ولا يكون النسخ إلا بنقلٍ صريح وليس على عوام المفسرين ولا اجتهاد المجتهدين.
١٣٥ وإذا كان الناسخ والمنسوخ لا يُعرفان إلا بالنقل عن طريق الرواية عند
القدماء فإنه يُعرف بالعقل وبالطبيعة وبروح الشريعة عند المُحدَثين. فإذا ما تعارضت
الرواية ضد العقل أُخذ العقل وافتُرض احتمال خطأ النقل.
وبالرغم من اختلاف العلماء في تحديد الناسخ والمنسوخ إلا أنه مع ذلك يمكن ترجيح
الآراء طبقًا لمنطق النسخ. ويمكن أيضًا الترجيح بآياتٍ أخرى للقرآن أو بأحاديث أو
بالشريعة.
ويمكن استقراء الآيات المنسوخة والآيات الناسخة لمعرفة منطق النسخ وما سماه
المصلحون «روح الإسلام». وتستطيع روح الإسلام، إنسانيته وواقعيته، أن تحدد الناسخ
والمنسوخ؛ لذلك لا يهم إيجاد دلالات لكل مواقع النسخ بل يكفي الروح العامة. وهناك
سبع دلالات للنسخ.
(١) العام والخاص
إذا كان الله في كل مكان فإن آية
وَلِلهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ
فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ تكون ناسخة لآية
وَمِنْ حَيْثُ
خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ،
وَحَيْثُمَا
كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ، فالناسخ عام والمنسوخ خاص. ولا
تعارض بين العام والخاص. الله في كل مكان متصوَّر، والقبلة نظام، والتصور أساس
النظام، والنظام يقوم على التصور.
١٣٦ وجود الله في كل مكان لا يُنسخ باتجاه القبلة شرقًا أو غربًا،
شمالًا أو جنوبًا. والصفا والمروة لا ينسخان باقي مناسك الحج، وكيف تنسخ
التعددية في الدين.
١٣٧
وكيف تُنسخ حرية الإرادة الإلهية والمشيئة في الرحمة والعذاب لصالح آية السيف.
١٣٨ وتعذيب الله للمشركين من مشيئته ولا تنسخ.
١٣٩ ومشيئته في كل شيء لا تُنسخ. وكيف ينسخ إرجاع الحكم للإله العلي الكبير؟
١٤٠ وكيف تُنسخ الإرادة الإلهية التي تعطي من زاد الآخرة ما يشاء، ومن
زاد الدنيا ما يشاء إرادةً أخرى بالتعجيل لمن يريد العاجلة وهو تأكيد للأولى؟
١٤١ وكيف يُنسخ الأمر الإلهي بأنه سيتعامل بمفرده مع المخالفين بآية
السيف وترك الأمر للمؤمنين؟
١٤٢ وكيف تُنسخ الحكمة الإلهية بآية السيف؟
١٤٣ وكيف ينسخ تفويض الرسول الأمر إلى الله بما في ذلك أمره؟
١٤٤
وإذا كانت النفس قيمةً في ذاتها بصرف النظر عن إيمانها؛ فإن القصاص يقوم على أن
النفس بالنفس بصرف النظر عن جنسها ذكرًا أم أنثى، أم وضعها الاجتماعي حرًّا أم
عبدًا؛ لذلك تكون آية
وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ
بِالنَّفْسِ ناسخةً لآية
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ
الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ
وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى.
١٤٥ تعضد ذلك آياتٌ وأحاديثُ أخرى مثل وقوف الرسول احترامًا لجنازة
يهودي دون أن يأبه لاعتراض من حوله بأنه يهودي وقوله «أليست نفسًا؟» وهو ما
يساعد اليوم جماعات حقوق الإنسان وجماعات المرأة دفاعًا عن المساواة المطلقة
بين البشر بصرف النظر عن الجنس والدين. وفي القصاص نسخ الحر بالحر والعبد
بالعبد والأنثى بالأنثى إلى القصاص من النفس، بصرف النظر عن الوضع الاجتماعي أو
الجنسي أو الديني، أقرب إلى المساواة بين البشر.
