زهرتا البردي واللوتس

قال الأستاذ بتري: «العالم مدين في زخارفه للمصريين الذين أوجدوا أول مدنية على الأرض».

وقد بدأ الفن المصري أشكالًا بسيطة كالخطوط والدوائر ومعظمها يمثل زهرتي اللوتس والبردي، ثم أخذ الرسامون رويدًا رويدًا يزيدون ويوازنون وينقحون في أشكال هاتين الزهرتين حتى أوجدوا مئات الأشكال الزخرفية التي أخذتها الأمم الأخرى.

figure
زهرة البردي في أعلى وزهرة اللوتس في أسفل.

ولقد تُعَدُّ زهرة اللوتس في فن الزخرفة المصرية القديمة من أهم الوحدات المشهورة في هذا الفن، وقد عمَّ استعمالها في آثار المصريين، حتى لتكاد أن تكون رمزًا عليهم، ولم يقتصر اتخاذها للزخرف في مصر وحدها بل إنها سرت إلى الأقطار التي كانت تجاور مصر في العهد القديم، فوُجِدَ لها أثر في غالب فنون الأقطار الأخرى، وهذا الأثر كان على الدوام تابعًا لما عُرِفَ عنها في مصر، بحيث إن التنقيح الذي يأخذ به الرسام المصري كان ينقله عنه الرسامون في الأقطار الأخرى.

وقد ظهرت هذه الزهرة في الزخارف القديمة أي قبل الأسر الفرعونية ثم في التيجان ورءوس الأعمدة، وقد أكثر المصريون من التفنن في أوضاعها وهي مفردة أو مع ساقها أو كانت ترسم إلى جوار زهرة البردي بحيث تتناوبان الزينة واحدة بعد أخرى.

figure

واللوتس هو الذي يُعْرَفُ باسم البشنين الآن أو أن هذا النبات نوع منه، أما البردي فلا ينبت في مصر ولكنه منتشر الآن في أعلى النيل، والبردي هذا هو الذي كان يُصْنَعُ من سيقانه ورق الكتابة عند أسلافنا من وريقتين ملتفَّتي الأطراف اليمني واليسرى، وفي وسطهما وريقة ثالثة كأنها ترى بأصول المنظور، فكان هذا الوضع في الزهرة أقرب إلى أن يجعلها شبيهة بالزنبق، حتى إن كثيرًا من العلماء في بادئ الأمر ظنها كذلك، ثم زاد المصريون على ذلك الوضع بأن جعلوا الوريقة الوسطى أكثر من واحدة، وأن مدوها إلى أطول من الأخريات، وأكثروا منها حتى أخذت شكل «المروحة».

figure

ويمكن القارئ بالنظر إلى الصورتين الطبيعيَّتين لزهرة البردي وزهرة اللوتس في الرسم الأول أن يميز الرسوم التالية فيجد فيها تنقيحًا للأولى أو الثانية.

وقد وصف الأستاذان أحمد يوسف ويوسف خفاجي في كتابهما عن الزخرفة المصرية القديمة نبات البردي بقولهما:

نبات ذو ساق طويلة قوية، تخرج في خطوط مستقيمة، بعكس ساق اللوتس القصيرة الضعيفة … وتنتهي الساق بزهرة تتفتح بخيوط كثيرة صفراء تشبه «ذقن الباشا» أي زهرة اللبخ، وقد تفنن المصري القديم في اتخاذ هذه الزهرة كوحدة زخرفية على أشكال شغلت مقدارًا عظيمًا من زخارفه.

ومن البردي صنع المصريون الورق، بشق السيقان إلى شرائح أخرى، في شكل الشبكة، ثم الضغط عليها جميعًا وهي خضراء، فيحصلون على صحيفة من الورق هو ما عُرِفَ بورق البردي.

وظهرت زهرة البردي في الزخارف المصرية، بجانب اللوتس، متمشية معها في كل أدوار تاريخها، فهي قديمة ومألوفة كاللوتس سواء بسواء، وقد تراها مثلت دورًا هامًّا في التاريخ المصري، منذ أن جعلها المصريون القدماء رمزًا على الوجه البحري، فكانت توضع مع اللوتس في عقدة بشكل خاص لترمز معها إلى اتحاد الوجهين تحت حكم الملك.

وإذا نظرنا إلى شكل تلك الزهرة في الطبيعة وقارنَّاها بشكل تلك الوحدة التي أخرجها الفنان.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