الرسالة الحزينة

أمسك «تختخ» بالرسالة يتأملها للمرة الثالثة ورُبما الرابعة، لم يكن يُصدِّق أنه في يوم من الأيام سيتسلَّم رسالة مثلها، ولكن ما لم يكن يُصدقه … أصبح حقيقة مؤكدة … مظروف أنيق … ورقة زرقاء مكتوبة بخطٍّ واضح … والكتابة بالحبر الأسود، الإمضاء واضح وتحته عنوان المُرسل، ورقم تليفونه.

إذن … المسألة حقيقية وليسَت وَهمًا … وقرَّر أن يقرأ الرسالة مرةً أخيرة قبل أن يتصل ببقية المغامرين ويحكي لهم القصة … قصة الرسالة الحزينة.

وانتهى «تختخ» من قراءته الأخيرة … وأحسَّ بالمشاعر التي أحسَّها عندما قرأ الرسالة لأول مرة؛ إحساس مُؤلم بالحزن، ولولا أنه تَمالَكَ نفسه لأفلتت الدموع من عينيه.

وأمسك «تختخ» بسماعة التليفون واتصل ﺑ «محب» و«نوسة» وطلب منهما الاتصال ﺑ «عاطف» و«لوزة» ليستعدا … فسوف يَعقِد المغامرون الخمسة اجتماعًا في الكُشك الصيفي الصغير المُلحق بحديقة منزل «عاطف».

وقالت «نوسة»: هل هناك شيء؟ هل هو اجتماع عمل؟

ردَّ «تختخ» بصوتٍ حزينٍ: لا أدري بَعد … رُبما!

نوسة: إنَّ صوتك حزين يا «تختخ» هل حدث شيء؟

تختخ: لا … لا شيء. على كل حال ستعرفين عندما نلتقي.

ووضع «تختخ» السماعة ثم دخل الحمام فاغتسل، وارتدى ملابسه … وتهيَّأ للخروج عندما قابلته والدته وسألته: كيف الأخبار؟

قال «تختخ» أيُّ أخبار؟

الأم: قالت لي الشغالة إن رسالة وصلتك … هل هي من أحد أبناء عمك؟

تختخ: لا!

الأم: لماذا تبدو حزينًا؟

ارتبك «تختخ» ودهش أن تكون الرسالة قد تركت آثارها على وجهه إلى هذا الحد.

فقال: لا شيء خاص بنا يا أمي، مسألة خاصَّة بالمغامرين الخمسة.

الأم: هل حدَث شيء لأصدقائك؟

تختخ: لا، إنها فقط مهمة صغيرة قد نقوم بها.

انصرفت الأم قائلة: مهمَّة أخرى؟ ألم يَكفِكُم ما قمتم به حتى الآن من مهام!

أسرع «تختخ» يقفز إلى دراجته، وأسرع «زنجر» يتبعه … وانطلَقا في شوارع المعادي الهادئة.

كان الجو صيفيًّا مُنعشًا، ورائحة الورود والأزهار في الحدائق تملأ الجو، ولولا الرسالة التي كان يحملها في جيبه … لشَعر «تختخ» بسعادة حقيقية … ولكن … هذه الرسالة! هكذا كان يقول لنفسِه … شيء مُحزِن للغاية … هل يُمكن للمغامرين الخمسة أن يفعلوا شيئًا؟

وهكذا ظلَّ يُحدِّث نفسه حتى وصل إلى حديقة منزل «عاطف» وترك الدراجة ودخل … وكان الأصدقاء الأربعة هناك … وكانوا يَضحكُون … فقد كان «عاطف» يَروي لهم كالمعتاد آخر نكتة سمعها أو ابتكَرها.

وجلس «تختخ» صامتًا، وشيئًا فشيئًا ساد الصمت الجميع … ثم أخرج «تختخ» الرسالة الزرقاء من جيبه وقال: وصلتْني هذه الرسالة اليوم … وهي ليست موجَّهة لي وحدي، إنها موجهة إلى المغامرين الخمسة، وسوف أقرؤها عليكم.

نظر المغامرون الأربعة بعضهم إلى بعض، وكاد «محب» يتكلَّم لولا أن «تختخ» رفع الرسالة أمام عينيه وبدأ يقرأ:

«الأعزاء … المغامرون الخمسة …

سمعتُ عنكم أمس فقط من صديقة عزيزة؛ هي «سعاد» ابنة الدكتور «مختار»، وأدهشني وأسعدني أنكم نجحتُم مرارًا في حلِّ عدد كبير من الألغاز الغامضة … وأنكم تسعون لإقرار العدالة ونُصرة الأبرياء والمظلومين ومساعدة المُحتاجين.