١٤٦ حتى ولو كان الناسخ في نطاق أحكام التوراة لأن الإسلام تالٍ لها
ومؤكد لأحكامها.
(٢) الرحمة والعدل
والاستغفار للمنافقين حكمٌ باقٍ بآية، ولا يُنسخ بحكمٍ ثانٍ بآية، ويؤكد الحديث
الحكم الأول.
١٤٧ فالحكم إنساني وإن تعارض مع الحكم الإلهي المتعارض مع حكمٍ آخر
فالأولوية للحكم الإنساني المتَّفِق مع الحكم الإلهي. وجزاء القتل العمد جهنم
منسوخ بالعفو والتعويض
١٤٨ والخوف من العذاب منسوخ بالمغفرة.
١٤٩ وقد يأتي العذاب بناءً على الطلب ناسخًا للرحمة.
١٥٠ وإذا كانت الرحمة سابقة على العدل عند الأشاعرة فإن آية
إِنَّ
اللهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ
يَشَاءُ تكون ناسخةً لآية
بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ.
١٥١ وإذا كان العفو والصفح لهما الأولوية على العقاب فإن آية
فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ تكون ناسخةً لآية
قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ.
١٥٢
وكيف يمد الله في ضلالة قوم، وهو نقيض رحمته، ثم يُقتَلون؟
١٥٣ وكيف تكون الدعوة إلى الاستقامة وعدم اتباع الأهواء، والاعتراف
بالإيمان بما أنزل الله من كتبٍ محكمة وباقي الآية منسوخة حتى
اللهُ يَجْمَعُ
بَيْنَنَا بآية السيف؟
١٥٤
وهناك مسارٌ آخر من التوسيع إلى التضييق من عذاب المؤمنين ما دام الرسول بينهم
وما داموا يستغفرون؛ وهو ما يعطي الرسول شفاعةً وما يقلل من شأن قانون الاستحقاق
إلى التضييق، وهو الجزاء طبقًا للأعمال بناءً على المسئولية الفردية.
١٥٥ ولا يوجد تعارض بين أن يكون الجزاء من جنس الأعمال كقانونٍ وضعي
وقانونٍ إلهي، فالشريعة وضعية، فالرغبة في الدنيا والرغبة في الآخرة رغبتان
إنسانيتان وطريقان إلى الله.
١٥٦ وكيف يُنسخ قانون الاستحقاق، الجزاء من جنس الأعمال، بآية السيف؟
١٥٧ وكيف يُنسخ سعي الإنسان والمسئولية الفردية لصالح الشفاعة والقرابة؟
١٥٨
(٣) التخفيف والإثقال
والنسخ ليس على وجه العقوبة والتشديد بل على وجه اللين والتخفيف؛ فالرسالة
للتبليغ قولٌ ثقيل، والسبب في التخفيف ضعف الإنسان.
١٥٩ والتخفيف في حساب النفس من الأفعال الظاهرة والباطنة إلى الأفعال
الظاهرة نفسها.
١٦٠ والتخفيف في الشهادة من الشاهد الخارجي إلى الشهادة الباطنية
والأمن الداخلي.
١٦١ والتخفيف في الشهادة على الزوجة الثانية من غياب الشهادة وهو ظلم
للمرأة وافتراء عليها يوجب الحد إلى شهادة أربعة عليه أنه من الصادقين.
١٦٢
ويتم النسخ من الأثقل إلى الأخفِّ في التهجد ليلًا من النصف إلى الثلث إلى نصف الثلث.
١٦٣ ومثل نسخ الامتناع عن معاشرة النساء طوال شهر رمضان إلى الامتناع
فقط أثناء النهار أثناء الصيام دون الليل من الإفطار إلى السحور.
