أساليب البلاغة
(١) فنون القول ووجوه الخطاب
(أ) فنون القول
(ب) وجوه الخطاب وأقسام الكلام
- (أ) وجوه الخطاب: ووجوه الخطاب في القرآن عديدة.٨ وهي أقرب إلى مباحث الألفاظ تفصيلًا مثل العام والخاص، والمدح والذم، والكرامة والإهانة والتهكم، والواحد والجمع، والواحد والاثنين، وخطاب الأنا والغير، والعام والخاص، والتلوين وهو الالتفات، والجماد والعاقل، والتهييج والتمنن، والتحبب والتعجيز، والتشريف والمعدوم.٩ وهي حوالي أربعين وجهًا. وقد تختلف أعداد أنواع الخطاب طبقًا لمباحث الألفاظ وقواعد البلاغة.١٠ وبالنسبة للرسول هناك خطاب للنبي، وآخر لغيره، وثالث لكليهما.ويمكن التصنيف إلى عشرة: نداء، ومسألة، وأمر، وتشفع، وتعجب، وقسم، وشرط، ووضع، وشك، واستفهام. ويمكن تسعة بعد إسقاط الاستفهام مع أنه قسمٌ رئيسي من أقسام الكلام. ويمكن ثمانية وإسقاط التشفع مع أنه قسمٌ رئيسي في الكلام خاصة في ثقافة ترتكز على الشفاعة من موروث الأشاعرة. ويمكن سبعة بعد إسقاط الشك لأنه متضمن في الخبر، مع أن الشك قسم من أقسام الكلام له أهميةٌ خاصة في ثقافة يغلب عليها اليقين. ويمكن ستة بعد حذف التشفع والتعجب والقسم والشرط والوضع والمسألة وإبقاء النداء وإضافة الأمر والنهي والخبر والاستخبار والتمني. ويمكن خمسة بحذف التمني والاستخبار وإضافة التصريح والطلب.١١وهناك خطاباتٌ أخرى بلاغية مثل خطاب التلوين وهو خطاب الالتفات عند أهل المعاني، وخطاب العقل للجمادات، وخطاب المعدوم. وهو نوع من أنسنة الطبيعة. وهناك الخطاب المباشر للحث على الفعل مثل خطاب التهييج، والإغضاب، والتشجيع، والتحريض، والتنفير، والتحنن، والاستعطاف، والتحبيب، والتعجيز، والتحسير، والتلهف، والتكذيب، والتشريف. وهو خطابٌ شعوري للانفعالات الإنسانية المتضادة.١٢ وقد يكون الخطاب بالشيء عن اعتقاد المخاطب دون ما في نفس الأمر. فالخطاب لغة.١٣ والتصديق يخرج عن إطار اللغة، اللغة للتخاطب، والتصديق في الواقع، ويقرب منه التهكم.١٤
- (ب) أقسام الكلام: الكلام خبر أو إنشاء.١٥ الخبر ما يحتمل الصدق والكذب. والإنشاء يضم النداء والمسألة والأمر والتشفع والتعجب والقسم والشرط والوضع والشك والاستفهام. وقد يضاف إلى الاستخبار وهو طلب الفهم والنهي مع الأمر والتمني والتصريح. ولا يعني التمييز بين الخبر والإنشاء الفصل التام بينهما. فالقصد بالخبر إفادة المخاطب. وقد يرد بمعنى الأمر والنهي والدعاء والتعجب، والتمني والوعد والوعيد والإنكار، والنفي في الماضي والمستقبل، والجحد. وقد يفصل الاستفهام في صيغٍ عديدة.١٦ قد توجد مباشرة أو بطريق غير مباشر. والتفصيلات العديدة للإنشاء تدل على أنه هو السائد في الخطاب القرآني.١٧ويوضع الخبر موضع الطلب في الأمر والنهي.١٨ كما يوضع الطلب موضع الخبر.