لقطة مقربة: الساموراي السبعة

شكل ١-٢٦: فيلم «الساموراي السبعة» (أكيرا كوروساوا، ١٩٥٤).
  • إخراج: أكيرا كوروساوا.
  • كتابة: أكيرا كوروساوا وشينوبو هاشيموتو وهيديو أوجوني.
  • تصوير: أساكازو ناكاي.
  • مونتاج: أكيرا كوروساوا.
  • موسيقى تصويرية: فوميو هاياساكا.
  • إخراج فني: سو ماتسوياما.
  • إنتاج: سوجيرو موتوكي.
  • توزيع: توهو (اليابان) وكولومبيا بيكتشرز (الولايات المتحدة) في عام ١٩٥٤.
  • اللغة: اليابانية مصحوبة بترجمة مرئية بالإنجليزية.
  • زمن الفيلم: ٢٠٧ دقائق.
الأبطال:
  • توشيرو ميفوني بدور كيكوشيو.

  • تاكاشي شيمورا بدور كامبي.

  • كيكو تسوشيما بدور شينو.

  • دايسوكي كاتو بدور شيشيروجي.

  • إيساو كيمورا بدور كاتسوشيرو.

  • مينونو شياكي بدور هيهاشي.

  • سيجي مياجوشي بدور كيوزو.

  • يوشيو إينابا بدور جوروبي.

  • يوكيكو شيمازاكي بدور الزوجة.

  • كاماتاري فوجيوارا بدور المزارع مانزو.

  • يوشيو تسوشييا بدور المزارع ريكيشي.

أي مهتم بالسينما اليابانية وإسهامها في أفلام الحركة العالمية، وخاصة أفلام الساموراي، لن يجد من يبدأ به أفضل من أكيرا كوروساوا (١٩١٠–١٩٩٨) وفيلمه الرائد «الساموراي السبعة» (١٩٥٤). إن كوروساوا، المشهور عالميًّا ﺑ «سينسي»، والتي تعني السيد والمعلم المشهود له، معروف على نطاقٍ واسع بأنه «مخرج المخرج». في الولايات المتحدة، يعترف مخرجون مثل روبرت ألتمان وفرانسيس فورد كوبولا وستيفن سبيلبرج ومارتن سكورسيزي وسام بيكينباه بتأثيره وفضله عليهم. يُبيِّن فحصٌ سريع لأفلام كوروساوا التي أعيد صنعها مدى استعداد عالَم محاربي الساموراي الذي يظهر في أفلامه للاندماج مع الغرب الأمريكي. بنى مارتن ريت فيلم «الغضب» (١٩٦٤) على فيلم «راشومون» (١٩٥٠)، بينما أعاد سيرجيو ليوني صنع فيلم «يوجيمبو» (١٩٦١) بعنوان «حفنة من الدولارات» (١٩٦٤)، وأعاد جون سترجيس صنع فيلم «الساموراي السبعة» في فيلمه «العظماء السبعة» (١٩٦٠). ذكر جورج لوكاس أن فيلم «الحصن الخفي» («ذا هيدين فورتريس»، ١٩٥٨) مصدرٌ هام لسلسلة أفلام «حرب النجوم»، تلك السلسلة من أفلام الخيال العلمي التي تحوَّلت فيها التخوم الغربية إلى التخوم الجديدة للفضاء الخارجي. بدوره، عبَّر كوروساوا عن اهتمامه الشديد بالأفلام الأمريكية وخاصةً أفلام الغرب الأمريكي، وذكر جون فورد وجون هيوستن بوصفه مصدر إلهام له. لكن في وطنه، كان يتعرض للانتقاد خلال حياته من جيلٍ أقدمَ بأنه ليس يابانيًّا بما يكفي، ومن جيلٍ جديد من المخرجين بأنه رجعي وأفلامه غير مرتبطة بالواقع.

