الرسالة الرابعة عشرة

من جون جراهام في يونيون ستوك ياردز إلى ابنه بييربون في استراحة «ذا ترافيلرز ريست» بمدينة نيو ألباني بولاية إنديانا. وذلك بعد أن اكتشف جون جراهام بالصدفة أن السيد بييربون قد ضارَبَ في سوق المال على لحوم الأضلاع.

***

١٤

شيكاجو، ١٥ يوليو …١٨٩

عزيزي بييربون، التقيتُ على الغداء أمس بالشاب هورشي، صاحب هورشي آند هورتر، وسطاء الحبوب والمؤن، وبشكلٍ أو بآخر، ذُكر اسمك أثناء حديثنا عن انخفاض المعروض من الخنازير، وهنَّأني على أنَّ لي ولدًا ذكيًّا مثلك. لقد قدَّرتُ كأيِّ عجوز أبلَه أنك ذكيٌّ بما يَكفي لتُحسِن تقدير الواقع وتتصرَّف بفطنةٍ حين تدعوك الظروف إلى ذلك، وكان عليَّ ألا أُقدِّر ذلك؛ ذلك لأنَّني لو لم أسهب في الإطراء على ذكائك وحُسن خُلقك، لما منحتُ الفرصة للمُشكِّكين للانتقاص منك.

كان هورشي حريصًا على أن يُبيِّن لي كم أنت كفء — بسبب رغبته في إدارة بعض أعمالي في البورصة — لدرجة أنه تمكَّن من أن يُبيِّن لي كم أنت عديم الكفاءة. لقد أخبرني أنك أمرتَه الأسبوع الماضي بأن يبيع مائة ألف ضلع على المكشوف، وأنه قد اشتراها للتوِّ بناءً على برقيةٍ منك بربحٍ قيمته أربعمائة وستون دولارًا تقريبًا. شعرت بغضبٍ شديد لو تدري، حين عرفت أنك تضارب، ولكنَّني اضطررتُ إلى ابتلاع غضبي وأخبرتُه أنك فتًى ذكي للغاية. وطلبتُ منه أن يغلق الحساب وأن يُرسِل إليَّ شيكًا بأرباحك، وأنا بدوري سأرسِلُه لك؛ ذلك لأنني أردتُ أن أعطيك نصيحة عن السوق قبل أن تُمارس أي قدرٍ إضافي من التداول.

ستجد الشيك مرفقًا بهذه الرسالة. من فضلك صدِّق عليه لدى المحاسب في دار الأيتام وعُد على الفور. وسأتأكد من أنك سلَّمته الشيك برضًا وعن طيب خاطر.

الآن، حان وقت النصيحة التي أريد أن أُعطيك إيَّاها عن السوق. ثمَّة أسباب عديدة تجعل تداولك في البورصة حاليًّا أمرًا غير آمن، ولكن السبب الرئيسي في ذلك هو أن جراهام وشركاه ستَفصلك من العمل إن فعلت ذلك. إن البيع على المكشوف يُشبه إلى حدٍّ بعيدٍ التجديف على حافة بحيرة؛ يبدو آمنًا وسهلًا في البداية، ولكن المرء سرعان ما يجد نفسه وكأنه قد ابتعد عن الحافة ودخل إلى عُمق البحيرة. إن بورصة القمح لا تبعد عنا سوى بثلاثين قدمًا فقط، ولكنها تُفضي بك إلى الجحيم. والتداول على المكشوف يعني التدوال على حافة وعرة من اللاشيء. فالمرء حين يشتري، يشتري شيئًا لا يملكه الآخرون. وحين يَبيع، يبيع شيئًا لا يملكه. ومن واقع تجربتي، فإن صافي الربح المُحقَّق من اللاشيء هو لا شيء. والمُضارب حين يكسب لا يتوقَّف حتى يخسر، وحين يَخسر فإنه لا يتوقَّف حتى يكسب.

وقد قضيتَ في تجارة اللحوم وقتًا يكفي لتَعرف أن الثور لا يحتاج أكثر من ثلاثين ثانية ليَفقد جِلده؛ ولو صدَّقتَ كلام والدك بأن المُضاربين في البورصة يُمكنهم أن يسلخوا المُضارب من جلده بنفس السرعة، فلن تجد مجلس المضاربة يَستخدِم جلدك أنت لصناعة سجادة في أشهُر الشتاء الطويلة.