١٩ فصيغ الكلام متداخلة. قد يكون الخبر طلبًا غير مباشر. وقد يكون الطلب خبرًا لا يقتضي الفعل.والأمر هو اقتضاء الفعل. وله عدة أقسام مجازًا. والنهي صيغته لا تفعل. وهو التحريم والحظر والمنع. ويرد مجازًا في عدة صيغ.٢٠ والتمني هو طلب على سبيل المحبة.٢١ ويعبر عنه بحروف «ل» و«لعل» «وهل». والترجي في الممكن، والتمني في المستحيل.٢٢ وقد يرد النداء مجازًا في الإغراء والتحذير والاختصاص والتنبيه والتحسر.٢٣ والاستعطاف ليس قسمًا.٢٤ ويوضع النداء موضع التعجب. فكلاهما صيغتان إنشائيتان انفعاليتان وجدانيتان.٢٥ويمكن التعبير عن المستقبل بلفظ الماضي، وعن الماضي بلفظ المستقبل؛ فالزمان متصل الحلقات. وقسمته إلى ماضٍ وحاضر ومستقبل قسمةٌ وهمية. فالماضي هو مستقبل الحاضر، والحاضر هو مستقبل الماضي، والمستقبل هو ماضي الحاضر. فالحقائق في الزمان وخارجه بنيةٌ تند عن التطور.٢٦
(٢) طرق التوكيد
- (أ) عطف البيان: وهو كالنعت في الإيضاح وإزالة الاشتراك الكائن فيه.٤١ وينقسم العطف ثلاثة أقسام: عطف على اللفظ وهو الأصل، وعطف على المحل، وعطف التوهم، ولا يعني التوهم الغلط. ويجوز عطف الخبر على الإنشاء، والإنشاء على الخبر. ويجوز عطف المفرد على مثله، وعطف الجملة على مثلها. وللجملة ثلاثة أحوال: أن يكون ما قبلها بمنزلة الصفة من الموصوف أو أن يغاير ما قبلها أو أن يغاير مع نوع ارتباط أو أن يكون بتقدير الاستئناف. فالأصل في العطف التغاير. وقد يعطف الشيء على نفسه للتأكيد.٤٢ وربما لا يجوز عطف على معمولَي عاملَين.٤٣ويجوز عطف الاسم على الاسم، والفعل على الفعل. ويجوز عطف الفعل على الاسم، والاسم على الفعل.٤٤ ويجوز في الحكاية عن المخاطبين، إذا طالت، الاستغناء عن الواو والفاء.٤٥ ويجوز العطف على ضمير إن كان منفصلًا مرفوعًا.٤٦ وقد يعطف أحد المترادفَين فيه على الآخر أو ما هو قريب منه في المعنى من أجل التأكيد.٤٧والتعديد مثل العطف هو إيقاع الألفاظ المعددة على سياقٍ واحد. وأكثرها في الصفات، وعدم عطف بعضها على بعض لاتحادها في المحل. لذلك يقل العطف في الصفات.٤٨ومن طرق التأكيد ذكر الخاص بعد العام. والعام بعد الخاص بالعطف بالواو للتنبيه على فضله. وذكر العام بعد الخاص جائز لفائدته. ويقع النوعان في الأفعال والأسماء، في الأفعال في النفي، وفي الإثبات في عطف المطلق على المقيد أو المقيد على المطلق.٤٩
- (ب) ومن وسائل التأكيد الإيضاح بعد الإبهام، مثل التأكيد للعدد بمائة إلا واحدًا.٥٠ والتعبير عن المثنى بإرادة الواحد يعني وجود إرادةٍ كيفيةٍ كلية وراء الإرادة الكمية العددية.٥١ كما يعبر عن الجمع بإرادة الواحد.٥٢ ويطلق لفظ التثنية ويراد به الجمع.٥٣ وقد يجيء لفظٌ دال على التكثير والمبالغة بإحدى صيغ المبالغة مثل «فعَّال» و«فعيل» و«فَعلان» فإنها أبلغ من فاعل.٥٤ وصيغ أخرى «فعال»، «فعول»، «فعيل»، «فُعل»، «فعلى».
