الفصل الأول

اللفظ والمعنى

وتعني الحوامل الذاتية دور الذات العارفة في تلقِّي الوحي وفهمه وإعادة التعبير عنه وإيصاله. الوحي هنا مجرد خطاب إلى مخاطَب أو رسالة إلى مرسَل إليهم. وهو المعنى المعاصر للخطاب كعالمٍ مستقل بذاته عن حوامله الموضوعية مثل المكان والزمان والبيئة الاجتماعية أو الموضوعية الذاتية مثل الخبر والقراءة والتدوين. القرآن موضوع للبحث اللغوي والبلاغي وعلم القراءات والتفسير عند القدماء وليس موضوعًا للتقديس. ولما كانت اللغة أحد العلوم الإنسانية أصبح القرآن موضوعًا للعلوم. وإذا كانت اللغة هي الحامل الرئيسي للنص عند القدماء فإن العلوم الاجتماعية هي الحوامل الرئيسية للنص عند المحدثين. لم نعد في عصر اللغة بل في عصر العلوم الإنسانية. وعلوم اللغة عند القدماء تعادل العلوم الاجتماعية والإنسانية عند المحدثين. كانت ثقافة القدماء لغويةً شعرية في حين أن ثقافة المحدثين علميةٌ أدبية.

وتشمل اللغة موضوع اللفظ والمعنى كما هو الحال في مباحث الألفاظ عند الأصوليين، وفنون القول وأساليب البلاغة وإعجاز القرآن، وأخيرًا التفسير والفهم والتأويل كمقدمة لعلم التفسير. وقد تصل المباحث اللغوية إلى حد التخصص والتفصيل بحيث تصبح غاية في ذاتها وليست مجرد وسيلة، من علوم القرآن. فتتشعب وتصبح موضوعًا لغويًّا بذاتها.

(١) التأليف في الموضوع

وقد تم التأليف في هذه الموضوعات كموضوعاتٍ مستقلة قبل أن تنتظم في علوم القرآن، أهمها:

(أ) «معاني القرآن» للكسائي (١٨٩ﻫ)

كان التأليف في الألفاظ والمعاني مبكرًا جدًّا منذ القرن الثاني، والمعاني قبل الألفاظ … ولا تنفصل المعاني عن الألفاظ في علوم اللغة. بدأت علوم القرآن بعلوم اللغة؛ لذلك تظهر قصة الإعراب التي هي جدل اللفظ والمعنى. فالإعراب السليم عند الفهم السليم بصرف النظر عن أصل اللغة توقيفية أم اصطلاحية. يبدأ الإعراب لغويًّا قبل أن تتحول اللغة إلى فنون القول وأساليب البلاغة. فالنحو قبل البلاغة والنحاة قبل البلاغيين. ويوظف الإعراب في ضبط القراءات وتصحيحها. وكلاهما يؤديان إلى المجاز وأساليب البلاغة. لذلك تظهر أهمية ضبط الحركات، الضمة والفتحة والكسرة.١
وتُستعرض معاني الألفاظ، سورة سورة، وآية آية بالمنهج الطولي من المعوذتين والبسملة والبقرة حتى الناس وكما هو الحال في مناهج التفسير دون أن تكون بالضرورة كل آية داخل كل سورة بل فقط بما يقتضيه تعريف الألفاظ. وتظهر قضية الشواذ في الألفاظ وفي المعاني. وهي ما سميت فيما بعدُ «الغريب» في ألفاظ القرآن.٢ ويستشهد بالشعر، فالشعر هو ديوان العرب، فيه تفسير الكتاب طبقًا للقول المشهور.٣ وأحيانًا يكون الشعر منسوبًا لقائله، سواء كان الكسائي أو غيره، أو مرسلًا.٤ كما يستشهد بأمثال العرب في الجاهلية؛ فاللغة العربية، مثل الشعر، متَّصَلٌ لغوي وثقافي وفني قبل الإسلام وبعده. ويُعتمد على عادات العرب في الكلام. فاللغة للتداول.٥ كما يتم الاستشهاد بالقراءات الصحيحة؛ فالقراءة أساس الإعراب، وهو جدل اللفظ والمعنى.٦ والمعيار قراء أهل مكة.٧ ويتم الاعتماد على الرواية وحدها والنقل عن السابقين دون إعمال للعقل أو القياس. وهم قليل نظرًا لأن المؤلف من القرن الثاني ولم يسبقه الكثير. وأحيانًا يتم الاعتماد على القراءة المقارنة لمجموع اللغات السامية، العربية والعبرية لمزيد من التوثيق مع ضرب أمثلة من اللغة العبرية في معاني الألفاظ.٨ ولا يتم الاعتماد على الحديث مثل الاعتماد على الشعر.
ولغة التدوين هي لغة قريش، والقراءة لأهل مكة. ولهجات العرب كثيرة ومتعددة، منها لهجات قيس وكنانة وبني تميم.٩ ومنها عادات العرب في الخطاب.١٠ لذلك تظهر بدايات علم القراءات من إضمار وحذف، وتقديم وتأخير، وجمع وإفراد، وإدغام وتنوين، وحذف وتكرار، ونقصان وزيادة، ومبالغة وتفخيم، وتصغير وتحقير، واستعمال الضمائر مما يقترب من أساليب البلاغة وفنون القول. والكسائي مثل الفراء صاحب مذهبٍ لغوي.١١ وتظهر بعض الموضوعات الأخرى الخاصة بالحوامل الموضوعية مثل المكان في المكي والمدني، والزمان في الناسخ والمنسوخ، والبيئة الاجتماعية في أسباب النزول.
ويخلو الكتاب من أي قسمة إلى أبواب أو فصول أو مسائل لتحديد بنية الموضوع. كما يخلو من أي مقدمةٍ نظرية حول جدل اللفظ والمعنى. يبدأ مباشرة بالبسملة ثم بالفاتحة.١٢ فالتأليف ما زال مبكرًا كي يبلغ درجة التنظير المتأخر.

(ب) «معاني القرآن» للأخفش الأوسط (٢١٥ﻫ)١٣

والعنوان دالٌّ في معاني الألفاظ أي في جدل اللفظ والمعنى المقارب للتفسير. هو أقرب إلى شرح معجم ألفاظ القرآن، سورةً سورة وآيةً آية، دون أي مقدمةٍ نظرية في جدل اللفظ والمعنى أو في نظرية في التفسير. ربما كان الوقت مبكرًا لظهور نظرية «النَّظم» عند عبد القاهر الجرجاني في القرن الرابع. ويتم شرح القرآن بالقرآن دون أي وسيلةٍ شارحةٍ أخرى لغوية أو بيانية أو عقلية أو تاريخية. فجاء الشرح أقرب إلى الإعراب وتحليلٍ مجرد للألفاظ دون الذهاب إلى ما هو أبعد إلى علوم المعاني والدلالات. فغلب على المعاني اللغة والنحو والإعراب والتشكيل. وتظهر بعض المقولات الخاصة بتركيب الجملة مثل الفصل والاسم والزمان والتأنيث والتذكير. وقد يتجاوز الأمر إلى أساليب البلاغة مثل المجاز والاستثناء والدعاء والإضافة والمجازاة.١٤ ويتم الاعتماد على الشعر، المنسوب إلى قائله أو المجهول.١٥ وكذلك الاعتماد على الحديث وعلى أقوال الصحابة.
جاءت التحليلات متجزئة دون رؤيةٍ عامة؛ مما يبين أهمية علوم القرآن كرؤيةٍ كلية. ويبدو أن تطور العلوم من النشأة والتكوين إلى البنية مرهون بهذا التطور من الجزئي إلى الكلي؛ لذلك جاءت الآيات قصيرةً متقطعة، مجرد ألفاظٍ متناهية في الصغر إلى درجة الحروف، حروف الاستفهام وغيرها.١٦ وتدخل قراءاتٌ أخرى دون استقراء لها.١٧ كما تعطي كتابات أخرى واستبدال الحروف مثل السين والصاد مما يدل على ارتباط القراءة بالكتابة، والصوت بالخط. ونظرًا لغياب التحليل النظري تصبح القراءة مملةً لا استنباط فيها. المادة أداة للعمل، ومادة التحليل خاصة بفهارسها التحليلية للآيات والمسائل النحوية وللأعلام وللقوافي ولأجزاء وأنصاف الأبيات مرتبة أبجديًّا.١٨

(ﺟ) «ما اتفق لفظه واختلف معناه في القرآن العظيم» للمبرد؛ عالم اللغة الشهير (٢٨٥ﻫ) صاحب الكامل١٩

وتظهر موضوعات علوم القرآن قبل تنظيرها في القرنَين الثامن والتاسع عند الزمخشري في «البرهان» (٧٩٤ﻫ) والسيوطي في «الإتقان» (٩١١ﻫ) متفرقة منذ القرن الثالث.

فالبداية من علم اللغة، والمدخل اللغوي لعلوم القرآن، ومحاولة وضع نسقٍ منطقي وليس مجرد رصد للموضوع، سورةً سورة، وآيةً آية. هو نسقٌ رياضي يقوم على احتمالاتٍ ثلاثة: اختلاف اللفظَين واختلاف المعنيَين وهو الطبيعي، واختلاف اللفظَين والمعنى واحد، واتفاق اللفظَين واختلاف المعنيَين. وهل يوجد الترادف أم أن كل لفظ له ظلال من المعنى غير الآخر؟ ويعتمد على القرآن ثم الشعر ثم الحديث. كما يعتمد على كلام العرب وقول العرب.٢٠ والشعر إما معروف صاحبه أو شعرٌ مرسل.

(د) «غريب القرآن على حروف المعجم» للسجستاني (٣٣٠ﻫ)٢١

كتاب في الألفاظ وحدها، أصالتها وغربتها مرتبةً ترتيبًا أبجديًّا كما هو الحال في المعاجم اللغوية. الغريب في الكناية، والشاذ في القراءة. الغريب في الخط والشاذ في الصوت. وهو السجستاني صاحب كتاب «المصاحف» المشغول بتدوين الفروق بين الخطوط والقراءات. والغريب في الأول يتوقف على التداول. فقد يكون اللفظ غريبًا في البداية مألوفًا في النهاية مثل معظم الألفاظ المعرَّبة. وقد يكون غريبًا في بيئةٍ ثقافيةٍ لغوية مألوفًا في بيئةٍ ثقافيةٍ أخرى. فالأمصار مثل مصر والشام والمغرب عوالمُ ثقافية. والحروف في أوائل السور ليست نموذجًا للغريب اللفظي بل للغريب البلاغي لإثارة الانتباه عن طريق الصوت كما هو الحال في «السيمفونيات» الحديثة أو دقات المسرح الحديث. وكثير من الألفاظ المذكورة ليست غريبة بل مألوفة مثل لفظ أماني.٢٢ فقد اتسع لفظ الغريب بحيث شمل المألوف.
وهو مجرد إحصاء لألفاظ القرآن وفقًا لترتيب حروف المعجم ترتيبًا أبجديًّا، وكما هو الحال في المعاجم المفهرسة الحديثة لألفاظ القرآن. وهو ليس تفسيرًا موضوعيًّا طبقًا للألفاظ والموضوعات لأنه لا توجد أي محاولة للتجميع والتنظير في حقولٍ دلاليةٍ متشابهة أو مختلفة. ولا حكمة ظاهرة في التركيب طبقًا لحروف المعجم، وكان يمكن إيجاد تصنيفٍ آخر أكثر دلالةً من حيث إيجاد نسق للألفاظ حول حقولٍ دلاليةٍ متمايزة. وتقسيم القرآن طبقًا للألفاظ يقضي على الجملة والتركيب والسياق والمنطوق والمفهوم والدلالات العامة. وتتكرر الألفاظ دون داعٍ أو جديد. ويخلو الكتاب من أي تحليلٍ نظري في المقدمة أو في الوسط أو في الخاتمة. توجد فقط إحالةٌ عابرة في أول الكتاب لما يمكن أن يوحي بأنه منهج للتأليف، القصد منه قرب تناول القرآن وسهولة حفظه.٢٣ ويشرح القرآن بالقرآن وبالشعر وبالحديث وبالأمثال العربية.٢٤ ويكون الشرح للفظ مرة وللجملة مرةً أخرى. كما يذكر تعدد القراءات.٢٥ وبالرغم من الشرح اللفظي إلا أنه يقع في التفسير الشيئي للألفاظ كما هو الحال في بداية سورة العاديات.٢٦ وبالرغم من كثرة الفهارس الفنية لجذور المفردات القرآنية الغريبة وللآيات القرآنية والقراءات والأحاديث والأشعار والأمثال والأعلام والقبائل والمدن والأماكن إلا أنها تظل بلا دلالاتٍ كبيرة.٢٧

