مَن قتل «رولا» و«جان»؟!

عندما أخبرته «ريما» بما يحدث خلفه، الْتَفتَ «أحمد» ليتأكَّد من ذلك الرجل، الذي رآه في هذه اللحظة يخلع «الهِدفون» ويضعه في حقيبة يده، ومعه جهاز يشبه جهاز الراديو المتطوِّر … ويتأهَّب للرحيل … فأشار ﻟ «عثمان» … برأسه فانسحب بهدوء إلى خارج الحدائق من الجانب الشرقي … وبإيماءة من رأسه انسحب «مصباح» إلى الجانب الغربي … أمَّا هو فقد اتخذ مسارًا مباشرًا له … وشعر الرجل بذلك … فأسلم ساقيه للريح … ومن خلفه «أحمد» يُلاحقه إلى أن خرج من الحدائق متجهًا إلى ميدان «الكونكورد»، فوجد في طريقه «عثمان» الذي كان يرفع كُرَته المطاطية الجهنمية في الهواء ويلتقطها مرة أخرى في مرَّات متتابعة، وعندما شاهد ذلك الرجل أطلقها في اتجاهه كقذيفة، فأصابته في حقيبته … وعلا صوت شيء يتحطَّم، وأسلم الرجل ساقيه للريح ومن خلفه «مصباح» … إلى أن وصل إلى الميدان الذي تتوسَّطه «المسَلَّة المصرية»، فصاح فيه «عثمان» من بعيد قائلًا بالفرنسية: إنْ هربتَ من «مصباح» فلن تهرب من هذه.

وأشار بكل ذراعه إلى «المسَلَّة المصرية» وظهر في هذه اللحظة رجلٌ آخَر … يقوم بحركات رياضية استعراضية … وفي يده خنجر، والآخر يصيح فيه قائلًا: اقتله يا «جان»!

فصاح فيه «جان» قائلًا: ألديك أوامر بالقتل يا «ليفي»؟

ليفي: لا … ولكني آمرك بذلك حتى نفرغ للآخرين.

ورأى «مصباح» أن هذا الرجل يجيد استعمال الخنجر، وأنه إذا فقده سيكون من اليسير القبض عليه، فخلع قدميه من الحذاء دون أن يلاحظ الرجُلان.

وعندما رآه «ليفي» يتحفَّز له، صاح في زميله … اقتله يا «جان»، ورأى «جان» إحجام «مصباح» عن مهاجمته، فشجَّعه ذلك على الانقضاض عليه … فطوَّح «مصباح» قدمه في الهواء، لتطير فردة حذائه إلى وجه «جان» … وما إن تفادها حتى كانت قدم «مصباح» تضربه ضربة قوية ليسقط منه الخنجر … ويُسْلم قدميه للريح في اتجاه مرتفعات «شامون» … و«أحمد» يراقبه، ومن الجهة الأخرى يجري صديقه إلى البحيرة فيُلقي حقيبته بها، وسط اندهاش كلٍّ من «مصباح» و«عثمان»، ثم يلحق بصاحبه جريًا إلى مرتفعات «شامون» و«عثمان» من خلفه عاقدًا العزم على ألَّا يتركه يفلت، وفي نفس اللحظة انطلق «أحمد» خلف الآخَر، وعلى المرتفعات سبح الشيطانان ببصرهما في المكان، فلم يجدا للرجلين أثرًا … وفي مواجهتهما شاهدا باب مدينة التكنولوجيا. فابتاع «أحمد» تذكرتين له وﻟ «عثمان» ودخلا يبحثان عنهما … وكانت عبارة عن قاعات مكتظَّة بالأطفال في أقسام عدَّة.

فمنهم مَن يسبح في رحلة بين النجوم … ومنهم مَن يغوص تحت أعماق المحيط … ومنهم مَن يُجري اختبارات وتجارب علمية بصورة مُبسَّطة … ولكنهما لم يجدا وسط كل هذا «جان» و«ليفي» … فخرجا مُسرعَين إلى القبَّة المعدنية الضخمة التي تتقدَّم المدينة … وتنعكس عليهما صورة السماء الرَّحبة … وخُضرة حدائق «لافاييت».

فنظر «عثمان» إلى «أحمد» قائلًا: يجب أن نتخلَّص من سحر هذا المكان، حتى نستطيع القبض على هذين الرجلين، فهما أسهل طريق للوصول إلى مَن يتعاون معهم «كنعان».

أحمد: ولماذا ربطتَ بينهما وبين «كنعان»؟

عثمان: ليس لأحد مصلحة في مراقبتنا غيره.

أحمد: وكيف علم بوجودنا؟

عثمان: هناك احتمال أن يكون ذلك من خلال مراقبة «رولا» … وعندما تعرَّفنا عليها في مطعم «جول فيرن» أراد أن يتحرَّى عنا.

