كيف تقرأ هذا الكتاب؟

إحدى المميزات الفريدة لهذا الكتاب هي طريقة تنظيمه؛ فهو، على عكس الكتب التي تستخدم المناهج التقليدية التي تتتبَّع التاريخ السينمائي للأمم أو الأقاليم، يرتِّبُ الأفلام في وحدات، أو مجموعات، كلٌّ منها تتمركز حول نوعٍ سينمائي أساسي، وتربطها به روابط منهجية وموضوعية. هذا التنظيم يمكِّن المعلمين وطلابهم من المقارنة بين الأفلام داخل إطارٍ مشترك، آخذين في الاعتبار كيف أن شخصيات نوعٍ سينمائي ما وحبكاته وموقع أحداثه وأساليبه البصرية تعكس تاريخَ وثقافةَ مكانِ منشَئِها، وفي نفس الوقت تُلبِّي احتياجاتٍ إنسانية أساسية. هذا أيضًا يسهِّل تتبُّعَ شبكات التناص المعقدة التي تؤثر بها الأفلام وصُنَّاعها بعضهم على بعض.

أحد أكبر التحديات في أي مقرَّر لاستعراض الأفلام هو التغطية. إحدى المشكلات العامة التي تخص استعراض أفلام السينما العالمية لأمة أو عصر في المرة الواحدة هي أن بعض أنواع السينما لا بد أن تتعرض للإهمال والتجاهل. وكذلك فإن بعض أهم الأهداف قد لا تُناقش بما يكفي بسبب السعي لتغطية مناطق أكثر. لكن هذا النهج القائم على المجموعات يقلل من القلق المصاحب لمسألة التغطية؛ فهو يعمل بوصفه هولوجرامًا أكثر من كونه تعاقبًا خطيًّا لقائمةٍ ما. ربما يحتاج الطلاب عند مناقشة كل مجموعة لفهم أكثر دقة بنحوٍ تدريجي للمفاهيم الأساسية. يبني الطلاب مفرداتٍ نقديةً لتحليل نصوص الأفلام ويدركون كيفية مساهمة التقنية والممارسات التجارية في فن السينما، ويرون كيف تمثل الأفلام القيم والتقاليد الثقافية، ويكتسبون معرفةً عملية بتاريخ العالم، ويستكشِفون موضوعاتٍ هامة من خلال مشروعاتٍ موجهة وبحثٍ مكثف. وبما أن كل مجموعة تناقش هذه الأهداف، مُعزَّزة من خلال التكرار والتنويع، فيمكن للمدرِّس اختيار الوحدات التي تُلبِّي معاييرهم المتعلقة بالاهتمام والتنوع والأهمية. وأخيرًا، يولي هذا الكتاب انتباهًا متعمَّدًا لدور صناعة الأفلام التجارية، التي عادةً ما يُستخَف بها في الكتب الموجَّهة لمناقشة الأفلام النخبوية. يحاول هذا الكتاب أن يستعيد بعضًا من متعة مشاهدة الأفلام المُسلِّية.

يتضمن الكتاب مقدمةً وأربع وحدات أو فصول، ومعلوماتٍ عامةً عن أفلام بذاتها، وفحصًا متعمِّقًا لبعض أنواع السينما الإقليمية، ومعلوماتٍ تكميليةً وافرةً.

تُحدِّد «المقدمة» ببعض الاستفاضة الأدوات والمنظورات لدراسةِ بناءِ أفلامٍ بعينها وسياقاتها الأشمل. إنها ستساعدك كدارس للسينما في فهم كيف ولماذا تُدرَس الأفلام باعتبارها نوعًا من الفن وتقنية وتجارة ودليلًا للثقافات ومؤشرًا اجتماعيًّا وأداة سياسية. إن هذا القسم سيُقدِّم بعضَ المصطلحات والمفاهيم الأساسية (مثل: الأمة، والعولمية، وما بعد الاستعمار، ومجتمع الشتات، والاستشراق، والإنتاجات المشتركة، ومونتاج وجهة النظر، وأسطورة البطل) التي سوف تصادفها خلال الكتاب. إنه سيُسهِّل فهْمَ موضوعاتٍ مثل الترجمة المرئية والدبلجة ودراسة الأنواع السينمائية العالمية، كما سيرشدك إلى كيفية قراءة أي مشهد بانتباهٍ شديد لتقنية الفيلم والأسلوب السينمائي.