(ﻫ) «الوجوه والنظائر لألفاظ الكتاب العزيز» للدامغاني (٤٧٨ﻫ)٢٨

والعنوان مشابه لتعبير «الأشباه والنظائر» في علم القواعد الفقهية ولكنه في الحقيقة بين الألفاظ والمعاني من ناحية والتفسير من ناحيةٍ أخرى. فهو تفسير لبعض ألفاظ القرآن مرتبة ترتيبًا أبجديًّا (حوالي خمسمائة لفظ). وهو نوع من التفسير الموضوعي اللفظي الأبجدي، أشبه بالمعجم المفهرس أو القاموس دون أي دلالة أبعد من الألفاظ. ومعاني الألفاظ متعددة بل ومتضاربة لتعدد التفسيرات وإمكانيتها. فالإنسان مثلًا له عشرون وجهًا.٢٩ وتتراوح بين المعاني الحسية والعقلية، العيانية والمجردة، الحقيقية والمجازية. والتضاد ليس في ذاته بل للسماح للاختيار بين أحد المعنيَين طبقًا للحاجة والظروف. وكذلك تتعارض معاني لفظ الجنة لاختيار أحدها.٣٠ وتغفل هذه الطريقة التجزيئية المتقطعة السياق الدلالي للألفاظ ونواتها. وتمنع من السيولة الفكرية والاتصال النظري بينها. لذلك جاءت قصيرة أشبه بمعاني القاموس الحديث ومن محض الذاكرة دون الاعتماد على معاجم الألفاظ الحديثة كما هو الحال عند المحدثين. ولا يُعرف هل هذه المعاني اشتقاقية أم اصطلاحية أم عرفية طبقًا للمعاني الثلاثة للفظ عند الأصوليين.٣١ ويخلو التحليل من أي بنيةٍ نظرية أو قسمة للمعاني تتجاوز الألفاظ. وإذا كان لكل لفظ معنًى فأين ظلال المعاني وقدرتها على الإيهام والتأثير.٣٢ ويتراوح التفسير بين المعاني المطلقة والأشخاص المحددة موروثة أو وافدة.٣٣ ويتراوح الإنسان بين المعاني العامة والأشخاص المحددة، أشبه بأسباب النزول. وتفسر الأفعال والحروف مع الأسماء مثل القاموس الشامل. بل قد تضمن بعض الأسماء المعربة مثل أتون.٣٤ ويعتمد بطبيعة الحال على القرآن أكثر من اعتماده على الحديث، تفسيرًا للقرآن بالقرآن. كما يستعمل الشعر.٣٥
وكان الدافع على التأليف استكمال ما نقص عند المفسرين مثل «وجوه القرآن» لمقاتل ابن سليمان، وإغفال حروف من القرآن لها وجوهٌ كثيرة. فجعله مرتبًا على حروف المعجم لتسهل مطالعته وحفظه.٣٦

(و) «معجم مفردات ألفاظ القرآن» للراغب الأصفهاني (٥٠٣ﻫ)٣٧

واستمر ذلك حتى الفهارس الحديثة. ومؤلفو هذا النوع بين علماء اللغة والنحو والبلاغة والأدب وعلوم القرآن. ويتم تبويب الألفاظ طبقًا للحروف الأبجدية كالمعجم المفهرس. وهو اختيارٌ لغوي وليس اختيارًا موضوعيًّا. فالحروف الأبجدية عرضٌ تاريخي توضع تحتها الألفاظ التي تشير إلى الموضوعات الاجتماعية والسياسية مثل بِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ. فهي آية ليست فقط تحت حرف الباء ولكنها تدل على أسباب انهيار المجتمعات، تعطيل مصالح الناس؛ الآبار، وبناء الإقطاعي فوقها القصور المشيدة.٣٨ يقوم على مجرد الرصد دون أي استنتاجات. وهو عمل قواميس اللغة. يعتمد على القرآن ثم الشعر ثم الحديث.٣٩ وتطبع الأشعار والألفاظ بالمداد الأحمر لإبراز أهميتها. وترقم الأشعار وليس الألفاظ. ولا تستعمل أقوال القدماء بل أحيانًا أقوال بعض الصحابة. ويتم التركيز على اشتقاق الألفاظ والقراءات المختلفة.٤٠

(ز) «البرهان في توجيه متشابه القرآن لما فيه من الحجة والبيان» للكرماني (٥٠٥ﻫ)٤١

ويظهر فيه موضوع التكرار في القرآن، يتبع نفس المنهج في علوم التفسير ليرصد مظاهر التكرار أو التشابه بين الآيات لتقليلها ونفيها، سورةً سورة، وآيةً آية، اعتمادًا على القرآن؛ فالقرآن يفسِّر نفسه بنفسه ثم الشعر، ونادرًا الحديث.٤٢ والتكرار في القرآن موجود، وله أسبابه اللغوية. فالترادف موجود في اللغة، ولكنه لا يعني المطابقة في المعنى. فكل لفظ من الألفاظ المترادفة يوحي بظلال من المعنى مخالفة للآخر. والبدل في اللغة ولكنه لا يعني الإحلال المطابق بل إعادة الضبط والتكييف. فالعلاقة بين آيتَين متكررتَين مثل العلاقة بين الخاص والعام، الجزئي والكلي، الفرعي والأصلي على مستوى الإيهام، والعلاقة بين الحقيقة والمجاز، والظاهر والمؤوَّل، والمحكم والمتشابه، والمجمل والمبين، والمطلق والمقيد، والمستثنى والمستثنى منه على مستوى الصياغة. وقد يكون على مستوى التصوير الفني مثل الأمر والقصص، الحكم والمثل. وقد يكون على مستوى تعدد المعاني والتعبير من خلال المعنى بألفاظٍ مترادفة لتعدد الفهم، واختلاف مستويات العمق، والتفاوت بين الظاهر والباطن، بين الصريح والمؤول، وقد يكون على مستوى الكم مثل الإيجاز والإطناب، الحذف والإضافة. وقد يكون على مستوى العمل بين التخفيف والشدة، الرحمة والعقاب، وقد يكون على مستوى الإعجاز في تعدد الصياغات الأدبية لنفس الشيء واستقراء نفس الحكم من تعدد أسباب النزول، واستنباط نفس الأمر من تعدد الصياغات. وقد يكون على مستوى الفهم بين الحدس والبرهان، الإدراك المباشر والاستنباط، الظن واليقين، الاحتمال والتوكيد. وقد يكون على مستوى المعاني من أجل الجدال مع المخالفين والحرص على التنزيه ونقاء العقائد. ومع ذلك يحتاج ذلك كله إلى تجميع في نظريات للتكرار ومستوياته المتعددة.

(ﺣ) «تذكرة الأريب في تفسير الغريب» لابن الجوزي (٥٩٧ﻫ)٤٣

وهو كتاب في شرح ألفاظ القرآن الغريبة دون تحديد معنى الغريب، هل هو الدخيل المعرَّب من لغةٍ أخرى هندية أو فارسية أو رومية أو هو ما لم تألفه لهجة قريش؟ وهو مجرد رصد لألفاظ القرآن بالمعنى الواسع، أشبه بقواميس اللغة دون أي مقدمةٍ نظرية في الغريب. ولا تشمل فقط غريب اللفظ بل أيضًا غريب اللفظ والمعنى.٤٤ ويتطرق إلى موضوعاتٍ أخرى مثل النسخ وأسباب النزول وتخصيص العموم مع المبالغة في الاختصار.٤٥ ويستمر الرصد سورةً سورة، وآيةً آية كما هو الحال في علم التفسير الكلى، التفسير الطولي. والشرح لغويٌّ خالص.٤٦ ويتغير المعني بتغير التشكيل. ويتم الاعتماد على اللغويين مثل الفراء، وعلى الحديث دون الشعر.٤٧ ولا عجب أن يبدو في الحديث التنبؤ السياسي بخلافة الشيخَين.٤٨

(ط) «الإشارة إلى الإيجاز في بعض أنواع المجاز» للعز بن عبد السلام (٦٦٠ﻫ)

الكتاب كله لمجاز القرآن، مع درجةٍ عالية من التنظير والتفصيل في أنواع المجاز، مع تجاوز رصد المجاز سورةً بسورة وآيةً بآية كما هو الحال في التفسير الطولي الذي أثر في تناول موضوعات علوم القرآن الأخرى اللغوية أو البلاغية.٤٩ وبالرغم من الخطة التفصيلية العامة الشاملة لأنواع المجاز إلا أنها مليئة بالأمثلة من القرآن والحديث والشعر.٥٠ كما تستعمل بعض الأمثال العامية نظرًا لأن الوحي قد نزل على ثقافة العرب، شعرًا ونثرًا.٥١ والسؤال هو: هل نزل الوحي على أساليب البلاغة العربية استنباطًا وبطريقةٍ قبلية أم أن علماء النحو والبلاغة طبقوها عليه استقراءً وبطريقةٍ بعدية؟ ويمكن الجمع بين الاثنين، الاستنباط والاستقراء، القبلي والبعدي.٥٢ وتنطبق أيضًا قواعد النحو وأساليب البلاغة على أقوال الرسول. وهي ليست وحيًا لفظيًّا مباشرًا، فقد أوتي جوامع الكلم. وهو أفصح بلغاء العرب.
ويعتمد المجاز أساسًا على الحذف.٥٣ والمجاز فرع للحقيقة وليس مجرد خيال أو تصوير في اللفظ الواحد يجمع الحقيقة والمجاز.٥٤ وتتفرع أنواع المجازات بالعشرات. وبتعبير المحدثين في الغرب هو تجوُّز بالذات عن الموضوع أو بالموضوع عن الذات، بالشعور عن مضمونه، ومضمون الشعور عن الشعور.٥٥ وكما يكون المجاز عن طريق الحذف يكون أيضًا عن طريق النسبة.٥٦ ومنها نسبة البعض إلى الكل أو الكل إلى البعض.٥٧ وبالإضافة إلى مجاز الحذف، هناك مجاز التضمين والأهم مجاز اللزوم وهو أنواع.٥٨ ومجاز التشبيه هو الأكثر تفصيلًا. له أكثر من مائة نوع.٥٩ منها التجوز بشيء عن شيء.٦٠ ومنها ربط شيء بشيء أو التعبير عن شيء بشيء.٦١ ويصل التنظير إلى درجة وضع مفاهيمَ جديدة، وتصورٍ واحد يجمع بين الشبه والمشبه به.٦٢ وأحيانًا يوصف الشيء بأنه مجاز.٦٣ وقد تستعمل الآية القرآنية لأنها بصياغتها مجاز. ولا تحتاج إلى صياغةٍ نظريةٍ أخرى.٦٤
ويتشعب نوعٌ واحد مثل وصف المعاني بصفات الأجرام إلى عدة أنواعٍ فرعية. منها ما يتضمن حركتَين.٦٥ ومنها ما يتضمن حركةً واحدة.٦٦ ومن ضمن الأنواع تعدد مصححات التجوز في محلٍّ واحد مثل الذات والصفات والأفعال.٦٧ وهناك المجاز المزدوج أي مجاز المجاز.٦٨ ويمكن الجمع بين الحقيقة والمجاز في لفظٍ واحد.٦٩

(ي) «المجيد في إعراب القرآن المجيد» للسفاقسي (٧٤٢ﻫ)٧٠

وهو مثل كتب إعراب القرآن في علوم التفسير. ويقوم بإعراب القرآن سورةً سورة، وآية آية، البسملة والفاتحة فقط نموذجًا. ويعتمد على آراء السابقين مع اقتباس نصوص ووضع لفظ «انتهى».٧١ واللغة عند القدماء كانت ثقافة العصر مثل العلوم الإنسانية عند المحدثين. كما يعتمد على الشعر والمثل العربي.٧٢ ويخلو من أي مقدمةٍ نظرية باستثناء أهمية علم اللغة.٧٣ فهو القادر على تمييز الخطأ من الصواب كما فعل «البحر المحيط» لأثير الدين الذي جمع بين التفسير والإعراب كما فعل أبو البقاء في «البيان في إعراب القرآن». والكتاب يعتمد على تلخيص آراء السابقين، والانتقاء بين القراءات الشاذة.٧٤ يظهر تطبيق قواعد النحو على الوحي مثل تطبيق أساليب البلاغة. فقد نزل الوحي بلغة العرب. واتبع قواعد النحو العربي. وتم تطبيق ذلك سورةً سورة وآية آية، سورة الفاتحة والجزء الأول من سورة البقرة دون أن يكتمل. والسؤال هو: وماذا عما يندُّ عن قواعد النحو؟ هل هي الشواذ عن القاعدة؟ هل هي استعمال لهجات قبائلَ عربيةٍ أخرى، وقد أنزل القرآن على سبعة أحرف؟ هل هي أخطاء في التدوين؟

(ك) «بهجة الأريب في بيان ما في كتاب الله العزيز من الغريب» للمارديني ابن التركماني (٧٥٠ﻫ)٧٥

وهو أيضًا في غريب الألفاظ دون تحديد الغربة بالنسبة لمن، وفي ماذا؟ هل في اللغة أي الدخيل من اللغات المجاورة، أم في الصور الأدبية وفنون القول وأساليب البلاغة، أم في الأحكام الشرعية، أم في العقائد والتصورات النظرية؟ ويتسع مفهوم الغريب بحيث يشمل ألفاظ القرآن كلها، وليس الغريب وحده، سورةً سورة، وآيةً آية دون أي تحليلٍ نظري باستثناء فقرة في المقدمة في نقد الدراسات القرآنية اللغوية دون القصدية والتي اقتصرت على الألفاظ دون المعاني والمقاصد والغايات. والقرآن موجَّه إلى العقول والألباب وليس إلى الألسن والشفاه.٧٦ يشرح القرآن بالقرآن، وبالحديث نادرًا وبالشعر كثيرًا. ويعتمد على أقوال الصحابة والسابقين.٧٧

(ل) «كشف السرائر في معنى الوجوه والأشباه والنظائر» لابن العماد (٨٨٧ﻫ)٧٨

ويستمر حتى بعد بداية علوم القرآن في «البرهان» للزركشي (٧٩٤ﻫ) في عرض بعض الموضوعات المنفصلة، الأشباه والنظائر، وكأنها موضوعاتٌ مستقلة مثل موضوع «المتشابهات»، ولا تعني التشابه في مقابل المحكم في علوم أصول الفقه من مباحث الألفاظ بل تعنى الآيات المتناظرة. لا يعني التشابه والتناظر هنا ما سُمي في علم القواعد الفكرية «الأشباه والنظائر» وهو تجميع الآيات المتشابهة في قاعدةٍ أصوليةٍ واحدة كما فعل ابن النجيم وغيره الذين وضعوا هذا العلم المتوسط بين الفقه وأصوله. تعني «الأشباه والنظائر» هنا رصد ألفاظ، أفعال وأسماء وحروف لها معانٍ متعددة. وهو يقابل التكرار في القرآن بدلًا من وحدة اللفظ واختلاف المعنى، وحدة المعنى واختلاف الألفاظ. هو أشبه بالتفسير الموضوعي للقرآن، بتجميع آياتٍ متشابهة نحو موضوعٍ واحد دون معجمٍ مفهرس لألفاظ القرآن كما هو موجود هذه الأيام. الموضوعات تتجاوز المائة.٧٩ معظمها تقليدي، يدور حول الإيمان والهدى والكفر والشرك والإسلام والآخرة والشكر والروح والتقوى والذكر … أو المعرفي مثل الحكمة، التأويل، الحس، الوحي، الحق، آية، أو السياسي مثل الأرض، الأمر بالمعروف، أمة، إمام، البأس، البغي، الطاغوت، الظلم، عدوان، السلام. ويستطيع هذا الجيل أن يضيف القهر، الطغيان، الفقر، الضنك، الاحتلال، الاستعمار، الاستغلال، الاحتكار، الاستيطان في أراضي الغير، الغزو، قتل الأبرياء، التعذيب، الاعتقال، سجن الأبرياء. وأقلها الأخلاقي مثل الحسنى، الرجاء الرحمة، الصدق، الصلاح، العفو، الفرح … إلخ، أو الاجتماعي مثل السعي.

