أين توجد المذكرات؟

كانت أعين الشياطين تُتابع الأرقام الشفرية دون أن يترجموها، لكن «أحمد» كان يترجم الأرقام إلى حروف، والحروف إلى كلمات، بنفس السرعة التي تصل فيها الرسالة. وكانت «إلهام» تركِّز بصرَها على وجه «أحمد» حتى تستشفَّ منه أهمية المغامرة. لكن أحمد كان يُخفي ابتسامة تجعل من الصعب فعلًا اكتشاف مشاعره، مع ذلك فقد كانت «إلهام» تعرف أن «أحمد» يُخفي سعادته الكاملة؛ لأنه فعلًا لا يستطيع أن يمرَّ عليه وقتٌ دون مغامرة أو عمل ما. إنها تتذكَّر في هذه اللحظة حوارًا بينهما، قال فيه «أحمد»: إن العمل هو الوجود، وهو الإنسان. وعندما يكون الإنسان بلا عمل فإنه يكون بلا وجود حقيقي. وكانت هذه حقيقة فعلًا. وبينما هي شاردة كانت الرسالة قد انتهت، فتمطَّى «أحمد» مبتسمًا في الوقت الذي تعلقَت به عيون الشياطين. وتساءل «عثمان» مبتسمًا: هل سننتظر طويلًا؟

ضحك «أحمد» وهو يقول: بل يجب أن نتحرك سريعًا.

قالت «زبيدة» بلهفة: إلى أين؟

ضحك «أحمد» مرة أخرى وهو يقول: إلى حيث تقع المغامرة.

وضحك الجميع. أخرج «أحمد» خريطة صغيرة من حقيبته، وبسطها أمام الشياطين الذين وقفوا حولها في شبه دائرة، ثم قال: من حسن الحظ، أن مغامرتنا تدور قريبًا جدًّا من هنا، في «إسبانيا».

ظهرَت الدهشة على وجه «هدى»، لكنها لم تعلِّق بشيء، في الوقت الذي كان «أحمد» يضع يده فوق الخريطة، وهو يغطي «إسبانيا». إن ما يفصل بين «إسبانيا» و«المغرب» هو فقط مضيق «جبل طارق»، وكما وقف «أحمد» في النافذة يحاول أن يراقب الشاطئ الآخر، وقف الشياطين كلهم في النافذة العريضة، يرقبون المحيط، ويحاولون أن يحددوا نقطة على الأرض الإسبانية، إلا أن «هدى» قالت: إن المحيط مضطرب، والجو ملبد بالغيوم؛ ولذلك فمن الصعب رؤية الأرض هناك. وفي الصباح غالبًا ما نرى الأرض المقابلة لنا عندما يهدأ المحيط.

عاد الشياطين إلى الخريطة، وبدأ «أحمد» يحدد المكان أكثر. قال: إن مغامرتنا تدور في جزيرة «مايوركا»، وهي تابعة لإسبانيا كما تعرفون.

انتظر لحظة ثم أضاف: بداية، ينبغي أن أقرأ لكم رسالة الزعيم، حتى تعرفوا ما نحن مقبلون عليه.

أمسك «أحمد» بالرسالة، وبدأ يقرأ:

كانت رسالة الزعيم تقول: إن العجوز «فورميو» قد اعتزل عملَ العصابات، عندما تقدَّمت به السن … فهو الآن، قد تجاوز السبعين سنة و«فورميو» كان واحدًا من أشهر زعماء المافيا في «إيطاليا». وبعد أن بدأت الحكومة الإيطالية حربَها ضد المافيا آثر «فورميو» أن يعيش في جزيرة «مايوركا»، بعيدًا عن الصراعات، والدماء. وفي عزلته قرر أن يكتب مذكراته، وقد انتهى منها فعلًا. ومذكرات «فورميو» تكشف كلَّ أساليب المافيا في أماكن كثيرة من العالم. وهي مذكرات في غاية الخطورة؛ لأنها فعلًا تجعل من العصابات صالةً مكشوفة، وتجعل من السهل القبض على زعماء المافيا، الذين يمثلون قمة من قمم الفساد في العالم، وقد عرف بعض زعماء المافيا بهذه المذكرات؛ ولذلك فهناك خطورة على «فورميو» ذاته، وإن كان هذا لا يهم. فالخطورة الحقيقية هي هذه المذكرات.

