نظرة خاصة على السينما اليابانية

figure
شكل ٣-١٨: خريطة اليابان والدول المجاورة لها.

هناك حكاية كاشفة عن انفتاح اليابان على التجارة الغربية. كان القائد البحري الأمريكي ماثيو بيري يسعى خلال حملته الأولى إلى جزر اليابان المنعزلة عام ١٨٥٣ إلى حمل الحاكم العسكري لليابان على توقيع اتفاقية تجارية، مُحاولًا تخويفه بالمدافع الحديدية الكبرى للسفن الأمريكية. وعندما عاد بيري عام ١٨٥٤ كانت اليابان تمتلِك مدافع خاصة بها تشبه المدافع الأمريكية لكنَّها مصنوعة من جذوع الأشجار المجوَّفة. وبصرف النظر عن صحة القصة فيما يتعلَّق بالتفاصيل التاريخية، فهي تبرز آلية ما بين اليابان والغرب؛ فمنذ عام ١٨٥٣، كانت اليابان سباقة في استعارة التكنولوجيا الأجنبية، وذلك مع إتقان الأساسيات وتكييف الأدوات والاتجاهات الأجنبية لتتناسَب مع الظروف المحلية وتعديلها من خلال غربال الثقافة الوطنية وإخراج شيء جديد في النهاية. أحيانًا يُمكن أن يبدو هدف اليابانيِّين هو تحقيق مصلحتهم فقط، وأحيانًا ما يكون مسألة التعاون المشترك. اليوم وبعد مرور ١٦٠ عامًا تقريبًا على زيارة بيري، فإن الأمريكيِّين هم على الأرجح من ينسخون من اليابانيين، وخاصة من يعملون في صناعة السينما.

رأينا في الوحدة الأولى أنماطًا من التأثير المُتبادَل فيما يتعلق بالبطل المُحارب؛ فقد ألهم فيلم «الساموراي السبعة» (١٩٥٤) لأكيرا كوروساوا صناعة فيلم «العظماء السبعة» (١٩٦٠) لجون سترجيس، بينما اعترف كوروساوا بدوره بالفضل الذي تدين به أفلام الساموراي الخاصة به لأفلام الغرب الأمريكي. وأصبح تداخل السيوف والمسدَّسات أكثر سرعة وتبادلًا في أفلام مُعاصِرة هجينة مثل فيلم «اقتل بيل» لكوينتن تارانتينو بجزأيه (٢٠٠٣ و٢٠٠٤) وفيلم «سوكي ياكي ويسترن جانجو» (٢٠٠٧) لتاكاشي ميكه. في الوحدة الثالثة، نرى أنماطًا مُشابهة داخل سينما الرعب. على سبيل المثال، وبعد الحرب العالَمية الثانية، استعار فيلم «جودزيلا» (١٩٥٤) عناصر من فيلم «كينج كونج» (١٩٣٣)، وحديثًا، أنعشَت هوليوود مخزونها من أفلام الرعب بإعادة صنع أفلام رعب يابانية ناجحة، مثل «الحلقة» (١٩٩٨)، و«جو-أون: الحقد» (٢٠٠٢). تظل الأدوات المؤثرة في صناعة الإعلام تتنقل بين الشرق والغرب.

(١) التاريخ والثقافة القديمان

تُغطِّي مجموعة الجزر التي نُسميها اليابان منطقة مساحتها أقل بقليل من فرنسا، لكن عدد سكانها يبلغ أكثر من ضعف عدد سكان فرنسا؛ إذ يبلغ تعدادهم حوالي ١٣٠ مليون نسمة. يعيش سكان اليابان على تلك الجزر البركانية منذ حوالي ١٠ آلاف عام، رغم أن توحدهم كثقافة وشعب واحد أمرٌ حديث نسبيًّا. لم يمتلِكِ اليابانيون حتى لغة مكتوبة خاصة بهم حتى القرن الثامن أو التاسع الميلادي. ويُنسَب قدر كبير من التطور التاريخي الفريد لليابان إلى انعزالها عن القارة الآسيوية، حيث يفصل بينهما ١١٥ ميلًا عبر بحر اليابان، وهو ما قلَّل فرص التأثير والغزو من قِبَل ثقافات أقدم وأكبر مثل الثقافة الصينية.

يُعتبَر عصر ما قبل التاريخ في اليابان نتاج تطوُّر ثقافات مُتعاقِبة تُبنى كلٌّ منها على ما قامت به السابقة عليها، مما مزَجَ في النهاية بين مجموعات متنوعة في مجتمع متجانس. وبحلول القرن الثالث الميلادي، بدأ في التطور تنظيم سياسي مُعقَّد مُكوَّن من وحدات قبَلية مُستقلَّة تُسمى «أوجي» قادته في النهاية عشيرة الياماتو، التي يعود أصلها إلى إلهة شمس خرافية. وبحلول القرن السادس الميلادي، كان هناك نظام إقطاعي من القادة العسكريين والفلاحين يربط بين هذه الجزر، ودام لأكثر من ٧٠٠ عام. كانت القيادات تتغيَّر وتتولى الحكم عائلات قوية مثل الفوجيوارا والتوكوجاوا، لكن النظام ظل يتبع ميثاقًا أخلاقيًّا صارمًا يُسمى «البوشيدو» أو «طريق المحارب»، الذي كان مُحارِبو الساموراي يُكافَئون بالثروة والمكانة الاجتماعية طبقًا له من قبل قادتهم لشجاعتهم وإخلاصهم. عُرِف أقوى القادة باسم «الشوجان» أو الحكام العسكريين، وهم الحكام الذين توارَثُوا حكم اليابان منذ عام ١١٩٢ وحتى ١٨٦٧ باستثناء واحد بارز. وفي عام ١٤٦٧، بدأ نزاع يُعرَف باسم «حرب أونين»، مما أدَّى إلى بدء قرن من الفوضى السياسية والاجتماعية. كانت هذه الحقبة التي عُرفت بعصر «المَمالك المتحاربة» مسرح أحداث العديد من أفلام الحركة، ومنها «الساموراي السبعة» لكوروساوا. في هذه الحقبة، أصبح فرسان الساموراي ذوو المكانة العالية في السابق فرسان «رونين» لا سيد لهم، وأخذوا يتصارَعُون مع الفلاحين للبقاء أحياء. ثم وُحِّدت البلاد مرة أخرى تحت راية حاكم عسكري قوي من عشيرة التوكوجاوا، التي ترأَّس تحالُفًا من الأمراء المحليين (الداي-ميو) من عام ١٦٠٠ وحتى ١٨٦٨. ورغم أن حكام عشيرة التوكوجاوا كانوا حُكامًا إقطاعيين بالأساس، فكانوا يُشرِفون على ازدهار ثقافة حضرية حديثة تركَّزت في مدينة إيدو، التي تُعرَف الآن باسم طوكيو.