ولأنك ابن تاجر لحوم خنزير، قد تظنُّ أنك تعرف أكثر من غيرك عن لحم الخنزير المُدخَّن. وهذا غير صحيح. ذلك لأن أفقر من في الأرض هم أقارب المليونيرات. أنا حين أبيع عقودًا آجلة في البورصة، فإنها تكون مقابل لحوم الخنزير التي تُوضع في الملح الجاف بمعدل قطعة في الثانية، فإذا ارتفع سعر السوق عليَّ، فإنَّ لديَّ اللحم لأُسلِّمه. أما أنت، فإذا خسرت، فلن تجد من الخنزير ما تُقدِّمه سوى صرخاته الحادة.

لم أكن لأُكثر الحديث في هذه النقطة لو كان المال هو الشيء الوحيد الذي يمكن أن يخسره المرء في البورصة. ذلك لأنَّ الموظَّف حين يبيع لحم الخنزير، ويهبط السوق، فإنه عرضة لأن تجتاحه الكثير من الأفكار الرديئة والعادات السيئة بما يَليق بالربح الهزيل الذي حقَّقه. وإذا ارتفع السوق، فإنه قد يخسر احترامه لنفسه ليستعيد ما فقد من المال.

يظنُّ معظم الرجال أن بوسعهم تقدير جميع أصولهم بالدولارات والسنتات؛ غير أن التاجر قد يكون مدينًا بمائة ألف دولار ويكون ميسورًا. فعلى الرجل أن يخسر ما هو أكثر من المال ليكون مُفلسًا. ذلك لأنه حين يملك عمودًا فقريًا سليمًا وعينين ثاقبتَين، لا يطير النوم من عيون دائنيه مخافة أن يعجز عن السداد. إذ يمكن للمرء أن يُخفي وضاعته عن عقله ولسانه، ولكن العينين والعمود الفقري فاضحان. فحين يكذب اللسان، تنطق العيون بالحقيقة.

أعرف أنك ستظنُّ أن والدك يرغي ويزبد بسبب سندٍ صغير لا ضرر منه. ولكنَّني طردتُ فتيةً يفوقونك كثيرًا في الذكاء من شركتي حين استسهلُوا استخدام أموالي في التداول، بعد أن أتوا على جميع مدخراتهم في دورتَين فقط.

عليك أن تتعلَّم ألا تُرهق أموالك تمامًا كما تتجنَّب إرهاق حصانك. ثلاثة في المائة من الدولار ربح خفيف يسهل تحقيقه؛ ستة في المائة ربح آمن؛ وحين تُحقق عشرة بالمائة تظهر احتمالية أن تسير الأمور على غير ما يرام وعليك أن تحذر من أن تسير على غير هواك؛ وحين تصل إلى عشرين بالمائة، فأنت إما أحمق للغاية أو ذكيٌّ للغاية، وعليك أن تُحدد بالضبط أيهما أنت؛ أما إن وصلت إلى مائة بالمائة، فهذا حمل يصعب على الحصان وعلى الدولار تحمله، وستجد نفسك حتى دون جثة الحصان لتنقلها إلى مصنع الغراء للاستفادة منها.

أنا أُسهب في الحديث عن مسألة المضاربة تلك لأنك ستُضطرُّ إلى العيش بالقُرب من مجلس التداول طوال حياتك، والأفضل أن تعرف شيئًا عن كلاب جارك قبل أن تُربِّت عليها. ستجد من يهرولون نحوك تحت مُسمَّيات «الأمور المضمونة» و«النصائح المباشرة» و«الحقائق المُطلقة»، وستجدهم يهزُّون أذيالهم وعلى وجوههم أمارات البراءة، وكأنهم لم يَقتُلوا للتوِّ حملًا وديعًا، لكنهم سيعقرونك فورًا عندما تسمح لهم الفرصة. والطريق الآمِن الوحيد في المضاربة هو الطريق الذي تسلكه بأقصى سرعة للهُروب منها.

والحديث عن الأمور المضمونة يستدعي إلى الأذهان حالة صديقي القديم الشمَّاس ويجيلفورد، الذي كنتُ أعرفه وأنا في ميزوري قبل سنوات. كان الشمَّاس رجلًا ورعًا، وكان صالحًا وفقًا للمعايير التي وضعها لنفسه، غير أنه لم يكن يَرتقي بتلك المعايير كما يلزم.