وُلِد أكيرا كوروساوا في طوكيو لعائلة يعود نسلها إلى محارب ساموراي شهيرٍ في حقبة جنجي. كان والده، الفخور بشدة بتراثه العسكري، يدرِّس مادة التربية الرياضية في مدرسةٍ عسكرية. وبصفته رجلًا منضبطًا وصارمًا، غرس إحساسًا قويًّا بضبط النفس في ابنه الذي درس قتال السيف بطريقة الكيندو أثناء شبابه، لكنه انجذب طبيعيًّا ناحية الفن. أحب كوروساوا الأدب وخاصةً روايات دوستويفسكي، ودرس الرسم قبل التقدُّم للحصول على وظيفة في أستديو فوتو كميكال لابوراتوريز، الذي أصبح لاحقًا توهو، وهو أحد أكبر أستديوهات إنتاج الأفلام في اليابان. كصبيٍّ مبتدئٍ مجتهد في الأستديو، زاد إعجاب كوروساوا بمعلِّمه كاجيرو ياموموتو الذي أدرك موهبة الشاب وشجَّعه على جعل صناعة الأفلام هي مهنته. كان ياموموتو هو من علَّم كوروساوا أهمية كتابة السيناريو، وهي مهارة مارَسَها طوال حياته. وبعد العمل مساعدًا في أكثر من ٢٤ فيلمًا، بدأ إخراج أول أفلامه الطويلة بعنوان «سانشيرو سوجاتا» وهو من أفلام الساموراي عام ١٩٤٢. صدر الفيلم في العالم التالي ليلقى حفاوةً جماهيرية ونقدية.

مثَّلت السنوات التي انطلقت فيها مسيرة كوروساوا التي استمرت لخمسين عامًا تحديًا لأي صانع أفلام شاب. تطوَّرت السينما اليابانية ببطء، لم يستخدم أوائل المخرجين اليابانيين أساليب مبتكَرة في المونتاج أو التصوير، مُفضِّلين التركيز على تقديم الشخصيات والأداء. وبارتباط السينما اليابانية بالأساليب الدرامية للمسرح، فإنها استخدمت ممثلين ذكورًا لتقديم الأدوار النسائية حتى عام ١٩٢٢، بالإضافة إلى استخدام رواة البينشي لتقديم تعليقاتٍ حية لما يحدث على الشاشة حتى منتصف ثلاثينيات القرن العشرين. كان شقيق كوروساوا الأكبر من رواة البينشي، وهي وظيفة أتاحت لكوروساوا الدخول للسينما بالمجان كطفل. وخلال الحرب العالمية الثانية، فرضت قيادة اليابان العسكرية رقابة على كل المنتجات لتصبح متماشية مع أجندتها القومية. وبعد الحرب، فرضت قوات الحلفاء التي احتلَّت اليابان رِقابتَها الخاصة مانعةً صنع الأفلام التي تُعتبَر غيرَ ديمقراطية ومناهِضةً للأجانب أو تعرض لمبادئ عسكرية. كانت أفلام الساموراي ممنوعة حتى منتصف الخمسينيات.

بمرور السنوات، طوَّر كوروساوا أساليب للتصوير والإنتاج ساعدته جيدًا. كان يتعاون في كتابة سيناريوهات أفلامه عادةً مع كاتبٍ آخر أو فريق من الكُتَّاب للحصول على منظوراتٍ مختلفة لرؤيته. كانت السيناريوهات السينمائية غالبًا تُصنَع وفي تفكيره ممثلون بعينهم، وخاصةً توشيرو ميفوني وتاكاشي شيمورا، ممثلَيه المفضَّلَين. كان طاقم التمثيل يقرأ السيناريو، ويتبع ذلك بروفات أداء وبروفات بالملابس، مع وضع الإضاءة والكاميرات في مكانها الصحيح، ثم يبدأ التصوير. وعكْس الكثير من المخرجين، فإن كوروساوا كان يفضِّل التصوير مع الالتزام بالترتيب الزمني متبعًا السيناريو وعَمَلَ مونتاج للمَشاهِد المصوَّرة كل ليلة. كان يؤمن بأن هذا الأسلوب يحافظ على الزخم ويساعده في «اغتنام تدفُّق الإبداع». في موقع التصوير وفي عملية ما بعد الإنتاج، اشتهر بالسيطرة الشديدة. لم يكن هناك أي شيء في النسخة النهائية يحدث صدفة؛ كلُّ حركة وكل زاوية وكل ظلٍّ وكل نسمةِ هواءٍ كانت قرارًا مقصودًا من الإمبراطور أو «تينو» كما أصبح يُعرَف في دائرة معارفه المقربين.