لقد أخفى «فورميو» مذكراته في مكان سري، حتى لا يصلَ إليها أحد؛ فهو يعرف أن المافيا لن تترك هذه المذكرات كي تظهرَ للناس، وهم لا يستطيعون مؤقتًا التخلص من «فورميو» وإلا فإن أحدًا لن يعرف مكانها، وسوف تكون هذه المغامرة من أكثر المغامرات أهمية، إذا استطعنا أن نحصل على هذه المذكرات؛ لأنها سوف تعطينا الفرصة للتخلص من زعماء المافيا. إن «فورميو» يعيش في مدينة «بالما» على شاطئ الجزيرة حيث بنَى قصرًا صغيرًا مسلَّحًا تسليحًا كاملًا، وهو يعيش في عزلته ليس معه سوى حرَّاسِه وخَدَمِه. إن الصراع الآن سوف يكون بيننا وبين عصابات المافيا، فمَن سيصل إلى هذه المذكرات قبل الآخر؟ وهي أيضًا مسألة وقت، فمَن يضرب ضربته قبل الآخر. أتمنى لكم التوفيق!

رقم «صفر»

شمل المكانَ صمتٌ طويل. ولم ينطق أحد من الشياطين بكلمة. كانوا قد استغرقوا في التفكير، لكن فجأة تساءل «عثمان»: كيف يمكن العثور على هذه المذكرات، إذا كان لا نعرف مكانها؟

قال «بو عمير»: أعتقد أنها لن تكون بعيدة عن قصر «فورميو». وهناك أساليب كثيرة يمكن بها إخفاء المذكرات. قد تكون في خزانة حديدية داخل أحد جدران القصر، وقد تكون في أرضية إحدى الغرف، وقد تكون في السقف.

أضاف «خالد»: وقد تكون في مكان ما في حديقة القصر. إن خزانة حديدية صغيرة يمكن أن تختفيَ داخل أرض الحديقة، ولا يستطيع أحدٌ الوصول إليها، إلا إذا أرشد «فورميو» إليها.

صمت الجميع، فقال «أحمد»: كل هذه احتمالات جائزة، ولكن لا تهمنا الآن.

قالت «ريما» بسرعة: ماذا يهمنا إذن؟! إذا كانت هذه المذكرات هي هدفنا في النهاية!

ابتسم «أحمد»، بينما تطلَّعت إليه عيون الشياطين، فقال: هدفنا الأول هو «فورميو» ذاته؛ لأنه السبيل إلى المذكرات، فبدونه لن يستطيع أحد العثور عليها.

قال «رشيد»: إن الأجهزة التي نحملها تعطينا فرصة التنقيب عنها، والوصول إليها.

ردَّ «أحمد»: هذا يستدعي أن ننقب في جدران القصر، وأرضيته، وسقفه، ثم نقوم بمسح الحديقة كلها، وهذا سوف يستغرق وقتًا، لكننا إذا وصلنا إلى العجوز «فورميو» فسوف نختصر الطريق.

قال «مصباح»: ولماذا لا تقوم مجموعة بعملية التنقيب، في الوقت الذي تقوم فيه مجموعة أخرى بالوصول إلى «فورميو».

ردَّ «أحمد»: إذن، فإننا سوف نوسع رقعة حركتنا. إن وجود مجموعتين في هذه الحالة يمكن أن يعطلنا.

صمت لحظة ثم أضاف: إن الهدف أمامنا واضح. «فورميو»، وسوف نستطيع الوصول إليه، وهذه عملية سوف تقوم بها مجموعة واحدة.

قال «باسم»: فإذا فشلنا في الوصول إلى «فورميو»!

ردَّ «أحمد»: عندئذٍ يصبح أمامنا الهدف الآخر، وهو التنقيب عن المذكرات.

