الفصل الثاني

أفلام الزفاف

في عام ٢٠٠٢ كتبت أمريكية-كندية من أصل يوناني تُدعى نيا فاردالوس، وقامت بطولة فيلمٍ ذي ميزانيةٍ صغيرة أصبح بين ليلة وضحاها حديث الجماهير. أُنتِج فيلم «زفافي اليوناني الكبير» بميزانية يُقال إنها خمسة ملايين دولار فقط، وحصد الفيلم ما يزيد على ٣٥٠ مليون دولار حول العالم؛ مما جعله أحد أكثر الأفلام حصدًا للإيرادات في تاريخ السينما. ورغم أن مراجعات الفيلم كانت إيجابية بشكلٍ عام، فإن ما دفع الفيلم حقًّا للوصول إلى هذه الشهرة غير المسبوقة كان الدعاية الشفهية التي حصل عليها بواسطة الجمهور المتحمِّس. من الواضح أن شيئًا ما يتعلق بفيلم فاردالوس لمس الناس في كلٍّ من وطنها والعالم أجمع. خرج أفراد الجمهور من دور العرض يقارنون بين ما شاهدوه وبين حفلات الزفاف اليهودية أو البولندية أو الإيطالية التي اعتادوها. استمتع الجمهور بمشاهدة طقوس زواج مألوفة، وفي نفس الوقت إشباع فضولهم بشأن ثقافةٍ أخرى، كما استمتعوا كذلك بالتجربة المشتركة للمشهد العام والسرد القصصي العالمي.

على نحوٍ متوقع، أدى هذا إلى ظهور العديد من أفلام الزفاف الأخرى؛ فقد ظهرت أفلامٌ تحمل عناوينها كلمة «عروس» أو «زفاف» في كل مكان، وهي مستمرة في الظهور. لكن يكشف بحثٌ سريع على موقع شركة نتفليكس أو قاعدة بيانات الأفلام على الإنترنت أن هذا النوع من الأفلام يوجد من وقتٍ طويل ويشمل نطاقًا كبيرًا من الأفكار العاطفية والأساليب السينمائية والمجالات الثقافية. تتيح لنا هذه الأفلام نظرةً خاطفة على طقوس الزواج في إنجلترا «أربع زيجات وجنازة» («فور ويدينجز آند آ فيونيرال»، ١٩٩٤) وأستراليا «زواج مورييل» («مورييلز ويدينج»، ١٩٩٤) وبولندا «الزفاف» («ذا ويدينج»، ٢٠٠٤) وأيسلندا «زفاف الليلة البيضاء» («وايت نايت ويدينج»، ٢٠٠٨) والهند («الزفاف الموسمي»، ٢٠٠١) وتايوان («مأدبة الزفاف»، ١٩٩٣) ومناطق الصراع في الشرق الأوسط («زفاف رنا» («رناز ويدينج»، ٢٠٠٢) و«العروس السورية» ٢٠٠٤)؛ وكذلك الممارسات المختلفة للزواج في الولايات المتحدة («والد العروس» بنسختيه عامَي ١٩٥٠ و١٩٩١)، و«حفل زفاف» («آ ويدينج»، ١٩٧٨)، و«مخططة حفلات الزفاف» («ذا ويدينج بلانر»، ٢٠٠١) و«عرس عائلي» («آور فاميلي ويدينج»، ٢٠١٠). في الوقت الذي قد تُعتبر فيه بعض هذه الأفلام أُنتِجت للتسلية فقط، وبالكاد تستحق مشاهدةً أخرى، يثير بعضها الآخر تساؤلاتٍ جادة عن دور الزواج ووضع النساء في المجتمع. وحتى الأفلام الرومانسية الكوميدية الأقل جدية يمكنها كشف جانبٍ كبير عن الافتراضات الفردية وقيم المجتمع التي ننظر إليها دائمًا كأمور مسلَّم بها.

بنحوٍ مضاد لبعض الأنواع السينمائية الراسخة مثل أفلام الغرب الأمريكي والرعب، التي أنتج عنها عدد لا حصر له من الكتب والدراسات الأكاديمية، فإن القليل نسبيًّا كُتِب عن أفلام الزفاف إجمالًا. يتيح لنا هذا الفرصة لاستكشاف أرضية جديدة أثناء طرح أسئلة رئيسية عن الأنواع السينمائية وكيف تعمل. فما السمات المشتركة لأفلام الزفاف؟ من هم أبطالها؟ ما أنواع القصص التي تعرضها؟ ما التهديدات التي تعرضها تلك القصص؟ ما المشكلات الاجتماعية التي تُجسَّد على الشاشة؟ كيف يكشف التاريخ والعادات الخاصَّيْن بمكانٍ ما طقوس الزواج المحلية وكيف يُنظَر إليها؟ لكن في البداية يجب علينا التساؤل هل كانت أفلام الزفاف تكوِّن نوعًا فنيًّا بنفس الطريقة التي تفعل بها أفلام الحروب أو العصابات.

(١) أسئلة عن النوع السينمائي والأسطورة

بينما تُسمى بعض الأنواع السينمائية باسم مسرح أحداثها (أفلام الغرب الأمريكي وأفلام الطريق) أو الممارسات التي تقدمها (الأفلام الغنائية وأفلام الكونغ فو) أو أثرها العاطفي (أفلام الرعب والإثارة)، فإن كلمة زفاف تشير إلى حدثٍ محدَّد: احتفالٌ عام لتأكيد حدوث الزواج. لكن هل يُعتبر أي فيلم به حفل زفاف فيلم زفاف؟ على سبيل المثال، فإن فيلم «الأب الروحي» (١٩٧٢) يحتوي على مشهدي زفاف جديرَين بالتذكُّر، لكن الفيلم لا يدور حول طقوس الزواج مثل فيلم «والد العروس» أو «الزفاف الموسمي»؛ لذا يجب علينا الأخذ في الاعتبار أثناء فحصنا لأي قائمة من قوائم أفلام الزفاف مدى أهمية الزفاف لشخصيات وقصص وأفكار الأفلام. في نفس الوقت، نحتاج للتفكير في موقع كل فيلم داخل مخططاتٍ أخرى عامة. ومثلما يمكن النظر إلى أفلام البطل المحارب كمجموعةٍ فرعية من أفلام الحركة، يمكن دراسة أفلام الزفاف كجزء من تصنيفٍ أوسع، كنوع فرعي من الميلودراما أو الرومانسية أو الأفلام النسائية. علاوة على ذلك، ومثلما أن هناك أفلام حروب كوميدية وأخرى غنائية، ربما يكون هناك أنواع مهجَّنة من أفلام الزفاف، بعضها أكثر هزلًا وبعضها أكثر جدية والبعض الآخر سياسي صراحةً؛ لذا، بدلًا من محاولة جمع هذه الأفلام في تصنيفات محدَّدة بصرامة، ربما يكون من الأفضل النظر إليها كما لو كانوا أفراد عائلة واحدة يتشارك كلٌّ منهم بضع سمات مع الآخر لكن من دون أن يكون صورة طبق الأصل منه.

إحدى الاستراتيجيات المفيدة في اكتشاف السمات المشتركة هي فحص الأفلام عن قرب كنصوص، كما نُحلِّل مجموعة من الروايات المتشابهة لنقارن بينها. هذا يعني تحديد أنواع الشخصيات والمشاهد الرئيسية والأفكار والرموز والبناءات السردية والأساليب التي تتكرَّر في أشكالٍ عديدة من فيلم إلى آخر. هل البطلة عروسٌ ساذجة أم عروسٌ تقليدية أم عروسٌ راغمة أم البطل هو والد العروس؟ كيف تُقَام طقوس الزواج؟ هل تقام في كنيسة أم على الشاطئ أم في شاحنة أم لا تُقَام مطلقًا؟ هل حفل الزفاف نفسه هو جوهر القصة الرومانسية أم هو مجرد فرصة لتقديم الكوميديا الخشنة أم هو مجاز عن اضطرابٍ ثقافي؟ يجب أن تمثِّل هذه الأسئلة عناصرَ إرشاديةً مفيدة للتحليل المقارن. كما يمكنها أن تُفيد كذلك في تسليط الضوء على التناص بين أفلام الزفاف، أي، كيف يُلمِّح كلٌّ منها للآخر، وكذلك للأدب القصصي والرسم وحتى المسلسلات التلفزيونية مثل «قولي نعم للفستان» («ساي ييس تو ذا دريس») و«عرائس صعبة المراس» («برايدزيلاز»).

تتجاوز النظريات الخاصة بالنوع السينمائي بنحوٍ كبير النصوص ذاتها لتشمل جوانب أخرى من صناعة السينما في الحسبان مثل صناعة الفيلم والجمهور والتاريخ والأيديولوجيات. لا يشير مصطلح صناعة الفيلم فقط إلى كُتَّاب السيناريو والمخرجين والمسئولين بنحو مباشر عن صنع هيكل وبناء الفيلم، بل يتضمن صناعة الفيلم بالكامل والقرارات المتعلقة بالإنتاج والتوزيع والعرض. ربما تأخذ الأسئلة الخاصة بالصناعة في الاعتبار كيف تُصنَع وتسوَّق أفلام الزفاف. فمن يقرر وضع كلمة الزفاف أو العروس في العنوان؟ ومتى تصبح هذه الأفلام مُربِحة؟ ولماذا يختار أستديو أو منتج مستقل الإعلان عن فيلمه باعتباره جزءًا من النوع السينمائي الخاص بأفلام الزفاف أو فيلمًا متفرِّدًا بذاته؟ يشارك الجمهور كذلك في هذه العملية؛ فالجمهور يصدِّق على نوعٍ سينمائيٍّ ما في شباك التذاكر كما فعل مع فيلم «زفافي اليوناني الكبير». إذ يؤسس أفراد الجمهور نوادي للمعجبين وطوائف من الأتباع المخلصين؛ لذا فإن طرح أسئلة عن الجمهور أمرٌ هام أيضًا؛ أيُّ مجموعات من الجمهور تستمتع بأفلام الزفاف؟ وما المُتع التي يسعون وراءها من خلال مشاهدتها؟

إذا كان هناك تاريخ لنوعٍ سينمائيٍّ ما، فمن الجدير السؤال عن كيفية تطوره عبر الزمن. في الفصل الخاص بالبطل المحارب، رأينا كيف أن بعض أصحاب النظريات يؤمنون بأن أنواعًا فنية بعينها تمرُّ بمراحل تطور تبدأ بالمرحلة التجريبية (والتي توضع فيها المبادئ الأساسية) ثم تنتقل إلى المرحلة الكلاسيكية (التي تستقر فيها تلك المبادئ) ثم إلى مرحلة التنقية والتحسين (التي تُعزَّز وتنمَّق التطورات الأسلوبية فيها من الشكل التقليدي) ثم إلى مرحلة الوعي الذاتي (التي يسيطر فيها الأسلوب على المظهر).1 هل تبعت أفلام الزفاف مسارًا مشابهًا؟ كذلك بما أنه لا يوجد فيلمٌ خالٍ من القيمة، كما أشرنا، فهناك أسئلة يجب أن تُطرَح عن الثقافة والأيديولوجية: ماذا تكشف أفلام الزفاف عن المجتمع الذي يُنتِجها؟ وما الرسائل التي تُفصِح عنها الأفلام عن المعتقدات الراسخة لأي ثقافة؟ غالبًا ما تكون الافتراضات الأيديولوجية غير منظورة لأولئك الذين يأخذونها بنحو مسلَّم به؛ كالماء للسمك والهواء للبشر. عندما نغوص في البحر أو نزور دولةً جديدة، ندرك بأكبر نحوٍ ممكن بيئتنا الأساسية المحيطة التي تتضمن مناخًا محمَّلًا بقيم بعينها نعيش داخله ونتنفس هواءه. ما كان يبدو من قبلُ طبيعيًّا من دون جدال اتضح أنه مجموعة واحدة فقط من الخيارات من بين الكثير من المجموعات الأخرى. وبمشاهدة أفلام زفاف من الهند أو لبنان، نقارن بين عاداتنا وسلوكياتنا وعادات وسلوكيات الآخرين. ونرى كيف أن بعض طقوس الحياة اليومية تُشكِّلها العقيدة الدينية والنزعة الاستهلاكية وسلطة الأب والرومانسية ومجموعات أخرى من المعتقدات. في نفس الوقت، يمكننا البحث عن القواسم المشتركة التي تتضمنها عادات الزفاف حول العالم. وبالعثور على نقاط التشابه وسط هذا التنوع، نبدأ في فهم كيف أن هياكل عميقة من الخبرات، وهي أكثر التساؤلات البشرية بقاءً واستمرارًا، ممثلة في الأفلام من جميع أنحاء العالم.

سنبدأ منهجنا البحثي في هذا الفصل بأفلام الزفاف من الولايات المتحدة. سنفحص أولًا قصصًا تقليدية من الشوق العاطفي والمخاوف العائلية من المنظورات المختلفة للعروس والأب والعريس وكل أولئك الرجال والنساء الحاضرين للحفل، مشيرين إلى القصص والمشاهد والأفكار الخاصة بتلك الأفلام كيف أنها تصوغ مجموعاتٍ فرعية عامة من الرومانسية أو الكوميديا السوداء أو الهجاء الاجتماعي. بعد ذلك، سنوسع نظرتنا لتشمل أجزاءً أخرى من العالم حيث تتخذ أفلام الزفاف أشكالًا مختلفة بمضامينَ ثقافيةٍ مميزة. سننظر في الأساطير المتعلقة بحفلات الزفاف: ما الذي يمكن أن تخبرنا به الطقوس المحلية الخاصة بتقليدٍ عالمي مثل الزواج عن مجهودات البشر لوضع الدوافع الفردية الخاصة بالحب والرغبة داخل هيكل النظام الاجتماعي. في النهاية، سنرى كيف أن بعض أصحاب النظريات، وخاصة النسويين، يمكنهم المساعدة في وضع أفلام الزفاف داخل سياقاتٍ تاريخية وأيديولوجية. عندما نصل إلى الخاتمة المبدئية، يجب أن نكون قد امتلكنا إحساسًا أقوى بكيفية عمل أنواع فنية مثل أفلام الزفاف ولماذا تستحق دراستها من منظور عالمي.

(٢) حلم كل فتاة وكابوس كل أب

في بداية فيلم «مخطِّطة حفلات الزفاف»، تلعب بنتٌ صغيرة بدُماها، وببدء ظهور شارة البداية، تهبط دمية بواسطة خيط حاملةً كعكة زفاف صغيرةً جدًّا. تتفقَّد دمية باربي شقراء طرحة الزفاف التي ترتديها في مرآةٍ متناهية الصغر. هناك رجل دين ومصوِّر وإشبين يحمل الخاتم، جميعهم من الدمى، وهناك أيضًا كاتدرائية من الورق المقوى وسلَّمٌ لولبي لكي تهبط عليه العروس. يرتدي الدمية «كين» بدلة توكسيدو بيضاء، يقف كين في جانب وتقف باربي في جانبٍ آخر، بينما تنطق البنت (التي ترتدي الآن طرحة الزفاف) بكلماتٍ مألوفة: «يمكنك تقبيل العروس الآن». يبدأ الأُرجُن في الموسيقى التصويرية في عزف موسيقى الزفاف بينما تُسدي رئيسة القداس الصغيرة نصائح الزواج: «من الآن فصاعدًا، سيعتني بك وتعتنين به. سيصنع لكِ شطائر سجق بولونيا الكبيرة وستشترين له جواربَ جديدةً وحقيبةً بيضاء وستعيشان في سعادة للأبد.» يمثل هذا المشهد الوحيد الوجيز، الذي تُبرزه الإضاءة الحالمة ويمتلئ بإشارات إلى منتجات استهلاكية، فكرة فتاةٍ صغيرة عن الزواج المثالي (شكل ٢-٢). وكما سندرك سريعًا، فإن البنت الصغيرة ستكبر لتصبح مخطِّطة حفلات زفاف محترفة تمتلك مهارة تخطيط أي حفل زفاف آخر ما عدا حفل زفافها الخاص.

figure
شكل ٢-٢: فتاةٌ صغيرة بدُماها وأحلامها في فيلم «مخطِّطة حفلات الزفاف» (آدم شانكمان، ٢٠٠١).

هناك مشهدٌ مماثل يفتتح فيلم «٢٧ فستانًا» («توينتي سيفين دريسيز»، ٢٠٠٨). هنا الفتاة حاضرة في حفل زفاف، وترى العروس، وقد تمزِّق فستان زفافها من دون قصد. بسبب يقظة البطلة الشابة ومعرفتها بالموضة، ترتجل حلًّا سريعًا لإصلاح فستان الزفاف وإنقاذ الحفل. تدمن الفتاة حضور حفلات الزفاف على مدار حياتها حيث أصبحت إشبينة في ٢٧ حفل زفاف، كل مرة بفستانٍ مختلف. بعض الإشبينات يتخلَّين عن فساتينهن لكنها تحتفظ بها حالمة بيوم زفافها الكبير الذي ستحضره اﻟ ٢٧ عروسًا وهن يرتدين اﻟ ٢٧ فستانًا الخاصة بهن. في فيلم «حروب العرائس» («برايد وورز»، ٢٠٠٩)، يحدث مشهد الزفاف الرئيسي في فندق بلازا هوتيل في مانهاتن. تؤثر المناسبة في بطلتَي الفيلم ذواتَي الستة أعوام حتى إنهما تتعهدان بإقامة حفلَي زفافهما في نفس المكان الفخم. يصف صوت راوٍ بالغٍ المشهدَ كما لو كان حكايةً خيالية: «كان هناك شيء، أمرٌ باعث على الحزن، وأمرٌ مستعار، وأمرٌ ساحر تمامًا. لقد أمسكت الفتاتان الصغيرتان من نيو جيرسي حلمًا جديدًا بأيديهما، وهو أنه في يومٍ ما ستعثران على الشخص الذي يقف بجانبهما ويساندهما مهما كان الأمر، وعندما تجدانِه، ستقيمان حفلَي زفافهما في شهر يونيو في فندق بلازا هوتيل كذلك.» نشاهد هاتَين الصديقتَين منذ الطفولة تعيدان تجسيد حلمهما بارتداء ملابس العروس والعريس. تملأ أصابعهما الصغيرة صندوق زينة بدُمًى مقطوعةٍ من الورق ومجوهرات بلاستيكية ولوازم العرائس الأخرى مغذيتين هوسًا سيستمر في السيطرة على صداقتهما وحياتهما لنحو عشرين عامًا. في فيلم «زفاف مورييل»، تمثل فكرة الزفاف هوسًا للبطلة أيضًا؛ فحوائط غرفتها مغطاة بصور من مجلات زفاف، وهي تنام واضعة قطعة من كعكة زفاف تحت وسادتها. لكن ما يهمها بأكبر قدرٍ ممكن ليس مكان الزفاف أو الكعكة بقدر ما تهمها المكانة الاجتماعية التي سيجلبها الزفاف؛ حيث يمثل الاحتفال العلني الضخم لحفل زواجها من رجل شديد الجاذبية ذروة أكثر أحلامها جموحًا.