نرى هذه السيطرة الصارمة في فيلمه «الساموراي السبعة»، ومع ذلك، فإن تدخُّله لا يكون أبدًا دون مُبرِّر أو سبب. أَوقِفِ الفيلمَ في أي لحظة تقريبًا وسترى على الأرجح لقطةً مركبة بعناية. دقِّقِ النظرَ مرةً أخرى وافحصِ اللقطةَ ضمن السياق وستدرك أنها تخدم غرضًا أكبر. دائمًا ما تدفع القصة وضع كل جسد وتركيب أي حائط والمطر العاتي وحركة الظلال على الماء. وبينما يتمثل جزءٌ كبير من عبقرية الفيلم في التفاصيل، فإنه لا يفقد أبدًا رؤيته للتصميم العام. إن هذا الفيلم، بمدة عرضه الطويلة (أكثر من مائتي دقيقة في نسخة المخرج الأصلية) ومداه الثقافي (إذ يكشف عناصرَ من زمن اليابان الإقطاعية ما زال صداها يتردَّد في الحياة المعاصرة)؛ يُعتبَر تعليقًا تأمليًّا عن الولاء والعنف، والأفراد والجماعات، والطبيعة البشرية تحت الضغط، كما أنه كذلك قصةٌ بها عناصر من الكوميديا والإثارة والتسلية بشكلٍ كبير.

صنع كوروساوا «الساموراي السبعة» بعد انتهاء الاحتلال الأمريكي لليابان بفترةٍ قصيرة، عندما كان حرًّا في إعادة النظر في ماضي اليابان الإقطاعي. تدور قصة الفيلم في حقبة «الممالك المتحاربة» (سينجوكو) التي تتَّسم بالصراعات الدموية والفوضى الاجتماعية، والتي عُرفت كذلك باسم «حرب أونين» (١٤٦٧–١٤٧٧). كان أمراء الحرب المتصارعون يُدمِّر بعضهم حصون بعض، وينهبون القرى مستأجِرين خدمات فرسان الساموراي ليحاربوا من أجلهم. وعندما كان أيُّ أميرِ حرب يُهزَم، كان فرسان الساموراي التابعون له يُتركون ليهيموا في الريف تحت اسم «الرونين»، الذي يعني «رجالًا متجوِّلين»، وأحيانًا ما كانوا ينهبون المزارع من أجل الطعام. بعض فرسان الساموراي أصبحوا مُعلِّمين وأطباء كأسلاف كوروساوا، لكن الكثير منهم أصبحوا قُطَّاعَ طرقٍ يعتمدون على مهاراتهم القتالية في سرقة قوت الفلاحين المسالمين. كانت تلك الحقبة حقبةَ غياب القانون والعنف المتفرق مثل الغرب الأمريكي، لكنها كذلك كانت حقبةً مليئة بالفرص؛ ففي ظل عدم وجود سلطةٍ مركزية قوية، انهار النظام الاجتماعي القديم، وأصبح من الممكن لمزارعٍ فقير يمتلك الشجاعة والطموح، أو يتظاهر بالشجاعة، أن يمسك سيفًا ويسمو فوق طبقته الاجتماعية.

