تحت الأرض

كان الجو يزداد دفئًا كُلما اتجهوا جنوبًا … ووصلوا إلى الأقصر قرب الساعة الرَّابعة … واتجهوا فورًا إلى حيث كان والد «تختخ» ووالدته ينزلان في شقة خال «تختخ» الذي سافر إلى الخارج … وكانت مفاجأة أن يجدا «تختخ» أمامهما ومعه صديقاه … واحتضنت الأم ابنها في شوق قائلة: ماذا أتى بك يا «توفيق»؟ لقد حاولنا إقناعك بالحضور فرفضت.

رد «تختخ» وهو يبتسم: لقد غيَّرت رأيي.

قالت الأم: هل تكفيكم غرفة واحدة؟

تختخ: طبعًا.

وفتحت الأم باب غرفة واسعة تُطِلُّ على حديقة صغيرة … وفتح «تختخ» النافذة ونظر إلى الخارج … كان يُريد التأكد أنهم ليسوا متبوعين من العصابة … ولم يجد شيئًا يُثير الشك.

اغتسل الأصدقاء الثلاثة، وتناولوا الغذاء، وارتاحوا قليلًا ثم قال «تختخ» لوالده: سنقوم برحلة إلى البر الغربي.

الأب: هل نأتي معكم؟

تختخ: لا داعي لذلك.

وانصرف الثلاثة مُسرعين … واتجهوا إلى شاطئ النيل، فاستقلُّوا قاربًا إلى الشاطئ الغربي، وسرعان ما كانوا يسيرون متجهين إلى منطقة المقابر الكبرى في «أبيدوس» حيث مقبرة «توت عنخ آمون» ومقبرة «سيتي الأول»، وكانت مجموعات السياح تتناثر على طول الشاطئ … بعضها ذاهب إلى المقابر … وبعضها عائد منها … وانضم المغامرون الثلاثة إلى أحد الأفواج النَّازلة إلى مقبرة «سيتي».

ومال «عاطف» على «محب» قائلًا: هل نحن في مغامرة حقًّا … أو أننا من السياح الأجانب؟! إنني لا أشعر بأن أي شيء يُمكن أن يحدث في هذا المكان.

محب: لقد سمعتُ فكرة «تختخ» وأظن أنها معقولة … المشكلة هي من أين نبدأ في هذه الصحراء الواسعة … وكيف العثور على ما يدلنا على أفراد العصابة بين هؤلاء الناس؟

وبدءوا النزول إلى مقبرة «سيتي» … كانوا ينزلون على سلالم حديدية رفيعة مُعَلَّقة، الجانب الأيمن منها للنزول … والجانب الأيسر للصعود … واختفى ضوء النهار … وظهرت أنوار كهربائية خفيفة في أماكن مُتَباعِدة … كانت الظلمة هي الغالبة … وبدأ «عاطف» يحسُّ بتوتُّر وشيء ما في نفسه يهتف به أن شيئًا غير عادي سيَحدُث … وقد حدث فجأة … في منحنى مُظلم وجد «تختخ» نفسه يتمايل بشدة، ثم يسقط من فوق السلم … وسمع «محب» صوته وهو يَصيح: «محب» … «عاطف»!

والتفت الصديقان إلى مصدر الصوت، ووجدا «تختخ» يتعلَّق بذراع واحدة بدربزين السلم … وأسرع «محب» و«عاطف» إليه … ووقف بعض السياح ينظرون إليهم في دهشة … ثم أسرعوا يُساعدون «محب» و«عاطف» في جذب «تختخ» إلى أعلى.

قال «محب»: ماذا حدث؟

تختخ: لا أدري … كنتُ بجوار الدربزين عندما أَحْسَسْتُ بشخصٍ يَدفعني بِشِدَّة ففقدت التوازن وكدتُ أسقط من بين فتحات الدربزين في الهوة تحت السلم … وأسرع هو جاريًا إلى الأمام.

عاطف: ألم تره؟

تختخ: لا … كان ذلك عندما اجتزنا المُنعطَف المظلم.

عاطف: يجب ألا نفترق … وليُمسِك أحدنا بذراع الآخر.

أدرك الثلاثة على الفور أنهم متبوعون بالعصابة.

