الفصل الرابع

أساسيات علم الحياة

Basics of Biology

هذا الفصل يهدف إلى تنشيط الذاكرة بمواضيع البيولوجيا لغير المتخصِّصين، ويُسهِّل فَهْم ما سيَرِد في الفصول القادمة حيث تدور الأحداث والظواهر البيولوجية بواسطة قوًى وجُزيئاتٍ وتراكيبَ تتطلب وجود معرفةٍ وتصوُّرٍ لطبيعتها. من المؤكَّد أن هذا الفصل لا يرمي إلى تقديم عرضٍ تفصيليٍّ شامل يغطِّي مواضيع البيولوجيا، وإنما بأقل ما يمكن، لتسهيل فهم موضوع الكتاب.

(١) المادة Matter

يتألف الكون المرئي من مادة وطاقة. المادة هي حالةٌ مكثَّفة من الطاقة تمتلك كتلةً وتشغل حيِّزًا في الفضاء. وكل كتلةٍ تترافَق مع تردُّدٍ مُناسبٍ لمجال الطاقة. وكتلة أي جُسَيم هي نغمة (تردُّد) لنمط الاهتزاز هذا (Wilczek, 2005). تتألف المادة من عنصرٍ أو عناصرَ ذاتِ خواصَّ فيزيائيةٍ وكيميائية متفرِّدة. كل الذي نشهده في الكون من مليارات الأشياء كالنجوم والكواكب وما حولنا من صخور ومياه وهواء ونباتات وحيوانات، يتألَّف من مواد. هذه المواد تتألَّف من ملايين ملايين الجُزيئات، وكل هذا التنوُّع الهائل من الجُزيئات.

تتألف المادة من جُسيماتٍ تحت ذرية، وذرات عناصر، ومركباتٍ لعناصرَ متفاعلةٍ بشكل جُزيئاتٍ مختلفةِ التعقيد.

(١-١) أنواع العناصر في الطبيعة Types of Elements In Nature

fig16
شكل ٤-١: الجدول الدوري.
يُوجد في الطبيعة ٩٢ عنصرًا. تتشابه العناصر في كونها تتألَّف من ذرات. وهذه الذرات بدورها تتألَّف من الجُسيمات الذرية (البروتونات والنيوترونات والإلكترونات) ذاتها. وتختلف فيما بينها في عدد البروتونات وعدد وترتيب الإلكترونات. تشترك بعض العناصر في الخواصِّ الفيزيائية أو الكيميائية فثمَّة عناصرُ تكون غازية أو سائلة أو صلبة في درجة حرارة الغرفة. بعض العناصر تكون فعَّالة وأخرى خاملة كيميائيًّا. يُظهِر الجدول الدوري (شكل ٤-١) الذي وضعه مندليف سنة ١٨٦٩م، العناصر مرتَّبة في أعمدةٍ وصفوفٍ حسَب العدَد الذري، وبشكل مجاميعَ تشترك في بعض الخواص الكيميائية العامة.

من بين هذا العدد ثمَّة ١١ عنصرًا تدخُل في تركيب الكائنات الحية. في الإنسان تُوجد هذه العناصر بالنسب التالية: الأوكسجين ٦٥٪، الكاربون ١٨٫٥٪، الهيدروجين ٩٫٥٪، النتروجين ٣٫٣٪، الكالسيوم ١٫٥٪، الفسفور ١٪، البوتاسيوم ٠٫٤٪، الكبريت ٠٫٣٪، الصوديوم ٠٫٢٪، الكلور ٠٫٢٪، المغنسيوم ٠٫١٪.

هذا إضافةً إلى ١٥ عنصرًا تُوجد بمقادير ضئيلة؛ مثل الحديد والمنغنيز والنحاس والزنك. المُلاحَظ أن العناصر التي تدخُل في تركيب الكائنات الحية موجودة بالطبع في المواد غير الحية أيضًا، كما أن نِسَبها في الكائنات الحية لا ترتبط بنِسَبها في البيئة. ثمَّة ٤ عناصر هي الأوكسجين والكاربون والهيدروجين والنتروجين تُشكِّل أكثر من ٩٦٪ من وزن الإنسان.

(١-٢) الذَّرات والجُزيئات Atoms and Molecules

الوحدة التركيبية لأي عنصر هي الذرة. الذرة هي أصغر منظومة للعنصر وتحتفظُ بخواصه. تتكون الذَّرة من نواةٍ ثقيلةٍ في المركز يدور حولها إلكترونٌ واحدٌ أو أكثر في مداراتٍ محددةٍ بعيدة عن النواة. النواة تتألَّف من بروتونٍ واحدٍ كما في عنصر الهيدروجين أو بروتونات ونيوترونات في بقية العناصر الكيميائية. الإلكترونات تدور حول النواة بعيدًا عنها مُشكِّلةً غيمةً تحتل معظم فضاء الذرة، الذي يزيد عن قُطر النواة ١٠٠٠٠٠ مرة، كتقريبٍ مثل نسبة حبة البازلاء إلى ساحة سباق الخيل.

البروتون والنيوترون متساويان تقريبًا في الكتلة التي تساوي ١٫٦٧ × ١٠−٢٤غم، واصطَلح العلماء على اعتبارها وحدة الكتلة الذرية أو ١ دالتون. البروتون يحمل شحنةً موجبة، بينما يكون النيوترون متعادلًا لا يحمل شحنة.
fig17
شكل ٤-٢: رسمٌ تخطيطيٌّ تقليدي لذرة الهيدروجين (أعلى يمين) وذرة الأوكسجين (أعلى يسار) ورسمٌ تخطيطيٌّ للذَّرتَين أقرب للحقيقة حيث تظهر السحابة الإلكترونية (أسفل يمين وأسفل يسار).
الإلكترون ذو كتلةٍ صغيرةٍ جدًّا تساوي ٩٫١١ × ١٠−٢٨غم أو ١ / ١٨٤٠ دالتون، ويحمل شحنةً كهربائيةً سالبة. وهكذا ستكون كتلة الذرة أو ما يُعرف بعدد الكتلة مساويًا لمجموع كُتل أو عدد البروتونات والنيوترونات. وهذه البروتونات والنيوترونات قابلةٌ للتحوُّل أحدهما إلى الآخر عند اختلال عددهما؛ فعدد الكتلة لذرة الهيدروجين التي تتألف نواتها من بروتونٍ واحدٍ سيكون ١، بينما عدد الكتلة لذرة الهليوم التي نواتها تتألف من ٢ بروتون و٢ نيوترون سيكون ٤ وهكذا. إن التنافُر الموجود بين البروتونات بسبب تماثل شحناتها الموجبة يحول دون اندماجها. لكن بسبب اصطدامها المباشر الناتج عن سرعتها الفائقة في قلب النجم وبسبب وجود النيوترونات التي تُساعِد على التصاقها تتشكل نواة الذرة. عدد الكتلة يؤثِّر في الخواص الفيزيائية للعنصر.

في الذَّرة عدد البروتونات يكون مساويًا لعدد الإلكترونات ويُعرف بالعدد الذري. وبذلك ستكون النواة ذات شحنةٍ موجبة، بينما الذرة ككل تكون غير مشحونة (متعادلة)؛ لوجود عدد من الإلكترونات مساويًا لعدد البروتونات. العدد الذري سيُحدِّد الخواص الكيميائية للعنصر من خلال فقدان أو اكتساب إلكتروناتٍ أو الاشتراك بها مع ذراتٍ أخرى فيما يُعرف بالتفاعُل الكيميائي.

تدور الإلكترونات في مداراتٍ محدَّدةٍ حول النواة حسب طاقتها وعددها. المدار الأقرب للنواة هو الأقل طاقة. بينما تزداد طاقة المدارات كلما ابتعدَت عن النواة؛ حيث يكون المدار الخارجي هو الأكثر طاقة. تحت الظروف القياسية يتم إشغال المدار الأقرب للنواة أولًا، والذي يتسع إلى ٢ إلكترون، بينما يتسع المدار الثاني إلى ٨ إلكترونات، والمدار الثالث إلى ١٨ إلكترونًا، ويبقى المدار الخارجي للذرة الذي يحدِّد تكافؤ العنصر متغير عدد الإلكترونات بما لا يزيد عن سَعة المدار (شكل ٤-٢). يمكن أن ينتقل الإلكترون من مداره إلى المدار الأكثر طاقة.
إذا حصل على طاقة فوتون، ويمكن أن يعود إلى المدار الأقل طاقة إذا فقد الطاقة مُحرِّرًا فوتونًا. وتميل الذرة إلى الحالة الأكثر استقرارًا لمداراتها الخارجية، عن طريق فقدان أو اكتساب الإلكترونات أيهما أيسر طاقيًّا. في حالة الذرات التي تكون مداراتها الخارجية غيرَ مُشبَعة (عدد الإلكترونات أقل من سعة المدار) فإنها ستفقد أو تكتسب إلكترونًا واحدًا أو أكثر، وتتحول إلى أيون وهو ذرةٌ مشحونة؛ فذرة عنصر الصوديوم مثلًا وعددها الذري ١١ يحتوي مدارها الخارجي على إلكترون واحد. فقدان هذا الإلكترون أيسر طاقيًّا من اكتساب ٧ إلكترونات لإشباع المدار؛ وعليه فإنها تفقد الإلكترون وتتحول إلى أيونٍ موجَب (Cation). أما ذرة الكلور أو الفلور ذات العدد الذري ١٧ و٩ على التوالي، فمدارها الخارجي يحتوي على ٧ إلكترونات. وهكذا فإن اكتساب إلكترونٍ واحدٍ لإشباع المدار أيسر طاقيًّا من فقدان ٧ إلكترونات للوصول إلى حالة الاستقرار الطاقي. وهكذا ستتحوَّل ذرة الفلور أو الكلور إلى أيونٍ سالبٍ (Anion). وفي الشكل ٤-٣ تنحو ذرة الهيدروجين أو الليثيوم إلى إشباع المدار الخارجي لها باكتساب إلكترونٍ عن طريق المشاركة به مع ذرةٍ أخرى وتكوين آصرةٍ تساهمية، أو فقدان الإلكترون وتكوين أيونٍ موجبٍ (بروتون). كذلك في المجموعة ١٤ من الجدول الدوري، لذرة الكاربون والسيليكون ٤ إلكترونات في مدراتها الخارجية، ويمكنها اكتساب أو المشاركة بإلكترونات مع ذراتٍ أخرى لتكوين جُزيئات. وهكذا تُعتبَر مثل هذه العناصر نشطةً كيميائيًّا يمكِّنها من التفاعُل مع الذرات أو الجُزيئات الأخرى. في حينَ أن ذرات الهيليوم والنيون والأركون في المجموعة ١٨ ذات مداراتٍ خارجيةٍ مشبعة؛ وبالتالي فهي ليست بحاجة إلى فقدان أو اكتساب إلكترونات، وبذا تكون عناصرَ غيرَ نشطة كيميائيًّا.

(أ) النظائر Isotopes

fig18
شكل ٤-٣: توزَّع الإلكترونات لعناصرَ تعود إلى ٤ مجاميعَ من الجدول الدوري حسب مخطَّطات بور.
عادةً يكون عدد البروتونات مساويًا لعدد النيوترونات في نواة ذرة العنصر. لكن يمكن أن يُوجد العنصر في الطبيعة بنفس العدَد الذري (نفس عدد البروتونات والإلكترونات) ولكن بعدد كتلةٍ مختلف، بسبب وجود نيوتروناتٍ تزيد عن عدد البروتونات في النواة. مثل هذه العناصر التي تزيد فيها عدَد النيوترونات عن عدد البروتونات مع بقاء العدد الذري نفسه، تُسمَّى بالنظائر. كمثالٍ عنصر الكاربون C يُوجد في الطبيعة بثلاثة نظائر؛ C-12 حيث يكون عدد النيوترونات مساويًا لعدد البروتونات = ٦. يُشكِّل هذا النظير ٩٩٪ من الكاربون في الطبيعة. النظير C-13 يحتوي على ٧ نيوترونات، والنظير الأكثر ندرةً هو C-14 يحتوي على ٨ نيوترونات. بعض النظائر مثل C-14 تنحو إلى التحلُّل باتجاه تكوين نظيرٍ ذي عددِ كتلةٍ أقل. في هذه الحالة ستترافق العملية بإطلاق كمياتٍ من الطاقة بهيئة إشعاعٍ، ومثل هذه النظائر تُسمَّى بالنظائر المشعة. إن معدَّل التحلُّل لكل عنصر يكون ثابتًا، وعادةً يقدَّر بعمره النصفي. تُستخدَم النظائر المشعة في تقدير عمر المواد المتواجدة فيها، وفي علاج الأورام بقتل الخلايا السرطانية كما أن لها استخداماتٍ في التجارب البيولوجية لمتابعة دَور أو أثَر عنصرٍ أو مركَّبٍ معيَّنٍ عن طريق استخدام ذرة عنصرٍ مشعٍّ في المركَّب تحت الدراسة والكشف عنه.

(٢) الطاقة Energy

الطاقة هي القدرة على إنجاز شغل، ووحدة قياسها هي الجول، ويُساوي الطاقةَ اللازمةَ لتحريك جسمٍ مسافة ١م بقوة ١ نيوتن. والطاقة كميةٌ محفوظة؛ فحسَب قانون الديناميكا الحرارية الأول فإن الطاقة لا تفنى ولا تستحدث. وإنما يُمكِن أن تتحوَّل من شكلٍ إلى آخر.

ثمَّة شكلان أساسيان للطاقة هما الطاقة الحركية الملازمة للأجسام المتحركة، والطاقة الكامنة التي تكون مخزونةً في موقع مجال القوة كقوة الجاذبية أو القوة الكهربائية أو المغناطيسية، أو قوة المرونة التي تتبدَّى في مَط للأجسام الصلبة، أو الطاقة الكيميائية المخزونة في الأواصر التي تربط الذَّرات في الجُزيئات. وكما أشرنا سابقًا فإن المادة والطاقة قابلتان للتحوُّل إحداهما إلى الأخرى.

حيث إن الكائنات الحية منظوماتٌ معقَّدة، مفتوحة، فإنها تتبادل المواد والطاقة مع البيئة، وتتمكَّن من التعامل مع أشكال الطاقة المختلفة بما فيها طاقة الفوتونات في ضوء الشمس (الأحياء القادرة على التركيب الضوئي) والطاقة الكهرومغناطيسية والحرارة وكذلك الطاقة الكيميائية في المواد الغذائية.

تتمكَّن الأحياء من خَزن الطاقة في جُزيئاتٍ خازنةٍ للطاقة مثل ATP وGTP ومساعداتٍ إنزيميةٍ مختزلة مثل NADH وNADPH وFADH2 والجُزيئات العضوية المختزلة. ويُمكِن تحرير الطاقة المخزونة في هذه المركَّبات من خلال تحليلها أو أكسدَتها واستخدام الطاقة المتحرِّرة في بناء مركَّباتٍ جديدةٍ أو توليد الحرارة لأغراض النمو والتكاثُر.

(٣) المعلومات Information

تقليديًّا اعتُبرَت المعلومات كمفهومٍ مشتق أو ثانوي؛ حيث اعتبرت الفيزياء أن الحجر الأساسي للحقيقة هي وحدات البناء المادية للكون مُتمثِّلة بالجُسيمات والأوتار والمجالات. وحيث إن بِتات المعلومات تُمثَّل دائمًا بدرجات الحرية للمادة، يتم اختزال خواص المعلومات إلى قواعدها المادية. غير أن هذه الاعتمادية انقلبَت في العقود الأخيرة لتكون المعلومات جذر الحقيقة وليس المادة. هذا الجهد ارتبط باسم العالم جون أرشيبالد ويلر الذي أطلق مقولته الشهيرة «إنها من البِت» (Walker et al., 2017).
المعلومات قيمةٌ فيزيائيةٌ مصاحبة للجُسيمات والأجسام، وهي التي توجِّه الطاقة لإنجاز الشغل. تنشأ المعلومة لوجود الاختلاف أو التناقُض بين حالتَين للجُسيم أو الجسم كالبرم المغزلي للجُسيم أو الشحنة. وحسَب مقولة Bateson (1972)، فإن المعلومة أو وحدة المعلومات، هي الفرق الذي يعمل فرقًا؛ وبالتالي فإن كمية المعلومات تعتمد على الخواصِّ المختلفة التي يمتلكها الجُسيم أو الجسم؛ وبالتالي فهي تتناسب ودرجة التعقيد.

إن القانون الثاني للديناميكا الحرارية يخص المعلومات وكيفية معالجتها على المستوى المِجهَري. ينُص القانون على أن الإنتروبي (وهو مقياسٌ للمعلومات) يتجه نحو الزيادة. وإن كل منظومةٍ فيزيائيةٍ تحتوي على عددٍ معيَّنٍ من وحدة المعلومات البِتات. هذه المعلومات غيرُ مرئية أو إنتروبي ومعلوماتٌ أخرى مرئية ويُمكِننا الوصول إليها، تُعالَج وتُحوَّل بحركيات المنظومة دون إنقاصها.

كل منظومةٍ فيزيائيةٍ تُسجِّل وتُعالِج معلومات. ويمكن للمعلومات أن تنتقل بين الجُسيمات والأجسام من خلال حركياتها وتآثُرها، ويمكن حفظ المعلومات على المواد الصلبة.

في الكائنات الحية جميع الجُسيمات والذَّرات والجُزيئات تمتلك معلومات، وهي تزداد في الجُزيئات المعقَّدة؛ كالبروتينات والأحماض النووية. تُعَد جُزيئات DNA الأكثر قدرةً على حفظ المعلومات ونقلها؛ كونها تحتوي على الكثير جدًّا من القواعد النووية المختلفة، بما يشبه الحروف التي يمكن تكوين الكثير جدًّا من (المعاني) منها، وهي مستقرةٌ كيميائيًّا، وطويلةٌ جدًّا، ما يتيح حفظ الكثير من المعلومات الخاصة بالكائن الحي وفعالياته المختلفة. كما تمتاز جزيئة اﻟ DNA بإمكانية نسخها ونقلها كاملةً إلى الخلايا الوليدة، ما يمكِّن من حفظ ونقل المعلومات الوراثية.

تحصُل الخلايا أو الكائنات الحية على الكثير من المعلومات المحمولة على الجُسيمات والذَّرات والجُزيئات من البيئة؛ كالفوتونات بأطوالٍ موجية، وتردُّداتٍ مختلفة، وبأنواعٍ متعددة من الذَّرات والجُزيئات، كما تعطي هي أيضًا معلوماتٍ إلى البيئة من خلال تصديرها للحرارة والجُزيئات الفائضة وغير ذلك.

لقد وُصفَت الحياة كمعلوماتٍ تتدفَّق في تياراتٍ جُزيئية (Dawkins, 1996).

(٣-١) التفاعُلات الكيميائية Chemical Reactions

عندما يكون المدار الخارجي للذرة مكتمل العدد اللازم لإشباع المدار بالإلكترونات، فإنها تكون مستقرةً طاقيًّا وخاملةً كيميائيًّا. لكن إذا كان المدار الخارجي للذرة غير مكتمل العدد اللازم لإشباعه بالإلكترونات فإنها ستكون غيرَ مستقرةٍ طاقيًّا، وستتفاعل مع ذراتٍ أخرى من العنصر نفسه، أو عناصرَ أخرى هي أيضًا غيرُ مستقرةٍ طاقيًّا. التفاعُل الكيميائي هذا سيؤدِّي إلى إشباع المدارات الخارجية للذَّرات المتفاعلة عن طريق منح أو أخذ أو الاشتراك بالإلكترونات وتكوين الجُزيئات. تكوين الجُزيئة يتم عن طريق ارتباط الذَّرات بأواصرَ كيميائية (Chemical bonds).