ربما يسأل مُشاهِد أكثر تشككًا عن السبب وراء خيالات الطفولة هذه. من أين تأتي؟ من الرابح أو الخاسر من وراء مثل هذه المواقف تجاه الزفاف؟ ربما يجب علينا فحص بعض المشاهد الرئيسية على نحوٍ أكبر لنلاحظ كيف أن السيناريو والرموز المرئية مصمَّمان لإثارة الشوق إلى الماضي (كالضوء الوردي الناعم المنير للعب الطفلة الصغيرة في فيلم «مخطِّطة حفلات الزفاف») أو الانغماس المستمتع (صوت الراوي في فيلم «حروب العرائس»). ربما يمكننا إحصاء عدد الأشياء القابلة للشراء (كالمجوهرات التي تُزيِّن الملابس وفساتين العرائس ومجلات الزفاف) أو إلقاء نظرة على صناعة دُمى باربي التي تدرُّ أرباحًا بملايين الدولارات كما تفعل سوزان ستيرن في فيلمها الوثائقي «أُمَّة باربي: جولة غير مصرح بها» («باربي نيشن: آن أنأوثورايزد تور»، ١٩٩٨).2 بهذه الطريقة، ربما نصل إلى بعض الاستنتاجات عن رومانسية حفلات الزفاف والنزعة الاستهلاكية.

بشكلٍ مضاد للرؤية الرومانسية الخاصة بالعروس، فإن والدها يميل إلى النظر إلى الأمور من منظورٍ أكثر عملية. في إعادة صنع فيلم «والد العروس» سنة ١٩٩١، كان همُّ ستيف مارتن الرئيسي هو كم سيكلفه حفل الزفاف. فكرته المثالية عن مأدبة الزفاف هي حفل شواء في الباحة الخلفية للمنزل حيث يوزِّع أقراص البرجر على شرف العريس والعروس مرتديًا قبعة الطاهي. في النسخة الأصلية من الفيلم عام ١٩٥٠، يحاول سبنسر ترايسي احتواء التكاليف بتجربة بدلة التوكسيدو القديمة الخاصة به وتقليل عدد الضيوف. وفجأة، يتحول «الزفاف الصغير» إلى حفل زواجٍ ضخم ومبهر يتضمن الاستعانة بقسٍّ لإتمام الزواج بصورة رسمية وفستان زفاف باهظ الثمن وكعكة متعددة الطبقات وفرقة أوركسترا موسيقية وشاحنة متحركة وحوالي ٢٥٠ ضيفًا مكدَّسِين داخل المنزل. ينجو ترايسي ومارتن من محنتَيهما، ربما بسبب أنهما والدان وزوجان طيبان. يدرك ترايسي ما تقصده زوجته عندما تقول إنها دائمًا ما أرادت فستان زفاف أبيض رائع المنظر وزفافًا في كنيسة. تقول: «هذا ما تحلم به أي فتاة. أمرٌ تتذكَّره لما يتبقى من حياتها.» عندما يُفهَم هذا، يلين في النهاية معترفًا بسخرية: «من ذلك الحين فصاعدًا، أصبحتُ في وضع بائس.»

figure
الشكلان ٢-٣ و٢-٤: بالنسبة إلى والد العروس غير الراضي عن زواج ابنته في كلا الفيلمين، يتطلب حفل زفاف الابنة بعض التعديلات. فيحاول سبنسر تريسي (شكل ٢-٣) وستيف مارتن (شكل ٢-٤) أن تلائمهما بدلتا زفافيهما.

يمكن معرفة الكثير عن أساليب التمثيل واختيارات المخرجين والحقب التاريخية عند مقارنة مشاهد متشابهة من الفيلمين. شاهد كيف يحاول كل ممثل أن تلائمه بدلته القديمة؛ يعتصر ترايسي بعزمٍ شديد خصر منتصف العمر ليلائم صديريًّا صغيرًا جدًّا (شكل ٢-٣)، بينما يرقص مارتن في بدلةٍ أصغر من قياسه بعدَّة مرات (شكل ٢-٤)، أو قارن بين مشاهد شارة البداية. تبدأ نسخة ١٩٥٠ بلقطةٍ متحركةٍ بطيئة تنحدر لأسفل من غصنين من نبات دبق مُتدلٍّ إلى مجموعة من الطاولات المنكفئة على جانبها، بينما تبعثرت حولها بقايا حفل زفاف. ورودٌ ذابلة وأطباق مكسورة وزجاجات فارغة تتناثر في كل مكان. تعزف الموسيقي التصويرية نسخة نشاز من «موسيقى الزفاف» الشهيرة. الوقت هو صباح اليوم التالي ونرى سبنسر ترايسي يجلس وحيدًا في كرسي ذي مسندين، مُفكِّرًا في الزواج الذي غيَّر حياة ابنته أمس. تستمر الكاميرا في التوجه ناحيته في لقطةٍ واحدةٍ متواصلة، منزلقة فوق الطاولات عبر الأرضية المغطَّاة بالنفايات حتى تصل إلى حذائه الأسود اللامع الذي كان يرتدي إحدى فردتَيه بينما خلع الأخرى. يمدُّ يدًا مُتعَبة للأسفل ليُدلِّك بها قدمه المغطاة بالجورب، بينما تصعد الكاميرا بمحاذاتها لتُظهر لنا جسده بالكامل ووجهه المرهَق. يبدأ حديثه قائلًا: «أحب أن أقول بضع كلمات عن حفلات الزفاف. لقد مررت بواحد لتوِّي.» خلال المونولوج الطويل الذي يتلو هذه الكلمات (والذي يستمر لأكثر من مائة ثانية)، يتحدث ترايسي بأريحية موجِّهًا كلامه إلى الجمهور عن حفلات الزفاف من وجهة نظر الأب، عابثًا بحذائه وناظرًا من حين لآخر إلى أعلى أو موجِّهًا بصره إلى عدسة الكاميرا. تظهره الكاميرا في لقطةٍ متوسطة أثناء ثرثرته حتى يبدأ في الحديث عن اللحظة التي «اندلعت فيها العاصفة» قبل ثلاثة أشهر ليحلَّ مشهد فلاش باك محل المشهد الحالي. تتبع نسخة عام ١٩٩١ من الفيلم نفس المسار إلى حدٍّ كبير لكنها تضيف إيقاعًا أسرع وأسلوبًا أكثر جاذبية. تحل الألوان الزاهية محل التصوير الأبيض والأسود اللامع الخاص بالنسخة القديمة. وبدلًا من أن نسمع نسخةً غير مألوفة من موسيقى الزفاف، نسمع معالجةً حديثة لنفس المقطوعة بينما تندفع الكاميرا بسرعة عبر الأرضية متَّجهةً إلى ستيف مارتن الذي يجلس على ما يبدو في نفس الكرسي ذي المسندَين المزين بأشكال الورود. يرتدي مارتن حذاءً أَسودَ لامعًا وبدلة سهرة وزهرة قرنفل في العروة (بعض الأمور لا تتغير أبدًا)، رغم أنه استبدل برابطة العنق العريضة المخططة بابيونًا. هنا يزيد عرض إطار الكاميرا ليظهر طاولةً قريبة ما زالت مزينة على نحوٍ جذَّاب ونافذةً مظلمة وراءه. بعض جمل المونولوج استُبدلت بها جمل أحدث («ثم يأتي اليوم الذي تريد فيه ثقب أذنها») لكن أكبر اختلاف هنا هو أداء مارتن؛ ما زال يعبث بحذائه لكن الصلة بينه وبين الجمهور أكثر انفتاحًا ومباشرة، يجلس في كرسيه متَّجهًا للأمام موجِّهًا خطابه إلى الكاميرا بأريحية، مؤديًا حركات وإيماءاتٍ معبرة، ومحتسيًا جرعةً كبيرة من الشامبانيا بسرعة، قبل أن يكشف عن إحساسٍ أعمق حول فتاته الصغيرة. هنا هو ليس الأب الفاتر الشعور والمتشائم إلى حدٍّ ما، الذي كان يعيش فترة ما بعد الحرب، لكنه أب ينتمي إلى عقد تسعينيات القرن العشرين، يلعب كرة السلة مع ابنته ولا يحاول كبت عواطفه.

بعيدًا عن قلق مارتن وترايسي بشأن المال، فإنهما بصفتهما والدَين للعروسَين يقاومان حفل الزفاف لسببٍ آخر؛ يدرك مارتن أن ابنته لم تعُد الطفلة الصغيرة التي اعتادت لعب كرة السلة معه في الملعب المخصَّص لذلك بممر السيارة أمام المنزل، ويواجه ترايسي نفس الحقيقة عندما يلمح إليزابيث تايلور تقف أمام مرايا غرفة النوم مرتدية فستان الزفاف الفاتن «كأميرة في حكاية خيالية». في فيلم «ريتشيل تتزوج» («ريتشيل جيتينج ماريد»، ٢٠٠٨)، يتنافس والد ريتشيل مع زوجها الجديد في مسابقةٍ مرتجَلة في غسيل الصحون؛ فبينما يُهلِّل الضيوف لهما، يتنافس كلٌّ منهما على ملء غسالة الأطباق بأكبر عدد ممكن من أدوات المائدة في أسرع وقت ممكن، لكن تنافسهم الرجولي الهزلي هو في الواقع ستار لمنافسة من نوعٍ آخر. رجل يسلم الشعلة لآخر. إن خسارة الأب هي مكسب للعريس.

هناك آباء آخرون للعرائس لا تسير الأمور معهم على ما يرام كما حدث مع سبنسر ترايسي أو ستيف مارتن؛ إذ ينتهي الحال بوالد مورييل وقد خسر عمله ومكانته في المجتمع. كذلك فإن الأب في فيلم «حفل الزفاف» لفويتشيخ سمارجوفسكي، وهو فيلم بولندي أكثر كآبة عاطفيًّا، يخسر مدَّخراته وزوجته وابنته وكلبه. لكن هذا يحدث بسبب أن هؤلاء الرجال فاسدون ومؤذون في الأساس. وبنحوٍ مضاد للكوميديا المرحة في فيلم «والد العروس»، فإن فيلمَي «زفاف مورييل» و«حفل الزفاف» يقدِّمان سخريةً اجتماعية لاذعة تستخدم حفلات الزفاف لتنتقد شرور السلطة الأبوية. في فيلمَي «عرس الجليل» («ويدينج إن جاليلي»، ١٩٨٧) و«زفاف رنا» (٢٠٠٢)، اللذين تدور أحداث كلٍّ منهما في المجتمع الفلسطيني، فإن الزواج في الأساس عبارة عن مفاوضات بين الرجال. وبكون حفلات الزفاف في تلك الأفلام استعراضًا عامًّا لسيادة الأب وسلطته، فإنها تعمل كنقاط تركيز لبحث السياسات المحلية والموضوعات المتعلِّقة بالنوع الجنسي.

يمثل الاحتفال في فيلمٍ رومانسيٍّ كوميدي مثل «زفافي اليوناني الكبير» شيئًا مختلفًا تمامًا عن الطقوس البولندية في فيلم «الزفاف»، ليس فقط بسبب أنها تحدث في بيئاتٍ ثقافيةٍ مختلفة، لكن أيضًا بسبب أن تلك الأفلام تقدِّم تقاليدَ عامةً متنوِّعة. هناك نطاقٌ واسع من الأساليب والأهداف بين الكوميديا المرحة للفيلم الأول والسخرية اللاذعة للفيلم الآخر. يمكن أن تكشف هذه الاختلافات الكثير عن الطريقة التي يُشكِّل بها النوع السينمائي رؤيتنا لطقوس تبدو طبيعية مثل الحب والزواج.

(٣) أفلام الزفاف بوصفها كوميديا رومانسية

تقول الأغنية الشهيرة: «الحب والزواج متلازمان تلازُمَ الحصان والعربة.» لكن لماذا؟ لماذا يؤدي الحب غالبًا إلى الزواج في القصص الرومانسية النمطية؟ لماذا يربط كُتَّابُ الأغاني ورواة القصص بين هاتين الفكرتَين معًا؟ في مراجعة للأدبيات الاجتماعية عن الحب والزواج، تُفرِّق رايلين وايلدنج بنحوٍ رئيسي بين العواطف الطبيعية التلقائية للحب والسمة العملية لحفلات الزفاف. وفي الوقت الذي يصف فيه أيُّ حبيبين على أرض الواقع مشاعرهما الرومانسية باعتبارها «قوًى لا عقلانية لا يمكن التحكُّم فيها»، فإنهما ينظران لحفلات الزواج باعتبارها «أحداثًا ثقافيةً واجتماعية» مخطَّطةً ومنظَّمة عن عمد «فيما يتعلَّق بعدد من الاعتبارات العملية».3

في ظل هذه النظرة، فإن الزواج وحفلات الزفاف تُعتبَر مؤسساتٍ اجتماعيةً صنعتها مجتمعاتٌ نظامية لتوجيهِ دوافع غريزية، وإضفاءِ صفةٍ رسمية على مكانتها داخل نطاق المجتمع المتحضِّر. بمعنًى آخر، فإن الحب شعور لكن الزواج قرار. عندما يوافق شخصان على الزواج أحدهما من الآخر، فإن كلا الطرفين يوافق على عقدٍ اجتماعي. لكن هذا التمييز بين المساحات الشخصية والعامة عادةً ما يختفي في القصص الرومانسية، التي تتاجر بخرافاتٍ شهيرة عن الحب من أول نظرة، أو المصير، أو الشريك المثالي، أو أهم يوم في حياة المرأة.

figure
شكل ٢-٥: «كيف سنصل إلى كيب تاون لحضور الزفاف؟» في الأفلام الرومانسية الكوميدية المنتَجة حول العالم، عادةً ما يكون الطريق إلى مذبح الكنيسة مليئًا بالعقبات. تدور أحداث فيلم «زفاف أبيض» (جان ترنر، ٢٠٠٩) في أفريقيا.

يمكن النظر إلى القصص الرومانسية كنوع من المسعى، مثل قصص الفرسان ذوي الشهامة والسيدات النبيلات التي كانت شهيرة في العصور الوسطى؛ ففي أي فيلم زفافٍ رومانسي، ربما تكون أقصى الغايات هي النهاية السعيدة باتحادٍ بين توءمَي روحٍ مخلصَيْن، يمثِّله خاتم الزواج، أو ربما تكون أقصى غاية، في النسخة الاستهلاكية من القصة، هي فستان الزفاف المثالي أو جناح لقضاء شهر العسل في فندق بلازا هوتيل. وأيًّا كان ما تمثله رموزُ الزفاف هذه، فلا بد من وجود مِحَن وعقبات في الطريق. وكما يقول ليساندر لهيرميا فؤلكوميدية «حلم ليلة منتصف صيف»: «طريق الحب الصادق دائمًا محفوفٌ بالصعاب.» ما كان حقيقيًّا بالنسبة إلى القصص الرومانسية في العصور الوسطى والأعمال الكوميدية الإليزابيثية ما زال يبدو حقيقيًّا اليوم. ومن غابة شكسبير الخيالية وحتى حبكات هوليوود المتشابكة، فإن العرسان والعرائس يجب عليهم إثباتُ صدقِ حبِّهم للحصول على جائزتهم.

أحيانًا ما يكون الطريق المؤدي إلى مذبح الكنيسة التي سيقام فيها حفل الزفاف طريقًا مليئًا بالعقبات فعليًّا؛ ففي فيلم «زفاف أبيض»، يجب على العريس قطع مسافة ١٨٠٠ كيلومتر ليحضر زفافه الذي سُيقام في مدينة كيب تاون في الطرف الجنوبي من أفريقيا. وفي رحلته، يفوته القطار وتتعطَّل سيارته ويواجه مجموعة من الإغراءات والتأخيرات. وتتضمن العقبات التي يواجِهها العريس إشبينًا متشكِّكًا ومسافرةً بيضاء هجرها حبيبها، وجَدْيًا يخصُّ جَدَّته (شكل ٢-٥). في نفس الوقت، وكما تنتظر بينيلوبي أوديسيوس، فإن العروس يجب عليها صدُّ اهتمامات منافِسِي عريسِها كحبيبها السابق الغنيِّ. وعلى الرغم من أن أحداث الفيلم تدور في جنوب أفريقيا، فإنه يتبع أنماطًا مألوفة للجمهور الغربي: أفلام الطريق والأفلام الرومانسية الكوميدية.