(م) «الترجمان عن غريب القرآن» للقرشي اليماني٨٠

ويركز على الألفاظ الغريبة في القرآن يرصدها في سورةٍ سورة وآية آية. يشرحها حتى تكون مألوفة. فاللغة للاستعمال. وهي ألفاظ عربية. البعض منها لم يعد متداولًا.٨١ ومرتبطة بحياة البدو كما هو في ألفاظ الشعر. يشرحها لفظيًّا واشتقاقيًا ولغويًّا واصطلاحيًّا. ومنها ألفاظٌ عادية لا غربة فيها. ومنها ألفاظٌ أعجميةٌ معربة من اليونانية واللاتينية والفارسية والهندية والنبطية والسريانية. يخلو من مقدمةٍ نظرية في اللغة وكيفية تعريب الألفاظ ودوافعه. ويعتمد على اللغويين والنحويين. كما يعتمد على الحديث والشعر، والشعر أكثر.٨٢ ويذكر اسم الشاعر أو يظل مجهولًا. كما يعتمد على أقوال اللغويين والنحويين السابقين. ويكون الشرح بالمرادف أو العبارة الشارحة. وقد يكون الشرح بالشيء المشار إليه، أسماء الطيور والحيوانات. يبدأ الشرح بحروف «أي». ويدل على علمٍ غزير ومعلوماتٍ واسعة. ويكون الشرح بتعدد القراءات كحل الخلاف حول معاني الألفاظ. ويُفسر وجود بعض الأخطاء النحوية في الآيات. ويقترب من التفسير الموضوعي للقرآن بتجميع الآيات حول موضوع أو لفظٍ واحد. وبعض التفاسير ظنية خالصة مثل «النازعات» و«المغيرات»، «الصافات»، ملائكة أو غير ذلك.

(٢) العربي والغريب

والألفاظ القرآنية بها العربي وبها الغريب.٨٣ العربي يقبل الإعراب، والغريب ما لا يقبله. وقد ألَّف فيه خلقٌ كثير.٨٤ وتركوا مؤلفاتٍ عديدة.٨٥ ولا يضير فهم النص عن فهم الألفاظ الغريبة وهو أدخل في التفسير.٨٦
ويختلف القدماء عن المحدثين في الحكم على العربي والغريب. فما كان غريبًا عند القدماء هو عربي عند المحدثين. وما كان عربيًّا عند القدماء قد يكون غريبًا عند المحدثين. فاللغة تداولية. تحيا بالاستعمال، وتموت بعدم الاستعمال. وليس من المعقول أن يمتلئ القرآن بكل هذه الألفاظ الغريبة التي عفَّى عليها الزمن ولم تعد مستعملة، وإلا أصبحت لغةً تاريخيةً خالصة، وأصبح القرآن ذاته غير صالح لكل زمان ومكان. وهذا يدل على مدى انفتاح شبه الجزيرة العربية على الشعوب المجاورة، والتداخل بين الثقافات واللغات في مصر وبلاد الروم وفارس والهند والحبشة والقرن الأفريقي والنبط.٨٧

والقصص الغريبة على من؟ على أي قبيلة وفي أي لهجة. وكل ما كان غريبًا. في قريش كان غريبًا في العربية إذا كان الوحي قد نزل بلغة قريش؟ وكثير من هذه الألفاظ تعبر عن البيئة الصحراوية؛ الشجر، البلح، الرمل، النواة، الناقة، الصخر.

وقد تكون هذه الألفاظ الغريبة قد استُعملت من قبلُ في الشعر.٨٨ ولا يعني ذلك أن الشعر أصل القرآن بل على أن هذا الغريب كان مستعملًا من قبلُ في اللغة التداولية.٨٩ وذم الشعر في القرآن ليس على الإطلاق بل بسبب الأخلاق وليس بسبب اللغة والصياغة والشكل الأدبي. فالشعر غواية للغاوين، خيال دون فعل، وقول دون عمل. الشعر ديوان العرب.٩٠ والقرآن يرث الشعر كمحور للحياة العربية، وبؤرةٍ ثقافية. والوراثة تقوم على التواصل والانقطاع في نفس الوقت، تواصل الثروة، وانقطاع الأنساب. وقد نشأت منافسة بين الشعر والقرآن بعد نزول الوحي، بين أنصار القديم وأنصار الجديد. أنصار القديم يدافعون عن الشعر، وأنصار الجديد يدافعون عن القرآن. فالقرآن بالنسبة للشعر تجديد في فنون البلاغة. ليست القضية بين الشعر والقرآن قضيةً لغويةً لفظيةً بلاغية فقط أي قضية شكلٍ أدبي بل هي قضية تجربةٍ إنسانيةٍ حياتية. فالشعر تجربةٌ حياتية مثل الوحي، يشاركان في نفس المعنى والدلالات.
وفي القرآن ألفاظ بغير لغة الحجاز.٩١ وهي أقرب إلى اللهجات مثل هذيل، وحمير، وجرهم، وكنانة … إلخ.٩٢ وقد تصل إلى الخمسين لغةً.٩٣ وإذا كانت هذه اللغات قد اندثرت فكيف يمكن فهم القرآن الآن؟ والآن هناك قراءاتٌ أفريقية وأسيوية وأوروبية.

وفي القرآن ألفاظ من لغاتٍ غير عربية؛ الحبشية والفارسية، والنبطية، والعبرية، والسريانية والبربرية، والقبطية، والرومية، والهندية ثم الزنجية واليونانية، والتركية. وهي مائة وسبعة عشر لفظًا. وقد يكون لفظٌ واحد في أكثر من لغة.

وكلما كانت النظرية محافظة لم يكن في القرآن حرفٌ غريب من لغة قريش إلا ثلاثة لأن كلام قريش سهلٌ واضح. وكلام العرب وحشيٌّ غريب.٩٤ وذلك دفاعًا عن نقاء اللغة واستعمال الوحي أقل قدر ممكن من الحوامل الأجنبية.٩٥ وكلما كانت النظرية أكثر جرأةً امتلأ القرآن بالألفاظ غير العربية كحوامل للوحي بعد أن أصبحت الألفاظ غير العربية جزءًا من اللغة العربية التداولية.
واللغة العربية نفسها هي لغة العرب العاربة والعرب المستعربة التي أحضرت بعض ألفاظها معها فعرَّبتها. فلم يكن العرب في جزيرةٍ منعزلة عن باقي الشعوب المجاورة لها، بلغاتها وثقافتها وأديانها وعاداتها.٩٦ وبعد تعريب بعض الألفاظ أصبحت أكثر عربية من الألفاظ العربية الأصيلة لقدرة العربية على تعريب غيرها من الألفاظ غير العربية مثل «السندس» و«الإستبرق» و«الإبريق» من الفارسية، و«الأرائك» و«الطاغوت» بالحبشية، و«أسفار» و«ربانيون» من السريانية، و«أكواب» و«سفرة» بالنبطية، و«بطائن» بالقبطية و«سيدها» و«جهنم» و«الرحمن» و«الرمز» بالعبرانية، و«الرقيم» و«الصراط»: بالرومية، و«المهل» بالبربرية. وقد عُرِّبت هذه الألفاظ عبر اتصال العرب بغيرهم من الشعوب المجاورة عبر التجارة قبل نزول الوحي، فالحامل اللغوي بصرف النظر عن نشأته وتكوينه قادر على حمل المحمول.٩٧ وقد وضعت معظم هذه الألفاظ غير العربية في قصائدَ عربية للاستنكار.٩٨

(٣) ألفاظ يكثر دورانها

ونظرًا لأن ثقافة القدماء ثقافةٌ لغوية فقد جمعوا بعض الألفاظ المتكررة في القرآن في تفسير الشبه بالتفسير الموضوعي. تجمع بين الأفعال مثل «فعل»، «حسب»، «كاد»، «رأى»، «ظن»، «عسى»، «لعل»، «اتخذ»، «سأل»، «وعد»، «شعر»، «علم»، «ود»، ومعظمها الأفعال التي تنصب ما بعدها، وبعض صيغ التفضيل والتي تأخذ مفعولَين، وبعضها للجزم والنصب، وأفعال المضارعة، ولفظ «سواء»، وبعض الآيات.٩٩ وهي خطوة نحو الخروج من مباحث الألفاظ، والبعد التشريعي، وأساليب البلاغة، والبعد الجمالي إلى التجارب الاجتماعية والسياسية أي الموضوعات بالرغم من أن بدايتها تحليل الألفاظ المتكررة في القرآن خاصة الأفعال وليس الأسماء أو الحروف.
وليست كل الأفعال دالة مثل «فعل». ومن نفس الحقل الدلالي أفعال «جعل»، «عمل»، «طفق»، «أنشأ»، «أقبل». «فعل» هو الأعم، يفيد القول والهم. وأقله «عمل» يعم النية والهم والعزم والقول. وتعني «جعل»، «سمى»، «كاد»، «طفق». وهي معاني المقاربة. كما تعني الخلق والاختراع، والنقل من حال إلى حال والتصيير، والاعتقاد، والحكم بالشيء على الشيء. وتأتي بمعنى «ألقى».١٠٠
وبعضها أكثر دلالة مثل فعل «كان» هل يدل على الماضي وحده أم هو مستمرٌّ متجدد في الحاضر والمستقبل. فكان تدل على الماضي والحاضر في آنٍ واحد، على التطور والبنية. هل فَعَل ماضٍ وإذا وقع بعد «إن» أو «أما» المستقبل. ويمكن أن يسبقه نفي مثل باقي الأفعال.١٠١
ويفيد فعلا «عسى» «ولعل» الرجاء والطمع. ويتضمنان الشك والظن. «عسى» ماضي اللفظ والمعنى أو ماضي اللفظ مستقبل المعنى. ويفيد فعل «ود» نفس المعنى؛ التمني. ويأتي معها حرف «ل» أو «أن».١٠٢
وهناك عدة أفعال تتعدى مفعولَين مثل «حسب»، «ورأى» إذا كانت بصرية تعدَّت لواحد أو علمية تعدَّت لاثنين، الأول مفعول، والثاني حال. وقد تكون بمعنى «أخبر» أو «انتبه». ولا يتعلق فعل «علم» إلا بالمعاني. ويعنى فعل «ظن» الاعتقاد والراجح، وربما اليقين. فالظن محمود حتى ولو كان شكًّا. ولا يستبعد أحد المحمولين. ويعني «شعر»، علم، ومصدره «شعره» مثل فطنه. و«اتخذ» يتعدى إلى مفعولٍ واحد أو مفعولَين. و«أخذ» يعني غصب وعاقب. ويستعمل للمقاربة والقسم. ويتعدى «سأل» لمفعولين.١٠٣
ويفيد فعل «كاد» أن الإثبات إثبات، والنفي نفي، أو أن الإثبات نفي والنفي إثبات، ووقوع الفعل بعسر، والتفضيل في النفي بين المضارع والماضي. فنفي المضارع نفي، ونفي الماضي إثبات.١٠٤ وقد يعني «أراد».١٠٥
وفعل المطاوعة هو الواقع مسبَّبًا عن سببٍ اقتضاه مثل كسرته فانكسر.١٠٦ ويحتمل الفعل الجزم والنصب.١٠٧
وأفعل التفضيل له قواعد، منها: إذا أضيف إلى جنسه لم يكن بوضعه.١٠٨ وإذا ذكر بعد أفعل جنسه وواحد من آحاده يضاف إليه.١٠٩ أن يكون الأصل للأفضلية على ما أضيف إليه، لا يطلق على العاهات.١١٠ ويكثر حذف المفضول إذا دل عليه دليل.١١١ وقد يأتي مجردًا عن معنى التفضيل.١١٢ وأفعل على ثلاثة أضرب: مضاف، ومعرف باللام، وخالٍ منها. أما لفظ «سواء» فيعني الاستواء، وهو عكس التفضيل.
ويمكن تصنيف الآيات طبقًا لصياغتها اللغوية الكلية وليس طبقًا لمعانيها. وهي حدود الخطاب المغلق على ذاته.١١٣

(٤) الإعراب

والإعراب بين اللفظ والمعنى، فهو تشكيل اللفظ طبقًا للمعنى وحفاظًا على الاثنين.١١٤ وفهم المعنى يساعد على الإعراب.١١٥ وقد يتجاذب الإعراب والمعنى الشيء الواحد. ويكون ذلك طبقًا للصياغة، وهي فنون البلاغة، وأن يتم طبقًا لقواعد اللغة العربية، وأن يستوفي جميع ما يمثله اللفظ من الأوجه الظاهرة، وأن يراعي الشروط المختلفة حسب الأبواب، وأن يراعي في كل تركيب ما يشاكله.
وأول ما يُعرف الإفراد والتركيب، وهو موضوع في النحو من أجل إعراب القرآن.١١٦ وفي الإعراب تُتجنب الأمور البعيدة والأوجه الضعيفة واللغات الشاذة. ولا يخرج على القريب والقوي والفصيح. وتُجنَّب القراءات الشاذة. ويفضَّل الترجيح بين القراءات. ويُراعى الرسم والخط. ويُستحسن التروي في المتشابهات. ويراعى عدم الخروج على الأصل أو الظاهر دون مقتضى، والبحث عن الأصل دون الزائد، وهي الأعاريب، وتجتنب الألفاظ الزائدة.

