انفجار في المقر السرِّي

فجأة استيقظ الشياطين على صوت انفجار غريب … فتح «أحمد» عينيه، ونظر في الساعة، كانت تعلن الواحدة بعد منتصف الليل، انتظر لحظة، لعلَّ استدعاءً يأتيه من رقم «صفر»، إلا أنَّ ذلك لم يحدث، فكَّر لحظة: تُرى ما سرُّ هذا الانفجار؟ إنَّه يبدو قريبًا من المقر السرِّي، إن لم يكن داخله …

فجأة رنَّ جرس التليفون رنينًا خافتًا، ضغط على زر في جهاز التليفون، فجاءه صوت «عثمان» يقول: هل سمعت هذا الصوت المدوي؟ …

ردَّ «أحمد»: نعم، لكني لا أعرف أين، ولا كيف حدث …

سأل «عثمان»: ألم يصلك استدعاء من رقم «صفر»؟

ردَّ «أحمد»: لا … وهذا ما يطمئنني ويجعلني أظنُّ أنَّ الأمر ليس خطيرًا …

صمت لحظة ثم أضاف: ربما حدث في منطقة الأبحاث …

قال «عثمان» في التليفون: ألا ينبغي أن نتصل بالزعيم؟ …

لم يردَّ «أحمد» مباشرة، فقد كان يفكر فعلًا فيما قاله «عثمان». مرة أخرى، جاء صوت «عثمان» يقول: هل ما زلت تفكر؟

ردَّ «أحمد» مبتسمًا: نعم.

ثم أضاف بعد لحظة: سوف أتصل برقم «صفر».

كان هناك جهاز خاص للاتصال بالزعيم، وهو عبارة عن علبة صغيرة مثبتة في جانب جهاز التليفون، ما إن يضغط عليها حتى يرد عليه الزعيم … ضغط «أحمد» على العلبة الصغيرة لكن صوت الزعيم لم يصل إليه …

طافت في ذهن «أحمد» أفكار كثيرة متضاربة، مرة أخرى، ضغط على علبة الاتصال، لكن أحدًا لم يرد. قال في نفسه: ربما يكون الزعيم في مكان آخر …

غير أنَّه ردَّ على نفسه: إنَّ علبة الاتصال تتصل بالزعيم في أي مكان.

استغرق في التفكير لفترة قليلة، غير أنَّ رنين جرس التليفون قطع عليه تفكيره …

كان «عثمان» أيضًا هو المتكلم … سأل: هل اتصلت بالزعيم؟

ردَّ «أحمد» وهو شارد: نعم، غير أنَّه لا يرد.

هتف «عثمان»: ماذا تقول؟! … كيف لا يرد الزعيم!

همس «أحمد»: لا أدري … هناك يمرُّ في رأسي أكثر من خاطر.

قال «عثمان» بسرعة: أنا في الطريق إليك!

لم تمرَّ لحظات حتى كان الشياطين جميعًا في غرفة «أحمد» … كانوا يتساءلون: أين رقم «صفر»؟

لكن أحدًا لم تكن لديه إجابة … قالت «إلهام»: لا أظن أننا سوف نظل هكذا.

وقالت «زبيدة»: نتصل بسكرتارية الزعيم!

بسرعة، أجرى «أحمد» اتصالًا بسكرتارية الزعيم، غير أنَّ أحدًا منها لم يرد … نظر إلى الشياطين شاردًا، وهو يهمس: لا أحد.

كانت الدهشة تُغطِّي وجوه الشياطين … إنَّ ما حدث يدعو للشك … قال «بو عمير»: نفكر في المسألة منذ بدايتها، حتى نصل إلى ما نريد …

صمت لحظة، ثم قال: لقد أيقظنا الانفجار.

ثم صمت … قالت «ريما»: أين حدث الانفجار؟ … هذه هي نقطة البداية.

قال «عثمان»: أظن أنَّه في مركز الأبحاث، ونحن نعرف أنَّ هناك أبحاثًا تُجرى على نوع معين من الغاز، يمكن أن يشلَّ حركة العدو … وربما تكون الفرقعة التي حدثت قد جاءت من هناك فعلًا.

ردَّت «إلهام»: هذا احتمال … وينبغي أن نبدأ البحث منه.

تحرك الشياطين بسرعة، إلى حيث مركز الأبحاث … الذي كان يقع في مكان بعيد داخل المقر السري، كان الضوء خافتًا في المكان، دقَّ «أحمد» جرسًا، تردَّد صداه خافتًا في الداخل …

جاءه صوت يسأل: من بالباب؟

ردَّ «أحمد»: المجموعة «ش».

تساءل الصوت: هل هناك حاجة ضرورية؟

ردَّ «أحمد»: ربما تكون ضرورية.