يحصُل التفاعُل الكيميائي عند تفاعل ذرَّتَين أو أكثر لتكوين جُزيئةٍ أو جُزيئاتٍ أو تحلُّل الجُزيئة بكسر آصرة أو أواصرَ كيميائيةٍ تربط الذَّرات مع بعضها.

العناصر التي تبدأ التفاعُل تُسمَّى بالمواد المتفاعِلة (Reactants) وتُكتَب في يسار معادلة التفاعُل. والتي تتكوَّن بسبب التفاعُل تُسمَّى بالمواد الناتجة (Products) وتُكتَب في يمين معادلة التفاعُل. في أي تفاعُلٍ كيميائيٍّ تتساوى عدد ذرات المواد المتفاعلة مع عدد ذرات المواد الناتجة عن التفاعُل.

عند تفاعُل ذرَّتَي عنصرٍ معيَّن، فإن الناتج هو جُزيئةٌ ثنائية الذرة للعنصر نفسه؛ كمثال تفاعُل ذرَّتَي هيدروجين لتنتج جُزيئة هيدروجين، أو ذرَّتَي أوكسجين لتنتج جُزيئة أوكسجين، وهكذا.

وعند تفاعُل ذرَّات أو جُزيئات عنصرٍ معيَّن مع ذرَّاتِ أو جزيئاتِ عنصرٍ آخر، ينتُج ما يُعرف بالمركَّب (Compound) (شكل ٤-٤). كمثالِ تفاعُل الهيدروجين مع الأوكسجين لتكوين جُزيئة الماء.

المركَّب هو جزيئةٌ تتألَّف من ذراتِ عنصرَين مختلفَين أو أكثر. ويمكن أن ينتُج المركَّب نتيجة تفاعُل جُزيئتَين لمركَّبَين مختلفَين، أو تحلُّل جُزيئة مركَّبٍ آخر. كمثالِ تفاعُل حامض الهيدروكلويك مع هيدروكسيد الصوديوم لتكوين كلوريد الصوديوم والماء، أو تحلُّل بيروكسيد الهيدروجين لتكوين ماء وأوكسجين.

fig19
شكل ٤-٤: تتألَّف جُزيئات عناصر الهيدروجين والأوكسجين والكبريت والفسفور مثلًا من ذرتَين أو أكثر للعنصر نفسه. أما جُزيئات المركَّبات مثل الماء وثاني أوكسيد الكاربون والكلوكوز فتتألَّف من ذراتِ عناصرَ مختلفة. محوَّر عن: Download for free at http://cnx.org/content/col11760/latest/.

بعض التفاعلات الكيميائية تستمر فيها المواد المتفاعِلة بالتفاعُل وتكوين المنتج لحين استهلاك كل الجُزيئات المتفاعِلة. وهكذا يسير التفاعل باتجاهٍ واحد، ويُشار إليه بسهمٍ واحدٍ باتجاه المنتج. كمثال تحلُّل بيروكسيد الهيدروجين المُشار إليه أعلاه.

في تفاعُلاتٍ أخرى يستمر التفاعل باتجاه تكوين المنتج إلى تركيزٍ حرجٍ معيَّن، بعده تبدأ جُزيئات المنتَج بالتحوُّل نحو تكوين المواد المتفاعِلة وتستمر هذه الحالة باتجاهَين، لغاية الوصول إلى حالة التوازُن (Equilibrium) حيث يكون معدَّل التفاعُل بالاتجاهَين متساويًا. وبذلك مثل هذه التفاعُلات تكون عكسيةً (Reversible) ويُشار إليها في المعادلة الكيميائية بسهمَين متعاكسَين. أغلب التفاعُلات في الخلايا الحية تكون من هذا النوع. لكن في الأنظمة البيولوجية غالبًا ما لا تحصُل حالة التوازُن؛ حيث إن تراكيز المواد المتفاعِلة أو الناتجة تتغيَّر باستمرار؛ حيث تُستخدَم في تفاعُلاتٍ أخرى. كما أن منتجاتِ تفاعُلاتٍ معيَّنة يمكن أن تكون موادَّ متفاعِلةً لتفاعُلاتٍ أخرى. كمثالٍ للتفاعُل المتعاكِس في الأحياء هو تنظيم حموضة (pH) الدم بتكوينِ حامض الكاربونيك من أيونات الهيدروجين المسبِّبة لزيادة الحموضة مع جذر البيكاربونات. لكن حامض الكاربونيك يمكن أن يتحلَّل بتفاعُلٍ معاكسٍ آخر حيث يكون غاز ثاني أوكسيد الكاربون يتحرَّر عَبْر الزفير إلى الخارج وجُزيئات ماء.

(٣-٢) الأواصر الكيميائية Chemical Bonds

باستثناء العناصر النبيلة، لا تُوجد في الطبيعة ذرَّات العناصر منفردة، بل بشكلِ جزيئاتٍ مؤلَّفةٍ من ذراتٍ مترابطة. عند تكوين الآصرة بين ذرتَين، فإن الإلكترونات بين نواتَي الذَّرتَين ستنجذب إليهما، والنواتان ينجذبان إلى الإلكترونات في ذلك الموقع. القوة الجاذبة التي تربط الذراتِ المختلفةَ في الجُزيئة تُسمَّى الآصرة الكيميائية.

كل منظومة في الطبيعة تنحو لأن تكون أكثر استقرارًا طاقيًّا، وتكوين الأواصر الكيميائية يخفض طاقة المنظومة ليجعلها أكثر استقرارًا. وعند تكوين الآصرة الكيميائية تَتحرَّر طاقة مقدارها يختلف باختلاف نوع الآصرة. بالمقابل فإن كسر الآصرة الكيميائية سيحتاج إلى طاقةٍ تُساوي الطاقة المُتحرِّرة عند تكوينها.

ثمَّة أنواعٌ مختلفة من الأواصرِ الكيميائية:

(أ) الآصرة الأيونية (Ionic Bond)

fig20
شكل ٤-٥: تكوين كلوريد الصوديوم للأواصر الأيونية. عندما تمنح ذرة الصوديوم إلكترونًا إلى ذرة الكلور تتحول إلى أيونٍ موجب وتتحول ذرة الكلور إلى أيونٍ سالب (يسار). يكون كلوريد الصوديوم شبكةً من أيونات الصوديوم وأيونات الكلور المتبادلة تُعرف بالبلورة (يمين).
تحصُل الآصرة الأيونية في الغالب عندما ينتقل إلكترونٌ واحدٌ أو أكثر من ذرة عنصرٍ فلزيٍّ إلى ذرة عنصرٍ لا فلزِّي. فقدان ذرة الفلز للإلكترون سيُحوِّلها إلى أيونٍ موجب، بينما تتحول ذرة اللافلز إلى أيونٍ سالب. هنا ستنشأ الآصرة الأيونية كقوةِ جذبٍ كهربائيةٍ مستقرة بين الأيونات المختلفة الشحنة بصورةٍ متساويةٍ ما يؤدي إلى تجمُّعها على شكل شبكةٍ بلوريةٍ أو بلورات. كمثال تفاعُل ذرَّاتِ الصوديوم مع ذرَّات الكلور لتكوين كلوريد الصوديوم كما سبق ذكره، وموضَّح في الشكل ٤-٥.

الآصرة الأيونية تكون قويةً حيث تنتج طاقة تُساوي −٧٦٩ كيلوجول للمول لتكوُّنها في حالة كلوريد الصوديوم وتحتاج المقدار نفسه من الطاقة لكسرها.

(ب) الآصرة التساهمية Covalent Bond

تنشأ الآصرة التساهمية عندما تشترك ذرَّتان بمقدارٍ مُتساوٍ في الإلكترونات في مداراتها الخارجية؛ نظرًا لميلهما المتساوي لجذب الإلكترونات. كمثالٍ تشترك ذرَّتا الهيدروجين كلٌّ بالإلكترون الخارجي لها، ليصبح لكل ذرة في جُزيئة الهيدروجين زوجٌ من الإلكترونات؛ وبالتالي تتشبَّع مداراتها الخارجية بالإلكترونات وتستقر، كما هي ذرة الهيليوم التي يحتوي مدارها الخارجي على زوجٍ من الإلكترونات. كما تشترك ذرَّتا الأوكسجين كلٌّ بزوجٍ من الإلكترونات، وبذا يتشبَّع المدار الخارجي لكلٍّ منهما في الجُزيئة حيث يُصبِح ٨ إلكترونات. وفي الشكلَين ٤-٦ و٤-٧ أدناه ارتباط ذرتَي كلور بآصرةٍ تساهمية، لتكوين جُزيئة الكلور، وارتباط ذرَّتَي أوكسجين مع ذرة كاربون بأواصر تساهمية، لتكوين ثاني أوكسيد الكاربون. عمومًا تكون الأواصر بين العناصر اللافلزية تساهمية.
fig21
شكل ٤-٦: تكوين آصرةٍ تساهميةٍ بين ذرَّتَي كلور لتكوين جُزيئة كلور.
fig22
شكل ٤-٧: تكوين أواصرَ تساهميةٍ بين ذرَّتَي أوكسجين وذرة كاربون لتكوين ثاني أوكسيد الكاربون.
تتوقَّف قوة الآصرة التساهمية على عدد الإلكترونات المشتركة بين الذرتَين؛ فقوة الآصرة التساهمية بين ذرَّتَي الأوكسجين المكوِّنة لجزيئة أوكسجين أقوى من تلك التي بين ذرَّتَي هيدروجين أو كلور لتكوين جُزيئتَي هيدروجين أو كلور على التوالي؛ ففي الحالة الأولى تتم المساهمة بإلكترونَين فتتشكَّل آصرةٌ مزدوجة، بينما في الحالتَين الأخيرتَين تتكون أواصرُ مفردة. وهكذا تكون الآصرة الثلاثية N≡N كما في جُزيئة النتروجين N2 أقوى من الآصرة المزدوجة. هذا يفسِّر عدم قدرة أغلب الكائنات الحية على استغلال النتروجين الغازي وهو الأكثر وفرة في الهواء، بسبب الطاقة العالية المطلوبة لتكسير أواصره التساهمية الثلاثية. بسبب ضعف قوة التجاذُب بين ذرات الجُزيئات الناتجة عن الأواصر التساهُمية حيث تكون متعادلة الشحنة، فإنها تُظهِر صفاتٍ فيزيائيةً تختلف عن تلك المكوِّنة للأواصر الأيونية؛ فهي في الغالب تكون سوائل أو غازات في درجة حرارة الغرفة وضعيفة الذوبان في الماء، كما أنها أقل قدرةً على التوصيل الكهربائي لمحاليلها في الماء وغير ذلك.

تُقسَّم الأواصرُ التساهميةُ إلى أواصرَ تساهميةٍ مستقطبة وأواصرَ تساهميةٍ غير مستقطبة.

(ﺟ) الآصرة التساهمية المستقطبة Polar Covalent Bond

fig23
شكل ٤-٨: جُزيئة الماء تُظهِر الأواصرَ التساهميةَ المستقطبة.
تنشأ الآصرة التساهمية المستقطبة بسبب اختلاف السالبية الإلكترونية للذرات المكوِّنة للآصرة التساهمية (شكل ٤-٨)؛ فالإلكترونات المشتركة بين ذرتَين مختلفتَي السالبية الإلكترونية ستقترب أكثر من نواة الذرة الأكثر سالبيةً إلكترونيةً منها من نواة الذرة الأقل سالبيةً إلكترونية. هذا سيجعل الأولى تكتسب مقدارًا قليلًا من الشحنة السالبة ( ) والثانية مقدارًا قليلًا من الشحنة الموجبة ( ) وهكذا سيكون للجُزيئة قطبان مشحونان أحدهما أكثر.
سالبية والآخر أكثر إيجابية. تتجلى أهمية الآصرة التساهمية المستقطبة في الماء الذي تجعل منه مذيبًا عامًّا فعالًا للأملاح الأيونية والجُزيئات المستقطبة التي تُوصَف بسبب ذلك بالمُحبَّة للماء (Hydrophilic).

(د) الآصرة التساهمية غير المستقطبة Nonpolar Covalent Bond

fig24
شكل ٤-٩: جُزيئة الميثان كنموذجٍ للأواصر التساهمية غير المستقطبة.
تحصُل الآصرة التساهمية غير المستقطبة بين ذرَّتَي العنصر نفسه أو عنصرَين مختلفَين تشتركان بالإلكترونات بالتساوي. أمثلة ذلك جُزيئات H2 وO2 وN2 … إلخ. وكذلك الميثان والإيثان والبنتان وغيرها (شكل ٤-٩). عمومًا المواد غير المستقطبة لا تذوب بالماء، وتُسمَّى بالمواد الكارهة للماء (Hydrophobic) أو المُحبَّة للدهون (Lipophilic) ولكن تذوب في السوائل غير المستقطبة؛ مثل رباعي كلوريد الكاربون CCl4، البنزين C6H6 والهكسان CH3(CH2)4CH3 وغيرها.

(ﻫ) الآصرة الهيدروجينية Hydrogen Bond

تُعَد الأواصر الهيدروجينية من الأواصر الضعيفة السهلة الكسر. في الجُزيئات ذات الأواصر التساهمية المستقطبة، تنشأ بين ذرة هيدروجين من جُزيئة؛ حيث تكون ذات شحنةٍ موجبةٍ قليلة ( ) مع ذرة ذات شحنةٍ سالبةٍ قليلة ( ) مثل ذرة أوكسجين أو ذرة نتروجين من جُزيئةٍ أخرى أو ضمن الجُزيئة نفسها. الأواصر الهيدروجينية شائعة وتحصُل بانتظامٍ بين جُزيئات الماء. وبرغم ضعف هذه الأواصر إلا أن كثرتَها في جُزيئات الماء والبوليمرات يجعل منها قوةً مهمةً في تثبيت التشكيلات الجُزيئية في الخلايا الحية. تلعب الأواصر الهيدروجينية أدوارًا مهمةً في تحديد شكل البروتينات وارتباط شريطَي اﻟ DNA وغيرها.

(ز) آصرة فاندرفال van der Waal Bond

آصرة فاندرفال من الأواصر الكيميائية الضعيفة. تنشأ أواصر فاندرفال بين جزيئتَين أو أكثر نتيجة التذبذُب القليل غير المُتناظِر في كثافات الإلكترونات حول الذرة. ولحصول هذه الأواصر ينبغي أن تكون الجُزيئات متقاربةً جدًّا من بعضها. تُسهِم هذه الأواصرُ إلى جانب الأواصرِ من الأنواع الأخرى في تكوين التراكيب الثلاثية الأبعاد للبروتينات والتشكيلات الخلَوية الأخرى.

تلعب الأواصرُ الضعيفة أدورًا بيولوجيةً مهمة جدًّا بضمنها التعرُّف الكيموحيوي (Rebek, 1991).

(ﺣ) التركيب الجُزيئي للخلية Molecular Composition of The Cell

مثل بقية المنظومات الأخرى في الكون، تتألَّف الكائنات الحية من عناصرَ كيميائيةٍ مختلفة تم الإشارة إليها مسبقًا. الخاصية التركيبية المميِّزة للكائنات الحية هي وجودُ جزيئاتٍ عضوية، وتراكيبَ عاليةِ التنظيم والتعقيد لا تُوجد في المواد أو التراكيب غير الحية. مع ذلك، لا يمكن لأيٍّ من هذه الجُزيئات أو التراكيب المميِّزة للكائنات الحية الحالية مهما بلغ حجمها ودرجة تعقيدها أن تُظهِر خواصَّ الحياة وهي منفردة. وهكذا لا تُوجَد مادةٌ حية بل منظومة من الجُزيئات والتراكيب الخاصة التي تشكِّل كلًّا متكاملًا تتآثَر مُكوِّناته، لتُظهِر أنماطًا وفعالياتٍ حيويةً مميزة. هذه المنظومة هي الخلية (Cell) التي تُشكِّل الوحدة التركيبية والوظيفية للكائن الحي؛ فالحياة هي انبثاقٌ لتآثُر مكوِّنات الخلايا.

الكائنات الحية متنوعةٌ جدًّا؛ بعضها يتألَّف من خليةٍ واحدةٍ كما في البكتيريا والأركيا والخمائر، مستعمرةٌ من عددٍ من الخلايا المتشابهة مظهريًّا كما في بعض أنواع الطحالب، أو عددٌ كبيرٌ من الخلايا المتخصِّصة تُشكِّل أنسجةً وأعضاء، كما في النباتات والحيوانات.

الخلية الحية هي منظومةٌ معقَّدةٌ متكيِّفة معزولة عن البيئة، وتتبادل المواد والطاقة والمعلومات معها. ويُمكِن اعتبارُ الخلية كمحلولٍ مائيٍّ كثيفٍ يعجُّ بالجُزيئات العضوية واللاعضوية التي تتفاعل لتُنتِج الطاقة والمواد اللازمة لنُموِّها وتكاثُرها.

(ط) الماء

تتألَّف جُزيئة الماء من ذرة من الأوكسجين، ترتبط بآصرةٍ تساهميةٍ مع كل من ذرتين من الهيدروجين (شكل ٤-١٠). هذا التركيب الكيميائي والتوزُّع الفراغي لذرَّتَي الهيدروجين وذرة الأوكسجين، جعلها جُزيئةً مستقطبةً وقادرة على تكوين أواصرَ هيدروجينيةٍ مع الجُزيئات المستقطبة الأخرى. هاتان الصفتان أكسبتا الماء العديد من الصفات الفيزيائية الكيميائية الفريدة، والتي أسهمَت إلى جانب عواملَ أخرى في تفرُّد وتميُّز الكائنات الحية.
تُعتبَر جزيئة الماء ثالث أكثر الجُزيئات شيوعًا في الكون بعد جُزيئة الهيدروجين وأول أوكسيد الكاربون (Messori, 2019). والماء هو المادة الأكثر وفرةً على سطح الكرة الأرضية، كما أنه الأكثر وفرةً في الخلية الحية. هذا إلى جانب أن الأواصر الهيدروجينية الضعيفة التي يُكوِّنها الماء مع الجُزيئات الأخرى، مكَّنَت من أن يكون الماءُ الوسطَ الذي تتحرك فيه الجُزيئات المختلفة دون أن تُمسِك بأواصرَ تساهميةٍ أو أيونية.
fig25
شكل ٤-١٠: التركيب الفراغي لجُزيئة الماء.

تقيِّد حركتها ونشاطها؛ وبالتالي يمكِّنها من التفاعُل مع غيرها وتكوين مُركَّباتٍ جديدة. وارتبطَت الحياة بالماء؛ فهو على الأرجح مهَّد نشوء الأشكال الأولى للحياة في الماضي، كما أن الحياة في الوقتِ الحاضرِ تزدهر حيث يتوافَر الماء بكثرة كما في الغابات المطيرة، وتقلُّ في الصحاري لشحَّته.

بسبب قطبية جزيئاته، اكتسب الماء ظاهرتَي التماسُك (Cohesion) والتلاصُق (Adhesion)؛ فبِسبَب تجاذُب جُزيئاته فيما بينها يحصُل التماسُك الذي مكَّنه من أن يكون سائلًا في درجة حرارة الغرفة، ويظهر الشد السطحي، كما يلعب أدوارًا مهمةً في حياتية الكائنات الحية؛ كصعود أعمُد الماء إلى مسافاتٍ عاليةٍ في أوعية النباتات. أما التلاصُق فيحصُل حينما تتجاذَب جُزيئات الماء مع الجُزيئات المستقطبة الأخرى، والتنافُر مع الجزيئاتِ غيرِ المستقطبة. ولهذه الخاصية أهميةٌ بيولوجيةٌ كبيرة تُمكِّن الماء من الارتباط مع مختلف مكوِّنات الخلية، وتُسهِم في تكوين أغشية الخلية.