وقد يتجاذب اللفظَ الواحد إعرابان لمعنيَين، وكلاهما صحيح، وقد يتعارض الإعراب والمعنى مع بعضهما البعض. وقد تقرأ بأكثر من وجه، الإعراب أو البناء. وليس في القرآن على كثرة منصوباته مفعول معه.

ويقوم النحوي ببيان مراتب الكلام، فالعُمد قبل الفضلة، والمبتدأ قبل الخبر، والوصول بالنفس قبل الوصول بالجر، والمفعول الأول قبل الثاني، وارتباط الضمير بالتأخير أو التقديم.١١٧
والتصريف هو ما يلحق ببنية الكلمة. وهو قسمان: الأول جعل الكلمة على صيغٍ مختلفة بضروب من المعاني مثل التصغير والتكبير، والمصدر، واسمي الزمان والمكان، واسمي الفاعل والمفعول، وحركتَي المقصور والممدود. والثاني تغيير الكلمة لمعنًى طارئ عليها فتحدث الزيادة والحذف، والإبدال والقلب، والنقل والإدغام. وفائدته توليد المعاني الفرعية من المعنى الأصلي. فالمعنى ليس تصورًا منطقيَّا جامعًا مانعًا بل هو ظلال من المعاني يوحي بأكبر قدر ممكن من الإيحاءات.١١٨

وطبقًا لمعاني الألفاظ الثلاثة: الاشتقاقي، والاصطلاحي، والعرفي؛ إذا كان المعنى الاشتقاقي ثابتًا، والاصطلاحي ثابتًا فإن المعنى العرفي، وهو المعنى التداولي، يتغير بتغيُّر الاستعمالات والأعراف واختلاف المجتمعات والمراحل التاريخية. لذلك وجدت القواميس التاريخية للغة والتي يندر منها أن توجد في اللغة العربية وكأنها خارج التاريخ قبل الإسلام وبعده.

ثم يتم الخروج من مستوى اللفظ والمعنى إلى مستوى الشيء ذاته وهي الأفعال. وهي أحكام التكليف الخمسة كجزء من مباحث الألفاظ.١١٩ وهي لا تتجاوز خمسمائة آية مما يزيد على الأربعة آلاف. فالغاية من القرآن ليس التكليف بل التحرر الوجداني كما قال الصوفية. والأحكام نوعان: الأول صريح ومباشر، والثاني مستنبطة وغير مباشرة من آيةٍ أخرى أو من سياق مجموع الآيات.١٢٠ ويمكن استنباط الأحكام من العواطف الإنسانية مثل تعظيم فعل أو الإقلال من شأنه، مدحه أو ذمه، محبته أو كراهيته، الرضا أو السخط من الشيء، الفرح والحزن. فتعني الوجوب أو التحريم أو الندب والكراهية، والواقعة والعقاب، والتعجب والنفور. ويعرف الحلال بألفاظ رفع الجناح والإذن والعفو والتخيير والامتنان. وقد تجمع آيةٌ واحدة أكثر من حكم. هنا يتم الانتقال من اللغة إلى الفعل. فالتوجه القرآني وَقُلِ اعْمَلُوا، لذلك تختتم علوم القرآن بالعلم والعمل.١٢١

(٥) الأشباه والنظائر

وهو ما يسمى بالوجوه والنظائر.١٢٢ الوجوه للفظ المشترك هي معانيه المتعددة. والنظائر هي الألفاظ المتواطئة. النظائر في الألفاظ، والوجوه في المعاني. وهو ليس معجزة بمعنى خرق قوانين الطبيعة دون معرفة أسبابها. وليس إعجازًا لأنه جزء من طبيعة اللغة وقواعد التفسير. وإذا كان للكلمة عشرون وجهًا فإن ذلك من غنى اللغة العربية وفضلها على غيرها من اللغات، وليس معجزةً قرآنية. ومعرفة وجوه الألفاظ جزء من فهم القرآن.١٢٣
وقد يكون للفظ معنًى واحد بصرف النظر عن الاستعمال والسياق. فاللفظ له نواة المعنى.١٢٤ وقد يعني لفظٌ واحد معنيَين من أجل حرية الحركة في الفهم طبقًا للموقف والظروف المتغيرة.١٢٥ الأول معنًى حسيٌّ مادي، والثاني روحيٌّ أخلاقي. الأول ظاهري والثاني باطني. فالظلمات والنور إما العتمة والنور أو الإيمان والكفر. بل إن معنى اللفظ يتغير من آيةٍ إلى أخرى طبقًا للسياق.١٢٦ والصبر يكون محمودًا في آية ومذمومًا في أخرى. وقد يكون للفظ ثلاثة معانٍ مثل العفو.١٢٧
وقد تعني الوجوه الإشارات الباطنة دون الظاهرة.١٢٨ والأمثلة على ذلك كثيرة. قد يعني لفظ الذكر تسعة عشر وجهًا.١٢٩ الذكر باللسان والقلب والذاكرة نظرًا، ويكون في العظة والبيان والخبر والشرف والوحي والثناء كشفًا. ويكون في القرآن والحديث والتوراة تدوينًا، ويكون في الطاعة ونيل الجزاء عملًا. ويكون في الصلاة وفي الصلوات الخمس وصلاة الجمعة وصلاة العصر ممارسة. ولفظ الهدى سبعة عشر وجهًا.١٣٠ وتعني المعرفة والبيان والدين والإيمان والحجة والتوحيد والإلهام والإرشاد. كما تعني الجوانب العملية مثل الثبات، والدعاء، والاسترجاع، والإصلاح والتوبة. وتعني التدوين مثل القرآن والسنة والتوراة. ومنها لفظ القضاء.١٣١ ويعني الأجل والموت والوصية والهلاك أو الأمر والفصل والمعنى والوجوب والإبرام، والإعلام والنزول، والخلق والفصل والعهد. والفتنة خمسة عشر وجهًا.١٣٢ وتعني الجوانب النظرية مثل الشرك والإضلال، والمعذرة، والقضاء، والإثم، والمرض والعبرة أو الجوانب العملية مثل: القتل، والصد، والعقوبة، والاختبار، والعذاب، والإحراق، والجنون. والرحمة اثنا عشر وجهًا.١٣٣ والسوء أحد عشر وجهًا.١٣٤ والروح.١٣٥ أو الصلاة تسعة وجوه.١٣٦ والدعاء ستة وجوه.١٣٧ والإحصان ثلاثة وجوه.١٣٨

(٦) منطق الاشتباه

وهو ما يعادل مباحث الألفاظ في علم أصول الفقه.١٣٩ وتتفاوت كمًّا فيما بينها. تبدأ بأكبرها؛ الحقيقة والمجاز لبعد الصورة الفنية في اللغة، ثم المحكم والمتشابه لبيان دور الفهم الإنساني في اختيار معنًى واحد من المعاني المتعددة للفظ، ثم المجمل والمبين لتوضيح المعاني واختيار أقرب المعاني إلى البداهة والوضوح، ثم الظاهر والمؤول طبقًا لأعماق الفهم ومستويات الشعور المعرفي، ثم العام والخاص وتوجه اللفظ نحو الشخصي، والخطاب نحو المخاطب، ثم المطلق والمقيد وهو نفس التقابل بين العام والخاص على مستوى التجريد، ثم الأمر والنهي وهو توجه الخطاب نحو الفعل وهو بيت القصيد. وأخيرًا يتم التحول من المنظوم إلى المنطق والمفهوم لوضع منطق للمعنى يتجاوز منطق الألفاظ.١٤٠
  • (أ)
    الحقيقة والمجاز: الموضوعات الشرعية حقائق بالنظر إلى الشرع، مجازات بالنظر إلى اللغة.١٤١ ولما كان الشرع قد عُرف من اللغة فإن الموضوعات الشرعية قد تكون مجازًا بالنسبة للخاصة، حقائق بالنسبة إلى العامة. وإنكار المجاز وقوع في الحرفية وضيق الأفق ووحدانية النظرة.١٤٢
    الحقيقة هي كل لفظ بقي على موضوعات دون تقديم أو تأخير. والمجاز هو إخراج اللفظ عما وُضع له. وهو نوعان: الأول المجاز في التركيب. وهو المجاز العقلي وعلاقته الملابسة بإسناد الفعل إلى ما هو له أصالة لملابسته.١٤٣ والثاني المجاز في المفرد ويسمى المجاز اللغوي. وهو استعمال اللفظ في غير موضعه.١٤٤ وتسمية الداعي إلى الشيء باسم الصارف عنه، وإقامة صيغة مقام أخرى، وإطلاق الأمر وإرادة التهديد والتلويح، وإضافة الفعل إلى ما ليس بفاعل له في الحقيقة، وإطلاق الفعل والمراد مقاربته ومشارفته لا حقيقته، وإطلاق الأمر بالشيء للتلبس به والمراد دوامه، وإطلاق اسم البشرى على المبشَّر به. وقد يكون اللفظ مشتركًا بين حقيقتَين أو أحدهما حقيقة والآخر مجاز.١٤٥
    والمجاز نوعان: الشبه وهو المجاز اللغوي عند الأصوليين. والثاني الملابسة وهو المجاز العقلي عند اللغويين.١٤٦ فاللغة أداة العقل. والعقل تعبير باللغة.
    وقد تكون هناك واسطة بين الحقيقة والمجاز، وهي الألفاظ قبل الاستعمال مثل الحروف أوائل السور من أجل إيقاظ الانتباه وإثارة الخيال.١٤٧ وقد تكون الألفاظ المستعملة للمشاكلة على التقابل للإعلام والإخبار فهي مجاز لعلاقة المصاحبة.١٤٨
    وقد يجوز مجاز المجاز أي أن يكون المجاز المأخوذ عن الحقيقة حقيقة بالنسبة إلى مجازٍ آخر.١٤٩ فالمجاز سلسلة لا تتناهى. فلا توجد حقيقة إلا ولها مجاز. ولا يوجد مجاز إلا ويكون حقيقة لمجازٍ آخر. الحقيقة بداية، والمجاز نهاية. البداية بالحرف المتناهي، والنهاية بالصورة التي لا تتناهى.
    وقد يُنفى الشيء ويثبت باعتبارَين. فالرمي حقيقة في الإنسان ومجاز في الله.١٥٠ فالحقيقة والمجاز يتوقفان على المستوى. قد يكون المستوى الحسي حقيقة ثم يتحول مجازًا بالانتقال من الحسي إلى المعنوي، وهو طريق التنزيه. وقد يكون المستوى الحسي مجازًا ثم يتحول إلى حقيقة بالانتقال من الحسي إلى المعنوي، وهو طريق التشبيه.١٥١
  • (ب)
    المحكم والمتشابه: وفي القرآن محكم ومتشابه. ليس كله محكمًا وإلا ضاق الخناق على الفهم والتفسير والتأويل. وليس كله متشابهًا وإلا تحولت التعددية إلى تكافؤ الأدلة، وتساوى كل شيء بكل شيء، وانتهى الأمر إلى التشبيه واللاأدرية والعدمية.١٥٢ المحكم هو الذي يحتمل وجهًا واحدًا، والمتشابه هو الذي يحتمل أكثر من وجه. الأول هو الواضح، والثاني المتشابه. المتشابه يمكن معرفته عن طريق منطق الألفاظ. فما فائدة وجوده وهو مجهول، لا يعلمه إلا الله؟ والمحكم ما تكرر لفظه، والراسخون في العلم هم أصحاب هذا المنطق اللغوي، وليس علمًا سريًّا باطنيًّا. ليس المحكم والمتشابه في الموضوع، المحكم الوعد والوعيد والفرائض، والمتشابه القصص والأمثال بل ما يتعلق بصياغة الخطاب، وهو على أنواع مثل ما لم يُنسخ، والناسخ، والفرائض، والوعد والوعيد.١٥٣
    المحكم: ما استقلَّ بنفسه ويُدرك بالحدس. والمتشابه: ما اعتمد على غيره ويحتاج إلى التحليل اللغوي العقلي. ليس المحكم والمتشابه هما الناسخ والمنسوخ. فالأول يتعلق بالصياغة اللغوية، والثاني ينطق بمدة الحكم. ليس المحكم هو الآيات، والمتشابه الحروف أوائل السور. فقد تكون الآيات أيضًا متشابهة. أما أوائل السور فإنها من أسرار البلاغة ولا تحتوي على حكم.١٥٤
    ويعني المحكم في اللغة المنع، منع الحاكم الظالم من الظلم وإلجام الفرس من الاضطراب. وفي الاصطلاح أحكام الأمر والنهي، وبيان الحلال والحرام.١٥٥

    والمتشابه على ثلاثة أنواع: متشابه من جهة اللفظ، ومتشابه من جهة المعنى، ومتشابه من الجهتين معًا. واللفظ نوعان بسيط ومركب. والمركب ثلاثة أنواع: لاختصار الكلام، ولإيضاح الكلام وبسطه، ولنظم الكلام. والمتشابه من جهة المعنى أوصاف الله والقيامة الحسية وضرورة تأويلها معنويًّا. وهي على خمسة أنواع: من جهة الكمية كالعموم والخصوص، ومن جهة الكيفية كالوجوب والندب، ومن جهة الزمان كالناسخ والمنسوخ، ومن جهة المكان كعادات الجاهلية، ومن جهة الشروط التي بها يصح الفعل. ومن حيث الموضوع المتشابه ثلاثة أنواع، ما لا يمكن الوقوف عليه مثل أمور المعاد، وما يمكن معرفته كالألفاظ والأحكام، وما يتوسط بين الاثنين، وهو ما يعرفه الراسخون في العلم، وهم أهل الاختصاص.

