لقطة مقربة: مأدبة الزفاف

شكل ٢-٢٥: يُزيل الإشبين أحمر الشفاه من على شفتَي العريس في فيلم «مأدبة الزفاف» (آنج لي، ١٩٩٣).
  • إخراج: آنج لي.
  • إنتاج: آنج لي وتيد هوب وجيمس شاموس.
  • سيناريو: آنج لي ونيل بينج وجيمس شاموس.
  • تصوير: لين يونج.
  • مونتاج: تيم سكوايرز.
  • موسيقى تصويرية: مادر.
  • صدر في: الولايات المتحدة بواسطة شركة صامويل جولدوين عام ١٩٩٣.
  • اللغة: الإنجليزية والماندارين وترجمة مرئية إنجليزية.
  • زمن الفيلم: ١٠٦ دقيقة.
الأبطال:
  • يا-لي كواي، بِدَور: السيدة جاو.

  • سيهوانج لونج، بِدَور: السيد جاو.

  • ماي تشين، بِدَور: وي وي.

  • وينستون تشاو، بِدَور: واي تونج جاو.

  • ميتشيل ليكتنستاين، بِدَور: سيمون.

  • ديون بيرني، بِدَور: أندرو.

  • فانيسا يانج، بِدَور: ماو مي.

  • يونج تيه هسو، بِدَور: بوب لو.

  • آنج لي، بِدَور: أحد ضيوف حفل الزفاف.

يُعتبر فيلم «مأدبة الزفاف» (١٩٩٣) جزءًا من ثلاثية للمُخرج التايواني آنج لي عن موقع الثقافة الصينية التقليدية في الأزمنة الحديثة. ورغم أنه كان الفيلم الثاني في الثلاثة حيث أتى بعد فيلم «تدافُع بالأيدي» (١٩٩٢)، وقبل فيلم «أكل شرب رجل امرأة» (١٩٩٤)، فإن لي بدأ كتابة سيناريو الفيلم قبل إنتاجه بست سنوات. وبعد نجاح الفيلم الأول بنحو متوسط في تايوان، كان لي يمتلك المال والثقة الكافيَين لصنع فيلم أكبر لجمهور أكبر. كان لي كذلك يمتلك حس المغامرة الكافي لدفع السينما الصينية الجماهيرية في اتجاه جديد مليء بالتَّحديات. لا يستكشف فيلم «مأدبة الزفاف» فقط قضايا متعدِّدة الثقافات، لكنه يدور أيضًا بنحو رئيسي عن قصة رفيقَين مثليَّين.

تدور أحداث فيلم «مأدبة الزفاف» في نيويورك وتتحدَّث شخصيات الفيلم الإنجليزية والماندارين. تدور القصة حول واي تونج جاو الشاب الأمريكي الصيني المُتعلِّم الوسيم والذي على وشك إتمام صفقة عقارية ضخمة. يعيش واي تونج مع رفيقه الأمريكي غير الصيني سيمون وهو سرٌّ يُخبِّئه عن أبوَيه الموجودين في الصين. يريد والداه أن يرياه وقد تزوج؛ فهو الابن الوحيد لهما، وهو الوحيد الذي سيَحمل اسم عائلة جاو. تُرسل الأم شرائط كاسيت تصف النساء الصالحات للزواج اللاتي عثرَتْ عليهنَّ له. لكن واي تونج يصدُّهم بإبلاغهم بقائمة مقاييس مُستحيلة للزوجة التي يريدها. فهو يريد امرأة لا يقلُّ طولها عن ١٧٥ سنتيمترًا، ولدَيها درجتا دكتوراه، وتُغنِّي أغاني أوبرالية، وتتحدَّث خمس لغات. وعندما يجِدان له امرأة تلائم معظم هذه المواصفات، يدرك أنه في حاجة لاستراتيجية جديدة؛ لذا يُقنع إحدى المستأجَرات لدَيه وهي فنانة فقيرة من أصل صيني تُسمَّى وي وي بالزواج منه. ومقابل هذه الخدعة، ستَحصُل على الإقامة الدائمة التي تحتاجها للبقاء في الولايات المتحدة.