- (جـ) وقد يتم التأكيد بالتكرار: وهو من أساليب الفصاحة.٥٥ ويكون مرتَين. وحقيقة إعادة اللفظ أو مرادفه لتقرير معنًى خشية نسيان الأول لطول العهد به. وفائدته التأكيد بإعادة التقرير، وزيادة التنبيه على ما ينفي التهمة. وإذا طال الكلام وخُشي تناسي الأول أعيد ثانيًا تذكيرًا به، وفي مقام التعظيم والتهويل، ومقام الوعيد والتهديد، والتعجب، ولتعدد المتعلق. والتكرار على أنواع. منه تكرار الإضراب بحرف «بل» لإبطال ما قبله، وتكرار الأمثال، وتكرار القصص.٥٦ وفي كل مرة يبرز جانبٌ جديد من الموعظة. وبسبب الهجرة والسفر تتكرر القصة حتى يسمعها أكبر عددٍ ممكن من الناس. وهو أحد أشكال الفصاحة، التعبير عن المعنى بأساليبَ كثيرة. وهو أقرب إلى الفن الشعبي الذي يجمل تكراره على غير الأحكام الثقيلة على النفس. والقصص في النهاية نوع من التسلية والتذوق الفني. وإذا كان المقصود هو الإعجاز فتكرار القصة يثبت الإعجاز. وفي كل رواية زيادة ونقصان وتقديم وتأخير.٥٧ولم تتكرر سورة يوسف لحكمة وحدة الموضوع، التشبيب بالنسوة، حصول الفرج بعد الشدة، بيان الإعجاز دون التكرار.٥٨ ولا يوجد نظامٌ خاصٌّ ظاهر لتكرار القصص إلا وحدة الموضوع الشامل للقصص مثل هلاك الأمم أو امتحان المؤمنين، ورسم صورةٍ متكاملة لكل نبي؛ إبراهيم الرحيم، محمد العادل. وقد يصبح تكرار اللفظ ثقيلًا فيحول إلى معناه باشتقاقٍ آخر.٥٩
- (د) ومن طرق التأكيد الزيادة في بنية الكلمة لزيادة في التأكيد على المعنى٦٠: وقد تكون الزيادة بالتشديد والتضعيف والتكثير.٦١ والزيادة للتأكيد. وكيف تكون زيادة في الوحي بمعنى ما لا لزوم له أو حتى اللغو؟ كذلك تسمى الصلة أو المقحم. ويكون الزائد إقحامًا للتأكيد، في الحروف والأفعال، وليست بالضرورة حشوًا. وتكون لتأكيد النفي أو الإثبات. وحروف الزيادة سبعة: إنْ، أنْ، ما، من، الباء، اللام. وقد تكون مؤكدة في موضع، وتحذف في آخر لاقتضاء المقام.٦٢
- (هـ) والتفسير أيضًا للتوكيد والتعظيم وبيان العلة والسبب٦٨: وبالرغم من أن التعليل ليس من مباحث الألفاظ إلا أنه مقرن به لأن برهانه لفظ. وهو إضافة الحكم إلى الوصف المناسب.٦٩وذكر العلة أبلغ من عدم ذكرها. والعلة المنصوصة قاضية بعموم المعلول. كما أن النفوس تنبعث إلى نقل الأحكام المعللة. والحرف الثاني للتعليل فاء السببية. وطرق التعليل متعددة: التصريح بلفظ الحكم، الدخول بلام التعليل مع واو العطف، ظهور الحرف «كي» مع باقي أدوات التعليل، ظهور المفعول له علة للفعل، اللام في المفعول له، حرف «إنَّ»، «أنْ» والفعل، من أجل، لعل، الوصف المناسب، غياب المانع، ذكر الغاية. فالعلة قد تكون غائية كما قد تكون فاعلة.