كانت حقبة إيدو، التي تُسمى كذلك حقبة توكوجاوا، عهدًا خصبًا للفنون؛ فقد ظهر نوع جديد من المسرح يُسمى «الكابوكي»، الذي يمزج بين الدراما المتكلَّفة والرقص والمكياج المعقَّد والأزياء الرائعة في نوع واحد شهير من الترفيه. راقَ مسرح الكابوكي عامة الجمهور، مثلما أمتع مسرح «النو» التقليدي الطبقات العليا في المجتمع لقرنَين من الزمان. كما ذاعَت شُهرة مسرح «البونراكو» وهو نوع من مسرح الدمى بالحجم الطبيعي للكبار، بجانب شِعر «الهايكو»، ونحت الرسومات بطريقة بارزة على ألواح خشبية ثم طباعتها على الورق في فنٍّ يُسمى «الأوكييو-إه» أو «العالم المتقلب». ازدهرت هذه الحقبة من الرخاء والإبداع الاستثنائي في مناخ من العزلة المُختارة. أحد حكام عائلة توكوجاوا، ويُدعى إياسو، كان يتشكك في الأجانب على نحو خاص؛ فكان يُحبِّذ التجارة مع الأوروبيين لكنه كان يرفض جهودهم لإدخال المسيحية إلى اليابان؛ حيث طرد المُبشِّرين وقتَلَ من اعتنقوا المسيحية من اليابانيين، وأغلق الموانئ، وشجَّع على حدوث ردِّ فعل عنيف من الوطنيين المتعصبين. وهُجِرت مذاهب مُستورَدَة من الصين مثل البوذية والكونفوشيوسية لصالح الشينتو؛ وهو الدين الوطني في اليابان بكل مُعتقَداته الرُّوحية في الآلهة المحلية «الكامي»، وتأكيده على الطقوس والأضرحة، واحتفائه بسخاء وجمال الطبيعة. في ديانة الشينتو، يرتبط الداخل «أوتشي» بالأمان، بينما يرتبط الخارج «سوتو» بالخطر. كانت هذه البيئة الوطنية المعادية للأجانب هي ما واجهه بيري عام ١٨٥٣.

عادت اليابان لاحقًا إلى الحفاظ على تراثها وتعريف نفسها كثقافة وطنية خالية من الشوائب الخارجية، لكن بدأت حقبة جديدة من الانفتاح التجاري والإصلاح الاجتماعي عام ١٨٦٨. فكَّكت الحكومة الجديدة التي حملت اسم «مايجي» (الحكم المستنير) النظام الإقطاعي القديم، معيِّنة الإمبراطور رئيسًا شرفيًّا لدولة الشينتو. وبدأت الحكومة الإصلاح الزراعي، وأجازت المسيحية، وشجَّعت التجارة مع الغرب، وأدخلت عددًا من العناصر الديمقراطية. كانت اليابان الآن على الطريق السريع نحو التحديث — والطموح الاستعماري. عندما مات الإمبراطور مايجي عام ١٩١٢، حدَّثت اليابان قواتها المسلحة محقِّقة انتصارات عسكرية على الصين وروسيا. وبحلول عام ١٩١٩، وبانتهاء الحرب العالمية الأولى بمعاهدة سلام فيرساي، وقَّعَت اليابان عليها كونها إحدى القوى الخمس الكبرى في النظام العالَمي الجديد.

(٢) اليابان الحديثة وصناعة السينما

جدول زمني (شكل ٣-١٩).
التاريخ التاريخ الوطني تاريخ السينما
١٤٦٧–١٤٧٧ تؤدي حرب أونين إلى الفوضى الاجتماعية المميزة لفترة «الممالك المتحاربة».
١٦٠٠–١٨٦٨ حقبة إيدو (يوحد الحاكم التوكوجاوي البلاد عام ١٦١٥).
١٨٥٣ تُوافِق اليابان على التجارة مع القائد البحري الأمريكي بيري والغرب.
١٨٦٨–١٩١٢ تبدأ فترة إصلاح بناء الدولة على يد مايجي.
١٨٩٥ تستولي اليابان على تايوان من الصين.
١٨٩٧ إدخال الكاميرا السينمائية الفرنسية في اليابان.
١٨٩٩ عرض أول فيلم ياباني في طوكيو.
١٩١٠ احتلال اليابان لكوريا.
١٩١٢ تأسيس أستديو نيكاتسو.
١٩١٩ تُصبح اليابان إحدى القوى الخمس الكبرى في العالم بنهاية الحرب العالمية الأولى.
١٩٢٠ تأسيس أستديو شوشيكو.
١٩٢٣ تدمير زلزال كانتو الكبير لطوكيو.
١٩٣٦ تأسيس أستديو توهو.
١٩٣٧ غزو اليابان للصين.
١٩٤١ مهاجمة اليابان لميناء بيرل هاربر، مما دفع الولايات المتحدة إلى الاشتراك في الحرب العالمية الثانية.
١٩٤٢ تأسيس أستديو دايي.
١٩٤٥ الولايات المتحدة تلقي قنبلة ذرية على كلٍّ من هيروشيما ونجازاكي مُنهيةً الحرب العالمية الثانية.
١٩٤٥–١٩٥٢ احتلال أمريكا لليابان.
١٩٥٠ صدور فيلم «راشومون» لأكيرا كوروساوا.
١٩٥٣ صدور فيلمَي «قصة طوكيو» لياسوجيرو أوزو، و«أوجيتسو» لكينجي ميزوجوشي.
من خمسينيات إلى سبعينيات القرن العشرين المعجزة الاقتصادية.
١٩٥٢ الولايات المتحدة تُجرب أول قنبلة هيدروجينية في المحيط الهادي. صدور فيلم «جودزيلا» لإيشيرو هوندا.
١٩٦٤ صدور فيلم «امرأة في الكثبان الرملية» («وومان إن ذا دونز») لهيروشي تيشيجاهارا، و«قصص الأشباح» («كوايدان») لماساكي كوباياشي.
١٩٨٥ صدور فيلم «تامبوبو» لجوزو إيتامي.
١٩٨٦ صدور فيلم «قلعة في السماء» («كاسل إن ذا سكاي») لهياو ميازاكي.
١٩٨٨ صدور فيلم «أكيرا» لكاتسوهيرو أوتومو.
١٩٩١ بداية الركود («العقد الضائع»).
١٩٩٥

هجوم بغاز السارين على مترو طوكيو بواسطة طائفة أوم شنريكيو.

زلزال هانشين الكبير يقتل ٦ آلاف شخص في كوبي.

صدور فيلم «شبح في الهيكل» («جوست إن ذا شيل») لمامورو أوشي.
١٩٩٧ الأزمة المالية الآسيوية.
١٩٩٨ صدور فيلم «الحلقة» لهيديو ناكاتا.
٢٠٠٣ صدور فيلم «مكالمة فائتة» («وان ميسد كول») لتاكاشي ميكه.
٢٠٠٤ صدور فيلم «ماريبيتو» لتاكاشي شيميزو.
٢٠١١ زلزال وأمواج تسونامي تدمر محطة فوكوشيما النووية.

رغم أن التكنولوجيا السينمائية كانت لا تزال في مهدِها في ذلك الوقت، فإن هذه الظروف الثقافية والأحداث التاريخية التالية تُساعدنا في فهم مسار صناعة السينما في اليابان؛ فبعد مرور وقت قصير على إدخال كاميرا السينما الفرنسية إلى اليابان عام ١٨٩٧، تبنَّت اليابان هذه التكنولوجيا الجديدة بسرعة. وفي عام ١٨٩٩، عُرِض أول فيلم ياباني في طوكيو في مسرح كابوكي؛ مما كوَّن رابطة بين الأفلام والدراما التقليدية استمرت لعقود. وتبنَّت اليابان نظام أستديوهات هوليوود، مؤسسة عدة شركات إنتاج مستقلة كبرى في أعوام ١٩١٢ (نيكاتسو) و١٩٢٠ (شوشيكو) و١٩٣٦ (توهو)، والتي كان لكلٍّ منها أسلوبها الخاص والأنواع السينمائية المميزة لها. قَسَّمت نيكاتسو إنتاجاتها ما بين الدراما التاريخية التقليدية (جيداي جيكي)، التي كانت تُصوَّر في كيوتو، والدراما المعاصرة (جينداي جيكي) التي كانت تُصور في طوكيو. كانت شركة شوشيكو رائدة في نوع من سينما الواقعية الاجتماعية يُسمى «الدراما الجديدة» (شين جيكي)، قائم على النماذج الغربية. فضَّلت شركة توهو الأنواع السينمائية الشهيرة مثل الأفلام الكوميدية والغنائية.