أحمد: تعني أن هذا الرجل لا يثق فيمَن يعملون معه؟

عثمان: نعم.

أحمد: إذَن، فالسيدة «رولا» لديها معلومات عن نشاطه.

عثمان: ممكن … ومن الممكن أيضًا ألَّا يكون لها علاقة، ولكنه يخاف أن يجنِّدها أحد، لتعمل ضده.

أحمد: يكفي ذلك … وهيا بنا ندخل القبَّة المعدنية.

عثمان: لقد قرأتُ عنها أن قُطرها ٣٦ مترًا … وهي مغطَّاة بحوالي ٦٤٤٠ مثلثًا من المعدن.

وعندما دخلا وجدا أنه من الصعوبة البحث عن أحد في هذا المكان … فقد وجدا أيضًا أنهما يقفان في أعماق شاشة سينما … مساحتها حوالي مائة متر وزاوية شاشتها ١٨٠ درجةً … ووجدا أن الصورة على الشاشة تحيط بهما … وأنهما في حالة من الاندماج مع فيلم عن أعماق المحيطات … وحين جلسا على أقرب مقعدين لهما، وتغيَّرَ العرض إلى فيلم عن بركان هائل … شعرا بالكرسي يهتز تحتهما … والبركان يحيط بهما … بدخانه وحِمَمه … والصرخات تعلو من داخل الصالة.

فمال «أحمد» على «عثمان» يقول له: كن حذرًا … فإذا قُتِلنا هنا فلن يُلاحِظ أحد ذلك إلَّا بعد انتهاء العرض.

عثمان: وهل سنخرج بدونهم؟

أحمد: وهل هم هنا؟

عثمان: من الصعب فحص كل الموجودين.

أحمد: ليقف أحدنا خارج القبَّة يراقب الباب، ويذهب الآخَر لسؤال «ريما» … عمَّا إذا كان أحدهما مرَّ من عندها.

في هذه اللحظة مال «عثمان» على «أحمد» حتى ألصق فمه بأذنه، وقال له همسًا: إنهما خارجان.

أحمد: فلنتابعهما.

عثمان: إن القبض عليهما الآن سهل.

فضغط على يده … وشدَّه … ليقف … ويخرجا سويًّا في أثرهما … وعندما أصبح خارج القبَّة … قال له: أنا معك أن القبض عليهما الآن سهل … ولكن لن تستطيع استجوابهما، ولن تعرف عنهما شيئًا، وسنثير شكوك مَن يعملون معهما فيأخذون حذرهم منا، بالإضافة إلى أننا سنزيد من احتمال تعرُّضنا للخطر. وعن بُعدٍ شاهدَت «ريما» «جان» و«ليفي» يحاولان إخراج حقيبة يد «جان» من البحيرة.

وقد لاحظ «أحمد» ذلك فتركه حتى يتم مهمته، إلَّا أن قدمه انزلقت فوقع في البحيرة … ولم ينهض مرة أخرى … وقد جرى زميله بالحقيبة، وكأنما تسبَّب في غرقه. فأشار ﻟ «مصباح» الذي جرى إلى البحيرة محاولًا إنقاذ «جان» … إلَّا أنه لم يُفلح … فقد خرجَت جثته بلا روح.

ووصلت سيارة البوليس وسيارة الإسعاف … وقام ضابط الشرطة بإجراء تحقيق سريع مع مشاهدي الحادث … فقدَّم إليه «أحمد» بطاقته الأمنية، فرحَّب به في ودٍّ شديد فحكى له ما حدث … وأعطاه أوصاف المدعو «ليفي».

وهنا اقترح «أحمد» أن تذهب «ريما» لتستريح في شقة السيدة «رولا» في الحي اللاتيني … أما هم … فسيذهبون للمبيت في الفيلَّا الخاصة بالمنظمة في قرية «كومرسيه».

إلَّا أن «ريما» رغبت في المبيت معهم فهي تحبُّ هذه الفيلَّا كثيرًا … ولها فيها ذكريات كثيرة مع «إلهام» و«زبيدة».

أحمد: ولكننا نحتاجكِ مع «رولا» هذه الليلة بالذات.

مصباح: لستُ معك يا «أحمد» … فقد يكون هناك خطرٌ عليها … بعد مطاردتنا ﻟ «جان» و«ليفي».

ريما: وهل تعتقدون أن «ليفي» سيُخبرهم بشيء بعد أن عرف الجميع بقتله ﻟ «جان»؟

عثمان: على فكرة … أنا أضم صوتي ﻟ «مصباح» … بضرورة قضاء «ريما» هذه الليلة معنا في «كومرسيه».