في فيلم «الساموراي السبعة»، يستأجر المزارعون في قرية جبلية خدمات سبعة فرسان ساموراي لمساعدتهم في حمايتهم من فرقة من فرسان الرونين الذين يمارسون السلب والنهب. تتكشَّف الحكاية تدريجيًّا على ثلاثة أجزاء على نحوٍ يعكس اهتمام المخرج بسير إخراج الفيلم وكيف يتم إنجاز الأشياء. يقدِّم الجزء الأول شخصيات الفيلم الرئيسية: يناقش سكان القرية فكرة استئجار خدمات مرتزقة، كما ينضم فرسان الساموراي إلى فرقة المحاربين واحدًا تلو الآخر. في الجزء الثاني، يُعِدُّ الساموراي خطتهم في الدفاع، مع تدريب سكان القرية من أجل القتال. في الجزء الثالث، يبدأ تنفيذ الخطة وتبلغ أوجها في معركةٍ عنيفة ولحظةٍ مهيبة في المقابر. يتحمَّل كوروساوا مشاقَّ كبيرة لإكساب عالمه الخيالي إحساسًا بالأصالة؛ على سبيل المثال، إن استخدامه للتصوير ذي التركيز البؤري العميق يمكِّننا من مشاهدة العديد من مستويات الحدث في نفس الوقت؛ فبينما يواجه الرجال بعضهم بعضًا في مقدمة المشهد، فإن القرويين يمارسون روتين حياتهم اليومية في الخلفية. يتيح لنا استخدام كوروساوا ثلاث كاميرات، وهو أسلوب جديد مارسه كوروساوا، اختبار الطاقة العاتية لاندفاع الفرسان بالتفصيل وبنحوٍ إجمالي في وقتٍ واحد تقريبًا. ربما تكون الشاشة مليئة بعناصرَ كثيرةٍ، تكوِّن الحياة في القرية أو فوضى الحرب، لكننا لا نفقد أبدًا اتجاهاتنا. في إحدى اللحظات، يصطحب كامبي، أول فارس ساموراي من السبعة، رجاله إلى أركان القرية الأربعة لتوضيح خطته؛ مما يرينا بالتبعية الوضع العام. في لحظةٍ أخرى، يرسم رموزًا للساموراي وقُطَّاع الطرق على أحد الأعلام؛ مما يمكننا من متابعة عدد الضحايا خلال المعركة. دائمًا ما نعرف موقعنا بالضبط.

يبدأ الفيلم بلقطة للأفق تحوم فيها سحبٌ داكنة على مسافةٍ قريبة، بينما تظهر ظلال مجموعة من الفرسان راكبي الجياد وهم مُتَّجهون من اليمين إلى اليسار، ثم نحونا في شريطٍ ضيق من ضوء الصباح. تُضخِّم الموسيقي التصويرية من صوت حوافر الجياد العادية وتضيف قرع طبول يصبح «الجملةَ الموسيقية المتكرِّرة» التي تعلن عن وجود قُطَّاع الطرق. في هذا الفيلم، تُعلن جملة موسيقيةٌ خاصة عن كل مجموعة من الشخصيات؛ فسكان القرية مرتبطون بلحنٍ شعبيٍّ يُعزَف بالفلوت والطبلة، أما فرسان الساموراي فيعلِن وجودَهم صوتُ جوقة من أصوات الرجال الباعثة على الكآبة بالإضافة إلى آلات النفخ النحاسية. يشير إحلالٌ تدريجي لمشهدٍ آخر إلى انتقالٍ في منظورنا حيث تذوب إحدى اللقطات في أخرى. نحن الآن فوق التل مع الفرسان المسلَّحين المرتدين دروعَهم بالكامل، الذين ينظرون إلى قرية تقع أسفل منهم بكثير. تُقرِّر فرقة قُطَّاع الطرق تأجيلَ هجومها، سيعودون لاحقًا عندما ينضج الشعير. تصل هذه الأخبار إلى سكان القرية وتنتقل الكاميرا الآن لتنقل صورةَ أجسامهم الجاثية على الأرض ورءوسهم المحنية في يأس وإشفاق على الذات. تساهم عدسة التيليفوتو في تسطيح المنظور؛ مما يُبرِز قُرْبَهم ووَحْدتَهم. ينوح أحدهم قائلًا: «لقد وُلِد المزارعون ليَشقَوا.» يقف آخر ويدعو إلى القتال، إنه ريكيشي وهو شابٌّ متحمِّس جدًّا سيبرز دوره لاحقًا بشكلٍ كبير في الفيلم. تدريجيًّا، يبرز العديد من سكان القرية كأفراد. هناك موسوكي الذي يقع بيته خارج القرية؛ ما يجعله عرضةً لأول هجوم. هناك مانزو المهووس بعفة ابنته على نحوٍ مبالَغ فيه. هناك يوهيي الذي يجعله وجهُه المضحك ومزاجُه المتوتر شخصيةً مثيرة للضحك. هناك جيساكو، رئيس القرية الحكيم الذي يناديه الجميع ﺑ «الجد». عندما يعترض مانزو على فكرة استئجار خدمات الساموراي مخافةَ أن يغتصبوا ابنته، يخبره جيساكو: «ما فائدة الخوف على لحيتِك، ورأسُك على وشك أن يطير؟»

