الهجوم الثاني

ارتمى الأخرس الصغير على أرض الغرفة … كان أزرق اللون مُتسارع الأنفاس مُبْتَل الثِّياب، وأسرع «تختخ» إليه ووضع يده على جبهته … كانت درجة حرارته مُرتفعة، وأخذ يسعل سعالًا طويلًا جافًّا، وأدرك «تختخ» أنَّ الولد الصغير مريض جدًّا، وأنه مُشرف على الموت، فحمله بين ذراعيه وأسرع يصعد به إلى الطابق الثاني، حيث أبدل له ثيابه ومدده في الفراش وغطاه، ورأى القطة الصغيرة تقفز إلى الفراش وتأوي إلى صدر الأخرس الصغير.

نظر «تختخ» إلى ساعته، كانت الثانية بعد منتصف الليل … وأسرع إلى التليفون، ورفع السماعة، ومرةً أخرى وجد التليفون صامتًا لا أثر للحياة فيه، وأدرك «تختخ» أنه في مأزق لو اقتحم الرجلان عليه الفيلا وهو وحيد بلا سلاح، وهما لا شك مُسلَّحان … وعرف أنهما قد كانا يُراقبانه طول النهار، وأنهما قطَعا سلك التليفون لمنعِ اتصاله بالخارج.

كان عليه أن يتصرف بسرعة، فذهب إلى غرفته وأخرج مسدَّس الصوت الذي يحتفظ كل واحد من المغامرين الخمسة بواحد منه، وأسرع إلى الطابق الأرضي … كان «زنجر» يقف مهتاجًا في «الصالة» فلم يكد يرى «تختخ» حتى اندفع إلى الغُرفة التي دخل منها الرجلان في المرة الأولى … وأدرك «تختخ» أنهما يحاولان الدخول من الطريق نفسه مرة أخرى.

كان جسد «زنجر» يرتجف وهو يُحاول الهجوم على الأيدي التي كانت تعبث بالنَّافذة … ولكن «تختخ» كان يربت عليه … فقد وضع خطة صغيرة ولكنَّها كافية لإبعاد الرجلين … وأسرع إلى غرفة أبيه وأحضر عصا من المجموعة التي يَحتفظ بها والده … ووقف يراقب الأيدي التي كانت تعمل بسرعة لإزالة المسامير التي دق بها «تختخ» الأخشاب في مكانها … وإن بقي الزُّجاج مكسورًا فلم يتَّسع الوقت لاستبداله. كان قلب «تختخ» يدق بشدة، ولكنه ظل مُتمالكًا لأعصابه فقد كان محتاجًا إلى كل ذكائه وشجاعته.

بعد فترة امتدَّت يدٌ إلى الداخل لفتح الزجاج … وكانت هذه هي اللحظة التي يَنتظرها «تختخ»، فقد رفع العصا، وبكلِّ ما يَملك من قوة هوى بها على الذراع المُمتدَّة … وسمع صرخة ألم … وفي الوقت نفسه أطلق طلقة من مسدس الصوت دوت بشدة … وسرعان ما سمع أقدامًا تجري … وابتسم لأول مرة … لقد هرب الرجلان …

قال «تختخ» ﻟ «زنجر»: ابقَ أنت هنا.

وأسرع «تختخ» إلى غرفة الأخرس … كان الولد الصغير الضعيف يسعل بشدة … وأدرك «تختخ» أن عليه أن يتصرَّف بسرعة لنقله إلى المُستشفى ليُعالج، وليُوضع تحت الحراسة في الوقت نفسه … ولكن كيف السبيل إلى الاتصال بالعالم الخارجي، والتليفون مقطوع السلك؟!

وفجأة طرأت ﻟ «تختخ» فكرة أسرع إلى تنفيذها … كتب بضعة أسطر إلى «محب» قائلًا: الرجلان يَحومان حول الفيلا … الولد عاد … احضر ومعك الشاويش بسرعة … واتَّصِل في الوقت نفسه بالإسعاف، لا بد من نقل الولد إلى المستشفى؛ فهو في حالة سيئة.

ونزل «تختخ» مُسرعًا، وعَلَّق الرِّسالة في الطوق حول رقبة «زنجر» وقال له: إلى «محب» فورًا … وعد.

هَزَّ الكلب ذيله موافقًا … وذهب «تختخ» على باب الفيلا وأنصت لحظات، ثم فتح الباب بسُرعة وقال: هيا.

