النجدة … يا شاويش!

كان واضحًا على «تختخ» أثر الصراع الذي خاضه في تلك الليلة … ولكنه كان هادئًا ومُتماسكًا تمامًا وهو يَروي للمُغامرين ما حدث … وكانوا يَستمعون إليه مبهورين بتلاحق الأحداث وعنفها … وانتهى «تختخ» من حديثه بقوله: هناك حقائق لا شَكَّ فيها في هذه القصة كلها … منها أنَّ الولد الأخرس له أهمية كبيرة بالنسبة لبعض الناس … ولعلَّ أهمَّ ما يجب أن نفعله أن نعرف … لماذا هو مُهمٌّ إلى هذا الحد؟!

وسكت «تختخ» لحظة ثم مضى يقول: ثانيًا … إنَّ الولد مغلوبٌ على أمره؛ فهؤلاء الناس ليسوا أهله مطلقًا … ولو كانوا كذلك لما احتاجوا إلى خطفه … ثالثًا … إن مدينة الأقصر لها أهمية خاصة في هذه القصة كلها!

كانت «لوزة» منفعلة جدًّا، وهي تسمع القصة والتفاصيل فقالت: هل تعتقد أنهما قبَضا على الولد؟

تختخ: لا أعرف … لقد كنتُ مُشتبكًا في صراع مع الرَّجل الثاني عندما فَرَّ الأخرس كما طلبتُ منه … ولا أدري ماذا حدث بعد ذلك!

ساد الصَّمْتُ المغامرين بعد قصة «تختخ» المثيرة، وبعد الحوار القصير الذي دار بينه وبين «لوزة»، كان كلٌّ منهم يفكر فيما حدث، وما ينبغي أن يتم بعد ذلك.

وكان «عاطف» أوَّل من قطع حبل الصمت قائلًا بخفَّة دمه المعهودة: يبدو أنَّ الولد الأخرس قد أعْدَانا وأصبحنا خرسًا مثله!

وابتسم «عاطف» ونظر في وجوه المغامرين، ولكنَّ أحدًا منهم لم يَبتسِم.

وقال «محب»: ما هي خطتنا التالية؟

رد «تختخ»: إبلاغ الشاويش «علي» بالطبع!

قالت «لوزة» بانفعال: الشاويش «علي»؟! إنه سيُعقِّد كلَّ شيء!

تختخ: لا تنسَي «يا لوزة» أنَّ هناك بلاغًا في قسم الشرطة عن الولد الأخرس، وبالطبع لا بد من إخطار الشرطة بما حدث له، بالإضافة إلى اقتحام هذين الشخصين للفيلا.

قالت «نوسة»: تعالوا نتناقش في الحديقة؛ فإنَّ الشمس مشرقة في الخارج، والجو هنا شديد البرودة.

وخرج الأصدقاء الخمسة يتبعهم «زنجر» إلى الحديقة، ولم تمضِ سوى لحظات قليلة حتى ظهر الشاويش «علي» عند باب الحديقة يَحمل بعض الأوراق.

تقدم الشاويش وهو ينظر إلى المُغامرين فاحصًا، وعرف «تختخ» على الفور أنه يبحث عن الأخرس، وقام «تختخ» وقال: صباح الخير يا شاويش، لقد جئتَ بالطبع من أجل الأخرس!

قال الشاويش: إني لا أراه بينكم!

رد «تختخ»: إنَّه لم يعد موجودًا لا بيننا ولا في «الفيلا» … وربما ليس في المعادي كلها!

فتح الشاويش فمه كأنه لا يُصَدِّق ما يقوله «تختخ» وقال في دهشة: لا أفهم ماذا تقصد! أشار «تختخ» إلى أحد الكراسي، وقال: تفضَّل يا شاويش وسأحكي لك كل ما حدث.

امتدت يد الشاويش إلى الكرسي، وما زال فمه مفتوحًا وجلس، ونظر «تختخ» إلى «لوزة» … ففهمت على الفور أنه يُريد منها أن تَذهب لإعداد كوب شاي ثقيل للشاويش.

وقامتْ «لوزة» مُتردِّدة، فقد كانت تُريد أن تستمع إلى الحوار الذي سيدور بين «الشاويش» وبين «تختخ» … وكما فهمت «لوزة» ما يُريده «تختخ» … فهم «تختخ» ما تُريده «لوزة» … وابتسم لها.