يظهر الساموراي السبعة الواحد تلو الآخر؛ نشاهد كامبي (تاكاشي شيمورا) لأول مرة وهو يحلق عقدة شعره، وهو تصرُّف لا يمكن صدوره من فارس ساموراي، حتى ندرك السبب وهو إنقاذ طفل يحتجزه فارس رونين يائس كرهينة. يصبح كامبي، الذي يجسد مبادئ البوشيدو في الاستقامة وإنكار الذات، قائد الساموراي السبعة والمتحدث باسم كوروساوا نفسه بشكلٍ ما. يُعجَب محاربٌ شاب يُسمى كاتسوشيرو بشجاعة كامبي ويترجَّاه أن يصبح تابعًا له. ينضم إليهما، لاحقًا، صديق كامبي القديم، شيشيروجي، وكذلك جوروبي وهو رامي سهام بارع يستعين به كامبي ليكون نائبه. بدوره يستعين جوروبي بهيهاشي، وهو حطَّاب يعوض مهاراته الضعيفة في القتال بروحٍ قتاليةٍ قوية. الساموراي السادس الذي ينضم إليهم، رغم تردده في البداية، هو كيوزو، وهو أمهر مبارز بالسيف في المجموعة. في المشهد الوحيد في الفيلم الذي يظهر قتال فرد لفرد، نشاهده وهو يقضي على متنمِّر، حادَّ المزاج بإحكام ووجهٍ متحجِّر خالٍ من أي تعبير؛ يصبحان علامته المميزة بعد ذلك. أخيرًا، هناك كيكوشيو (توشيرو ميفوني) وهو أكثرهم طاقة وتعقيدًا، يظهر في البداية كمهرِّجٍ يدَّعي أنه نبيل النسل. إن أفعاله حمقاء وسيفه ضخم جدًّا وملابسه غير ملائمة وسخيفة المظهر. يُعتبر كيكوشيو هو الورقة الرابحة، الشخص الخادع المظهر، المهرج — وهو دائمًا يمثل مخاطرة لأي مجموعةٍ قتالية — لكنه يجلب مكوناتٍ هامة للفيلم من الكوميديا والحيوية والمفاجأة. وبامتلاك كيكوشيو للخيلاء وروح الفكاهة الساخرة، فإنه يمكنه قيادة المزارعين في جماعات وإظهار شجاعة، إن لم يكن طيشًا، لا تعرف الخوف تحت الهجوم. يكشف كيكوشيو عن جانبٍ أكثر عمقًا وجدِّية عندما تُكتَشف ذخيرة من الدروع المخبَّأة في كوخ مانزو؛ يغضب الساموراي السبعة باكتشافهم لهذه الخيانة من جانب المزارعين، لكن كيكوشيو يعرف أكثر من الباقين؛ فهو يقول: إن المزارعين جبناء وذوو وجهين، لكن من جعلهم هكذا؟ ربما أكثر اللحظات كشفًا لكيكوشيو هي عندما يركض مُقتحِمًا مطحنة تحترق لينقذ طفلًا رضيعًا من بين ذراعَي والدته المحتَضرة. ويصرخ قائلًا: «نفس الأمر حدث معي. لقد كنتُ مثل هذا الطفل الرضيع.» يحتضن كيكوشيو الطفل بين ذراعَيه وينهمر في البكاء.