انطلق «زنجر» في الظلام، وأغلق «تختخ» الباب، وعاد إلى الغرفة التي حاول الرجلان الدخول منها … كان صوت العاصفة قد هدأ قليلًا وأصبح في إمكانه أن يسمع صوت أيَّ شخص يقترب … ومَرَّت الدقائق بطيئة دون أن يحدث شيء، وبدأ يحس ببعض الاطمئنان فصعد إلى حيث يرقد الولد، ووجد درجة حرارته ما زالت مُرتفعة … وسعاله لا ينقطع …

جلس بجواره لحظات ثم نزل مرة أخرى، وذهب إلى الغرفة … لم يجد شيئًا، ولم يسمع صوتًا … ومضت فترة وهو واقف في الظلام حتى سمع صوت نباح «زنجر» فأسرع يفتح له الباب … واندفع الكلب الذكي … ووجد «تختخ» ردًّا من «محب»: سأُنفِّذ التعليمات فورًا.

ربَّت «تختخ» على رقبة «زنجر»، وجلس في الصالة يستعرض الأحداث التي جرت … لقد هرب الولد الصغير … واختفى في مكانٍ ما طول النهار، ثم قرَّر العودة، رُبَّما تحت تأثير المرض أو الجوع … وكان الرجلان يراقبان الفيلا، فشاهداه وهو يدخل … ولحسنِ الحظ أن تنبَّه «زنجر» وأيقظ «تختخ» ليفتح الباب للولد في الوقت المناسب … لقد قام «زنجر» بدور عظيم في هذه الليلة، وها هو ذا يجلس أمام الغرفة التي حاول الرَّجُلان اقتحامها متنبِّهًا مُستعدًّا.

ومضت فترة أخرى وسمع «تختخ» صوت جرس دراجة «محب»، وأسرع ليفتح الباب … قال «محب» وهو يَلهث: لقد تركت الشاويش يلبس ثيابه وحضرت مسرعًا … أين الرجلان؟

تختخ: أتظن أنهما قد ابتعدا؟ فقد ضربتُ أحدهما على يده ضربة قوية لعلَّه ما زال يصرخ منها.

محب: احكِ لي ما حدث!

وروى «تختخ» بسرعة ما حدث … فقال «محب»: كيف نسينا أن نطلُب من المفتش أن يضع حراسة على المنزل؟

تختخ: هذا أفضل … فقد عاد الأخرس … وسنُحاول إقناع المفتش «سامي» باستخدام الأخرس طُعمًا للإيقاع بالعصابة أو على الأقل بالرجلَين اللذَين حاوَلا خطفه … ونعرف منهما الحقيقة.

محب: إنك لم تقل لنا فكرتك حتى الآن … هذه الفكرة التي كنتَ تُناقشها مع المفتش «سامي» أمس.

تختخ: إن الفكرة لم تنضج بعد … ولكن إذا وصلت تحاليل المعمل الكيميائي غدًا … وتطابقت مع ما وصلتُ إليه من استنتاجات، فسوف أحكي لكم الفكرة.

محب: إنني أشعر ببردٍ فظيع … هل يُمكن أن تعدَّ لنا كوبين من الشاي؟

تختخ: هيا إلى المطبخ.

وجلس الصديقان في المطبخ، يتحدثان والماء على النار … وسمعا صوت جرسِ سيارة الإسعاف … وأسرع «تختخ» يفتح الباب … وظهر رجلان يحملان نقالة … وظهر الشاويش «علي» في الوقت نفسه … وكان قد ارتدى ثيابًا ثقيلة … وارتدى فوق كل هذا معطفًا ثقيلًا فبدا كأنه كرنبة محشوَّة، وفي يده لمع مسدَّس حكومي ضخم.

صاح الشاويش: أين المجرمون؟

تختخ: أيُّ مجرمين؟

الشاويش: لقد زارني صديقك «محب» وقال: إنَّ شخصَين يُحاولان اقتحام الفيلا والاعتداء عليك.

قال «تختخ» بتأثُّر: شكرًا يا شاويش على عواطفك نحوي.

الشاويش: لا عواطف … إنني أؤدِّي الواجب …

وقف الرجلان أمام الباب فقال «تختخ»: تفضَّلا … إنَّ المريض في الدور الثاني، دخل الرجلان وصعدا السلَّم وخلفهما «تختخ» يروي للشاويش بسرعة ما حدث، وبالطبع لم يُصَدِّق الشاويش حرفًا مما قاله «تختخ» إلا بعد أن شاهَدَ الأخرس الصغير وهو يتلوَّى من السعال والحمى.