بسبب الأواصر الهيدروجينية التي تربط جُزيئاته والتي تحتاج إلى طاقةٍ كبيرةٍ لتكسيرها، يمتاز الماء بحرارته النوعية العالية ودرجة تبخُّره العالية أيضًا. هذان العاملان يمكِّنان الكائنات الحية من المحافظة على درجة حرارتها من الارتفاع إلى مستوياتٍ مؤذية، بتحرُّر الطاقة نتيجة عمليات التنفُّس أو بسبب التعرُّض لمصادر الحرارة العالية من البيئة. وبسبب الصفة الغريبة للماء حيث يزداد حجمه عند انجماده وبالتالي تقلُّ كثافته، تحول الطبقات السطحية الطافية من الجليد على سطوح البُحيرات والبحار من انجماد مياهها والمحافظة على بيئةٍ مناسبةٍ للأحياء المائية.

الماء مذيبٌ عامٌّ فعَّال يعمل كوسطٍ لحصول التفاعُلات داخل الخلايا. كما يدخل كمادةٍ متفاعلةٍ أو ناتجةٍ من التفاعُلات الخلَوية؛ كتفاعُلات التحلُّل المائي أو تفاعُلات إزالة الماء. كما أن الماء يُظهِر صفاتٍ مهمةً سيتم التطرُّق إليها في مواضعَ أخرى أو الفصول القادمة.

(ي) الجُزيئات الضخمة Macromolecules

تحتوي الخلايا الحية على مركباتٍ عضويةٍ مختلفة متدرِّجة التعقيد تشمل مركَّباتٍ صغيرةً تتألَّف من عددٍ قليلٍ من الذَّرات، إلى مركَّباتٍ معقدةٍ هي بوليمرات لمركَّباتٍ بسيطةِ التركيب. تضُم المركَّباتُ العضويةُ المهمة لحياتيةِ الخلايا الحية الكاربوهيدرات، والدهون، والبروتينات، والأحماض النووية. على اختلاف أنواع هذه المجاميع، فإن تكوين البوليمرات أو الجُزيئات الضخمة من مركَّباتها البسيطة أو تحلُّل الجُزيئات الضخمة إلى مُكوِّناتها من المركَّبات البسيطة يخضع للطريقة نفسها؛ فعند تكوين الجُزيئات الضخمة ينبغي ربط الوحدات المكوِّنة بواسطة أواصرَ تساهميةٍ يتم فيها إزالة مجموعة من إحداها وذرة H من الأخرى، وهذا يتطلب طاقةً لتكوين الآصرة، وتتحرَّر جُزيئة ماءٍ في كل خطوة. هذا التفاعُل يُسمَّى إزالة الماء (Dehydration reaction). وعند تحلُّل الجُزيئات الضخمة، يحصُل عكس هذا التفاعُل والذي يُسمَّى بالتحلُّل المائي (Hydrolysis) حيث تتم إضافة جُزيئة ماءٍ، وتتحرَّر طاقة الآصرة التي كانت تربط الوحدتَين المكوِّنتَين في كل خطوة.

(ك) الكاربوهيدرات Carbohydrates

في الخلايا الحية، تُستخدَم الكاربوهيدرات (السكَّريات) كمصدرٍ للطاقة وهياكل كربونية لبناء المركَّبات العضوية المختلفة، كما تشترك مع البروتينات في تكوين البروتينات السكَّرية التي لها أهمية في التعرُّف (Recognition) وبعضها يدخُل في تركيب الأحماض النووية وتُشكِّل أو تدخُل في بناء جدران الخلايا. تتألَّف جميع المركَّبات الكاربوهيدراتية من عناصر الكاربون والهيدروجين والأوكسجين بنسبة ١:٢:١.
fig26
شكل ٤-١١: التركيب الجُزيئي الخطِّي لجُزيئاتِ سكَّرياتٍ ثلاثيةٍ وخماسية.
fig27
شكل ٤-١٢: التركيب الخطِّي لجُزيئات السكَّريات السداسية.
fig28
شكل ٤-١٣: التركيب الحلقي لجُزيئات السكَّر.
تُقسَّم الكاربوهيدرات إلى سكَّرياتٍ بسيطةٍ أو أحادية (Monosaccharides) حيث تحتوي الجُزيئة على ٣ إلى ٦ ذرات كاربون، مثل كليسرالدهايد (3C) وأرثروز (4C) ورايبوز (5C) وكلوكوز (6C). وثمَّة سكَّرٌ سباعيٌّ هو Sedoheptulose في النباتات. والسكَّريات الأحادية تميَّز إلى سكرياتٍ أحاديةٍ ألديهايدية؛ مثل الكلوكوز والزايلوز لاحتوائها على مجموعة ألديهايد، أو سكَّرياتٍ أحاديةٍ كيتونية؛ مثل الفركتوز والزايليلوز لاحتوائها على مجموعة كيتون. وسكرياتٍ ثنائيةٍ (Disaccharides) تتألَّف جُزيئتها من ارتباط جُزيئتَي سكَّرٍ بسيطٍ سداسية الكاربون متماثلة أو مختلفة بآصرةٍ كلايكوسيدية؛ مثل المالتوز الذي يتألَّف من جُزيئتَي كلوكوز، والسكروز من جُزيئتَي كلوكوز وفركتوز، واللاكتوز من جُزيئتَي كلوكوز وكالكتوز. وسكَّرياتٍ معقَّدةٍ (Polysaccharides) هي بوليمرات من جُزيئات سكَّرٍ سداسيِّ الكاربون هو الكلوكوز؛ مثل الكلايكوجين والنشاء والسليلوز، أو بوليمرات من الفركتوز مثل الإنيولين (Inulin).
جُزيئات السكَّريات يُمكِن أن تكون بشكلٍ خطيٍّ مفتوح كما في الأشكال ٤-١١ و٤-١٢ أعلاه، أو غالبًا بشكلٍ حلقيٍّ في المحاليل المائية كما في الشكل ٤-١٣.
تظهر السكَّريات الأحادية آيزوميرية D وL وهي تشير إلى الوضعية الفراغية لذرة الهيدروجين ومجموعة إلى يمين أو يسار ذرَّة الكاربون المجاورة لذَرة الكاربون للكحول الطرفي في الجُزيئة. وكلٌّ منها صورة مرآةٍ للأخرى. إذا كانت مجموعة إلى اليمين يكون السكَّر آزومير D والعكس صحيح. إن جميع السكَّريات في الكائنات الحية ينبغي أن تكون بهيئة آزومير D.

(ل) الشحوم Lipids

fig29
شكل ٤-١٤: التركيب الجُزيئي لمجاميع الشحوم.
fig30
شكل ٤-١٥: رسمٌ تخطيطيٌّ لثلاث حالاتٍ تُظهِرها الأحماض الدهنية المزدوجة الميل للماء والدهون في المحلول المائي وعلاقتها مع درجة الحموضة pH. اللون الأزرق يشير إلى المناطق المحبة للماء، بينما اللون البرتقالي يشير إلى المناطق الكارهة للماء. الأحماض الدهنية المزدوجة الميل الفاقدة للبروتونات تمامًا ستكون مذيلات داخلها كاره للماء وخارجها محب للماء. مزيجٌ من هذه المركَّبات ذات البروتونات والفاقدة للبروتونات يمكن أن تتنظَّم ذاتيًّا، وتكون حويصلات بأغشيةٍ مزدوجةٍ داخلها مائي. أما المركَّبات التامة البروتونات في المحلول المائي، فتكون قطيراتٍ كارهةً للماء. مُحوَّر عن: Jordan et al., (2019).
تضُم الشحوم مركَّباتٍ عضويةً غير متجانسة ذات جُزيئاتٍ غير مستقطبة. تتألَّف جزيئاتُ الشحوم من ذرات الكاربون والأوكسجين والهيدروجين، مرتبطةً في الغالب بأواصرَ تساهميةٍ غيرِ مستقطبة، وبعضها يحتوي على الفسفور؛ لهذا السبب فهي لا تذوب في الماء بل في المُذيبات الدهنية. تتكوَّن الشحوم كإستراتٍ لتفاعُل الأحماض الدهنية مع قاعدةٍ عضويةٍ مثل الكليسرول. تضم الشحوم: الدهون  (Fats) التي تكون أواصرها مشبعة وتكون صلبةً عادةً وتكثُر في الحيوانات، والزيوت (Oils) التي تحتوي جزيئاتها على أواصرَ غيرِ مشبعة وتكون سائلةً وتشيع في النباتات، والشحوم الفوسفاتية (Phospholipids) التي تحتوي على أواصرَ مستقطبةٍ وأخرى غيرِ مستقطبة، والشمع (Wax) الذي يتكوَّن من تفاعُل أحماضٍ دهنيةٍ عديدة ذرات الكاربون مع كحولات غير الكليسرول، والسترويدات (Steroids) التي تشترك مع الشحوم في كونها جُزيئاتٍ غيرَ مستقطبة، وتتألَّف من ٤ حلقاتٍ ملتحمةٍ وربما بعضِ السلاسل المفتوحة وبعض مجاميعِ الهيدروكسيل (شكل ٤-١٤).

تتكوَّن الدهون والزيوت من اتحاد ثلاثة أحماضٍ دهنيةٍ مع الكليسرول. تُوفِّر الدهونُ والزيوت مصادرَ طاقةٍ مخزونة، كما تُوفِّر الدهون طبقاتٍ عازلةً حراريًّا للحيوانات.

الشحوم الفوسفاتية تتكوَّن من اتحاد الكليسرول مع اثنَين من الأحماض الدهنية، ومجموعة فوسفاتٍ مشحونةٍ ترتبط مع جزيئاتٍ عضويةٍ مشحونة أيضًا؛ مثل كولين (Choline)، إيثانولامين (Ethanolamine) أو الحامض الأميني سيرين (Serine).

يمكن أن تُستخدَم الشحوم كمصادرَ للطاقة. احتواء جُزيئات الشحوم الفوسفاتية على أجزاءٍ مشحونةٍ وأجزاءٍ غيرِ مشحونةٍ مكَّنها من أن تلعب دورًا عظيمًا في حياتية الخلايا الحية، من خلال تكوينها للأغشية الخلَوية.

وتدخُل السترولات مثل الكوليسترول في أغشية الخلايا الحيوانية والنباتية، والأركسترول في أغشية الخلايا الفطرية للتحكُّم في سيولة الأغشية. وتُمثِّل السترويدات مصادرَ لعددٍ من الهرمونات وفيتامين D. وللشمع أهميةٌ في حياتية بعض الحيوانات؛ كحشرات نحل العسل والنباتات؛ حيث تُشكِّل طبقةً تمنع فقدان الماء من الأوراق.
من الشائع أن وجود الأحماض الدهنية في المحلول المائي يؤدِّي بشكلٍ تلقائيٍّ إلى تكوُّن حوصلاتٍ ذاتِ أغشيةٍ ثنائية الطبقة. لكن ذلك في الواقع يعتمد بقوة على حموضة الوسط (pH) ودرجة الحرارة وطول سلسلة الحامض الدهني وتركيز الأيونات ووجود أو غياب الأيونات الثنائية التكافؤ (Milshteyn et al., 2018). في الشكل ٤-١٥ سلوك الأحماض الدهنية المزدوجة الميل للماء والدهون في المحلول المائي بدرجاتِ حموضةٍ مختلفة والتي يُمكِن أن تكون مذيلات، حوصلات مزدوجة الغِشاء أو قطيرات دهنية.

(م) البروتينات Proteins

البروتينات من الجُزيئات الضخمة الأكثر تعقيدًا وتنوُّعًا ووجودًا في الخلايا الحية حيث تُشكِّل ٥٠٪ من الوزن الجاف للخلية. التركيب الكيميائي للبروتينات يتضمَّن عناصر الكاربون والأوكسجين والهيدروجين والنتروجين وبعضُها يحتوي على الكبريت أو الفسفور، كما تحتوي بعض البروتينات على عناصرَ أخرى ملحقةٍ مثل الزنك والمنغنيز والنحاس والحديد. البروتينات يمكن أن تكون تركيبيةً تدخُل في تركيب الأغشية وجميع العُضيَّات الخلَوية، أو وظيفيةً كإنزيمات تمكِّن من التفاعُلات الكيميائية، أو هرمونات ومنظمات نمو أو عوامل حركة ونقل أو وقائية أو كسموم وغيرها. إن أغلب إن لم يكن جميع المواد في الخلية أو الكائن الحي هي بروتيناتٌ أو تحتوي على بروتينات أو تنتُج عن نشاط البروتينات. والكثير من الباحثين يُسمُّونها روبوتاتِ الخلية. تحتوي الخلايا على مئات آلاف الأنواع المختلفة من البروتينات.

جميع البروتينات هي بوليمرات لأحماضٍ أمينيةٍ تختلف في الحجم بين الصغيرة التي تتألَّف من عددٍ محدودٍ من الأحماض الأمينية إلى الكبيرة التي تتكوَّن من مئات الأحماض الأمينية. وتختلف أنواع البروتينات باختلاف أنواعِ وترتيب وعدد الأحماض الأمينية المكوِّنة.

إن سلسلةً تتألَّف من ٢٠٠ من الأحماض الأمينية العشرين فقط، تُوفِّر إمكانيةً لتكوين ١٠٢٦٠ نوعًا من البروتينات. إن هذا الرقم هائلٌ جدًّا؛ حيث إن عدد الذرات في الكون تُقدَّر ﺑ ١٠٨٠. ما بالك لو ازداد طول السلسلة؟! سنكون أمام رقم لا يمكن تصوُّره (Cockell, 2017; Lloyd, 2006). إن هذه الإمكانية الفائقة على التنوُّع الذي تتمتَّع به البروتينات هو العامل الأكثر فاعليةً في تنوُّع الأحياء.

(ن) الأحماض الأمينية Amino Acids

fig31
شكل ٤-١٦: تمثيل الصيغة التركيبية العامة للحامض الأميني.
fig32
شكل ٤-١٧: تركيب الأحماض الأمينية.
الأحماض الأمينية هي الوحدات المكوِّنة للبروتينات. تشترك الأحماض الأمينية المختلفة بذات التركيب الكيميائي الأساسي؛ فجُزيئة الحامض الأميني تتألَّف من ذرة كاربون مركزيةٍ سُمِّيَت بكاربون ألفا، ترتبط بذرة هيدروجين وبمجموعة أمين (-NH2) من جهة وبمجموعة كاربوكسيل (-COOH) من الجهة المقابلة. كما ترتبط ذرة الكاربون ألفا بمجموعةٍ جانبيةٍ تُسمَّى بالجذر (Radical) ويُرمز له (R). الجذر هو الجزء المتغير والذي تتميَّز على أساسه الأحماض الأمينية المختلفة. يمكن أن يكون الجذر ذرة هيدروجين أو مجموعةً كيميائيةً أخرى (شكل ٤-١٦). وهكذا فإن نوع الحامض الأميني ستُحدِّده طبيعة السلسلة الجانبية R.
عدد الأحماض الأمينية الشائعة في الطبيعة ٢٠، ومن النادر أن تستخدم بعض الأحياء حامضَين أمينيَّين آخرَين هما Selenocysteine وPyrrolysine. تختلف الأحماض الأمينية كما أسلفنا بنوعية السلسلة الجانبية في الجُزيئة؛ فهذه يمكن أن تكون ذرةَ هيدروجين كما في الحامض الأميني كلايسين، أو سلاسلَ أليفاتية أو عطرية، غير مستقطبة أو مستقطبة، موجبة أو سالبة الشحنة، وبعضُها يحتوي عنصر الكبريت، إضافةً لعناصر الكاربون، الهيدروجين، والنتروجين، والأوكسجين، التي تكوِّن الأحماض الأمينية الأخرى (شكل ٤-١٧).
تظهر الأحماض الأمنية آزوميرية مرآتية كما سبق ذكره مع السكَّريات اعتمادًا على موقع مجموعة اليمين إلى يمين ذرة الكابون ألفا (D) أو يسارها (L). جميع الأحماض الأمينية في المواد البيولوجية ينبغي أن تكون من الآيزومير L.

(س) البروتينات proteins

fig33
شكل ٤-١٨: تكوين الآصرة الببتيدية بين اثنَين من الأحماض الأمينية.
fig34
شكل ٤-١٩: مخطَّطات لأشكال البروتين.
fig35
شكل ٤-٢٠: هيئة البروتين. هذه الصورة لبروتين Butanediol dehydrogenase وهو إنزيم تفاعلات أكسدة-اختزال لبعض المركَّبات العضوية. مع ما يبدو عليه من تعقيد، فهو يتألف من أشكالٍ أوليةٍ من لوالب ألفا (الأضلاع الملتوية) وصفائح بيتا (سهام مسطَّحة) مرتبطة بأوتار من الأحماض الأمينية. ويتضح من التركيب كيف أن البروتينات تتركَّب من ترتيب الأحماض الأمينية. عن: (Cockell, 2017).
ترتبط الأحماض الأمينية فيما بينها بأواصرَ تساهميةٍ تُسمَّى بالأواصر الببتيدية (شكل ٤-١٨)؛ حيث تتفاعل مجموعة الأمين من حامضٍ أمينيٍّ مع مجموعة الكاربوكسيل من حامضٍ أمينيٍّ آخر مع تكوين جُزيئة ماء. المركَّب الناتج يُسمَّى ثنائي الببتيد (Dipeptide) إذا تكوَّن من ارتباط اثنَين من الأحماض الأمينية، وثلاثي الببتيد (Tripeptide) إذا تكوَّن من ثلاثة أحماضٍ أمينية، وهكذا. لكن عند تعدُّد الأحماض الأمينية المرتبطة مع بعضها فالمركَّب الناتج يُسمَّى عديد الببتيد (Polypeptide) أو بروتين، فالبروتين هو مركَّبٌ عديدُ الببتيد. كل عديد الببتيد يمتلك مجموعةَ أمين حرةً تُسمَّى الطرف الأميني (N terminus) ومجموعة كاربوكسيل حُرة من الجانب الآخر وتُسمَّى الطرف الكاربوكسيلي (C terminus).

لجُزيئة البروتين شكلٌ معيَّن، له أهميةٌ كبيرةٌ في عمل البروتين؛ تغيُّر أو تشوُّه شكل البروتين يخفض أو يثبِّط فاعليته تمامًا. ثمَّة أربعةُ أشكالٍ للبروتين وهي تتشكَّل تلقائيًّا:

الشكل الأوَّلي (Primary) حيث يكون بهيئة سلسلةٍ خطيةٍ من الأحماض الأمينية المترابطة.
الشكل الثانوي (Secondary) يكون بهيئة لولب (-Helix ) وصفيحة   (-sheet ). هذه الأشكال تحصُل بسبب نشوء أواصرَ هيدروجينيةٍ مُتكرِّرة على مسافاتٍ من السلسلة في الحالة الأولى وحصول أواصرَ هيدروجينيةٍ بين السلاسل المتجاورة في الحالة الثانية. كما يُمكِن أن تتشكَّل عناصرُ الشكل الثانوي بما يُعرف بالبرمات (Motifs) أو التركيب فوق الثانوي أو . أو مثل برميل حيث تنطوي الصفيحة على نفسها لتُشكِّل أنبوبًا. يلعب الشكل الثانوي دورًا تركيبيًّا مهمًّا.
الشكل الثالثي (Tertiary) وهو الشكل النهائي للبروتينات الكروية؛ حيث تتموضع البرمة والطيَّات للمجاميع غير المستقطبة إلى الداخل. يتم ذلك من خلال تآثُرات المجاميع الكارهة للماء مع الماء، وكذلك المجاميع الفعَّالة المختلفة والأواصر الهيدروجينية والأيونية وأواصر فاندرفال. ثمَّة طرقٌ عديدةٌ جدًّا لطيِّ أجزاء البروتين المختلفة، لتصل من الشكل الأقل استقرارًا طاقيًّا إلى الشكل الأكثر استقرارًا طاقيًّا. وحسَب العلماء ثمَّة ١٠١٤٠ طريقة بالمتوسِّط، وهي تعتمد على طول البروتين، وتتراوح بين ١٠٥٠ إلى ١٠٣٠٠ طريقة، وهي أرقامٌ هائلة.
العديد من البروتينات بحجم ١٠٠ إلى ٢٠٠ حامضٍ أمينيٍّ تنشأ عن تشفير إكسوناتٍ مستقلَّةٍ على mRNA. تقوم هذه البروتينات باتخاذ أشكالها بصورةٍ مستقلة، وتُسمَّى حقولًا (Domains). ثمَّة سلسلةٌ ببتيديةٌ تقوم بربط هذه الحقول لتُشكِّل البروتين. يمكن أن يكون لكل حقلٍ عملُه المستقل؛ ففي الإنزيم مثلًا يمكن أن يكون أحدُها يعمل على ربط العامل المساعد بينما آخرُ يقوم بربط المادة الأساس (شكل ٤-١٩ و٤-٢٠).
الشكل الرابعي (Quaternary) وينتُج عن اندماج بروتينَين ثلاثيَّين أو أكثر. منطقة الاتصال بين وحدات البروتين تكون غيرَ مستقطبة في الغالب، ولها أهميةٌ حيث تنقل معلوماتٍ عن نشاط الوحدات الأخرى.

