعابة كتب بها إلى صديق له

وكانت جوابًا عن قصيدة دعابية أيضًا بعث بها إليه هذا الصديق

وافَى كِتابُكَ يَزْدَري
بالدُّرِّ أو بالجَوْهَرِ
فَقَرأْتُ فيه رِسالةً
مُزِجَتْ بذَوْبِ السُّكَّرِ
أجْرَيْتَ في أثْنائها
نَهْرَ انسِجامِ الكَوْثَرِ
وفَرَطْتَ بين سُطورِها
مَنْظومَ تاجِ القَيْصَرِ
وخَبَأْتَ في ألْفاظِها
من كلِّ مَعْنًى مُسْكِرِ
فتَرى المَعاني الفارسيْـ
ـيَة في مَغاني الأسْطُرِ
كالغانِياتِ تَقَنَّعَتْ
خَوْفَ المُريبِ المُجْتَرِي
مَعْنًى ألَذُّ من الشَّما
تَةِ بالعَدُوِّ المُدْبِرِ
أوْ مِنْ عِتابٍ بَيْنَ مَحْـ
ـبوبٍ وحِبٍّ مُعْذِرِ
أو فَتْرَةٍ أضاعَها الـ
مـقامِرُ عند المَيْسِرِ
أو مَجْلِسٍ للخَمْرِ مَعْـ
ـقُودٍ بيَوْمٍ مُمْطِرِ
تِسْعون بيتًا شِدْتَها
فوقَ سِنانِ السَّمْهَرِي
والسَّمْهَرِيُّ قَلَمٌ
في كَفِّ لَيْثٍ قَسْورِ
أفَتَى القوافي كيفَ أنْـ
ـتَ؟ فَقْدْ أطَلْتَ تَحَسُّري؟
أتُرى أراكَ أمِ اللِّقا
ءُ يكونُ يومَ المَحْشَرِ
ما كان ظَنِّي أنْ تَعِيـ
ـشَ أيا لَئيمَ المَكْسِرِ
ولقد قُذِفْتَ إلى الجَحيـ
ـمِ وبئسَ عُقْبَى المُنْكَرِ
تاللهِ لو أصْبَحْتَ (أفْـ
ـلاطُونَ) تِلْكَ الأعْصُرِ
وغَدا (أبقراطُ) ببا
بكَ كالعَديمِ المُعْسِرِ
وبَرَعْتَ (جالينُوسَ) أو
(لُقْمانَ) بيْنَ الحُضَّرِ
ما كنتَ إلاّ تافِهَ الـ
ـآدابِ عند المَعْشَرِ
غُفْرانَكَ اللهم إذ
ني من ظُلامَتِهِ بَري
سَوَّيْتَه كالكَرْكَدَ
ـن وجاءنا كالأخْدَري
وجْهٌ ولا وَجْهُ الخُطو
بِ وقامَةٌ لم تُشْبَرِ
ومن العَجائِبِ أنَّ مِثْـ
ـلَ لسانِهِ لم يُبْتَرِ
كم باتَ يَلْتَحِمُ العُرو
ضَ وجاء بالأمْرِ الفَري
فافعَلْ به اللهُمّ كالنْـ
ـمرُوذِ فهْو بها حَرِي
وأنزِل عليه السُّخْطَ إنْ
أمْسى ولم يَسْتَغْفِرِ
فهو الّذي ابتدَعَ الرِّبا
وأقامَ رُكْنَ الفُجَّرِ
وأقامَ دِينَ عِبادَةِ الد
ينارِ بَيْنَ الأظْهُرِ
ولقد عَجِبْتُ لبُخْله
ولكَفِّهِ المُسْتَحْجِرِ
لا يَصْرِفُ السُّحْتُوتَ إلـ
ـلا وهْوَ غيرُ مُخَيَّرِ
لو أنّ في إمْكانِه
عَيْشًا بغَيْرِ تَضَوُّرِ
لاختارَ سَدَّ الفَتْحَتَيْـ
ـنِ وقال: يا جَيْبُ احذَرِ