جميلة قرية «كومرسيه» وغنية بالخُضرة … وسعيدة بما تنعم به من هدوء، وقد شعر الشياطين بعدم الرغبة في النوم، رغم ما بذلوه من جهد في ذلك اليوم، فتعاونوا في صُنع عشاء سريع، وشاي ساخن يساعدهم على الاسترخاء.

وقد كان مطبخ الفيلَّا عامرًا بكل ما يحتاجه الشياطين … فأعوانُ المنظمة في «فرنسا» يُعِدون الفيلَّا دائمًا لاستقبال المسافر إليها من رجالهم.

وأثناء تناول الطعام … أطلق «عثمان» أخطَر صاروخ في ذلك اليوم بقوله: هل «ليفي» يعمل في منظمة واحدة مع «جان» أم أنه عميل مزدوج؟

مصباح: لماذا هذا السؤال؟

عثمان: لقد قتل «ليفي» صاحبه من أجل ما في الحقيبة … رغم أنه يخص «جان»، وهو في النهاية لصالح مَن يعملون له … فلماذا إذَن قتله؟ إلَّا لأنه سيُسَلِّم هذه المعلومات لمكان آخَر يعمل هو معه.

أحمد: تحليلٌ ممتاز … وعليه … يجب تصوُّر سيناريو تقريبي، لما حدث وما يمكن أن يحدُث.

عثمان: «جان» يعمل مع السيد «كنعان» … والأخير يتعاون مع بعض رجال الأعمال في «فرنسا» لإتمام صفقاته … وهو يستعين ببعض الجواسيس التابعين لمنظمات مجهولة، ليحصلوا له على أسرار صفقات غير مشروعة، ويسرِّبونها له في مقابل نفس الخدمة … التي يقوم بها لصالحهم، في «مصر» والعالم العربي.

أحمد: ومِن الواضح أنَّ ما توصَّل إليه «جان» وسجَّله، لا يريد «ليفي» توصيله إلى «كنعان»، بل يريد إخبار منظمته به … لذلك تَخلَّص من «جان».

ريما: إذَن، فنحن سنكون في مواجهة في الفترة القادمة مع «ليفي» … ومَن وراءه.

مصباح: و«كنعان»؟

عثمان: أعتقد أنه يجب أن نخبره ونطلب منه أن يتعاون معنا، وسنغفر له ما مضى.

ريما: أشك في أنه سيوافق.

أحمد: إذَن، أخبري «رولا».

ريما: إن شاء الله في الصباح!

وفي صباح اليوم التالي … اتصلت «ريما» ﺑ «رولا» فلم تُجِبها … وعاودت الاتصال أكثر من مرة … دون فائدة … فطلبت من الشياطين الذهاب إلى الحي اللاتيني … لسرعة إخبار «رولا» بما حدث لتأخذ حذرها.

لكن لم تستجب لجرس التليفون، ولم تستجب لجرس الباب … إلَّا أن «ريما» سمعت جرس التليفون عاليًا … فطلبت من «أحمد» إبلاغ البوليس ليكسر الشقة … وقد حزنت كثيرًا عندما وجدت «رولا» قد قُتلت خنقًا … بالإيشارب الذي كانت تلفُّه حول رقبتها.

وحضر السيد «كنعان»، وبدا عليه التأثُّر الشديد عندما علم بما حدث، وقد طلب ضابط الشرطة منه الحضور إلى القسم لاستكمال التحقيق … وفي قسم الشرطة الْتَقى «أحمد» و«ريما» التي طلبت منه أن يسمح لها ببضع دقائق للتحدُّث إليه.

وبجوار «المسلَّة المصرية» في ميدان «الكونكورد»، أوقف السيد «كنعان» سيارته وكان معه فيها مجموعة الشياطين … الذين قاموا باستجوابه فيما نسبوه إليه من أفعال.

ريما: هل كنت سببًا في رفض شحنة البطاطس المصرية منذ عامين؟

كنعان: نعم … دون أن أدري … أو أقصد.

أحمد: هل لك يدٌ في إحجام بعض المزارعين عن زراعة البطاطس؟

كنعان: كنت أقصد بذلك مصلحتهم.

أحمد: ومصلحتك أولًا؟

فأطرقَ «كنعان» رأسه في خجل وشعور بالذنب.

مصباح: هل كنتَ وراء خلط تربة مزرعة البطاطس بالصحراء الغربية بالنفايات الذريَّة؟

كنعان: لا … إن في هذا إضرار بصحة الناس.

عثمان: أتعرف «ليفي»؟

كنعان: نعم … وقد زارني في «مصر» من قبل أكثر من مرَّة.

ريما: إنه قاتل «جان» … وقد سرَق منه حقيبتَه.

أحمد: أتعرف مع مَن تعمل؟

نظر إليهم «كنعان» في حيرة … والعرق يتصبَّب منه، وقال لهم: سأعرف في الفترة القادمة مع مَن كنت أتعاون … ومَن قاتِل «رولا»؟

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