وقد اعتاد أن يستنزف نصف وقتِ اجتماع الصلاة في إخبارنا كم نحن ضعفاء. غير أنه انشغل في وعظ الآخرين ليُنفقُوا مما أنعم الرب به عليهم لدرجة أنه نسِيَ أنَّ الربَّ قد أنعم عليه هو أيضًا بثروة قوامها خمسون ألف دولار، وضعها كلها في عقارٍ مُحصَّن بالطبع.

كان للشمَّاس أخٌ في شيكاجو، اعتاد أن يَصفه بأنه ابتلاءٌ عصيب من الرب. كان الأخ بيل وسيطًا في مجلس التداول، ووفقًا للشمَّاس لم يكن مشتغلًا بمهنة تنطوي على إثمٍ عظيم فحسب، وإنما كان حاملًا مسكينًا لما يَجنيه من مال حرام. فقد كان يُدخن سيجارين، ثمن الواحد منهما خمسة وعشرون سنتًا، ويرتدي قبعة عالية مُستديرة. وكان يُعاقر الشراب أحيانًا، ويتفوَّه بألفاظٍ نابية من آنٍ لآخر، ويذهب إلى الكنيسة الأسقفية، رغم أنه تربَّى على المذهب الميثودي. وقد بدا بيل إجمالًا شخصًا صعب المراس.

وذات مرة في فصل الخريف، قرَّر الشمَّاس أن يذهب بنفسه إلى شيكاجو ليشتريَ مستلزمات الشتاء، وبالطبع قصد منزل أخيه بيل ليُقيم عنده خلال فترة وجوده في شيكاجو؛ لأن الإقامة في منزل أخيه أرخص بكثيرٍ من الإقامة في فندق بالمر هاوس، وإن كان أخبرنا عند عودته أنه شعر باستياءٍ شديدٍ حين رأى كيف يعيش أخوه.

كان الشماس عازمًا على إخبار أخيه بيل أن ما يَفعله ليس أفضل في رأيه مما يفعله مُوزِّع أوراق اللعب في القمار؛ ذلك لأنه اعتاد أن يَتفاخر بأنه لا يسمح أبدًا لأيِّ شيء بأن يَثنِيه عن واجبه، وكان يقصد بواجبه هنا التوسُّط في شئون الآخرين. أريد أن أقول هنا أن الواجب في عين مُعظَم الرجال يعني شيئًا غير مُستحب ينبغي على الآخرين القيام به. والواقع أن الواجب الأول لأيِّ رجل هو أن يهتم بشئون نفسه. ومن واقع خبرتي فإن الأمر يتطلَّب جلَّ طاقة المرء وفكره لكي يُحسن تهذيب شخصٍ ما، وإذا خصَّص المرء خمس أو ست ساعات يوميًّا على تحسين شخصية جاره، فثمَّة احتمال قوي ألا يُحسِن تكوين شخصيته هو.

والآن، حين عاد الأخ بيل إلى المنزل من العمل في الليلة الأولى، شرح له الشمَّاس أنه في كلِّ مرة يُشعل فيها سيجارًا يَحرم شخصًا من قبائل الزولو من الحصول على خمسة وعشرين منشورًا دينيًّا كان من المُمكن أن تمنحه فرصةً ليكون شخصًا أفضل؛ وأن الجياد السريعة فخٌّ والقبعات الطويلة من حبائل «الشيطان»؛ وأن مجلس التداول مِحرابه، والوسطاء هم أبناؤه وخدمه.

أصغى إليه الأخ بيل بصبر كبير، وحين أخرج الشمَّاس كل ما كان في جعبته من كلام الدرس الديني، وبدأ يَلتقط أنفاسه، بدأ يتسلَّل عائدًا إلى المُحادثة وكأنه كلب صيدٍ ضُبط متلبسًا وبين أسنانه ريش.

وقال بهدوء: «أخي زيكي؛ سأفكر مليًّا في كلماتك بلا شك. أريد أن أكون رجلًا نقيًّا وطيبًا وصالحًا وأن ألقى الرب وأنا كذلك. ربما تسلَّل الصدأ كما قلتَ إلى باطني ولن يغفر الرب لي، ولو استقرَّ رأيي على ذلك، فسأُسوِّي تداولاتي وأخرج من السوق إلى الأبد.»