١٦٤ وكذلك إطعام المسكين في حالة الإفطار في حالة الضرورة وليس على الخيار.
١٦٥ ومن علامات التخفيف منع الضرر وعدم جواز تكليف ما لا يطاق.
١٦٦ وكذلك يُنسخ تحريم نكاح الكتابيات لأن الحب أقوى من الدين، لا
يعرف فروقًا طبقيةً أو عرقيةً أو دينيةً أو طائفيةً.
١٦٧ والسؤال هو: لماذا يكون ذلك فقط للكتابيين وتحليل نكاح المؤمنات
دون المشركين؟ ولماذا تحليل الطعام دون النكاح؟ والحج فريضة على القادرين دون
غير القادرين.
١٦٨ ويكون التخفيف على الرسول من تحريم نكاح الأرامل إلى تحليله.
١٦٩
تخفيف عقاب البِكرَين الزانيَين من الأذى، التعيير والشتم إلى الجَلد.
١٧٠ فهل يجوز الآن التعيير مرةً ثانية من الجلد إلى الحبس، ومرة ثالثة
من الحبس إلى الغرامة لمساعدة المتزوجين حديثًا ولا يجدون سكنًا؟ وقد يمكن
التحول فيما بعدُ من العقوبات البدنية إلى الإحساس بالذنب وتأنيب الضمير إلى
العقوبات الأخلاقية. وماذا يكون الحال لو تم ذلك برضا الطرفَين وسعادتهما حينئذٍ
هل يكون عقابًا أم فرحًا؟ وقد يكون النسخ لعادة وليس لنص مثل معاقبة الزانية
طبقًا للعادة العربية بحبسها في المنزل حتى الموت إلى إثبات الزنا بأربعة شهود
ثم الجلد أو التغريب أو الرجم للثيِّب. وهي اختيارات في الآية. والحديث ليس
ناسخًا بل مُفصِّل ومبين طرق الاختيار.
١٧١
ونسخ الإرضاع بحولَين كاملَين بالتراضي والتشاور تخفيف؛ فحياة المرأة أهم من الولد.
١٧٢ وكذلك نسخ الحول للأرملة بأربعة أشهر قبل الزواج من جديد. وأيضًا
تخفيف النفقة على الرجل بالربع والثُّمن. وقد وقع التخفيف في الحكم على أكل أموال
اليتامى ظلمًا بالعذاب في نار جهنم بالمخالطة والإصلاح والأكل بالمعروف
للأوصياء الفقراء.
١٧٣ ومسار النسخ في الإنفاق من الامتناع عن الأمر بذلك خشية الرفض
بخلًا وضغينة على الفقراء إلى الدعوة إليه في سبيل الله.
١٧٤ وكذلك التحول من دعوة من لا يستمع ورفع اللوم عن ذلك إلى الدعوة
إلى التذكير لأنه ينفع المؤمنين.
١٧٥
ومسار النسخ التحول من التصدق في كل مرة يُسأل فيها الرسول حتى لا تكثر
الأسئلة عن أشياء ويتم التضييق في أحكامها إلى إلغاء هذا الشرط والاكتفاء
بالصلاة والزكاة وطاعة الرسول
١٧٦
والتخفيف في القتال والاستنفار للجميع إلى استنفار البعض، من فرض العين إلى
حد الكفاية.
١٧٧ ولما فهمت آية
إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ
يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ كمًّا لا كيفًا، وأن يقاتل كل مؤمن عشرة من الأعراب، ثم
تخفيفها
الْآنَ خَفَّفَ اللهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا.
١٧٨ وكذلك الإذن في التخلف من منعه على الإطلاق إلى السماح به.
١٧٩
وقد يكون التخفيف من عدم قبول المهاجرات إلى الرسول بناءً على اتفاق مع الطرف
الآخر إلى قبولهن بعد امتحان إيمانهن وفصلهن عن أزواجهن وردِّ مهرهن إليهم وإعادة
تزويجهن من المؤمنين بمهورٍ جديدة.
