الخَـمـريـَّـات

(نُشرت في سنة ١٩٠٠م)

قال:

هذا الظَّلامُ أثارَ كامِنَ دائي
يا ساقِيَيَّ عليَّ بالصَّهْباءِ
بالكاسِ أو بالطّاسِ أو باثْنَيْهِما
أو بالدِّنانِ فإنّ فيه شِفائي
مَشمولةٌ لولا التُّقى لعَجِبْتُ مِنْ
تَحريِمها والذَّنْبُ للقُدَماءِ
قَرِبُوا الصَّلاةَ وهُمْ سُكارَى بَعْدَما
نَزَل الكِتابُ بحِكْمَةٍ وجَلاءِ
يا زَوْجَةَ ابنِ المُزْنِ يا أُخْتَ الهَنا
يا ضَرَّةَ الأحْزانِ في الأحْشاءِ
يا طِبَّ (جالينوسَ) في أنواعِه
مالي أراكِ كثيرةَ الأعْداءِ
عَصَروكِ مِنْ خَدَّيْ سُهَيْلٍ خُلْسَةً
ثم اخْتَبَأتِ بمُهْجَةِ الظَّلْماءِ
فلَبِثْتِ فيها قَبْلَ نُوحٍ حِقْبَةً
وتَداوَلَتْكِ أنامِلُ الآناءِ
حتّى أتاحَ اللهُ أن تَتجمَّلي
بيَدِ الكريمِ وراحَةِ الأدَباءِ
يا صاحبي كيفَ النُّزوعُ عن الطِّلا
ولقد بُليتُ من الهُمومِ بداءِ
واللَّيْلُ أرْشَدَهُ أبوهُ لِشَقْوَتي
وكذا البَنُونَ على هَوَى الآباءِ
ألَّفْتُ بين ابنِ السَّحابِ وبينَها
فرأيتُ صِحّةَ ما حَكاهُ (الطّائي):
(صَعُبَتْ وراضَ المَزْجُ سَيٍّئَ خُلْقِها
فتَعَلَّمَتْ من حُسْنِ خُلْقِ الماءِ)

(١) وقال وقد بعث بها إلى محمد المويلحي بك الكاتب المعروف (نُشرت في سنة ١٩٠٠م)

أوْشَكَ الدِّيكُ أنْ يَصيحَ ونَفْسي
بينَ هَمٍّ وبين ظَنٍّ وحَدْسِ
يا غلامُ، المُدامَ والكاسَ، والطّا
سَ، وهَيِّئْ لنا مكانًا كأمْسِ
أطْلِق الشّمسَ من غَياهِب هذا الد
نِّ واملأ من ذلِكَ النُّورِ كأْسِي
وأْذِن الصُّبْحَ أنْ يَلوحَ لعَيْني
مِنْ سَناها فذاكَ وَقْتُ التَّحَسِّي
وادْعُ نَدمانَ خَلْوَتي وائتِناسي
وتَعَجَّلْ واسبِل سُتورَ الدِّمَقْسِ
واسقِنا يا غُلامُ حتّى تَرانا
لا نُطيقُ الكَلامَ إلا بهَمْسِ
خَمْرةً قيلَ إنّهم عَصَروها
من خُدود المِلاحِ في يوْم عُرْسِ
مُذْ رآها فَتَى العَزيزِ مَنامًا
وهو في السِّجْنِ بيْنَ هَمٍّ ويَأْسِ
أعْقَبَتْهُ الخَلاصَ مِنْ بَعْد ضيقٍ
وحَبَتْه السُّعودَ من بَعْد نَحْسِ
يا نَديمي باللهِ قُلْ لي لماذا
هذه الخَنْدَريسُ تُدْعى برِجْسِ؟
هي نَفْسٌ زَكيَّةٌ وأبوها
غَرْسُه في الحِنانِ أكرَمُ غَرْسِ
هي نَفْسٌ تَعَلَّمَتْ حُسْنَ أخْلا
قِ (المُوِلْحِيِّ) في صفاءٍ وأنْسِ
خَصّه اللهُ حيثُ يُصْبحُ بالإقْـ
ـبالِ، والعِزِّ، والعُلا، حيثُ يُمسي

(٢) مجلس شراب

وفِتْيانِ أنْسٍ أقْسَموا أنْ يُبَدِّدوا
جُيوشَ الدُّجَى ما بينَ أنْسٍ وأفْراحِ
فهَبُّوا إلى خَمّارَةٍ قيلَ إنّها
قعيدَةُ خَمْرٍ تَمْزَجُ الرُّوحَ بالرّاحِ
وقالوا لها: إنّا أتَيْنا على ظَمًا
نُحاوِلُ وِرْدَ الرّاحِ رَغْمًا عَن اللاّحي
فقامت وفي أجْفانها كَسَلُ الكَرَى
وفي رِدْفِها واستَعْرَضَتْ جَيْشَ أقْداحِ