كان عقد الثلاثينيات عقدًا ذهبيًّا لمُخرجين كلاسيكيِّين عِظام؛ مثل ياسوجيرو أوزو، وكينجي ميزوجوشي، وساداو ياماناكا. وخلال الحرب العالمية الثانية، عندما سيطر نخبة عسكريي اليابان على معظم الأمور في البلاد، أسَّست الحكومة الأستديو الخاص بها، دايي، والذي كان يُروِّج لأفكار قومية وصنع أفلامًا منذ عام ١٩٤٢ وحتى عام ١٩٧١. كانت فترة أواخر الثلاثينيات وأوائل الأربعينيات فترة دعاية ورقابة وحنين إلى المجد العسكري (مع وجود تركيز خاص على حقبة توكوجاوا)، رغم أن كوروساوا نجح في صُنع عدَّة أفلام واعدة خلال تلك الفترة. وبعد هزيمة اليابان عام ١٩٤٥، قدَّمت حقبة احتلال الحلفاء نوعًا آخر من الرقابة؛ فتَحْتَ توجيه القائد الأعلى لقُوات الحلفاء، مُنِع تقديم «أي أفكار تُروِّج للروح العسكرية أو الانتقام أو الوطنية أو مُناهَضة الأجانب … أو تستحسن الولاء للإقطاعية أو تستخفُّ بالحياة.»1 قضى هذا بشكلٍ فوري على كل أفلام الساموراي وكذلك معظم دراما الكابوكي والبونراكو حتى عام ١٩٥٢.

مثَّل عقد الخمسينيات فترة ذهبية أخرى، وهي حقبة تميَّزت بالنمو القوي بعد انتهاء الحرب عندما عادت أستديوهات السينما اليابانية إلى تقديم الأنواع السينمائية الوطنية، وعاد الجمهور إلى دور العرض المحلية أفواجًا. فاستمر ياسوجيرو أوزو في تركيز عدسته الفاحصة على الحياة العائلية المعاصرة بفيلم «قصة طوكيو» («طوكيو ستوري»، ١٩٥٣) و«صباح الخير» («جود مورننج»، ١٩٥٩). أما كينجي ميزوجوشي فاستكشفَ آلام حياة النساء في أعمال درامية تاريخية مثل «حياة أوهارو» («ذا لايف أوف أوهارو»، ١٩٥٢)، و«أوجيتسو» (١٩٥٣)، و«المأمور سانشو» («سانشو ذا بايليف»، ١٩٥٤). وبدأت الأفلام اليابانية في الانتشار خارج اليابان وخاصة أفلام كوروساوا، الذي فاز بجوائز في مهرجانات دولية عن فيلمَي «راشومون» (١٩٥٠)، و«الساموراي السبعة» (١٩٥٤). وربما كان فيلم «جودزيلا» (١٩٥٤) لإيشيرو هوندا أقل في المُستوى الفني، لكنَّه لم يقلَّ في الأثر؛ حيث أُطلِق الوحش النووي المعروف باسم جودزيلا في الغرب.

في الستينيات والسبعينيات، واجهَتِ الأستديوهات اليابانية، مثل نظيراتها الهوليووديّة، تحديات فرضها التلفزيون باجتذابه الشباب بأفلامٍ تتحدَّى التابوات القديمة. ومثل موجة «هوليوود الجديدة» التي ضمت صُناع أفلام من الشباب الجريء، والتي ظهرت في أمريكا، ظهرت «موجة جديدة» (نوبيرو باجو) في اليابان تضمُّ مساعِدي مُخرجين جرَّبوا تقديم العنف الصريح (مثل ماساهيرو شينودا في فيلم «دابل سويسايد» («انتحار مزدوج»، ١٩٦٩)) والشهوانية (مثل ناجيسا أوشيما في فيلم «في عالم الحواس» («إن ذا ريلم أوف ذا سينسز»، ١٩٧٦)). حقَّق فيلم الفانتازيا السريالية، «امرأة في الكثبان الرملية» (١٩٦٤) لهيروشي تيشيجاهارا، نجاحًا كبيرًا في المهرجانات. لكن الخطوة التي كان لها أكبر أثر في جذب الجمهور الدولي كانت في الأغلب الشكل الياباني الفريد من أفلام الرسوم المتحرِّكة المعروفة عالميًّا باسم «الأنمي». تحوَّلت أولى تجارب اليابان مع أفلام الرسوم المتحركة للأطفال في التلفزيون في عقد الستينيات بمسلسلات مثل «طفل النجوم» («أسترو بوي»، ١٩٦٣–١٩٦٦) و«المتسابق السريع» («سبيد رايسر»، ١٩٦٧)، إلى سيل غزير من الأفلام الروائية الطويلة الأصلية الموجَّهة إلى الكبار بحلول الثمانينيات بأفلام مثل «جين حافي القدمين» («بيرفوت جين»، ١٩٨٣)، و«قلعة في السماء» (١٩٨٦)، و«قبر اليراعات» («جريف أوف ذا فايرفلايز»، ١٩٨٨)، حتى وصلت نسبة أفلام الأنمي الآن إلى حوالي ٦٠ بالمائة من إنتاج اليابان السينمائي.

أنتجت حقبة الثمانينيات، التي اتسمت بنمو اقتصادي قوي في اليابان، بعض المواهب الجديدة مثل جوزو إيتامي («تامبوبو»، ١٩٨٥)، لكن السيل الكبير من صُنَّاع الأفلام المُستقلِّين لم ينطلِق إلا بعد انتهاء فترات الازدهار الاقتصادي عام ١٩٩١. كان هذا يتضمَّن مخرجين مُشهورِين عالميًّا مثل تاكيشي كيتانو («ألعاب نارية» («فايرووركس»، ١٩٩٧))، وشوهيه إيمامورا («ثعبان البحر» («ذي إيل»، ١٩٩٧))، وهياو ميازاكي («الأميرة مونونوكي» («برنسيس مونونوكي»، ١٩٩٧))، وتاكاشي ميكه («تجربة أداء»، ١٩٩٩)، وهيروكازو كوري-إدا («الحياة الآخرة» («أفترلايف»، ١٩٩٨))، ومامورو أوشي («شبح في الهيكل ٢: براءة» («جوست إن ذا شيل ٢: إنوسينس»، ٢٠٠٤))، وساتوشي كون («بابريكا»، ٢٠٠٦)، بالإضافة إلى كلاسيكيات الرعب الياباني الحديثة بالطبع.