وأسرعت «لوزة» إلى الفيلا، ولكي يكسب «تختخ» وقتًا حتى تعود «لوزة» أشار إلى «زنجر» إشارة خفية فقام «زنجر» بالواجب على الفور، وأخذ يُداعب قدمَي الشاويش الذي أخذ يصيح بغضب: أبعدوا هذا الوحش عنِّي!

وكان هذا ما يريده «تختخ» بالضبط؛ فقد سحب «زنجر» واتجه به إلى نهاية الحديقة.

وعندما عاد «تختخ» كانت «لوزة» قد عادَت هي الأخرى بعد أن أوصت الشغالة «حسنة» لتعد الشاي للشاويش.

وبدأ «تختخ» يروي للشاويش ما حدث بالليل، والشاويش يستمع، وقد بدا عليه عدم التصديق … حتى إذا وصل «تختخ» إلى إطلاق الرصاص قال الشاويش في ضيق: أتُريدني أن أصدق أن الرجل حاول قتلك؟

تختخ: الحقيقة أنني لا أعرف إذا كان يُريد قتلي أو لا، ولكن هذا ما حدث على كلِّ حالٍ!

الشاويش: ألم يَسمع أحد طلقة الرصاص؟

تختخ: أعتقد أنَّ أحدًا لم يسمع … فقد كان الجو عاصفًا.

الشاويش: هل تستطيع إثبات أنَّ كل هذا حدث؟

وضع «تختخ» يده في جيبه وأخرج الرصاصة ومدَّها إلى الشاويش، وقال: هذه هي الرصاصة، والثقب ما زال موجودًا في الحائط.

فحص الشاويش الرصاصة ثم ردَّها ﻟ «تختخ» وقال: المهم ماذا حدث للولد بعد ذلك؟

وروى له «تختخ» ما حدث بعد إطلاق الرصاص … حتى إصابته بالإغماء … أمسك الشاويش بكوب الشاي الذي قد أحضرته «حسنة»، وقال وهو يهزُّ رأسه: ما هي استنتاجات المغامرين الخمسة عن هذه القصة العجيبة؟

تختخ: لقد كنا نتحدث قبل وصولك عن أهمية هذا الولد الأخرس … ولكنَّنا لم نعرف حتى الآن لماذا هذا الاهتمام حتى يُحاول شخصان خطفه بهذه الطريقة العجيبة!

انتهى الشاويش من شرب الشاي، وقال وهو يقف: أريد أن أرى المكان الذي دارت فيه هذه المغامرة العجيبة.

تختخ: إنك تُكرِّر كلمة «العجيبة» يا شاويش وكأنك لا تُصدِّق ما حدث …

الشاويش: ليس هذا مُهِمًّا، أن أصدق أو لا أصدق الآن، المهم فقط هو خدمة العدالة، فسأرى بنفسي حقيقة كل الذي قلته.

اتجه «تختخ» والشاويش إلى داخل الفيلا … وبقيَ المغامرون الأربعة، وقد بدَت على وجوههم الحيرة، ولكن «نوسة» قالت فجأة: أعتقد أن نقطة البداية ستكون في الأقصر … ومن الصدفة العجيبة أن يكون والدا «تختخ» هناك، وبهذا يُمكن أن تجد سببًا معقولًا للسفر.

قال «محب»: معقول جدًّا، ولنَنتظر «تختخ» ونعرض عليه الفكرة.

مرت فترة قصيرة ثم ظهر الشاويش ومعه «تختخ» واتجها إلى حيثُ كان الأصدقاء يجلسون، ولاحظت «لوزة» أن وجه «تختخ» كان غاضبًا على حين كان الشاويش يبتسم.

وقال الشاويش وهو ينظر إلى المغامرين الخمسة: لقد كان خطؤكم أن تَحتفظُوا بالولد عندكم … ولو بقي عندي لما استطاع أحد أن يقترب منه … وهذا درس لكم لعلكم تتوقفون عن التدخل فيما لا يَعنيكم.

وقبل أن يتمكَّن أحد من الرد استدار الشاويش وغادر المكان وهو يسير مزهوًّا … إنه حقق انتصارًا تاريخيًّا على الأصدقاء …

وجلس «تختخ» صامتًا فقالت «نوسة»: لا تدع حديث الشاويش يُضايقك، لقد فعلت ما بوسعك، وعلينا أن نُحاول العثور على الأخرس سواء كان الرجلان قد خطفاه أو أنه هرب.