كان الشمَّاس يعرف أنَّ أخاه بيل قد جمع ثروةً مُعتبرة، ولأنه لم يتزوَّج فإن تلك الثروة ستئول له إن وافت المنية بيل لأي سببٍ كان. غير أن ما كان يخشاه فعلًا هو أن يُنفق بيل تلك الأموال على مُتَع الحياة وعلى المضاربة. لذا فقد غيَّر دفة المحادثة حتى يضرب عصفورَين بحجرٍ واحد. فقد بدأ يشعر أنه قد يقتل كل العصافير التي كان يراهن عليها.

وقال: «هل هذا اختيارٌ آمِن يا ويليام؟»

فقال بيل: «آمِن كالذهاب إلى مدرسة الأحد؛ إن التزمتَ بصرامةٍ بالعمل في الوساطة دون مضاربة.»

فقال: «أنا واثق يا ويليام أنك تُدرك مسئوليات عبوديتك؟»

صدر عن بيل صوت أنين، وقال: «يا زيكي، لقد وضعني كلامك في موقف لا أُحسَد عليه. أنا لم أشترِ أو أبع بُشلًا واحدًا من الحبوب منذ عام، إلا الأسبوع الماضي، حين تلقَّيت خطابك الذي ذكرت فيه أنك قادم. حينها رأيتُ ما بدا أنها فرصة آمنة لتحقيق ربحٍ من السوق قَدرُه سِنتان على البُشل، واشتريت ١٠ آلاف بُشل لأتسلَّمها في سبتمبر، بهدف أن أمنحك أرباحها كهديةٍ بسيطة، حتى تتمكَّن من رؤية البلدة وقضاء وقتٍ مُمتع فيها دون أن يُكلفك هذا أي شيء.»

قدَّر الشمَّاس، من التعبير المُرتسِم على وجه بيل، أنه قد انزعَج من كلامه وأنه سيُحاول أن يُحمله خسارته، لذا بدَّل وجهه إلى الوجه الذي اعتاد استخدامَه عند حضور جنازة شخصٍ من العامة، ثم ردَّ بسرعةٍ وصرامة وقال:

«أنا مُندهش يا ويليام من أنك تظنُّ أنني سأقبَل على نفسي مالًا مصدره المضاربة. ليكن ما حدث درسًا لك. كم من المال خسرت؟»

فأطلق بيل تنهيدةً أخرى وقال: «هذا أسوأ ما في الأمر؛ أنا لم أخسَر، بل ربحتُ مائتي دولار.»

كرَّر الشماس الكلام وراءه مُندهشًا: «ربحتَ مائتي دولار!»، ثم غيَّر وجهه مرةً أخرى إلى الوجه الذي يبدو عليه حين يَعثر في درج نقودِه على ربع دولار مُزيَّف لا يذكر من أعطاه إيَّاه.

تابع بيل: «أجل، وأنا أشعر بالخجل الشديد من ذلك؛ لأنك جعلتَني أرى الأمور من منظورٍ جديد. وبعد ما قُلتَه لي بالطبع، أعرف أنك ستَشعر بإهانةٍ بالغة لو عرضتُ عليك تلك النقود. وأشعر الآن أنه مِن الخطأ أن أحتفظ بها أنا نفسي. عليَّ أن أتروَّى في الأمر لأجد الاختيار الصحيح هنا.»

أظنُّ أن الأمر لم يُقلق منام بيل بأي حالٍ من الأحوال؛ أما الشمَّاس، فأظن أنه قد سهر ليلتَه يَنتحِب فوق جثمان المائتي دولار الفقيدة. وقد طلَب من أخيه صباحًا على مائدة الفطور أن يشرح له كل ما يخصُّ المضاربة، وما يُسبِّب صعود السوق وهبوطه، وما إذا كانت أي مرحلةٍ من مراحل أي صفقة تحتوي على قمح أو ذرة أو لحم خنزير حقيقي. بدَت على بيل علامات الحزن والشرود، وكأن ضميره لمَّا يرضى بعدُ على تلك المائتي دولار، ولكنَّه أذعن لطلب زيكي أن يشرح له كل شيء. وقد بدَّل قسمات وجهه لتبدو عليه الملامح التي اعتاد رسمها عند بيع قهوة مغشوشة لزبون سهل الخداع، ومن آنٍ لآخر كان يزدرد ريقَه وكأنه على وشك البدء في ترتيل ترنيمة. وحين أخبر بيل الشمَّاس كيف يُمكن لحالة الطقس أن تُؤثِّر في حالة السوق صعودًا وهبوطًا، أومأ الشماس برأسه وقال إنَّ هذا الجزء من المضاربة لا بأس به؛ ذلك لأن الربَّ هو من يتحكَّم في الطقس.