في أغلب الأحيان، تكون العقبات التي تقابل الحب الصادق أقرب للمنزل؛ ففي أفلام مثل «زفافي اليوناني الكبير» و«قابل آل فوكر» («ميت ذا فوكرز»، ٢٠٠٤) و«عرسٌ عائلي»، فإن العقبات هم الأصهار؛ التنانين الحديثة التي يجب على البطل الذي سيظفر بالعروس مواجهتُها والتغلُّب عليها؛ ففي الفيلم الأول، تقتحم عائلة العروس اليونانية الكبيرة المطعمَ الذي تتناول فيه العروس عشاءً هادئًا مع خطيبها، ويهبطون على إيان دونَ سابق إنذار كالجراد ساحقين إيَّاه في كومة من الأحضان بينما يدفعون تولا جانبًا. وفي غضون ثوانٍ، يحضر الضيوف غير المدعوِّين صوانيَ من الطعام الشعبي اليوناني ويرقصون بحماس على موسيقى المندولين. لا يدرك إيان، الأنجلوأمريكي، الذي هو من عائلة صغيرة، ماذا يفعل في موقفٍ كهذا. عندما يقول له شقيق العروس: «إذا آذيتها، فسأقتلك وأجعل الأمر يبدو كحادثة.» لا يعرف هل يأخذ الأمرَ على محمل التهديد أم الدعابة. وعندما تقول تولا لخالتها فولا إن إيان نباتي؛ أي إنه لا يأكل اللحوم، ينتاب الشكُّ المرأة وتصرخ: «ماذا تعنين بأنه لا يتناول اللحم؟» يعلو صوتها لدرجة أن الموسيقى تتوقف ويحدِّق فيها الجميع، حتى تحل المشكلة بقرارٍ بسيط: «لا بأس، سأطهو لحم الحمل.»

الفجوة بين العائلتين كبيرة بما يكفي عندما يقرر الحبيبان الزواج، ويصبح الأمر أكثر تعقيدًا عندما ينتاب الترددُ أحدَ الطرفين. في فيلم «الجنس والمدينة» («سيكس آند ذا سيتي»، ٢٠٠٨)، يرتكب حبيب كاري المثالي خطأً لا يُغتفَر عندما يتردد في إتمام الزواج على درجات سلَّم المكان الذي سيقيمان فيه الزفاف، وهو مكتبة نيويورك العامة. يستغرق الأمر نصفَ الفيلم لتقرِّر كاري إن كانت ستُسامحه أم لا. إن بطل فيلم «زفاف الليلة البيضاء» يعدُّ عريسًا ممانعًا آخَر، وهو أستاذ فلسفة غير قادر على تقرير إن كان يريد الزواجَ من العروس الشابة أم لا. اقتُبِس هذا الفيلم الكوميدي الأيسلندي بتصرُّف من مسرحية لأنطون تشيكوف بعنوان «إيفانوف»، ويستكشف أفكارَ الشك والانعزال في مجتمعٍ يوجد على جزيرةٍ بعيدة، مُلمِّحًا إلى تشابهات بين روسيا القرن التاسع عشر وجزيرة فلاتي في أيسلندا في القرن الحادي والعشرين. وفي فيلم «أربع زيجات وجنازة»، يقوم هيو جرانت بدور إشبين العريس في ثلاث حفلات زفاف متتالية، وعلى الرغم من أن عددًا من النساء المناسبات للزواج يسعَين من أجل الإيقاع به، فإنه يتساءل هل كان سيأتي اليومُ الذي يصبح فيه عريسًا. يُقدَّم كل حفل زفاف كمرقدٍ للرغبة الجنسية الملتهبة، وكمسرحِ الأحداث المناسب للبحث عن زوج. تقود أساليبُ جرانت المراوِغة وبحثُه عن الزوجة المناسبة إلى حفلِ الزفاف الرابع في الفيلم ولحظةِ الحقيقة التي يجب أن يتم فيها زواجُه، شأنه شأن أي رجلٍ آخر.

في بعض الأحيان، لا يكون الرجل بل المرأة هي التي تمتلك شكوكًا تجاه الزواج. في فيلم «عروس هاربة» («راناواي برايد»، ١٩٩٩)، اكتسبت جوليا روبرتس سمعةً سيئة بعد هجرها لثلاثة رجال خابت آمالهم في الزواج منها أثناء مراسم الزواج في الكنيسة. يسافر ريتشارد جير، الذي يقوم بدور صحفي، جنوبًا للتعرُّف على قصتها معرِّضًا نفْسَه لخطرِ أن يصبح العريسَ الرابع الذي تهجره. وفي فيلم «مخطِّطة حفلات الزفاف»، تتهرَّب جنيفر لوبيز من الزواج بتنظيمِ حفلاتِ زواجِ النساء الأخريات، وعندما يضغط عليها والدها للزواج من صديقِ طفولتها، يجب عليها هي الأخرى الاستماع لصوتٍ داخلي عند مواجهة تلك الكلمات الخطيرة: «تحدَّثِ الآنَ أو اصمتْ للأبد.» وفي بعض هذه التنويعات على أفكار الزفاف، لا يكون من الواضح دائمًا إن كانت القصة ستنتهي بالزواج، أو هل كان الزواج هو النهاية المثلى أم لا.

تربط الباحثة السينمائية ديان نيجرا، في كتابها «ماذا تريد الفتاة؟» بين هذه الأفلام وما تسميه «خيالات ما بعد النسوية»، وهي إعادة إحياء للقِيَم العائلية التقليدية كالأمومة والزواج، التي حدثت في التسعينيات من القرن العشرين بين النساء اللاتي يرغبن كذلك في السلطة والجاذبية والمتعة الجنسية. تُرجِع نيجرا أصلَ قصة «عروس هاربة» إلى قصةٍ إخبارية في إحدى الصحف الصفراء عن عروس محتملة «فشلت في تقبُّل فكرة أن الزفاف الضخم والمكلِّف هو لا محالةَ أهمُّ لحظةٍ في حياة المرأة». تجد نيجرا دليلًا على هذه الفكرة في فيلم «مخطِّطة حفلات الزفاف» عندما تحاول جنيفر لوبيز سحْبَ حذائها الجديد ذي الماركة الشهيرة العالق في غطاء بالوعة بينما تواجه السيارات القادمة. بالنسبة إلى نيجرا، فإن مشهد الإنقاذ هذا يمثِّل «التمسك بالأنماط الاستهلاكية المسرفة» التي «تُكافَأ بالحميمية». ترى نيجرا في التغيير الشامل في شكل نيا فاردالوس في فيلم «زفافي اليوناني الكبير» تأكيدًا آخر على أن الطريق للتمكين الشخصي محاطٌّ بالسلع الاستهلاكية. وتختتم نيجرا كلامها بأن الانتقال التاريخي من مرحلة ما قبل النسوية إلى مرحلة ما بعد النسوية هو أيضًا «انتقال من المكوث القسري بالمنزل إلى المكوث الاختياري المحتفَى به بشدة في حياة الكثير من النسوة». يُعتبَر كتابها مثالًا جيدًا للتحليل النقدي الذي يستكشف ما يكمن تحت المظهر الخارجي المسلِّي للأفلام لكشف تناقضات الثقافة المعاصرة.4

(٤) أعزُّ الأصدقاء والرفاق ومخرِّبو الزفاف الآخرون

ليس كل فيلم يحوي عنوانه كلمة «زفاف» أو «عروس» يكون بالضرورة عن الحب الرومانسي؛ على سبيل المثال، في فيلمَي «حروب العرائس» (٢٠٠٩) و«متطفِّلو العرس» (٢٠٠٥)، فإن الجنس الآخر يبدو أقلَّ أهميةً من الصداقة بين الرجال أو النساء. هذه التفرعات الكوميدية لنوع أفلام الزفاف غالبًا ما تنحرف بعيدًا عن الأنماط التقليدية الرومانسية لصالح أفكار أفلام الأصدقاء والأفلام الكوميدية الجنسية والأفلام الكوميدية، على غرار فيلم «منزل الحيوانات» («أنيمال هاوس»)؛ ففي فيلم «حروب العرائس»، تُعتبر البطلتان (كيت هدسون (أوليفيا) وآن هاثاواي (إيما)) صديقتين حميمتين تتشاركان نفس الحلم، يتحول تعهدهما منذ الطفولة بإقامة زفافِ كلٍّ منهما في شهر يونيو في فندق بلازا هوتيل إلى منافسةٍ شديدة عندما يحجز موظفٌ بطريق الخطأ تاريخَ إقامة الحفلين في نفس اليوم. تتصاعد المجهودات السرية لكلٍّ منهما لإفساد زفاف الأخرى عندما تضع أوليفيا صبغة برتقالية زاهية في كريم تسمير البشرة الخاص بإيما، بينما تخلط إيما صبغة شعر أوليفيا باللون الأزرق. تُصعِّد إيما من حِدَّة الموقف بإرسال حلوى تدرك أنها ستجعل أوليفيا سمينة ولن تستطيع ارتداءَ فستان الزفاف الخاص بها، فتردُّ أوليفيا باستبدال فيديو مُخجِل لإيما في عطلة الربيع بقرص الفيديو الرقمي الخاص بزفافها. على مدار هذا النزاع الذي يشبه النزاع بين أختين، وبتحويل النساءِ رموزَ الزفاف إلى ذخيرة أسلحة، يتراجع الرجال ليشغلوا أدوارًا ثانوية، وحتى عند مذبح الكنيسة، تحتل الصداقة بين المرأتين بؤرةَ التركيز الأساسي.

العلاقة الأساسية في فيلم «متطفِّلو العرس» هي علاقةٌ بين رجلين صديقين منذ فترة طويلة وشريكَي عملٍ في شركةٍ تتخصَّص في التوسط في حالات الطلاق. شاهد جون بيكويث (الذي يقوم بدوره أوين ويلسون) وجيريمي جراي (الذي يقوم بدوره فينس فون) العديدَ من الأزواج الذين تكدَّرت حياتهم حتى أصبحا متردِّدَين بشأن الزواج. يقول بيكويث بعد جلسةِ مصالحةٍ بعينها اتسمت بالعدائية: «العدو الحقيقي هنا هو مؤسسة الزواج.» لكنَّ كلا الرجلين كذلك حضرا العديدَ من حفلات الزفاف ليدركا أن مأدبات الزفاف مكانٌ مثالي للتعرف على الفتيات بغرض المواعدة. وتحت تأثير المناخ الرومانسي وإغراء فكرة الإمساك بباقة الأزهار التي تقذفها العروس، فإن النساء يكُنَّ في أضعف حالاتهن بعد سماع الوعود بالزواج. أتقن جون وجيريمي فنَّ التطفل على حفلات الزفاف بحثًا عن فريسة، وتعلَّما الرقص مع والدة الفتاة أولًا للفوز بقلب الفتاة. وأدرَكَ كلاهما كيف يداعب مشاعر الأم بملاعبة الأطفال بالبالونات، كما اختلق كلاهما عشرات القصص التي تلمح إلى الرقة التي يحملانها. وحفظا كذلك مجموعةَ الأغنيات الخاصة بأي زفاف يخص الأعراق الأخرى. على سبيل المثال، يظهران كلاهما في تتابع لقطات في بداية الفيلم وهما يغنيان «لنفرح» («هافا ناجيلا») في عرس يهودي، ويرفعان الكئوسَ في حفل استقبال عرس أيرلندي، ويؤديان بإتقان تقاليدَ الزواج الخاصةَ بالهنود والصينيِّين على حدٍّ سواء، يتبعه مونتاج لمَشاهِدَ عديدةٍ لنساء شبه عاريات في الفراش. في إحدى هذه الحفلات، يجد جيريمي نفسَه وقد وقع في الغرام مما يُهدِّد بكسر القواعد الصارمة المناهِضة للزواج التي تربط بينه وبين رفيقه. منذ تلك اللحظة فصاعدًا، يدخل الفيلم في نمطٍ قتالي حيث يتواجه جون وجيريمي، كما يواجهان التورُّطات العاطفية الخاصة بكلٍّ منهما. وكما في «حروب العرائس»، فإن الاتجاه العام للفيلم يتأرجح ذهابًا وعودة بين اللحظات الرومانسية والكوميديا البذيئة، التي عادةً ما تكون متجاوزة وغير ناضجة، على نحوٍ يوحي بأن فيلم «متطفِّلو العرس» يهدف إلى جذب جمهور كان سيرفض الفيلم لو كان فيلمًا عن الزفاف. وفيما يتعلق بهذا الجانب، ربما يُصنَّف الفيلم في نفس الخانة مع أفلام كوميديا المراهقين مثل «الفطيرة الأمريكية» («أمريكان باي»، ١٩٩٩)، والجزء المتمِّم له الذي يركز على الزواج وهو «الزواج الأمريكي» («أمريكان ويدينج»، ٢٠٠٣).

إن المنافسة بين الفتيات أو الرجال ليست النوع الوحيد من الغيرة التي يمكنها إفساد أي عُرس؛ ففي فيلم «الحماة المتوحِّشة» («مونستر إن لو»، ٢٠٠٥)، فإن مخرب العرس هذه المرة هو والدة العريس. تحاول فيولا (جين فوندا) تدمير زواج ابنها من تشارلوت (جنيفر لوبيز) لأنها لا تريد أن تخسره بنفس الطريقة التي خسرت بها وظيفتها مؤخرًا. لا تستسلم جنيفر لوبيز لكن فوندا تواجه الخصم الذي يليق بها حقًّا على هيئة حماتها التي تقوم بدورها إيلين ستريتش. من الواضح جدًّا تشبيه عنوان الفيلم للعائلة كخصم، وربما يذكرنا هذا بأن العديد من الوحوش في الأشكال الأولى من السرد القصصي للبشر، من الحكايات الفولكلورية وحتى الملاحم الرومانسية، كانت تجسيدات مُشَيطَنة للأقارب والأصدقاء الذين يمثلون تهديدات. وفي فيلم «زفاف أعز أصدقائي» (ماي بيست فريندز ويدينج)، تحاول جوليان (جوليا روبرتس) تخريب زفاف صديق طفولتها القديم، مايكل (ديرمت مالروني). في الكلية، أخبرها مايكل ذات مرة: «إذا بلغتِ الثامنة والعشرين ولم تتزوجي، فتزوجيني.» الآن، وقبل عيد ميلادها الثامن والعشرين بأيامٍ قليلة، يعلن مايكل عن زفافه القادم من كيمبرلي (كاميرون دياز) التي تتسم بالجمال والذكاء والشباب والثراء؛ فتقرر جوليان أن كيمبرلي غير مناسبة لحبيبها القديم وتبدأ حملة للتفريق بينهما، ويكمن جزء من المرح في مشاهدتها وهي تفسد كل خطوة من الخطوات التقليدية للاستعداد للزواج.

تحدث المواجهة الحاسمة في حمام النساء في ملعب ريجلي فيلد، وهو مشهد يفصح عن الكثير فيما يخص أفلام الزفاف والنوع الجنسي وتصوير الكاميرا الداعم. أثناء المواجهة بين جوليان وكيمبرلي، تتجمهر مجموعة من النساء حولهما وقد انتابهن الفضول حيث تصدر منهن ردود فعل تجاه كل جملة من الحوار كما لو كُنَّ يشاهدن مسلسلًا كوميديًّا أو فيلمًا ميلودراميًّا (شكل ٢-٦). تحافظ الكاميرا على إظهار الغريمتَين متمركزتَين في مقدمة المشهد لكنها كذلك تدعنا نرى المتفرجات وراءهما. عندما تتهم كيمبرلي جوليان بتقبيل خطيبها في «بيت والدي … يوم زفافي»؛ يصيح الحشد في ذعر وسخط، وعندما تعلن أنها لن تتخلى عن الرجل الذي تحبه لصالح «ناقدة طعام منافقة كثيفة الشعر»؛ تصفِّق النساء بحرارة. تتأهب كيمبرلي وجوليان للمواجهة حيث تدور كلٌّ منهما حول الأخرى وتتخطَّى خط المائة وثمانين درجة التخيُّلي الذي يفصل بينهما متبادلتَين الجوانب بينما يتغير مسار مواجهتهما. تعترف جوليان بخطئها وتقبل خسارتها ويتحوَّل المزاج العام إلى مزاجٍ متعاطف. وبحلول الوقت الذي تتصالح فيه الغريمتان وتتعانقان، يبكي جميعُ من في المكان. تعكس الكاميرا كل لمحةٍ عاطفية بلقطات رد فعل ولقطات مقرَّبة واقترابٍ بطيء ولقطات معكوسة، مضيفة الموسيقى التصويرية في ذروة المشهد. يمكن أن يُنظَر إلى هذا المشهد كملخصٍ لقصة الفيلم أو لأي عدد من القصص الرومانسية التي تتصرَّف فيها النساء المتفرِّجات كمرآة لردود الفعل النمطية للجمهور. يذكِّرنا إدراج المتفرجات في تصميم المشهد بأن فيلم «زفاف أعز أصدقائي»، مثل العديد من أفلام الزفاف التي تركز على الرومانسية، مُوجَّهٌ أساسًا للنساء واندماجهن العاطفي في أزمات عرائس المستقبل.

figure
شكل ٢-٦: المواجهة الحاسمة في حمام النساء في فيلم «زفاف أعز أصدقائي» (بي جيه هوجان، ١٩٩٧).