- (و) والقَسَم جملة لتأكيد الخبر: ويعني الحلف. ولا يكون إلا باسم معظم لكمال الحجة وتأكيدها مع أن الله لا يحتاج إلى قسم ولكن لمزيد من إقناع الناس. وقد ينقسم القَسَم إلى مُظهَر ومضمر. وقد يكون مثل الخبر وبالتالي لا تميز فيه. وأكثر الأقسام بواو القسم. وهو جملتان مثل الشرط وجوابه. والقسم بالمخلوقات جائز من باب حذف المضاف مثل وَالْفَجْرِ، والأصل «ورب الفجر»، كما أن مخلوقات الله دليل على صنعه. وقد أقسم الله بذاته وفعله ومفعوله.٧٠ والقسم في القرآن بالمخلوقات يعني القسم برب المخلوقات. وقسم الله بنفسه تحصيل حاصل لأن الله وقسمه من نفس درجة اليقين. وقد يعني القسم بالمخلوقات تعظيمها حتى توحي للإنسان بعظمتها وتقديرها. ومن ضمنها القسم بالنبي. وقد يكون القسم بذات الله أو بفعل أو بمفعوله. وكلها لا تخرج عن ذاته، وقد يكون القسم بواو القسم.٧١
- (ز) ووجه التأكيد في الاستثناء والاستدراك أنه ذكر للموضوع مرتين، مرة إجمالًا بالنفي، ومرة تفصيلًا بالاستثناء.٧٤ والمثل الأول على ذلك «لا إله إلا الله».
- (ﺣ) والاعتراض هي الجملة الاعتراضية عند النحاة: تخلل جملةٌ صغرى جملةً كبرى. ويسمى عند البلغاء «الْتفات». وأسبابه تعزيز الكلام، وقصد التنزيه، وقصد التبرك، وقصد التأكيد، وبيان الثاني للأول، وتخصيص أحد المذكورين بزيادة التأكيد، وزيادة الرد على الخصم، والإدلاء بالحجة. ويمكن الاعتراض في الاعتراض وهو الاعتراض المزدوج.٧٥
- (ط) والاحتراس أن يكون الكلام محتملًا لشيء بعيد فيأتي ما يدفع ذلك الاحتمال.٧٦
(٣) الحذف والإيجاز والإطناب
(أ) الحذف
-
(١)
حذف الاسم: وقد يكون الاسم المبتدأ أو الخبر أو كليهما أو الفاعل أو المضاف وإقامة المضاف إليه مكانه أو استمرار الالتفات إلى المضاف أو المضاف إليه أو كلاهما أو الجار والمجرور أو الموصوف أو الصفة أو المعطوف أو المعطوف عليه أو المبدل منه أو الموصول أو المخصوص في باب نعم إذا عُلم من سياق الكلام أو الضمير المنصوب المتصل مع تفاوت الأنواع أو المفعول اختصارًا أو احتقارًا مع ذكر مفعول المشيئة والإرادة عندما يكون المقصود محذوفًا أو غير محذوف، وحذف الحال والمنادى، خاصة المنادى المضاف إلى ياء المتكلم، وحذف الشرط وجوابه والأجوبة، وحذف جواب القسم، والجملة المسببة أو غير المسببة، وحذف القول.٨٨
-
(٢)
حذف الفعل: وينقسم إلى خاص وعام. الخاص مثل «أعني» مضمرًا. ويُنصب به المفعول في المدح. والعام كل منصوب دال عليه الفعل لفظًا أو معنى أو تقديرًا. ويحذف لعدة أسباب، منها: أن يكون مفسرًا، وأن يكون هناك حرف جر، وأن يكون جوابًا لسؤال، وأن يدل عليه معنى الفعل الظاهر، وأن يدل عليه العقل، ذكره في موضعٍ آخر، والمشاكلة، وأن يكون بدلًا من المصدر.٨٩
-