١٨٠ وقد يكون التخفيف للرسول من الخوف من العذاب في حالة العصيان إلى
غفران ما تقدم من ذنبه وما تأخر لأنها حالةٌ مثاليةٌ فريدة.
١٨١ وقد يكون التخفيف له من تحريم النساء إلى تحليلهن.
١٨٢
ومن أسباب النسخ التوسيع وليس التضييق، الاختيار بين حكمَين وليس التحديد بحكمٍ واحد.
١٨٣ والشهادة لذوي العدل بصرف النظر عن دينه.
١٨٤ وتحريم تناول طعام أهل الكتاب منسوخ بتحليله.
١٨٥ وقد يكون مسار النسخ من التشدد في تصور الإنسان ووصفه بأنه ظلومٌ
كفار إلى رؤية أكثر اعتدالًا إلا في بيان قدر الإنسان وقيمته.
١٨٦
ويعبر النسخ عن التحول من المثالية إلى الواقعية كما هو الحال في تقنين
الغنائم. نزلت آية
قُلِ الْأَنْفَالُ لِلهِ وَالرَّسُولِ، بعد سؤال
يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ، وهي رؤيةٌ مثالية أن تكون الغنائم كلها لله
وللرسول دون المجاهدين. ولما رأى الرسول قلة عددهم في غزوة بدر قرر أن تكون
الغنائم كلها لهم «من قتل قتيلًا فله سَلَبُه.» و«من أسر أسيره فله فداؤه.» وهي
واقعيةٌ متناهية على الطرف الآخر. فلما وقعت غزوة بدر وكانت الغنائم أقل من عدد
المجاهدين نزلت آيةٌ ثانية
وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ
فَأَنَّ لِلهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ، وتوزيع أربعة الأخماس على المجاهدين
جمعًا بين المثالية والواقعية. وعيب هذه الرواية نسخ حديث للقرآن، ولا ينسخ
القرآنَ إلا قرآنٌ مثله، ولا الحديثَ إلا حديثٌ مثله أو قرآنٌ أقوى منه. ومع ذلك قد
تكون مقبولة لأن القرآن نسخ الحديث أخيرًا بعد نسخ القرآن.
١٨٧ ويدل النسخ على التحول من المثال إلى الواقع، ومما ينبغي أن يكون
إلى ما هو كائن مثل التحرج من مؤاكلة الأعمى والأعرج ثم توضيح ذلك فيما بعدُ.
١٨٨
ويقوم النسخ على التدرج في التغيير كما هو الحال في الخمر ببيان حسن مذاقه
والرزق منه، ثم الأمر والنهي ببيان المنفعة والضرر وغلب الضرر، ثم بالنهي عنها
وقت الصلاة فحسب، وأخيرًا منع الاقتراب منها. لم يرد التحريم بلفظه بل بالتساؤل
استهجانًا عن وقت الانتهاء منها، وكيفية الصبر عليها، وإتباعها وصفها بالفواحش والبغي.
١٨٩
ومسار النسخ هو مسار التاريخ، والتحول من كثرة المؤمنين الأولين وقلة الآخرين
إلى كثرة المؤمنين الأولين وكثرة المؤمنين الآخرين؛ فالإيمان في تزايد،
والرسالة في توسع.
١٩٠ فالتدرج مدعاة إلى الأمل، والثقة في المستقبل.
ونادرًا ما يكون من الأخفِّ إلى الأثقل مثل السماح بمتعة النساء في السفر ثم
تحريم ذلك فيما بعدُ، وقد كان التحليل في القرآن بشرط أداء الأجر، وهو ما أكده
الحديث، ثم جاء التحريم في حديث من الرسول وليس من الله ولو أن الحديث يجعل
التحريم من الرسول ومن الله
١٩١ ثم جاء التحريم في القرآن إلا على الأزواج أو ما ملكت الأيمان.