    ومن المتشابه آيات الصفات مثل الاستواء الذي يعني الاستقرار والاستيلاء والصعود والارتفاع والخلق والاعتدال. وكلها معانٍ حسية. وقد يلجأ البعض إلى تغيير الوقف في قراءةٍ أخرى بالوقوف على العرش ثم البداية ﺑ «استوى» كفعل لباقي الآية. والوجه يعني إخلاص النية أو قصد التوجه. والعين تعني البصر أو الإدراك. واليد تعني القدرة. والساق هي الشدة والأمر العظيم. والجنب الطاعة. والعزب العلم. والفوق العلو. والمجيء الأمر، والعند الإشارة والتمكين. وأخرى أقل حسية وأكثر معنوية مثل المحبة والغضب والرضا والعجب والرحمة. فهي انفعالاتٌ إنسانية يتم إسقاطها وتكبيرها. فالتأويل ضروري حفاظًا على التنزيه، وحذرًا من التجسيم والتشبيه.١٥٦
    ومن المتشابه أوائل السور من دلائل الإعجاز. ولا تعني أي قصد أو توجه خاص بأوصاف الله أو أسمائه أو أفعاله أو صفاته.١٥٧ فلو كان المقصود كذلك لصرح به في آيةٍ كاملة دون اختصارها في حروف. ولا تشير الحروف إلى أسماء.١٥٨ ولا دليل على أنها من أسماء القرآن. وليست حروف اللغة العربية بأعدادها أو حروف البسملة طبقًا لعلم أسرار الحروف.١٥٩ ووجه الإعجاز أن القرآن نظم من الحروف الهجائية العادية. هي مجرد تنبيهات.١٦٠ دقاتٌ صوتية من دقات خشبة المسرح لإعلان بداية التمثيل.
    وهناك التشابه في الأفعال لحاجة السلوك إلى أساسٍ نظريٍّ محكم.١٦١ فالتشابه ليس فقط مقولةً لغوية بل أيضًا مقولةٌ سلوكية في الحيرة والتردد.١٦٢ بل هي مقولةٌ وجودية في التوتر بين الفناء والبقاء، بين الموت والخلود.
    ووظيفة المتشابه شحذ الذهن، وجعل القارئ جزءًا من المقروء، والموضوع إحالة إلى الذات كما أن الذات إحالة إلى الموضوع. يحث العلماء على النظر الموجب للعلم، وبذل الجهد للوصول إلى المراد. ويتفاوت الناس في درجات العلم. وكلما ازداد العلم ازداد الفهم. ولو كان القرآن كله محكمًا لكان مذهبًا واحدًا، وقراءةً واحدة، وفهمًا واحدًا. وهو ضد روح القرآن. ويستدعي ذلك تحصيل علومٍ كثيرة لفهم الجوانب المختلفة للقرآن وممارسة التأويل، والاعتماد على علوم اللغة: النحو، والمعاني، البيان، وأصول الفقه. ويدعو الخواص إلى إعمال النظر.١٦٣
  • (جـ)

    المجمل والمبين: المجمل ما لم تتضح دلالته. وله أسباب مثل الاشتراك، والحذف، واختلاف مرجع الضمير، واحتمال العطف والاستئناف؛ أي مواقع الوقف والابتداء، وغرابة اللفظ أو كثرة الاستعمال، والتقديم والتأخير، وقلب المنقول، والتكرير القاطع، لوصول الكلام في الظاهر. وقد يقع البيان متصلًا أو منفصلًا. الأول تخصيص وتأويل، والثاني بيان.

    وقد يكون المجمل والمحتمل شيئًا واحدًا، وقد يتمايزان. فالمجمل لفظٌ مبهم لا يُفهم مراده، والمحتمل لفظٌ واقع بالوضع الأول على معنيَين. المجمل يدل على أمورٍ معروفة على عكس المحتمل. ليس المجمل هو الغامض بل هو المركب الذي يحتاج إلى تحليل إلى بسائط.١٦٤
  • (د)
    الظاهر والمؤوَّل: إذا كان اللفظ محتملًا لمعنيَين وفي أحدهما أظهر، فالراجح ظاهر، والمرجوح مؤول. ولا يوجد شيء في القرآن لا تعلم الأمة تأويله وإلا كان تجهيلًا. والتأويل يتغير بحسب الزمان والمكان والمؤول وتطور التاريخ وتغير الظروف والأحوال.١٦٥ وكلها ممكنة لأنه لا يوجد تأويلٌ واحدٌ ثابت وإلا أصبح القرآن كله ظاهرًا.١٦٦
  • (هـ)
    العام والخاص: العام لفظ يستغرق الصالح له من غير حصر. وصيغته «كل» وأسماء الصلة «الذي»، «التي» و«أي» و«ما» و«مَن» للشرط والاستفهام، والجمع المضاف، واسم الجنس للمضاف، والنكرة في سياق النفي والنهي، والمعرف بألف ولام التعريف. وهو على ثلاثة أقسام: الباقي على عمومه، العام الذي يراد به المخصص، والعام المخصوص. والمخصص له متصل أو منفصل. والمتصل خمسة: الاستثناء، والوصف، والمشروط، والغاية، وبدل البعض من الكل. وقد يكون الكلام متصلًا، أحده عام والآخر خاص. والعموم للمدح أو الذم باقٍ على عمومه. والخطاب الخاص بالرسول لا يعمَّم. صيغ الخطاب يَا أَيُّهَا النَّاسُ، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا، يَا أَهْلَ الْكِتَابِ، على مستوياتٍ عدة من العموم، من الأكثر عمومًا إلى الأقل عمومًا والأكثر خصوصًا.١٦٧ وقد يراد بالخطاب العام العموم، وبالخطاب الخاص الخصوص، وقد يراد بالخطاب الخاص العموم، وبالعموم الخاص.١٦٨
    ويشمل خطاب العموم الجنس والنوع وخطاب المدح للمؤمنين والذم للكافرين. ويشمل خطاب الخصوص خطاب العين. ويشمل العموم والخصوص للأفراد والجماعات خطاب الذم والكراهية والإهانة والتهكم والجمع بلفظ الواحد، والواحد بلفظ الجمع، والواحد والجمع بلفظ الاثنين، والاثنين بلفظ الواحد، وخطاب الجمع بعد الواحد وخطاب العين والمراد غيره، وخطاب الاعتبار، وخطاب الشخص ثم العدول إلى غيره.١٦٩
  • (و)
    المطلق والمقيد: المطلق والمقيد مثل العام والخاص.١٧٠ والمقيد هو تعليق الحكم بصفة أو شرط. وقد يكون التقييد باللغة وبالقياس، بالنقل أو العقل. والمطلق هو الأساس ثم يدخل المقيد عليه.١٧١ وقد يكون التقييد بصفة.١٧٢ ولا يستدل بالصفة العامة إذا لم يظهر تقييد عدم التعميم.١٧٣
  • (ز)
    الأمر والنهي: وإذا كان العموم والخصوص للأفراد فإن الأمر والنهي للأفعال. وقد يأتي الأمر كصيغةٍ لغوية بلا حرف أو بحرف. وهو الإثبات في اللغة. والنهي هي صيغة النفي في اللغة. والنفي للصدق والجحد للكذب. لذلك كان الصدق شرط صحة النفي. ويسبق النفي أداته. وإذا كان نفيًا عامًّا فأداته للعموم. وأدوات النفي كثيرة «لا»، «ما»، «لا»، «لم»، للماضي والحاضر والمستقبل.١٧٤
  • (ﺣ)
    المنطوق والمفهوم: ومن الصعب الفصل بين اللفظ والمعنى. فاللفظ حامل للمعنى، والمعنى محمول على اللفظ. ويمكن ذلك في علم أصول الفقه بالتمييز بين المنظوم والمفهوم.١٧٥ ثم يأتي المنطوق فيخرج اللغة من التقابل بين اللفظ والمعنى إلى التقابل بين اللفظ والشيء، والخروج من اللغة إلى العالم. فاللغة منزل الوجود.١٧٦
    المنطوق والمفهوم هما اللفظ والمعنى.١٧٧ وهما في أصول الفقه المنظوم والمفهوم. فالمنطوق ما دل عليه اللفظ أي محل النطق. والمفهوم هو المعنى الذي لا يحتمل غيره. والمفهوم ما دل عليه اللفظ لا في محل النطق. وهو قسمان: مفهوم الموافقة ومفهوم المخالفة. الأول ما يوافق حكم المنطوق. فإن كان أولى سمِّي فحوى الخطاب أو دلالة الخطاب. والثاني ما يخالف المنطوق وهو مفهوم الصفة نعتًا أو حالًا أو ظرفًا أو عددًا أو الشرط أو الحصر أو الغاية. فالألفاظ تدل إما بمنطوقها وهي الألفاظ، أو بفحواها وهي المعاني أو الدلالات أو باقتضائها وضرورتها وهي التجارب الحدسية الذاتية أو بمعقولها المستنبط منها.١٧٨ وهو ما سماه الأصوليون المنظوم والمفهوم والمعقول والمنظور.١٧٩

(٧) وهم الاختلاف

والتعارض بين الآيات وهم؛ فالقرآن لا يتعارض بعضه مع بعض بل يتكامل. وحل التعارض مباحث الألفاظ وثنائياتها: الحقيقة والمجاز، الظاهر والمؤول، المحكم والمتشابه، المجمل والمبيَّن المطلق والمقيد، المستثنى والمستثنى منه، العام والخاص، الأمر والنهي … إلخ. كما يمكن حل التعارض عن طريق الناسخ والمنسوخ والأولوية في الزمان من حيث التقديم والتأخير، تقديم المكي على المدني. ويمكن حل التعارض عن طريق الأسلوب، أن يكون أحد المعنيين مستقلًّا بحكمه، والثاني مرتبطًا بلفظٍ زائد. وتعارض القراءتين حله في علم القراءات. وإيهام التناقض في الأسماء وليس في المعاني. الأول حله في منطق الألفاظ، والثاني حله بالقياس ومناهج الاستنباط. وقد تكون الأسباب الموهمة للاختلاف وقوع المختبر به على أحوالٍ مختلفة وأطوارٍ شتى أو اختلاف الموضوع أو اختلاف جهتي الفعل أو لوجهَين واعتبارَين مختلفَين بين المتفرقات.١٨٠ وإذا وقع تعارض بين الآية والحديث فالأولوية للآية طبقًا للأولوية في ترتيب المصادر الأربعة.١٨١
وقد يوهم بوقوع تعارض بين النصوص.١٨٢ وهو أحد أبواب أصول الفقه في التعارض والتراجيح.١٨٣ وكيف يكون تعارض في وحي منزل في ذاته دون أن يكون في تدوينه أو قراءاته أو فهمه وتفسيره؟ قد ينشأ هذا الوهم بالتعارض إما لمقتضياتٍ بلاغيةٍ صرفة أو لتباين مستويات الفهم والتفسير أو لاختلاف السياق. وللاختلاف أسباب، منها: وقوع المخبَر به على أنواعٍ مختلفة وتطويراتٍ شتى، واختلاف الموضوع، وتباين جهتي الفعل، واختلاف الحقيقة والمجاز، ووجود وجهَين واعتبارَين. وقد تعمق الأصوليون في ذلك، وإعطاء بعض الحلول للتعارض بين الآيات عن طريق نسخ المتأخر للمتقدم أو تخصيصه أو تعميمه أو باقي المبادئ اللغوية.

وما أكثر الخلافات في علوم القرآن مثل الخلافات في علم أصول الدين وعلم أصول الفقه وفي علوم الحكمة وفي علوم التصوف، بل لقد تحول الخلاف الفقهي إلى علمٍ مستقل هو علم الخلاف. ولا يضير ذلك الوحي في شيء. فاختلاف الحوامل لا تقلل من ثبات المحمول. واختلاف المياه الجوفية وتياراتها وأعماقها واتساعها ومدتها لا تمنع من الشرب من مياهه.