(١٩) عتاب كتب به إلى محمّد سليمان أباظة بك

طال الحَديثُ عليكُمْ أيُّها السَّمَرُ
ولاحَ للنَّوْمِ في أجْفانِكُمْ أثَرُ
وذلكَ اللَّيْلُ قد ضاعَتْ رَواحِلُه
فليسَ يُرْجَى له منْ بَعْدِها سَفَرُ
هذي مَضاجِعُكُمْ يا قَوْمُ فالتَقِطوا
طيبَ الكَرَى بعُيونٍ شابَها السَّهَرُ
هل يُنْكِرُ النَّوْمَ جَفْنٌ — لو أتيح له —
إلاّ أنا ونجومُ اللَّيْلِ والقَمَرُ؟
أبِيتُ أسألُ نَفْسي كيف قاطَعَني
هذا الصَّديقُ ومالي عنه مُصْطَبَرُ
فما مُطَوَّقَةٌ قد نالَها شَرَكٌ
عند الغُروبِ إليه ساقَها القَدَرُ
باتَتْ تُجاهِدُ هَمًّا وهي آيِسَةٌ
من النَّجاةِ وجُنْحُ اللَّيْلِ مُعْتَكِرُ
وباتَ زُعْلولُها في وَكْرها فَزِعًا
مُرَوَّعًا لرجوعِ الأمِّ يَنْتَظِر
يُحَفِّزُ الخَوْفُ أحْشاهُ وتُزْعِجُه
إذا سَرَتْ نَسْمَةٌ أو وَسْوَسَ الشَّجَرُ
مِنِّي بأسْوَأ حالاً حينَ قاطَعَني
هذا الصَّديق فهلاَّ كان يَدَّكِرُ
يابنَ الكِرامِ أتَنْسى أنّني رَجُل
لظِلِّ جاهِكَ بعدَ اللهِ مُفْتَقِرُ
إنِّي فتاكَ فلا تَقْطَعْ مُواصَلَتي
هَبْني جَنَيْتُ فقُلْ لي كَيْفَ أعْتَذِرُ؟

(٢٠) استعطاف

بعث به للأستاذ الإمام الشيخ محمّد عبده

لقد بِتُّ مَحْسودًا عليكَ لأنّني
فتاكَ، وهَلْ غَيْرُ المُنَعَّمِ يُحْسَدُ
فلا تُبْلِغ الحُسّاد مِنّي شماتَةً
ففِعْلُكَ مَحْمُودٌ وأنتَ مُحَمَّدُ

(٢١) وداع محمّد المويلحي بك حين سفره إلى معرض باريس

يا كاتِبَ الشَّرْقِ ويا خَيْرَ مَنْ
تَتْلو بَنُو الشَّرْقِ مَقاماتِهِ
سافِرْ وعُدْ يَحْفَظْكَ رَبُّ الوَرَى
وابعَثْ لنا عيسى بآياتِهِ

وقال يستقبله عند عودته من هذا المؤتمر:

مَنْ لمْ يَرَ المَعْرِضَ في اتِّساعِ
وفاتَهُ ما فيه من إبداعِ
فمَعْرِضُ القَوْمِ بلا نِزاعِ
في نَفْثَةٍ منْ ذلِكَ اليَراعِ

(٢٢) عتاب كتب به إلى جماعة من أصحابه

تَناءَيْتُ عنكم فحُلَّتْ عُرا
وضاعَتْ عُهودٌ على ما أرى
وأصبَحَ حَبْلُ أتِّصالي بكمْ
كخَيْطِ الغَزالَةِ بَعْدَ النَّوى
وقد زالَ ما كان من أُلْفَةٍ
ووُدٍّ زوالَ شِهابِ الدُّجَى
كأنّ بقاءَ الوَفا بَيْنَكُمْ
وبَيْني بَقاءُ حَبابِ الحَيَا
سَكَنْتُ إليكم ولمْ تَسْكُنوا
إليَّ وقد كُنْتُ نِعْمَ الفَتى
ونَفْسي فَريقانِ: هذا به
مَزَجْتُ الوَفاءَ، وذاكَ النَّدى
أصَبْتُمْ تُراثًا وألهْاكُمُ التـ
ـكاثُرُ عنّا فسُرَّ العُِدا
ومَنْ كان يُنْسيه إثراؤُه
صديقَ الخَصاصَةِ لا يُصْطفى