(٣)
حذف الحرف: وذلك لأن الحرف نائب عن الفعل بفاعله. ومنه الواو مثل واو العطف، والفاء في جواب الشرط، وهمزة الاستفهام، وألف ما الاستفهامية، والياء وحرف النداء، و«ل» و«قد» و«أن» و«لا». وقد يحذف الجار لإيصال الفعل إلى المجرور. وقد يحذف في آية ويثبت في أخرى إما لأنه محمول على مذكور أو لأنه غير مراد.٩٠
(ب) الإيجاز والإطناب
(٤) التقديم والتأخير
(٥) التورية والإيهام، والكناية والتعريض، والتشبيه والاستعارة
(أ) التورية
(ب) الكناية والتعريض
(ﺟ) التشبيه والاستعارة
(٦) الشرط والنفي
(أ) الشرط
(ب) النفي
(٧) الالتفات والتضمين والتجريد والمقابلة
(أ) الالتفات
(ب) التضمين
(ﺟ) التجريد
(د) المقابلة
(٨) الإبدال، والنحت، والمحاذاة، والتجنيس، والمدرج، والاقتصاص، والترديد، ومشاكلة اللفظ، واللفظ، والطباق، والترادف، والعدد
(أ) الإبدال
(ب) النحت
(ﺟ) المحاذاة
(د) التجنيس
(ﻫ) المدرج
(و) الاقتصاص
(ز) الترديد
(ﺣ) مشاكلة اللفظ باللفظ
(ط) الطباق
(ي) الترادف
(٩) منطق العواطف
-
(أ)
الشك للمساهمة وحسم المضاد: وقد يخرج الكلام مخرج الشك في اللفظ دون الحقيقة لضرب من المسامحة وحسم العناد. فاللغة ليست آليةً صورية بل هي جدل العواطف في الحوار بين الذوات.١٨٩
-
(ب)
الإعراض عن صريح الحكم: ويمكن الإعراض عن صريح الحكم تركًا إياه للقارئ. فالتأكيد على الفعل وليس نتيجته، وعلى القصد وليس جزائه.١٩٠
-
(جـ)
الألغاز: والألغاز اشتقاقًا من اللغز وهو الطريق المنحرف. سمي كذلك للانحراف عن نمط الكلام. ويسمى أيضًا الحجية من الحجى أي العقل لأن هذا النوع يقوي العقل بالتمرن عليه والارتياض بحلِّه والتفكر فيه مثل قول إبراهيم بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا، أو قول نمرود أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ.١٩١
-
(د)
الهدم: وهو أن يأتي الخبر بكلامٍ يتضمن معنًى ثم يأتي الثاني بضده لهدم ما بناه.١٩٢
-
(هـ)
التغليب: وهو إعطاء الشيء حكم غيره أو ترجيح أحد المغلوبين على الآخر أو إطلاق لفظ عليهما معًا أو إجراء المختلفَين مجرى المتفقَين. وهو من المجاز، ومراعاة الأشرف. وهو على أنواع: تغليب المذكر، تغليب المتكلم على المخاطب، والمخاطب على الغائب، تغليب العاقل على غيره، تغليب المتصف بالشيء على ما لم يتصف به، تغليب الأكثر على الأقل، تغليب الجنس الكثير الأفراد على فرد من غير هذا الجنس مضمون فيما بينهم بأن يطلق اسم الجنس على الجميع، تغليب الموجود على ما لم يوجد، تغليب الإسلام، تغليب ما وقع بوجهٍ مخصوص على ما وقع بغير هذا الوجه، تغليب الأشهر.١٩٣
-
(و)