وسكتت «نوسة» لحظة ثم مضت تقول: كنتُ أتحدَّث الآن مع الأصدقاء عن الأقصر، وأنها هي النقطة التي يجب أن نبدأ منها حالًا ما دمت قلت إنها كانت موضع اهتمام الولد.

فجأةً قالت «لوزة»: لقد روى لنا «تختخ» الحركات والإشارات التي قام بها الولد الأخرس عندما شاهد صورة مدينة «الأقصر»، فلماذا لا نُحاول تفسير هذه الإشارات لعلنا نخرج منها بشيء ينفعنا؟

قال «تختخ»: سأحكي لكم ما فعله …

ولكن قبل أن يبدأ الحديث قال «عاطف»: بدلًا من أن تحكيَ لنا أليس من الأفضل أن تُمثِّل دور الأخرس شخصيًّا، وبدلًا من أن تقول لنا إنه رفع يده أو أنزلها تقوم بتمثيل كل هذا؟!

نوسة: هل تُريد السخرية «يا عاطف»؟

رد «تختخ»: أبدًا، هذا منطقي … تعالوا نذهب إلى الغرفة، وسأمثل لكم كل ما قام به الأخرس.

دخلوا جميعًا إلى الفيلا وصعدوا إلى الدور الثاني حيث توجد غرفة الضيوف، وقف «محب» و«نوسة» و«عاطف» و«لوزة» في جانب من الغُرفة، وأخذ «تختخ» يُمثِّل دور الأخرس … كانت أول حركة هي الإشارة إلى صدرِه بيده، فقالت «نوسة»: أعتقد أنه يقصد أن يقول أنا.

كانت الإشارة الثانية إلى نور الغرفة، وأبعد يدَيه في حركة أفقية فقالت «لوزة»: هو يُريد أن يقول إنَّ الدنيا كانت ظلامًا.

كانت الإشارة الثالثة بإصبعَيه إلى عينَيه … فقال «عاطف»: إنه يريد أن يقول كنت أرى برغم ذلك.

ومضى «تختخ» يُكمل حركات الأخرس، وإشاراته والأصدقاء يُقدمون استنتاجاتهم حول معنى هذه الإشارات والحركات، وعندما انتهى «تختخ» من تمثيل كلِّ ما تذكره من حركات الأخرس … كانت قد تكوَّنت عندهم فكرة معقولة عما أراد الأخرس أن يقوله، وقال «تختخ»: أعتقد أنَّ شيئًا ما بدأ يدور في ذهني بعد استنتاجاتكم المعقولة حول حركات الأخرس وإشاراته.

لوزة: أين الكارت الذي به صورة الأقصر؟

تختخ: لا أدري إذا كنت قد أخذتُه معي أم تركته للولد!

لوزة: اذهب للبحث عنه في غرفتك، وسنَبحث عنه هنا!

وبدأ الأصدقاء يفتشون الفراش … وفجأة قالت «نوسة»: ما هذا؟ ومَدَّت يدها تحت أغطية الفراش التي كانت ما تزال مكومة من أثر الصراع، وأخرجت منديلًا كبيرًا مُتَّسِخًا.

نظر الأصدقاء إلى المنديل وقال «عاطف»: منديل! لا شيء سوى منديل.

نوسة: ولكن ألم تلاحظ ما عليه من ألوان؟!

دقق الأصدقاء النظر في المنديل وقال «محب»: إنه بالتأكيد ليس منديل «تختخ» وليس منديل الأخرس؛ فهو لم يكن يملك شيئًا.

لوزة: أتقصد أنه منديل الرجل الذي صارع «تختخ» في الغرفة؟

محب: بالتأكيد.

وقرب «محب» المنديل من أنفه ثم قال: إنَّ به رائحة غريبة لم أشمَّ مثلها في حياتي من قبل.

ودخل «تختخ» في هذه اللحظة يحمل الكارت، فوجد الأصدقاء مُلتفين حول المنديل فقال: ما هذا؟

عاطف: منديلك؟

تختخ: لا، طبعًا.

محب: إنه منديل الرجل الذي صارعتَه.

أمسك «تختخ» بالمنديل بأطراف أصابعه، ولاحظ على الفور الألوان الحمراء والزَّرقاء التي لوَّثَت المنديل … ثم كما فعل «محب» قرب المنديل من أنفه، وأخذ يشمه بعمق، ثم قال: إنَّ به رائحة غريبة.

نوسة: هذا ما قاله «محب».

تختخ: وهذا يُناسب الفكرة التي تدور بذهني.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