تغطي كلٌّ من «الوحدات» الأربع المكوِّنة للكتاب نوعًا سينمائيًّا معينًا، ويتصدرها «فصلٌ» رئيسي يضم نقاشًا عامًّا لأفكارِ وتاريخِ هذا النوع، بالإضافة إلى الأساليب الثقافية والفنية التي ينبثق منها. على سبيل المثال، ستتعرف في هذا الفصل الهام على السمات التي تُميِّز أفلام الرعب؛ لماذا تزدهر في لحظاتٍ معينة أثناء تطورِ بلدٍ ما، وكيف تعكس خصوصيات أي أمة وصناعة السينما بها (الوحوش القوطية في بريطانيا، وجماليات الجيالو في إيطاليا، وأشباح الحرب الأهلية في إسبانيا، وأرواح اليوريه الانتقامية في اليابان، ومصَّاصو الدماء القفازون في هونج كونج)، وفي نفس الوقت تستعير سماتٍ خاصةً بالأسلوب والمحتوى متجاوزة الحدود الجغرافية. يُدمِج كل فصل من الفصول الأربعة الرئيسية موضوعاتٍ ذات صلة عن النظرية والتقنية والتاريخ والتسويق والجماليات السينمائية داخل السياق السردي.

هناك قسم بعنوان «نظرة خاصة» في كل وحدة يستكشف بنحوٍ فاحص تراثًا سينمائيًّا محليًّا أو إقليميًّا قويًّا بوجهٍ خاص داخل النوع السينمائي الذي يجري نقاشه. كل قسم من هذه الأقسام يتركَّز على مجموعة أفلام (صينية، أو هندية، أو يابانية، أو أمريكية لاتينية) يقلُّ تقديمها في الكتب العديدة التي تناقش السينما حول العالم. هنا ستتعلم أمورًا عن التاريخ المحلي والموقع الجغرافي والبشر والحياة الثقافية والقوى الاقتصادية التي تُشكِّل الأفلام في هذا المكان على الكوكب.

هناك قسمٌ آخر بعنوان «لقطة مقربة» في كل وحدة (أربعة في كل واحدة) يقدِّم أفلامًا فردية تمثِّل تقاليدَ ونزعاتٍ هامة نُوقِشت بنحوٍ عام في الفصل الرئيسي. هذه الأطروحات الوجيزة ستُمدُّك بخلفيةٍ عامة عن عملية إنتاج الفيلم وتمويله واستقباله والممثلين والمخرج وطاقم العمل. يمكنك استخدامها كفرصٍ سانحة للتركيز بنحوٍ أعمق على النصوص السينمائية الجذَّابة والنظر إلى الطرق المختلفة التي تتطور بها تلك الأفلام تماشيًا مع الحدود اللغوية أو الوطنية، وتنمو محليًّا حول مجتمعات محدَّدة بوضوح، أو تعبر الحدود. سيساعدك هذا في النظر إلى تلك الأفلام ليس كنصوصٍ سينمائية منفصلة من أماكنَ مختلفةٍ بل كعناصر مشاركة في ظاهرةٍ عالميةٍ ديناميكية. لاحظ كيف أن تلك الأفلام تُمثِّل تحديًا للمخزون العالمي الكبير للسرد القصصي المرئي، أو تتماشى معه، أو تُوسِّع منه. وعلى الرغم من أن هذه الأفلام اختيرت بعناية لجودتها وتنوعها وانتشارها، فهي تمثل فقط عددًا قليلًا من ضمن العديد من الخيارات. ربما يقرر مدرِّسك التركيز على أمثلةٍ أخرى تعكس بنحوٍ أكثر مباشرةً نطاقَ المقرَّر الذي تدرسه وأهدافَه.