وما ملكت الأيمان متوقف على القدرة على الشراء، ولا فرق بين الإيجار والشراء
إلا في الطبقة الاجتماعية، الإيجار للفقراء، والشراء للأغنياء.
(٦) حرية الإيمان
وإذا كان الإسلام هدايةً يقوم على حرية الإيمان فإن آية
وَمَا عَلَى
الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ، وآية
عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا
يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ لا تعتبران منسوختان لأنهما
تعبِّران عن روح الإسلام مثل
قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ. وتكون آيات مثل
أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ،
فَمَنِ
اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ
عَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ ناسخة لغيرها من آيات التخصيص.
٢٠١ والشق على قلوب الناس لمعرفة صدق نواياهم لا يُنسخ بآية السيف
٢٠٢ فالعبادة فعلٌ حر.
٢٠٣ وإذا كان الإسلام يعترف بحرية الأديان فإن آية
لَا إِكْرَاهَ فِي
الدِّينِ تعتبر ناسخة لآيات تخصيص دينٍ واحد.
٢٠٤ ويظل عدم الإكراه في الدين قائمًا لا تنسخه آية السيف.
٢٠٥ ويستطيع المؤمن أن يكفر بعد إيمانه، يضل بعد أن اهتدى، ويعود إلى
الإيمان بعد الكفر، إلى الهداية بعد الضلال.
٢٠٦ ويُنسى فعل الكفر ولا يبقى إلا فعل الإيمان وهو ما يسمى بالتوبة.
فالتوبة تنهي القتال
٢٠٧ وكيف ينسخ عدم الإكراه في الدين؟
٢٠٨ وكيف ينسخ عدم سيطرة الرسول على الاختيار بين الإيمان والكفر؟
٢٠٩ والإسلام اختيارٌ حر من الناس دون إكراه، حرية الرفض قبل حرية القبول.
٢١٠ وطاعة الرسول طاعة لله، والإنسان حر في أن يعصي ويتولى، وليس لأحد
عليه سلطة.
٢١١ والإعراض عن المخالفين ليس منسوخًا.
٢١٢ والميثاق بين المسلمين والمخالفين باقٍ لم تنسخه آية السيف.
٢١٣ والقتال في سبيل الله تكليف للرسول لا تنسخه آية السيف.
٢١٤ وترك الآخرين وشأنهم لا تنسخه آية السيف.
٢١٥ وترك المعادين وشأنهم لا يُنسخ بالتبرؤ منهم.
٢١٦
ويظل الإنسان مسئولًا عن نفسه وليس عن الآخرين. وجعل نفسه مسئولًا عنهم باسم
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قد يكون فيه اعتداء على حرياتهم كما يحدث من
جماعة تحمل هذا الاسم هذه الأيام. ونسخ الآية لا يكون بحديث.
٢١٧ وكيف ينسخ الوعي الذاتي والمسئولية الفردية؟
٢١٨ ولا ينسخ الاهتداء الذاتي أو الإنذار من الضلال لصالح القتال وآية السيف.
٢١٩
وترك الذين يتخذون الدين لعبًا ولهوًا غير منسوخ بالقتال؛ فكل إنسان مسئول عن نفسه.
٢٢٠ وعدم سبِّ الذين يدعون من دون الله حتى لا يسبُّوا الله بغير علم غير
منسوخ بآية السيف.
٢٢١ وكذلك ترك افتراءات الناس والانتظار، وعمل كل إنسان قدر استطاعته،
كل ذلك غير منسوخ بآية السيف.
٢٢٢ وترك أذى المخالفين وعدم طاعتهم لا تنسخه آية السيف.
٢٢٣ والمكذبون بالرسالة أحرار، وليس الرسول وكيلًا عنهم، لا تنسخ
حرياتهم آية السيف.