وأنا في حاجة إلى مُساعدتكم.

ولستُ وحدي … ولكن أبي ووالدتي أيضًا.

وإننا … نحن الثلاثة نُناشدكم أن تقفوا بجوارنا في محنتنا، وأن تبذلوا جهدكم كما بذلتموه من قبل لإنقاذنا.»

ونظر «تختخ» إلى الأصدقاء فوجدهم يُصغون جميعًا في انتباه شديد فمضى يقرأ:

«إننا نرجوكم أن تنقذونا من الحزن والتعاسة … فقد اختفى من حياتنا أعز ما لنا وأحب الناس إلى قلوبنا … شقيقي «فريد» …

لقد كان «فريد» وهو في مثل سنِّكم أو أصغر قليلًا، تلميذًا مجتهدًا، وابنًا بارًّا على خُلق عظيم … وكان كل مَن يَعرفه يُحبُّه … ويتنبأ له بمستقبل عظيم، ولكن ذلك كله انتهى الآن … فقد اختفى «فريد»!»

وتنهَّد «تختخ» وعاود النظر إلى الأصدقاء فوجدهم جميعًا يَنظُرون إليه في فضول ممزوج بالدهشة والانتباه.

وأخذ «تختخ» نفسًا عميقًا، ثم مضى يقرأ:

«اختفى «فريد» منذ ثلاثة شهور تقريبًا؛ أي قبل مُنتصَف العام الدراسي بأسبوع واحد … ولم يعُد، وكان اختفاؤه بسبب ظروفٍ مُعيَّنة سوف أرويها لكم إذا تفضَّلتم بزيارتي.

وأحبُّ أن أقول لكم إنه لم يُخطَف، لقد اختفى بإرادته، وقد بذلنا وبذل رجال الشرطة كل ما يمكن بذله لإعادته، ولكنه اختفى تمامًا، وأضيف أنكم قد تفكرون أنه مات، وهذا ممكن ولكن قلوبنا نحن الثلاثة؛ أبوه وأُمه وشقيقته تحسُّ أنه ما زال حيًّا.

هل أعتمد على قلوبكم الرحيمة في أن تمدُّوا يد العون لنا؟ إنني أرجو ذلك، وأترك لكم عنواني ورقم تليفوني في آخر هذه الرسالة لتتَّصلوا بي، ولتُحدِّدوا موعدًا للِّقاء لأرويَ لكم قصة «فريد» كاملة، وسبب اختفائه، لعلكم بذكائكم تتمكَّنون من إعادته.

ولكم خالص الشُّكر والامتنان مُقدمًا.

ليلى»

وطوى «تختخ» الرسالة ونظر للمرة الثالثة إلى المغامرين، كانوا جميعًا يبدو عليهم نوع من الأسى، ولم يكن في حاجة أن يسألهم إن كانوا سيُوافِقون على التدخل من أجل البحث عن «فريد» أم لا … فقد كان متأكدًا أنهم على استعداد لذلك.

قطعت «لوزة» الصمت قائلة: إننا سنتدخَّل طبعًا!

ورَّد «محب» و«نوسة» و«عاطف» قائلين: طبعًا!

تختخ: هل أتصل ﺑ «ليلى»؟

مُحب: اسمها «ليلى»؟

تختخ: نعم … منزلها في شرق المعادي.

نوسة: شيء غريب! إنَّنا لم نسمع عن هذا الموضوع قبل الآن.

عاطف: لا تنسَي أننا في مثل هذا الوقت لم نكن في المعادي؛ فقد سافرنا إلى الأقصر!

نوسة: صحيح … إن ذاكرتك ممتازة «عاطف»!

تختخ: هل أتصل ﺑ «ليلى»؟

«لوزة» باندفاع: طبعًا، فورًا، يجب ألَّا نُضيع وقتًا!

وأسرعت «لوزة» بإحضار التليفون، وتردَّد «تختخ» لحظات، ثم حَزَم أمره ورفع السماعة وأخذ يُدير قُرص الأرقام، ووضع السماعة على أذنه، والأصداء جميعًا يتابعون كل حركة، في انتظار نتيجة المكالمة.

سمع «تختخ» الجرس يدقُّ على الجانب الآخر مرة، ومرتين، وثلاث مرات … ثم سمع صوت السماعة تُرفع، وصوتًا رقيقًا يردُّ. قال «تختخ»: أنا «توفيق» … أحد المغامرين الخمسة.

وسمع الصوت الرقيق يقول: أنا «ليلى»!

تختخ: لقد وصلتْنا رسالتُكِ، ونحن على استعداد لمُساعدتك … مساعدتكم!