(٥) الكوميديا السوداء والعائلات المفككة: أفلام الزفاف كهجاء اجتماعي

إذا كان الطريق إلى مذبَح الكنيسة في أفلام الزفاف أمرًا يتعلَّق بالتَّجربة والخطأ، فإن الكوميديا الرُّومانسية عادةً ما تتضمَّن أخطاءً بنحوٍ أكثر من التجارب. كذلك فإن الأنواع الأخرى من أفلام الزِّفاف التي ذكَرْناها حتى الآن — كوميديا الجنس وكوميديا المُراهقين وأفلام الأصدقاء — تتناول كذلك التَّجارب والمِحَن الخاصَّة بالعلاقات بأسلوبٍ مرح عمومًا. هناك نظرة أكثر سَوداوية تسودُ مجموعةً من أفلام الزِّفاف تتحدَّث على نحوٍ أكبر عن العائلات المضطربة، وغالبًا ما تُمثِّل العائلات في هذه الأفلام المجتمع بصورةٍ عامة.

يُضفي المخرج روبرت ألتمان نوعًا من الواقعية النفسية لفيلم «حفل زفاف» (١٩٧٨)؛ وهو عبارة عن دراسة لعائلتَين لدى كلٍّ منهما أسرارها الخاصة. تقع أحداث الفيلم في يومٍ واحد يبدأ بزفافٍ باذِخ في الكنيسة الأسقفية وينتهي بعد إقامة مأدُبة وافِرة عندما يترك الجميع تقريبًا بيت عائلة العريس. ينحدر العريس من طبقة الأثرياء الجدد بينما تنحدِر العروس من عائلة شمالية عريقة، لكن هذه الاختلافات لا تُشير إلا إلى شقاقات وانقسامات أكثر عُمقًا. تبدأ تصدُّعات بسيطة في الحدوث في البداية. يُخطئ الأسقُف العجوز الذي يرأس الاحتفالية فيما يقول بينما هُناك بُقعة على فُستان العروس. وبمُضيِّ اليوم، تبدأ الأسرار في الخروج للنُّور. يتلاعَب ألتمان بشبكة مُتداخِلة من القصص الفرعية والعلاقات. بالنِّسبة إليه، يُمثِّل حفل الزفاف بوتقةً للدراما الإنسانية في أشدِّ حالاتها؛ وعاءً لاختزان العواطف حيث تنفلِت المشاعر المكبوتة من عقالها وتزيد فداحة الخسارة. تكشف تقريبًا كل شخصية من نحو الخمسين التي يُقدمها الفيلم، وفيهم طاقم خدم حفل الزفاف، سمةً شخصيةً غريبة أو عيبًا خفيًّا. تطفو عداوات قديمة ورغبات جديدة على السَّطح في الوقت الذي يتَّضح فيه أنَّ الضيوفَ بينهم سكِّيرون ومُنحرِفُون وشيوعيُّون ومُجرِمُون. يظلُّ أَلتمان يُغيِّر من الطابع العام للفيلم متنقلًا من السخرية اللاذعة إلى الميلودراما إلى الكوميديا الهزلية غير المألوفة. في فيلمٍ يضمُّ إعصارًا وجثة ولوحة تُصوِّر العروس وهي عارية، لا يُمكن التنبُّؤ بما سيَجلِبُه أي مشهد تالٍ.

بعد ٣٠ عامًا، استخدم المُخرج جوناثان ديمي نفس موقِع الأحداث الخاص بحفل الزِّفاف لمشروع مُماثل وهو فيلم «ريتشيل تتزوج». هذه المرَّة الزواج مُتعدِّد الثَّقافات وغير تقليدي؛ علاقة عصرية تضمُّ الساري الهندي وترانيم تُشبه الترانيم المسيحية وموسيقى الجاز. تعزف الفرقة الموسيقية نسخة من مقطوعة الزفاف «ها قد أطلَّت العروس»، باستخدام الترومبيت والكمان والطبول والجيتار الكهربائي. لكن كل شيء يسير على ما يُرام بسبب حُسن النية الواضح بين عائلة ريتشيل اليهودية وأقارب العريس السُّود. تبدو التعبيرات عن الحبِّ من كِلا الجانبَين مُتناغمةً وصادقة، إلى أن تصل كيم شقيقة ريتشيل من مصحَّة العلاج من الإدمان مباشرةً. تلعب آن هاثاواي دور كيم وهي تجسيد لغضب شديد حاد اللسان؛ فهي عصابية ونرجسية وانفعالية. أثناء العشاء الذي يُقام ليلة ما قبل الزفاف، تُمسِك بكأسٍ وتقول نخبًا وهي ثملة قليلًا يتعلَّق ببرنامج الاثنتي عشرة خطوة للعلاج من الإدمان خاصتها وشعورها بالذنب، بدلًا من إهدائه إلى العريس وعروسه. تُقدِّم آن هاثاواي أداءً بارعًا يُعتبر مزيجًا ما بين التقلُّب والحساسية؛ وهو ما ينجح في أن يجعل شخصية غير محبوبة مثلها جديرة بالتعاطُف معها بشكلٍ كبير. كما تُجسِّد كذلك تحديًا لهذا الزفاف العائلي العصري. في نفس الوقت، يستخدم ديمي الأدوات الأسلوبية لسينما فيريتيه أو سينما الواقع مثل القطع المُفاجئ واللقطات المقرَّبة المضطربة والتصوير بالكاميرا المحمولة والحوار المُتداخِل لإبراز الأبعاد النفسية لكل مشهد. ومثل ألتمان، فإن ديمي غير مُهتم بحفل الزفاف كموضوع للفيلم بقدر ما هو استعارة أو موقع لاستكشاف العلاقات العائلية. يستمر فيلم «مارجو في حفل الزفاف» («مارجو آت ذا ويدينج»، ٢٠٠٧) للمُخرج نوا باومباك، في هذا الاتجاه العام بتقديم فيلم يتميَّز بالكآبة عن شقيقتَين عطوفتَين ولئيمتَين بالتبادُل كلٌّ منهما تجاه الأخرى. في أغلب الأوقات، يصعب مشاهدة كلٍّ من علاقة الشد والجذب بينهما والتصوير المتوتِّر للفيلم. يركِّز باومباك على الشخصيات والمزاج العام وشجرة رمزية مستبعدًا حفل الزفاف كليًّا.

ربما يتَّضح الفرق بين أفلام الزفاف الجماهيرية والمصنوعة بنحو أساسي للترفيه والأفلام المستقلة التي تستخدم حفلات الزفاف لأغراض محدَّدة أكثر من خلال نظرة أخرى إلى فيلم «زفاف مورييل» لبي جيه هوجان، وهو الفيلم الناجح الذي صنَعه في أستراليا قبل ذهابه إلى هوليوود بسنوات قليلة ليصنع فيلم «زفاف أعز أصدقائي». والد مورييل رجل سيئ الطباع، حتى إنه يبدو شريرًا للغاية بالنسبة إلى فيلم كوميدي خفيف، وواقعيًّا جدًّا بحيث لا يمكن تجاهله باعتباره شخصية كاريكاتورية بحتة؛ فبصفته رئيس مجلس، فإنه يتمتع بمكانة اجتماعية معيَّنة ومزايا مجزية تُخفي ما يُضمره من شر وعدم أمانة. إنه يُقلِّل من شأن زوجته ويعتبرها تابعًا أحمق، ويُوبِّخ ابنته ناظرًا إليها باعتبارها عبئًا لا فائدة منه. وبتطور أحداث الفيلم، يصبح من الواضح أنهما لم يكونا على مستوى تطلعاته. يرجع فشلهما كبشر بنحو كبير إلى الطريقة التي يُقلِّل بها دائمًا من احترامهما وتقديرهما لذاتهما، في الوقت الذي ينخرط فيه في عقد صفقات مشبوهة وسياسات مُخادِعة وعلاقة خارج إطار الزَّواج. بالنِّسبة إلى مورييل، التي لم تُكمل تعليمها الثانوي ولا تستطيع الحفاظ على وظيفة أو كسب احترام زملائها في المدرسة، فإن الزواج يُمثِّل لها مهربًا، وتُمثِّل فكرةُ حفل الزفاف المُبهرَج بالنِّسبة إليها وعدًا بانتقامٍ ذاتي. يُصبح حفلُ الزِّفاف سلاحًا في قصة عن الانتقام. لكن على الرغم من أنها تتزوَّج في النهاية في زفاف عَصري فاخِر من رياضيٍّ شابٍّ غني ووسيم من جنوب أفريقيا، فإن الزواج ما هو إلا خُدعة (شكل ٢-٧). إنه زواج مصلحة خالٍ من الحب عُقِد حتى يُمكِن لزوجها المنافسة في الأولمبياد كمُواطِن أسترالي.

figure
شكل ٢-٧: «إنها ملككَ بالكامل يا صديقي!» هكذا قال الأب وهو يُسلِّم العروس إلى عريس راغم في فيلم «زفاف مورييل» («بي جيه هوجان»، ١٩٩٤).
يُمثِّل الزفاف كذلك نقطة بداية في بحث مورييل عن نفسها. تُدرِك تدريجيًّا أن الصورة المزيَّفة للنَّجاح (مثل ذلك الخاصِّ بوالِدِها) لا يُمكِن أن تُصبِح بديلًا عن علاقة حقيقية قائمة على الحب والصِّدق. ينتهي الفيلم بترك مورييل لزوجها والانتقال للعيش مع روندا، التي تُعتبَر أول شخصية تُقدِّرها لشخصها. يُمكن أن يُنظَر إلى فيلم «زفاف مورييل»، باعتباره فيلم «حفل زفاف» لألتمان، على أنه دراسة في الهُوية ونقد لفيلم الزفاف الرومانسي. يجد بعض الباحثين مثل جيل ماكي معنًى ضمنيًّا مُنحرفًا في القصة. يرى ماكي عنصرًا شهوانيًّا في العلاقة بين مورييل وروندا يظهر في «اللحظة المشحونة بالإثارة» التي تتبادلان فيها النظرات في سيارة الأجرة في نهاية الفيلم.5 هذا أحد الأسباب التي جعلت فيلم «زفاف مورييل» يُصبِح فيلمًا كلاسيكيًّا شهيرًا بين المثليِّين والسِّحاقيات.

تَكتسِب حفلات الزفاف طابعًا مشئومًا على نحوٍ خاصٍّ في الأفلام الأوروبية؛ حيث تكون غالبًا فرصًا لظهور سلوك سيِّئ بشكل رمزي. إنَّ الطريقة التي تتصرَّف بها العائلات في هذه الأحداث العامة تكشِف عن العيوب الموجودة في الشخصية القومية؛ ففي فيلم «حفل الزفاف» («ذا ويدينج بارتي»، ٢٠٠٥) الألماني للمخرج دومينيك دوريدره، والد العريس، هيرمان فالتزر، شخصٌ عنيف ومُستبِد (شكل ٢-٨). عندما يُقدِّم مطعم محلي طبقَ جمبري فاسد في حفل الزفاف الخاصِّ به، يتشاجر مع صاحب المطعم، فرانتز برجر. يتَّضح أن هناك تاريخًا من العداوة وراء هذا الشجار. كان برجر، وهو رجل ذو كبرياء، قد رفَض بيع مطعمه لهيرمان رغم تهديدات وتنمُّر الأخير. يرفض هيرمان دفع الفاتورة ويُغادِر ناسيًا أن زوجته والعروس ما زالتا في حمام النساء في الدور العلوي. يُغلق برجر الباب مُحتجزًا المرأتَين. تتصاعد حدة النزاع. يُلوَّح بالمسدَّسات ويُلقى بقنبلة يدوية وتنفجر سيارة مرسيدس. يجد الرجلان نفسَيهما يقودان حربًا خاصة تُهدِّد حياة أفراد عائلتَيهما والمارة الذين لا ذنب لهم. من الواضح أن فكرة الزفاف في هذا الفيلم (الذي يعني اسمه بالألمانية «الزفاف الدموي») فكرة ساخرة. يقع العريس وعروسه ومُعظم ضيوف الحفل رهينة لتَكبُّر وسُرعة غضبِ رجلَين عنيدَين غارقَين في عدواتِهما القديمة. وليس من المصادَفة ظهور والد هيرمان في بداية الفيلم وهو يرتدي خوذة نازية وأن القنبلة اليدوية من مخلَّفات الحرب العالمية الثانية.

figure
الشكلان ٢-٨ و٢-٩: تعرض حفلات الزفاف التي لا تسير كما هو مخطط لها في هذه الأفلام الأوروبية الشخصية القومية في شكلٍ كوميدي.

لا يقلُّ الفيلم الإيطالي «مخرج الزفاف» («ذا ويدينج دايركتور»، ٢٠٠٦) لماركو بيلوكيو غرابةً أو سخرية، رغم اختلاف الطُّرق. البطل، فرانكو، مخرج سينمائي شهير يصلُ إلى صقلية للهرب من فضيحة في مسقط رأسه. يقودُه لقاؤه بالصدفة مع رجل يكسب عيشَه من تصوير الأفراح لأميرٍ محليٍّ قويٍّ وخطير. يتَّضح أن الأمير من المُعجَبين بأعمال فرانكو ويُريد أن يُصوِّر المخرجُ الشهير حفلَ زفاف ابنته. يُقَام احتفال ضخم بنكهة محلية مُميَّزة. وتغنِّي الجوقة أغنية «هوزانا» بكل انفعال وقوة؛ ويبتسم القسُّ بلُطف ويقف أمام جدار من نوافذ الزجاج المُعشَّق ثم تصعد العروس إلى المذبح مُرتديةً طرحةً بيضاء. لا يوجد من هو مُستعد لنهاية الاحتفال — والفيلم — الصادمة. في النهاية، تقف روعة وفخامة الزفاف في تضادٍّ ساخِر مع أهداف الفيلم الحقيقية؛ الاصطناع والتكلُّف الفني للمُخرج والمجتمع الذي يُشارف على الموت، والذي يُمثِّله الأمير وغير ذلك الكثير في المجتمع الإيطالي الحديث.

يُتيح التاريخ البولندي مادةً خامًا وافرةً للكوميديا السوداء. تعرَّضت بولندا للغزو والتقسيم من روسيا وبروسيا وإمبراطورية هابسبورج خلال القرن التاسع عشر، وسحَقَتها الغارات النازية في أوائل الحرب العالمية الثانية، وبعد ذلك سيطر عليها الاتحاد السوفييتي حتى ثمانينيات القرن العشرين؛ وهذا ما يُعطي الشعب البولندي أسبابًا كافية للتشكُّك في التاريخ والطبيعة البشرية. وجدَت سخريتهم متنفَّسًا كوميديًّا في ثلاثة أعمال فنية متَّصلة الفكرة تُصوِّر حفل زفاف. الأول هو مسرحية ستانيسلاف فيسبيانسكي الكلاسيكية «حفل الزفاف»، والتي كتَبها عام ١٩٠١. تدور أحداثها خلال حفل زفاف قروي في زمن كانت فيه بولندا تحت احتلال قواتٍ أجنبية، وتسخر من عدم اهتمام الناس ولامبالاتهم بمصيرهم. يهتمُّ ضيوف الزفاف بصورةٍ أكبر بالاحتفال وتناول الشراب والمُناقَشات التافهة أكثر من العروسَين؛ وهما شاعر شابٌّ وعروسُه الريفية. ينضم إليهم، لاحقًا، أشباح من ماضي بولندا المجيد، يُقدِّم أحدهم للمضيف بوقًا ذهبيًّا رمزيًّا مُستحِثًّا إياه أن يدفع الناس ليثوروا ضد المستبدِّين. لكن الضيوف يستمرُّون في الرقص كالدُّمى مُضيِّعين فرصةً كبرى للحصول على الحرية. في عام ١٩٧٣، اقتبَسَ المخرج البولندي الكبير أندريه فايدا المسرحية وحوَّلها إلى فيلم سينمائي مُغيِّرًا زمن الأحداث إلى الغزو الألماني للبلاد عام ١٩٣٩. يُمثِّل الزفاف في فيلمه (الذي يحمل نفس اسم المسرحية) حدثًا سرياليًّا يضمُّ حصانًا أبيض رائع المنظر يُجسِّد روح المقاومة البولندية وموتها الحتمي في مواجهة الاحتمالات الساحقة.

أُعيد، حديثًا، إحياء استخدام حفل الزفاف كاستعارة في أول أفلام المخرج فويتشيخ سمارجوفسكي «حفل الزفاف» (٢٠٠٤). يُقيم سمارجوفسكي أحداث الفيلم في بولندا في فترة ما بعد الشيوعية؛ حيث حلَّ استبداد المال محل الديكتاتورية السوفييتية. أقام والد العروس، فيسلاف فوينار، مأدُبة فاخرة في منزله مُهديًا إلى العريس سيارة أودي رياضية باهظة الثمن. لكن يتَّضح أن الزفاف الباذخ ما هو إلا ستار لإخفاء حَملِ ابنته، وما السيارة إلا رشوة. في الحقيقة، فإن كل شيء تقريبًا في الاحتفال بالزفاف يُغلِّفه الخداع والفساد والنِّفاق. يرشو فوينار المحاسب الذي يعمل لديه ليُزوِّر الإمضاء في العقد الذي استخدمه لشراء السيارة. وعندما يكتشف أن السيارة قد سُرقَت، يرشو الشرطة. بنهاية اليوم ينفد منه المال والمصداقية بصورة تُشبه الحكومات الفاسدة في بولندا ما بعد سقوط الشيوعية. في نفس الوقت، يستمرُّ ضيوف الحفل في الشرب والرقص والصَّخَب غافِلين عن يخنة الكرنب الفاسدة والمِرحاض الذي فاضت مياهه. تُصبح المأدُبة مُستنقَعًا للشراهة والطمع والشهوة والكسل والحسد والغضب والتكبُّر. في أمسية واحدة، يستحضر الفيلم كل الخطايا السبع المُميتة وما هو أكثر منها. في إحدى اللحظات، يُغنِّي شخصٌ ما الكلمات الأولى من قصيدة «القَسَم»، وهي القصيدة التي اقتُرح فيما مضى أن تُصبح النشيد الوطني لبولندا. ينضمُّ الجميع إليه في جوقة متحمِّسة مُنشدين: «لن نتخلَّى عن الأرض التي أتى منها قومُنا … لن نسمح لعدوِّنا بإيقافنا … نحن الأمة البولندية … نحن الشعب البولندي.» لكن الغناء يخفت ويلتفت فوينار إلى صفقته المشبوهة التالية، ويستأنف الضيوف الشرب (شكل ٢-٩). تزول روح القصيدة بسرعة مثل البوق الذهبي أو الحصان الأبيض مما يبرهن على أن التهكُّم في عام ٢٠٠٤ من الوضع في بولندا من خلال حفلات الزفاف لم يفقِد حدَّتَه التي كان يمتلِكها عام ١٩٠١ أو ١٩٧٣.