داخل الكتاب ستجد مشاهدَ سينمائيةً مُكبَّرة، وأسئلة من أجل النقاش والبحث، وقوائم أفلام، وكتُبًا مُقترَحة للقراءة، وخرائط وجداول زمنية لمساعدتك في استيعاب المفاهيم الرئيسية وإرشادك بنحوٍ أكبر أثناء الدراسة. ينتهي الكتاب بمسرد للمصطلحات. وسيمدك إلقاء نظرة سريعة على الرسوم التوضيحية بفكرةٍ عن أنواع الأفلام والموضوعات التي تُناقَش بين صفحات الكتاب.

كل صورةٍ فوتوغرافية تُعتبر «لقطةً مُكبَّرة» مأخوذةً من فيلمٍ حقيقي. بعض هذه الصور عُرِضت في ثنائيات للمقارنة بينها؛ فهناك لقطة من فيلم «العظماء السبعة» («ذا ماجنيفيسنت سيفن») معروضة بجانب لقطةٍ أخرى من فيلم «الساموراي السبعة» («سيفن ساموراي») لتسليط الضوء على أوجه التشابه والاختلاف بين أفلام الغرب الأمريكي الأمريكية وأفلام الساموراي اليابانية. هناك لقطتان أخريان من فيلم «والد العروس» («فاذر أوف ذا برايد») بنسختي عامَي ١٩٥٠ و١٩٩١ معروضتان إحداهما بجانب الأخرى لعقد مقارنة بين أفلام الزفاف في الحقبتين الزمنيتين. بعض اللقطات معروضة في مجموعات لغرضٍ مُعيَّن؛ على سبيل المثال، بعض اللقطات من فيلم «المواطن كين» (ستيزين كين، ١٩٤١) توضِّح كيف أن التحليل الدقيق للفيلم يمكنه الكشف عن الحرفية الفنية وراء التصوير والمونتاج البارعَين. يوضح تتابعٌ آخَر للمَشاهد من فيلم «المدمرة بوتمكين» («باتلشيب بوتمكين»، ١٩٢٥) أساسياتِ المونتاج السوفييتي. هناك مجموعةُ صورٍ لمصَّاصي الدماء في السينما تعرض كيف أن وحشًا سينمائيًّا مفردًا يمكنه تجاوُز الحدود ونشر الرعب أو المتعة حول العالم.

توضح «خرائط النوع السينمائي» في كل فصلٍ رئيسي أن بعض الأنواع السينمائية تتجاوز الحدود القومية بالفعل، مع تحديد متى وأين تظهر بعض الأفلام من تلك الأنواع حول العالم. أما الجداول الزمنية في أقسام «نظرة خاصة»، فتقدم مقارنات جنبًا إلى جنب بين الإنتاجات السينمائية لمنطقةٍ ما والأحداث التاريخية التي وقعت بها. استخدم هذه الخرائط والجداول الزمنية كوسائل إيضاح مرئية لمساعدتك في تلمُّس الطريق خلال جغرافيا وتاريخ أفلام الأنواع السينمائية حول العالم. أما قوائم الأفلام الموجودة في نهاية الفصل الرئيسي في كل وحدة، فيمكنها كذلك المساعدة في معرفة بيانات الأفلام. هذه القوائم مرتبة زمنيًّا داخل كل نوعٍ سينمائي لتسهيل الوصول إلى تاريخ فيلمٍ ما ودولة المنشأ والعنوان والمخرج. سيساعدك إلقاء نظرة سريعة على كل عمود في صنع روابط بين الحقب الزمنية والمناطق وصُنَّاع الأفلام. لكن تذكَّر أن التواريخ والعناوين والأنواع السينمائية يمكن أن تمثِّل مشكلة لأي شخص يدرس السينما حول العالم، وخاصة في عصر التعاون العالمي في إنتاج الأفلام؛ فيمكن أن يُعرَض الفيلم في أوقاتٍ مختلفة في مناطقَ مختلفة، وربما يُعرف الفيلم بعناوين مختلفة، وربما يُموَّل ويُنتج من قبل العديد من الشركات والأفراد، بجنسياتٍ مختلفة. وبصدور الكثير من الأفلام «الهجينة»، يصبح تصنيف الأفلام حسب الأنواع السينمائية أصعب من ذي قبل؛ فكيف يمكن تصنيف فيلم «اقتل بيل» («كيل بيل»)، على سبيل المثال، للمخرج كوينتن تارانتينو، والذي يمزج عن عمد بين عناصر من أفلام الغرب الأمريكي والساموراي والكونغ فو والكوميديا والرعب؟ كلما ازدادت معرفتك بالأنواع السينمائية، تشجعتَ على التساؤل عن كيفية ارتباط أفلامٍ بعينها بأنواعٍ سينمائية بعينها داخل قوائم الأفلام وفي وسائل الإعلام وعلى مدار هذا الكتاب.

