استنتاجات

لم ينتَهِ «تختخ» من جملته حتى سمع المغامرون صوت سيارة تقف أمام الباب، ونظرت «لوزة» مِنَ النَّافذة ثم قالت: المفتش «سامي» ومعه بعض رجاله!

محب: لقد أخطَرَه الشاويش بما حدث.

أسرعت الشغالة «حسنة» تفتح الباب، ودخل المفتش بقوامه الفارع وخطواته النشيطة … وأسرع إليه المغامرون … وقال المفتش: هل ما رواه لي الشاويش صحيح؟

تختخ: نعم.

المفتش: شيء خطير … هل حافظتَ على البصمات وغيرها من الأدلة؟

تختخ: نعم.

أشارَ المفتِّش إلى رجاله فبدءوا في رفع البصمات … وجلس المفتش مع «تختخ» يستَمعُ إلى أحداث الليلة، وعندما انتهى «تختخ» من حديثه ناول المفتش المنديل الذي عثروا عليه قائلًا: أعتقد أنه يخصُّ الرجل الذي كان يحمل الأخرس؛ فقد تصارعنا في الغرفة، فسقط منه المنديل.

أمسك المفتش بالمنديل ولاحظ على الفور الألوان التي به، وقال: يبدو أنه يشتغل رسامًا أو نقاشًا!

تختخ: لا أعتقد.

المفتش: لماذا؟

تختخ: لا أدري … على كل حال، فإنَّ الرجل الذي صارعتُه كانت يداه أشبه بالمطرقة، أصابعه طويلة غليظة خشنة الملمس، وقد عرفتُ كل ذلك عندما أطبق بيديه على رقبتي.

المفتش: وهل كوَّنتَ فكرة عن هذه الأحداث كلها؟

تختخ: نعم.

وروى «تختخ» للمفتش فكرته … فأخذ يستمع إليه باهتمام وهو يهز رأسه ثم قال: إنَّ فكرتك يُمكن أن تكون صحيحة بعد أن نُرسل المنديل إلى المعمل الجنائي لتحليل ما عليه من ألوان.

تختخ: هذا ما فكرت فيه.

كان بقية المغامرين يُتابعون أعمال أعوان المفتِّش، وهم يُفتشون المكان بدقة، ويرفعون البصمات، وعندما انتهوا من عملهم، أعطاهم المفتش المنديل والرَّصاصة، وطلب إرسالها على وجه السرعة إلى المعمل الجنائي.

وبعد أن قضى المفتش فترة في الحديث مع المغامرين، ودَّعُوه حتى باب الحديقة، وقال: إنه سيُخطرهم بنتيجة رفع البصمات، والمنديل، والرَّصاصة؛ بمجرد انتهاء المعمل الجنائي.

•••

قضى المغامرون بعض الوقت في الحديث، وكان من رأي «لوزة» أنَّ الأخرس لم يقع في قبضة العصابة، وأنهم يجب أن يبحثوا عنه.

قال «عاطف» ساخرًا: وكيف نبدأ هذا البحث؟

قالت «لوزة»: لماذا لا يشمُّ «زنجر» ثياب الأخرس ثم ينطلق لعله يصل إلى المكان الذي يختفي فيه؟

قالت «نوسة»: هناك شيء آخر … إنني لا أرى القطة التي كانت مع الأخرس!

محب: لقد كانت آخر مرة رأيتُها فيها عندما طاردها «زنجر» في الحديقة أمس.

تختخ: لقد كانت في الفيلا على ما أذكر حتى ساعة النَّوم ليلًا … على كل حال لا بأس أن نُحاول عن طريق «زنجر» فليس هناك ما نفعله سوى هذا.

نوسة: إنني أقترح أنْ نُسافر إلى الأقصر!

تختخ: إنني أعتقد أننا سنُسافر، ولكن ليس الآن، فلا بُدَّ من انتظار نتيجة البصمات والتحاليل التي سيجريها المعمل الجنائي.

قام «تختخ» بإحضار «زنجر» وبحثوا عن ملابس الأخرس القديمة، وقال «تختخ» ﻟ «زنجر» وهو يضع الثياب أمامه: هيا يا «زنجر» … نُريد أن نعرف مكان الولد الأخرس.

شَمَّ «زنجر» الثياب بعمق، ثم رفع رأسه إلى أعلى، وأخذ يدور في جهات مُختلفة، ثم انطلق إلى ركن في الحديقة، وتوقف هناك لحظات … وأخذ المغامرون يَفحصُون المكان الذي كان يقع تحت إحدى الشرفات بعيدًا عن المطر … ومدت «لوزة» يدها والتقطت زرارًا أخضر اللون، وقالت: هذا أحد الأزرار التي كانت في الثياب التي أعددتُها للولد.

محب: واضح جدًّا أن الأخرس كان يَختبئ في هذا المكان.

مرَّت فترة من الوقت ثم قالت «نوسة»: أهمُّ من هذا أنَّ الأخرس في الغالب لم يقع في أيدي العصابة!

أشار «تختخ» إلى «زنجر» وقال: ماذا بعد ذلك؟

أخذ «زنجر» يدور في المكان، ويتشمَّم الأرض … كان واضحًا جدًّا أنَّ الأمطار أضاعت الرائحة … ولكن «زنجر» أخذ يحاول، وأخيرًا عاود الانطلاق إلى اتجاه باب الحديقة الخلفي … وقفز من خلاله وخرج الأصدقاء خلفه.

كان الشارع الذي تطل عليه حديقة «تختخ» غارقًا في ماء المطر … لم يكن هناك شَكٌّ في أن «زنجر» لن يستطيع تتبع الرَّائحة أكثر من ذلك، فقد توقف في مكانه، وأخذ يعوي في غضب.