(٢٣) ذِكرى

كتب بها من السودان إلى طائفة من إخوانه

مِنْ واجِدٍ مُنَفَّرِ المَنامِ
طريدِ دَهْرٍ جائِرِ الأحْكامِ
مُشَتَّتِ الشَّمْلِ على الدَّوامِ
مُلازمٍ لِلْهَمِّ والسِّقامِ
إليكمُ يا نُزهةَ الأنامِ
وفِتْيَةَ الإيناسِ والمُدامِ
مَن أقْسَموا بألْزَمِ الأقْسامِ
بأنْ يُقَضُّوا دَوْلَةَ الظَّلامِ
ما بَيْنَ بِنْتِ الحانِ والأنغامِ
ومُطْرِبٍ من خِيرةِ الأقْوامِ
أرَقَّ من شِعْرِ (أبي تمّامِ)
ومَجْلِسٍ في غَفْلةِ الأيّامِ
قد مَلَّ فيه كاتِبُ الآثامِ
تحيّةٌ كالوَرْدِ في الكِمامِ
أزْهى من الصِّحّة في الأجْسامِ
يَسوقُها شوْقٌ إليكمْ نامي
تَقْصُرُ عنه همّةُ الأقلامِ
يا لَيْتَ شعْري بَعْدَ هذا العامِ
إليكمُ تَرْمي بيَ المَرامي
أمْ يَنْتَويني رائدُ الحِمامِ
فأنْطوي في هذه الآكامِ
وتُولمُ الضَّبْعُ على عِظامِي
ولائِمًا للوَحْشِ في الإظلامِ
فإنْ أتَى يوْمي وأوْدى لامي
وباتَ زادَ الدُّودِ والرَّغامِ
باللهِ أدْعُوكُمْ وبالإسلامِ
أنْ تَذكُروا ناظِمَ ذا الكَلامِ
إذا جَلَسْتُمْ مَجْلِسًا للِجامِ
وكانَ ساقيكُمْ من الآرامِ
في لَيْلَةٍ والبَدْرُ في تَمامِ

(٢٤) وداع لصديقيه محمّد بدر وأحمد بدر عند سفرهما إلى بلاد الإنجليز للتعلّم

سيرَا أيا بَدْرَيْ سَماءِ العُلا
واستَقْبِلا التِّمَّ ولا تَأْفُِلاَ
سِيرَا إلى مَهْدِ العُلومِ الّتي
كانت لنا ثُمَّ ازْدهاها البِلَى
سِيرا إلى الأرْضِ الّتي أنْبَتَتْ
عِزَّا وأضْحَتْ لِلْمَلا مَوْئِلاَ
يَمْشي عليها الدَّهْرُ مُسْتَخْذِيًا
وتَجْزَعُ الأحْدَاثُ أنْ تَنْزِلاَ
شِعارُ أهْليها وأبْنائِها
أنْ يَعْلَمَ المَرْءُ وأنْ يَعْمَلاَ
فَزِّينا المَجْدَ بنُور النُّهى
وجَمِّلا الجاهَ بأنْ تَكْمُلاَ
واستَبِقا العَلْياءَ واستَمْسِكَا
بعُرْوَةِ الصَّبْرِ ولا تَعْجَلاَ
وخَبِّرَا الغَرْبَ وأبْناءَه
بأنّنا نحن الرِّجالُ الأُلَى
لئن غَدا الدَّهْرُ بنا مُدْبِرًا
لا بُدّ للمُدْبِر أنْ يُقْبِلاَ
لا زِلْتُما فَرْعَيْنِ في دَوْحَةٍ
تُظِلُّ مَنْ رَجَّى ومَنْ أمَّلا
نَمَتْكُما مِصْرُ وربّاكُمَا
أبٌ كريمُ جَدَّ حتّى عَلاَ
مَضى وقد أوْلاكُمَا نِعْمةً
لا تَبْسُطا فيها ولا تَغْلُلاَ
فَرَحْمَةُ اللهِ على والِدٍ
كساكُما الإعزازَ بَيْنَ المَلاَ

(٢٥) إلى أحمد شوقي بك يُودّعه حين سفره إلى مؤتمر المستشرقين

يا شاعِرَ الشَّرْقِ اتّئِدْ
ماذا تُحاوِلُ بَعْدَ ذاكْ
هذي النُّجومُ نَظَمْتَها
دُرَرَ القريضِ وما كَفاكْ
والبَدْرُ قد عَلَّمْتَه
أدَبَ المُثولِ إذا رَآكْ
وسَمَوْتَ في أفُقِ السُّعو
دِ فكِدْتَ تَعْثُرُ بالسِّماكْ
وحَباكَ عباسُ المحا
مِدِ بالمَواهِبِ واصطفاكْ
ودَعَتْكَ مِصْرُ رَسولَها
للغَرْبِ مُذْ عَرَفْتَ عُلاكْ
فارحَلْ وعُدْ بوديعَةِ الرْ
رَحْمنِ أنتَ وصاحِباكْ