تقسَّم البروتينات إلى مجموعاتٍ تشمل:

البروتينات البسيطة: وهي التي تُعطي عند تحلُّلها المائي أحماضًا أمينيةً فقط، وتُقسَّم إلى:
  • البروتينات الليفية (Fibrous proteins): وهي ذاتُ وزنٍ جُزيئيٍّ عالٍ، ولا تذوب في الماء أو المحاليل المائية، وتتألف من سلاسل لولبية ألفا، وتكون ذات وظائفَ تركيبيةٍ وثباتٍ كيميائيٍّ عالٍ. تشمل بروتينات الكولاجين وإيلاستين وكيراتين.
  • البروتينات الكُروية (Globular proteins): وهي ذاتُ شكلٍ ثالثي، وتذوب في المحاليل المائية، وتشمل الألبومينات والكلوبيولينات والهستونات.
  • البروتينات المركَّبة (Conjugated proteins): وهي التي تُعطي عند تحلُّلها المائي مركَّباتٍ أخرى، إضافة إلى الأحماض الأمينية. تشمل هذه المجموعة:
    • البروتينات النووية (Nucleoproteins): وتتألَّف من بروتيناتٍ قاعديةٍ وأحماضٍ نووية.
    • البروتينات السكَّرية (Glycoproteins): وتنتج عن ارتباط البروتينات مع السكَّريات.
    • البروتينات الدهنية (Lipoproteins): وتنتج عن ارتباط البروتينات مع الأحماض الدهنية.
    • البروتينات الملوَّنة (Chromoproteins): وتنتج عن ارتباط البروتين مع مركَّباتٍ صبغية، كما في ارتباط بروتين كلوبين مع الهيم لينتج هيموكلوبين.
    • البروتينات الفوسفاتية (Phosphoproteins): وتنتج كإسترات لتفاعُل البروتين مع حامض الفوسفوريك.

(ع) الأحماض النووية Nucleic Acids

الأحماض النووية هي أهم الجُزيئات الضخمة في الخلية، إلى جانب البروتينات والتي تُنظِّم عمل الخلية وديمومتها. ثمَّة نوعان من الأحماض النووية هما الحامض النووي الرايبوسي المنقوص الأوكسجين (Deoxyribonucleic acid) ويُكتَب اختصارًا DNA والحامض النووي الرايبوسي  (Ribonucleic acid) ويُكتَب اختصارًا RNA. تتألف الأحماض النووية من عناصر الكربون والأوكسجين والهيدروجين والنتروجين والفسفور. وهي بوليمرات لوحداتٍ تُسمَّى النكليوتيدات  (Nucleotides).
النكليوتيدة الواحدة تتألَّف من ثلاثة مكوِّنات هي: السكَّر الخماسي رايبوز (Ribose) في حالة اﻟ RNA أو السكَّر الخماسي رايبوز المنقوص الأوكسجين (Deoxyribose) في حالة اﻟ DNA، ومجموعة فوسفات وقاعدةٌ نووية (Nucleobase) (شكل ٤-٢١). ثمَّة أربعة أنواعٍ من القواعد النووية؛ اثنان منها من البيورينات (Purines) التي جُزيئتها تكون ثنائية الحلقة وهما: الأدنين (Adenine) والكوانين (Guanine)، واثنان من البريميدينات (Pyrimidines) وتتألَّف جُزيئتها من حلقةٍ واحدة. وهما السايتوسين (Cytosine) والثيامين (Thymine) في حالة اﻟ DNA واليوراسيل (Uracil) بدل الثيامين في حالة اﻟ RNA (شكل ٤-٢٢).
fig36
شكل ٤-٢١: تركيب النكليوتيدة في جُزيئات اﻟ DNA واﻟ RNA.
fig37
شكل ٤-٢٢: القواعد النووية في جُزيئات اﻟ DNA واﻟ RNA.
ترتبط مجموعة الفوسفات بمجموعة الهيدروكسيل لجُزيئة السكَّر بآصرةٍ فوسفاتيةٍ ثنائية الإستر في ذرة الكاربون ٥ من نكليوتيدة ومجموعة الهيدروكسيل لجُزيئة السكَّر في ذرة الكاربون ٣ في النكليوتيدة التالية. وترتبط جُزيئة إحدى القواعد النووية بآصرةٍ تساهميةٍ مع ذرة الكاربون رقم ١ من جُزيئة السكَّر.

(ف) DNA

تمثل اﻟ DNA المادة الوراثية لجميع أنواع الخلايا وأنواع من الفايروسات؛ حيث تحتوي على المعلومات اللازمة لبناء مكوِّنات الخلية وعملها، وهي قادرةٌ على حفظ هذه المعلومات ونقلها إلى الخلايا الجديدة باستمرار.
تُوجد اﻟ DNA أساسًا في النواة. كما تُوجد بكمياتٍ محدودةٍ في كلٍّ من الميتاكوندريا والبلاستيدات في الأحياءِ الحقيقيةِ النواة. في الأحياءِ البدائيةِ النواة مثل البكتيريا تُوجد اﻟ DNA في السايتوبلازم.
اﻟ DNA جُزيئةٌ طويلةٌ جدًّا مقارنة بأبعاد الخلايا؛ فطول جُزيئة DNA معزولة من أحد الكروموسومات في خليةٍ بشريةٍ وممدودة يساوي ٣سم أو ٣٠٠٠٠مكم، علمًا أن قطر الخلية البشرية النموذجية يُساوي ١٠مكم. وطول جُزيئة DNA من خلية البكتيريا يساوي ١ملم أو ١٠٠٠مكم، علمًا أن طول الخلية البكتيرية لا يتجاوز ٢مكم. هذا يعني أن طول جُزيئة DNA البشرية يزيد عن طول الخلية الموجودة فيها ﺑ ٣٠٠٠ مرة، وطول DNA البكتيريا يزيد عن طول الخلية الموجودة فيها ﺑ ٥٠٠ مرة. هذه الحالة تتطلب بالضرورة أن تضغط جُزيئة اﻟ DNA عن طريق البرم والبرم المضاعف، لتقصر بحدود ١٠٠٠٠ مرة، لتكون بطول الكروموسوم في الخلايا الحقيقيةِ النواة أو أقصر من طول خلية البكتيريا. ومع أن جُزيئة DNA طويلةٌ جدًّا، إلا أن سُمكها (أو قطرها) صغيرٌ جدًّا؛ فهو يساوي ٢ن م فقط (Calladine et al., 2004).
امتدادات أو مناطق من جُزيئة اﻟ DNA تمثِّل الجينات التي تكونُ مسئولةً عن تشفير البروتينات أو جُزيئات RNA. تتحكَّم اﻟ DNA في فعاليات الخلية من خلال تشغيل أو إيقاف عمل الجينات. تُوجد اﻟ DNA بشكل شريطٍ لولبيٍّ مزدوج (Double helix). كل شريط يتكوَّن من سلسلة نكليوتيدات تكون فيها مجاميع الفوسفات وجُزيئات السكَّر المرتبطة بها إلى الخارج والقواعد النووية المرتبطة بجُزيئات السكَّر والمضغوطة على بعضها بفواصل قدرها ٠٫٣٤ نانومتر إلى الداخل. الشريطان متوازيان ومُتعاكِسَا الاتجاه حيث تُقابِل ذرة الكاربون ٥ من شريط ذرة الكاربون ٣ من الشريط المُقابِل. وترتبط قاعدةٌ نوويةٌ بيورينية من شريط مع قاعدةٍ بريميدينيةٍ متممةٍ من الشريط الآخر بواسطة أواصرَ هيدروجينية. هذا يُحافِظ على انتظامِ سُمكِ الشريط اللولبي المزدوج. في جُزيئة اﻟ DNA القاعدة النووية البيورينية أدنين والقاعدة النووية البريميدينية ثيامين قاعدتان مُتتامَّتان ترتبطان بزوجٍ من الأواصر الهيدروجينية، والقاعدة النووية البيورينية كوانين والقاعدة النووية البريميدينية سايتوسين قاعدتان مُتتامَّتان ترتبطان بثلاثِ أواصرَ هيدروجينية (شكل ٤-٢٣). الواضح أن تركيب النكليوتيدات وارتباطاتها مع النكليوتيدات الأخرى ضمن الشريط الواحد بأواصرَ قويةٍ يصعُب كسرها، أما ارتباط الشريطَين المزدوجَين فيكون أقل قوة، ما يُمكِّن من فك الشريطَين وإعادة ارتباطهما بسهولةٍ أكبر، وهو ضروري لتضاعُف ونسخ جُزيئة اﻟ DNA.
الجدير بالملاحظة أن وحدات السكَّر ومجاميع الفوسفات لا تتغيَّر في جميع النكليوتيدات التي تشكِّل شريطَي اﻟ DNA لذلك فهي لا تحمل معلوماتٍ (Information) مهمة؛ فالمعلومة تنتُج عن وجود اختلافٍ أو تقابُل مثل ٠ و١ أو + و− أو أدنين وثيامين … إلخ. إن دَور هذه الوحدات هو تكوينُ هيكلٍ محوريٍّ يحمل ويثبِّت القواعد النووية ويمكِّن من الأشكال الفراغية المتغيِّرة لجُزيئة اﻟ DNA (شكل ٤-٢٤). أما القواعد النووية كونها مختلفة فإن كل قاعدتَين في السلسلة تُشكِّل بِت معلومات (A C C G T A T T) ولوجود أعدادٍ كبيرةٍ جدًّا منها وتَغيُّر أنماط قراءتها فإنها توفِّر المعلومات الوراثية وتحفظها.
fig38
شكل ٤-٢٣: توضيح ترتيب واتجاه شريطَي اﻟ DNA.
fig39
شكل ٤-٢٤: توضيح التركيب اللولبي المزدوج لشريطَي اﻟ DNA.
fig40
شكل ٤-٢٥: الأخدود الكبير والأخدود الصغير في جزيئة اﻟ DNA.
يتضح من الشكلَين ٤-٢٣ و٤-٢٤ أن جُزيئات الفوسفات خارجيةُ الموقع، وهي مشحونة؛ وبالتالي يمكن أن ترتبط مع جزيئات الماء المحيط بأواصرَ هيدروجينية، بينما لا يحصُل ذلك مع القواعد النووية الداخلية المواقع. بسبب أن الآصرتَين اللتَين تربطان القاعدتَين النتروجينيَّتَين مع جُزيئتَي السكَّر ليستا متقابلتَين تمامًا، فإن هيكل الجُزيئة السكَّري الفوسفاتي لا يتباعد بالتساوي. هذا يؤدِّي إلى نشوء ما يُعرف بالأُخدود الكبير (Major groove) والأُخدود الصغير (Minor groove) في التركيب الفراغي لجُزيئة اﻟ DNA (شكل ٤-٢٥). هذا يمكِّن جُزيئات البروتين من الارتباط بجُزيئة اﻟ DNA من خلال الأُخدود الكبير. ينتُج عن ذلك نشوءُ أواصرَ هيدروجينيةٍ بين ذرَّات الأحماض الأمينية الجانبية لهذه البروتينات مع أزواج القواعد النتروجينية بطريقةٍ تختلف من زوجٍ لآخر؛ وبالتالي ستتعرَّف البروتينات المرتبطة على تتابُع القواعد النتروجينية.
طول جُزيئة اﻟ DNA الخلَوية يمكن أن يصل إلى بضع مئات ملايين النكليوتيدات. ويُستخدَم عدد أزواجِ النكليوتيدات (زق أو bp) كمقياسٍ لطول اﻟ DNA المزدوجة، وعادةً يستخدم الألف زوج قاعدة (ك زق أو kbp أو kp) كوحدة لطول. أو مجازًا لحجم جُزيئة اﻟ DNA.

(ص) RNA

تُوجد جُزيئات اﻟ RNA في الغالب كشريطٍ مفرد، إلا أنه يمكن أن ينطوي على نفسه في مناطقَ معيَّنة ويكون شريطًا مزدوجًا من خلال الأواصر الهيدروجينية بين القواعد النووية المتتامَّة. يتراوح طول جُزيئة RNA بين أقل من ١٠٠ إلى عدة آلاف من النكليوتيدات. في الأحياء الحقيقيةِ النواة تتكوَّن جزيئات RNA في النواة وتنتقل إلى السايتوبلازم حيث تلعب أدوارًا أساسيةً في عملية تخليق البروتينات. ثمَّة أربعةُ أنواعٍ أساسية من جُزيئات RNA هي: RNA الرسول (Messenger RNA اختصارًا mRNA) وRNA الناقل (Transfer RNA اختصارًا tRNA) وRNA الرايبوسومي (Ribosomal RNA اختصارًا rRNA) وRNA الصغير (microRNA).
تتكوَّن جُزيئات RNA في النواة بواسطة الإنزيم RNA polymerase بنسخ امتداداتٍ من شريطٍ مُفرَدٍ لجُزيئة اﻟ DNA التي تعمل كقالب وتُنتِج جُزيئات RNA كشريطٍ مُفردٍ متمم. أغلب أنواع RNA تكون من نوع rRNA.
تتكوَّن جُزيئات mRNA وtRNA الأولية في حقيقياتِ النواة، وتحصُل لها عمليةُ معالجةٍ حيث يتم تقطيع واستبعاد التتابُعات غير المشفَّرة (Introns) وتضفير أو ربط التتابُعات المشفَّرة، (Exons) ثم تحصُل لها عمليةُ تقبيعٍ في النهاية ٥ وتذييل بعديد الأدينيلات في النهاية ٣ وتُصبح جُزيئة RNA ناضجةً، ثم تُغادر النواة إلى السايتوبلازم (شكل ٤-٢٦).
fig41
شكل ٤-٢٦: عمليةُ معالجةِ RNA الأولى.
يحتوي RNA الرسول على سلسلة القواعد النووية المتمِّمة للقواعد النووية في اﻟ DNA واللازمة لتكوين البروتين. تتركَّب قطعتا الرايبوسوم على شريط RNA الرسول وتقرأ القواعد النووية المتتابعة عليه كشفرات (Codones)؛ حيث تتمثَّل الشفرة بثلاثِ قواعدَ نوويةٍ متتابعة من قِبَل طرف RNA الناقل الذي يلج الرايبوسوم المعروفة بالشفرة المضادة (Anticodon). يجب أن تكون القواعد النووية الثلاثة التي تتألَّف منها الشفرة المضادة ﻟ RNA الناقل متممة للشفرة على RNA الرسول.
تحمل كل جُزيئة RNA الناقل في طرفها الحر أحد الأحماض الأمينية حسب شفراتٍ محدَّدةٍ لكل حامضٍ أمينيٍّ وفي موقعٍ محدَّدٍ على الرايبوسوم. ترتبط الأحماض الأمينية المتجاورة في حركتها المتتالية على الرايبوسوم بواسطة إنزيم لتكوِّن عديد الببتيد أو البروتين الذي ينفصل عن الرايبوسوم بعد الوصول إلى شفرة النهاية على mRNA.
RNA الرايبوسومي يشترك مع بعض البروتينات في تكوين الرايبوسوم.

(٤) الخلية The Cell

الخلية هي الوحدة الأساسية للحياة، وجميع الكائنات الحية تتألف من خليةٍ واحدةٍ أو أكثر، وإن الخلايا الجديدة تنشأ من خلايا موجودةٍ قبلها. ومع اختلاف الخلايا من حيث المظهر الخارجي، وتفاصيل التراكيب الداخلية، إلا أنها جميعًا تشترك في كونها منظوماتٍ عضويةً معزولة عن البيئة بحواجز تسمح لها بتبادُل المواد والطاقة والمعلومات مع البيئة، وبذلك فهي منظوماتٌ معقَّدةٌ مفتوحة.

الخلايا عمومًا منظوماتٌ صغيرةٌ مِجهَرية يتراوح عَرضُها بين ١ إلى ١٠٠مك (ميكرومتر) تحتوي على تراكيبَ أصغرَ تُقاس أبعادها بالنانومترات في وسطٍ مائيٍّ مكتظٍّ بالجُزيئات المختلفة. صِغَر الخلية ومكوِّناتها يُكسِبها مساحاتٍ سطحيةً هائلة مقارنةً بالحجوم، ويُظهِر الفعاليات غير العادية للمكوِّنات النانوية الأبعاد، إضافةً إلى خواص الماء المتنوِّعة، وتآثُر هذه العوامل كلها بالإضافة إلى الظواهر الكمومية (التي سنناقشها لاحقًا) يؤدي إلى انبثاق (Emergence) فعالياتٍ وخواصَّ فريدةٍ لا تتمكَّن المنظومات غير الحية من إظهارها. تتمثَّل هذه الخواص بالتحسُّس  (Sensitivity) والنمو (Growth) والتكاثر (Reproduction) وحفظ النوع (Survival).
تُميَّز الخلايا إلى مجموعتَين هما: الخلايا البدائية النواة (Prokaryotic cells) والتي تفتقد الخلية فيها للنواة وللعُضيَّات الخلَوية الأخرى. الأحياء البدائية النواة تضُم البكتيريا  (Bacteria) والأركيا (Archaea). والخلايا الحقيقية النواة (Eukaryotic cells) حيث تمتلك الخلية فيها النواة والعُضيَّات الخلَوية الأخرى. الأحياء الحقيقية النواة تشملالأوَّليَّات  (Protista) والفطريات (Fungi) والنباتات (Plants) والحيوانات (Animals). على الرغم من أن التمييز أو التقسيم أعلاه يُشير إلى أن الخلايا الحقيقية النواة هي أكثرُ تعقيدًا وتطوُّرًا مقارنةً بالخلايا البدائية النواة، إلا أنها جميعًا عالية التعقيد والتنظيم الخاص للجُزيئات والتراكيبِ المكوِّنة لها. وعلى الرغم من التنوُّع الهائل في مظهر وحجم ومحتويات وفعاليات الخلايا إلا أنها تشترك في العديد من الخواص التركيبية والوظيفية الأساسية، وأنها تطوَّرَت عن خليةٍ أوليةٍ (Protocell) بدائية. الكائن الحي يمكن أن يتألَّف من خليةٍ واحدة، مجموعة خلايا متجمِّعة، أو عدد هائل من الخلايا المتنوِّعة قد يصل إلى ١٠ ترليون خلية كما في الإنسان.