(٦) العرائس العرب على الحدود

في الوقت الذي قدَّمت فيه أفلام الزفاف الأوروبية التي ذكرناها نقدًا اجتماعيًّا، استخدمت مجموعة حديثة من الأفلام من الشرق الأوسط حفلات الزفاف كنقاط بدء لاستكشاف الصراعات السياسية والنزاعات الثقافية. تقع أفلام «عرس الجليل» و«زفاف رنا» و«العروس السورية» في أرضٍ تُسيطر عليها إسرائيل؛ حيث يعيش العرب والإسرائيليون جنبًا إلى جنب في اضطرابٍ ونِزاع. أخرج «عرس الجليل» ميشيل خليفي، وهو عربي فلسطيني يعيش في بلجيكا. تدور أحداث القصة بنحو رئيسي في قرية فلسطينية داخل الجليل التي تُسيطر عليها الحكومة الإسرائيلية، وتعرض قصة أبي عادل، رب أسرة عربية ووالد العريس الذي يُحاول إقامة عرس ابنه وسط توتُّرات مُتزايدة. يُمانع الحاكم الإسرائيلي إقامة الاحتفال بسبب المظاهرات العربية الدموية الأخيرة. لكنَّه سيُوافق فقط إذا حضر مُساعِدوه الحفل. يُحذِّر القادة المحليُّون العرب أبا عادل ألا يصادق العدو. في ظل هذه الظروف، يتحوَّل حدثٌ خاصٌّ وحميمي مثل حفل الزفاف إلى حدثٍ سياسي.

أمَّا فيلم «العروس السورية»، فهو من إخراج صانع أفلام إسرائيلي، وهو إيران ريكليس، الذي تتضمَّن أعماله «نهائي الكأس» («فاينال كاب»، ١٩٩٢)، و«شجرة ليمون» («ليمون تري»، ٢٠٠٨)، اللذين يتَّسمان كلاهما بتصويرهما المتعاطف مع الفلسطينيِّين. العروس السورية في الفيلم درزية وليست فلسطينية. تنتمي منى إلى طائفة، رغم أنها عربية اللغة والثقافة، ظلَّت تُمارِس شعائرها الدينية الخاصة بها لأكثر من ألف عام، واختارت ألا تنتمي إلى القومية العربية. تعيش منى في مرتفعات الجولان التي تحتلُّها إسرائيل وتفصِلُها عن بقية سوريا منطقة منزوعة السلاح تتجوَّل فيها دوريات قوات الأمم المتَّحدة. تُواجه منى مشكلة، وهي أن الرجل الذي ستتزوَّجه، والذي لم ترَه من قبل، يعيش على الجانب الآخر من الحدود. استغرق الأمر ستة أشهر ليحصُلوا على إذن بالرحلة ولن تستطيع العودة إلى منزلها مرةً أخرى؛ لذا فإن ورْطتَها تتضمَّن مشكلتَين؛ الضغوط السياسية الناتجة عن سنوات من العداء العربي الإسرائيلي، والتحديات الثقافية الخاصة بالتفاوض بشأن زواج مُدبَّر في مجتمَع أبوي. يستحوذ والد منى، حامد، على احترام القرية بسبب نشاطاته المُوالية لسوريا. حصل حامد لتوِّه على إطلاق سراح مشروط من سجنٍ إسرائيلي. لكنه يواجه مشكلات من أفراد عائلته؛ فابنه الأكبر خرق التقاليد الدرزية بزَواجه من فتاةٍ أجنبية، وهي طبيبة روسية. يُهدِّد كبار القرية بنبذ حامد إذا سمح لابنه الأكبر بحُضور حفل زفاف ابنته على الرغم من أنهم ليس لديهم أي خلافٍ مع ابنه الأصغر وهو زير نساء ورجل أعمال مشبوه. علاوةً على ذلك، فإن ابنة حامد المتزوِّجة بدأ يتزايد ضجرُها؛ فهي غير سعيدة في زواجها وبخياراتها كامرأة؛ لذا تتمرَّد وترتدي البِنطال وتتقدَّم للالتحاق بالجامعة سرًّا. في نفس الوقت، تمرُّ العروس بطقوس الاستعداد للزفاف، التي بعضُها مألوفٌ للجمهور الغربي وبعضها لا؛ فهي تتواصَل تواصلًا حميميًّا مع قريباتها وتُصفِّف شعرَها كنَجمات الأفلام، وتختار فستانًا أبيض. تُذبَح الخراف ويجلس الضيوف ليُشارِكوا في وليمة سخيَّة في الهواء الطَّلق؛ الرجال والنساء على طاوِلات مُتفرِّقة. لكن لا يُمكن للعريس وعائلته عبور الحدود. وللتواصُل مع والد العروس، يجب عليهم استخدام مُكبِّرات صوتٍ ضخمة. عندما تحين اللحظة المهمَّة، تُواجه منى، التي ترتدي الفستان الأبيض، مُستقبَلًا غير واضح من خلال القُضبان الحديدية لبوابة الحدود. يؤدِّي خلاف في اللحظات الأخيرة على تأشيرة السفر بين الموظَّفين السوريِّين والإسرائيليين إلى دخولها طي النسيان لوقتٍ قصير. لا يوجد ما يُمكن للعريس والعروس فعله سوى تحديق كلٍّ منهما في الآخر خلال أرض محرَّمة مجرَّدة من السلاح وعائلتاهما وراءهما (شكل ٢-١٠). هنا تُقرِّر منى التصرُّف ومواجَهة التقاليد وشئون الدولة بنفسها سعيًا وراء حُلمها بالزواج.

في فيلم «زفاف رنا»، يتعقَّد السعي للحُصول على زوج بسبب أن العروس امرأة فلسطينية تعيش في القدس. تمتلئ الشوارع المتعرِّجة بعلامات مُنذِرة بالشُّؤم والخطر؛ فيُزمجِر كلب عندما يراها وتُلقى بعض الأشياء من أسقف المنازل، وهناك حقيبة يد مهملة ربما تحوي قنبلة. تظهر أَجوِلة الرمال والحواجز الخرسانية لتسدَّ طريقَها بينما يراقب الجنود الإسرائيليون المسلَّحون كل حركاتها. تزيد مِحنة رنا أكثر بعد أن يُعطيها والدها إنذارًا أخيرًا؛ إذ يجب عليها الزواج بحُلول الرابعة مساءً أو الرحيل معه إلى مصر. يُعطيها والدها الأرمل قائمةً بعرسان مُناسِبين أغلبهم رجال يكبُرونها سنًّا في وظائف جديرة بالاحترام. لكنها تُفضِّل الزَّواج من مدير المسرح الشاب الذي تُحبُّه — إذا أمكنها العثور عليه أولًا. يمنح المخرج الفلسطيني هاني أبو أسعد الفيلم واقعية قاسية كالموجودة في الأعمال الوثائقية مُستخدِمًا زفاف رنا لإبراز حياتها الخانِقة في ظلِّ الاحتلال السياسي من ناحية، والسُّلطة الأبوية العربية التقليدية من ناحية أخرى. بطريقة ما، تنجح في تصفيف شَعرها والعثور على فستان زفاف. لكن لا يوجد زفاف في مسجد؛ فالمسئول المسلم الذي من المُفترَض أن يرأس الاحتفال عالق عند حاجِزٍ في الطريق. ينتهي به الأمر بأن يُقيم المراسِم في حافلة صغيرة صفراء (شكل ٢-١١). يُشارِك الرجال فقط في الاحتفال بشكلٍ فعَّال مما يُوضِّح أن هذا الزفاف في الأساس اتِّفاق بين والد العروس وزوجها. وبينما يتفاوَضان على قدر مقدَّمِ ومؤخَّر صداقها، تجلِس هي صامتة في انتظار مصيرها.

figure
الشكلان ٢-١٠ و٢-١١: تستخدم بعض الأفلام المنتجة في الشرق الأوسط فكرة الزواج لتناول صراعات سياسية وثقافية محلية.

تُرشد هذه الصور — لعرائس من الشرق الأوسط يرتدين طرحة الزفاف — انتباهَنا النقدي في اتجاهَين؛ فهي تدعونا إلى تحليل الأفلام فيما يتعلَّق بكلٍّ من التاريخ الاستعماري والخطاب النِّسوي. وهي تُوجِّه إصبع الاتهام لخارج المجتمع تجاه تبِعات التوسُّع والسَّيطرة الإقليميَّين. كانت حياة منى ورنا وزوجة ابن أبي عادل ستكون أفضل لو كان بإمكانهنَّ السفر ذهابًا وجيئة عبر الحدود التي وضعَتها السياسات الدولية. وتوجَّه إصبع اتهام آخر للداخل تجاه الضغوط والقيود المجتمعية التي تحدُّ من حريتهن. بالنسبة إلى شقيقة منى، فإن الزواج يضع قيودًا على بعض الحريات الشخصية وفُرَص الحصول على تعليم نظامي. كذلك، فإنَّ رنا لديها القليل لتَكسِبه؛ فإن زواجها ما هو إلى انتقال ملكيَّتها القانونية من رجل إلى آخر. بالنِّسبة إلى العروس في الجليل، فإن التوقُّعات التقليدية لثقافتها تؤدِّي إلى توتُّرٍ ليلةَ زفافها وتوتر زوجها وتوتر علاقتهما لتصل إلى نقطة الانهيار.

(٧) طقوس الانتقال للزواج وأيقونات النجاح: أسطورة أفلام الزفاف

مع وجود العديد من التَّنويعات لفكرة حَفَلات الزِّفاف، ربما تسأل: ما الذي يربط بين هذه الأفلام؟ رأينا كيف أن كل فيلم يعكس الزمن والثقافة اللذَين أخرجاه إلى النور. لكن هل هناك كذلك خيوط مُشترَكة تسري في أفلام الكوميديا الرومانسية الهوليوودية، والأفلام الساخرة من الشخصية الوطنية في أوروبا، والأفلام التي تُقدِّم نقدًا ثقافيًّا/سياسيًّا من الشَّرق الأوسط؟ المكان الأوحد للبحث عن إجابات لهذه الأسئلة هو مُلتقى طرق الأساطير. في الوحدة الأولى عن «البطل المُحارب»، وتحت إرشاد جوزيف كامبل وكريستوفر فوجلر، سعينا لتحديد نماذج أولية محدَّدة في أفلام الغرب الأمريكي والساموراي والكونغ فو والأفلام الخيالية للمُبارَزة بالسيوف. تتضمَّن هذه الشخصيات البطل المُحارب (بطل كامبل «ذو الألف وجه») والوحش والمعلِّم والمُحتال، حيث يلعب كلٌّ منهم دورًا مألوفًا داخل سعي البطل وراء ضالَّة منشودة (يُسمِّيها كامبل «رحلة البطل»). تتبع الرحلة ذاتها طريقًا متوقَّعًا؛ حيث يخرج البطل من بيئته المُحيطة المريحة إلى منطقة خطرة، حيث يتدرب على يد مُعلِّم، ويُغرِّر به مُحتال، ويتحداه أي عدد من الوحوش قبل الحصول على الجائزة الثمينة. إذن هذه الرحلة تسير في مراحل يُسمِّيها فوجلر بأسماء عامة؛ النداء للمُغامرة، وعبور العتبة، ولقاء المعلِّم، والاختبارات، والمِحَن والجوائز.

الهدف هنا هو رؤية كيف أنه يُمكِن أن تعكِس الأنواع السينمائية، مثل الأشكال الأخرى من السرد القصصي، همومًا عميقة يتشارَكُها البشر في كل مكان. ربما تختلِف تفاصيل هذه القصص كما تختلِف الثَّقافات حول العالم لكنَّها تنبثِق من مصدر مُشترَك وهو العقل البشري الذي يبحث عن صورٍ للحاجات العاطفية والرُّوحية الأساسية. يُمكِن القول إنها تُساهم في أسطورة عالَمية عن تقاليد الزفاف، على نحو لا ينظُر إلى الأسطورة كاعتقاد زائف بل كانعكاس للحقائق العالَمية.

في أفلام البطل المُحارب، رأينا كيف أن البطل، الذي عادةً ما يكون ذكرًا، يحتاج ليُثبت جدارته لذاتِه وللآخرين. تُعتبَر رحلته على نحو جزئي اختبارًا للمهارات وتكوينًا للشخصية والتزامًا بمعايير ميثاقٍ أخلاقيٍّ معيَّن. يجب دائمًا الحصول على الجائزة سواءٌ كانت نَصرًا على العدوِّ أو إحلالًا للسَّلام في مجتمعٍ ما أو كنزًا رمزيًّا ما. ماذا عن أفلام الزفاف إذن؟ وهل تمتلِك شخصيات تُعدُّ نماذج أولية خاصة بها؟ هل يتبع بطلُ حفلِ الزفاف، والذي عادةً ما يكون العروس أكبر من العريس، مسارًا تقليديًّا للمِحَن والاختبارات في طريقها إلى مذبح الكنيسة حيث تتزوَّج؟ وهل تُصبح نوعًا من الفارس المُنقِذ أو المُحارب الذي يرتدي فستانَ زفاف؟

التشابُهات بين أفلام الزفاف التي درَسناها وأفلام فنون القتال مُدهِشة ولافتة للنظر. فكِّر فيما تُلمِّح إليه عناوين مثل «حروب العرائس» أو «الحماة المتوحشة» أو «الزفاف الدموي» («بلود ويدينج»)؛ ففي الفيلم تلو الفيلم، يُصبِح حفلُ أو مأدبةُ الزفاف نوعًا من ساحة المعركة. ويُمكن أن تبدو الاستعدادات للزفاف كالتدريبات العسكرية الأساسية؛ ففي فيلم «رخصة زواج» («لايسنس تو ويد»، ٢٠٠٧)، المقارَنة بمعسكر الإعداد العسكري واضحة في الدعاية التسويقية للفيلم وفي الفكرة الأساسية لقصَّته. يقوم روبين ويليامز بدور القسِّ فرانك، وهو قائد غير تقليدي للكنيسة المحلية التي تُريد العروس إقامة زفافها فيها. لكن قبل أن يُمكِن للحبيبَين الزواج، يطلُب القس أن يخضعا لبرنامج تدريبي خاصٍّ بمرحلة ما قبل الزواج قاسٍ وغير مألوف وشديد الغَرابة. تتضمَّن الاختبارات أطفالًا رضَّعًّا آليِّين يبكون ويُبلِّلون حفَّاضاتهم، وحُضور لقاءات لمجموعات تختبِر كيفية تشاجُر الزوجَين والامتناع عن مُمارسة الجنس قبل الزَّواج. هل القسُّ فرانك رجل حكيم لكنَّه غريب الأطوار أم مُنافِق خطير؟ نَراه يقودُ أطفال مدرسة الأحد في لعبة تحدِّي الوصايا وهي نُسخة غير تقليدية خاصَّة بالكِتاب المقدَّس من لعبة «المحك» (جيوباردي). تُلخِّص اللعبة التي تنتمي لألعاب الألواح الوصايا العشر على هيئة نصائح دينية يقولها بلسانٍ عامِّيٍّ ومُثير للضَّحك. يصيح فرانك في الأطفال قائلًا: «تَشتهيه؟ لا تحبه!» أو «ليس من الجيد أن تكذب!» أو «اهدأ ولا تقتُل!» أو «أَرِنِي الزنا». لاحقًا، يضع العروس وراء عجلة القيادة معصوبة العينَين ويُجبِر العريس على إرشادها من المقعَد الخَلفي. يبدو أن فرانك ينتقِل بين دور رجل الدين المسلِّي إلى دور المعلِّم الذي يتطفَّل فيما لا يعنيه إلى دور الوحش المجنون، كما لو كان يسخر من كل شخصية نموذجية تظهر في رحلة البطَل.