القلب: وهو أحد أساليب البلاغة. ولا يعيب القرآن أو ينال من التنزيه والعبث والتهكم والمحاكاة أو الحال. وهو على أنواع: قلب الإسناد، وهو أن يشمل الإسناد إلى شيء والمراد غيره، وقلب المعطوف عليه معطوفًا والمعطوف معطوفًا عليه، والعكس وهو أمرٌ لفظي، والمستوى وهو أن تقرأ الكلمات من أولها إلى آخرها ومن آخرها إلى أولها، ومقلوب البعض وهو أن تكون الكلمة الثانية مركبةً من حروف الأولى مع بقاء بعض حروف الأولى.١٩٤
-
(ز)
التقسيم: وهو القسمة العقلية عند المتكلم لأنها قد تقتضي أشياء مستحيلة.١٩٥
-
(ﺣ)
الحصر والاختصاص: الحصر أو القصر هو تخصيص أمر بآخر بطريق مخصص. وهو إثبات الحكم للشيء ونفيه عما عداه. وينقسم إلى قصر الموصوف على الصفة، وقصر الصفة على الموصوف حقيقة أو مجازًا. وينقسم أيضًا ثلاثة أقسام: حصر أفراد لمخاطبة من يعتقد الشركة، وقصر قلب لمخاطبة من يعتقد إثبات الحكم للغير، وقصر تعيين لمخاطبة من تساوى عنده الأمران. وطرق الحصر كثيرة.١٩٦ وقد يكون تقديم المعمول منها وقد يختصر الحصر إلى ثلاثة أقسام: «ما» و«إلا»، «إنما»، «التقديم».١٩٧
-
(ط)
وضع جمع القلة موضع الكثرة: ويوضع جمع القلة موضع الكثرة لاشتراكهما في الجمع. فالجمع جمع لا يهم المقدار. ويكون ذلك في النكرة غالبًا. أما في المعرفة فيستكفي بالعموم.١٩٨ ويعني تنبيه الخطاب على الطلب أو في الخبر بالتنبيه بالقليل على الكثير أو بالكثير على القليل. وهو نوع من أنواع البديع. وفي القرآن إفراد وجمع، لأرض دون جمع، في حين أن السماء مفرد وجمع. وتختلف الدلالتان. الجمع أكثر قوة من المفرد مثل ريح ورياح. ومقابلة الجمع بالجمع تقضي بمقابلة الفرد بالفرد.١٩٩
(١٠) المتشابهات والمبهمات والأمثال والجدل والعلوم المستنبطة والتأدب في الخطاب
-
(أ)
المتشابهات: وتعني الآيات المتشابهات الآيات المتشابهة في الموضوع أو الصياغة أو ما يسمى بظاهرة التكرار في القرآن، مثل إيراد القصة بصياغاتٍ شتى وفواصلَ مختلفة، بالتقديم والتأخير وبالزيادة والنقصان أو بالتصريف والتنكير أو بالجمع والإفراد أو بالإدغام والفك أو بحروف دون حرف أو كلمة مكان أخرى، وأن يكون في وضع على نظم وفي آخر على عكسه.٢٠٠ والسبب اختلاف السياق، وإظهار القدرة على التعبير عن الحدث بطرقٍ عديدة. فلا توجد رؤيةٌ واحدة للحدث الواحد أو صياغةٌ واحدة له. ويدخل في أساليب البلاغة أكثر مما يدخل في التدوين، وتسمى أيضًا علم المتشابه. ومنها ما يجيء على حرفَين أو على ثلاثة أو على أربعة أو على خمسة أو على ستة أو على سبعة أو على ثمانية أو على تسعة أو على عشرة أو على أحد عشر حرفًا، ومنها ما يجيء على خمسة عشر وجهًا أو ثمانية عشر وجهًا أو عشرين وجهًا أو ثلاثة وعشرين وجهًا.٢٠١
-
(ب)