(٢٦) إلى صديقه محمّد عبده البابليّ بك يعاتبه

كتب بها إليه من السودان

إنّ عَضِّيكَ يا أخي بالمَلامِ
لا يُؤَدِّي لِمِثْلِ هذا الخِصامِ
أنتَ و(الشَّمْسِ) (والضُّحى) واللَّيالي الْـ
ـعَشرِ (والفَجْرِ) غيرُ راعِي الذِّمامِ
ما عَهِدناكَ يا كريمَ السَّجايا
تَصْرِفُ النَّفْسَ عن هَناتِ الكِرامِ
ليس في كُتْبِنا سُؤالُ نَوالٍ
منكَ حتّى خَشيتَ رَدَّ السَّلامِ
نحن نَرضى بالقُوتِ من هذه الدنـ
ـيا وإنْ باتَ دونَ قوتِ النَّعامِ
وإذا خانَ قِسْمُنا ما شَكَوْنا
لسِوى اللهِ أعْدَلِ القُسّامِ
كيف تَنْسى يا (بابِليُّ) غَريبًا
باتَ بيْنَ الظُّنون والأوْهامِ
وحَزينًا إذا تَنفَّس عادَتْ
فَحْمَةُ اللَّيْلِ جَمْرَةً من ضِرامِ
وإذا أنَّ كادَ يَنْصَدِعُ الأفْـ
ـقُ وتَعْتَلُّ دَوْرَةُ الأجْرامِ
بات تحت البَلاءِ حتّى تَمَنَّى
لو يَكونُ المَبيتُ تحتَ الرَّغامِ

وكتب إليه أيضًا يعاتبه ويداعبه:

أدَلالٌ ذاكَ أمْ كَسَلُ
أمْ تَناسٍ منكَ أمْ مَلَلُ
أمْ غَريقٌ أنتَ في جَذَلٍ
أمْ بِكاساتِ الهَنا ثَمِلُ
أمْ — وَقَاكَ اللهُ — في كَدَرٍ
أمْ على الأعْذارِ مُتَّكِلُ
أمْ مَشوقٌ مُغْرَمٌ وَلِهٌ
شَفَّهُ التَّشْبيبُ والغَزَلُ
أمْ غَنيٌّ باتَ يَشغَلُه
مالُه والكَسْبُ والأمَلُ
أمْ وَشى واشٍ إليكَ بنا
فاحتَواكَ الشَّكُّ (يا بَطَلُ)
قد مَضى شَهْرٌ وأعْقَبَه
ضِعْفُه والفِكْرُ مُشْتَغِلُ
لا كِتابٌ منكَ يُطْفِئ ما
في فؤادي باتَ يَشْتَعِلُ
لا ولا رَدٌّ يُعَلِّلُني
أو على التَّسْليم يَشْتَمِلُ
يا صديقيِ لا مُؤاخَذَةٌ
أنتَ يابنَ البابِليّ … …

وكتب إليه أيضًا يتشوّق:

نمى يا بابِليُّ إليكَ شَوْقي
وعَيْني لازَمَتْ سَكْبَ الدُّموعِ
ولو أنِّي تَرَكْتُ سَراحَ قَلْبي
لطارَ إليكَ من قَفَصِ الضُّلوعِ

(٢٧) شُكْرُ وزيرٍ زار حافظًا في منزله

لا غَرْوَ إنْ أشْرَقَ في مَنْزِلي
في لَيْلَةِ القَدْرِ مُحَيَّا الوَزيرْ
فالبَدْرُ في أعْلى مَداراتِهِ
للعَيْنِ يَبْدو وجْهُه في الغَديرْ

(٢٨) دعابة كتب بها إلى الأستاذ حامد سري

في يوم زفافه (٢ نوفمبر ١٩١٧) يستهديه من طعام العرس وثيابًا يلبسها، وكانا إذ ذاك متجاورين بالجيزة:

أحامِدُ كيْفَ تَنْساني وبَيْني
وبَيْنَكَ يا أخي صِلَةُ الجِوارِ
سأشْكو للوَزيرِ فإنْ تَوانَى
شكَوْتُكَ بَعده للمستشارِ
أيَشْبَعُ مُصطَفَى الخولي وأُمْسي
أُعالِجُ جَوْعَتي في كِسْرِ داري
وبَيْتي فارِغٌ لا شيْءَ فيه
سوايَ وإنني في البَيْتِ عارِي
ومالي جَزْمَةٌ سَوْدَاءُ حتّى
أُوافِيَكُمْ على قُرْب المَزارِ
وعِنْدي من صِحابي الآنَ رَهْطٌ
إذا أكَلوا فآسادٌ ضَواري
فإنْ لم تَبْعَثَنَّ إليَّ حالاً
بمائِدَةٍ على مَتْنِ البُخارِ
تُغَطِّيها مِنَ الحَلْوى صُنوفٌ
ومِنْ حَمَلٍ تَتَبَّلَ بالبهارِ
فإنِّي شاعِرٌ يُخْشى لساني
وسَوْفَ أُريكَ عاقِبةَ احتِقاري

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