وقال أيضًا:

مَرَّتْ كعُمْرِ الوَرْدِ بَيْنا أجْتَلي
إصْباحَها إذْ آذَنَتْ برَواحِ
لم أقْضِ من حَقِّ المُدامِ ولم أقُمْ
في الشّارِبين بواجِبِ الأقْداحِ
والزَّهْرُ يَحْتَثُّ الكُئوسَ بلَحْظِه
ويَشوبُها بأريِجه الفَيَّاحِ
أخْشى عَواقِبَها وأغْبِطُ شَرْبَها
وأُجيدُ مِدْحَتَها مع المُدَّاحِ
وأميلُ من طَرَبٍ إذا مالَتْ بهمْ
فاعجَبْ لَنشْوانِ الجَوانِحِ صاحي
أسْتَغْفِرُ اللهَ العظيمَ فإنّني
أفْسَدْتُ في ذاكَ النَّهارِ صَلاحي

وقال:

خَمْرَة في (بابلٍ) قد صُهْرِجَتْ
هكذا أخْبَرَ حاخامُ اليهودْ
أوْدَعوها جَوْفَ دَنٍّ مُظْلِمٍ
ولَدَيْهِ بَشَّروها بالخُلودْ
سألوا الكُهّانَ عنْ شارِبِها
وعَنِ السَّاقي وفي أيِّ العُهودْ؟
فأجابوهُمْ: فتًى ذو مِرَّةٍ
مِنْ بَني مِصرٍ له فضْلٌ وجُودْ
مُغْرَمٌ بالعُود والنايِ معًا
مولَعُ الشُّربِ والناسُ هُجُودْ
هَمُّه فَصْدُ دِنانٍ ونَدًى
وأبوهُ هَمُّه جَمْعُ النُّقودْ

(٣) ذِكرى مجلس شراب

بَعَث بها من السودان إلى بعض أصدقائه بمصر

فِتْيَةَ الصَّهْباءِ خَيْرَ الشَّارِبينْ
جَدِّدوا باللهِ عَهْدَ الغائبينْ
واذكُروني عند كاساتِ الطِّلا
إنّني كنتُ إمامَ المُدْمِنينْ
وإذا ما استَنْهَضَتْكُمْ ليْلَةً
دَعْوَةُ الخَمْرِ فَثوروا أجْمَعينْ
رُبَّ ليْلٍ قد تَعاهَدْنا على
ما تَعاهَدْنا وكُنّا فاعِلينْ
فقَضَيْناهُ ولم نَحْفِلْ بما
سطَّرَتْ أيدي الكِرامِ الكاتِبينْ
بينَ أقْداحٍ وراحٍ عُتِّقَتْ
ورياحينٍ ووِلْدانٍ وعِينْ
وسُقاةٍ صَفَّفَتْ أكْوابَها
بعْضُها البَلُّورُ والبَعْضُ لُجَيْنْ
آنَسَتْ منّا عِطاشًا كالقَطا
صادَفَتْ وِرْدًا به ماءٌ مَعينْ
فمَشَتْ بالكاسِ والطاسِ لنا
مِشْيَةَ الأفراحِ للقَلْبِ الحَزينْ
وتَواثَبْنَا إلى مَشْمولَةٍ
ذاتِ ألوانٍ تَسُرّ الناظِرِينْ
عَمَد السّاقي لأنْ يَقْتُلَها
وهي بِكْرٌ أحْصَنَتْ منذُ سِنينْ
ثمّ لمّا أنْ رَأى عِفَّتَها
خافَ فيها الله رَبَّ العالِمينْ
وأجَلْنا الكاسَ فيما بَيْننا
وعلى الصَّهْباءِ بِتْنا عاكِفينْ
وشَفَيْنا النَّفْسَ من كُلِّ رَشًا
نَطَقَتْ عيْناهُ بالسِّحْرِ المُبينْ
وطَوى مَجْلِسَنا بعْدَ الهَنا
وانشِراحِ الصَّدْرِ تَكْبيرُ الأذينْ
هكذا كُنّا بأيّامِ الصَّفا
نَنْهَب اللّذّاتِ في الوَقْتِ الثَّمينْ
ليْتَ شِعْري هَلْ لنا بْعدَ النَّوَى
مِنْ سَبيلٍ للِّقا أمْ لاتَ حِينْ

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