قال «تختخ»: أعتقد أنَّ واحدًا منهم على الأقل موجود الآن أمامنا؛ لأنه سبقني في النزول، ومضى المغامرون الثلاثة يسيرون معًا بعد أن كانوا قد تفرقوا بين بقية السياح.

كانت مقبرة «سيتي» الأول العظيمة تنحدر ١٠٠ متر في جوف الصخر حتى تنتهي عند القاعة الذهبية حيث دُفن الفرعون الكبير … وأخذ الأصدقاء يهبطون السلم محاذرين … وهم يتفحصون وجوه السياح حولهم، ووصلوا إلى القاعة الذَّهبية حيثُ احتشد عدد كبير من السياح يتفرَّجون مبهورين بعظَمة البناء … وسمعوا الدليل يشرح ما يراه السياح: هذه هي غُرفة المدفن … وتشمل في جزئها الأمامي بهو الأعمدة، وفي مؤخرتها قبو كبير عليه رسوم فلكية تمثل أبراج السماء … وعلى الجدران كما ترون نصوص وصور دينية مختلفة … منها ما يمثل سير زورق آلهة الشمس ليلًا في العالم السفلي … كان صوت الدليل عميقًا … والضوء خافتًا … وبدت جماعة السياح كالأشباح، وأَحَسَّ «عاطف» مَرَّة أخرى بتوتُّر شديد … وكان «تختخ» يدور حول الجدران يتأمل النقوش الزَّاهية الألوان وهو يتمتم: الأزرق والأحمر!

لاحظ «عاطف» أن «تختخ» كان يَنحني بجوار الجدران يفحص الأرض … ويمد يده بين فترة وأخرى يلتقط بعض الأتربة من الأرض.

وانتهت الجولة، وبدءوا رحلة العودة … وعندما وصلوا إلى سطح الأرض مرةً أخرى، كان «تختخ» يقبض كفُّه على شيء، فلما ابتعد الثلاثة عن جماعات السياح فتح «تختخ» يده … كانت هناك كمية صغيرة جدًّا من الأتربة الملونة قد لوثت كف «تختخ» باللونين الأحمر والأزرق.

قال «تختخ»: لقد عرفت كل شيء الآن …

محب: إنَّ هذا يؤيد فكرتك تمامًا.

تختخ: طبعًا … إنَّ العصابة تَسرق اللوحات المرسومة على الجدران …

عاطف: ولكن هذه اللوحات كاملة.

تختخ: سنَعرف ماذا يحدث إذا بقينا حتى يهبط الظلام.

اتجه الأصدقاء بعد ذلك إلى معبد «حتشبسوت» العظيم … وداروا به دورة كاملة مع السياح … ثم أعلن الدليل العودة إلى الشاطئ الشرقي لقُرب مغيب الشمس … وبدأ الجميع رحلة العودة … أمَّا المغامرون الثلاثة فقد اختاروا تلًّا من الرمال اختفوا خلفه … وقال «تختخ»: الآن أستطيع أن أشرح لكم القصة كاملة … إنَّ هناك عصابة تقطع اللوحات المرسومة من على جدران المعبد وتستبدلها بلوحات زائفة … ولا أدري حتى الآن كيف يتمُّ ذلك وهناك حُرَّاس على مدخل المقبرة … ويبدو أنَّ الأخرس الصغير شاهدهم وهم يسرقون، ولسوء حظه أنَّهم شاهَدُوه … فأمسكوا به، ووضعوه في مكان ما وهددوه بالقتل إن هو هرب أو أبلغ الشرطة … ولكنه بطريقة ما استطاع الهرب … ثم وصل إلى المعادي وهم يُطاردُونه … واختفى تحت المقعد الحجري حتى عثرنا عليه … وفقدوا هم أثره …

وسكت «تختخ» لحظات ثم مضى يقول: وعندما عثرنا عليه وأعلنَّا عن وجوده اتصلوا بي ليعرفوا مَن في المنزل … فلما عرفوا أنني وحدي اقتحموا المنزل لاستعادة الولد الذي استطاع الفرار … وسقط منديل أحدهم في أثناء الصراع … وهو المنديل الذي أمدني بمعلومات عن طريقها كونت وجهة نظري … فإن الحركات والإشارات التي قام بها الأخرس كانت تَعني بالضبط أنهم يقطعون اللوحات من المقبرة، وأنهم خمسة أشخاص … وعندما شاهد الأخرس الكارت الذي أرسَلَه أبي لي … وشاهد اللوحات المرسومة حاول إفهامي بما رأى …

عاطف: إذن فالألوان التي على المنديل من ألوان المقبرة.