المبهمات: لا تعني المبهمات المتشابهات بل تعني العموم دون الخصوص، عموم الحكم دون خصوص السبب. فالمحمول أهم من الحامل، والروح أهم من البدن وإن كانت محمولًا فيه. وأسبابه كثيرة مثل الاستغناء ببيانه في موضعٍ آخر، عدم التعين لاشتهاره، التستر عليه، غياب الفائدة في التعيين، العموم دون الخصوص، التعظيم بالوصف الكامل دون الاسم للمعنى وليس للشخص، تحقيره بالوصف الناقص. ولا تعرف إلا بالنقل والرواية دون العقل وهو مما لا فائدة منه، لا نقلًا وعقلًا. ويمكن تصنيفها إلى قسمَين: الأول فيما أُبهم من رجل أو امرأة أو ملك أو جني أو مثنى أو مجموع عرف أسماء كلهم والإشارة إليهم بكلمات مثل «مَن» أو «الذي». وإذا كان القرآن قد اكتفى بالمحمول دون الحامل فإن تعيين الحامل يكون ضد قصد القرآن.٢٠٢ والثاني المتعينات في الغالب لأشخاص أفرادًا أو مجموعات أو الملاك، ذكرًا أم أنثى، إنسانًا أو حيوانًا، مكانًا أم زمانًا.٢٠٣ وقد يكون للشخص اسمان ويقتصر على أحدهما دون الآخر. وقد يبالغ في الصفات لتعيين إنسان بعينه. لم يذكر القرآن اسم امرأة إلا مريم في حين ذكر كثيرًا من أسماء الرجال.٢٠٤
-
(جـ)
الأمثال: والمثل حكم يتضمن في ذاته وسائل الإمتاع عن طريق التخيل والتشبيه والمقارنة وتحويل الأمر والنهي إلى إحساس بالجمال والقبح وإلى قبول أو نفور بالطبيعة. فالغاية من المثل عند القدماء التذكير والوعظ والحث والزجر والاعتبار والتقرير، وتقريب المواد إلى العقل، وتصويره بصورة المحسوس. والمثل قادر على كشف المعاني وبيان إمكانياتها وإشعاعاتها. وهي نوعان: ظاهر مصرح به وكامن.٢٠٥
-
(د)
الجدل: وهو أدخل في علم أصل الدين والفرق والرد على الخصوم.٢٠٦ ويضم أنواع البراهين والأدلة وتقسيم وتحذير ودلالة. فالقرآن كتاب حوار واستدلال، مقدمات ونتائج، لذلك استخرج المتكلمون من القرآن الأدلة على وجود الله وخلق العالم وخلود النفس والثواب والعقاب. واعتمد على عديد من الأقيسة مثل قياس الأولى، وقياس الإعادة على الابتداء، ودليل التمانع لإثبات الوحدانية. ومن ضمن علم الجدل السبر والتقسيم الذي اعتمد عليه علماء أصول الفقه، وفحوى الخطاب ولحن الخطاب في علم أصول الفقه، وحمل اللفظ على خلاف مراده، والتسليم والإسجال وهو الإتيان بألفاظ تسجل على المخاطب، والانتقال من استدلال إلى آخر، والمناقضة، ومجاراة الخصم ليعتبر. وهو ما تحول إلى علمٍ مستقل وهو «الحجاج» أو «الجدل والمناظرة». وقد عرفه المتكلمون مثل الاستدلال على أن صانع العالم واحد بدليل التمانع، والاستدلال على المعاد الجسماني بقياس الإعادة على الابتداء، وبطريق الأولى في خلق السموات والأرض وإحياء الأرض بعد موتها، وإخراج النار من الشجر الأخضر. وهي استدلالاتٌ اضطرارية.٢٠٧ وإلجام الخصم الحجة هو الاحتجاج على المعنى المقصود بحجةٍ عقلية تقطع المعاند له فيه. ومنه نوعٌ منطقي وهو استنتاج النتيجة من مقدمتَين.٢٠٨