(٤-١) الخلية البدائية النواة Prokaryotic Cell

fig42
شكل ٤-٢٧: رسمٌ تخطيطيٌّ مع مقياس رسمٍ لخليةٍ بكتيرية. مُحوَّر عن: Milo & Fillips (2015).
الخلية البدائية النواة تمثِّل الوحدة التركيبية، أو جسم البكتيريا الحقيقية (Eubacteria) والبكتيريا الخضراء المزرقة (Cyanobacteria) والأركيا (Archaea). هذه الخلايا هي الأصغر بين خلايا الكائنات الحية بأبعاد ١–٢مك، وتكون مفردةً في الغالب أو مزدوجةً أو في تجمُّعاتٍ قليلةٍ كما في البكتيريا الحقيقية، أو بشكل سلاسلَ كما في البكتيريا الخضراء المزرقة، وهي على العموم محدودة التنوُّع التركيبي والوظيفي مقارنةً بالأحياء الحقيقية النواة. مع ذلك توجد آلاف الأنواع من هذه المجاميع من الأحياء. أنواعٌ قليلةٌ من البكتيريا الحقيقية تكون ذاتية التغذية؛ حيث تتمكَّن من الحصول على الطاقة عن طريق أكسدةِ موادَّ مختزلة. أنواعٌ أخرى منها وكل أنواع البكتيريا الخضراء المزرقة، وبعض أنواع الأركيا تتمكَّن من استغلال طاقة ضوء الشمس عَبْر التركيب الضوئي. أما غالبية أنواع البكتيريا والأركيا الأخرى، فتحصُل على الطاقة من خلال أكسدة المركَّبات العُضوية الميتة أو من أنسجة الكائنات الحية.
تعيش البكتيريا في جميع البيئات على الأرض، بما فيها المياه والتربة والهواء، وهي أكثر أنواع الأحياء انتشارًا؛ حيث يمكن أن تُوجد على عمقٍ يصل إلى ٧ أميال في مياه المحيط وعلى ارتفاع يصل إلى ٤٠ ميلًا في الغلاف الجوي. ويُقدَّر عدد خلايا البكتيريا على الأرض ﺑ ٥ × ١٠٣٠ بوزن يبلُغ مليار طن، كما يُقدَّر مخزون الكاربون في البكتيريا بقَدْر المخزون منه في النباتات (Lodish et al., 2003).
الأركيا تعيش في البيئات المتطرِّفة كالمناطق الشديدة الملوحة، والتي يصل تركيز الأملاح فيها إلى ٤٠٪، أو الشديدة الحموضة؛ حيث يمكن أن تصل اﻟ pH إلى ٢ أو انعدام الأوكسجين. تتمكَّن الأركيا من تكوين غاز الميثان من ثاني أوكسيد الكاربون والماء.
شكل الخلية البكتيرية يكون في الغالب عَصَويًّا (Bacillus) أو كُرويًّا (Coccus) ويمكن أن يكون مُكعَّبًا أو لولبيًّا.
تتألف الخلية البكتيرية من جدارٍ قوي، يتكوَّن من الببتيدوكلايكان (Peptidoglycan) وهي موادُّ سكَّرية مع وحداتٍ بروتينية. تبرُز من الجدار الكثير من التراكيب الخيطية القصيرة التي تُسمَّى الأهداب، (Cilia) والتي تساعد على التشبُّث بالأرضية، ويمكن أن يكون لها دَورٌ في عملية التزاوُج. وفي البكتيريا المتحرِّكة يمكنُ أن يُوجد سوطٌ (Flagellum) واحدٌ أو أكثر يمكِّن من الحركة الانتقالية (شكل ٤-٢٧). بعض أنواع البكتيريا خاصة الممرضة منها تكوِّن مَحفظةً (Capsule) تُحيط بالجدار من الخارج وتتألَّف من موادَّ سكريةٍ معقدةٍ توفِّر الحماية للخلية.

يحتضن جدار الخلية السايتوبلازم وهو محلولٌ غرويٌّ كثيف يُحاط من الخارج بغشاء الخلية كما هو الحال في الأحياء الحقيقية النواة. كما يُشابِه غشاءُ الخلية في تركيبه الأساس نظيره في الأحياء الحقيقية النواة؛ كونَه يتألَّف من طبقتَين من الشحوم وتتوزَّع فيه بعض البروتينات. غشاء الخلية البكتيرية يفتقد السترولات مثل الكوليسترول التي تكون موجودةً في حقيقيات النواة. كما تُوجد على غشاء الخلية البكتيرية العديد من الإنزيمات والتي تكون موجودة في الغالب في العُضيَّات الخلَوية في الأحياء الحقيقية النواة. وينظِّم غشاءُ الخلية دخول وخروج الجُزيئات المختلفة بطريقةٍ انتخابيةٍ مثلما هو الحال في الأحياء الحقيقية النواة.

يحتوي السايتوبلازم على آلاف الرايبوسومات، وهي التراكيب المسئولة عن تخليق البروتينات مثلما في حقيقيات النواة، إلا أنه يكون من نوع 70S بينما يكون 80S في الأحياء الحقيقية النواة.
جُزيئة اﻟ DNA في البكتيريا تكون مزدوجة الشريط أيضًا، وهي طويلةٌ تفوق طول الخلية بأضعاف المرات؛ لذا فهي تنطوي وتنضغط كما أنها تكون مغلقة وتتصل في نقطة على غشاء الخلية؛ ففي البكتيريا المعروفة Escherichia coli التي يبلغ طولها ٣-٤مك يصل طول جُزيئة اﻟ DNA إلى ١٤٠٠مك (Hogg, 2005). يتراوح حجم الجينوم البكتيري من ١٣٠ك ز ق إلى ١٤ مليون زق (McCutcheon et al., 2011; McCutcheon et al., 2014) ويتراوح عدد الجينات في البكتيريا الحرة المعيشة بين ١٥٠٠ إلى ٧٥٠٠ جين وفي الأركيا بين ١٥٠٠ إلى ٢٧٠٠ جين (Gregory, 2005).

(٤-٢) الخلية الحقيقية النواة Eukaryotic Cell

fig43
شكل ٤-٢٨: رسمٌ تخطيطيٌّ مع مقياسِ رسمٍ لخلية الخميرة. مُحوَّر عن: Milo & Fillips (2015).
الخلية الحقيقية النواة هي الوحدة البنائية لمجموعة الأحياء الحقيقية النواة. تمتاز هذه الخلية باحتوائها على منظوماتٍ صغرى، كلٌّ منها مُحاطٌ في الغالب بغشاءٍ مزدوجٍ وتؤدي وظيفة أو مجموعة وظائفَ محدَّدة وتُعرف بعُضَيات الخلية (Cell organelles). كما تضُم الخلية الحقيقية النواة هيكلًا خلَويًّا. يُعتقَد أن نشوء الخلية الحقيقية النواة حصل نتيجة الاندماج والتعايُش بين خلايا بدائية النواة عَبْر مسارٍ تطوري، إحداها أصبح الخلية والباقي فقد الكثير من مكوِّناته وتخصَّص في أداء وظيفة أو بعض الوظائف المترابطة فتحوَّل إلى عُضيَّات. إن حجم الخلية الحقيقية النواة أكبر من الخلية البدائية النواة بحوالي ١٠٠٠٠ مرة. والمادة النووية التي تكون في النواة منظَّمة في كروموسومات عددها ٢ في الأقل إلى عشرات الكروموسومات. معظم الخلايا الحقيقية النواة مِجهَرية قطرها حوالي ١٠مكم، لكنْ أنواعٌ قليلةٌ منها تكون كبيرةً مثل بيوض الطيور والزواحف. وعلى الرغم من وجود تشابهٍ كبيرٍ جوهري بين خلايا الأحياء الحقيقية النواة (الأشكال ٤-٢٨٤-٣٠)، إلا أنها يمكن أن تتخذ أشكالًا وتراكيبَ مميَّزة وتؤدي وظائفَ عامةً أو متخصِّصة.
fig44
شكل ٤-٢٩: رسمٌ تخطيطيٌّ لتركيب الخلية النباتية.
fig45
شكل ٤-٣٠: رسمٌ تخطيطيٌّ مع مقياسِ رسمٍ لتركيب الخلية الحيوانية. مُحوَّر عن: Milo & Fillips (2015).

(أ) جدار الخلية Cell Wall

يُوجد جدار الخلية في جميع أنواع الخلايا عدا الخلايا الحيوانية والحيوانات الابتدائية  (Protozoa) والخلايا المتحرِّكة في الأحياء الأخرى. وهو تركيبٌ سميكٌ يتألَّف بالأساس من الكاربوهيدرات المعقَّدة مع بعض المشتقَّات النتروجينية والبروتينات. مع ذلك يختلف التركيب الكيميائي لجدار الخلية، ويكون مميَّزًا في مجاميع الأحياء المختلفة؛ ففي النباتات يتألَّف بشكلٍ رئيسي من السليلوز والبكتين واللكنين وفي الفطريات من الكلوكونات والمانانات والكايتين وفي الطحالب من السليلوز والمانان والزايلان والأكار وغيره. يسمح جدار الخلية بعبور جميع أنواع الجُزيئات إلا أنه يُمكِن أن يُعيق عُبور الكتل الجُزيئية الكبيرة. الوظيفة الرئيسة للجدار هي حمايةُ محتوياتِ الخلية، وتحديدُ شكلِ الخلية، ويشترك في تنظيم الأزموزية والعلاقات المائية.

(ب) السايتوبلازم Cytoplasm

يتمثَّل السايتوبلازم بمحلولٍ مائيٍّ غَروي كثيف، يُعرف بالسائل الخلَوي (Cytosol) يحتوي على الكثير من الأيونات والجُزيئات اللاعضوية والعضوية والعديد من عُضيَّات الخلية، ويُحاط السايتوبلازم بغشاء الخلية.

(ﺟ) غشاء الخلية Cell Membrane

fig46
شكل ٤-٣١: رسمٌ تخطيطيٌّ لغشاء الخلية.
غشاء الخلية هو التركيب الذي يُحيط بمحتويات الخلية، وهو الفاصل والواصل بينها والبيئة الخارجية بما فيها الخلايا المجاورة. بدون غشاءِ خليةٍ لا تُوجد خلية؛ أي لا تُوجد حياة. يتألَّف غشاء الخلية من طبقتَين من الشحوم الفوسفاتية بسُمكِ جُزيئتَين (٥ن م). جزيئة الشحوم الفوسفاتية تتألف من رأسٍ مستقطبٍ محبٍّ للماء وذيلٍ غيرِ مستقطبٍ كارهٍ للماء. وحيث إن الخلية وغشائها في تماسٍّ مع الماء، ستترتَّب جُزيئاتُ الشحوم الفوسفاتية حيث رءوس الجُزيئات في الطبقة الخارجية والطبقة الداخلية المواجهة للماء وذيول الجُزيئات تتجه إلى داخل الغشاء. إضافةً إلى الشحوم الفوسفاتية يحتوي غشاء الخلية في الحيوانات والنباتات على جُزيئات الكوليسترول وفي الفطريات جُزيئات الأركسترول للتحكُّم في مستوى سيولة الغشاء. تتخلَّل طبقتَي الشحوم عددٌ من البروتينات، التي تعمل كقنواتٍ أيونية، وبروتينات ناقلة متخصصة في نقل الجزيئات المختلفة، إضافةً إلى بعض الشحوم السكَّرية التي تتمكَّن من التعرُّف على النسيج والبروتينات السكَّرية التي تتمكَّن من التعرُّف على الذات. بروتينات الغشاء المختلفة تقوم بوظائفَ متعدِّدة؛ منها النقل، النشاط الإنزيمي، المستقبلات لموادَّ مختلفة، الموسمات المحدِّدة لهُوية الخلية، البروتينات اللاصقة لربط الخلايا المتجاورة والبروتينات الرابطة للغشاء مع خويطات الهيكل الخلَوي (شكل ٤-٣١).
تمُر الجُزيئات غير المستقطبة مثل O2 وCO2 من خلال طبقتَي الشحوم، بينما تمُر الجُزيئات المستقطبة مثل الأحماض الأمينية والسكَّريات وغيرها بمساعدة بروتينات الغشاء، وتمُر جزيئاتُ الماء من خلال قنواتٍ خاصة (Aquaporine)، وتعبر الأيونات مثل H+ وNa+ وK+ وCa+ من خلال القنوات الأيونية المتخصصة. وبسبب التوزُّع غير المتجانس للأيونات على السطح الخارجي والسطح الداخلي للغشاء بفعل عمل بعض القنوات الأيونية يعمل غشاء الخلية كبطارية تُجهِّز جُزيئات ATP الغنية بالطاقة.

(د) الهيكل الخلَوي Cytoskeleton

fig47
شكل ٤-٣٢: رسمٌ تخطيطيٌّ لمكوِّنات الهيكل الخلَوي.
fig48
شكل ٤-٣٣: صورة بالمِجهَر الإلكتروني لجزء من السايتوبلازم (يمين) مع رسمٍ تخطيطيٍّ للشبكة البلازمية الداخلية (يسار).
يحتوي السايتوبلازم على شبكة من البروتينات الليفية توفِّر هيكل الخلية، وتُموضِع عُضيَّات الخلية فيه، وتُمكِّن من التغيير السريع لشكل الخلية، كما تُوفِّر مسالك لنقل الجُزيئات داخل الخلية. تتشكَّل هذه البروتينات كبوليمرات من ارتباط وحداتٍ متماثلة تلقائيًّا، ويمكن أن تتحلَّل إلى وحداتُها المكوِّنة حسب حاجة الخلية. ثمَّة ثلاثة أنواعٍ من هذه الخيوط الهيكلية:
  • خيوط الأكتين (Actin): وتكون بشكل لُييفاتٍ طويلةٍ قطرها ٧ن م، وكل لُييف هو سلسلة من البروتين الكروي الأكتين. يتشكَّل الخيط الأكتيني من التفاف لُييفَين اثنَين حول بعضهما. تعمل خيوط الأكتين في الحركة كالتقلُّص والتمدُّد.
  • الأُنيبيبات الدقيقة (Micrtubules): وهي أنابيبُ مجوَّفة قطرها الخارجي ٢٥ن م وقطرها الداخلي ١٥ن م، تتشكَّل من ارتباط حلقاتٍ كلٌّ منها يتألف من ١٣ وحدة، وكلٌّ من هذه الوحدات تتألَّف من جُزيئتَي بروتين كروي هي تيبيولين ألفا وتيبيولين بيتا. تمتد هذه الأُنيبيبات من مركز الخلية وتتحلَّل خلال دقائق أو ثوان؛ اعتمادًا على نشاط الخلية. تُساعد هذه التراكيب في الحركة والنقل ونقل العُضيَّات بتأثير بروتينات كاينسين (Kinesin) وداينين (Dynein).
  • الخيوط المتوسطة (Intermediate Filaments): وهي المكوِّن الأكثر بقاءً من مكوِّنات الهيكل الخلَوي وتتألَّف من بروتيناتٍ مختلفة بشكل خيوطٍ قطرها ٨–١٠ن م (شكل ٤-٣٣).

(ﻫ) الشبكة البلازمية الداخلية Endoplasmic Reticulum

وهي منظومةٌ من الأغشية تتألَّف من طبقتَين من الشحوم الفوسفاتية ومتضمِّنة بروتينات تشغل حيزًا واسعًا من السايتوبلازم، وتمتزج سطوحها مع عصارة الخلية. تنطوي هذه الأغشية فتقسم السايتوبلازم إلى رَدَهات، وبين طيَّات الأغشية تتكوَّن قنواتٌ عديدة (شكل ٤-٣٣). تُوفِّر هذه الأغشية وما تُشكِّله من مستودعاتٍ وقنواتٍ مجالاتٍ لحركة الجُزيئات وانتقالها في الخلية، كما تُوفِّر السطوح الملائمة لحصول التفاعُلات الكيميائية وتكوين ونقل مركَّباتٍ مهمة؛ مثل البروتينات والشحوم والسكريات. يتركَّز توزُّع الرايبوسومات على العديد من هذه الأغشية، وفي هذه الحالة تُسمَّى بالشبكة البلازمية الداخلية الخشنة لمظهرها الحُبيبي؛ حيث تتكوَّن البروتينات على سطوحها ثم تنتقل إلى تجاويفِ الشبكة؛ حيث تنتقل إلى أجسام كولجي لمعالجتها. النوع الآخر من الشبكة البلازمية يقل فيه وجود الرايبوسومات، فتُعرَف بالشكبة اللازمية الداخلية الملساء، وتكون موضعًا لتكوين الشحوم والسكَّريات.

(و) جهاز كولجي Golgi Apparatus

يتألَّف جهاز كولجي في معظم خلايا الأحياء الحقيقية النواة من أغشيةٍ تُشكِّل مجموعة أكياسٍ منضَّدة، وحويصلاتٍ على حواف أو قرب الأكياس (شكل ٤-٣٤). غير أن عدد هذه التراكيب يختلف بين مجاميع الأحياء فقد يكون واحدًا كما في الأوَّليَّات و٢٠ في الإنسان وعدة مئاتٍ في النبات. كما يختلف ترتيبُها فقد تكون مبعثرةً كما في الكثير من الفطريات. الوظيفة الرئيسة لجهاز كولجي هي معالجة وتعبئة وتوزيع البروتينات والدهون في الخلية. السطح القريب للأكياس من الشبكة البلازمية يُسمَّى cis حيث تُصدَّر إليه البروتينات من الشبكة البلازمية الخشنة والدهون من الشبكة البلازمية الملساء؛ حيث تُعالَج وتخرج مُعبأةً في حويصلاتٍ من السطح الخارجي البعيد عن الشبكة البلازمية، بعد إكمال معالجتها؛ حيث تُرسَل إلى مواقع استخدامها. المعالجة بمساعدة إنزيمات داخل الأكياس تتم بشكلٍ رئيسٍ عن طريق تكوين بروتيناتٍ سكَّرية وشحومٍ سكَّرية.
fig49
شكل ٤-٣٤: صورةٌ بالمِجهَر الإلكتروني لجهاز كولجي من خلية كلاميدوموناس يُظهِر الأكياس المنضَّدة مع الحُويصلات. عن: Biophoto Associates/science Photo Library.

(ز) اليحلول أو الجُسَيمات الحالَّة  Lysosomes

fig50
شكل ٤-٣٥: رسمٌ تخطيطيٌّ لتكوين وعمل الجُسَيمات الحالَّة.
اليحلولات أو الجُسيمات الحالَّة هي عُضيَّاتٌ خلَوية بهيئة حويصلاتٍ محاطة بغشاء، وتحوي إنزيماتٍ مُحلِّلَة لهضم البوليمرات المختلفة؛ كالسكَّريات المعقدة والشحوم والبروتينات والأحماض النووية. تمثِّل هذه العضيَّات الجهاز الهضمي للخلية حيث تُحلِّل دقائقَ المواد الغذائية والجراثيم كجُسيمات الفايروسات والخلايا البكتيرية وغيرها المبتلَعة من الخارج، وكذلك العُضيَّات الخلَوية القديمة أو المُتضرِّرة، فتنقل نواتجها البسيطة إلى السايتوبلازم وتستبعد المُتبقِّيات منها إلى خارج الخلية (شكل ٤-٣٥). تكثُر هذه العُضيَّات في الخلايا الحيوانية. مصدر اليحلول هو جهاز كولجي، وفي شكلها الأوَّلي تبدو كفجواتٍ كُرويةٍ كثيفة محاطة بغشاء مُفرَد. لكن حجمها وشكلها يتغيَّر مع احتوائها على الموادِّ التي تعمل على تحليلها. تحتوي اليحلولات على ٥٠ من إنزيمات التحلُّل المائي، وهذه تعمل في pH حوالي ٥. تخفيض حموضة اليحلول يرجعُ إلى عمل مضخَّة الهيدروجين في الغِشاء التي تُدخل أيونات الهيدروجين من السايتوبلازم. وجود هذه العُضيَّات يحفظ تراكيب الخلية من تأثير الإنزيمات المحلِّلة. حدوث طفراتٍ تؤدي إلى تعطيلِ عملِ إنزيمٍ أو أكثر من إنزيمات الجُسَيمات المُحلِّلة يُسبِّب أمراضًا عديدة في الإنسان (Pryor, 2012; Cooper, 2000).