ومن أجل الحفاظ على الاتساق، قررتُ استخدام «تواريخ الإصدار» الأصلية المذكورة في قاعدة بيانات الأفلام على الإنترنت (imdb.com)، والتي أصبحت نقطةً مرجعية متفقًا عليها لدى الطلاب والباحثين والعاملين في صناعة الأفلام على حدٍّ سواء. كما اعتمدت كذلك على هذا الموقع باعتباره مصدرًا لعناوين الأفلام الموثوق فيها. الأمر الواقع هو أنه في معظم الحالات يُذكَر العنوان بالعربية أولًا، يليه العنوان الإنجليزي أو الأجنبي بالنقل الصوتي، وأخيرًا تاريخ الإصدار. لكنَّ هناك أفلامًا معروفة للجمهور بعناوينها الإسبانية والإيطالية، وفي هذه الحالة، ذكرت العنوان بالنقل الصوتي فقط، على سبيل المثال فيلم «أموريس بيروس» (٢٠٠٠) للمخرج المكسيكي أليخاندرو جونزاليس إنياريتو أو «لا سترادا» (١٩٥٤) للمخرج الإيطالي فيديريكو فيلِّيني.

أي حقل دراسي له مفرداته الخاصة به، ودراسة السينما ليست استثناءً. بعض المفردات تقنية بشكلٍ بحت مثل لقطة الرافعة أو النسبة الباعية. هناك مفرداتٌ أخرى، مثل العولمية وما بعد الاستعمار، اكتسبت معاني وفروقًا دقيقة بين دارسي السينما والمؤرخين. ستجد أن العديد من هذه المفردات مشروحة في المقدمة عند ظهورها لأول مرة، أما في بقية الكتاب، فعادةً ما تُقدَّم المفردات الجديدة وتُفسَّر في سياقها. وإذا واجهتَ مصطلحًا غير مألوف أثناء القراءة، فيمكنك الرجوع إلى «المسرد» في نهاية الكتاب.

إذا أثار موضوعٌ ما اهتمامك الخاص، فربما ستودُّ استكشافه بنحوٍ أكثر تفصيلًا؛ لذا فإن كل قسم في الكتاب ينتهي بقائمة «قراءات إضافية». وسواءٌ كنتَ متشكِّكًا بشأن زعمٍ مثير للتساؤل، أو لديك فضول نحو فكرةٍ جديدة، أو تتوق إلى الحصول على المزيد من المعلومات، فإن هذه القوائم ستقودك إلى العديد من أفضل الكتب والمقالات المتاحة. أتمنى أن ما جمعتُه بين صفحات هذا الكتاب سيساعد في دفعك للأمام أثناء رحلتك العلمية.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