(٣) الأنواع السينمائية والجماليات

لا تشي مثل هذه القوائم من صُنَّاع الأفلام وأعمالهم المختارة بالكثير عن إسهاماتهم في فن السينما أو التراث الثقافي لليابان. ولمعرفة هذا، نحتاج إلى إلقاء نظرة أكثر قربًا على الجماليات الفنية والأنواع الشهيرة في السينما اليابانية. إحدى السمات المُميِّزة للحقبة الأولى من السينما اليابانية هي صلتها القريبة بالتراث المسرحي الذي سبَقَها. وكما رأينا، فإن أول فيلم ياباني عُرِض في مسرح كابوكي. نظر جمهور السينما في طوكيو إلى هذا الشكل الفني الجديد كنِتاج جديد لمسرح الكابوكي ودراما النو والبونراكو. وضَع صُنَّاع الأفلام كاميراتهم أمام المُمثِّلين كما لو كان إطار المشهد السينمائي يُحدِّد الأُطُر الثابتة للمسرح. كان هؤلاء المُخرجون يُفضِّلون اللقطات الطويلة التي لا يتخلَّلها أي لقطات مقرِّبة أو انتقالات مفاجئة أو لقطات وجهات نظر أو أي تقنيات مونتاجية أخرى. وخلال حقبة السينما الصامتة، كان هناك رُواة مُحترِفون يُسمَّون «البينشي» يحكون القصة ويؤدُّون الحوار ويُعلِّقون على الأحداث، بينما كان الموسيقيُّون يعزفون على آلاتهم التقليدية. كانت هذه الأدوار امتدادًا طبيعيًّا لدور راوي البونراكو وجوقة الكابوكي والطبول والفلوت التي كانت تصاحب مسرحيات النو. كوَّن البينشي مجموعة قوية وكانوا يطلُبون رواتب عالية ويُناهِضون التحوُّل إلى السينما الناطقة. وكنتيجة لذلك، استمرَّت الأفلام الصامتة في الهيمنة على صناعة السينما اليابانية لفترة طويلة بعد أن اختفَت في أجزاء أخرى من العالم.

figure
الشكلان ٣-٢٠ و٣-٢١: اتجاهان في صناعة السينما اليابانية.

استمرَّ هذا الإرث المسرحي لفترة أطول كذلك في التكلُّف من الناحية الجمالية. فبينَما اعتمَدَت الأفلام الوثائقية الإنجليزية والأفلام الواقعية الفرنسية وأفلام هوليوود الكلاسيكية على تقنية التصوير السينمائي لعَرض صُورة العالَم المرئي، فضَّلت السينما اليابانية بوجه عام تقديم الواقع؛ فقد كانت تُفضِّل التقديم عن التمثيل والقصَّ عن الأداء. نرى هذا، على سبيل المثال، في عمل أوزو حيث الكاميرا عادةً مُثبتَة بالضبط عند مستوى شخص يجثو فوق حصيرة تاتامي، بينما يتناقش أفراد إحدى الأَسر أثناء العشاء (شكل ٣-٢٠). إن كل لقطة مرتَّبة بعناية لكشف العلاقات بين كل شخص والآخر وبينهم وبين مكان الأحداث. لا تتحرَّك الكاميرا كثيرًا ولا توجد أفعال من الشخصيات؛ الأكثر أهمية هو التفاعُل الاجتماعي وتحرك العواطف تحت سطحٍ على ما يبدو بسيط ساكن. على النقيض، يُبقي كوروساوا كاميرته وشخصياته في حركة مُستمرَّة في أفلام مثل «راشومون» (شكل ٣-٢١) و«الساموراي السبعة» (شكل ١-٢٦، ارجع إلى قسم «لقطة مقربة: الساموراي السبعة»). إن كل لقطة مصمَّمة بدقة، لكن الأفعال أبلغ من الأقوال. يُعد هذا أحد أسباب تعرُّض كوروساوا، في زمنه، غالبًا للانتقاد من قبل بني وطنه بأنه أقل المُخرجين «يابانية» وسبب ترحيب الجمهور الغربي الفوري به.

كان هناك ثلاثة أنواع سينمائية يابانية على وجه الخصوص راقت الأمريكيين في الخمسينيات والستينيات؛ أولها كانت أفلام الساموراي بمواقع أحداثها الإقطاعية الغريبة ومبارزات السيوف المصمَّمة بتفصيل شديد. كان من السهل لبعض الجنود الأمريكيين العائدين من الحرب، بذكرياتهم الحديثة عن القتال وثقافة الشجار غير المُتقيِّد بنظام أو قانون الخاصة بالغرب الأمريكي، أن يتوحَّدوا مع أفلام مثل «يوجيمبو» لكوروساوا (١٩٦١) و«حكاية زاتويشي» (١٩٦٢) لكينجي ميسومي. مع ذلك، وبينما وجدت أفلام الساموراي لها طوائف من الأتباع المُخلِصين في الولايات المتحدة، فلم تصل شهرة فرسان الساموراي لشهرة أبطال التخوم. كان ميثاق شرف البوشيدو الذي يربط بين محاربي الساموراي وأسيادهم العسكريِّين والمبادئ الكونفوشيوسية الخاصة بالأبوية الخيِّرة، والتي شكلوا بها ما يشبه العائلة بعيدًا كل البُعد عن الفردية الخشنة لراعي البقر. وفي الوقت الذين كان فيه المُمثِّل الياباني توشيرو ميفوني ممزَّقًا غالبًا ما بين الحقوق المتضاربة للمشاعر الشخصية (نينجو) والالتزامات الاجتماعية (جيري)، كانت صراعات جون واين أغلبها خاصة، تتعلَّق بميثاق شرف شخصي. وبينما كانت دراما كوروساوا التاريخية غالبًا ما تنتهي بالحزن الرقيق بسبب الاعتقاد بأن مصير الأشياء هو الزوال، فإنَّ أفلام الغرب الأمريكي من بطولة جون واين كانت عادةً ما تنتهي برحيل البطل إلى البرِّية بعد إنجازه لمهمة صعبة.

أحد الأنواع السينمائية التي حازت شهرةً أكبر في خارج اليابان هي أفلام وحوش ما قبل التاريخ والمعروفة في اليابان باسم «كايجو إيجا». ألهم نجاح فيلم «جودزيلا» الضخم (١٩٥٤) صناعة ١٦ جزءًا مكمِّلًا وعشرات أفلام وحوش ما قبل التاريخ الأخرى، منها «رودان» (١٩٥٦) و«موذرا» (١٩٦١) و«جيدوراه: الوحش الثلاثي الرءوس» («جيدوراه، ذا ثري هيديد مونستر»، ١٩٦٤). كان لهذه المخلوقات، على نحو يناقض معظم نظرائها الأمريكية، أسماء وشخصيات؛ فقد كانت تبدو أكثر بشرية؛ إذ كانت تشبه كينج كونج الشديد الإحساس أكثر من الحشرات المجرَّدة من المشاعر في أفلام مثل «الرتيلاء» (١٩٥٥) و«هُم!» (١٩٥٤). أحد أفضل الطرق لرؤية الاختلافات بين منهج هوليوود ومنهج اليابان في تقديم أفلام الوحوش هو مقارنة النسخ الأمريكية والأصول اليابانية. على سبيل المثال، بعد صدور فيلم «جودزيلا»، وإصدار شركة إيمباسي بيكتشرز لفيلم «جودزيلا: ملك الوحوش» («جودزيلا، كينج أوف ذا مونسترز») في الولايات المتحدة، أعادَت الشركة مونتاج الفيلم حيث نقصت ٣٠ دقيقة من زمن الفيلم، ووضعت مشاهد جديدة، كما أضافت رواية صوتية بواسطة رايموند بير الذي كان يلعب دور صحفي أمريكي. كما أُقحِم بير في القصة باعتباره شخصية رئيسية. تظهر التلميحات إلى الكارثة النووية بصورة أكبر في النسخة الأمريكية، حيث تظهر مشاهد للسَّحابة التي على شكل عشِّ الغراب التي تُميِّز الانفجارات النووية ومَشاهد لمدينة طوكيو المدمَّرة في الافتتاحية، بالإضافة إلى تحذير صريح إلى أن نفس القوة «ما تزال موجودة حتى هذه اللحظة، ويُمكن في أي وقت أن تمتدَّ بأثرها المدمِّر إلى أي مكان في العالم.» هذا الانشغال بالقوة النووية ودورها في سياسات الحرب الباردة يتكرَّر أكثر من مرة في أفلام الخيال العلمي الأمريكية والبريطانية مثل «الشيء من عالم آخر» («ذا ثينج فروم آناذر وورلد»، ١٩٥١) و«المجهول» («إكس: ذي أننون»، ١٩٥٥). في اليابان، وهي دولة تتعرَّض كثيرًا للكوارث الطبيعية، غالبًا ما يرتبط الوحش أكثر بالبراكين (رودان) أو دوامات التراب (موذرا) أو المحيط (جودزيلا).