(ﺣ) الأجسام الدقيقة Microbodies

هي مجموعةٌ من الحُويصلات المختلفة الحاوية على إنزيمات في خلايا مختلف المجاميع الأحيائية. هذا يُمكِّن الخلية من حصول تفاعُلاتٍ مختلفةٍ في السايتوبلازم. بعض الأجسام الدقيقة تُسمَّى كلايوكسيزوم (Glyoxysome) تحتوي على إنزيماتٍ تُحوِّل الشحوم إلى سكَّريات. وأخرى تُسمَّى بيروكسيزوم  (Peroxysome) تحتوي على إنزيماتٍ مؤكسدةٍ ينتج عنها المركَّب الشديد الأكسدة بيروكسيد الهيدروجين. غير أن امتلاك البروكسيزومات لإنزيم كاتاليز (Catalase) يمكِّن من تحليل بيروكسيد الهيدروجين إلى غاز ثاني أوكسيد الكاربون والماء.

(ط) الرايبوسومات Ribosomes

الرايبوسومات (شكل ٤-٣٦) هي المكائن النانوية لتكوين البروتين. تُوجد الرايبوسومات في جميع الأحياء بضمنها البدائية النواة، كما تُوجد في عُضيَّات الخلية كالميتاكوندريا والبلاستيدات. تتألَّف الرايبوسومات من عددٍ من أنواع RNA الرايبوسومي (rRNA) تُشكِّل ثُلثَي كتلة الرايبوسوم مع حوالي ٨٠ نوعًا من البروتين الرايبوسومي. في البكتيريا وكذلك العُضيَّات الخلَوية المذكورة يكون الرايبوسوم صغيرًا من نوع 70S بقطر ٢٠ن م وبكتلة ٢٧٠٠ كيلو دالتون مقارنةً برايبوسوم الأحياء الحقيقية النواة الذي يكون أكبر من نوع 80S بقطر ٢٥–٣٠ن م وبكتلة ٤٢٠٠ كيلو دالتون.
fig51
شكل ٤-٣٦: منظوران لرايبوسوم بكتيري. الوحدة الكبيرة باللون الأحمر والوحدة الصغيرة باللون الأزرق. طول خط القياس ٢٠ن م. عن Vossman-Wikipedia.
fig52
شكل ٤-٣٧: تكوين الرايبوسوم للبروتين. محوَّر عن Boumphreyfr-Own work, CC BY-SA 3.0, https://commons.wikimedia.org/w/index.php?curid=7200200.
عدَد الرايبوسومات في الخلايا البكتيرية يكون عدة آلاف؛ ففي خلية البكتيريا المعروفة E. coli يساوي ٢٠٠٠٠ بينما تصل أعدادها في الخلايا الحقيقية النواة إلى عدة ملايين. تنتشر الرايبوسومات حرةً في السايتوبلازم أو على سطوح أغشية الشبكة البلازمية الخشنة. على الكروموسوم تُوجد العديد من نسخ الجينات المشفرة ﻟﻠ RNA الرايبوسومي، وعند نسخها تتدلى من الكروموسوم وترتبط بها البروتينات الرايبوسومية لتتشكل الرايبوسومات مكونة مناطق مكتظة داكنة في النواة تعرف بالنويات (Nuclei). عند اكتمال تنصيبها وهي بهيئة وحدتَين منفصلتَين؛ هما: الوحدة الكبيرة (Large sub-unit) والوحدة الصغيرة (Small sub-unit) تُغادِر مكوِّنات الرايبوسومات النواة إلى السايتوبلازم.
عند وصول جزيئة mRNA والتي نُسخَت عن جينٍ في النواة إلى السايتوبلازم، ترتبط بها الوحدة الصغيرة للرايبوسوم من خلال RNA الرايبوسومي ثم الوحدة الكبيرة ليكتمل تركيب الرايبوسوم. على الوحدة الصغيرة ثمَّة مواقعُ ثلاثة A وP وE ترتبط بأولها جُزيئة tRNA التي تحمل شفرة مضادٍّ يتمِّم الشفرة الموجودة على mRNA وطرفها الحُر يحمل جزيئةَ حامضٍ أميني معيَّن. تنتقل tRNA إلى الموقع التالي لترتبط جُزيئةُ tRNA أخرى في موضعها الأول الشاغر، وهكذا (شكل ٤-٣٧). تقوم RNA القطعة الكبيرة بربط الأحماض الأمينية المتجاورة من خلال نشاطها الإنزيمي حيث تعمل كرايبوزيم. مع استمرار هذا النشاط تتكون سلسلةٌ من الأحماض الأمينية المرتبطة بأواصرَ ببتيديةٍ مكوِّنةً بروتينًا ينفصل بعدها عن الرايبوسوم. بعد انتهاء عمل الرايبوسومات فإنها تتفكَّك، ويُمكِن أن يُعاد تركيبها تلقائيًّا كما أوضحنا، أو تتحلَّل إلى مُكوِّناتها الجُزيئية.

(ي) الميتاكوندريا Mitochondria

fig53
شكل ٤-٣٨: صورة بالمِجهَر الإلكتروني لاثنَين من الميتاكوندريا. مُحوَّر عن Louisa Howard - http://remf.dartmouth.edu/imagesindex.html http://remf.dartmouth.edu/images/mammalianLungTEM/source/8.html.
fig54
شكل ٤-٣٩: رسمٌ تخطيطيٌّ لتركيب الميتاكوندريا.
الميتاكوندريا هي العُضَيُّ المنتج الرئيسي للطاقة بشكل جُزيئاتٍ ATP من خلال أكسدة السكَّريات والشحوم. شكلُها مختلف بين البيضوي إلى المتطاول، وحجمها بحجم خلايا البكتيريا، كما أن عددها يختلف باختلاف نوع الكائن الحي وطبيعة نشاط الخلية. تتألَّف الميتاكوندريا من غشاءٍ خارجيٍّ أملس، وغشاءٍ داخلي يُظهِر طيَّاتٍ أو أعرافًا تزيد من مساحته السطحية ويُحيط بالمادة البينية (شكل ٤-٣٨ و٤-٣٩). كما يُوجد فضاءٌ بين الغشاءَين الخارجي والداخلي.

الغِشاء الخارجي للميتاكوندريا يحتوي على بروتيناتٍ تسمح بالمرور الحر للجُزيئات الصغيرة. هذا سيجعل الفضاء البيني شبيهًا بالسائل الخلَوي حيث يحتوي على الكثير من الجُزيئات والأيونات. أما الغشاء الداخلي فيحتوي على ٧٠٪ من بروتينات الميتاكوندريا، بضمنها إنزيمات الفسفرة التأكسدية، فيعمل كغشاءٍ انتخابي يُعيق دخول الجُزيئات الصغيرة والأيونات لضمان توفير منحدرِ بروتوناتٍ ذي فرق جهدٍ كهربائي يمكِّن من عملية الفسفرة التأكسدية. تحتوي المادة البينية للميتاكوندريا إنزيماتِ الفسفرة التأكسدية والمادة الوراثية.

تحتوي الميتاكوندريا على المادة الوراثية DNA والرايبوسومات الخاصة بها، وهي شبيهة ﺑ DNA وريبوسومات البكتيريا والتي تؤمِّن بعض البروتينات الخاصة بها. مع ذلك ثمَّة الكثير من بروتينات الميتاكوندريا تُشفَّر من قِبَل DNA النواة. يختلف حجم المادة الوراثية في الميتاكوندريا باختلاف المجموعة الأحيائية؛ فهي تتراوح بين ١٦ك ق في الإنسان والحيوانات، و٨٠ك ق في الخمائر، و٢٠٠ك ق في النباتات (Cooper, 2000). الطفرات في بعض جينات الميتاكوندريا ترتبط بالشيخوخة  (Aging) وعددٍ من الأمراض.

(ك) البلاستيدات الخضراء Chloroplasts

fig55
شكل ٤-٤٠: رسمٌ تخطيطيٌّ لخلية بكتيريا خضراء مزرقة يوضِّح طيَّات الغِشاء البلازمي لتكوين ثلاكويد التركيب الضوئي. مُحوَّر عن: (Pollard et al., 2017).
fig56
شكل ٤-٤١: صورةٌ بالمِجهَر الإلكتروني (يمين) ورسمٌ تخطيطيٌّ (يسار) لتركيب البلاستيدة الخضراء. مُحوَّر عن: (Raven et al., 2014).
البلاستيدة الخضراء هي الماكنة الدقيقة للتركيب الضوئي في خلايا الأحياء الحقيقية النواة. التركيب الضوئي هو المصدر الأساسي للمركَّبات العضوية والطاقة الكيميائية التي تستخدمها الأحياء كافةً لغرض النمو والتكاثُر. يتم التركيب الضوئي في بعض أنواع البكتيريا والطحالب والنباتات باستغلال طاقة الفوتونات بواسطة مركز تفاعُلٍ يحتوي على صبغاتٍ خاصة وبروتيناتٍ وعوامل أكسدة-اختزال لتحرير إلكتروناتٍ عالية الطاقة تُمكِّن من إنتاج جُزيئاتِ ATP والمساعد الإنزيمي NADPH والتي تُستخدَم لاختزال CO2 إلى مركَّباتٍ سكَّريةٍ ثلاثية الكاربون. من هذه المركَّبات السكَّرية يمكن أن تتكوَّن سكَّرياتٌ أخرى، ومركَّباتٌ عضويةٌ مختلفة.
في البكتيريا الأرجوانية والبكتيريا الخيطية الخضراء تعمل صبغات Pheophytin وQuinone كمستقبلات إلكترون بما يُشبِه مركز التفاعُل II في السيانوبكتيريا والبلاستيدات الخضراء. في بكتيريا الكبريت الخضراء والهليوبكتيريا يُوجد مركز تفاعُل حديد-كبريت كمستقبل إلكتروناتٍ شبيه بمركز التفاعُل I للسيانوبكتيريا والبلاستيدات الخضراء. في السيانوبكتيريا تقوم أغشية الثالوكويد الناشئة عن غشاء الخلية بالتركيب الضوئي (شكل ٤-٤٠).
في الخلية النباتية يُوجد ١٠ إلى ١٠٠ بلاستيدةٍ خضراء بينما يحتوي المليمتر المربَّع من الجزء الداخلي للورقة النباتية على ٤٥٠٠٠٠ إلى ٨٠٠٠٠٠ بلاستيدة. تتألَّف البلاستيدة الخضراء من غشاءٍ خارجيٍّ وغشاءٍ داخليٍّ ينتظم بشكل أكياسٍ تُسمَّى الثالوكويدات (Thylakoids). تحتوي الثالوكويدات على الصبغات التي تشكِّل نظامًا ضوئيًّا (Photosystem) وتترتَّب بهيئة نضائد، لتُشكِّل كل مجموعةٍ ما يُعرف بالبُذَيرة  (Granum). تُحيط بالثالوكويدات مادةٌ شبه سائلةٍ تُسمَّى الحشوة (Stroma) تحتوي على الإنزيمات المُشترِكة في تثبيت الكاربون (شكل ٤-٤١).
كما الميتاكوندريا تحتوي البلاستيدة الخضراء على جُزيئةٍ DNA حلقيةٍ تُمكِّنها من التضاعُف وتؤشِّر لأصلها البكتيري. تحتوي DNA البلاستيدة الخضراء على ٢٥٠ جينًا تُشفر لوحدات بروتينٍ تشترك في التركيب الضوئي، وتُساعد في انقسام البلاستيدة وrRNA ومجموعة tRNA. لكن النواة أيضًا تُشفر لأكثر من ٢٠٠٠ من بروتينات البلاستيدة (Pollard et al., 2017).

(ل) النواة Nucleus

fig57
شكل ٤-٤٢: رسمٌ تخطيطيٌّ لمكوِّنات النواة.
fig58
شكل ٤-٤٣: رسمٌ تخطيطيٌّ للكروموسوم.
تمثِّل النواة مركز المعلومات الأساسي في خلايا الأحياء الحقيقية النواة، من خلال احتوائها على كل أو معظم جُزيئات DNA في الخلية. تحتوي الخلية على نواةٍ واحدةٍ عادة، لكنها يمكن أن تحتوي على نواتَين أو أكثر كما في الفطريات وبعض الخلايا الحيوانية والنباتية، بينما يُمكِن أن تفقد الخلية النواة كما في كُريات الدم الحمراء الناضجة والأنابيب المنخلية في لحاء النباتات. يبلُغ قطر النواة حوالي ٦مكم في خلايا اللبائن، كما تشغل نسبةً مهمةً من حجم الخلية في النسيج المرستيمي للنباتات.
تُحاط النواة بالغِلاف النووي المؤلَّف من غشاءَين تفصلهما مسافة ١٠ إلى ٥٠ن م وتتخلَّله ثقوبٌ مؤلفة من بروتينات بقطرٍ حُر حوالي ٩ن م تكون في مناطقِ التحامِ الغشاءَين. عدد الثقوب حوالي ٣٠٠٠ إلى ٤٠٠٠ في خلايا اللبائن. الغشاء الخارجي يتصل بالشبكة البلازمية الداخلية التي تحتوي على الرايبوسومات ويستمر فضاؤها الداخلي مع الفضاء بين غشاءَيِ النواة. يسمح غلاف النواة بعبور الجُزيئات الصغيرة وبعض البروتينات وجُزيئات RNA. الغشاء الداخلي يحتوي على بروتيناتٍ خيطية تُسمَّى لامين (Lamine) تقوم بتوفيرِ هيكلٍ نووي (شكل ٤-٤٢).
تحتوي النواة على جُزيئاتِ DNA خطيةٍ مصحوبةٍ ببروتينات لتُشكِّل الكروماتين. يلتف الكروماتين لكل جُزيئة DNA بتكرارية حول جُزيئات بروتين الهيستون لتتشكَّل الكروموسومات. يتألَّف الكروموسوم الواحد من زوجٍ من الكروماتيدات يرتبطان في منطقة القسيم المركزي (Centromere) والذي سيُحدِّد شكل الكروموسوم، ونهايتا الكروماتيد تُعرَف بالقسيم الطرفي (Telomere) (شكل ٤-٤٣). عادةً يكون الكروموسوم ممتدًّا ليسمح باتصال البروتينات بالقواعد النووية على اﻟ DNA وتتم عملياتُ نسخِ الجينات لتكوين البروتينات وجُزيئات DNA وتُضاعف اﻟ DNA بينما تزداد كثافة الكروموسوم من خلال مزيدٍ من البرمات حول جُزيئات الهيستون ليُسهل عملية انقسام النواة.
في الخلايا الجسمية تُوجد الكروموسومات بأزواجٍ متناظرة؛ أي ضِعف العدد (2N) وتُسمَّى ثنائية المجموعة الكروموسومية (Diploid) بينما تكون في الخلايا الجنسية مُفردَة (1N) أو أحادية المجموعة الكروموسومية (Haploid). عدد الكروموسومات يكون ثابتًا بالنسبة لخلايا أفراد النوع الواحد، ويختلف في الأنواع المختلفة. ويمكن أن يكون عدد الكروموسومات مُتعدِّد التضاعُف  (Polyploid) في بعض الأنواع أو الخطوط الوراثية.
بعض الكروموسومات تحتوي على مناطق تشفر لجزيئات rRNA وتتجمع بروتينات لتشكيل الرايبوسومات مكونة منطقة داكنة تعرف بالنوية (Nucleolus).

(٥) الكائنات الحية غير الخلوية Acellular Living Organisms

ثمَّة كائناتٌ أو تراكيبُ أحيائيةٌ لا تتكوَّن من خلايا لكنها تُظهِر بعض الخواص الحياتية المهمة؛ كامتلاكها للمادة الوراثية بهيئة DNA أو RNA والقدرة على التضاعُف داخل خلايا حية، وتكسب الخلايا العائلة جينات أو بروتيناتٍ إضافيةً أو تسبِّب أمراضًا مختلفة.

(٥-١) الفايروسات Viruses

fig59
شكل ٤-٤٤: رسمٌ تخطيطيٌّ لتركيب جُسَيمة الفايروس المغلَّفة والعارية.
fig60
شكل ٤-٤٥: الأشكال الرئيسة لجسيمات الفايروس.
fig61
شكل ٤-٤٦: مقياس الحجوم (الأبعاد). (A) أبعاد الخلايا النباتية والحيوانية والبكتيرية والفايروسات والبروتينات والجُزيئات والذرات. قوة التفريق المستخدَمة في الدراسات البيولوجية تشمل المجهر الضوئي، والمجهر الإلكتروني وتصوير البلورات بالأشعة السينية، وطيف الرنين النووي المغناطيسي (NMR). (B) أبعاد جُسَيمات الفايروس تتراوح بين الكبيرة القريبة من خلية البكتيريا إلى الصغيرة التي هي أقل من حجم الرايبوسوم. وحدات القياس المستخدمة مع الفايروسات هي النانومتر (١ × ١٠−٩م) والأنكستروم (١ × ١٠−١٠م). محوَّرة عن: Flint et al., (2015).
fig62
شكل ٤-٤٧: (a) جسيمات Tupanvirus مكبرة × ١٠٠٠ وخط القياس ٢مكم. (b) الجُسيمة العملاقة أكبر من ١٠٠٠ن م تحت المِجهَر الإلكتروني. خط القياس ٥٠٠ن م. (c) و(d) صور بالمجهر الإلكتروني لفايروس Tupanvirus. خط الرسم ٢٥٠ن م و١مكم على التوالي. عن: Abrahão et al., (2018).
fig63
شكل ٤-٤٨: دورة حياة الفايروس البكتيري على خلية البكتيريا. الدورة التحليلية يتم فيها مضاعفةُ جُسيمات الفايروس وخروجها من الخلية بقتلها. الدورة التحلحُلية يتم فيها اندماج DNA الفايروس مع DNA البكتيريا، ويستمر ذلك لفترة قد تطول أو تقصُر مع استمرار تضاعُف الخلية العائلة، بعدها تنفصل DNA الفايروس لتدخُل في دورةٍ تحليلية. مُحوَّر عن: Mason et al., (2011).

الفايروسات هي أشكال أو كائناتٌ حياتية معقَّدة ذات تنظيمٍ جُزيئيٍّ خاص، غير خلوية، وهي بسيطةٌ جدًّا إذا ما قُورنَت بالخلايا الحية؛ فهي تحتوي على مادةٍ وراثية وعددٍ من البروتينات، لكنها تفتقد الأيض الذي يُنتِج ويحوِّل الطاقة، ولا تمتلك منظومةً البروتينات التي تمكِّن من التضاعُف. وبذلك فهي لا يمكن أن تتكاثَر إلا من خلال التطفُّل باستغلال إمكانات وطاقة الخلايا العائلة. واعتبار الفايروسات كائناتٍ حية من عدمه يعتمد على تعريف «الكائن الحي». التعريف الشائع يتضمَّن أن الكائن الحي يتألَّف من خليةٍ واحدة أو أكثر. وحسب هذا التعريف لا تُعتبر الفايروسات كائناتٍ حية. لكن إذا اعتمدنا على تعريفٍ أشمل للكائن الحي، وهو المنظومة التي تتمكَّن من التضاعُف والتطوَّر وحفظ النوع، تكون الفايروسات كائناتٍ حيةً طفيلية، علمًا أن الكثير من الكائنات الحية الخلوية تسلك سلوكًا مشابها للفايروسات في التطفُّل على الأحياء الأخرى.