١  علي بن حمزة الكسائي: معاني القرآن، أعاد بناءه وقدم له د. عيسى شحاتة عيسى، دار قباء للطباعة والنشر والتوزيع (عبده غريب)، القاهرة، ١٩٩٨م.
٢  السابق، ص١٠٨، ٢٤٨.
٣  الشعر (٣٤) (السابق، ص٦٥).
٤  الكسائي، ص١٩٧، ٢٠٥.
٥  السابق، ص٦٢، ٦٦، ٨٩، ١٠١، ١٠٧، ١٢٨، ١٣٠، ١٣٣، ١٥٠، ٢٠١، ٢٠٣، ٢٠٧، ٢٠٨، ٢١٢، ٢١٤، ١٣٧، ٢٣٩، ٢٤٢، ٢٥٠-٢٥١، ٢٥٩، ٢٥٦.
٦  السابق، ص٦٠.
٧  السابق، ص٦٠، ١١٢، ١٩٣.
٨  السابق، ص٦٨، ١١٥، ٢٣٩.
٩  السابق، ص٦٧، ١١٣–١١٥، ١٩١، ٢١٢، ٢٥٨.
١٠  السابق، ص١٩٧.
١١  للفراء أيضًا (٢٠٧ﻫ) «معاني القرآن».
١٢  الكسائي، ص٥٩.
١٣  أبو الحسن سعيد بن سعد المجاشعي البلخي البصري المعروف بالأخفش الأوسط: معاني القرآن. قدَّم له وعلَّق عليه ووضع حواشيه وفهارسه إبراهيم شمس الدين، دار الكتب العلمية، بيروت، ١٤٢٣ﻫ/٢٠٠٢م.
١٤  السابق، ص٥٠–٦٢.
١٥  الأشعار (٢٧٥) أجزاء وأنصاف الأبيات (٢٠).
١٦  الأخفش، ص١٦١.
١٧  السابق، ص١٨١.
١٨  السابق، ص٣١٩–٣٥٦.
١٩  الإمام العلامة أبو العباس محمد بن يزيد المبرد: ما اتفق لفظه واختلف معناه في القرآن العظيم، دار الكتب العلمية، بيروت، ٢٠٠٧م/١٤٢٨ﻫ، ص١٠٥–١٢٦، وله أيضًا «معاني القرآن» (السابق، ص١٠٨).
٢٠  الآيات (٧٥)، الأشعار (٣٥)، الأحاديث (٥)، كلام العرب (٣)، قول العرب (٢).
٢١  الإمام أبو بكر محمد بن عزيز السجستاني: غريب القرآن على حروف المعجم، دراسة وتحقيق أحمد عبد القادر صلاحية، دار أطلس، دمشق، ١٩٩٣م.
٢٢  السابق، ص٩٨.
٢٣  «هذا تفسيرٌ غريب للقرآن أُلِّف على حروف المعجم ليقرب تناوله، ويسهل حفظه على من أراده» (السابق، ص٩٦).
٢٤  الأحاديث (١٣)، الأشعار (٢٥)، الأمثال (١٠).
٢٥  السجستاني، ص١٢٩، ١٧٠.
٢٦  السابق، ص٢٤١-٢٤٢، ٢٩٠.
٢٧  السابق، ص٣٨٣–٤٦٠.
٢٨  الإمام الشيخ أبو عبد الله الحسين بن محمد الدامغاني: الوجوه والنظائر لألفاظ كتاب الله العزيز، تقديم وتحقيق عربي عبد الحميد علي، دار الكتب العلمية، بيروت، ٢٠٠٢م/١٤٢٤ﻫ.
٢٩  السابق، ص٦٨–٧١.
٣٠  السابق، ص١٢٣-١٢٤، ١٥٣-١٥٤.
٣١  من النص إلى الواقع، بنية النص، ج٢، ص٢٥٢–٢٥٥.
٣٢  تأويل الظاهريات، ص١٥٤–١٥٦.
٣٣  تفسير «أحد» على ثمانية أوجه: الله، النبي، بلال تمليخا، زيد بن حارثة، أحد من الخلق، دقيانوس، ساتي الملك (الوجوه والنظائر، ص٤٣).
٣٤  السابق، ص١٢٦-١٢٧.
٣٥  السابق، ص١٤٧.
٣٦  «إني تأملت كتاب وجوه القرآن لمقاتل بن سليمان وغيره فوجدتهم قد أغفلوا حروفًا من القرآن لها وجوهٌ كثيرة. فعمدت إلى عمل كتابٍ مشتمل على ما صنعوا وما تركوا منه، وجعلته مبوَّبًا على حروف المعجم ليسهل على الناظر فيه مطالعته وعلى المتعلم حفظه» (السابق، ص٣٧).
٣٧  العلامة أبو القاسم الحسن بن محمد بن المفضل المعروف بالراغب الأصفهاني (٥٠٣ﻫ)، ضبطه وصححه وخرَّج آياته وشواهده إبراهيم شمس الدين، دار الكتب العلمية، بيروت، ٢٠٠٤م/١٤٢٥ﻫ.
٣٨  السابق، ص٤٤.
٣٩  الآيات بالآلاف، والأحاديث بالمئات، والأشعار (٤٦٥).
٤٠  السابق، ص٦٣.
٤١  تاج القراء محمود بن حمزة بن نصر الكرماني: أسرار التكرار في القرآن، دراسة وتحقيق عبد القادر أحمد عطا، دار الاعتصام، ط٢، ١٣٩٦ﻫ/١٩٧٦م.
٤٢  الأشعار (٦) الأحاديث (١).
٤٣  جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد بن الجوزي: تذكرة الأريب في تفسير الغريب، تحقين طارق فتحي السيد، دار الكتب العلمية، بيروت، ٢٠٠٤م/١٤٢٥ﻫ.
٤٤  «وهذا الكتاب يتميز عن كل كتاب يصنَّف في الغريب لأن تلك تشتمل على غريب اللفظ فقط، وهذا على غريب اللفظ والمعنى» (السابق، ص١٣).
٤٥  السابق، ص٤٥٣.
٤٦  السابق، ص٤٦٧.
٤٧  السابق، ص٣٨٩، ٣٣٣؛ الحديث، ص٥٥، ٣٠١، ٣٩٣، ٤٠٧، ٤٧٥.
٤٨  السابق، ص٣٥٩.
٤٩  الإمام أبو محمد عز الدين عبد العزيز بن عبد السلام السلمي الشافعي: الإشارة إلى الإيجاز في بعض أنواع المجاز (مجاز القرآن)، منشورات كلية الدعوة الإسلامية ولجنة الحفاظ على التراث الإسلامي؛ السلسلة التراثية (١١)، طرابلس، الجماهيرية الليبية، ط١، ١٤٠١ﻫ من وفاة الرسول، ١٩٩٢م.
٥٠  الآيات (دون المكرر منها) (١٥٦٠)، الأحاديث (١٥٢)، الأشعار (٦٢).
٥١  مجاز القرآن، ص١٠٠.
٥٢  وهذه هي الأحكام القبلية التركيبية عند كانط.
٥٣  مجاز القرآن، ص٩٢–١٤٢. وهي: حذف المضافات، والمفعولات، والموصوفات، والأقوال وأجوبته، والشروط، وأجوبة القسم، والمبتدأ، والخبر، والأفعال العاملة، ومفاعيل المشيئة، والإفساد، وضمائر الموصولات، وفعل الأمر، والجملة، والجمل الكثيرة.
٥٤  السابق، ص١٤٥–١٨٠.
٥٥  مثل: التجوز بلفظ العلم عن المعلوم، وبالمعلوم عن العلم، وبالقدرة عن المقدرة، وبالمقدرة عن القدرة، وبالإرادة عن المراد، وبالمراد عن الإرادة، وبالأمل عن المأمول، وبالوعد عن الموعود، وبالعهد عن المعهود، والعقد عن المعقود، وبالبشرى عن المبشَّر به، وبالقول عن المقول، وبالنبي عن المُنبَّأ به، وبالاسم عن المسمى، وبالكلمة عن المتكلم، وبالحلف عن المحلوف به، وبالحكم عن المحكوم به، وبالعزم عن المعزوم عليه، وبالهوى عن المهوي، وبالخشية عن المخشي، وبالحب عن المحبوب، وبالظن عن المظنون، وباليقين عن المتيقن، وبالشهوة من المشتهى، وبالحاجة عن المحتاج إليه، وبالسبب عن المسبب، وبالمسبب عن السبب (السابق، ص١٨٣–٢٢٢).
٥٦  مثل الإخبار عن الجماعة بما يتعلق ببعضهم، والتعبير بالبعض عن الكل، وبالكل عن البعض، وبالفعل عن مقاربته، وتسمية الشيء بما كان عليه وبما يئول إليه، وتنزيل الموهَم منزلة المحقَّق، والمخاطبة والأخبار المبنيين على زعم الخصم.
٥٧  مثل نسبة الفعل إلى سببه أو إلى سببٍ أو إلى سبب السبب أو إلى الأمر به أو الإذن فيه (السابق، ص٢٢٣–٢٣٦).
٥٨  مثل: التعبير بالإذن عن المشيئة وعن التيسير والتسهيل، وتسمية ابن السبيل، ونفي الشيء لانتفاء ثمرته وفائدته، والتجوز بلفظ الريب عن الشك، وبترك الكلام عن الغضب، وبنفي النظر عن الإذلال والاحتقار، وباليأس عن العلم، والتعبير بالمسافحة عن الزنا، وبالمحل عن الحالِّ، وبالإرادة عن المقاربة، وبالدخول عن الوطء، ووصف الزمان بصفة ما يشتمل عليه، والمكان بصفة ما يقع فيه، والإعراض بصفة ما قام به، والكنايات (السابق، ص٢٧٦–٢٩٣).
٥٩  السابق، ص٢٩٣–٤٢٤.
٦٠  منها: التجوز بالصراط والطريق والسبيل، وبالميزان عن العدل، وبالحبال عن العهود والعقود، وبالنور عن الهدى، وبالظلمات عن الضلالات والشدائد، وبالأبصار عن البصائر، وبالبصائر عن الأبصار، وبالموت عن الكفر، وبالحياة عن الإيمان، وبالروح عن الوحي والقرآن، وبالسجود عن الانقياد لقدرة الله، وبالقال عن دلالة الحال، وبالقتل عن الإهلاك واللعن، وبالدعاء عن العبادة، وبالظن عن العلم، وبالوقوع عن الثبوت والتحقق، وبالخيط عن الفَجرَين، وبكثرة السماع للصحيح والباطل بالأُذن، وبالصدق عن الشرف والحسن.
٦١  مثل: نحت إنسان على صورة إنسان، مدح الأقوال والأفعال بلفظ الاستقامة والطيب والبركة، والذم بلفظ الاعوجاج، والطبع على القلوب والختم عليها، والانقلاب على الأعقاب، والتعبير عن الإحاطة على الإتلاف والإهلاك، وتشبيه المؤمن بالحي والسميع والبصير، والكافر بالميت والأعمى والأصم، ووصف الكتاب بالفتيا والقصص والحكمة، وتشبيه المعنى المنتسب إلى شيئين بالجرم المنتسب إلى جرمَين بلفظٍ بين، وتشبيه ثبوت القرآن والإسلام إلى آخر الزمان بالجبال الراسيات، وتسمية عقوبة المذنب بالعذاب، وجعل الهوى إلهًا، وتشبيه الناس بالحطب، وتشبيه خلو القلب من الأمن والسرور بالهواء، وتشبيه من خرج عن الصدق في هجوه وذمه بالهائم في الأودية، والتعبير بالإخبات عن الخضوع والتواضع، وتمثيل المرأة بالنعجة، والتعبير بالجهاد عن النصر، وتقديم رِجْل وتأخير أخرى، وتشبيه الداخل في الباطل بالخائض في الماء، وجعل الذوات في الأعراض وفي الصفات، والأمر المجازي هو أمر التكوين.
٦٢  مثل اللباس، النقض، الربط، الشد، الكظم، الميل والزيغ والصفو والحنف، الحجاب، الكفر، الأكنة والأغطية والأغشية والأقفال، البعد، اللين، الغلظة، القسوة، المرض والشفاء، الضلال، الصُّم والعُمي والبُكم، البشارة والنذارة والمجازيان، القبض والبسط، الشرح والضيق والسعة والفتح، التولي والإعراض، الزلل والاستزلال، الصرف، الشدة، القرع، ثني الصدور، الدرء، الستر، الإيقاد والإطفاء والنار، النفخ، إسباغ النعم، صبغة الله، محو الباطل، نسخ الأحكام، الحرث، المهاد، الصبو، الركن، الأوتاد، الشراء والبيع والقرض، الجنوح، الأمثال، الاعتداء، التناوش.
٦٣  مثل: السد المجازي، الرفض المجازي، السقوط المجازي.
٦٤  مثل: وَبَاءُوا بِغَضَبٍ، وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ، قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ، وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى، ووَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا، وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ، فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنْبَاءُ، وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا، وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ، تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ، وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ، وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ، وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَرَاءَكُمْ ظِهْرِيًّا، وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ، حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ، فَأَذَاقَهَا اللهُ.