النوع الثالث، والمُهم على نحو خاص في تطوُّر سينما الرعب، هو قصص الأشباح اليابانية المعروفة باسم «الكايدان». في الفصل الثالث، رأينا كيف أن أفلام رعب مثل «أوجيتسو» و«أونيبابا» تُقتبس من تراث قديم من القصص التي تحكي عن الأرواح المُضطربة أو «اليوريه» والتي جُسِّدَت في عدد لا يُحصى من مسرحيات النو والكابوكي. عرفنا كيف أصبحت حكايات عن النساء المظلومات وضحايا الرجال المُتكبِّرين وحروبهم المتسمة بالغرور أدواتٍ للتشكيك في ماضي اليابان العسكري. يقدم فيلم «كوايدان» (١٩٦٤) لماساكي كوباياشي أربع قصص قائمة بشكل غير مباشر على الحكايات الفولكلورية هذه. أقام كوباياشي فيلمه على نحو مثير للاهتمام على إعادة رواية تلك الحكايات من قِبَل لافكاديو هيرن، وهو كاتب مولود في اليونان وعاش في أيرلندا والولايات المتحدة واليابان. في اليابان، انبهر هيرن، والذي يُعرَف في اليابان باسم ياكومو كويزومي، بالأساطير اليابانية وضم بعضًا منها في كتابه «كوايدان: قصص ودراسات للأمور الغريبة» الذي نُشر عام ١٩٠٤. كان هذا مثالًا آخر للاستعارة العالمية؛ في هذه المرة مخرج ياباني يستعيد قطعة من تُراثه من مصدر غربي. في أول قصة في الفيلم، والتي بعنوان «الشعر الأسود»، يهجر فارس ساموراي فقير زوجتَه الأولى ليتزوج من أخرى من أجل مالها ومكانتها الاجتماعية، لكن الزواج الثاني ينتهي نهايةً سيئة. وعندما يُحاول أن يُكفِّر عما فعله ويرجع إلى حبه الأول، يجد بيته القديم ساكنًا كالمقبرة؛ فالألواح الأرضية مكسورة، والحشيش ينبت من بين الحصير، لكنه يرى ضوءًا يلمع من إحدى الغرف. هناك يرى زوجته المُخلِصة تجلس وتدير عجلة الغزل ولم تقصَّ شَعرها الأسود منذ رحيله (شكل ٣-٢٢). يحضن الرجل المرأة ذات الملامح الجميلة التي افتقَدَها كل هذه السنين مُتمتِمًا بكلمات الأسف والندم قبل أن يستلقي لينام بجانبها. لكن عندما يستيقِظ في اليوم التالي، لا يرى إلا جمجمة وبعض الملابس الرثَّة وكُومة من الشعر الأسود الداكن. إن بناء كوباياشي التدريجي البطيء للأحداث والتصوير الرائع وعدم استخدامه للصوت يجعل المشهد لحظةً لا تُنسى من الرعب الخالص.

تبدو قِصة «الشعر الأسود» كقصة أخلاقية؛ حيث لا يُمثِّل الشبح قوَّة شرٍّ، بل روح إنسان مات دون نهاية مسالِمة لحياته. تعكس الحبكة والفكرة التقاليد الدينية اليابانية؛ فطبقًا لمعتقدات الشينتو، فإن الأشباح يُمكنها التحرك بحرية بين الحدود التي يُمكن النفاذ منها بين عالَم الأحياء (كونو-يو أو ببساطة «هنا») وعالَم الأموات (أنو-يو أو «هناك»). ربما تظل تُطارد الروح التي لم تجدِ الحب أو العدل الأحياء حتى يُستعاد التوازُن مرةً أخرى. في المُعتقَد البُوذي، الرغبة هي أصل الألم والمعاناة. إنَّ الحياة ليست معركة بين الخير والشر، بل رحلة تجاه تحقيق حالة من السلام الداخلي وتفريغ الذات. إنَّ شبح الزوجة مُخيف، ليس بسبب أنها شريرة، بل بسبب أن فناءها يُجسِّد الوهم المؤلم للرغبة. لا تتخلل هذه الأفكار أفلامًا قديمة مثل «كوايدان» و«أونيبابا» و«أوجيتسو» فقط، بل تنتشر كذلك في أفلام رعب حديثة مثل «الحلقة» (١٩٩٨)، و«مكالمة فائتة» (٢٠٠٣)، والتي يقوم الشبح فيها بما يقوم به بنحو كبير من خلال التكنولوجيا.

figure
شكل ٣-٢٢: اقتُبِس فيلم «كوايدان» (١٩٦٤) لماساكي كوباياشي من تراث ياباني للأرواح المُضطربة، والتي عادةً ما تكون أشباحَ إناث تُطارد معذِّبيها من الرجال.

(٤) أفلام الأنمي

ربما تعمل الأرواح اليابانية كذلك من خلال تكنولوجيا الأنمي، كما في فيلم «شبح في الهيكل» (١٩٩٥) لمامورو أوشي. في فيلم أوشي، تسكن الروح جسدًا آليًّا؛ سايبورج أو روبوت يعمل بإرادة بشرية. يُجسِّد الجسد السايبراني وتغيُّراته القلقَ الحديث بشأن الهوية. هل نحن أحرار أم آلات؟ هل نتصرَّف بإرادتنا أم أننا بطريقة ما دُمًى في مسرحية بونراكو؟ ربما يكون الروبوت الحيُّ كذلك مجازًا عن السينما وهي فنُّ بثِّ الحياة في الأشياء الجامدة والنظير السينمائي للفنون الإحيائية للشينتو.

النقطة التي يشار إليها كثيرًا هي أن الأنمي ينبثِق من تراثٍ بصَريٍّ قوي وأنَّ فنون اليابان المصورة من الأغنى حول العالم. تصف سوزان نابير هذه الثقافة بأنها ثقافة «تتمحوَر حول الصور»2 مشيرة إلى أمثلة مثل الأزياء الملوَّنة لمسرح الكابوكي ورسومات الأوكييو-إه الناتجة عن النحت بطريقة بارزة على الألواح الخشبية في حقبة الإيدو. يُقدِّر اليابانيون التصميم في كل مكان؛ في حدائقهم المُعتنى بها جيدًا، واهتمامهم بطقوس تقديم الشاي، وحتى في أسلوب خطهم الذي تطوَّر إلى شكل فني رفيع يُسمى فن الخط. ظهرت حديثًا ظاهرة أدب «المانجا»؛ وهي شكل من الروايات المصوَّرة التي تشبه القصص الهزلية (الكوميكس)، لكن على نطاق أكبر بكثير من الأفكار والقُراء. وجدت المانجا أتباعًا لها بين القراء الشباب في الولايات المتحدة، لكن في اليابان، الجميع يقرأ المانجا؛ الصغار والكبار على حدٍّ سواء.