يُعتبَر فيلما «حروب العرائس» و«رخصة زواج» من الأفلام الكوميدية الخفيفة التي ربما تنجح أو تُخفِق في إيصال ما تُريد، لكنَّ هناك جانبًا جادًّا لأساطير الزواج. فقد وجد علماء الأعراق البشرية الذين يدرُسون الطقوس حول العالم معنًى خاصًّا في عادات الزواج. ولأنَّ الزواج طقس انتقالي يُمثِّل تحوُّلًا أساسيًّا في رحلة الفرد في الحياة وفي مكان الشَّخص في المجتمع؛ فإن التفاصيل المتعلِّقة بحفل الزفاف يُمكنها كشف حقائق هامة عن قيَمِ ومُعتقَدات مجموعة ما من البشر. من بين أهمِّ تقاليد الزَّواج في أوروبا والولايات المتحدة «الزفاف الأبيض» الرسمي، والذي يُنسَب لملكة بريطانيا الملكة فيكتوريا، والتي ارتدت فستانًا أبيض في زفافها على الأمير ألبرت في عام ١٨٤٠. ورغم أن هذا الفستان كان في الأساس رمزًا للطبقة العُليا في المجتمع، فقد انتقل هو والطقوس المتعلِّقة به إلى الطبقة الوسطى وعَبَرا المحيط الأطلسي حيث وضَعا المعايير للعرائس في بدايات القرن العشرين. ساعَدَت هوليوود في زيادة شُهرة الزفاف الأبيض في أفلام مثل «حدث ذات ليلة» («إت هابيند وان نايت»، ١٩٣٤) لفرانك كابرا، و«قصة فيلادلفيا» («ذا فيلادلفيا ستوري»، ١٩٤٠) لجورج كوكر، وبالأخصِّ «والد العروس» لفينسنت مينيلي عام ١٩٥٠. يُمكِن النظر إلى المشهد الذي يمشي فيه سبنسر ترايسي بصُحبة إليزابيث تايلور الشابَّة في ممشى الكنيسة مُرتديًا بدلة التوكسيدو وقبَّعته العالية بينما ترتدي هي فستانَ زفاف محتشمًا رائعَ المنظر، كوصفة لكيفية إقامة الزفاف الأمريكي التقليدي. تنبض الكنيسة بالإثارة والاحتفال. امتلأ كل جانب من جانبَي الممشى، المزينَين بالزهور والشُّموع، بأفرادِ العائلة والأصدقاء. يدخل العريس أولًا يصحب والدة العروس لتَجلس في الصف الأول ثم يحتلُّ موقعه في الجانب الأيمن للمذبح. بعد ذلك، يدخل وُصفاء العريس، كلهم في خُطًى مُتزامِنة، تتبَعُهم الإشبينات في فساتين موحَّدة. ثم تتوجَّه كل الرءوس إلى العروس التي تستند إلى ذراع والدها وتمشي في الممشى بخُطًى بطيئة على إيقاع موسيقى الزفاف الشهيرة لريتشارد فاجنر. يُكرِّر القس كلمات أصبحت بنحو أو بآخر مألوفة من خلال عشرات الأفلام والأحداث المباشرة. «أحبائي، لقد اجتمعنا اليوم أمام الله وهذا الحضور لنُشارك هذا الرجل وهذه المرأة هذا الزواج المقدس.» إن دور ترايسي الوحيد في هذا الحدث هو تسليم ابنته للرجل الجديد في حياتها. هناك تبادُل للعهود والخَواتم الرمزية والقُبلة وآهات الإعجاب من الجمهور، ثم يبدأ الأرجن في عزف موسيقى الزفاف الختامية لمندلسون بينما يتراجع العريس والعروس الآن إلى الممشى وقد أصبَحا زوجًا وزوجة.

تُلاحِظ ويندي ليدز-هورفيتز، في كِتابها «حفل الزفاف كنَصٍّ»، كيف أن حفلات الزفاف الأمريكية هذه تجمع بين عناصر التسلية والأداء والأهمية الاجتماعية والنزعة الاستهلاكية.6 وتستكشِف ديان ماير ديلاني هذه العناصر واحدًا تلوَ الآخَر في كتاب «الزفاف الأمريكي الحديث» مُشيرةً إلى كيفية كون الأشكال البسيطة نسبيًّا من التودُّد والاحتفال في الخمسينيات قد تحوَّلَت إلى تجارة كبيرة بظهور عروض زواج مكتوبة في السماء وخَواتِم ماسِّية مُعقَّدة التركيب ومَواقع باهظة لإقامة حفلات الزفاف.7 تصف فصول كتاب ديلاني مراحلَ رحلة الحبيبَين، بدايةً من تقديم عرض الزواج والمُجوهرات التي تُرتَدى للتعبير عن الالتزام وحتى حفل استقبال العروسَين وسفرهما لقضاء عطلة شهر العسل. ربما تُوضِّح كلَّ مرحلة بمشاهد من الأفلام المذكورة في هذه الوحدة.

رأينا بالفعل كيف أنَّ نُسخة تشارلز شاير من فيلم «والد العروس» تُقدِّم نسخةً محدَّثة من الطقوس لعام ١٩٩١. فالاحتفال أقصر وأقل رسميَّة؛ حيث تحلُّ موسيقى الكانُن ليوهان باخيلبيل محلَّ مقطوعة الزفاف لمندلسون. لقد صُوِّر المشهدان الرئيسيان لعَرض الزواج في فيلمَي «الجنس والمدينة» و«عروس هاربة» وقد جَثا العريس على إحدى ركبتَيه. لكن في فيلم «حروب العرائس»، يُقدم التودُّد كدعابة بنحوٍ أكبر. إذ يُخبِّئ حبيب إيما خاتم الخطوبة في كعكةِ حظ. تستخدم إيما البريد الإلكتروني لإرسال دعوات الزفاف. ويُستَثمَر الكثير من الوقت والمَجهود في هذه الأفلام في التخطيط لحفلِ الزفاف ذاته؛ إذ يجب اختيار مكان وزمان الزفاف. كما يجب على شخصٍ ما اختيار الموسيقى والورود وديكور حفل الزفاف. هناك كذلك قائمة لطعام مأدبة الزفاف والأزياء الخاصة بحفل الزفاف ومئات التفاصيل الأخرى التي يجب ترتيبها. لا عجب أن المُبتدئين في هذه الأمور يلجئون إلى مساعدة المُحترفين.

لكن لا تؤدي هذه النصيحة دائمًا إلى تجربة سارَّة. في حفل الزفاف الذي أقامه سبنسر ترايسي، يجعله مُتعهِّد الطعام المُتعجرِف يشعر بالدونية وعدم الرُّقي، بينما يتجاهَل مُخطِّط الحفل المخنَّث لابنة ستيف مارتن الأخير في كل فرصة يراه فيها، بينما يعامل طاقم خدم حفل الزفاف عمَّ العريس معاملة سيئة في فيلم «حفل زفاف» لألتمان كما لو كان لصًّا. لكن جنيفر لوبيز في فيلم «مخطِّطة حفلات الزفاف» تُعتبَر أُعجوبة في سرعة البديهة والكفاءة؛ ففي لقطة مُتابعة متَّصلة، نراها تُصلح صدرية فستان إشبينة العروس بمشبك غسيل وتقود القس ناحية مذبح الكنيسة وتعدِّل وضع مجموعة من الورود وتمنع خدم الزفاف من المغازلة وتغيِّر مكان ضيفة ذات تسريحة ضخمة (شكل ٢-١٢) وتضبط الأضواء والموسيقى وتهرع للعثور على والد العروس المفقود (شكل ٢-١٣) متوقِّفة في طريقها للعثور عليه لتنبيه وصيفَي العريس للانضمام للحفل (شكل ٢-١٤) قبل أن تُوقِظ والد العروس من سبات ثَمِل بمجموعة أدوية مخبأة في علبة أدواتٍ تحت مِعطَف بدلتها المُهندَمة (شكل ٢-١٥).

figure
figure
الأشكال من ٢-١٢ إلى ٢-١٥: تُشرف جنيفر لوبيز على الاحتفال المثالي في لقطة مُتابعة فردية من فيلم «مخطِّطة حفلات الزفاف» (آدم شانكمان، ٢٠٠١).
وكما تُوضِّح ليدز-هورفيتز، فإنَّ الاحتفال بالزفاف تعرَّض لتغيُّرات في نهاية الستينيات؛ حيث رفَض الشباب تقاليد آبائهم وبدءوا في كتابة عهود الزواج الخاصَّة بهم مُجرِّبين أنواعًا جديدة من الملابس والموسيقى، وهو تغيُّر تُوضِّحه الانتقائية غير المُتقيِّدة بالرسميات في أفلام مثل «ريتشيل تتزوَّج». تُشير ليدز-هورفيتز كذلك إلى حُدوث تغيُّر في حفلات ما قبل الزفاف؛ فقد حلَّ محلَّ سفر الشاب الذي اقترب زفافه للاستجمام خارج البلاد إقامة حفلات تتَّسم بالتبذير والإسراف، وتحوي راقصات تعرٍّ وخِرافًا قابلة للنفخ أو الذهاب إلى لاس فيجاس لقضاء عطلات نهاية الأسبوع. نرى هذا التغيُّر في أفلام موجهة للذكور؛ مثل «الزفاف الأمريكي»، وحتى في فيلم مثل «حروب العرائس» عندما تقتحم إيما حفل توديعِ عُزوبيةِ أوليفيا في نادٍ لراقصي التعرِّي الذكور. وفي الوقت الذي ربما تبدو فيه مثل هذه السلوكيات الفظة للبَعض كدليلٍ على انحلال العصر الحديث، فإن عالِمة الأعراق البشرية كلوديا دي ليس تربط بين هذه التصرفات وتاريخ طويل؛ ففي الأزمنة القديمة، كان إشبين العريس ووُصفاؤه، الذين كانُوا يعرفون حينئذٍ باسم «فرسان العروس»، يُساعِدون العريس في الإمساك بعروس راغمة حامِلين إياها من منزلها.8 تُرجِع دي ليس أصل تقليد ارتداء إشبينات العروس لفساتين موحَّدة إلى تقليدٍ قديم آخر قائم على اعتقادٍ؛ وهو أنه يُمكِن خداع الأرواح الشريرة التي تنوي إيذاء العروس إذا ارتدَت الإشبينات فساتين مُتماثِلة.9

أصبح فُستان العروس بالطبع أكثر عناصر حفلِ الزفاف الحديث رمزيةً وعاطفية، وغالبًا ما يكون أغلاها ثَمنًا. هناك مونتاج من اللقطات المُفصَّلة مخصَّص لهذه الأيقونة في فيلم «الجنس والمدينة» حيث تتنقِل كاري برادشو خلال مجموعة من فساتين الزفاف لعلامات تجارية لمُصمِّمين مشاهير من فيرا وانج وكريستيان ديور إلى أوسكار دي لا رينتا وفيفيان ويستوود، كلٌّ منها أكثر إبهارًا مما يسبقه. إن المشهد مُصمَّم ليكون مشهدًا استعراضيًّا بشكل بحت؛ حيث تحتلُّ فساتين الزفاف بؤرة الاهتمام. وكما تقول إحدى الشخصيات في فيلم «حروب العرائس»: «لا تعدلي فستان من فيرا وانج ليُلائمكِ. غيِّري من نفسك لتُلائمي فستان فيرا وانج.» ليس من المفاجئ أن يحتلَّ فستان الزفاف دور الشخصية الرئيسية في فيلم مثل «فستان الزفاف» («ذا ويدينج دريس»، ٢٠٠١)، والذي يُقدِّم قصة حب تمتدُّ لسبعة عقود وتشمل مواقع مُتعدِّدة والعديد من أنماط الحياة. يتركَّز جزء كبير من مُتعة هذه الأفلام على الجسد الأُنثوي وزينتِه. وهذا يُفسِّر بشكلٍ جزئي لماذا تتخلَّل السرد في العديد من أفلام الزفاف جولات تسوُّق مسرفة وعروض أزياء؛ إذ يوقف عرض الأزياء في فيلم «الجنس والمدينة» القصة، تمامًا كالتتابُعات المُماثِلة للمَشاهِد في أفلام مثل «روبرتا» (١٩٣٥) و«النساء» («ذا ويمن»، ١٩٣٩)، بينما تستمتع مجموعة من الشخصيات النسائية بمُشاهَدة عروض للنِّساء الأُخرَيات في ملابس فاخرة، وغالبًا ما تكون غريبة المنظر. وإذا كان هناك رجال، سواء في المشهد أو في الجُمهور، فإن رأيهم يقلُّ أهمية عن رأي النساء. وحتى عندما تُقيم كاثرين هايجل عرض أزياء ارتجاليًّا لرجل يزورُها في فيلم «٢٧ فستانًا»، يبدو أنها مُستمتِعة بالعَرض أكثر منه. وفي فيلم «الجنس والمدينة»، ترقُص كاري برادشو مُرتديةً ملابسها القديمة لإمتاع صديقاتها الحَميمات الثلاث. يبدو أن «التَّحديق الذكوري» ليس مهمًّا.

يظهر الرابط بين ممارسة التسوُّق والرومانسية مبكرًا في فيلم «الجنس والمدينة» عندما يُشير تعليق صوتي بصوت كاري برادشو إلى أن «الفتيات يأتين إلى المدينة من أجل الماركات التجارية والحب.» هناك الكثير من الإعلانات الضِّمنية لمُنتَجات تجارية في هذا الفيلم، لكن أكثر ما هو جدير بالذِّكر هو حذاء مانولو بلانيك الأزرق الموضوع في خزانة سقيفة كاري. تُوسِّع وتُحدِّث الخزانة، التي تُحبَط كاري بصغرها عندما يشتري حبيبها بيج الشقة لها، لتُصبح خزانة أحلامها، وهو ما يُمثِّل دلالة كبرى للتسوُّق المُمتِع القادم. تُسمِّي كاري الأمر «حب من النظرة الأولى». هذه الخزانة وذلك الحذاء الأزرق داخلها هما من سيُعيدان كاري إلى حبيبها بعد انفصال دامَ طويلًا. إنها تعود فقط لاسترجاع الحذاء لتجدَ بيج هناك حيث كان يُريد إرجاع حذائها إليها ويحتضِن كلٌّ منهما الآخَر داخل الخزانة الفارِغة. عندما يجثُو على إحدى ركبتَيه ليضعَ الأخرى عند قدمها، يُمثِّل لها هذا المشهد عرض الزواج الذي طالَما رغبَت فيه. كما يُلمِّح كذلك إلى قصة سندريلا وغيرها من القصص الرومانسية التي يجمع فيها الحذاء بين الأميرة وفارس أحلامها. الدرس الذي تتعلَّمه كاري، والذي تُوضِّحه توضيحًا جليًّا في نهاية الفيلم، هو أن «الحب هو العلامة التجارية الوحيدة التي لا تُصبح موضة قديمة.» إن الرجل هو ما يهمُّ وليس الفستان أو قاعة الزفاف. وفي خطوة تُعتبَر تأكيدًا لهذا، تُقيم حفل زفافها في قاعة مجلس بلدية المدينة مُرتدية فستانًا من دون علامة تجارية. لكن إذا كان يبدو مغزى القصة هذا المناهض للنزعة الاستهلاكية أجوف على نحو ما، فإن هذا يرجع إلى أن ما يظل عالقًا في أذهاننا هو تلك الفساتين الرائعة المنظر لمصمِّمين مشاهير وحذاء مانولو بلانيك الأزرق.

بتكريس الكثير من الانتباه على المظهر، يبدو أن مظاهر الأفراح تتفوَّق على معنى الزواج. فالأمر يتعلَّق أكثر بالموافقة على الفستان بدلًا من الموافَقة على العريس. لكن انظر إلى النقيض الآخر، كما يفعل آنج لي في فيلم «مأدبة الزفاف» عندما يذهب جاو ووي وي إلى قاعة البلدية. يأتي زواجهم المدني بعد أن زوَّج المسئول لتوِّه حبيبَين يرتديان الجينز والسَّراويل القصيرة. إنه يُكرِّر الكلمات المطلوبة بفتور ثم يجرُّ قدمَيه إلى مكتب تعلوه أشياء مبعثرة حيث يختم شهادة الزواج. يرتدي جاو وعروسه ملابس أفضل من الزوجَين السابقَين لكن الموظَّف البيروقراطي الضَّجِر يُخطئ في نُطق اسمَيهما كما تُخطئ وي وي في التلفُّظ بعهود الزواج ويرحل والدا جاو مُحبطَين بشدَّة. بالنسبة إليهما، يجب أن يكون الزفاف الصيني حدَثًا عامًّا ضخمًا واحتفالًا مجتمعيًّا يُقيمه والدان فَخوران من أجل الأهل والأصدقاء.

لهذا وُجِدت المأدُبات، وهي الجزء الذي يُشارك فيه الضيوف من حفل الزفاف. في مأدبة الاستقبال، يُصبح الزواج حفلًا يمتلئ بالموسيقى والرقص وإلقاء الخطب والطعام اللذيذ والكثير من الشرب وسطَ أجواء مُبهِرة. إن بعض هذه الأحداث تحكُمها العادات والتقاليد بشكلٍ صارم؛ ففي فيلم «حفل زفاف» لألتمان، يوضِّح رئيس المراسم بدقة كيف ستُؤدَّى الرقصة الأولى بمجرد أن يدخل العريس وعروسُه قاعة الاحتفال: «ثم سيدخل والد العريس ليَرقُص مع العروس بينما يرقص العريس مع والدة العروس. ثم سيرقص والد العروس مع ابنته بينما سيَذهب والد العريس ناحيةَ ولدِه ليَرقُص مع والدة العروس.» إن الدقة المبالَغ فيها هنا تُعتبَر جزءًا من السخرية.

يلعب نخب العروسين التقليدي، والذي عادةً ما يكون سخرية لاذِعة منهما أكثر من كونه نخبًا، دورًا كبيرًا خاصةً في العديد من مشاهد المأدبات. في فيلم «أربع زيجات وجنازة»، يؤدِّي الخطاب الذي يُلقيه تشارلز في بداية الفيلم، والذي يتَّسم بالدَّماثة والطَّرافة والصِّدق، لتَحويله إلى شخصية جذَّابة على الفَور. وعندما يُحاوِل شخصٌ آخر تقليد رُوح الدعابة الخاصَّة به في زفاف آخَر، يفقِد الخطاب كلَّ أثر له بسبب افتقادِه لسحرِ تشارلز. في فيلم «مُتطفِّلو العرس»، تتلعثَم الإشبينة عندما تُحاوِل إلقاء نخب العروس حتى يُنقِذها أحدُ المُتطفِّلين الذي يمتلِك خبرةً أكبر في هذه الأمور. في فيلم «ريتشيل تتزوج»، بعد عدَّة نخوب تتميَّز بدفء المشاعر والعاطفة تلفُّ الطاولة، ترفع شقيقة ريتشيل كأسها وتكسر المزاج العام بخطاب يتَّسم بالأنانية بنحو مؤلم. أحد أكثر النخوب إحداثًا للأثر المُدمِّر، وهو في الواقع، عرضٌ للصور المُتتالية، يأتي في نهاية فيلم «٢٧ فستانًا». يستبد الغضب بجين بسبب خِطبة شقيقتِها تيس من الرجل الذي تُحبُّه بعد خداعِه، ويزيد غضبُها عندما تستبدل تيس فستان زواج والدتِهما. ولتَنتقِم منها، تعرض جين مجموعة من الصور تُظهِر تيس ككاذبة أمام زوج المُستقبَل. في كل حالة، يُعتبَر طقس النخب نوعًا من الاختبار.