تختخ: طبعًا … إن الرجل وهو يلصق اللوحات الزَّائفة انكسر بعضها وتفتت وتلوثت أصابعه بالألوان فمسحها بمنديله … وعثرنا نحن على المنديل، وأكد المعمل الجنائي أنَّ الألوان من الأكاسيد التي تُستعمَل في الصباغة.

عاطف: ولكن اللوحات كاملة.

تختخ: إنَّ الرسوم داخل المعبد كثيرة جدًّا … ونحن لم نرها كلها … وهي الفكرة التي خطرت لي … إنهم يصنعون لوحات مزيفة ويضعونها في مكان اللوحات المسروقة … ومما يؤكد ذلك أنني عثرت على آثار أتربة متخلفة من عملية القطع بجوار الجدران.

محب: ولماذا لا نبلغ الشرطة الآن؟

تختخ: إن تدخل الشرطة سيدفع رجال العصابة إلى الهرب … وعلينا أولًا أن نعرف كيف يدخلون إلى المقبرة مع وجود الحراس … إنهم بالطبع يَدخُلون ليلًا ويقومون بالسرقة ليلًا … فإذا شاهدناهم استطعنا إبلاغ الشرطة في الوقت المناسب.

غابت الشمس وهبط الظلام على وادي الملوك … وسَادَ صمتٌ رائعٌ هذه السَّاحة الواسعة التي تضم أكبر مجموعة من الآثار المصرية … بل من الآثار في العالم كله … وظل الأصدقاء رابضين مكانهم حتى أظلمت الدنيا تمامًا … ثم قال «محب»: هيا بنا.

وتحرك الثلاثة متجهين إلى مقبرة «سيتي» … واختاروا مكانًا بعيدًا يرقبون منه مدخل المقبرة التي وقف أمامها عدد من الجنود المسلَّحين.

قال «عاطف»: من غير المعقول أن تدخل العصابة من الباب مع وجود هؤلاء الحراس.

وجلس الثلاثة صامتين يفكرون … من أين تدخل العصابة؟

وقال «مُحِبٌّ»: لقد نسينا الرجل الذي حاول دفعك من فوق السلم … لم نبحث عنه عندما نزلنا إلى المقبرة.

تختخ: لقد راقبتُ كل الموجودين … لم يكن بينهم من يُمكن الاشتباه فيه … فهم جميعًا من السياح الأجانب.

ومضى الوقت واشتدَّ البرد دون أن يظهر أثر لأحد يسير في المنطقة المُوحِشة بين المقابر … ونظر «تختخ» إلى ساعته وكانت قد تجاوزت منتصف الليل، وأحسَّ بالجوع، وأدرك أنَّ زميليه يشعران بما يشعر، لهذا قال: يبدو أنهم لن يأتوا الليلة … أو أنهم انتهوا من سرقاتهم وجئنا بعد فوات الأوان.

محب: وماذا ترى؟

تختخ: سنعود إلى البرِّ الشرقي ونقوم ببعض الاستفسارات، فقد نصل إلى معلومات.

وبدأ الثلاثة التحرك، وكانت المشكلة التي تشغل بال «تختخ» … هي وجود قارب في مثل هذه الساعة لينقلهم عبر النيل إلى البر الشرقي … وعندما وصلوا إلى شاطئ النهر لم يجدوا — كما توقع — قاربًا واحدًا … ووقفوا في الظلام يحدقون في الشاطئ الآخر، وبرغم الموقف الصعب قال «عاطف»: لم يَعُد أمامنا إلا السباحة إلى الشاطئ برغم قسوة البرد … فإنني أكاد أموت جوعًا.

ولدهشة «عاطف» الشديدة قال «تختخ»: لم يَعُد أمامنا إلا تنفيذ هذا الاقتراح.

وبدءوا يخلعون ملابسهم ثم حملوها فوق رءوسهم، وأخذوا يعبرون النهر البارد.