وقال له «تختخ» وهو يربت على رأسه: لا بأس أَيُّها المغامر الذكي، لقد فعلت كل ما بوسعك.

اقترحت «نوسة» على المغامرين أن يقوموا بجولة في شمس النَّهار الدافئة مشيًا على الأقدام، فوافقوا جميعًا، واتجهوا إلى كورنيش النيل وهم يتحدثون … فجأة قالت «نوسة»: إنني أحس أننا مراقبون.

تختخ: سنستمرُّ في السير كأننا لم نُلاحظ شيئًا … فإنني أشعر بهذا منذ خرجنا من البيت.

عندما وصلوا إلى الكورنيش اتجهوا إلى كازينو «جود شوط» وطلبوا فناجين من الكاكاو الساخن، وقام «تختخ» متظاهرًا أنه ذاهب إلى دورة المياه، وأخذ يتفحص وجوه الزَّبائن الذين دخلوا بعده … لكنه لم ير أحدًا يمكنه أن يشك فيه.

•••

انقضى بقية النَّهار دون أن يحدث شيء … أو يتصل المفتش «سامي» بهم … وافترق الأصدقاء في المساء على أن يلتقوا مرة أخرى في الصباح.

كان الجو شديد البرودة … وخلع «تختخ» ثيابه … وارتدى «بيجامة» من الصوف وتمدَّد في فراشه تحت الأغطية … وأخرج دفتر مذكراته الصغير، وأخذ يقرأ الملاحظات التي دوَّنها عن الأخرس … والفكرة التي تدور بذهنه عن الأحداث التي تتطور شيئًا فشيئًا … وهبط الظلام سريعًا … وساد الصمتُ وما زال «تختخ» متمدِّدًا في فراشه، وقد وضع أمامه «الكارت» مقسومًا إلى قسمين … أحدهما يمثل معبد الكرنك … والثاني يُمثِّل مجموعة من النقوش الفرعونية … وتحت هذه النقوش كتب: «من النصوص الجنائزية في مقبرة «سيتي».» وفجأة ضرب «تختخ» جبهته بيده وقال: الأحمر والأزرق!

في تلك اللحظة دخلت الشَّغَّالة «حسنة» وقالت ﻟ «تختخ»: هل تتعشى الآن؟ فرد «تختخ»: نعم … ثم نحى الأغطية جانبًا … ونزل إلى الدور الأرضي … وجلس إلى مائدة الطعام، وهو يضع رأسه بين كفَّيه مُستغرقًا في تفكير عميق، ويُردد بين فترة وأخرى: الأحمر والأزرق!

وتناول «تختخ» طعام عشاءه، وهو شاردُ الذِّهْن حتى إنه لم يحسَّ بطعم الأكل … ثم تذكر أنَّ «زنجر» لم يتناول عشاءه، فخرج إليه وأحضره ووضع له بعض الطعام، وجلس يُراقبه وهو يأكل وقال له: أعتقد يا «زنجر» أننا سنقوم الليلة بمعركة أخرى. هل أنت مُستعد؟

رفع «زنجر» رأسه ونظر إلى «تختخ» وكأنما فهم ما قاله، وأطلق نباحًا هادئًا كأنما يقول: إنني على استعداد.

نظر «تختخ» إلى ساعته … كانت الثامنة والنِّصف … فقرر أن يتصل بالمفتش «سامي»، فقام إلى التليفون ورفع السماعة … ولكن التليفون كان صامتًا كأنه قطعة من الخشب، وأحسَّ «تختخ» بشعور غامض … إن خطرًا ما يحوم حوله … ولكنه أحسَّ بالطمأنينة عندما وجد «زنجر» يجلس بجواره رافعًا الرأس لامع العينين.

فقرَّر «تختخ» أن يُبْقِي «زنجر» معه داخل الفيلا … وهكذا طلب منه أن يتبعه، وصعدا إلى غرفة النوم … جلس «تختخ» على الفراش وقبع «زنجر» على الأرض بجوار الفراش.

مضت فترة من الوقت و«تختخ» يستمع إلى محطة البرنامج الموسيقي، ويُفكر حتى ثقلت جفناه وأطفأ النُّور.

وفي الخارج عادت العاصِفَة الشتوية إلى الهجوم مَرَّة أخرى بعد أن ظَلَّت هادئة طوال النهار … وبرغم قوة العاصفة فإنَّ «زنجر» اليقظ أحسَّ أن شيئًا غير عادي يحدث في الخارج …

وقف على قدميه الخلفيتين … ومَدَّ ذراعيه وأخذ يهز «تختخ» بشدة وهو يُزَمْجِر … فاستيقظ «تختخ» مذعورًا … رأى جسد «زنجر» يهتز متوتِّرًا وأدرك أنَّ شيئًا غير عادي يحدث داخل الفيلا أو خارجها.

قفز من فراشهِ مُسْرعًا وتبع «زنجر» الذي انطلق كالسهم إلى الدور الأسفل من الفيلا، ثم إلى غرفة المكتبة التي يفتح بابُها على الحديقة مباشرة.

فتح «تختخ» الباب بهدوء وهو يضع يده على رأس «زنجر» حتى لا يَخرج، وأخذ يحدق في الظلام، ويُنصت، ولكنه لم يسمع شيئًا … ومضت لحظات … ثم ظهر شبح صغير يجري … وعندما وصل الشبح إلى قرب الباب، ظهر شبحان آخران يَجريان خلفه بين الأشجار … ثم اندفعت قطة صغيرة داخله … وخلفها اندفع الأخرس … وأغلق «تختخ» الباب فورًا … فقد تقدم أحد الشبحين مُسرعًا مُحَاولًا الدخول!

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