بالنسبة إلى بعض الأفلام، كما رأينا، يُصبح حفل الاستقبال بأكمله محنةً لاختبار انسجام وتناغُم العائلات وتصميم الأزواج. فهل سيتعطَّل زَواج بيتسي بعد أن يقضي والداها اليهوديان الليبراليان أُمسية مع عائلة زوجها الإيطالية المحافِظة في خيمة تُسرِّب المياه بازدياد؟ وهل سيَصمُد زواجُ دينو وعروسه في فيلم «حفل زفاف» بعد أن يحدُث خلافٌ عاصِف بين آل كوريلي وآل برينر في قبو النبيذ وتخرُج الأسرار العائلية للنور؟ ماذا سيحدث لفيسلاف فوينار وابنتِه وضيوفهما والأمة البولندية التي يُمثِّلونها في فيلم «حفل الزفاف» لسمارجوفسكي بعد انتهاء الحفل؟ تزيد مثل هذه الأسئلة اهتمامنا بالقصة؛ حيث نَتساءل كيف سيؤدِّي العريس أو العروس أو كلاهما طقوس الانتقال للحياة الزوجية سواء باتِّباع أو الحيد عن الطريقة التقليدية بالنسبة إلى العديد من أبطال الزِّفاف قبلَهما.

(٨) الأفلام والاختلاف بين طقوس الزفاف

في بعض الأوقات، ربما نَشعُر كأننا غُرباء عند مشاهدتِنا فيلمًا يعرض ثقافة تختلف بشكلٍ كبير عن ثقافتِنا؛ حيث نكون كدارِسي الأعراق البشرية عند مُراقبتِهم لسُلوك مجتمع غريب ومُحاوَلتِهم فهم كيف يُنظِّم الناس حياتهم اليومية في بيئات مُختلفة. يُمكن أن تؤدِّي أفلام الزفاف وظيفةً خاصة بوصف الأعراق البشرية، لكن بسبب كونها أفلامًا روائية — أو قصصًا عن أشخاص لدينا اهتمام بهم — يُمكنها كذلك كسر حواجز الموضوعية العلمية. عندما نتوحد وجدانيًّا مع الشخصيات، فإننا ندخل عالمهم الخاص ونتشارَك معهم عواطفهم وننضمُّ إلى احتفالهم. تُعتبَر قدرة الأفلام هذه على نقلنا لسياقات ثقافية جديدة أحد أكثر سمات السينما العالَمية جاذبيةً وسحرًا؛ إذ نكتسب فهمًا لأفراد آخرين وشعوبًا أخرى بقلوبنا وكذلك بعُقولنا. والأفلام تفعل أكثر من مجرَّد إعطائنا إمكانية الوصول إلى هذا؛ فهي تمنحُنا أفكارًا وخياراتٍ جديدة لتنظيم حياتنا؛ لذا من الممكن أن تُصبِح السينما طريقةً لنقل الممارسات الثقافية من مكان لآخر. وتُصبح الأفلام أدوات للتغيير في عصر التبادُل العالَمي.

في نفس الوقت، يجب علينا أن نتذكَّر أنه من النادر، إن لم يكن من المستحيل أن تكون الأفلام مُحايِدة. فربما تكون الرُّؤى التي تعرضها عن أشخاص آخرين وأفعالهم متأثِّرةً بأجندات أو محدودة بمَنظورات بعينها. يُحلل صاحب النظريات في مجال الطقوس، رونالد جرايمز، في كتابه «الطقس من منظور آخر»، فيلم «فيدلر أون ذا روف» («عازف الكمان فوق السقف»، ١٩٧١) كمثال. يُقارن جرايمز بين الزفاف الذي يُمثل جوهر الفيلم وبين حفل الزفاف اليهودي التقليدي في شرق أوروبا في القرن العشرين. في الفيلم، نرى العريس وعروسه يتشاركان كأسًا من النبيذ كما تنص التقاليد ويحيط بهما الشموع وأفراد عائلتَيهما؛ حيث يرتدون اللون الأسود التقليدي المتعارَف عليه لليهود الأرثوذكس (شكل ٢-١٦). لكن بدلًا من سَماع صوتِهما أثناء النُّطق بعهود الزواج وخطاب الحاخام، نسمع أغنية تُعبِّر عن الأفكار الوجدانية للأبوَين؛ «هل هذه هي الفتاة الصغيرة التي كنت أحملها على يدَيَّ؟ هل هذا هو الولد الصغير الذي كان يلعب معها؟» ما ينقص هنا هو طقسُ قراءة عقد الزواج (والذي ينظر إلى العروس كأصلٍ انتقلت ملكيته من الأب إلى الزوج) وكلمات العريس المُعبِّرة عن السلطة الأبوية («لقد أصبحتِ ملكيَّتي المقدَّسة»). وبدلًا من هذه التفاصيل الثقافية، نَحصُل على فيلم يروق الجمهور العالمي تربطه بالواقع تلميحات لدَورات الطبيعة («شروق الشمس، غروب الشمس، السنوات تمر بسرعة»). ويتعرَّض حفل الزفاف نفسه، الذي يستمر لمدة عشرين دقيقة من زمن الفيلم، للمُقاطَعة باستمرار بسبب مُشاحَنات محلية وإشارات إلى الفقر والمزيد من التلميحات المُنذِرة بالسوء لمعاداة الرُّوس للسامية. يُشير جرايمز إلى أن الزفاف بأكمله «تغيَّر بسبب العملية السينمائية».10 ومن أجل فهم أفلام الزفاف كنَوع سينمائي، من المهم إدراك كيف تفرض الأنواع السينمائية أعرافها الخاصة على العادات المحلية.
figure
شكل ٢-١٦: إقامة طقوس زَواج محلية من أجل الجمهور العالَمي في فيلم «عازف الكمان على السقف» (نورمان جويسن، ١٩٧١).

يستحِقُّ الأمر أن نتوقَّف هنا لتفسير بعض المُمارسات الخاصة بالزَّواج التي ربما لا نَفهمها بمشاهدة الفيلم فقط. ما الذي ترتديه تولا وإيان على رأسيهما خلال وجودهما في الكنيسة في فيلم «زفافي اليوناني الكبير» ولمَ تبصُق خالتُها أثناء مشي العروس في ممشى الكنيسة؟ ولماذا تصبغ النساء أيديهنَّ باللون الأحمر في فيلم «الزفاف الموسمي»؟ ولماذا يقتحم الضيوف غرفة الزوجين في فيلم «مأدبة الزفاف»؟ ولماذا كل هذه الجلبة حول الحذاء المخبأ في فيلم «من أكون بالنسبة إليك؟» («هو آماي تو يو؟» ١٩٩٤) من دون بعض التفسيرات، ربما نَكتفي بقول ما قاله والد إيان: «الأمر كله غير مفهوم بالنسبة إليَّ.»

عندما يضع القس اليوناني الأرثوذكسي تاجًا على رأس كل من تولا وإيان، فإنه يكرر طقسًا دينيًّا موقرًا. تُمثِّل التيجان المصنوعة من الورود، والتي تسمى «ستيفانا» مجد وتشريف الرب والشريط الأبيض الذي يربط بينهما يُمثل وحدتهما من خلال الزواج. ثم يقود القس الزوجين المتوَّجَين حول المذبح ثلاث مرات في رمز للثالوث المسيحي مؤدِّين خطواتهما الأولى معًا كزوجين. تبصق الخالة فولًا في اتجاه العروس لإبعاد الأرواح الشريرة، وهي عادة شعبية ليست دينية أو موقَّرة.

في أجزاء عديدة من العالم حيث تُرتَّب الزيجات، تحرُم المواعَدة أو يُنظر إليها برفض واستياء من دون موافقة عائلتَي الحبيبَين الرسمية. ربما يُرتِّب وسيطٌ الزواجَ، وعادةً ما تكون امرأة من المجتمع المحلِّي مثل ينتي في فيلم «عازف الكمان على السقف» المتخصِّصة في التوفيق بين الرجال والنساء الراغبين في الزواج. هناك القليل من الوقت للرومانسية قبلَ الزواج، ولهذا تُعتبر أفلام الزفاف الرومانسية قليلةً بالمعنى الغربي؛ ففي أفلام زفاف عربية مثل «عرس الجليل» و«زفاف رنا»، رأينا كيف أن التركيز ينصبُّ على الوصول إلى الحفل، وهي طريقة للتغلُّب على القيود الثقافية وعبور الحدود. وفي فيلم «العروس السورية»، حتى العروس لم تُقابل الرجلَ الذي ستتزوَّجه. يُقدِّم الفيلم الإسرائيلي «زفاف متأخِّر» («ليت ويدينج»، ٢٠٠١) بصورة درامية الألم الذي يُمكن أن ينتُج عندما يحبُّ رجل ما امرأة لا تراها عائلتها مناسِبة. فلسَنَوات، كان والدا زازا يُحاوِلان العثور على عروس ملائمة لابنِهم ذي الواحد والثلاثين عامًا، الذي يُواعِد سرًّا امرأةً مُطلَّقةً أكبر منه في السن ولديها طفل. وعندما تكتشِف عائلته هذا، يلجئون للتَّخويف والإذلال كوسيلة لإثنائه عن هذا.

عندما يُرتَّب الزواج، عادةً ما يلتقي الزوجان للمرة الأولى تحت الأعين اليَقِظة للأقارب. ربما يجلس الأهل بعيدًا عن العروسَين المُحتملَين لكنَّهم يكونون قريبين منهم، بينما يتعارَف الاثنان. يُمكِن أن نَشهد أحد هذه اللقاءات في فيلم «زفاف متأخِّر» عندما يُقدَّم زازا لعروس محتمَلة في السابعة عشر من عمرها. وبينما يُناقش الأهل مؤهِّلات أبنائهم في غُرفة المعيشة، يختلي زازا بالعروس بضعَ دقائق في غرفة النوم. ينخرِط كِلا الجانبَين في مفاوضات معقَّدة حول الدخل والتعليم والخصوبة والتجارب الجنسية، مما يعكس قرونًا من العادات المؤسَّسة جيدًا. هذا التصوُّر للزواج كنوع من المقايضة يوضِّحه الكثير من مشاهد الفيلم، والتي بعضُها مُثير للاضطراب بشكلٍ كبير وبعضُها مُثير للضَّحك وبعضها مؤثِّر بنحو لطيف. في فيلم «تولبان» (٢٠٠٨)، تناقَش عائلتان بدويتان من منغوليا احتمالات الزواج في يورت، وهو منزل بدويٌّ قابل للتنقُّل، بينما تبقى الفتاة متوارية عن الأنظار. يُرسِل الشاب، الذي يصحبُه والده وبعض الهدايا الغريبة، كلَّ الأنواعِ الخاطئة من الرسائل بينما تُبعد والدة الفتاة الذباب عن الشاي الخاصِّ بها بنَفاد صبر. وفي فيلم «السَّمِي» («ذا نيمسيك»، ٢٠٠٦)، الذي يدور حول الأمريكيِّين من أصول هندية وأخرجَتْه ميرا ناير، تُنصِت العروس المستقبلية من وراء ستار بينما يُقرَّر مصيرها. عندما لا ينتبه إليها أحد، تتبوَّأ موقع زوجها المستقبلي وتتَّخذ الخطوات الأولى في رحلة مع الغريب الذي سيُصبِح رفيقَها مدى الحياة.

في أجزاء من أفريقيا، حيث نسبة النساء الصالحات للزواج بالنسبة إلى الرِّجال تكون اثنين إلى واحد، يُصبح تعدُّد الزوجات مسألة عادية. وطبقًا لبعضِ التقديرات، فإن حوالي ٣٠ بالمائة من الرجال في غرب أفريقيا يمتلِكون أكثر من زوجة. يُدافع كل من المسلمين والإحيائيين عن هذه المُمارَسة بقولهم إنَّ تعدُّد الزوجات يُمكِن أن يُضاعِف مواردَ المنزل مرتَين أو ثلاثًا، كما يُمكِن أن يُساعِد في منع الزنا. لكن تعدُّد الزوجات يُمكِنُه أن يقود إلى مُشكلات كما يُصوِّر عثمان سمبين ببراعة في فيلمه السِّنغالي الساخِر «خالا» (١٩٧٥). الرجال هم من يتَّخذون القرارات المتعلِّقة بالزواج، في معظم الحالات، لكن بين عرق الفولاني في النيجر، النساء هنَّ عادة من يتَّخذ هذه القرارات. تقاس جاذبية الرجل الجسدية جزئيًّا بمدى بياض عينَيه وأسنانه. وخلال مهرجان الجيريوول، فإن رجال القرية القادرين على الزواج يرتدون ملابس النساء ويُديرون أعينهم ويُظهرون أسنانهم بينما تختار كل امرأة شريكها لتلك الليلة أو لما تبقَّى من حياتها. في العاصمة السنغالية داكار، تحتفل مسابقة ملكة جمال جونجاما بالجمال الأنثوي التقليدي؛ حيث تفضل النساء ذوات الأجسام المُمتلئة والمِشية المدروسة بنحوٍ يُخالف الصفات الأكثر معاصرة لمسابقة ملكة جمال السنغال، وهي أن تكون الفائزة نحيفة وجَسورة وسريعة الخطوة.11

تحلُّ طقوس زفاف حديثة محلَّ طقوس الزفاف التقليدية، في جميع أنحاء العالم. على سبيل المثال، في الصين، حيث جرت العادة أن تترُك العروس منزلها لتعيش مع عائلة العريس، يُمكن أن تجلس مع أقرب صديقاتها على انفراد قبل الزفاف لتَنعي خسارة علاقاتها السابقة. وفي يوم زفافها، يُمكن أن تأخذ العروس حمامًا لتنظيف وتطهير جسدها، وهي لحظة خاصة يستحضِرُها بصورة جميلة فيلم «غُسل» («شاور»، ١٩٩٩) لجانج يانج. ويُمكن أن تُرسل عائلة العريس مجموعةً من العازِفين والحمَّالين لنَقل العروس إلى حفل الزفاف في محفَّة حمراء وهو طقس يُحتفى به بمرحٍ صاخبٍ في فيلم «السورجم الأحمر» (١٩٨٧) من إخراج جانج ييمو. ما زالَ اللون الأحمر الذي يدلُّ على الحب والسعادة والرخاء والحظ يُسيطِر على حفلات الزفاف الصينية. نرى هذا والعديد من التقاليد القائمة منذ أزمنة طويلة في فيلم «مأدُبة الزفاف» لآنج لي (انظر قسم «لقطة مقربة: مأدبة الزفاف»).

كانت مشاهد الزِّفاف وما زالَت جزءًا ثابتًا من الأفلام الهندية. على سبيل المثال، يبدأ فيلم «أمنا الهند» («ماذر إنديا»، ١٩٥٧) لمَحبوب خان بزفاف قروي مُفصَّل؛ حيث يتبادَل عرض لقطات بعيدة لعربات تجرُّها الحيوانات ولقطات مقرَّبة مُتكرِّرة للعروس المزيَّنة بالمُجوَهرات ببذخ، والتي دهَنَت جسدها بالحناء الحمراء. إن الاحتفالات المتعلِّقة بطقس الحنَّاء؛ حيث ترقُص وتُغنِّي وتأكُل قريبات وصديقات العروس بينما يُزيِّنَّ يديها وقدمَيها بالصبغة الحمراء الغنية لنَبات الحنَّاء، مقدمة بعناية في فيلم «الزفاف الموسمي» وهو تخليدٌ مشوب بالعاطفة للعادات الثقافية لمنطقة البنجاب في شمال غرب الهند (انظر قسم «لقطة مقربة: الزفاف الموسمي»). العديد من هذه الطقوس وأكثر يظهر في فيلم «من أكون بالنسبة إليك؟» بشكل بارِز جدًّا لدرجة أنه في الواقع تعرَّضَ لسُخرية النقاد الذين اعتَبرُوه مجرَّد فيديو لزفافٍ فخْم. يُعتبَر هذا أحد أسباب شُهرته خاصَّةً بين الهنود الذين يعيشون خارجَ الهند الذين ذهبوا أفواجًا لدور العرض ليُشاهدوا كيف يُقام «الزفاف الهندي الحقيقي». أحيانًا ما تُستقطَع مشاهِد الزفاف من هذه الأفلام ويُجرى تجميعها وتُباع منفصلة بين الهنود المُشتَّتين حول العالم. وتُمزَج صور تقليدية بصور من العالم الحديث؛ فبعض الرجال يرتدُون بدلات عمل غربية كما تُوضَع زجاجات من مشروباتٍ ذات ماركات شهيرة في أماكن بارزة؛ حيث تواجه العلامة التجارية الكاميرا. الرسالة من وراء هذا هي أن التقاليد الهندية والنزعة الاستهلاكية يُمكِن أن يعيشا جنبًا إلى جنب في سلام.