•••

في صباح اليوم التالي، ذهب الثلاثة لزيارة المفتش «مندور» الذي رحب بهم عندما علم أنهم أصدقاء المفتش «سامي» … وروى «تختخ» للمُفتش كل الأحداث التي مروا بها … وكان المفتش ينصت بانتباه، ولكن لاحظ الثلاثة أنه كان يُخفي ابتسامة سخرية وإشفاق … فقد بدا له أنَّ ما يقولونه مضحك … فلم يكن يعرف قيمة هؤلاء المغامرين.

وعندما انتهى «تختخ» من روايته قال المفتش: قد يكون لهذه المغامرات أيُّ تفسير إلا سرقة الآثار من مقبرة «سيتي»، فذلك شيءٌ مستحيلٌ … هناك حراسة في كل مكان … والتجول ليلًا ممنوع إلَّا لأفراد البعثات الأثرية، والعمَّال الذين يقومون بالحفر في المنطقة.

قال «تختخ»: وهل هناك بعثات تعمل الآن؟

المفتش: نعم … هناك بعثة العالم الألماني دكتور «كارل فون هيم» …

قال «تختخ»: شكرًا لإنصاتك يا سيدي المفتش … وقد نَلتقي مرة أخرى.

ردَّ المفتش: ذلك يَسُرُّني.

وانصرف المغامرون الثلاثة … وقال «تختخ» قد تكون السرقة من العمال الذين يقومون بالحفريات الجديدة.

وبعد ساعة كانوا في البر الغربي يسألون عن موقع بعثة الدكتور «كارل» ودلَّهم أحد المواطنين على مكان البعثة … واقتربوا منها على حذر، ثم وقفوا خلف تل يراقبونها.

قال «تختخ»: ألم تُلاحظوا شيئًا؟

محب: ماذا؟

تختخ: إنها قريبة من مقبرة «سيتي».

محب: هل تعني …؟

تختخ: طبعًا!

وفهم «عاطف» ما يقصد «تختخ» و«محب».

كان عدد من العمال يحفر … وبعض العلماء الألمان ينزلون ويخرجون من الفتحة الكبيرة في الأرض.

وقال «تختخ»: هيا بنا … سنعود في الليل.

•••

وعندما هبط الظَّلام كان الثلاثة يستأجرون قاربًا نقلهم إلى البر الغربي … وقال «تختخ» للبحار الصغير: إذا انتظرتنا حتى نعود … فسوف نُضاعف لك أجرك، ووافق البَحَّار … وانطلق الثلاثة مُسرعين إلى حيث منطقة حفريات البعثة الألمانية، ولم يجدوا هناك سوى حارس واحد … واتفق الثلاثة على خطة بسيطة لإبعاد الحارس يقوم بها «عاطف»، على حين يتسلَّل «تختخ» و«محب» إلى الحفرة ليريا ما فيها.

وتمَّ تنفيذ الخطة، وسمع الحارس صوت استغاثة فقام مُسرعًا إليها … وكلما اقترب منها ابتعدت … كان «عاطف» يقوم بدور المُستغيث ببراعة … وفي والوقت نفسه كان «تختخ» و«محب» قد نزلا إلى المقبرة … وسرعان ما وجدا نفسيهما ينزلان سلالم مُعلَّقة من الخشب … وعلى ضوء بطاريتهما ظلا يسيران في ممرات طويلة لم يجدا فيها شيئًا من الآثار، حتى وصلا في النهاية إلى باب بسيط من الخشب … دفعه «تختخ» بيده فإذا به يؤدي إلى ممرٍّ طويل … كان واضحًا أنَّ الممرَّ من ممرات المقابر … وسرعان ما وجدا نفسيهما في ممر مسدود … ولكن «تختخ» اقترب من نهاية الممر، وأخذ يعبث بالصخور فظهرت فتحة تتَّسع لمرور رجل … ومر «تختخ» منها وتبعه «محب»، ووجدا نفسيهما في مقبرة «سيتي» وقال «تختخ»: إنه سرداب خفي قام العمال بحفره من غير أن يعرف العُلماء الألمان ذلك … إنه متفرِّع من السرداب الأصلي.

كانت لحظة مُثيرة … ووقف المغامران، وقد توترت أعصابهما … فقد سمعا في جوف السرداب المظلم صوت أقدام تقترب مُسرعة … وأصاخا السمع وأخذت الأقدام تقترب وتقترب وتقترب وهمس «تختخ» في أذن محب: التصق بالجدار!