٦٥  مثل: وصفها بالمجيء والإقبال، وبالزهوق والذهاب والإذهاب، وبالصعود والإصعاد، والإفراغ والصب، وبالدخول والخروج والإدخال والإخراج، وبالنزول والإنزال، وبالنبذ والقذف والرجم والإلقاء والرمي، وبالقرب والبعد، وبالفك والانفكاك.
٦٦  مثل: الأخذ، الكشف، اللمس، الذوق، التمسك، الخلط، الملء، يمكن وصفها بأنها مرجوع إليها وبأنها مركوبة.
٦٧  مثل: الرحمة، المحبة، الود، الرضى، الشكر، الضحك، الفرح، الصبر، الغيرة، الحياء، الابتلاء، السخرية والاستهزاء والمكر والخداع، التعجب، التردد، الاستواء، الغضب، السخط، الأسف، القلي، المقت، العداوة، اللعن، الكشف عن الساق، والإشارة إليه ﺑ «ذلك».
٦٨  مثل: وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا (مجاز القرآن، ص٤٥٢-٤٥٣).
٦٩  مثل: أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (السابق، ص٤٥٣–٤٦٠).
٧٠  أربعة كتب في علوم القرآن، تحقيق د. حاتم صالح الضامن، عالم الكتب، بيروت، ١٤١٨ﻫ/١٩٩٨م، ص١١–٤٥، وهناك طبعةٌ أخرى تحقيق موسى محمد زين، منشورات كلية الدعوة الإسلامية ولجنة الحفاظ على التراث الإسلامي، السلسلة التراثية (١٣)، طرابلس، الجماهيرية الليبية، ج١، ١٤٠١ﻫ من وفاة الرسول، ١٩٩٢م.
٧١  السابق، ص١٣، ٢١، ٢٧.
٧٢  الأشعار (٣٤)، الأمثال العربية، ص١٦.
٧٣  «وبعدُ، فلما كان اللسان العربي هو الطريق السني إلى فهم مفردات القرآن العزيز وتركيباته، وعليه المعول في معرفة معانيه وتدبر آياته، وبحسب قوة الناظر فيه، تلتقط درر المعاني من فيه …» (السابق، ص١٢).
٧٤  السابق، ص١٢-١٣.
٧٥  علي بن عثمان بن إبراهيم بن مصطفى بن سليمان المارديني ابن التركماني: بهجة الأريب في بيان ما في كتاب الله العزيز من الغريب، تحقيق محمد حسن محمد حسن إسماعيل، دار الكتب العلمية، بيروت، ٢٠٠٢م/١٤٢٤ﻫ.
٧٦  «فإن الله جعل القرآن الكريم تذكرةً للعقلاء وتبصرة؛ لتكون ألبابهم في معانيه متفكرة، ولأسراره متدبرة. فاشتغل الناس بتلاوة ألفاظه، وغفلوا عن المقصود والأعظم وهو فهم مقاصده وأغراضه. وهذا وصف كثير من حفاظه. فلو سألت عن غريبة من غرائبه لوجدت أكثرهم لها جاهلًا، وعن معناها ذاهلًا. فحملني ذلك على أن جمعت في غريب القرآن كتابًا غريبًا مسلكه قريبًا مدركه، صغيرًا حجمه، غزيرًا ملحه، يهيج الخاطر، ويروق الناظر … ورأيت ترتيبه على السور مقللًا ألفاظه ومسهلًا على حفاظه» (السابق، ص١١).
٧٧  الأشعار (٥٠)، «ألَّفته من غريب أبي بكر الغزيزي، وأبي محمد بن قتيبة، وأبي عبيد الهروي» (السابق، ص١١).
٧٨  ابن العماد: «كشف السرائر في معنى الوجوه والأشباه والنظائر» تحقيق ودراسة د. فؤاد عبد المنعم أحمد، تقديم ومراجعة د. محمد سليمان داود، مؤسسة شباب الجامعة، الإسكندرية، ١٩٧٧م. واعتبره المحقق والمراجع والناشر من التفسير القرآني.
٧٩  هي ١١٦ موضوعًا.
٨٠  الإمام العلامة تاج الدين أبو المحاسن عبد الباقي بن عبد المجيد القرشي اليماني: الترجمان عن غريب القرآن، قرأه وعلق عليه الدكتور يحيى مراد. دار الكتب العلمية، بيروت، ٢٠٠٤م/١٤٢٥ﻫ.
٨١  مثل: جنفًا، صفوان، حصورًا، كلالة، الرجس، الوصيلة، الحام، الحوايا، مذءومًا، غواش، مُتبَّر، مُكاء، تصدية، النسيء، قتر، أخبت، صديد، الجودي، منضود، مسوَّمة، تتبيب، داخرون، دلوك، الوصيد، المهل، زلقًا، أمتًا، المعتر، الأجداث، يقطين، مريج، ذو مرة، سامدون، مهطعين، وطرا، شواظ، زنيم، عتل، الصريم، حسومًا، المهل، العهن، عزين، قِددًا، وأغطش، أبًّا، قترة، الخنَّس، تسنيم، وسق، مسغبة، متربة، الماعون … إلخ.
٨٢  الشعر (٦٨)، الحديث (٢٢).
٨٣  الإتقان، ج٢، ٣–٨٨؛ البرهان، ج١، ٢٩١–٢٩٦.
٨٤  مثل: أبو عبيدة، أبو عمر الزاهد، ابن دريد، أبو حيان (السابق، ص٣).
٨٥  منها كتاب العزيزي، الذي استغرق تأليفه خمسة عشر عامًا مع شيخه الأنباري (السابق، ص٣)، والمفردات للراغب وهو أيضًا التأليف في معاني القرآن مثل كتب الفراء والزجاج والأخفش وابن الأنباري (السابق، ج٢، ٣) وصنف أبو عبيدة كتاب «المجاز»، وأبو عمر غلام ثعلب «ياقوته»، «الصراط»، وكتاب ابن عزيز، وكتاب «الغريبين» للهروي، «والمفردات» للراغب (البرهان، ج١، ٢٩١).
٨٦  مثل: «أبًّا»، «حنانا»، «غسلين»، «أواه»، «الرقيم» (الإتقان، ج٢، ٤–٥).
٨٧  يذكر السيوطي ٧٣٤ لفظًا غريبًا، وأكثرها عربي بالاستعمال والغريب لا يتجاوز ٨١ لفظًا أي ٩٪ مثل وفومها (الحنطة)، جنفًا (إثمًا)، صفوان (حجر صلد)، كلالة (من لم يترك والدًا ولا ولدًا)، الجبت (الشرك)، نقيرًا (النقطة في ظهر النواة)، شنآن (عداوة)، الأزلام (الأقداح)، غير متجانف (متعدٍّ لإثم)، مُكلِّبين (ضَوارٍ)، بحيرة (الناقة)، مبلسون (آيسون)، أن تبسل (تُفضَح)، قنوان (قصار النخيل) قبلًا (معاينة)، الحوايا (المصير)، مذءومًا (ملومًا)، عفَوا (كثروا)، مُتبَّر (خسران)، أخبتوا (خافوا)، مسوَّمة (مصلحة)، مهطعين (ناظرين)، مواخر (جوارٍ)، لأحتنكن (لأستولين)، بالوصيد (الفناء)، المهل (عكر الزيت)، زبر الحديد (قطع الحديد)، المعترُّ (السائل)، لا يأتلِ (لا يقسم)، هضيم (معشبة)، سلقوكم (استقبلوكم)، من قطمير (الجلد على ظهر النواة)، غوْل (صداع)، ضغثًا (حزمة)، غساق (الزمهرير)، في تباب (خسران)، تحبرون (تكرمون)، مريج (مختلف)، وما ألَتْناهم (ما نقصناهم)، ذو مرة (منظر حسن)، سامدون (لاهون)، من غسلين (صديد)، كفاتًا (كفاء)، عسعس (أدبر)، لن يحور (لن يبعث)، أحوى (أسود)، من ضريع (شجر ذو شوك)، إلًّا (قرابة)، مخمصة (مجاعة) … إلخ (الإتقان، ج٢، ٦–٥٤).
٨٨  يذكر السيوطي ٨٩ شاهدًا شعريًّا به بعض الألفاظ الغريبة الواردة في القرآن (الإتقان، ج٢، ٥٥–٨٨).
٨٩  من الألفاظ القرآنية الغريبة التي استعملت في الشعر من قبلُ: «عزين»، «ثبورًا»، «المعتر»، «شواظ»، «سامدون»، «آن»، «ذو مرة»، «كالصريم»، «لكنود»، «أبابيل»، «قمطريرًا»، «نقيرًا»، «فارض»، «المهل»، «مريج»، «دُسر»، «ركزًا»، «ختار»، «خمط»، «أبًّا»، «مهطعين»، «يعمهون»، «مخمصة»، الشعر ديوان العرب، فإذا خفي عليهم الحرف من القرآن الذي أنزله الله بلغتهم، رجعوا إلى ديوانهم فالتمسوا معرفة ذلك، ثم إن كان ما تضمنه ألفاظها يوجب العمل دون العلم كفى فيه الاستشهاد بالبيت والبيتين. وإن كان ما يوجب العلم لم يكن ذلك بل لا بد من أن يستفيض اللفظ وتكثر شواهده من الشعر (البرهان، ج١، ٢٩٤).
٩٠  عند ابن عباس «الشعر ديوان العرب»، وعن عمر «عليكم بديوان جاهليتكم ففيه تفسير كتابكم.»
٩١  ١٧٦ لفظًا (الإتقان، ج٢، ٨٩–١٠٤)؛ (البرهان، ج١، ٢٨٣–٢٨٦).
٩٢  وهي موزعة كالآتي: هذيل (٣٩)، حمير (٢٢)، جرهم (٢٠)، كنانة (١٧)، قيس عيلان، اليمن (٨)، أزد شنوءة (٧)، مذحج (٦)، خثعم، عمان (٥)، حضرموت (٤)، كندة، غسان، بنو حنيفة، الأشعريون، همدان (٣)، سعد العشيرة، لخم، سبأ، تميم، أغار (٢)، عذرة، مزينة، جذام، اليمامة، سليم، عمارة، خزاعة، الأوس، الخزرج، بلي، ثقيف، ثعلبة، نصر بن معاوية، صمصة، ثقيف، عك (١).
٩٣  هي لغات: قريش، هذيل، كنانة، خثعم، الخزرج، أشعر ونمير، قيس عيلان، جرهم، اليمن، أزد شنوءة، كندة، تميم، حمير، مدين، لخم، سعد العشيرة، حضرموت، سدوس، العمالقة، أنمار، غسان، مذحج، خزاعة، غطفان، سبأ، عمان، بنو حنيفة، ثعلبة، طي، عامر بن صعصعة، أوس، مزينة، ثقيف، جذام، بلي، عذرة، هوازن، النمر، اليمامة.
٩٤  الإتقان، ج٢، ١٠٣–١٢٠. هي حوالي إحدى عشرة لغةً طبقًا للأهمية: الحبشية (٢٦)، الفارسية (٢٤)، النبطية (٢٢)، العبرية (٢١)، السريانية (١٥)، البربرية (أهل المغرب) (۷)، الرومية (٦)، القبطية (٥)، الهندية (٢)، الزنجية، اليونانية، التركية (١).
٩٥  وقد كتب السيوطي في ذلك كتابًا مستقلًّا هو «المهذب في ما وقع في القرآن من المعرب» (الإتقان، ج٢، ١٠٥)؛ (البرهان، ج١، ٢٨٧–٢٩٠).
٩٦  «وقال أبو المعالي عزيزي بن عبد الملك: إنما وجدت هذه الألفاظ في لغة العرب لأنها أوسع اللغات وأكثرها ألفاظًا. ويجوز أن يكونوا قد سبقوا إلى هذه الألفاظ» (الإتقان، ج٢، ١٠٦). الطور بالسريانية جبل، وطفقا أي قصدا بالرومية، والقسط والقسطاس والعدل بالرومية، وهُدْنا أي تُبنا بالعبرانية، والسجلُّ الكتاب بالفارسية، والرقيم اللوح بالرومية، والمهل عكر الزيت بالبربرية، والسندس الرقيق من الستر بالهندية، والإستبرق الغليظ بالفارسية والسَّريُّ النهر الصغير باليونانية، وطه أي طأ يا رجل بالعبرانية، ويُصهر أي ينضح بالبربرية، وسينين الحسن بالنبطية، والمشكاة الكوة بالحبشية، والدري المضيء بالحبشية، والأليم المؤلم بالعبرانية، إناه أي نضجه بالبربرية، الآخرة أي الأولى بالقبطية، وراء أي أمام بالقبطية، اليم البحر بالقبطية، بطائن أي ظواهر بالقبطية، الأَبُّ الحشيش بالبربرية، نشأ بالحبشية أي قام ليلًا، كِفل بالحبشية ضعف، القسورة الأسد بالحبشية. التوراة والإنجيل أعجميان (البرهان، ج١، ٢٨٨-٢٨٩).
٩٧  «بل كان للعرب العاربة التي نزل القرآن بلغتهم بعض مخالطة لسائر الألسن بتجارات وبرحلتَي قريش وبسفر مسافرين كسفر أبي عمرو إلى الشام، وسفر عمر بن الخطاب، وكسفر عمرو بن العاص وعمارة بن الوليد إلى أرض الحبشة، وكسفر الأعشى إلى الحيرة وصحبته لنصاراها مع كونه حجة في اللغة، فعلَّقت العرب بهذا كله ألفاظًا أعجمية غيَّرت بعضها بالنقص من حروفها، وجرت في تخفيف ثقل العجمة، واستعملتها في أشعارها ومحاوراتها حتى جرت مجرى العربي الفصيح. ووقع بها البيان. وعلى هذا الحد نزل بها القرآن. فإن جهلها عربي فلجهله الصريح بما في لغة غيره، وكما لم يعرف بها ابن عباس معنى «فاطر» إلى غير ذلك. قال: فحقيقة العبارة عن هذه الألفاظ أنها في الأصل أعجمية، لكن استعملتها العرب وعرَّبتها فهي عربية بهذا الوجه» (البرهان، ج١، ٢٨٩). «وذلك أن هذه أصولها أعجمية كما قال الفقهاء إلا أنها أسقطت إلى العرب فعرَّبتها بألسنتها وحولتها عن ألفاظ العجم إلى ألفاظها فصارت عربية. ثم نزل القرآن، وقد اختلطت هذه الحروف بكلام العرب؛ فمن قال إنها عربية فهو صادق ومن قال إنها أعجمية فهو صادق» (السابق، ص٢٩٠). «وليس كل من خالف قائلًا في مقالته ينسبه إلى الجهل. فقد اختلف الصدر الأول في تأويل القرآن» (السابق، ص٢٩٠).