يركِّز كوروساوا على الشخصيات خلال الفيلم، بعض الشخصيات، مثل قُطَّاع الطرق، لا يتجسَّدون بالكامل، وامرأةٌ واحدة فقط وهي شينو، ابنة مانزو. لكن على مدار الفيلم، ندرك أسرارًا كاشفة عن ريكيشي ومانزو. نرى كاتسوشيرو ينضج ليصبح رجلًا، وتروقنا بمرور الوقت حكمة كامبي، وقلب كيوزو النبيل وراء وجهه الصخري. وفوق كل شيء، نفهم شيئًا عن نفس كيكوشيو الداخلية والأسباب وراء سلوكه الغريب وما الذي يدفعه ليصبح فارس ساموراي. في النهاية عندما يقبله الستة الآخرون، تصبح هذه أوج لحظات حياته.

يبقى ثلاثة فقط من الساموراي السبعة على قيد الحياة. يقول كامبي ببساطة ملتفتًا إلى جوروبي: «لقد نجونا مرةً أخرى». وتظلُّ الكاميرا مُثبَّتة على العلَم المرفرِف وهو تذكيرٌ صامت بنتيجة المعركة. عندما يعود النهار، نرى المزارعين في حقولهم مرةً أخرى متحركين في توافق مع إيقاع الصوت القديم قِدَم الدهر للفلوت والطبلة أثناء زراعتهم للمحصول الجديد للأرز. يستمرُّ إيقاع الطبيعة بل والحياة نفسها في المضيِّ قدمًا. على الجانب الآخر من النهر، يتَّجه المحاربون الثلاثة المتبقون للرحيل متوقِّفين عند الروابي التي دُفِن فيها زملاؤهم من ضحايا القتال. ينفصل كاتسوشيرو عنهم؛ فقد قرر البقاء مع شينو ليصبح أحد سكان القرية. يتحدث كامبي مرةً أخرى قائلًا: «لقد هُزمنا مرةً أخرى. المزارعون هم من فازوا وليس نحن.» تتَّجه الكاميرا لأعلى مظهِرةً المقابر بينما يتصاعد صوت الرياح وموسيقى الساموراي الكئيبة.

كما تقول جون ميلين في كتاب معهد الفيلم البريطاني عن فيلم «الساموراي السبعة»: «لقد فاز فرسان الساموراي بالمعركة لكنهم خسروا الحرب.»1 فأيام كامبي معدودة؛ فقد أفسحت المبادئ المثالية البطولية التي يمثلها الطريق لعالمٍ جديد من الضرورة العملية العامة. ينعى كوروساوا ضياع اليابان القديمة الممثلة هنا في الروح النبيلة لفرسان الساموراي، بنفس الشكل الذي يعترف به بالقيمة الأكثر تفوقًا وهي البقاء على قيد الحياة والممثَّلة في المثابرة العنيدة لسكان القرية. وعلى الرغم من ذلك، فإن ما يجعل الفيلم أكثر إثارة للاهتمام من مجرَّد كونه تقسيمًا بسيطًا للأمور إلى أبيض وأسود، هو الطريقة التي يُعقِّد بها الأمور. تاريخيًّا، وبتحرك اليابان الإقطاعية نحو السلام (كما فعلت اليابان الحديثة عام ١٩٥٤)، فإن المهارات والأخلاقيات السامية لطبقة المحاربين تقل أهمية عن المنفعة الاقتصادية التي يمثلها المزارعون. لا تبدو المشاهد التي يقدِّمها كوروساوا للمعركة بطولية على نحوٍ خاص؛ فهناك القليل من البسالة التي تُميِّز المبارزة بالسيف التي تُميِّز هذا النوع من الأفلام. يُقتَل فرسان الساموراي فجأة من دون سابق إنذار بالرصاص وليس في مواجهاتٍ ملحميةٍ مباشرة. يُنتَزَع قطاع الطرق من على متن خيولهم ويُطعَنوا بصورةٍ وحشية بسيقان الخيزران المشحوذة، كما يسقط المحاربون وخيولهم في الطين وتشتعل النيران في البيوت وساكنوها بداخلها. هذه المشاهد هي نظراتٌ واقعيةٌ سوداوية لوحشية الإنسان تجاه أفراد جنسه. بالتأكيد، نرى تصرفاتٍ فرديةً تنطوي على شجاعة، مثل مجهود هيهاشي الإيثاري لسحب ريكيشي من كوخٍ محترق، أو غارة كيوزو الصامتة على موقع تمركز لأسلحة قُطَّاع الطرق. نرى أمثلة مثيرة للإعجاب للصداقة بين الرجال، مثل الرابطة القوية الخفية بين كامبي وجوروبي. لكننا كذلك نرى كيف أن الفردية الطائشة، مثل محاولة كيكوشيو تقليد سرقة سلاحٍ ناريٍّ آخر، التي يمكنها أن تهدِّد حياة الآخرين. يذكِّر كامبي المجموعة بهذا الأمر قائلًا: «في الحرب، ما يهم هو العمل الجماعي. من يظن أن الأمر يتعلَّق به فقط سيدمر نفسه أيضًا.» يشدد تحذيره ونصحه لهم على التفرقة اليابانية القديمة جدًّا بين الواجب (جيري) والهوى الشخصي البشري (نينجو).