فجأة فُتح باب المركز، لم تكن هذه أول مرة يدخل فيها الشياطين مركز الأبحاث، فمع كل تجربة جديدة يتحقق نجاحها … يحضر الشياطين تجربة حية أمامهم … لأنَّهم هم الذين سيستخدمون الأسلحة الجديدة … كانت خلف الباب مباشرة غرفة مكتب … وكانوا يعرفون أنَّه لا يمكن الوصول إلى معمل التجارب إلا بعد دخول هذه الغرفة، ولذلك دخلوها الواحد بعد الآخر …

جاء صوت السيد «س» يقول: أرجو أن تنتظروا قليلًا حتى أتفرَّغ لكم …

إنَّهم يعرفون السيد «س»، يعرفونه جيدًا، لكنهم لا يعرفون سوى أنَّ اسمه «س» وهو كبير خبراء مركز الأبحاث، كانت الغرفة صغيرة، لا تكاد تتسع لهم … لكنها شيئًا فشيًا أخذت تتسع حتى تحوَّلت إلى غرفة واسعة تمامًا … لكن ذلك لم يجعلهم يشعرون بالدهشة … فهم قد دخلوا الغرفة كثيرًا … وشاهدوا كيف تتغير مساحتها … وكيف تتحول من غرفة مكتب إلى قاعة اجتماعات …

مرَّ بعض الوقت … كان الشياطين لا يزالون يبحثون في رءوسهم عن مكان رقم «صفر» … فجأة جاء صوت السيد «س» يقول: تستطيعون مغادرة الغرفة إلى المعمل الآن.

وقف الشياطين، وبدءوا يغادرون الغرفة … كان «أحمد» يتقدَّمهم … وكان عليهم أن يقطعوا طرقة طويلة … ثم ينحرفون إلى طرقة أخرى … ثم يدخلون غرفة متوسطة، هي غرفة التعقيم، فالمعمل لا يدخله أحد قبل أن يمرَّ على غرفة التعقيم، كان الضوء خافتًا أيضًا … وهذه سمة من سمات المقر السرِّي …

عندما انتهت الطرقة الطويلة، فُتح باب على اليمين … فدخلوا فيه ليقطعوا الطرقة الصغيرة إلى غرفة التعقيم … فجأة شعر «أحمد» بثقل في قدميه … نظر إلى الشياطين … كانوا جميعًا قد تباطأت حركتهم … والتقت أعينهم، لكن أحدًا منهم لم يسأل، ولم ينطق بكلمة.

فجأة مرة أخرى، بدأت حركتهم تبطئ أكثر … ولم يستطع أحد منهم أن يفتح فمه … فلم يكن أيهم يقوى على ذلك، فكَّر «أحمد»: ما الذي حدث؟ وهل يمكن …؟

لكنه لم يكمل تفكيره … فقد توقف تفكيره أيضًا … لم يكن هناك شيء غير عادي في الطرقة … ولم يشموا رائحة شيء ما … ولم تتغير الإضاءة فجأة، استند «أحمد» إلى الحائط … وعندما حرَّك رقبته بصعوبة لينظر إلى الشياطين … كانوا جميعًا يستندون إلى الحائط، ثم فجأة، بدأ ينزل إلى الأرض … حتى جلس فوقها … شعر أنَّ النوم يكاد يغلبه … حاول أن يقاوم حتى يظل مستيقظًا، لكنه لم يستطع … كان رأسه ثقيلًا … والرغبة في النوم تغلبه تمامًا … ولم يكن أمامه إلا أن يُغمض عينيه … لكنَّه في اللحظة الأخيرة استطاع أن يرى الشياطين وكأنهم خيالات تجلس على الأرض … ثم راح في النوم …

عندما فتح عينيه … لم يكن يدري … كم من الزمن قد مرَّ … كان يفتح عينيه بصعوبة، ويحرك رقبته بصعوبة أيضًا، لكنه شيئًا فشيئًا بدأ يعود إلى حالته الطبيعية، ورأى الشياطين وهم يُفيقون من نومهم بهدوء … ثم بدءوا يستعيدون نشاطهم … كانت الدهشة تملأ وجوههم …

قالت «إلهام»: يبدو أننا نمنا فترة طويلة …

ردَّ «قيس»: لا أظن أنَّه وقت قصير.

ابتسم «بو عمير» وقال: كأننا أهل الكهف!

لم يكن «أحمد» يشترك معهم في الحوار، كان يفكر فيما حدث، ليصل إلى نتيجة ما …

فجأة قال «عثمان»: إننا لم ندخل المعمل بعد.

نظر «أحمد» ثم أضاف: ولا تزال المشكلة قائمة.