للوهلة الأولى، ربما يبدو الأنمي كأنه قصص مانجا متحرِّكة. في الواقع، فإن معظم إنتاجات الأنمي قائمة على مصادِر مانجا. لكن فن وتكنولوجيا الأنمي أكثر تعقيدًا من هذا، كما يُشير السرد التاريخي المختصر التالي؛ فبينما كان صناع الأفلام اليابانيون يصنعون أفلام الرسوم المتحرِّكة منذ أيام السينما الصامتة، فإن الأنمي أصبح قوة عالَمية بحق في الستينيات بمسلسل «أسترو بوي»؛ وهو أول مسلسل ياباني للرسوم المتحرِّكة. صُنِع الطفل البطل (المعروف في اليابان باسم «الذرة الجبارة») بواسطة عالِم ليحلَّ محلَّ ابنه الميت. تمنح هذه الشخصية الأبوية الطفل أصابع تُطلِق أشعة ليرز ومخ كالكمبيوتر، ويتناول الوقود الذري كطعام، لكنه يتخلى عما صنعه عندما يُدرك أنه لن يكبر أبدًا كطفل بشري. ورغم أن الحركة في المسلسل كانت غير مُتقَنة نسبيًّا، فإنه قدم العديد من العناصر البصرية والأفكار لأعمال لاحِقة، مثل الجسد السايبراني ذي الشَّعر الشائك والعيون الدائرية والأنف الأفطس والوعود، والمَخاطر الناجمة عن العلم الحديث والعلاقة المُضطربة بين الأب وابنه. انتشر المسلسل بسرعة خارج اليابان واقتُبِس من أجل الأطفال الأمريكيِّين معجِّلًا بظهور اتجاه تكرَّر في مسلسلات أنمي تلفزيونية، مثل «سبيد رايسر» (١٩٦٧)، و«روبوتيك» (١٩٨٥).

أجبرت الميزانيات المحدودة صانعي الأنمي اليابانيين على التوفير مُنتِجين رسومات لكل دقيقة أقل مما تُنتجه ديزني في أفلام الرسوم المتحرِّكة الكثيرة التفاصيل الخاصة بها. وكنتيجة لهذا، كانت الحركات تفتقر إلى الحياة نسبيًّا وكانت الخلفيات تفتقر إلى التفاصيل، وكانت الشخصيات تبدو كما لو كانت تنتقل من وضع لآخر بدلًا من المرور بالتغيُّرات السلسة للعواطف، على نحو يشبه أقنعة مسرح النو أو الإيماءات المتكلَّفة لمسرح الكابوكي. وبينما كانت ديزني تستخدِم نظامًا معقدًا للكاميرات المتعددة المستويات، مما يُضيف عمقًا وواقعية إلى أفلامها مثل «بامبي» (١٩٤٢) أو «سنو وايت والأقزام السبعة» («سنو وايت آند ذا سيفن دوارفس»، ١٩٣٧)، قصَرت الأستديوهات اليابانية الحركة على مستوى ثنائي الأبعاد بنحو يشبه المنظور المسطَّح لرسومات حقبة إيدو. كل هذا أكسب الأنمي ميزة خاصة تتماشى مع التراث الجمالي الياباني. ببعبارة أخرى؛ فإن القيود المالية تحوَّلت إلى رأس مالٍ ثقافي. أصبح الأنمي والأسلوب المُميز له أصولًا وطنية تُنافس في السوق العالمية.

يُمكن الزعم بأن الجوهر الحقيقي للأنمي يكمُن في سِحر التحوُّل؛ تغيُّر شكل إلى آخر، وهي سمة يتشارك فيها الأنمي مع «الأوريجامي» أو فن طي الورق الياباني، ولُعَب المُتحوِّلين. وبتطوير فناني اليابان للرسوم المُتحركة لعملهم، زادت تفاصيل وجمال هذه التحولات؛ ففي المشهد الختامي الاستثنائي في فيلم «أكيرا» (١٩٨٨) لكاتسوهيرو أوتومو، يمر صبي يمتلك قدرات نفسية خاصة بعملية تحوُّل مادِّي. تدور أحداث الفيلم في عالم مُستقبلي بعد انتهاء الحرب العالمية الثالثة، حيث طوكيو عبارة عن أرض خراب تجول فيها فرق الشرطة وعصابات الدراجات النارية. تريد الحكومة استخدام الصبي، تيتسيو، بسبب قدراته الخاصة، لكن هذه القدرات يتَّضح أنها غير خاضعة للتحكم فيها حتى من قِبله. وفي نهاية الفيلم التطهيرية، يُحاصِر الجيش تيتسيو في موقع استاد طوكيو الأوليمبي القديم. هناك يعثر على بقايا أكيرا، وهو ليس الشخصية المُنقِذة التي توقَّعها لكنه عبارة عن مجموعة من الأعضاء المحفوظة معًا والتي تخلَّص منها علماء الأبحاث. وبسيطرة الغضب وإحساس جديد غريب بالجبروت عليه، يبدأ جسد تيتسيو في التحول (شكل ٣-٢٣). تنبثق شفة من اللحم من ذراعه الأيمن وتتحوَّل إلى نتوء وردي اللون عملاق الحجم له أصابع ولوامس وأطراف مُستدقَّة ويُشبه قضيب الرجل ورحم المرأة في آنٍ واحد. ينتفخ جذعه ويتضخَّم مثل كتلة من الخلايا السرطانية المتحوِّرة مُبتلعًا كل من وما حوله. إنه ضحية نموٍّ عضوي بشع المنظر. هناك الكثير مما يمكن ملاحظته في هذا المشهد. من ناحية، فإن تحوُّل تيتسيو الجسدي يعكِس مخاوف المراهقة الطبيعية عن الجسد والتغيُّرات التي تلمُّ به. تبعث عملية النضوج عملية فوضوية مُربكة، حيث تبدأ علامات النضوج الجنسي في الظهور على الجسد، باعثةً كلًّا من الانبهار والاشمئزاز. إنها فترة تتعارَض فيها حاجات الفرد مع ضغوط الانتماء، وتمتزِج فيها أحاسيس العجز وخيالات العَظَمة. وفي ظل عدم وجود عائلة مناسبة له، ووقوعه بين شخصيات سُلطوية (عالم غريب الأطوار وجنرال متسلط) وأقران مُتنافسين (ركَّاب الدراجات النارية الجامحين وثلاثة رفاق وسطاء نفسيين وجاسوس حكومي وحبيبة تُدعى كاوري)، يجب أن يُقرر ما يريد أن يكونه. ومن ناحية أخرى، يُمثِّل تيتسيو جسد اليابان التاريخية؛ فبوجود تذكارات من الماضي تحيط به — دبابة تسمى «روح الساموراي» وسحابة عيش الغراب الخاصة بهيروشيما والاستاد الأوليمبي الذي يُمثِّل نهضة اليابان عام ١٩٦٤ — يواجه إما نهايةً مأساويةً أو انبعاثًا جديدًا مُدمِّرًا. وعلى مستوى الأسطورة، تستدعي هذه الخيارات الفوضى الكرنفالية للمهرجانات القديمة أو شخصية الأنثى البشعة الخِلقة، والتي تظهر قواها الواهبة للحياة ودافعها للاستنزاف والابتلاع الكامل في السوائل الوردية التي تنزُّ من تيتسيو والتمهيدات الالتهامية لِلَحمِه والفوضى الناتجة عن هذا كله.

figure
شكل ٣-٢٣: ربما يُمكن ربط سحر أفلام الأنمي بأشكال من التراث الياباني مثل فن طي الورق أو الأوريجامي وأقنعة دراما النو والطقوس الإحيائية الخاصة بالشينتو وألعاب المتحوِّلين؛ ففي فيلم «أكيرا» (كاتسوهيرو أوتومو، ١٩٨٨)، يتحوَّل صبي مضطرب إلى تجسيد لمخاوف المراهَقة الخاصة بتغيرات الحياة.