استغرق صنع فيلم «الساموراي السبعة» ١٨ شهرًا. كتب كوروساوا السيناريو مع معاونيه، شينوبو هاشيموتو وهيديو أوجوني، في ٤٥ يومًا، أُضيف دور كيكوشيو، الذي لم يكن موجودًا في التصوُّر الأصلي؛ لإضفاء لحظاتٍ كوميدية وسط الدراما، رغم أنه أصبح على يد ميفوني دورًا أكبر بكثير. كافح فريق الإنتاج من أجل إضفاء أصالة وعمق غير اعتياديَّين. وصنع كوروساوا وصفًا مفصَّلًا وتاريخًا شخصيًّا لكل فارس من السبعة، وصنع سجلًّا كاملًا للمزارعين محدِّدًا صلاتهم العائلية؛ حتى يمكن للممثلين العيش جميعًا معًا كقريةٍ حقيقية خلال تصوير الفيلم. يشدد تركيب كوروساوا للمشاهد ووضعه الحريص للممثلين في أماكنهم على هذه العلاقات. في البداية، يظهر المزارعون وفرسان الساموراي كمجموعتَين متفرِّقتَين، وتؤكد الكاميرا والمونتاج على ولاءاتهم المختلفة، وكلما اقترب بعضهم من بعض من أجل هدف مشترك، تأكَّد اعتمادُ بعضهم على بعض بنحوٍ سينمائي؛ فتُظهر لقطة متابعةٍ طويلة لكامبي خلال خطابه قبل المعركة الأخيرة كيف أن فرسان الساموراي والمزارعين يدعمونه ويقفون خلفه، وخلال المعركة، يجسد القطع السريع بالكاميرا وحدتهم وارتباكهم، وتختفي كل الفروق الطبقية تحت المطر الشديد.

في الوقت الذي حقَّق فيه فيلم «الساموراي السبعة» نجاحًا كبيرًا في شباك التذاكر، لم يقدره النقَّاد حقَّ قدره في البداية، وجده أتباع النقائية «غربيًّا» بنحوٍ كبير، واعتقد دعاة السلام أنه يروِّج للنزعة العسكرية، بينما كره الماركسيون الطريقة التي يجسِّد بها الطبقة الدنيا. لكن الفيلم أعاد إحياء الاهتمام بهذا النوع من الأفلام؛ ما أدى إلى بدء موجةٍ جديدة من صناعة أفلام الساموراي، وصلت إلى نحو أربعين فيلمًا كل عام بحلول أوائل الستينيات من القرن العشرين. في النهاية، احتل الفيلم مكانه في هيكل السينما العالمية كأحد أفضل أفلامها، بيَدِ أحد أفضل صناع السينما اليابانيين.