-
(هـ)
العلوم المستنبطة: والقرآن به كل شيء.٢٠٩ ويمكن استنباط كل العلوم منه. وهو الأصل فيما يقال هذه الأيام من أن كل العلوم والتقنيات الحديثة في القرآن عند أصحاب الإعجاز العلمي في القرآن.٢١٠ من العلوم الإنسانية علوم اللغة وعلم أصول الدين مع علم الجدل وعلم أصول الفقه وعلوم التصوف علوم أصحاب الحقيقة. ومن العلوم النقلية علم الفقه وعلم التاريخ والقصص وعلم التعبير أي تفسير الأحلام أي تعبير الرؤيا، والعلوم العقلية الخالصة الرياضية والطبيعية، الرياضية الهندسية الجبر والمقابلة والحساب وفروع الحساب مثل الجمع والقسمة والضرب والموافقة والتأليف والمناسبة والتصنيف والمضاعفة. والطبيعية مثل الطب والهيئة أي الفلك والنجامة. والتطبيقية مثل أصول الصنائع وأسماء الآلات.٢١١ وهو من أوجه الإعجاز. وقد تنفصل العلوم إلى خمسين أو أربعمائة أو سبعة آلاف أو سبعين ألفًا على عدة كلمات القرآن مضروبة في أربعة. إذ لكل كلمة ظهر وبطن وحدٌّ ومطلع. وقد يصغر العدد إلى ثلاثة: توحيد وتذكير وأحكام أو التوحيد والإخبار والديانات.٢١٢ وقد تكون العلوم ثلاثين علمًا تجمع بين العلوم الإنسانية والعقلية والعقلية النقلية.٢١٣ وهي موضوعات في علوم مثل الأخلاق أو أصول الفقه أو أصول الدين وليست علومًا.
-
(و)
التأدب في الخطاب: وقد يكون بإضافة الخير إلى الله.٢١٤ فالله هو المثل الأعلى. والقاعدة ذكر الرحمة قبل العذاب، والخير قبل الشر، والعدل قبل الظلم. والاستثناء تقديم العذاب ترحيبًا وزجرًا.٢١٥ ويعني التوسع الاستدلال بالنظر في الملكوت. ويكون ذلك عادة في العقائد الإلهية لتتمكن في النفوس. كذلك يتوسع في ترادف الصفات.٢١٦
(١١) إعجاز القرآن
(أ) التأليف في الموضوع
(١) «إعجاز القرآن» للباقلاني (٤٠٣ﻫ)
(٢) «أسرار البلاغة» للجرجاني (٤٧١ﻫ)
(٣) «دلائل الإعجاز» للجرجاني (٤٧١ﻫ)٢٣٠
(٤) «معترك الأقران في إعجاز القرآن» للسيوطي (٩١١ﻫ)
(٥) «إعجاز القرآن والبلاغة النبوية» لمصطفى صادق الرافعي (٨١٩ﻫ)٢٥٠
ويستمر موضوع إعجاز القرآن عبر مراحل التاريخ من الماضي حتى العصر الحاضر. وهما موضوعان مستقلان؛ الأول «إعجاز القرآن» وهو جزء من تاريخ آداب العرب (ثلاثة أجزاء). والثاني دراسةٌ ملحقة بالأولى وتدل على استمرار بلاغة القرآن إلى بلاغة الحديث. فقد أوتي الرسول جوامع الكلم، وهو أفصح فصحاء العرب؛ فالبلاغة تنسب إلى النبي وليس إلى اللغة العربية، وكأنها مستقلة عنها. فالإعجاز ليس فقط في القرآن بل أيضًا في الحديث.
(ب) وجوه الإعجاز
والتعرف على أسرار البلاغة في القرآن وردُّها إلى فنون البلاغة العربية هو محاولة لفهم أسرار الإعجاز. والتناقض هو إذا كان القرآن يسير وفقًا لأساليب البلاغة العربية فما الإعجاز؟