مع تطوُّر الأنمي، استعانت بالعديد من الأنواع السينمائية الرئيسية والفرعية، منها الميلودراما (فيلم «قبر اليراعات»، ١٩٨٨) والخيال العلمي (فيلم «شبح في الهيكل»، ١٩٩٥)، ونقد الحرب (مسلسل «نيون جينيسِس إيفانجيليون»، ١٩٩٥-١٩٩٦)، والرومانسية للمراهقين (مسلسل «يا إلهتي!» («أوه ماي جوديس!» ٢٠٠٥-٢٠٠٦))، والنوار الجديد (فيلم «أنيماتريكس»، ٢٠٠٣)، وفنون القتال (مسلسل «ساموراي تشامبلو»، ٢٠٠٤)، وبضعة أنواع خاصة بالأنمي؛ السايبربانك (فيلم «أليتا: ملاك المعركة» («باتل أنجل أليتا»)، ١٩٩٣)، والميكا (وهي اختصار لكلمة «ميكانيكية» وتُقدم آلات يشغلها البشر مثل آلات الحرب في فيلم «زاحفو السماء» («سكاي كرولرز»، ٢٠٠٨)). احتوى العديد من هذه الأفلام على مشاهد رعب مذهلة. على سبيل المثال، فإن تحول تيتسيو في فيلم «أكيرا» يُعتبر رؤية مرعبة للرعب الجسدي. وفي فيلم «دم: آخر مصَّاصي الدماء» («بلود: ذا لاست فامباير»، ٢٠٠٠)، يُستعان بخدمات مُقاتِلة بالسيف ومصَّاصة الدماء الوحيدة المُتبقية للإيقاع بمجموعة من المخلوقات الشبيهة بالخفافيش التي تمتصُّ الدماء وتروع سكان قاعدة عسكرية أمريكية. تدور أحداث الفيلم عام ١٩٦٦ ويعكِس الشراكة المُضطربة بين اليابان والولايات المتحدة بعد دخولهما حرب فيتنام.

تُتيح عوالم الأنمي البديلة مجالات دراسة خصبة لباحثي السينما النظريِّين؛ فربما يُنظَر إلى المدينة الترفيهية في فيلم «المخطوفة» («سبريتيد أواي»، ٢٠٠١)؛ حيث يتحوَّل الكبار الجَشِعون إلى خنازير، كانتقادٍ رسومي للنزعة الاستهلاكية. أما «الشوجو» المُراهِقات، وهن الفتيات الصغيرات اللاتي يبدون بريئات ومُثيرات في نفس الوقت في زيهنَّ المدرسي، فيُعتبَرن موضوعًا مفضلًا للدراسات النسوية، والتي تنظر إلى الشوجو أحيانًا بوصفهن أدوات إثارة للرغبة الذكورية (مسلسل «لاين ذات التجارب المتسلسلة» («سيريال إكسبريمنتس لاين»، ١٩٩٨))، وأحيانًا كتأكيد على القوة الأُنثوية (فيلم «أوتينا الفتاة الثورية» («ريفولوشنري جيرل أوتينا»، ١٩٩٩)). تنظر دونا هاراواي في مقالها «بيان السايبورج» للسايبورج بوصفه صورة مجازية لشكل جديد عنيف من الهوية الأنثوية المتحرِّرة من الازدواجيات الصارمة للبشر والآلة، والجسد والروح، والثقافة والطبيعة، والذكر والأنثى التي قيَّدت المرأة لفترة طويلة في الغرب.3 في واقع الأمر، إن الهويات المتغيِّرة بوجه عام في أفلام الأنمي اليابانية — المدن العالَمية المُنفصلة عن جذورها المحلية والشخصيات التي لا تنتمي إلى مجموعات عِرقية بعينها والقصص المنفصلة عن التاريخ والثقافة — تجعل هذه الأفلام تبدو عالَمية وما بعد حداثية على نحو مثالي.

(٥) سينما الرعب اليابانية

مع بداية الألفية الثالثة، كانت السينما اليابانية تستهدف أهدافًا عالمية جديدة في هيئة أفلام الرعب اليابانية. مزَجَت الأشكال المبكِّرة من سينما الرعب اليابانية بين عناصر غربية ومحلية بنتائج مُتفاوتة. على سبيل المثال، تعكس المواقع المسكونة بالأشباح في أفلام مثل «منزل» («هاوس»، ١٩٧٧) و«المنزل الجميل» («سويت هوم»، ١٩٨٩) مخاوف عن العائلة تُشبه تلك التي استكشفها فيلم «رعب أميتيفيل» (١٩٧٩)، و«البريق» (١٩٨٠)، لكن بأشباح وأثاث يابانيَّين. إنَّ التشوُّهات المُرعبة للجسد البشري في فيلم «رعب الرجل المشوَّه» («هورور أوف أ ديفورمد مان»، ١٩٦٩)، وفيلم «تيتسيو: الرجل الحديدي» («تيتسيو: ذي آيرون مان»، ١٩٨٩) لها نظائر في فيلم «فيديودروم» (١٩٨٣) و«معيد للحياة» (١٩٨٥)، لكن بعض الصور بها مستقاة من لفائف تعود إلى العصور الوسطى تصوِّر الخُطاة وهم يُعذَّبون في الجحيم البوذي. على أي حال، لم ينتشِر أي من هذه الأفلام المبكِّرة للرعب خارج اليابان بنحو كبير.

كانت الشُّهرة العالمية لأفلام مثل «الحلقة» و«الحقد» و«نبض» («بالس»، ٢٠٠١) مرتبطة بالتقنيات الجديدة التي ظهرت في تسعينيات القرن العشرين والعقد الأول من القرن الحادي والعشرين. كان الأمر يتعلَّق بالمحتوى والأسلوب بنفس قدر تعلُّقه بالتسويق والعرض. بادئ ذي بدء، تتعلَّق هذه الأفلام بالتكنولوجيا. فغالبًا ما تُهاجم الأشباح فيها الناس من خلال وسائط تقنية مثل شرائط الفيديو والهواتف المحمولة وكاميرات المُراقَبة والإنترنت. ويأتي مُعظَم القوة العاطفية لتلك الأفلام من القلق العام من سيطرة التكنولوجيا على حياتنا. ثانيًا: تستعير هذه الأفلام جماليات الوسائط الجديدة لصُنع أسلوب بَصري فعَّال. ويعكِس الطابع الرقمي لأفلام الرُّعب اليابانية الأُولى حقيقةَ أن العديد منها صُنِعت بميزانيات مُنخفضة على شرائط فيديو، مما يُعطي الصُّوَر المألوفة مظهرًا غريبًا ومُدهِشًا. هذه السِّمة تكون في الصور غير الواضحة لفيلم «نبض»، مما يُكسِب أشباح الإنترنت الخاصة به تألقًا طيفيًّا مخيفًا. تُؤثِّر الوسائط الرقمية كذلك على الطريقة التي تُروَى بها هذه القصص. على سبيل المثال، فإنَّ السرد القصصي غير المُترابِط لفيلم «الحقد» قُورِنَ بتقسيم المسلسلات التلفزيونية إلى حلقات أو «نظام الفصول» الخاص بأقراص الفيديو الرقمية.4 يُمكِن للمُشاهِدين متابعة مشاهِدِهم المُفضَّلة على نحوٍ مُتكرِّر ودون ترتيب، مما يُوجِد أشكالًا جديدة من المشاهَدة. ثالثًا: وفيما يخصُّ التوزيع؛ فإن نفس الحواجز القابلة للنَّفاذ منها، التي تُمكِّن الأشباح من التحرُّك بين التقنيات وعالم البشر سَمحت لصُنَّاع الأفلام بنشر قصصهم من خلال وسائط عدَّة. فقد ظهرت سينما الرعب اليابانية في وقتٍ كانت فيه الفروق بين السينما والفيديو والتلفزيون والكمبيوتر قد بدأت في التلاشي. ازدهَرَت سلسلة أفلام «الحقد» بأشكال عدة؛ عرضها بدور العرض وعرضها تلفزيونيًّا وعرضها على أقراص فيديو رقمية. ومع تخلُّص صُناع الأفلام اليابانيِّين من الاعتماد على الشركات الكُبرى المُتحكِّمة في دور العرض ومختبرات طباعة الأفلام حول العالم، يمكنهم توزيع أفلامهم مباشرة إلى أي مكان حول العالم يُتاح للمشاهدين فيه الوصول إلى الإنترنت أو مُشغِّل أقراص فيديو رقمية.