قال «باسم»: أظن أنني وضعت يدي على السر كله.

نظروا إليه … كان «أحمد» يفكِّر فيما يمكن أن يطرحه «باسم» الذي نظر إلى «أحمد» مبتسمًا وهو يقول: أظن أننا نفكر بطريقة واحدة.

فجأة، جاء صوت السيد «س» يقول: إنكم لم تدخلوا غرفة التعقيم بعد.

ردت «إلهام»: أظن أننا لم نعد بحاجة إلى تعقيم … بعد هذه المشكلة الجديدة.

ابتسم «عثمان» وقال: إنَّها ليست مشكلة … فقد تحدد كل شيء.

فجأة، جاء صوت رقم «صفر» يقول: إنني سعيد أن توصَّلتم إلى النتيجة بهذه السرعة …

سكت لحظة، ثم أضاف: ينبغي أن تعودوا إلى غرفكم، فلدينا اجتماع في العاشرة صباحًا …

وهناك مغامرة جديدة في انتظاركم …

نظر الشياطين إلى بعضهم، ثم بدءوا يعودون من حيث أتوا، غير أنَّ «ريما» تساءلت: من منكم يعرف سر ما حدث؟

ابتسم «أحمد» وهو يقول: إنَّ بعض التفكير يؤدي إلى النتيجة، خصوصًا بعد ظهور رقم «صفر».

قالت «ريما»: رأسي لم يعد قادرًا على التفكير.

قال «أحمد»: سوف أوضِّح لكِ كلَّ شيء غدًا.

إلا أنَّ «ريما» لم تستطع الانتظار حتى الغد، ظلَّت تُقلِّب الموقف في رأسها … وعندما وصل الشياطين إلى منطقة السكن، قالت «ريما»: ينبغي أن أتحدَّث إليك … إنني لن أستطيع النوم قبل أن أصل إلى الحقيقة.

ابتسم «أحمد» وهو يقول: إنني في انتظار مكالمتك.

أخذ طريقه إلى غرفته … كان يبتسم ابتسامة هادئة … فقد نجحت التجربة … وكان هو أول من مرَّ بها …

وما إن دخل غرفته حتى دقَّ جرس التليفون … ضغط زرًّا فيه … فجاء صوت «قيس»: إنَّها تجربة مفيدة … ومضحكة معًا … فلأول مرة يحدث هذا للشياطين.

ردَّ «أحمد»: كان ينبغي أن نعرف ذلك من أول لحظة.

قال «قيس»: لم أكن أتصور أن تنتهيَ التجربة بهذه السرعة.

ثم أضاف: أتركك الآن، لنلتقي غدًا، إلى اللقاء!

ضغط «أحمد» الزر، فانتهى الصوت، لكن الرنين تكرَّر مرة أخرى، فعرف أنَّها «ريما»، ضغط الزر، فانساب صوتها، ابتسم «أحمد» وهو يقول: أعتقد أنَّكِ على صواب.

ردَّت: ليس قبل أن أقول لك ما فكرت فيه.

ابتسم مرة أخرى، وهو يقول: ما دمتِ قد فكرتِ فإنَّك على صواب … إنَّ الشياطين لا يعرفون الخطأ.

قالت: مع ذلك، لا بُدَّ أن تسمع.

ثم صمتت لحظة، فقال «أحمد» وقد بدأ صوته يخفت: إنني أسمع فعلًا.

قالت: أعتقد أنني أستطيع الانتظار للغد … فيبدو أنَّك في حاجة إلى النوم.

قال مبتسمًا: مع ذلك، فأنا أعرف أنَّكِ لن تنامي، ما الذي توصَّلتِ إليه؟

أخذت «ريما» تشرح له استنتاجها في جمل سريعة قصيرة … وعندما توقَّفتْ ضحِكَ وهو يقول: ألم أقل لكِ إنَّكِ على صواب!

قالت «ريما»: إذن … إلى اللقاء غدًا في العاشرة.

ردَّ: إلى اللقاء في المغامرة الجديدة.

ثم ضغط الزر … عندما تمدَّد في السرير، كان يُفكِّر فيما حدث الليلة … الانفجار مسألة مقصودة، ثم اختفاء رقم «صفر»، وتعليماته إلى السكرتارية ألا ترد … ثم ذَهاب الشياطين إلى مركز الأبحاث. إنَّ المسألة كلها خطة، حتى يجرِّب الشياطين بأنفسهم الغاز الجديد، الذي يشل فاعلية العدو … دون حاجة إلى مسدسات أو إصابات …

ابتسم وهو يُغمض عينيه … ويقول لنفسه: من يدري، ربما تحتاج المغامرة الجديدة لهذا السلاح الجديد …

ثم غرق في النوم.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