قال «باسم»: إذن، وكما قال «مصباح»؛ إن خروج مجموعتين يختصر الوقت.

ردَّ «أحمد»: لكنه قد يعقد حركتنا في البداية.

قال «قيس»: إذن. علينا أن نضرب عصفورين بحجر واحد.

ضحكَت «إلهام»، وقالت: أين العصفوران، وأين الحجر؟

قال «قيس» الحجر هو تحرُّكُنا. والعصفوران هما المذكرات، و«فورميو».

تساءلَت «إلهام»: وكيف نضربهما؟

ردَّ «قيس»: أقترح أن تخرجَ مجموعةٌ إلى الهدف الأول، وهو «فورميو». في نفس الوقت تكون هناك مجموعة أخرى مستعدة، وفي انتظار إشارة للاتجاه إلى الهدف الثاني وهو المذكرات.

قال «أحمد»: لا بأس؛ هذا اقتراح جيد، ودعونا إذن نرتِّب أنفسنا.

صمت لحظة، ثم أضاف: كعادتنا دائمًا، ينبغي أن تكون أمامنا كلُّ الاحتمالات؛ فمثلًا «جراندل» الذي صاحبه «قيس» في الطائرة، مَن يدري ربما يكون وراءه شيء ما! وقد يكون أحد أفراد العصابة.

مرة أخرى سكت «أحمد» حتى يرى تأثير ذلك على الشياطين. ولما لم ينطق أحد قال: إذن، لا بد أن تخرج مجموعة إلى «أصيلة» بشكل عادي؛ فهي أولًا سوف ترقب المهرجان الذي هناك وتعرف حقيقة «جراندل».

قطعَت «إلهام» كلامَه ضاحكة: ونقضي الإجازة التي كنا ننوي الاستمتاع بها.

ضحك الشياطين، وأضاف «أحمد»: مجموعة ثانية، سوف تقوم بالاتجاه للهدف الأول وهو «فورميو». في نفس الوقت، تكون هناك مجموعة ثالثة في نفس جزيرة «مايوركا» أو حتى في مدينة «بالما» في انتظار إشارة من المجموعة الثانية إذا احتاج الأمر لتتحرك إلى الهدف الثاني وهو البحث عن المذكرات.

ثم توقَّف عن الكلام. مرَّت لحظة قبل أن يقول «خالد»: هذا اقتراح جيد، وأنا أوافق عليه!

وافق الشياطين على خطة «أحمد»، وقال «مصباح»: يبقى تحديد المجموعات، حتى ننطلق من الآن.

قال «أحمد»: أقترح أن تضمَّ المجموعة الأولى: «قيس»، و«هدى»، و«زبيدة»، و«مصباح».

ثم صمت في انتظار تعليق الشياطين، إلا أن أحدًا لم يعلق، فقال: طبعًا من الضروري أن يكون «قيس» في المجموعة؛ لأنه صديق «جراندل»، أما «هدى»، فإنها سوف تكون أحسنَ مرشد للمجموعة.

علق «بو عمير»: هذا حقيقي.

أضاف «أحمد»: المجموعة الثانية سوف تضمني، و«خالد» و«رشيد» و«عثمان».

صمت مرة أخرى، ولم يعلق أحد، فقال: الباقون سوف يكونون المجموعة الثالثة، وهي تضم «بو عمير» و«ريما» و«باسم» و«إلهام» و«فهد»، وأظن أن هذه مجموعات جيدة.

قال «خالد»: لا بأس، وينبغي أن نتحرك فورًا.

قال «أحمد»: الآن، ينبغي أن نحدد تحركنا. إن كلَّ مجموعة سوف تتحرك منفصلة عن الأخرى، على أن نكون على اتصال دائم، وأن نعرف خطوات بعضنا البعض، حتى لا تتعارض خطواتنا.

ابتسم وانتظر لحظة، ثم قال: هل نتحرك؟!

ووقف الشياطين جميعًا، ليبدءوا حركتهم، كل مجموعة في اتجاه هدفهما.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