أحد الأمثلة المُناسبة لفيلمٍ تخطَّى كل هذه الحدود وأكثر هو «ماريبيتو» (٢٠٠٤)، من إخراج تاكاشي شيميزو. جرى تصوير ومونتاج وتوزيع الفيلم من خلال الوسائط الرقمية وتُقدِّم قصته المُنعطَفات والمُفاجآت المتاهية الخاصة بسردٍ غير مُتتابِع. يسرد الفيلم قصة ماسوكا وهو صحفي فيديو حرٌّ مهووس بنظرة الرعب التي يراها على وجه أي رجل قبل انتحارِه مباشرةً. تُؤدي استكشافاته إلى ممرٍّ تحت الأرض يكتشف من خلاله شبكة ضخمة من الأنفاق تحت الأرضية والمخلوقات المُراوغة التي تعيش بها. أحد تلك المخلوقات فتاة عارية مربوطة بالسلاسل إلى حائط. يُحرِّرها ويصطَحِبها إلى المنزل ويُدرِك في النهاية أنها ليست بشرية؛ فهي تمشي على أربع مثل الحيوانات، ولا تتكلَّم، وتتغذَّى على الدماء. وليُبقيَها على قيد الحياة، يتحوَّل إلى قاتل؛ حيث يقتُل في البداية امرأة مجنونة كانت تتبعُه، ثم فتاةً راغبة في أن تُصبِح مُمثِّلة ويجمع دماءهما في زجاجات مياه ليَجلِبَها إلى المنزل. وخلال إحدى جولاته للتسوُّق، يُركِّب كاميرات مراقبة في شقته حتى يُمكنه مُراقَبة الفتاة من على بُعدٍ بواسطة هاتفه المحمول (شكل ٣-٢٤). تُثار شكوكه عندما يكتشف اختفاء مقطع فيديو مدَّته اثنتا عشرة ثانية على نحو غامض. يُعتبر «ماريبيتو» عملًا انعكاسيًّا مُدركًا على نحو كبير لأفكاره وما يدين به سينمائيًّا. يصوِّر ماسوكا ضحاياه مثل بطل فيلم «مختلس النظر» (١٩٦٠) وتتصرَّف أسيرته كالمرأة القطة أو مصَّاصة الدماء، كما يُطاردُه شبح الانتحار الذي لا يهدأ. يتَّضح أن الأنفاق تحت أرض طوكيو تنتمي إلى الحرب الأخيرة، وربما لأحداث تاريخية أخرى مدفونة مثل تلك التي تحت مدن أخرى في العالم. إنَّها كذلك عالم لا شُعوري من الرغبات الشخصية المكبوحة؛ عالم خيالي يتعارَض مع «عالم الواقع» الذي يوجد فوق السطح. وبينما يتنقل ماسوكا بين هاتين الحالتَين العقليتَين، نُدرك أن السيدة المجنونة والفتاة العارية وكل شيء آخر ربما يكون لهم هُويَّات بديلة يخاف ماسوكا مواجهتَها بشدَّة إلى أن يُصبِح مستعدًّا للنظر في وجه الخَوف مُباشَرة.

figure
شكل ٣-٢٤: لقطة من فيلم «ماريبيتو» (تاكاشي شيميزو، ٢٠٠٤). تُساهِم الجماليات الرقمية الجديدة والخوف من التكنولوجيا الحديثة في الشُّهرة العالَمية لأفلام الرعب اليابانية.

يبرُز هذان المُستويان إلى الوجود في فيلم «ماريبيتو» أحد أكثر أوجه التناقُض إبهارًا وإثارة للقلق في اليابان؛ فهي بلاد معروفة بانتباهها للآداب الاجتماعية؛ فاليابانيُّون اعتادوا الانحناء باحترام بعضهم لبعض ويرتدُون أقنعةَ وجهٍ في مترو الأنفاق ويخلَعُون أحذيتهم قبل الدخول إلى البيوت. وهناك نظام معقَّد للتبجيل والتشريف مُدمج في اللغة ذاتها يُنظِّم التواصُل المهذَّب بين الرجال والنساء، والصِّغار والكبار، ورُؤساء العمل والمرءوسين. ومع ذلك، يقبع تحت كل هذه التصرُّفات المُتحضِّرة المعقَّدة عالم من الدوافع البدائية والرغبة البَحتة. ربما لا يكون هذا التناقُض مُقتصِرًا على اليابان، لكنه ظاهر بنحو أكبر. ربما هذا ما يُكسِب الفن الياباني مثل هذه القوة والصَّدى خارج اليابان، واضعًا الأفلام اليابانية، وسينما الرُّعب اليابانية بوجه خاص، بين أكثر الموضوعات جاذبية في السينما العالَمية اليوم.

قراءات إضافية

  • Balmain, Colette. Introduction to Japanese Horror Film. Edinburgh University Press, 2008.
  • Blake, Linnie. The Wounds of Nations: Horror Cinema, Historical Trauma and National Identity. Manchester University Press, 2008.
  • Brown, Seven. Cinema Anime: Critical Engagements with Japanese Animation. Palgrave, 2006.
  • Choi, Jinhee and Mitsuyo Wada-Marciano, Horror to the Extreme: Changing Boundaries in Asian Cinema. Hong Kong University Press, 2009.
  • Davis, Darrell William. Picturing Japaneseness: Monumental Style, National Identity, Japanese Film. Columbia University Press, 1996.
  • Haraway, Donna. “A Cyborg Manifesto: Science, Technology, and Socialist-Feminism in the Late Twentieth Century.” In Simians, Cyborgs and Women: The Reinvention of Nature, 149–181. Routledge, 1991.
  • Kawai, Hayao. The Japanese Psyche: Major Motifs in the Fairy Tales of Japan. Woodstock, 1996.
  • Lowenstein, Adam. Shocking Representation: Historical Trauma, National Cinema, and the Modern Horror Film. Columbia University Press, 2005.
  • MacWilliams, Mark, ed. Japanese Visual Culture: Explorations in the World of Manga and Anime. M.E. Sharpe, 2008.
  • McDonald, Keio. Reading a Japanese Film: Cinema in Context. University of Hawai’i Press, 2006.
  • McRoy, Jay. Nightmare Japan: Contemporary Japanese Horror. Rodopi, 2008.
  • Napier, Susan. Anime from Akira to Howl’s Moving Castle: Experiencing Contemporary Japanese Animation. Palgrave, 2005.
  • Richie, Donald. A Hundred Years of Japanese Film. Kodansha International, 2001.

هوامش

(1) Quoted in Colette Balmain, Introduction to Japanese Horror Film (Edinburgh University Press, 2008), 23.
(2) Susan Napier, Anime from Akira to Howl’s Moving Castle: Experiencing Contemporary Japanese Animation (Palgrave, 2005), 21.
(3) Donna Haraway, “A Cyborg Manifesto: Science, Technology, and Socialist-Feminism in the Late Twentieth Century,” in Simians, Cyborgs and Women: The Reinvention of Nature (Routledge, 1991), 149–181.
(4) See Jinhee Choi and Mitsuyo Wada-Marciano, Horror to the Extreme: Changing Boundaries in Asian Cinema (Hong Kong University Press, 2009), 28–33.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