(٩) نحو تعريف للنوع السينمائي

دعونا نعُد الآن لبعض الأسئلة التي طرحناها عن النوع السينمائي لأفلام الزفاف في موضع سابق من الفصل. ورغم أن الأفلام التي ذكرناها تُغطِّي نطاقًا كبيرًا من الشخصيات والثقافات والأساليب السينمائية، فيبدو أنها تتشارك قدرًا كبيرًا من السِّمات المُشترَكة. فعادةً ما يكونُ بطل الفيلم العروس المستقبلية، وأحيانًا يكون العريس المستقبلي، وفي مرات يكون أحد أقرباء الزوجَين، لكنه دائمًا ما يكون شخصًا في رحلة في عالم الزواج. ربما تتبع العروس أو العريس أو والد العروس أو حبيب سابق غيور عادات وتقاليد ثقافية مُختلفة في كل فيلم، لكن الأبطال يجب عليهم دائمًا مواجَهة مجموعة من العَقبات والتغلُّب عليها قبل الفوز بالجائزة. وعادةً ما يكون الطريق إلى مذبح الكنيسة — حيث يقام الزواج — محفوفًا بالرموز المُعتادة لطقوس الزواج؛ إذ يدلُّ الخاتم والطرحة والفستان وطعام المأدُبة على اتحاد الحبيبَين أو مُباركة المجتمع أو أكثر الأيام التي ستَتذكَّرها العروس. في مسار الرحلة، ربما يكون هناك مُعلِّمون مُرشِدون وأعداء يجب مواجهتُهم وحلفاء داعمون ومُحتالُون مخادِعون. وربما تتضمَّن مراحل الرحلة مشهد عرضِ الزواج والتعرُّف على العائلة والتسوُّق من أجل الفستان والمأدبة والنخوب وحفل توديع العزوبية وحفل الزفاف ذاته، على الرغم من أن هذه الطقوس والشَّعائر ربما تختلف اعتمادًا على البلد وتقاليده. أو ربما تعتمد تطورات الرحلة غير المتوقَّعة وانعطافاتها بشكلٍ كبير على اختيارات متعلِّقة بالنوع السينمائي، سواء كان الفيلم مكتوبًا باعتباره فيلمًا رومانسيًّا كوميديًّا أو ميلودراميًّا أو سخرية وَقِحة أو نقدًا ثقافيًّا. ربما يختلِف هدف الرحلة أيضًا، اعتمادًا على ما يُمثِّله الزفاف؛ حبٌّ حقيقي، أو إشباع ذاتي، أو مكانة اجتماعية، أو اتحاد عرقي، أو تسلُّط، أو فائدة العادات والتقاليد.

وكما رأينا فإن أفلام الزفاف يُمكن أن تبدو أحيانًا كنوع سينمائي فرعي أكثر من كونها نوعًا سينمائيًّا مُستقلًّا بذاته. تحتوي الأجزاء الأربعة لكتاب «موسوعة شيرمر للسينما» على إدخالات للأفلام الرومانسية الكوميدية والأفلام الميلودرامية والأفلام النسائية، لكن لا تحتوي على إدخالات مُستقلَّة لأفلام الزفاف. يُشير ديفيد شمواي إلى أن مُصطلَح الكوميديا الرومانسية (أو كما يُشار له أحيانًا بالروم كوم) يتضمن بوجه عام «كل الأفلام التي تُناقش الحب والتودُّد والزواج بشكلٍ كوميدي.»12 يُصنف شمواي فيلم «زفاف أعز أصدقائي» كمُعالجة متحفِّظة للكوميديا التهريجية مما يجعله مثالًا لنوع سينمائي فرعي مُشتَق من نوع سينمائي فرعي. في إدخال آخَر عن الميلودراما، يُقرِّر جون ميرسر أن «الميلودراما لا يُمكِن تعريفُها ببساطة على أنها نوع سينمائي»، مُشيرًا إلى أن معنى ومكانة المُصطَلَح من الموضوعات المُثيرة للجدل بشدَّة.13 ترى أنيت كونز في إدخالها الخاص عن «الأفلام النسائية» أن هذا المصطلح يتداخل فيما يتعلق بموقع الأحداث والفكرة مع الميلودراما الهوليوودية.14 عادةً ما تقع أحداث الميلودراما والأفلام النسائية في بيئات الطبقة المتوسِّطة وتُركِّز على أفراد يُواجِهون صراعات تتعلَّق بالهوية الجنسية والعائلة والمنزل. ما يُميِّز الأفلام النسائية، كما تُشير كونز، هو توحُّدها مع شخصية رئيسية أُنثوية، غالبًا إلى درجة البكاء. وعلى الرغم من أن كونز لا تُناقِش أفلام الزفاف في حدِّ ذاتها، فربما نُلاحظ أنه في الوقت الذي تهدف فيه أفلام مثل «حروب العرائس» و«الجنس والمدينة» لإرضاء الجمهور من الإناث، فإن أفلامًا أخرى مثل «متطفِّلو العرس» لا تفعل هذا.

بالإضافة إلى ذلك، فإن أفلام الزفاف لا يبدو أنها تتبع نموذجًا واضحًا للتطوُّر، مُنتقلة، على سبيل المثال، من المرحلة التجريبية إلى المرحلة الكلاسيكية أو الباروكية؛ وهو ادِّعاء يتبناه العديد من المؤرِّخين مثل توماس شاتس بالنسبة إلى أنواع سينمائية أخرى. ربما يكون من الأكثر دقةً التحدُّث عن دورات كما يفعل ريك ألتمان؛ إصدارات مُتتابعة لأفلام بموضوعات وأفكار واتجاهات مُتشابهة تدفعها اهتمامات الجمهور والنَّجاح التجاري مثل أفلام الزفاف الرومانسية الكوميدية التي تلَت صدور فيلم «زفافي اليوناني الكبير» في الولايات المتَّحدة أو موجة الأفلام الهندية المتحفِّظة المتمركزة حول العائلات في التسعينيات من القرن العشرين. تتضمَّن بعض هذه الاتجاهات التهجين الذي ربما يمزج بين الشعبية اللحظية لأفلام المُراهِقين أو أفلام الأصدقاء وبين العرائس والعِرسان. تبرز مثل هذه التنويعات الدورية لفيلم الزفاف دور الاهتمامات التجارية واهتمامات الجمهور في صنع أنواع سينمائية محدَّدة والحفاظ على استمراريتها.

ما يشكل هذه الرحلات ونتائجها كذلك القوى التاريخية أو الثقافية القوية. ربما تكون هذه القوى ظاهرة مثل حواجز الطريق الإسرائيلية في فيلم «زفاف رنا» وتقليد ترتيب الزيجات في فيلم «زفاف متأخِّر». أو ربما تكون قُوًى خفيَّة تعمل تحت السطح مثل شبح ألمانيا النازية في فيلم «حفل الزفاف» أو الأجيال الفاسدة الناتجة عن التزاوُج بين الطبقات الاجتماعية والفساد مثل فيلم «مخرج الزفاف». ربما يعكس فيلم ناجح مثل «الجنس والمدينة» أو يُعيد إنعاش الاهتمام القومي بحفلات الزفاف مضيفًا أفكارًا عن الحرية الجنسية والإشباع للأفلام الرومانسية التقليدية، رابطًا بينها وبين سلسلة معقَّدة من المنتجات والعروض التلفزيونية الموجِّهة للمُستهلِكين. يُعتبَر فهم هذه القوى من خلال عدسة النظرية وتحليل الصناعة وجماليات السينما إحدى فوائد دراسة أفلام الزفاف، سواء كنا نَنظُر إليها كنوع سينمائي رئيسي أو فرعي أو اتجاه دوري. وأيًّا كانت مكانة هذه الأفلام فيما يتعلَّق بالأنواع السينمائية، فإنها تُخبِرُنا الكثير عن الأيديولوجيات والهياكل الاقتصادية والفنانين الذين أخرَجُوها للجمهور. كما تكشِف كذلك الكثير عن الجمهور الذي يُشاهِدُها. ويمنحُنا تتبُّع مسار هذه الأفلام عبر الزمن والحدود القومية لمحاتٍ من ماضينا ومُستقبَلنا في بيئة ثقافية عالَمية بنحوٍ مُتزايد. لكن وسط كل هذا التتبع والتحليل، يجب ألا ننسى أن نستمتع بالمُتَع العديدة لهذا النوع السينمائي. وبالنسبة إلى من بينَنا ممَّن يُحبُّون أن تكون حفلات زفافهم ضخمة على الطراز اليوناني أو اليهودي أو البنجابي؛ فهناك العديد من أفلام الزفاف التي تدعونا إلى الانضمام للاحتفال.

قائمة أفلام.
بلد الإنتاج العنوان بالعربية العنوان بالإنجليزية المخرج سنة الإصدار
الولايات المتحدة والد العروس Father of the Bride فينسنت مينيلي ١٩٥٠
الولايات المتحدة عازف الكمان على السقف Fiddler on the Roof نورمان جويسن ١٩٧١
بولندا حفل الزفاف The Wedding أندريه فايدا ١٩٧٣
السنغال خالا Xala عثمان سمبين ١٩٧٥
الولايات المتحدة حفل زفاف A Wedding روبرت ألتمان ١٩٧٨
غانا حب مختمر في قِدْر أفريقي Love Brewed in the African Pot كواو أنساه ١٩٨١
إسرائيل/فلسطين عرس الجليل Wedding in Galilee ميشيل خليفي ١٩٨٧
الولايات المتحدة زفاف بيتسي Betsy’s Wedding آلان ألدا ١٩٩٠
الولايات المتحدة والد العروس Father of the Bride تشارلز شاير ١٩٩١
تايوان/الولايات المتحدة مأدبة الزفاف The Wedding Banquet آنج لي ١٩٩٣
الهند من أكون بالنسبة إليك؟ Who Am I to You? سوراج آر بارجاتيا ١٩٩٤
أستراليا زفاف مورييل Muriel’s Wedding بي جيه هوجان ١٩٩٤
المملكة المتحدة أربع زيجات وجنازة Four Weddings and a Funeral مايك نيويل ١٩٩٤
الولايات المتحدة زفاف أعز أصدقائي My Best Friend’s Wedding بي جيه هوجان ١٩٩٧
الهند أحيانًا تحدث أمور Sometimes Things Do Happen كاران جوهر ١٩٩٨
الولايات المتحدة عروس هاربة Runaway Bride جاري مارشال ١٩٩٩
الولايات المتحدة مخطِّطة حفلات الزفاف The Wedding Planner آدم شانكمان ٢٠٠١
الهند/الولايات المتحدة الزفاف الموسمي Monsoon Wedding ميرا ناير ٢٠٠١
إسرائيل زواج متأخر Late Marriage دوفر كوشاشفيلي ٢٠٠١
الولايات المتحدة زفافي اليوناني الكبير My Big Fat Greek Wedding جويل زويك ٢٠٠٢
إسرائيل/فلسطين زفاف رنا Rana’s Wedding هاني أبو أسعد ٢٠٠٢
الهند/المملكة المتحدة عروس وهوًى Bride and Prejudice جوريندر شادا ٢٠٠٤
إسرائيل العروس السورية The Syrian Bride إيران ريكليس ٢٠٠٤
بولندا حفل الزفاف The Wedding فويتشيخ سمارجوفسكي ٢٠٠٤
ألمانيا حفلة الزفاف The Wedding Party دومينيك دوريدره ٢٠٠٥
الولايات المتحدة متطفِّلو العرس Wedding Crashers ديفيد دوبكين ٢٠٠٥
نيوزيلندا الزفاف الساموي (أو زفاف سيون) Samoan Wedding (aka Sione’s Wedding) كريس جراهام ٢٠٠٦
إيطاليا مخرج الزفاف The Wedding Director ماركو بيلوكيو ٢٠٠٦
الولايات المتحدة مارجو في حفل الزفاف Margot at the Wedding نوا باومباك ٢٠٠٧
الولايات المتحدة رخصة زواج License to Wed كين كوابِس ٢٠٠٧
أيسلندا زفاف الليلة البيضاء White Night Wedding بالتسار كورماكور ٢٠٠٨
أيسلندا زفاف في الريف Country Wedding فالديس أوسكارزدوتير ٢٠٠٨
الولايات المتحدة ٢٧ فستانًا 27 Dresses آن فليتشر ٢٠٠٨
الولايات المتحدة ريتشيل تتزوج Rachel Getting Married جوناثان ديمي ٢٠٠٨
الولايات المتحدة الجنس والمدينة Sex and the City مايكل باتريك كينج ٢٠٠٨
جنوب أفريقيا زفاف أبيض White Wedding جان ترنر ٢٠٠٩
الولايات المتحدة حروب العرائس Bride Wars جاري وينيك ٢٠٠٩
الولايات المتحدة لدينا عرس عائلي Our Family Wedding ريك فاموييوا ٢٠١٠
زيمبابوي البحث عن محاربين Playing Warriors رومبي كاتيدزا ٢٠١١
الولايات المتحدة الإشبينات Bridesmaids بول فيج ٢٠١١
الدنمارك سوداوية Melancholia لارس فون تريير ٢٠١١
إسرائيل ملء الفراغ Fill the Void راما بورشتين ٢٠١٢

قراءات إضافية

  • Curtis, Richard. Four Weddings and a Funeral: The Screenplay. St. Martin’s Press, 1994.
  • De Lys, Claudia. How the World Weds: The Story of Marriage, Adultery & Divorce. Martin Press, 1929.
  • Delaney, Diane Meier. The New American Wedding: Ritual and Style in a Changing Culture. Penguin, 2005.
  • Doane, Mary Anne. The Desire to Desire: The Woman’s Film of the 1940s. Indiana University Press, 1987.
  • Doane, Mary Anne. “The Economy of Desire: The Commodity Form in/of the Cinema.” Quarterly Review of Film and Video 11 (1989): 22–33.
  • Elsaesser, Thomas. “Tales of Sound and Fury: Observations on the Family Melodrama.” Monogram 4 (1972): 2–15.
  • Kuhn, Annette. “Women’s Genres.” Screen 25(1) (1984): 18–28.
  • Leeds-Hurwitz, Wendy. Wedding as Text: Communicating Cultural Identities through Ritual. Erlbaum, 2002.
  • Luckett, Moya. “A Moral Crisis in Prime Time: Peyton Place and the Rise of the Single Girl.” In Mary Beth Haralovich and Lauren Rabinovitz, eds., Television, History, and American Culture, 75–97. Duke University Press, 1999.
  • Mackey, Jill. “Subtext and Countertext in Muriel’s Wedding.” National Women’s Studies Association Journal 13(1) (Spring 2001): 86–104.
  • Mulvey, Laura. “Visual Pleasure and Narrative Cinema.” Screen 16(3) (Autumn 1975): 6–18.
  • Otnes, Cele and Elizabeth Pleck. Cinderella Dreams: The Allure of the Lavish Wedding. University of California Press, 2003.
  • Pauwels, Heidi R.A. The Goddess as Role Model: Sita and Radha in Scripture and on Screen. Oxford University Press, 2008.
  • Radner, Hilary. Neo-Feminist Cinema: Girly Films, Chick Flicks and Consumer Culture. Routledge, 2011.
  • Stamp, Shelley. Movie Struck Girls: Women and Motion Picture Culture after the Nickelodeon. Princeton University Press, 2000.
  • Wilding, Raelene. “Romantic Love and ‘Getting Married’: Narratives of the Wedding in and out of Cinema Texts.” Journal of Sociology 39(4) (2003): 373–389.
  • Yaqub, Nadia. “Weddings in Motion Pictures.” Journal of Middle East Women’s Studies 3(2) (Spring 2007): 56–85.

هوامش

(1) Thomas Schatz, Hollywood Genres: Formulas, Filmmaking, and the Studio System (Random House, 1981), 37-38. See the Introduction, Chapter 1, and Chapter 3 in the present book for more discussion of evolutionary theories of genre.
(2) Susan Stern with Wendy Kolmar, “Remembering Barbie Nation: An Interview with Susan Stern,” Women’s Studies Quarterly 30(1/2) (Spring/Summer 2002): 189–195.
(3) Raelene Wilding, “Romantic Love and ‘Getting Married’: Narratives of the Wedding in and out of Cinematic Texts,” Journal of Sociology 29(5) (2003): 373–389.
(4) Diane Negra, What a Girl Wants? Fantasizing the Reclamation of Self in Postfeminism (Routledge, 2009). Quotations are from pp. 44, 125, 123, and 152 respectively.
(5) Jill Mackey, “Subtext and Countertext in Muriel’s Wedding,” National Women’s Studies Association Journal 13(1) (Spring 2001): 86–104.
(6) Wendy Leeds-Hurwitz, Wedding as Text: Communicating Cultural Identities through Ritual (Erlbaum, 2002).
(7) Diane Meier Delaney, The New American Wedding: Ritual and Style in a Changing Culture (Penguin, 2005).
(8) Claudia De Lys, How the World Weds: The Story of Marriage, Adultery & Divorce (Martin Press, 1929), 67.
(9) De Lys, 68.
(10) Ronald Grimes, Rite Out of Place: Ritual, Media, and the Arts (Oxford University Press, 2007), 41–47.
(11) Will You Marry Me?” Marriage Customs in Ethiopia, Mali, Niger, and Senegal. DVD, directed by Chema Rodriguez (Film Media Group, Films for the Humanities and Sciences, 2008).
(12) David Shumway, “Romantic Comedy,” in Schirmer Encyclopedia of Film, Vol. 4 (Thomson Gale, 2007), 1.
(13) John Mercer, “Melodrama,” in Schirmer Encyclopedia of Film, Vol. 3 (Thomson Gale, 2007), 133.
(14) Annette Kuhns, “The Woman’s Picture,” in Schirmer Encyclopedia of Film, Vol. 4 (Thomson Gale, 2007), 367–373.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