وهنا ردَّ عليه بيل: «هذا ليس وفقًا لما يراه مجلس التداول؛ على الأقل ليس بأي درجةٍ ملموسة؛ فمَن يتحكَّم في الطقس هو مذيع الطقس أو أيِّ كاذبٍ من منطقة حزام الذرة، وحيث إن تخمين رجل الطقس عادةً ما يكون خاطئًا، فلا أظنُّ أن ثمة إلهامًا من نوع خاص بشأن هذا الأمر. الهدف من اللعبة هو أن تُخمن ما سيحدث، وليس ما حدث، وحين يصل الخبر اليقين عن حالة الطقس الحقيقية، يكون الجميع قد خمَّنوا تخمينًا خاطئًا وهبطوا بالسوق سنتًا أو اثنين.»

أطرَق الشماس لهذا قليلًا، ولكنه بدأ يطرح الأسئلة مرةً أخرى، وما لبث أن أدرك أنه في مرحلةٍ ما ضمن صفقات العقود الآجلة، مرحلة بعيدة جدًّا ولكنها في عُرف الشماس معقولة، يُوجَد فعلًا قمحٌ حقيقي ولحم خنزير حقيقي. وهنا قال إنه كان مخدوعًا ومُضللًا، وإن المضاربة عمل مشروع يَنطوي على مهارة وذكاء، وأن آخِر شعرة من الحيرة كانت لدَيه قد أزيلت، وأنه قد بات بوسعه الآن قبول المائتي دولار.

تهللت أسارير بيل مباشرة، وشكره على وضوحه في التعبير عن موقفه النهائي وإزالة أي شكوك كانت تُثير قلقَه. وقال إنه قد بات بوسعه الآن أن يُضارب بضميرٍ مرتاح بعد أن أنصت إلى عرض الشماس البيِّن للموضوع. وأن الأمر الوحيد الذي يُزعجه الآن هو أنه لم يتحدَّث إلى أخيه قبل الفطور؛ ذلك لأن المائتي دولار كانت تؤرِّقه بشدة طوال الليل، لذا فقد استيقظ مبكرًا وأرسل شيكًا بالمبلغ إلى الكاهن الذي يتبعه الشماس وأخبَرَه أن يُنفقها على الفقراء.

استقلَّ زيكي قطار المساء للعودة إلى البيت، كي ينتزع الشيك المذكور من الكاهن العجوز، ولكن كان هوفر العجوز رجلًا لا يتلكَّأ في إنفاذ مَهامِّه؛ فقد أنفق المائتي دولار بمجرد أن تسلَّمها واشترى بها فحمًا للفقراء.

وأنا أكتفي بذكر الشمَّاس هنا عَرَضًا كمثالٍ على مدى السهولة التي يُمكن أن ينزلق بها المرء الذي يظنُّ نفسه تقيًّا إلى طريق الضلال المُطلَق بمجرَّد أن تقع عيناه على مائتي دولار فقط على حافة الصراط المستقيم، وبمجرد أن يمدَّ يده ليلتقِط تلك الأموال، غالبًا ما تكون مربوطة بحبلٍ يُمسك طرفه فتًى صغير مُتخفٍّ خلف الكواليس يشدُّ الحبل ليُبعدها عنه. والمال الذي لا تكسبُه بكدٍّ لا يدرُّ فائدةً أبدًا؛ والمال الذي يسهل اقتراضه يُسدَّد بالربا.

ولا شك أن لمجلس التداول وغيره من جميع هيئات التبادل التجاري استخداماته المشروعة، ولكن كل ما تحتاج معرفته في الوقت الحالي هو أن المُضاربة من جانب شخصٍ لا يملك من لحم الخنزير أكثر ممَّا يرى على مائدة فطوره ليسَت من ضمن تلك الاستخدامات المشروعة. وحين تُصبح تاجِر لحومٍ يُمكنك أن تدخل إلى البورصة كمُتداول، وحتى ذلك الحين، لن تدخُلها إلَّا خاسرًا.

والدك المحب
جون جراهام

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