اكتُشفَت الفايروسات سنة ١٨٩٨م، على يد العالم الروسي Dimitrii Ivanovsky وكان فايروس موزائيك التبغ (TMV). يبلُغ عدد أنواع الفايروسات المشخَّصة حسَب تقرير اللجنة العالمية لتصنيف الفايروسات سنة ٢٠١٢م، ٢٦١٨م نوعًا بضمنها الفايرويدات. تتوزع هذه الأنواع على ٤٢٠ جنسًا و٩٦ عائلة و٧ رُتَب (Flint et al., 2015).
تُوجد الفايروسات في كل مكانٍ على كوكب الأرض. وهي أكثر الأشكال الحية عددًا وانتشارًا، وتُصيب جميع أنواع الكائنات الحية، لا بل إن بعض الفايروسات التي تُسمَّى عاثياتٍ فايروسية  (Virophages) تتطفَّل على بعض أنواع الفايروسات الضخمة (Oliveira et al., 2019; Moelling & Broecker, 2019). في كل سم٣ من ماء البحر يُوجد ١٠–٥٠ مليون جسيمة فايروس بكتيري (Bacteriophage الفايروس الذي يُصيب البكتيريا) ويُمكِن أن يكون أكثر من هذا الرقم في بعض أنواع التربة. يقدَّر عدد جُسَيمات الفايروسات البكتيرية في الكوكب بحوالي ١٠٣١ وهذا أكبر بعشر مرات من عدد خلايا البكتيريا، وبوزن يصل إلى ١٠٠ مليون طن. في الوقت نفسه، تتعرض الفايروسات للتلَف نتيجة العوامل الفيزيائية؛ كالالتصاق بالسطوح وتأثير درجات الحرارة والإشعاعات، وكذلك الافتراس من قِبَل الحيوانات البحرية غير العائلة للفايروسات؛ حيث تؤدِّي إلى افتراس الفايروسات بنسبة تتراوح بين ١٢–٩٨٪ (Welsh et al., 2020).
تتألَّف جُسَيمة الفايروس (Virion) من مجموع جيني (Genome) يكون بشكلِ RNA أو DNA ضمن عُلبةٍ بروتينيةٍ (Capsid) مركَّبة من واحد أو عددٍ قليلٍ من البروتينات. أحيانًا يكون لجُسَيمة الفايروس غلاف (Envelop) هو جزءٌ من غشاء الخلية العائلة يحملُه معه خلال خروجه من الخلية (شكل ٤-٤٤). عمومًا لا تحتوي جسيمة الفايروس على إنزيمات، لكن بعضها يحمل واحدًا أو عددًا قليلًا من الإنزيمات مثل: Reverse transcriptase الذي يُحوِّل RNA الفايروس إلى DNA وهي لا تعمل داخل جُسَيمة الفايروس.
شكل جسيمة الفايروس يكون أما متعدد السطوح (Ichisohedral) شبه كروي، أو لولبي متطاول أو الشكل المعقد الذي يتضمن الشكلين (شكل ٤-٤٥). يقاس حجم الفايروسات بالنانومترات، وهو يتراوح في أغلب الفايروسات بين ٣٠ن م كما في Poliovirus (فايروس شلل الأطفال) و٢٠٠ن م كما في Herpesvirus (شكل ٤-٤٦)، لكن ثمة فايروسات عملاقة تعود إلى عائلة Mimiviridae وبعض العوائل الأخرى والتي تصيب الأميبا، وبعض الأحياء الأخرى مثل Tupanvirus يمكن أن تكون بحجم أكبر من حجم عدد من أنواع البكتيريا؛ حيث يبلغ ١٫٢–٢٫٥مكم وجينوم ضخم يبلغ حوالي ١٫٥ Mb بأكثر من ١٢٥٠ جين (شكل ٤-٤٧).
تم اكتشاف فايروسات Mimivirus من قِبَل La Scola et al., (2003) وتسميتُها اشتُقَّت من مُحاكاتِها للميكروبات Mimicking microbes.
الجينوم يمكن أن يكون بشكلِ DNA شريطٍ مُفرَد (ssDNA) أو شريطٍ مزدوجٍ (dsDNA)، أو بشكل RNA شريط مفرد (ssRNA) موجب (+ssRNA) أو سالب (−ssRNA)، أو شريط مزدوج (dsRNA). ويمكن أن يكون الجينوم وحدةً واحدةً غير مقسَّم، أو مقسَّم، وفي الحالة الأخيرة يمكن أن يكون ضمن جُسيمةٍ واحدة أو مُوزَّعًا على أكثر من جسيمةٍ واحدة. وفي جميع الحالات ولكي تتحقَّق الإصابة يجب أن يكون الجينوم كله مُتوفرًا في الخلية العائلة.

جميع أنواع الأحياء تُصاب بنوعٍ واحدٍ أو أكثر من الفايروسات، كما أن النوع الواحد من الفايروسات يمكن أن يُصيب أفراد نوعٍ معين، أنواعٍ قريبة، أو حتى أنواعٍ غير مترابطة وراثيًّا؛ كأن يُصيب النبات والحشرة الناقلة له، أو يُصيب الإنسان أو الحيوان، وبنفس الوقت يُصيب الحشرة أو الطفيلي الناقل.

الإصابة بالفايروس تتطلَّب أن يُصبِح الفايروس في تماسٍّ مع خلية العائل، أو أن يدخُل مباشرةً إلى خلية العائل بطرقٍ مختلفة. عندما تُصبِح جُسَيمة الفايروس داخل الخلية العائلة تجري عملية تفكيك  (Dessembly) حيث تتحلَّل بروتينات الغلاف ويتحرَّر الحامض النووي. سواء كان جينوم الفايروس DNA أو RNA.
من الخطوات الأولى للتضاعُف ضرورة التعبير الجيني الفايروسي بتكوين نُسَخ mRNA، لغرض تكوين البروتينات الفايروسية التي تهيِّئ إنزيمات العائل، لتكوين مكوِّنات الفايروس. معظم فايروسات DNA تتضاعف داخل النواة، ومعظم فايروسات RNA تتضاعف داخل السايتوبلازم. بعد تكوين الخلية العائلة لبروتينات الفايروس وحامضها النووي، تتم عملية التجميع (Assembly) تلقائيًّا بتكوين الكابسيد حول الحامض النووي، أو تكوين الكابسيد ودخول الحامض النووي فيه.
بعد تكوُّن جُسَيمات الفايروس تخرج من الخلية بأعدادٍ كبيرة لتُصيب خلايا مجاورةً أو بعيدة، وتخرُج أخيرًا إلى البيئة. هذه الطريقة من تضاعُف الفايروس تُسمَّى بالدورة التحليلية (Lytic cycle). طريقة التضاعُف الثانية وتُسمَّى بالدورة التحَلحُلية (Lysogenic cycle) فتتضمَّن اندماجَ جينوم الفايروس وهو بشكل DNA بعد دخولِه الخلية مع DNA الخلية العائلة وبقائِه لفترة قد تطُول أو تقصُر، خلالها تتمُّ مضاعفة جينوم الفايروس المندمج مع كل عملية انقسامٍ للخلية. أخيرًا ينفصل جينوم الفايروس ويسلكُ الدورةَ التحليلية (شكل ٤-٤٨). الدورة التحَلحُلية تُسهِم في النقل الأُفقي للجينات بين أنواع الأحياء المختلفة.
من بينِ أهمِّ الأضرار التي تُسبِّبها الفايروسات هي:
  • الأمراض على الإنسان والحيوان والنبات والأحياء الأخرى.

  • تغييرٌ جِدِّي في البيئة من خلال إبادتها اليومية لما يزيد عن ٢٠٪ من الميكروبات البحرية، وما يعنيه من أثَر على نِسَب الأوكسجين وثاني أوكسيد الكاربون في جو الأرض.

لكن من أهم فوائد الفايروسات:
  • النقل الأفقي للجينات بين أنواع الأحياء المختلفة وأهميته العظمى في تنوُّع الأحياء؛ فحوالي ٤٠ إلى ٦٠ من جينات الإنسان هي فايروسية الأصل.

  • القفزة الكبرى في تطوُّر الأحياء والتي يمكن أن تكون حقَّقَتها الأنواع القديمة من الفايروسات بتحويل الأشكال الأولى للحياة من عالم اﻟ RNA إلى عالم اﻟ DNA الحديث بواسطة إنزيمات Reverse transcriptase.

(أ) الفايروسات التابعة Satellite Viruses

وهي فايروساتٌ صغيرة يُمكِنها التضاعُف داخل الخلايا الحية فقط بوجود فايروساتٍ مساعدة (Helper viruses). جينوم هذه الفايروسات يُشفِّر فقط للكابسيد. معظم هذه الفايروسات تُصيب النباتات وبعضها يُصيب الفطريات والحيوانات الابتدائية وHepatitis delta virus RNA يُصيب الإنسان. حجم الجينوم صغيرٌ يتراوح بين ٠٫٧٠ إلى ٢ك ق.

(ب) الفايرويدات Viroids

الفايرويدات تتألَّف من جينوم عارٍ بشكل RNA دائريٍّ مُفرَد الشريط، صغير الحجم، مُكوَّن من ٢٥٠ إلى ٤٠٠ نكليويدة (٠٫٢٥–٠٫٤٠ك ق) لا يشفِّر لأي بروتين، ولا يحتوي على كابسيد. اكتُشفَت الفايرويدات سنة ١٩٧١م، من قِبَل عالِم أمراض النبات T. O. Diener وتُصيب الفايرويدات النباتات؛ كأشجار الحمضيات، وجوز الهند، والبطاطا، وغيرها، مُسبِّبةً أمراضًا خطيرة. تنتقل الفايرويدات بواسطة التكاثُر الخضري للنبات.
بعض الفايرويدات وكذلك فايروس Hepatitis delta virus RNA وفايروسات RNA الصغيرة التابعة (Satellite viruses) تمتلك القدرة على التقطيع والربط الذاتي. هذه القدرة الإنزيمية تُرجع هذه الكائنات الحية إلى عالم اﻟ RNA حيث لعِبَت جُزيئاتُ RNA دَورَ حفظِ المعلومات الوراثية والنشاط الإنزيمي.
يحتوي الحامض النووي للعديد من الفايرويدات على تتابُعاتٍ من النكليوتيدات متتامةٍ مع مناطقَ مفتاحيةٍ على حواشي إنترونات اﻟ RNA للخلية ما يؤدِّي إلى إعاقتها (Beamish & Kutter, 2001).
ثمَّة عددٌ من التوابع الشبيهة بالفايرويدات تُسمَّى فايروسويدات (Virosoids) وهي جُزيئات RNA قصيرة حوالي ٣٥٠ نكليويدة، أحادية الشريط مُغلَقة، وتكون مغلَّفةً بكابسيد من فايروسٍ مُساعد  (Helper virus) ويُمكِن أن تكون قد نشأَت عن الفايرويدات (Strauss & Strauss, 2008).

(ﺟ) البلازميدات Plasmids

البلازميدات هي جزيئاتُ DNA دائريةٌ أو خطيةٌ صغيرة (شكل ٤-٤٩)، مستقلة عن الكروموسوم وتتمكَّن من التضاعُف المستقل. تُوجد البلازميدات في خلايا البكتيريا والأركيا والفطريات، وفي عددٍ قليلٍ من النباتات. البلازميدات يمكن أن تنتقل ما بين الخلايا؛ فهي مادةٌ وراثية متحرِّكة، وتلعب أدوارًا مهمةً في تطوُّر الأحياء خاصةً البدائية النواة، من خلال قيامها بالنقل الأفقي للجينات مثلما تفعل الفايروسات. تنتقل البلازميدات بين البكتيريا في الغالب من خلال عمليات التزاوُج  (Conjugation).
fig64
شكل ٤-٤٩: رسمٌ تخطيطيٌّ للبلازميدات مع الكروموسوم البكتيري.

للبلازميدات جينات تعمل في الإمراضية وخصوصية العائل والمقاومة للمضادات الحيوية والأشعة فوق البنفسجية وكسمومٍ وهرمونات.

في نوى خلايا خميرة الخبز Saccharomyces serevisiae يوجد ١٠٠ بلازميد دائري بقُطر ٢مكم وبحجم ٦٫٣ك ز ق. في بعض الخمائر يرتبط بالتشفير لسُمٍّ قاتلٍ للخمائر الأخرى، كما يُعتقد بلعب دَورٍ في عملية الشيخوخة في فطريات Neurospora وPodospora، وفي إمراضية الفطر Fusarium solani (Sharif, 2019).

تُستخدَم البلازميدات على نطاقٍ واسعٍ في التعامُل مع الجينات والهندسة الوراثية.

(د) الجينات القافزة Transposons

مُكررات اﻟ DNA تشكِّل جزءًا كبيرًا من الجينوم النموذجي للبائن، وبعضها يمكنه الانتقال من موقعٍ إلى آخرَ ضمن الجينوم، وهو ما يُسمَّى الجينات القافزة. الانتقال من موقعٍ إلى آخرَ يتم من خلال آليات القطع واللصق. لعِبَت الجينات القافزة دورًا مهمًّا في تطوُّر الأحياء. تنتشر الجينات القافزة في جميع الأحياء بدءًا من البكتيريا إلى الإنسان؛ فالجينات القافزة تشكِّل ما نسبته ٤٥٪ من جينات الإنسان وأكثر من ٨٠٪ من جينات بعض النباتات مثل الذرة. يمكن اعتبار الجينات القافزة «جيناتٍ أنانية» وتُلاقي صراعًا مع الجينات الموقعية (Muñoz-López & García-Pérez, 2010). تغيير الجينوم والتعبير الجيني بواسطة الجينات القافزة يشمل عمليات الحشر والحذف والتضاعُف والانتقال (Liu & Wessler, 2017).

(ﻫ) البريونات Prions

وهي جُسَيماتٌ بروتينية مسبِّبة للعدوى (Proteinaceous infectious particle) تُحدِث أمراضًا خطيرةً في الحيوانات والإنسان. هذه البروتينات تكون مشوَّهة التشكُّل نتيجة فعل التخلُّق أو فوق الجيني  (Epigenetic) وتحدث تحولاتٍ مشابهة في البروتينات الطبيعية محدثةً حالةً مرضية. هذه الحالة يمكن أن تكون وراثية أو مكتسبة. من الأمراض التي تُحدِثها مرضُ الراعوش (Scrapie) في الماعز، ومرض جنون البقر ومرض Creutzfeldt–Jakob disease (CJD)، وكذلك لها دَورٌ في الأمراض العصبية؛ مثل مرض الزهايمر، وباركنسون في الإنسان (Polin et al, 2017).
يُوجد البريون في عددٍ من الفطريات؛ مثل خميرة الخبز Saccharomyces serevisiae وPodospora anserina ويعتقد بعضُ الباحثين أن له فوائدَ بيولوجيةً للفطريات، بينما يخالفهم في ذلك باحثون آخرون (Sharif, 2019).

(٦) تكاثُر الكائنات الحية Reproduction of Living Organisms

التكاثُر أو التضاعُف من السمات الأساسية المميِّزة للكائنات الحية. ينتُج عن التكاثُر زيادةُ عددِ الأفراد الحاملين للصفات النموذجية لنوعِ الكائن الحي. التكاثُر في الأحياء يتم بمسلكَين مختلفَين هما: التكاثُر اللاجنسي (Asexual reproduction) والتكاثُر الجنسي (Sexual reproduction). الكائن الحي يُمكِن أن يستخدم أحد المسلكَين دون الآخر، أو يستخدم كلا المسلكَين اعتمادًا على مستوى تعقيده وبالتالي نوعه.

(٦-١) التكاثر اللاجنسي

يعتمد على مبدأ قيام الخلية أو الفرد ذاته، بتكوين نسخةٍ جديدةٍ منه دون مشاركة خليةٍ أخرى أو فردٍ آخر. يهدف هذا المسلك إلى زيادة عدد الأفراد دون إحداث تغيُّراتٍ وراثيةٍ مهمة. ويمتاز بالخصائص التالية مقارنةً بالتكاثُر الجنسي: (١) أكثر كفاءةً، (٢) أكثر اقتصادًا، (٣) يحافظ على التركيبة الوراثية. ومن نواقصه أنه (١) يسمح بتراكُم الطفرات الضارة، (٢) يؤدِّي إلى الانتظام الوراثي (Genetic uniformity) الذي له عواقبُ ضارَّة كانتشار الأمراض.
ثمَّة طرقٌ متعدِّدة للتكاثُر اللاجنسي تشملُ:
  • الانشطار الثنائي (Binary fission): حيث تنقسم الخلية الأمية إلى خليتَين بنويتَين. وهو من أنواع الانقسام البسيطة، التي تتناسب ومستوى تعقيد الكائنات الحية، المتمثِّلة بالأحياء البدائية النواة (البكتيريا والأركيا). كما تسلُك هذا النوعَ من التكاثُر بعضُ أنواع الخمائر المنشطرة وهي من الفطريات والعديد من الحيوانات البدائية.
  • التبرعُم (Budding): ينشأ نتيجة بروز نموٍّ غيرِ متجانسٍ من نقطةٍ معينة، يكبر مع الوقت، وهو مرتبط بالخلية أو الكائن الحي، وتنتقل إليه نسخةٌ من النواة والمواد الخلَوية الأخرى، وبعد بلوغه حجمًا مناسبًا ينفصل عن الخلية الأم ويتصرف كفردٍ جديدٍ شكل ٤-٥٠ و٤-٥١. هذا النوع من التكاثر يشيع في الخمائر وبعض الحيوانات اللافِقارية مثل Hydra.
  • التجزُّؤ (Fragmentation): يتم من خلال تقطع الجسم إلى أجزاء؛ حيث يتمكَّن كل جزء من النمو وتكوينِ جسمٍ كامل. هذه الطريقة شائعة في الفطريات والطحالب مثل: Spirogyra وبعض اللافِقاريات.
    fig65
    شكل ٤-٥٠: التبرعُم في الخميرة.
    fig66
    شكل ٤-٥١: التبرعُم في Hydra.
  • تكوين الأبواغ (Spore formation): الأبواغ هي تراكيبُ أحاديةُ الخلية، أو عددٌ قليلٌ من الخلايا تتكوَّن بأعدادٍ هائلةٍ (شكل ٤-٥٢) وعند إنباتها تُكوِّن أفرادًا جُدُدًا. هذه الطريقة شائعةٌ في الفطريات وبعض الحيوانات الابتدائية.
  • التكاثُر العذري (Parthenogenesis): ويتضمَّن تكوين أفرادٍ جُددٍ من بيوضٍ غير ملقَّحة. ويشيع في الحشرات مثل نحل العسل.
  • التكاثُر الخضري (Vegetative Propagation): ينشأ عن تكوين أفرادٍ جُددٍ من تراكيبَ جسميةٍ غير زهرية؛ كالدرنات، والأبصال، والريزومات، والكورمات. يشيع في النباتات.
    fig67
    شكل ٤-٥٢: الأبواغ في الفطر Aspergillus.

(أ) الانقسام الخيطي (Mitosis)

في الأحياء الحقيقية النواة تعتمد طرق التكاثُر اللاجنسي على الانقسام الخيطي لإكثار الخلايا. ويتضمَّن انقسام النواة (Karyokinesis) يُتبَع بانقسام الخلية (Cytokinesis)؛ لتكوين خليتَين متماثلتَين. يحصُل الانقسام الخيطي في الأحياء الأُحادية الخلية، ويؤدِّي إلى زيادة عددها، وفي الأحياء المتعددة الخلايا والتي تكون ثنائيةَ المجموعةِ الكروموسومية عادة، وفي معظم الفطريات في الخلايا الأُحادية المجموعة الكروموسومية أيضًا لغرض النمو.
يجري الانقسام الخيطي بمراحلَ محدَّدةٍ متتالية، تبدأ بالطور التمهيدي (Prophase) ثم الاستوائي (Metaphase) والطور الانفصالي (Anaphase) وأخيرًا الطور النهائي (Telophase) (شكل ٤-٥٣). نتيجة الانقسام الخيطي تتكوَّن خليتان متماثلتان وراثيًّا من خليةٍ واحدة.
fig68
شكل ٤-٥٣: الانقسام الخيطي. مراحل الانقسام الخيطي المتتالية. في الأعلى صور حقيقية يقابلها في الأسفل رسوم توضيحية.

