مقدمة

كثيرًا ما جال في ذهني تساؤلٌ لا سيما عند النظر إلى ما خلَّفه لنا المصري القديم من آلاف الأواني الحجرية من مختلف العصور المصرية القديمة؛ فما الغاية التي جعلت المصريَّ القديم يتحمَّل مشاقَّ تصنيع هذا الكم الهائل من الأواني الحجرية، ويحرِص على تفريغها ونحتها وصقل جوانبها بحيث تكاد تشفُّ جُدرانها في كثيرٍ من الأحيان عمَّا بداخلها؟ فهذا أمر ملفتٌ للانتباه، ومثيرٌ للدهشة، خاصةً وأنه كان لديه البديل من أوانٍ فخارية ومعدنية مختلفة.

والأكثر دهشةً من كل ذلك، أنه قام بتصنيع تلك الأواني الحجرية بأدواتٍ بسيطة من أحجارٍ صلدة، وكان نحتُ إناءٍ واحد قد يتعدَّى الشهرَ في كثيرٍ من الأحيان!

وإمعانًا في التحدي، لم يكتفِ المصري القديم بمجرد التصنيع، بل أجاد في الإبداع، وأخرج من بين أصابعه أوانيَ حجريةً قاربتْ في أشكالها أعمالًا فنية مُجسَّمة، قلَّد فيها هيئاتٍ عدَّة وأنماطًا مختلفة من الطبيعة المُحيطة به، وكأنه يُشكِّل صلصالًا لا ينحتُ في حجر!

ولقد كان الحرص على تناول هذا الموضوع لمحاوَلة رسم صورةٍ كاملة قدْرَ الاستطاعة عن الأواني الحجرية، لا من حيث التصنيع والتطوُّر فحسْب، بل ومن حيث طبيعة الحجر المُستخدَم، وورشة العمل التي أخرجت هذا الكمَّ الهائل من الأواني الحجرية، والوظيفة أو الغرَض من استخدام الأواني الحجرية، وذلك من خلال دراسة تطوُّر أنماط تلك الأواني، سواء من حيث الشكل أو نوع الحجر، وربط وظيفة واستخدام الإناء الحجري بمكان العثور عليه أو ما يحمِله من نقش، وطبيعة هذا الإناء أو ذاك، سواء كان دنيويًّا أو جنائزيًّا أو طقسيًّا، وما إلى غير ذلك من أغراضٍ أخرى.

وعلى الله قصد السبيل

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