قال «تختخ» للشاويش: مهمتك الآن يا شاويش حماية هذا الولد … فقد يكون الرجلان قريبين يُراقبان ما يحدث.

الشاويش: ليُحاولا … وسيجداني في انتظارهما.

ثم أضاف بسخرية: هل يظنَّان أنَّني مثلك؟!

لم يردَّ «تختخ» فلم يكن مُستعدًّا لإغضاب الشاويش في هذه الليلة، حتى إنه عندما حاول «زنجر» أن يتعرَّض للشاويش كالمعتاد، أسرع يمنعه.

انطلقت سيارة الإسعاف وبها الشاويش والأخرس … وجلس «تختخ» و«محب» يشربان الشاي الساخن ويتحدَّثان … وقام «تختخ» بتوصيل سلك التليفون المقطوع. وأمضى «محب» بقية الليل عند «تختخ»، وفي الصباح اتصل «تختخ» بالمفتش «سامي» وروى له ما حدث … وسأله عن نتيجة تحاليل المعمل الجنائي، فقال المفتش: بعد لحظات سوف أتصل بك.

جلس «محب» و«تختخ» في انتظار مكالمة المفتش، وظهرت «نوسة» و«لوزة» و«عاطف» عند باب الحديقة فقال «محب»: إنَّ «نوسة» قرأت الرِّسالة التي أرسلتَها لي …

قالت «لوزة»: مرةً أخرى … ماذا حدث؟

تختخ: لا شيء … هو ما حدث ليلة أمس … الفارق الوحيد أنَّ «زنجر» كان معي … وبدلًا من أن يَقتحِم الرجلان الفيلا، أصيب أحدهما بضربة قاسية، وهرب الاثنان …

لوزة: وأين الأخرس؟

تختخ: إنه في المستشفى … في غاية المرض.

لوزة: سأذهب فورًا لزيارته.

نوسة: وأنا معك.

وانصرفت الفتاتان … ودَقَّ جرس التليفون … كان المتحدث هو المفتش «سامي» وأخذ «تختخ» يُنصِت بانتباه: إحدى البصمات لمُجرِم مشهور هارب من السجن … من أسيوط … ولكن ليس معروفًا له مكان الآن … اسمه «خليفة الزين» وشهرتُه «الزين».

الرصاصة من مسدَّس «برتا» غير مرخص.

قال «تختخ» بلهفة: المُهم … الأحمر والأزرق.

المفتش: نظريتك صحيحة … إنها تُشبه الألوان التي كان يستخدمها الفراعنة، والمُرجَّح أنها من أحد مقابر الفراعنة المدفونة، والتي لم تَخرُج إلى الشمس … ومن المعروف أنَّ هذه الألوان ثابِتة ولا تُمسح بسهولة … لهذا يُرَجَّح أن تكون اللوحات نُزعت لسرقتها.

تختخ: أشكرك يا سيدي المفتش … سنُسافر فورًا إلى الأقصر.

المفتش: كنتُ أود أن أصحبكم ولكن عندي هنا قضية هامة … على كل حال اتصلوا بالمفتش «مندور» في شرطة الأقصر، إنه صديق عزيز، وضابط ممتاز، وستجدون منه كل مساعدة.

وضع «تختخ» السماعة وقال: «محب» و«عاطف»، فورًا … إلى الأقصر.

عاطف: و«نوسة» و«لوزة»؟

تختخ: سنترك لهما رسالة … إنني أريد منهما أن تهتما بالولد الأخرس لعلَّهما تحصُلان منه على معلومات … وإن كنتُ أعتقدُ أنَّ حالته الصحية لن تسمح له بإدراك ما يدور حوله لفترة طويلة.

أسرع «محب» و«عاطف» كلٌّ منهما إلى منزله، وحصلا على إذن بالسفر إلى الأقصر، وقد ساعدهم وجود والد «تختخ» ووالدته هناك على الحصول على ذلك الإذن.

وبعد ساعتين من المكالمة كان المغامرون الثلاثة، يركبون القطار المسافر إلى الأقصر، وطوال الطريق كان «تختخ» يشرح «لمحب» و«عاطف» فكرته عن كل ما حدث.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