(٦-٢) التكاثر الجنسي

ينتُج التكاثر الجنسي عن اتحاد فردَين أو خليتَين أحاديتَي المجموعة الكروموسومية، كلٌّ منهما من أحد فردَين، وخلط المواد الوراثية، وإعادة قسمتها بقصد إيجاد تغايُرٍ وراثي يؤدي إلى التطوُّر. يتضمن التكاثر الجنسي ثلاث عمليات هي: الانقسام الاختزالي والاندماج البلازمي  (Plasmogamy) والاتحاد النووي (karyogamy). تسَلسُل هذه العمليات يمكن أن يختلف بين الأنواع المختلفة؛ فالأحياء التي تتألَّف أجسامها من خلايا ثنائية المجموعة الكروموسومية (Diploid, 2N) كالإنسان والحيوانات والنباتات، يكون تسَلسُلها كما ذكر أعلاه، لكن في الأحياء التي تتألف أجسامها من خلايا أحادية المجموعة الكروموسومية (Haploid, 1N) مثل أغلب الفطريات فتبدأ بالاندماج البلازمي، ثم الاتحاد النووي، وتتبع بالانقسام الاختزالي.

(ب) الانقسام الاختزالي (Meiosis)

fig69
شكل ٤-٥٤: رسم تخطيطي يلخص عملية الانقسام الاختزالي.
يحصُل الانقسام الاختزالي في الخلايا الجنسية الثنائية المجموعة الكروموسومية. يتم الانقسام الاختزالي على مرحلتَين؛ الانقسام الاختزالي I والانقسام الاختزالي II. وكل مرحلة تتألف من أطوارٍ متتالية؛ الطور التمهيدي I والطور الاستوائي I والطور الانفصالي I والطور النهائي I تتبع بالطور التمهيدي II والطور الاستوائي II والطور الانفصالي II والطور النهائي II. أهم الأحداث تحصل في الانقسام الأول؛ ففي الطور التمهيدي I تجري عملية تبادُل القطع بين الكروماتيدات المتماثلة غير الشقيقة في عملية العبور (Crossing over) ويؤدي إلى إعادة الاختلاط الوراثي وفي الطور النهائي I يجري تنصيف أعداد الكروموسومات. وفي نهاية الطور النهائي II تتكون ٤ خلايا كلٌّ منها يحتوي على نصف العدد من الكروموسومات (1N) (شكل ٤-٥٤).

(ﺟ) الاندماج البلازمي

fig70
شكل ٤-٥٥: رسم تخطيطي يوضح عملية الاندماج البلازمي.
يتضمن الاندماج البلازمي تماس المشيجين المتزاوجين وذوبان أغشية (أو جدران) الخلايا في منطقة التماس واندماج محتوى البروتوبلازم للمشيجين. هذه العملية تنتج خلية واحدة بنواتين أحاديتي المجموعة الكروموسومية (شكل ٤-٥٥).

(د) الاندماج النووي

fig71
شكل ٤-٥٦: رسمٌ تخطيطيٌّ يُوضِّح الاندماجَ النووي.
fig72
شكل ٤-٥٧: تكاثُر الخلية الثنائية المجموعة الكروموسومية بواسطة الانقسام الخيطي.
في الاندماج النووي، تتحد النواتان الأحاديتا المجموعة الكروموسومية؛ لتكونا خلية بنواة واحدة ثنائية المجموعة الكروموسومية والتي تُسمَّى اللاقحة (Zygote) (شكل ٤-٥٦).
الزيادة التي تحصُل بعد ذلك في عدد الخلايا الثنائية المجموعة الكروموسومية والتي تشكِّل جسم الكائن الحي تنشأ عن عملياتٍ متكرِّرة من الانقسام الخيطي لخلية اللاقحة والخلايا الناتجة عنها (شكل ٤-٥٧).

(٧) تقسيم الكائنات الحية Systematics of Living Organisms

تُعَد الكائنات الحية من بين الأشياء الأكثر تنوُّعًا في الكون؛ فثمَّة ١٫٦ مليون نوعٍ موصوف من الأحياء موزَّعة على ٧ ممالك (Ruggiero et al., 2015) وملايينُ أخرى تنتظر الوصف، علمًا أن هذه الأرقام هي أقل من ٠٫١٪ من عدد الأنواع المنقرضة.

الكائنات الحية تُظهِر الوحدة والتبايُن. تتمثل الوحدة بخواصِّ التركيب الخلوي والمعلومات الوراثية والأيض والتكاثُر والبقاء. بينما يظهر الاختلاف في طبيعة النمو (خلايا مُفرَدة، تجمُّع أو تعدُّد وتمايُز الخلايا) والشكل واللون والحجم واختيار البيئة وطُرق الحصول على المواد العضوية والطاقة ودرجة التعقيد.

الكائنات غير الخلَوية مثل الفايروسات تشترك مع الكائنات الخلَوية بامتلاكها للمادة الوراثية والقدرة على التضاعُف والتطوُّر والبقاء بوجود الأحياء الخلَوية.

fig73
شكل ٤-٥٨: تمثيلٌ تخطيطيٌّ لشجرة الحياة العامة المُفترَضة للكائنات الحية مستندة إلى تتابع القواعد النووية لجُزيئة DNA المشفِّرة لجُزيئة ssrRNA، تظهر بعض مجاميع الأحياء؛ Eucarya الأحياء الحقيقية النواة وAvchaea الأركيا وBacteria. البكتيريا. عن: Woese (1994).
ولغرضِ التعرُّف على هذا الكَم الهائل من التشابُه والاختلاف كان لا بد للناس من تمييز هذه الأحياء؛ فبعضها نافع والآخر سامٌّ وفيها المفترس … إلخ. وأطلق الناس عليها أسماءً تُعرف بالأسماء الشعبية. هذه التسميات محدودةٌ وغير دقيقةٍ وتختلف من منطقة إلى أخرى؛ لذلك كان لا بد من تصنيف هذه الأحياء على أُسسٍ يتفق عليها العلماء، وهو جهدٌ علميٌّ مُضنٍ، امتد لعدة قرون، يبدأ بالوصف (Description) ثم التشخيص (Identification) والتسمية (Naming) وَفْق قواعدَ معيَّنة، والذي صار من مهمة علم التصنيف (Taxonomy). لقد ارتبط التقدُّم في هذا العلم كغيره مع تطوُّر التقنيات العلمية. في البداية اعتمد على المظهر الخارجي، ثم استفاد من التشريح والتركيب الداخلي، ثم الخلوي، وبعدها على الكيمياء، ثم التركيب الجُزيئي والوراثي. في حين كانت البدايات تهدفُ إلى التفريق بين أنواع الأحياء صار الآن البحث عن علاقات القرابة والعلاقات التطوُّرية المبنية على الأُسس الجُزيئية مثل DNA والبروتينات. هذا العلم من أكثر العلوم عرضةً للتغيُّر بسبب الأبحاث المتواصلة والتي تقترب أكثر فأكثر من الحقيقة. واستنادًا إلى وجود الصفات المشتركة قُسِّمَت الأحياء إلى مجاميعَ سُمِّيَت بالمصنَّفات (Taxa) وهذه رُتِّبَت في تسلسُلٍ هرميٍّ من الأعلى كالتالي: المملكة (Kingdom)      الشعبة (Phylum)      الصف (Class)      الرتبة (Oder)      العائلة (Family)      الجنس (Genus)      النوع (Species). وفي كل مرتبةٍ يمكن أن يكون ثمَّة فوق مرتبة أو تحت-مرتبة. عدد المصنَّفات والصفات المشتركة تكون أقلَّ في المراتب العالية، ثم تزيد تدرجيًّا مع كل مرتبةٍ تاليةٍ لتكون الأكثر في مرتبة النوع. في الواقع هذه المصنَّفات هي مفاهيمُ (Concepts) لا يُقابلها في الواقع شيءٌ ملموس. لكنها ضروريةٌ لتتبُّع علاقات القربى بين الأحياء. الشيء الواقعي الملموس في التصنيف والذي يُمكِن التعامُل معه هو الفرد (Individual) أو العزلة (Strain) أو الآهلة (Population). وحسَب Ruggiero et al., (2015) تُقسَّم الأحياءُ إلى ٢ فوق مملكة (Superkingdom) هما فوق مملكة بدائيات النواة (Prokaryota) وفوق مملكة حقيقيات النواة (Eukaryota) واللتان تضُمَّان ٧ ممالك و٩٦ شعبة و٣٥١ صفًّا و١٤٦٧ رتبة.
ويعتقدُ علماء الأحياء أن جميع الأنواع نشأَت من جَدٍّ مشتركٍ وتفرَّقَت نتيجة التغايُر الوراثي والبيئي والانتخاب الطبيعي. وعليه قَسَّم Woese (1994) الأحياء واستنادًا إلى التشابُه والاختلاف في تتابُع القواعد النووية في جُزيئة DNA المشفِّرة لجُزيئة ssrRNA إلى ثلاثة حقولٍ (Domains) هي البكتيريا والأركيا والأحياء الحقيقية النواة (شكل ٤-٥٨).

(٧-١) ممالك الأحياء The Kingdoms of Life

(أ) مملكة البكتيريا Kingdom Bacteria

البكتيريا أحياءٌ بدائيةُ النواة تتألَّف من خلايا مُفرَدة أو ثنائية أو بسلاسلَ أو تجمُّعاتٍ عنقودية وبأبعاد ١ إلى ٢مكم. وكما تم شرحها في موضعٍ سابقٍ من هذا الفصل.

تضُم مملكة البكتيريا ٤٠٠٠ نوعٍ موصوفٍ وعشرات آلاف الأنواع التي تنتظر الوصف (Brenner et al., 2001). وتتألَّف من ٢٩ شعبةً و٥٤ صفًّا و١٢١ رتبةً (Ruggiero et al., 2015).

(ب) مملكة الأركيا Kingdom Archaea

الأركيا أحياءٌ بدائيةُ النواة، أُحاديةُ الخلية، مظهريًّا مُشابهة للبكتيريا وبأبعادٍ مُقارِبة (شكل ٤-٥٩)، إلا أنها تختلف تركيبيًّا وفَسْلجيًّا وبيئيًّا معها.
تتكاثَر الأركيا بالانشطار الثنائي والتجزُّؤ والتبرعُم ولا تكون أبواغًا، ولم يتم تنميتُها في المختبر. وتتميَّز الأركيا بوجود الشحوم الإيثرية مثل Archaeols في أغشية الخلايا. تعيش الأركيا في بيئاتٍ مختلفةٍ بما فيها البيئات المتطرِّفة الحرارة والحموضة والملوحة. كما تعيش في بعض أجزاء الإنسان. بعضها ذاتيُّ التغذية يعتمد ضوء الشمس، وبعضُها يُثبِّت الكاربون، ولها علاقاتٌ تعايشيةٌ غير أنها ليست طُفيلية.
عدد الأنواع ٥٠٢ (Mora et al., 2011). تضُم مملكة أركيا شُعبتَين و١٣ صفًّا و٢٠ رتبة (Ruggiero et al., 2015).
fig74
شكل ٤-٥٩: خلايا الأركيا Halobacterium. sp. عن: Wikipedia.

(ﺟ) مملكة الحيوانات الابتدائية Kingdom Protozoa

fig75
شكل ٤-٦٠: مجاميعُ من الحيوانات الابتدائية. عن: 2020 Houghton Mifflin Harcourt .
أحياءٌ حقيقيةُ النواة، معظمها أُحادية الخلية لكن بعضها يكون مستعمرات، تفتقد لجدار الخلية، وطريقةُ تغذيتها ابتلاعيةٌ بواسطة الإدخال والشرب الخلَوي. معظم الحيوانات الابتدائية غيرية التغذية. تعيش حرةً في بيئاتٍ مختلفةٍ أو داخل أحياءٍ متعدِّدة الخلايا كالحيوانات الراقية والإنسان. بعضُها يعيش بشكلٍ طُفيلي، ويُسبِّب أمراضًا للحيوانات والإنسان والنبات. للحيوانات الابتدائية تراكيبُ حركية كالأهداب والأسواط والأقدام الكاذبة (شكل ٤-٦٠). وتتميَّز دورة حياة الحيوانات الابتدائية بوجود طَورٍ خضريٍّ فعَّال هو الطَّور الغذائي  (Trophozite) وطورٍ ساكنٍ مقاوم للظروف غير الملائمة هو الكيس (Cyst).
عدد الأنواع ٨١١٨، والمخمَّنة ٣٦٤٠٠ (Mora et al., 2011). عدد الشُّعب ٧، وعدد الصفوف ٣٩، وعدد الرُّتَب ٨٢ (Ruggiero et al., 2015).

(د) مملكة الطلائعيات الصبغية (الطحالب) Kingdom Cromista

fig76
شكل ٤-٦١: نوعٌ من الدايتوم (يمين) وChlorella (يسار).
تم تثبيتُ مملكة الطلائعيات الصبغية سنة ١٩٨١م، من قِبَل Cavalier-Smith (1981) وهي أحياءٌ حقيقيةُ النواة تفتقد للأنسجة المتخصِّصة. تضُم هذه المملكة معظم الطحالب البحرية والأوليات غيرية التغذية وبعض الطفيليات المُسبِّبة للأمراض في الإنسان مثل: طفيلي الملاريا، وممرضات النبات على البطاطا والبنجر، وتلعب دورًا مهمًّا في البيئات المختلفة. تتراوح هذه الأحياء من الوحيدة الخلية المهدَّبة والدياتومات (Diatoms) (شكل ٤-٦١) إلى الطحالب البُنيَّة العملاقة.

تمتلك خلايا الطلائعيات الصبغية جدران خلايا تتألَّف أساسًا من السليلوز والكلوكونات، والكثير منها خاصة الطحالب تمتلك بلاستيداتٍ خضراءَ قادرةً على التركيب الضوئي.

تضُم المملكة ١٥٠٠٠٠ نوعٍ (Cavalier-Smith, 2018) أو ١٨٠٠٠٠ نوعٍ (Corliss, 2000) معظمها من الدياتومات (١٠٠٠٠٠ نوع) والفورامينفرا (Foraminifera) حوالي ١٠٠٠٠ نوع، بالإضافة إلى آلاف الأنواع غير الموصوفة لحد الآن، وإنَّ أعدادها تفوق أعداد النباتات والحيوانات.
تضُم مملكة الطلائعيات الصبغية ٨ شُعب، و٧٠ صفًّا، و٢٩٧ رتبة (Ruggiero et al., 2015).

(ﻫ) مملكة الفطريات Kingdom Fungi

الفطريات أحياءٌ حقيقيةُ النواة، جميعها غيرية التغذية. تضُم أنواعًا أحادية الخلايا والمتمثِّلة بالخمائر والفطريات الكتريدية، لكن معظمَ الفطريات متعددة الخلايا، خيطية، وتمتلك جدرانًا خلوية تتألَّف أساسًا من الكلوكونات والمانان والكايتين. جسم الفطر الخيطي يكون عديد الخلايا، والخيوط (Hyphae) تكون غيرَ مقسَّمة أو مقسَّمة مشكَّلة بمجموعها الغزل الفطري (Mycelium). الفطريات تفتقد للأنسجة المتخصصة. تتكاثَر الفطريات جنسيًّا ولا جنسيًّا عن طريق التبرعُم (الخمائر) والتجزُّؤ (الفطريات الخيطية) وأهم وسيلةٍ للتكاثُر هي بواسطة الأبواغ (شكل ٤-٦٢).
fig77
شكل ٤-٦٢: خلايا الخميرة (يمين) ورسمٌ تخطيطيٌّ لفطر من نوع Fusarium.

تعيش الفطريات في جميع البيئات، وتأتي بعد البكتيريا في أعدادها.

تدخل الفطريات في علاقاتٍ تعايشيةٍ مع الأحياء المختلفة؛ مع الطحالب وبعض أنواع البكتيريا الخضراء المزرقة مكوِّنة الأشنات (Lichens) ذات الانتشار والأهمية البيئية المعروفة. ومع النباتات بشكل مستنبتات (Endophytes) وجذورها مكوِّنة المايكورايزا (Mycorrhiza) ذات الأهمية الكبيرة لنمو النباتات وبعض الفطريات، تتعايش مع الحيوانات؛ كالحشرات والحيوانات المجترة؛ حيث تُساعدُها في تحليل المواد السليلوزية. كما أن العديد من الفطريات تُسبِّب أمراضًا خاصة على النباتات، كما تُسبِّب أمراضًا على الحيوانات والإنسان. وبعض الفطريات تُنتِج سمومًا تُعرف بالسموم الفطرية (Mycotoxins).
الفطريات من أكثر الأحياء قدرةً إنزيمية، وتلعب دورًا أساسيًّا إلى جانب البكتيريا في تحليل المواد العضوية الميتة، وطريقة تغذيتها امتصاصية. كما تُستخدم الفطريات في الصناعات الغذائية والتقنية الحيوية (Sharif, 2019).
تتألف مملكة الفطريات من تحت-مملكة ثنائيات النوى (Dikarya) و٧ شُعب، و٣٤ صفًّا؛ و١٤٨ رتبةً. عدد الأنواع الموصوفة ١٠٠٠٠٠ وعدد الأنواع المخمَّنة يفوق ٥ ملايين.

(و) مملكة النبات Kingdom Plantae

النباتات أحياءٌ حقيقيةُ النواة، مُتعدِّدة الخلايا. الخلايا ذاتُ جدرانٍ سميكة تتألَّف من السليلوز والبكتين واللكنين. جسم النبات يتألَّف من الجذر والساق وفروعه والأوراق والأزهار والثمار والبذور، مع وجود بعض أنواعٍ من النباتات غير الزهرية. أجزاء النبات تتألَّف من أنسجةٍ متخصِّصة. تعيش النباتات في البيئات المائية واليايسة.

مُعظَم النباتات ذاتيةُ التغذية تقوم بالتركيب الضوئي من خلال احتواء خلاياها على بلاستيداتٍ خضراء.

تتكاثَر النباتات جنسيًّا ولا جنسيًّا بوسائلَ متعدِّدة؛ أهمها تكوينُ البذور. وبالنظر لعدم قدرة النباتات على الحركة الانتقالية ولغرض مقاومة المسبِّبات المرَضِية والتغيُّرات البيئية، طوَّرَت النباتات أنواعًا كثيرة من المضادَّات الحيوية والسموم والبروتينات، وصارت مصدرًا مهمًّا للكثير من الأدوية. يتراوح حجم النباتات بين الصغير والقصير العمر المُتمثِّل بالنباتات العشبية إلى الكبير جدًّا مثل الأشجار الضخمة المعمرة.

عدد أنواع النباتات ٢١٥٤٦٦ والمخمَّنة حوالي ٣٠٠٠٠٠ (Mora et al., 2011). عدد الشُّعب ٦، وعدد الصفوف ٤٠، وعدد الرُّتَب ٢٠٥ (Ruggiero et al., 2015).

(ز) مملكة الحيوان Kingdom Animalia

الحيواناتُ كائناتٌ حيةٌ حقيقيةُ النواة، عديدة الخلايا الفاقدة لجدار الخلية، وبذلك تتمكَّن من الحركة الانتقالية. جميع الحيوانات غَيْرية التغذية وطريقةُ تغذيتها ابتلاعية. تتراوح أحجام الحيوانات بين الصغيرة إلى الكبيرة جدًّا مثل الحيتان. جسمُ الحيوان يتالَّف من أعضاء وأنسجةٍ مختلفة. تعيش الحيوانات في جميع البيئات المائية واليابسة، وتدخل في علاقاتٍ تعايشيةٍ مع البكتيريا والأركيا والفطريات. مُعظَم الحيوانات الراقية تتكاثر جنسيًّا فقط.

تضُم مملكة الحيوان ٩٥٣٤٣٤ نوعًا موصوفا، والأنواع المخمَّن وجودها ٧٧٠٠٠٠٠ (Mora et al., 2011). عدَد الشُّعب ٣٤، وعدد الصفوف ٩٩، وعدد الرُّتَب ٥٠٨ (Ruggiero et al., 2015).

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