والتصق «محب» بالجدار الأيمن و«تختخ» بالجدار الأيسر للنفق، ووقفا صامتين … وقلباهما يدقان بسرعة … وبرغم برودة الجو … كان العرق ينحدر على وجهيهما.

وصل صوت الأقدام إلى قرب الباب الخشبي ثم توقف، ثم ظهر شعاع من الضوء الرفيع يشق الظلمة … وبدأ الشعاع يدور حتى اقترب من قدم «تختخ» ولم يعد هناك شك في أنه أحد رجال العصابة … وأنه عندما وجد الفتحة الصخرية أدرك أن بعض الغرباء قد تسلَّل إلى السرداب!

انبثق شعاع الضوء، وأخذ يتجول على جدران السرداب … وفجأة سقط على ساق «محب» وسمع «تختخ» شهقة صدرت من الرجل … وأدرك أنه سيُهاجم «محب» … وقفز «تختخ» إلى الأمام، ووجه لكمة لوجه الرجل في الظلام، ولكن تقديره خاب وطاشت اللكمة … وسقط «تختخ» على وجهه، وانحنى الرجل وهوى بالبطارية التي يَحملها على رأس «تختخ» … ولكن «تختخ» تدحرج سريعًا، ثم أمسك بساقي الرجل وجذبه بشدة فسقط على الأرض … والتحما في صراع رهيب … ولكن «محب» تدخل بسرعة … واستطاع المغامران أن يشلا حركة الرجل … وألقياه على وجهِه وربطا يديه في قدميه بقميصه بعد أن مزقاه.

وأطلق «تختخ» شعاعًا من الضوء على وجه الرجل … وكان وجهُه وجهًا قاسيًا شديد السمرة، تلمع فيه عينان مُرعبتان …

وقال «تختخ»: ألم أقل لك … إنَّ بعض العمال ينزلون بدعوى البحث عن الآثار فيسرقون! هيا بنا نُخطر المفتش «مندور» وليقبض على هذا الرجل، وعن طريقه سيعرف بقية أفراد العصابة.

وعادا من الطريق نفسه وصعدا إلى السطح … ولم تمض سوى ثوان قليلة على مغادرتهما الحفرة حتى سمعا صوت الرجال يتحدَّثون عن نقل بعض الآثار من مكانها.

قال «تختخ»: إنهم اللصوص.

وأسرعا إلى شاطئ النيل … وحسب الاتفاق كان «عاطف» هناك، وسرعان ما أقلع القارب متجهًا إلى الشاطئ الشرقي للأقصر … ولم تمض نصف ساعة حتى كان المفتش «مندور» أمامهم يسمع ما حدث وهو في غاية الدَّهشة … ولكن أمام الوقائع المُذهلة لم يكن يملك إلا القيام على رأس قوة من الرجال للقبض على أفراد العصابة.

•••

بعد أيام قلائل كان المغامرون الخمسة يَجلسُون بجوار فراش الأخرس الصغير … كانت صحته قد تحسَّنت … وكانوا يعرضون عليه الجرائد التي نشرت قصة القبض على عصابة الآثار … والتي اتضح أن أفرادها من المجرمين الخَطِرين الذين اندسوا في البعثة.

وابتسمت «لوزة» وهي تُشير إلى الأخرس، ثم تُشير إلى الجرائد مُحاوِلة أنْ تقول: إنك أنت الذي كشفت سِرَّهم.

وكان الأخرس يبتسم في سعادة … وهو يُشير إليهم مُحاولًا أيضًا أن يقول: بل أنتم أصحاب الفضل.

كانت المفاجأة الأخيرة في هذه المغامرة هي ظهور أسرة الأخرس … وهي أسرة فقيرة من جنوب الصعيد … مكوَّنة من الأب والأم وأخت للأخرس … وكان الأب يعمل أجيرًا في بعض الأعمال غير المنتظمة.

وعندما سمع والد «محب» بقصة الأخرس قام بإلحاق الأب بأحد الأعمال بأجرٍ مُجزٍ، وقام بإلحاق الأخرس بإحدى مدارس الصمِّ والبكم، فقد ثبت طبيًّا أنه يُمكن شفاؤه بمرور الوقت.

وهكذا تحققت النهاية السعيدة لهذا الولد الذي كان سببًا في كشف عصابة من أخطر عصابات سرقة الآثار.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