٢٢٤ وكيف تُنسَخ حرية الاختيار بين الإيمان والكفر لصالح المشيئة
الإلهية، وبالتالي تنعدم المسئولية، ويتوقف قانون الاستحقاق؟
٢٢٥ ولم نسخ خلق الأفعال وحرية الاختيار إلى الجبرية؟
٢٢٦ وقد يكون النسخ إيثارًا للداخل على الخارج، ولأفعال القلوب على
أفعال الجوارح بلغة الصوفية، وبالنية على اللسان؛ فالصلاة بالقلب وليست تمتمة
بالشفتَين، يسمع المصلي صوت قلبه ولا يسمع الآخرون صوته.
٢٢٧
(٧) التعددية الفكرية
التعددية في الإسلام أصل، وأهل الكتاب تعبير عنها.
٢٢٨ الإسلام كآخر الأديان لا يعني الإسلام بالمعنى الحرفي بل بالمعنى
المجازي وهو إسلام الوجه لله. والوحي كله من عند الله بصرف النظر عن مراحله.
٢٢٩ وكيف يُنسخ التاريخ.
٢٣٠ وإذا كان الإسلام يعترف بالديانات السابقة اليهودية والمسيحية فإن
آية
وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ، لا
تعتبر ناسخةً لآيات التعددية الدينية مثل
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ
هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى.
٢٣١
وهل الحوار مع المخالفين منسوخ بآية السيف وهو ما يناقض روح القرآن؟
٢٣٢ وكيف يكون الصفح الجميل منسوخًا بآية السيف؟
٢٣٣ وحزن الرسول على المخالفين عاطفةٌ إنسانية لا تنسخها آية السيف.
وكيف تُنسخ المغفرة للذين لا يرجون أيام الله من الذين آمنوا؛ بآية السيف؟
٢٣٤ وهل الله أكثر قسوةً على المشركين من الرسول الذي أصرَّ على
الاستغفار لهم أكثر من سبعين مرة؟
٢٣٥ وكيف يُنسَخ الهجر الجميل بالقتال؟ وأيهما أقسى على النفس الهجر أم القتل؟
٢٣٦
وكيف يُنسخ الصبر بآية السيف؟
٢٣٧ ولماذا عدم العجلة على غير المؤمنين منسوخ بآية السيف، وقتل المشركين.
٢٣٨ وإذا كان الله هو الذي سيحكم بين الناس يوم القيامة فلمَ الاستعجال
في قتالهم؟
٢٣٩
وتربص كل فريق بالفريق الآخر لا تنسخه آية السيف لأن التربص حذر وحيطة
وانتظار وليس قتالًا.
٢٤٠ والانتظار للكدح في الحياة لا تنسخه آية السيف.
٢٤١ ولماذا لا يُنسخ إمهال الكافرين الوقت لإعادة النظر؛ بآية السيف.
٢٤٢
وكيف تنسخ آية الحياة الطبيعية؛ الطعام والشراب والمتعة، بآية السيف والقتل والموت؟
٢٤٣ ولم يُنسخ ترك المخالفين يخوضون ويلعبون حتى يلاقوا ربهم فيحاسبهم،
وهو تطبيق لقانون الاستحقاق، وذلك بآية السيف؟
٢٤٤ وكيف يسلك المسلمون سلوكًا إنسانيًّا طبيعيًّا بإطعام المسكين
واليتيم والأسير ثم يُنسخ ذلك السلوك بآية السيف؟ وهل المسلمون أكثر رحمةً
بالمخالفين من الوحي؟
٢٤٥ ولماذا التفرقة بين الأسير المؤمن والأسير المشرك، والأسر
واحد؟
وإذا كان الإسلام دين السلام فإن آية
وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ
لَهَا تكون ناسخة لآيات القتال مثل
قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ.
٢٤٦ وإذا كان الإسلام دين السلام فإن آية
وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ
اللهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ
الْمُعْتَدِينَ لا تكون منسوخة بآيات السيف والقتال.