المشكلة هي أن السيد والسيدة جاو يُقرِّران المجيء من تايوان للقاء الفتاة جالِبِين مبلغًا كبيرًا من المال لإقامة حفل زفاف فخم. يسعد كلاهما بمَفاتن وي وي التقليدية ومعرفتها بالفن الصيني رغم أنهما مُتحيِّران قليلًا بسبب وجود سيمون في المنزل. يُوضِّح واي تونج أن سيمون هو صاحب العقار الذي يعيش فيه، ويتسلَّل وقتما أمكن لاختلاس لحظات عابرة بصحبة عشيقه. تُستَخدم معظم هذه الحيل والذَّرائع بنحو كوميدي. عندما تنتقل وي وي للعيش معه، تختفي الصور التي تُظهر واي تونج وسيمون وتظهر صوره بصحبة «خطيبته». تُغطَّى الحوائط باللوحات الصينية. وبما أن سيمون يجيد الطبخ على الطريقة الصينية بنحو أكبر من وي وي، يظلان يتبادلان الأماكن في المطبخ ليبدو الأمر كما لو كانت تمتلك كل المهارات المنزلية المتوقَّعة. هناك كذلك لحظات جادة. تتأثَّر وي وي بنحو حقيقي بهدايا السيدة جاو من الأملاك الموروثة للعائلة. تبدأ رابطة حقيقية في النشوء بينهما. وفي نفس الوقت، يعترف السيد جاو لولده أن السبب الحقيقي وراء انضمامه للجيش كان الهروب من الزواج المرتقب لكنه واجه في النهاية مسئولية حمل اسم العائلة. آخر أمنياته في الحياة هو حمل حفيده بين ذراعيه.

تحدُث نقطة التحوُّل في منتصف الفيلم عندما يُعلن واي تونج بنحو عارض أثناء الإفطار عن زواجه من وي وي فيما بعد الظهيرة. يتحوَّل الاحتفال المدني العاجل في المحكمة إلى كارثة عائلية. تُغادر السيدة جاو شاعرةً بالإهانة والاكتئاب؛ إذ يجب أن يكون الزفاف الصيني حدثًا ضخمًا، واستعراضًا للمكانة والإنجاز الاجتماعي، واحتفالًا بالأبوين أكثر منه بالزوجين. عندما تلُوح الفرصة لإقامة مأدُبة كُبرى، يغتنم الأبوان الفرصة. لقد فات أوان إقامة زفاف تقليدي، لكن المأدُبة تُعتبر نموذجًا للاستعراض الواضح. يكرس آنج لي نحو عشر دقائق للمَأدُبة وثمانيًا أخرى للمقالب التي تحدث في غرفة نوم العروسين بعد المأدبة. تتحوَّل الأمسية إلى كرنفال صاخب من السلوكيات الجامحة المرحة، وتختفي الرزانة التقليدية. يُظهر آنج لي نفسه كأحد ضيوف الزفاف ويُلقي تعليقًا ماكرًا على التهتُّك الذي يُحدثه أمامه: «ما تُشاهده هو نتيجة خمسة آلاف عام من الكَبت الجنسي.» تُعتبَر المأدبة حدثًا مهجَّنًا وتجميعًا للطقوس والرموز من كلا جانبي المحيط الهادي. ومثل الفيلم نفسه، فإن المأدبة مزيج من العناصر الآسيوية والغربية، والكوميديا والدراما، والتي صُممت لتروق جمهورًا كبيرًا متعدد الثقافات.