٩٨  الإتقان، ج٢، ١١٩-١٢٠.
٩٩  البرهان، ج٤، ١٢١–١٧٤.
١٠٠  السابق، ج٤، ١٢١، ١٢٨–١٣٥.
١٠١  السابق، ج٤، ١٢١–١٢٨.
١٠٢  السابق، ج٤، ١٥٨–١٦٨.
١٠٣  السابق، ج٤، ١٣٥–١٦٧.
١٠٤  البرهان، ج٤، ١٣٦–١٣٩.
١٠٥  مثل: كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ.
١٠٦  البرهان، ج٤، ١٣٩–١٤٤، مثل: وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى.
١٠٧  السابق، ج٤، ١٤٤–١٤٩، مثل: وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ، وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ.
١٠٨  البرهان، ج٤، ١٦٨–١٧٣، مثل: أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ، أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ.
١٠٩  السابق، ج٤، ١٧٣-١٧٤.
١١٠  مثل: أَشَدَّ خَشْيَةً.
١١١  مثل: وَاللهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ.
١١٢  مثل: هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ.
١١٣  البرهان، ج٤، ١٤٤، مثل إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا.
١١٤  «ومن فوائد هذا النوع معرفة المعنى لأن الإعراب يميز المعاني ويتوقف على أغراض المتكلمين» (السابق، ص٢٦٠)، وقد ألَّف فيه مكي في كتابه في الشكل خاصة، والحوفي وهو أوضحها، وأبو البقاء العكبري وهو أشهرها، والسمين وهو أجلُّها على ما فيه من حشو وتطويل، ولخَّصه السفاقسي وحرره، وتفسير أبي حيان مملوء به (الإتقان، ج٢، ٢٦٠).
١١٥  في معرفة إعرابه، الإتقان، ج٢، ٢٦٠–٢٨٠.
١١٦  البرهان، ج١، ٣٠١–٣١٠، من أهم مؤلفاته؛ وكتاب «المشكل»؛ وكتاب «المنتخب» للهمذاني؛ وكتاب الحوفي؛ وأبي البقاء العكبري؛ والزمخشري؛ وكتاب ابن عطية؛ والشيخ أبو حيان؛ السابق، ص٣٠١.
١١٧  البرهان، ج١، ٣١٠.
١١٨  السابق، ج١، ٢٩٧–٣٠٠.
١١٩  السابق، ج٢، ٣–٢٣.
١٢٠  السابق، ص٣–٦.
١٢١  السابق، ج٢ ص١٠.
١٢٢  الإتقان، ج٢، ١٢١–١٣٩؛ البرهان، ج١، ١٠٢–١١١. وقد صنف في هذا الموضوع من المتقدمين مقاتل بن سليمان.
١٢٣  السابق، ص١٢١؛ ومن المتأخرين ابن الجوزي، وابن الدامغاني، وأبو الحسين محمد بن عبد الصمد المصري، وابن فارسون، وآخرون، السابق، ص١٢١.
١٢٤  القنوت الطاعة، والأليم الموجِع، والقتل اللعن، والزجر العذاب، والتسبيح الصلاة، والسلطان الحُجة، والدين الحساب، والرياح الرحمة، والريح العذاب، والكأس الخمر، والفاطر الخالق، والإفك الكذب، والجعل الخلق، والمباشَرة الجماع، والفسق الكذب … إلخ، السابق، ج٢، ١٣٥–١٣٨.
١٢٥  يعني الأسفُ الحزنَ والغضب، والبروج الكواكب والقصور الطوال الحصينة، والبر والبحر التراب والماء أو البرية والعمران، والبخس النقص والحرام، البعل الزوج والصنم، والبكم الخَرَس وعدم الكلام، وجثيًّا جميعًا أو الجثي على الركب، والحسبان العدد والعذاب، والحسرة الندامة والحزن، والدحض الباطل والمقروع، والرجز العذاب والصنم، والرَّيب الشك وحوادث الدهر، والرجم القتل والظن، والزور الكذب والشرك، والزكاة المال والطهر، والزيغ الميل والتشخيص، والسخرية الاستهزاء والاستخدام، والسعير النار والعناء، والشيطان إبليس أو الغواية، والشهيد المقتول والشاهد، وأصحاب النار أهلها وخزنتها، والصلاة عبادة ومكان، والصمم السماع والإسراء، والعذاب التعذيب والضرب، والقنوت الطاعة والقرب، والكنز المال والعلم، والمصباح الكوكب والسراج، والنكاح الزواج والحلم، والنبأ الخبر والحجج، والورود الدخول أو الهجوم، وكل ما في العمل والمنفعة، واليأس قنوط، والعلم والصوم عبادة وصمت، والإنفاق الصدقة والمهر … إلخ (السابق، ج٢، ١٣٢–١٣٥).
١٢٦  اليأس قنوط إلا في «الرعد» فنفي العلم (السابق، ج٢، ١٣٤).
١٢٧  معنى العفو: تجاوز الذنب، القصد في النفقة، الإحسان فيما بين الناس، (السابق، ج ٢، ١٣٨).
١٢٨  الإتقان، ص١٢١-١٢٢.
١٢٩  يعنى الذكر: ذكر اللسان، وذكر القلب، والحفظ، والطاعة، والجزاء، والصلوات الخمس، والعظة والبيان، والحديث، والقرآن، والتوراة، والخبر، والترف، والعيب، واللوح المحفوظ، والثناء، والوحي، والصلاة، وصلاة الجمعة، وصلاة العصر (السابق، ص١٢٩-١٣٠).
١٣٠  ويعني الهدى: الثبات، والبيان، والدين، الإيمان والدعاء والرسل والكتب، والمعرفة، والنبي، والقرآن، والتوراة، والاسترجاع، والحجة، والتوحيد، والسنة والإصلاح، والإلهام، التوبة والإرشاد (السابق، ص١٢٢–١٢٤).
١٣١  ويعني القضاء: الفراغ، والأمر، والأجل، والفصل، والمعنى، والهلاك، والوجوب، والإبرام، والإعلام، والموت، والنزول، والخلق، والفصل، والعهد (السابق، ص١٢٨-١٢٩).
١٣٢  السابق، ص١٢٦-١٢٧.
١٣٣  تعني الرحمة: الإسلام، والإيمان، والجنة، والمطر، والنعمة والنبوة، والرزق، والنصر والفتح، والمودة والسعة، والمغفرة، والعصمة.
١٣٤  وهي: الشدة، والعقر، والزنى، والعذاب، والشرك، والشدة، والذنب، ويأس، والضر، والقتل والهزيمة.
١٣٥  وتعني الروح: الأمر، والوحي، والقرآن، والرحمة، والحياة، وجبريل، وملك عظيم، وجيش من الملائكة، وروح البدن.
١٣٦  وتعني الصلاة: الصلوات الخمس، وصلاة الجمعة، والجنازة، والدعاء، والدين، والقراءة، والرحمة والاستغفار، ومواضع الصلاة.
١٣٧  ويعني الدعاء: العبادة، والاستعانة، والسؤال، والقول، والنداء، والتسمية.
١٣٨  ويعنى الإحصان: العفة، والتزوج، والحرية.
١٣٩  من النص إلى الواقع، ج٢، بنية النص، ص٢٤٧–٣٥٨.
١٤٠  السابق، ص٣٥٩–٣٧٤.
١٤١  الموضوعات الشرعية مثل: الصلاة والصوم والزكاة والحج، (الإتقان، ج٣، ١٢٦).
١٤٢  البرهان، ج٢، ٢٥٤–٢٥٦.
١٤٣  في حقيقته ومجازه، الإتقان، ج٣، ١٠٩–١٢٧.
١٤٤  ويكون ذلك بالحذف أو الزيادة أو إطلاق الكل على الجزء أو الجزء على الكل، والمطلق على المقيد، والمقيد على المطلق، والجمع على المثنى، والمثنى على الجمع. والخاص على العام، والعام على الخاص، والملزوم على اللازم، واللازم على الملزوم، والسبب على المسبب، والمسبب على السبب، وتسمية الشيء باسم ما كان عليه أو ما يئول إليه، وتسمية الشيء بما كان عليه، وإطلاق اسم الحالِّ على المحل أو المحل على الحالِّ، وتسمية الشيء باسم آلته أو ضده، وإضافة الفعل إلى ما لا يصح منه تشبُّهًا، وإطلاق الفعل والمراد مشارفته ومقاربته وإرادته، والقلب وإقامة صيغة مقام أخرى. ويتفرع إلى أنواعٍ كثيرة، ويمكن اختصارها في ستة أنواع: الحذف، والتأكيد، والتشبيه، والكناية، والتقديم والتأخير، والالتفات. وقد صنَّف فيه عز الدين بن عبد السلام ولخَّصه السيوطي ثم زاد فيه في كتابه «مجاز الفرسان إلى مجاز القرآن» (الإتقان، ج٣، ١٠٩).
١٤٥  البرهان، ج٢، ٢٠٧-٢٠٨، ٢٥٤، ٢٩٩.
١٤٦  السابق، ج٢، ٢٥٦.
١٤٧  الإتقان، ج٣، ١٢٦-١٢٧.
١٤٨  مثل: وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللهُ.
١٤٩  وذلك مثل: لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا (الإتقان، ج٣، ١٢٧)؛ (البرهان، ج٢، ٢٩٨-٢٩٩).
١٥٠  البرهان، ج٢، ٣٠٨-٣٠٩، وذلك مثل وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللهَ رَمَى.
١٥١  من العقيدة إلى الثورة، ج٢، التوحيد، ص٢٠٠–٢٢٣.
١٥٢  «في المحكم والمتشابه» الإتقان، ج٣، ٣–٣٢؛ البرهان، ج٢، ٦٨–٧٧.
١٥٣  البرهان، ج٢، ٦٨-٦٩.
١٥٤  السابق، ص٣–١٠.
١٥٥  الإتقان، ج٣، ١٠-١١.
١٥٦  السابق، ج٢، ١٢–٢١؛ البرهان، ج٢، ٧١–٧٤، ٧٨–٨٩.
١٥٧  الإتقان، ج٢، ٢١–٣٠ مثل: «الم» أنا الله أعلم، «المص» أنا الله أفصل، «الر» أنا الله أرى، و«المص» أنا الله الصادق، «المر» أنا الله أرفع.
١٥٨  مثل: الكاف للكريم، الهاء للهادي، الصاد للصادق أو المصور أو الصمد، والياء للحكيم، والعين للعليم، والقاف القادر، والنون النور والناصر.
١٥٩  «يس» سيد المرسلين، «ص» صدق الله، «ق» جبل.
١٦٠  «وقيل إن العرب كانوا إذا سمعوا القرآن لغوا فيه؛ فأنزل الله هذا النظم البديع ليعجبوا منه، ويكون تعجبهم منه سببًا لاستماعهم، واستماعهم له سبب لاستماع ما بعده فترقَّ القلوب، وتلين الأفئدة» (الإتقان، ج٣، ٢٧).
١٦١  البرهان، ج٢، ٧١.
١٦٢  لذلك كتبت سيمون دي بوفوار «من أجل أخلاق للاشتباه».
١٦٣  الإتقان، ج٣، ٣٠–٣٢؛ البرهان، ج٢، ٧٥–٧٧.
١٦٤  الإتقان، ج٣، ٥٣–٥٨؛ البرهان، ج٢، ٢٠٨–٢١٦؛ من النص إلى الواقع، ج٢، بنية النص، ص٢٦٩–٢٨١.
١٦٥  البرهان، ج٢، ٢٠٥–٢٠٧.
١٦٦  من النص إلى الواقع، ج٢، بنية النص، ص٢٦٩–٢٨٠.
١٦٧  الإتقان، ج٣، ٤٣–٥١؛ من النص إلى الواقع، ج٢، بنية النص، ص٣١٦–٣٤٨.
١٦٨  البرهان، ج٢، ١٨-١٩.
١٦٩  البرهان، ج٢، ٢١٧–٢٤٥.
١٧٠  في مطلقه ومقيده، الإتقان، ج٢، ٩١–٩٣.
١٧١  البرهان، ج٢، ١٥–١٧.
١٧٢  السابق، ص٢١.
١٧٣  السابق، ص١٨-١٩.
١٧٤  البرهان، ج٢، ٣٧٤–٣٨١.
١٧٥  من النص إلى الواقع، ج٢، بنية النص، ص٢٤٧–٣٤٧.
١٧٦  هي عبارةٌ شهيرة لهيدجر.
١٧٧  في منطوقه ومفهومه، ج٣، ٩٥–٩٨.
١٧٨  من النص إلى الواقع، ج٢، بنية النص، ص٣٧٥–٤٤٢.
١٧٩  السابق.
١٨٠  البرهان، ج٢، ٤٥–٦٧.
١٨١  من النص إلى الواقع، ج٢، بنية النص، ص١٦٧–١٩٠.
١٨٢  في مشكله وموهم الاختلاف والتناقض، الإتقان، ج٣، ٧٩–٨٩.
١٨٣  من النص إلى الواقع، ج٢، بنية النص، ص٤١٢–٤٢٢.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