٢٤٧
والسلم قاعدة، والحرب هي الاستثناء، ومن ثَمَّ لا تُنسخ الدعوة إلى السلم
المتبادل بآية القتال.
٢٤٨ فما معنى أن تنسخ آية السيف مائة وأربعًا وعشرين آية؟ ألهذا الحد
القتال هو الكلمة الفصل؟ وماذا عن الدعوة بالحق، ولا إكراه في الدين، ومن شاء
فليؤمن ومن شاء فيكفر؟ بل إن تعبير آية السيف تعبيرٌ مضاد لروح الإسلام وتأباه
روح العصر. وقتال العدو مشروط بعدوانه،
٢٤٩ وليس منسوخًا بقتاله على الإطلاق وفي كل الأحوال.
٢٥٠ وتحريم القتال في الشهر الحرام ليس منسوخًا بقتال المشركين على
الإطلاق إلا في حالة العدوان.
٢٥١
ولو أضرَّ الكافرون المؤمنين فإن ذلك لا يوجب قتالهم بل منع أذاهم.
٢٥٢ والجهاد فرض كابتلاء في الأموال والأنفس، والصبر والتقوى من عزم
الأمور. ولا يحتم ذلك قتال المخالفين في الدين. والإعراض عن غير المؤمنين
ووعظهم باقٍ ولا ينسخه أمر بقتال.
٢٥٣ والعفو عن غير المؤمنين والصفح عنهم غير منسوخ بقتالهم.
٢٥٤ بل إن التعبير نفسه بإجبارهم على إعطاء الجزية غير متفق مع مؤاخاة
أهل الكتاب. وإن تولى غير المؤمنين فكل فريق يتحمل اختياره. ولا ينسخ بآية
السيف لأن الاختيار حر، الإيمان أو عدم الإيمان.
٢٥٥
وكيف تخرق المعاهدات بين المسلمين وغيرهم وأولاد العمومة وكلهم عرب يحافظون
على العهد ويرعون المواثيق وتصبح منسوخةً بآية السيف؟
٢٥٦ وتعقد معاهدة بين الرسول والمشركين وعدم رد المؤمنات المهاجرات ثم
تنسخ بجواز ردِّهن وفصلهن عن أزواجهم وردِّ مهورهن وإعادة تزويجهن من المؤمنين
بمهورٍ جديدة. وكيف ينسخ ذلك بالقتال وينقض الرسول والمسلمون عهدهم؟
٢٥٧
وكيف ينتهي القتال في الأشهر الحرم الأربعة وهي استراحة المحاربين لتأليف
القلوب وتحقيق «الموادعة»، أي «التهدئة» بلغة هذه الأيام لصالح القتال الدائم
فيتحول من وسيلة إلى غاية؟
٢٥٨ وكيف ينسخ حكم الله بين البشر لصالح آية السيف؟
٢٥٩ وكيف يتوقف سبب القتال ضد الكفار وتنتهي مبرراته، ومع ذلك يظل
القتال قائمًا بلا سب؟
٢٦٠ وكيف ينسخ التوقف عن القتال إذا ما توقف الطرف الآخر عنه بآية
السيف التي تجعل القتال غايةً وليس وسيلةً، مبدأً دائمًا وليس ظرفًا مؤقتًا؟
٢٦١ وكيف يكون نزول آية من الله منسوخًا بآية السيف؟ إلى هذا الحد
يكون الحكم للسيف!
٢٦٢
وكيف يكون الوحي نذيرًا منسوخًا بآية السيف؟ أليس التبليغ سابقًا على القتال،
الإسلام أو الجزية أو القتال؟
٢٦٣ وكيف تُنسخ الدعوة إلى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة والجدل
بالتي هي أحسن؛ بآية السيف؟
٢٦٤
كان عصر التدوين عصر فتوحات وقتال، والآن العصر عصر جهاد وسلام لدرء العدوان
«وسلام الشجعان».