ليلى: شكرًا جزيلًا.

تختخ: هل يعلم والداكِ بأنكِ أرسلتِ هذه الرسالة؟

ليلى: نعم … وآسفة أن أقول لكم إنهما ليسا مُتحمِّسَين جدًّا!

تختخ: لماذا؟

ليلى: لقد تدخَّل في هذا الموضوع أكفأ ضباط الشرطة، وبذلوا مجهودات ضخمة، ولكن «فريد» ظل مُختفيًا، وهما يظنَّان أنكم لن تتمكنوا من عمل شيء.

تختخ: إننا طبعًا لا نُحقِّق المعجزات، ولكن سنبذل ما بوسعنا.

ليلى: إن لي فيكن ثقة كاملة؛ فقد سمعتُ «سعاد» بنت الدكتور «مختار» تتحدث عنكم بحماس! كما أنكم في مثل سن «فريد».

تختخ: ومتى نستطيع زيارتك؟

ليلى: في أيِّ وقت، ما رأيكم في أن تأتوا الآن؟

تختخ: ليس عندنا مانع، سنكون عندك بعد ساعة.

ليلي: شكرًا، شكرًا!

ووضع «تختخ» السماعة، كان الأصدقاء قد سمعوا كل ما قاله، وعرفوا أنهم سيتحرَّكون بعد نصف ساعة، وكان «زنجر» أيضًا مُستعدًّا.

جلس «تختخ» ووضع ساقًا على ساق ثم قال: إن المدة طويلة؛ فقد اختفى «فريد» منذ ثلاثة شهور.

عاطف: إن العثور عليه … سيكون معجزة.

مُحب: طبعًا!

قالت «لوزة» المتحمِّسة دائمًا: قد نجد دليلًا يدُلُّنا!

نوسة: لا تَنسَي أن رجال الشرطة سبقونا … وأنهم بالتأكيد فحصوا كل شيء ووضعوا كل الاحتمالات، وتابعوا كل دليل مهما كان صغيرًا!

ظل «تختخ» يُردِّد: ثلاثة شهور؟! مدة طويلة!

لوزة: فلنحاول يا «تختخ»!

تختخ: سنحاول!

وانقضت نصف ساعة في مناقشة قصة «فريد»، ثم قفز المغامرون الخمسة إلى دراجاتهم، وقفز «زنجر» إلى مكانه المعتاد خلف «تختخ»، وانطلقوا جميعًا في الطريق إلى منزل «ليلى».

بعد حوالي ربع ساعة وصلُوا إلى الشارع الذي به العنوان … كان شارعًا طويلًا تُظلِّلُه أشجار السنط الخَضراء ويَسودُه هدوء شامل كأنه خالٍ من السكان … وبرغم أنه كان موازيًا لكورنيش النيل، فقد كانت الحركة فيه بسيطة فلم يرَ المُغامرون إلا شخصَين يَسيران على مبعدة.

وساروا على مهلٍ يبحثون عن العنوان، وأخيرًا وقفوا أمام الفيلا رقم «١٥» وأشار «تختخ» إليها قائلًا: هذه هي الفيلا التي كان يعيش فيها «فريد» … تعالوا نتأمَّلها قليلًا.

كانت فيلا ضخمة أشبه بقصر، مبنية على الطراز الإنجليزي ذي السقف المُنحني على شكل رقم «٨»، وقد ارتفعت في حديقتها الكبيرة الأشجار الضخمة، وكانت العصافير تملأ الجو بزقزقتها المرتفعة. كان كل شيء يبدو جميلًا وسعيدًا، ولكن الحقيقة أن الفيلا رقم «١٥» كانت تعيش مأساة مؤلمة.

وقف المغامرون الخمسة يتأمَّلون الفيلا … وقال «تختخ» في نفسه: لو أنني قررتُ أن أهرب من هذا المكان فماذا أفعل؟

أما «محب» فكان يسأل نفسه: لماذا يهرب شخص من هذا المكان الجميل؟

وقالت «نوسة» في نفسها أيضًا: لو أنني عشت هنا لما فكرت في الهرب …

وقال «عاطف» مُحدثًا نفسه: لولا رسالة هذه الصغيرة «ليلى» لقُلت إنَّ الحكاية كلها نكتة مُضحكة، فلماذا يهرب ولد من هذا المكان؟

أما «لوزة» فقالت في نفسها: يا لها من مغامرة مدهشة أن نبحث عن ولد صغير كان يسكن هذه الفيلا!

واكتفى «زنجر» بهز ذيله وهو يتساءل عن السبب الذي حضروا من أجله إلى هذا المكان.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