أسئلة

  • (١)

    يمثل الفيلم مجموعاتٍ رئيسية وفرعية مختلفة: قطاع طرق، فرسان ساموراي، قرويين؛ رجالًا ونساء؛ من يبادرون بالفعل ومن يقاومون. لأي مدًى يبدو أن كوروساوا يفضِّل إحدى تلك المجموعات على الأخرى؟ وأي تلك المجموعات تفضِّلها بأكبر نحوٍ ممكن؟ وهل من الممكن قراءة الفيلم على نحوٍ مخالف للسائد وتقدير إحدى تلك المجموعات رغم أن الفيلم يُقلِّل من شأنها أو لا يعطيها انتباهًا كبيرًا؟

  • (٢)

    يسمي ديفيد ديسر كوروساوا «صانع أفلام جدليًّا» مشيرًا إلى النزعات الإنسانية والشكلية السارية في عمله، وكيف أن الطبقات الاجتماعية المتعارضة، كسكان القرية وفرسان الساموراي، تتلاقى في فيلم «الساموراي السبعة»، يناوب كوروساوا كذلك بين مشاهد السكون ولحظات الحركة الشديدة. ما الدليل الذي يمكنك العثور عليه في الفيلم لدعم قراءة ديسر الجدلية؟

  • (٣)

    اختر مشهدًا يوضِّح قوة كوروساوا الجمالية في أكثر صورها تأثيرًا. لاحظ كيف يستخدم تأليف المشاهد وحركة الكاميرا والصوت والمونتاج والأدوات السينمائية الأخرى لبناء المشهد؛ ما الغرض الأكبر الذي تخدمه هذه الاختيارات السينمائية؟

  • (٤)

    يستعين كوروساوا بعناصر من الدراما التاريخية «جيداي جيكي» المصنوعة بعناية، وأفلام المبارزة بالسيوف (الشانبارا) العنيفة الخشنة، مازجًا بين ما هو بطولي وما هو فكاهي. جِدْ أمثلة لكلا العنصرين في فيلم «الساموراي السبعة». ما أهداف دعابته وسخريته؟ وما قدر الجدية التي ننظر بها إلى شخصيات مثل شينو ويوهيي وكيكوشيو؟

  • (٥)

    شاهد الفيلم مرةً أخرى، لكن هذه المرة انتبه جيدًا للموسيقى التصويرية. ما الأدوات الموسيقية التي يستخدمها كوروساوا لتمثيل مختلف الشخصيات والمجموعات؟ وكيف يستخدم هذه الجمل الموسيقية المتكررة المُحدِّدة للشخصيات؟ وما الدور الذي تلعبه المؤثرات الصوتية للفيلم؟ أحيانًا تبدو الموسيقى التصويرية غير متوقَّعة تمامًا، كما هو الحال عندما نسمع الطيور تُزقزِق أثناء أحد مشاهد القتال. ما الأمثلة الأخرى على هذا التعارض المتعمَّد التي يمكنك إيجادها؟

قراءات إضافية

  • Desser, David. The Samurai Films of Akira Kurosawa. UMI Research Press, 1983.
  • Desser, David and Arthur Nolletti, Jr. Reframing Japanese Cinema. Indiana University Press, 1992.
  • Donovan, Barna William. The Asian Influence on Hollywood Action Films. McFarland & Company, 2008.
  • Galbraith, Stuart. The Emperor and the Wolf: The Lives and Films of Akira Kurosawa and Toshiro Mifune. Faber and Faber, 2002.
  • Goodman, James. Akira Kurosawa and Intertextual Cinema. Johns Hopkins University Press, 1994.
  • Mellen, Joan. Seven Samurai. British Film Institute, 2002.
  • Prince, Stephen. The Warrior’s Cinema: The Cinema of Akira Kurosawa. Princeton University Press, 1991.
  • Richie, Donald. The Films of Akira Kurosawa. University of California Press, 1970.

هوامش

(1) Joan Mellen, Seven Samurai (British Film Institute, 2002), 77.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