لا يُعتبر النقر على الكئوس من أجل قُبلة العروسين عادة صينية بوجه خاص ولا عادة إلقاء باقة الورود أو رباط جورب العروس. لكن بعض الأمور في المأدبة ربما لا تكون مألوفة للمُشاهِدين الغرِّبيين. هناك سرير جديد لضمان الخصوبة، وقفز ابن أخ صغير على السرير حتى يكون أول مولود صبيًّا. يُشير الشكلان الصينيان المتشابهان اللذان يتدليان من الستائر الحمراء إلى «السعادة المزدوجة» (شونج شي) وهو تعبير عام عن الحظ السعيد. أما تلك الرزم الملفوفة بورق أحمر (هونج باو) فهي هدايا مالية للعروسين. وقبل أن يبدأ الحضور في الوليمة الفخمة، يُلقي والد العريس خطابًا مطولًا ويسقي كلٌّ من العروسين شريكه من كأس النبيذ الخاص به (جياو بي جيو) ويذوقان القليل من السمك بسبب أن المرادف الصيني لكلمة سمك (يو) يشبه في النطق المقابل الصيني لكلمة الوفرة. لاحقًا، يدور العروسان على الطاولات يُرحبان بضيوف كل طاولة بتناول نخب. وبوجود الكثير من الطاولات، يُستهلَك الكثير من الشراب. وبعد حفل الاستقبال وصعود العروسَين المرهقَين لغرفتهما، يسمعان طرقًا على الباب. يسمعان صوتًا يقول: «خدمة الغرف». يُحاول جاو أن يُحذِّر عروسه، لكن فات أوان إيقاف تدفُّق الضيوف المشاكسين الذين يقتحِمُون غرفة النوم. وهكذا يبدأ ما يسمى «ناو دونج فانج» أو مقالب غرفة العُرس، وهي سلسلة من المقالب والألعاب المصمَّمة لممازحة العروسين طيلة الليل.

في المقابلة الإضافية مع المُخرج المتاحة مع نسخة أقراص الفيديو الرقمي من الفيلم، يوضح أن قدرًا كبيرًا من قصة الفيلم متعلِّق بتجارب شخصية لأحد أصدقائه أو حتى لنفسه.1 اقتبسَ لي القصة على نحو حرٍّ من تجربة صديق له كان يعيش برفقة عشيقه الأمريكي في واشنطن. ووقتَما كان والدا صديقه يظهران، كانا يُعيدان ترتيب المنزل متظاهرين بأن العشيق صاحب العقار. ويزعم لي أن هناك روابط شخصية أخرى فيما يتعلق بالقصة وعلاقاتها العائلية. فرغم أنه ليس مثليًّا، فقد تزوَّج في قاعةِ بلدية المدينة مما أثار كمدَ وغمَّ والدته. وقد صاغ لي شخصية السيد جاو بناءً على شخصية والده، والذي كان مديرًا موقرًا لمدرسة ثانوية في تايوان، وكان رافضًا لطموح ابنه الأول ليُصبح مخرجًا.
هنا تكمن إحدى الأفكار المتأصلة في الفيلم. فرَّ والد لي من الحرب الأهلية في برِّ الصين الرئيسي، وأعاد غرس جذوره العائلية في جزيرة تايوان. كان واجب ابنه هو تغذية وإدامة هذه الجذور. ساعد صنع فيلم «مأدبة الزفاف» لي في الإقرار بصحَّة عتاب والده فيما يخص «تكريم وتوقير موطنهم الأصلي»، وأن هناك أمورًا أهم وأكبر في الحياة من الرغبات الشخصية. إحدى الأفكار الأخرى، والتي ناقشها العديد من النقاد بنحو مبالَغ فيه، هي العلاقات المِثلية. عندما عُرِض فيلم لي في الصين، لم يكن الجمهور المحلِّي قد رأى من قبل رجلَين يُقبِّلان بعضهما على الشاشة. يُعبِّر الفيلم عن علاقة سيمون وواي تونج بعدة مشاهد، منها ما هو كوميدي ومنها ما يكاد يكون شهوانيًّا. يُرينا لي حميمية نشاطاتهما اليومية. نستمع إلى حديثهما المرِح صباحًا. ونراهما في السرير معًا عاريَي الجذعين. في أحد الأيام، عندما يظنان أن المنزل خالٍ، يركضان صاعدَين السلالم وهما يخلعان الملابس في نفس الوقت. لكن كما يشير ويليام ليونج في مقاله عام ٢٠٠٥، فإن لي مُهتمٌّ بسرد حكاية تتركز حول الشخصيات وتحركها الحبكة أكثر من اهتمامه بالدعوة إلى مواجهة رهاب المِثلية. العلاقة الجسدية شيء ضروري لقصة الفيلم، لكن القصة ليست في الأساس عن الحب المِثلي. يخلص ليونج إلى أن «فيلم «مأدبة الزفاف» في جوهره كوميديا أخطاء تقليدية بصبغة مِثلية — دراسة هزلية للتفاعل بين الحب المثلي والحب الأبوي-البَنَوِي — وليس مقالًا ساخرًا مع أو ضد المثلية.»2
باحث سينمائي آخر وهو شينج-مي ما ينظر إلى فكرة المثلية في الفيلم كانعطافٍ غريب من نوعه في القصة؛ انحراف مؤقَّت عن ميثاق السلوك الكونفوشيوسي على نحو يشبه السلوكيات الكرنفالية الجامحة التي حدثت في مشهد المأدبة. بالنسبة إلى ما، فإن نهاية الفيلم السعيدة نسبيًّا تُعدُّ عودةً إلى الوضع التقليدي، وهو ما يجعل انحراف الفيلم عن المألوف يروق الأسواق العالمية.3

كسر آنج لي حواجز أخرى؛ فقد برهن أنه يُمكن لمخرجٍ وُلد في الصين وتعلَّم في الغرب صنع أفلام حاصدة للجوائز مُقتبَسة من روايات بريطانية كلاسيكية؛ («العقل والعاطفة»، ١٩٩٥)، وروايات أمريكية معاصرة («العاصفة الثلجية»، ١٩٩٧)، وحتى قصص مصوَّرة («العملاق الأخضر»، ٢٠٠٣). لكنه يظل يعود إلى الأفكار الصينية بأفلام مثل «النمر الرابض والتنين الخفي» (٢٠٠٠)، و«شهوة وحذر» (٢٠٠٧)، مقربًا بين العالَمَين اللذَين يُكوِّنان حياته من أجله ولمَلايين المشاهدين حول العالم.

أسئلة

  • (١)

    يُعتبر فيلم «مأدبة الزفاف»، من بين أمور أخرى، فيلمًا عن العلاقات. صف المشاعر العائلية بين واي تونج ووالده، والعلاقة الرومانسية بين سيمون وواي تونج، والتفاعلات بين السيدة جاو وزوجة ابنها، و«زواج المصلحة» بين واي تونج ووي وي. كيف تتغيَّر كل علاقة من هؤلاء على مدار الوقت؟

  • (٢)

    انتبه جيدًا لمشهد المأدبة. لاحظ تتابُع الأحداث والديكور والمطبخ وصيحات الملابس والسلوكيات. إلى أيِّ مدًى يُعتبر هذا حدثًا صينيًّا تقليديًّا أو خليطًا من الممارسات العالمية أو لحظة كرنفالية صاخبة يختفي فيها الذوق العام؟

  • (٣)

    قارن بين فيلم «مأدبة الزفاف» والأفلام الأخرى التي تُصوِّر حفلات زفاف صينية؟ ما الطقوس، الحديثة والتقليدية، المصورة في كل فيلم؟ وماذا تقول هذه التجسيدات عن الدور المتغيِّر لحفلات الزفاف في المجتمع اليوم؟

  • (٤)

    كان «مأدبة الزفاف» موجهًا، مثل «النمر الرابض والتنين الخفي»، إلى جمهور عالمي. قارن بين عملية إنتاج الفيلمَين. من كتب السيناريو، ومَن وفَّر التمويل، ومن هم الأبطال، ومن أين ينحدِرُون؟ وما الذي يمكن أن نتعلمه من أفلام لي عن الطريقة التي تُصنَع بها الأنواع السينمائية العالمية اليوم؟

  • (٥)

    اقرأ ما كتبه باحثون مثل ويليام ليونج وشينج-مي ما وغيرهما عن العلاقة المثلية في فيلم «مأدبة الزفاف». ما وجه المقارنة بين علاقة سيمون وواي تونج وبين العلاقات بين الشخصيات المثلية في أفلام أخرى، منها فيلمَي لي «جبل بروكباك» (٢٠٠٥) و«الاستيلاء على وودستوك» (٢٠٠٩)؟

هوامش

(1) The Wedding Banquet: A Forbidden Passion, directed by Greg Carson, bonus interview with Ang Lee accompanying DVD of The Wedding Banquet (Central Motion Pictures in association with Good Machine, 2007).
(2) William Leung, “So Queer Yet So Straight: Ang Lee’s The Wedding Banquet and Brokeback Mountain,” Journal of Film & Video 60(1) (Spring 2008): 23–42.
(3) Sheng-mei Ma, “Ang Lee’s Domestic Tragicomedy: Immigrant Nostalgia, Exotic/Ethnic Tour, Global Market,” Journal of Popular Culture 30(1) (Summer 1996): 191–201.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