النقد السابع والخمسون

٣٠ / ١٢ / ١٩٥٣
شخصية الأسبوع: عندما وضع القدماء قواعد اللغة العربية جاروا من تقدموهم في الفرق بين المذكر والمؤنث، واليوم أرى محطة الشرق الأدنى تطلق على التحدث إلى مشاهير الذكور عنوان شخصية الأسبوع، وتُعنون مثل هذا الموضوع «أمام الميكرفون» حين يتحدث مندوبوهم إلى سيدة أو آنسة معروفة، فهل لي أن أسمع المحطة صوت بعض من كتبن إليَّ محتجات طالبات إبدال هذا العنوان؟ إنهن يطلبن عنوانًا أدل على مساواة الذين باللواتي بعدما هببن من كل فج عميق مطالبات بحقوقهن، وقد نلن أكثرها، وهذه إحداهن الآنسة فاطمة المحب قد فازت في مسابقة فنية عالمية في النحت، وإذا كان ذلك كذلك، فهي أكثر من شخصية أسبوع، إنها شخصية عالمية.

يقول بعض من أثروا: الدنيا كد وجد، وهذا الأستاذ نجيب صالحة الاقتصادي العبقري يقول لمقدمه الأستاذ نجاتي صدقي: إن الظروف لعبت دورها في توجيهه، ولكنه استدرك فيما بعد فقال: ليس الحظ كل شيء …

وهذا الرجل العامل — الأستاذ صالحة — يرى أن الثروة ليست كل شيء، ولما سئل عن الإحسان قال: يجب أن لا يمشي أمامه طبل وزمر، أما الذي يلفت النظر في حديثه فأمران: رأيه في عدم تبدل الوزارات كل بضعة أشهر، ونصيحته إلى الشباب لكي يتسلحوا بالعلم والصدق والاستقامة. وأشار حضرته إلى مشاريع عمرانية ضخمة، فنسأل «الظروف» أن تمد يدها كما مدتها في فجر حياته ليستطيع تحقيقها فتعمر البلاد.

وفي عنوان «بيني وبينك» تحدث الأستاذ أنيس منصور إلى المرأة، فما ترك شهيرًا من أعدائها إلا أتى على ذكره، ثم أنحى باللوم على الأم المشغولة عن بنيها، وهذه آفة اجتماعية تضج منها الدنيا بأجمعها. أما قوله: إن الولد يفتش عن أمه في أنثى ثانية إذا حرم حنان الأم، فهذا رأى فرويدي كثيرًا ما يناقضه الواقع.

قصة الأسبوع: تمكنت من سماع أقاصيص هذين الأسبوعين كلها بجلاء ووضوح، فقصة «سعادة» للآنسة سميرة عزام، وهي من طراز أقاصيصها السابقة، ولكنها أكثرت فيها من لفظة كنت أو كان، وقصة «هدية المجوس» التي ترجمها الأستاذ إبراهيم مطر كانت عقدتها المفاجئة خير ما فيها، وإن كان كاتبها بوهاري الشهير … فليس كل ما يكتبه الشهير يكون شهيرًا …

أما قصة «على الأرض السلام» للأستاذ سامي محمد، فعبارتها من الإنشاء المنمق، وقد أجاد كاتبها تصوير المكان والزمان، وإن بالغ فقال عن حلم نابليون بملك عرضه السموات والأرض. إن قصته تنظر إلى قصيدة هيغو الشهيرة، وتقصر كثيرًا عن تلك التي كتبها الفرد دافيني عن نابليون والبابا. قال الأستاذ سامي محمد: مذود من القش، والمذود هو المعلف، والمعلف لا يكون من قش، ولو كان لأكلته البهائم.

وأما قصة الأستاذة روز غريب فجيدة، ولكنها تحتاج إلى مسحة من الجمال الفني.

وفي هذا الركن أيضًا تحدث الأستاذ عبد الحليم عباس في موضوع الأدب والحياة، وهذا موضوع أمسى مكرورًا جدًّا، فليت الأستاذ عبد الحليم يخرج من هذه الحلقة المفرغة التي يدور فيها، ويسمعنا الجديد الطريف وهو على ذلك قدير، وإذا لم تخن الذاكرة فإني أذكر أن موضوعه هذا لأخو موضوعه ذاك الذي أغضبه نقدنا إياه. قال تولستوي: هات ما عندك من جديد حتى أقرأك وأسمعك.

ندوة الشرق الأدنى: كان موضوع الحلقة الأخيرة مهمة الجامعة في البلاد العربية، وملخص تلك المهمة هو إنماء شخصية لا حشو الأدمغة، أما مشاكلنا الأخرى فزعموا أن التخصص يحلها، ولولا قالوا يحل بعضها أو أكثرها لكان الكلام أصدق، فعندنا مشاكل لا تحل عن طريق الأدمغة بل عن طريق القلب.
حديث الشهر: كان للدكتور موسى إسحاق الحسيني فلخص محاضرة الدكتور طه حسين التي قال فيها: إن مصر تكاسلت فتنازلت عن زعامتها الأدبية التي آلت إلى بيروت، وهنا تبسط الدكتور الحسيني في شرح هذه العبارة الأخيرة. لست أناقشه فيما زعم، ولكنني أناقش الدكتور طه الذي قال: إن الشباب يكتبون قصصًا ولا يكتبون إلا القصص، أما أنا فأذكر أن الدكتور هو الذي دعاهم في سالف الزمان إلى كتابتها، فليته نصحهم اليوم أن يتقنوا هذا الفن الذي تعاورته أقلام جميع الكتاب، ولم يبرز فيه إلا الأقلون، بل ليت النقاد — ولكن النقد نائم نومة أهل الكهف — ينصحون الكثيرين من هؤلاء، فلا يضيعون وقتهم في كتابة ما ليس من طبعهم.
روضة الشعر: كانت قصيدة الشيخ محمد بهجت الأثري طويلة وجيدة جدًّا، وآخرها كان كأولها، وهذا نادر. القصيدة راعوية صور فيها الشاعر الطبيعة تصويرًا حسنًا، ومع كل هذه الطلاوة الشعرية التي تحييها عاطفة متقدة، إنني لا أوافق الشيخ في قوله: مللت غناء شبيه النهاق.

أما قصائد الأستاذ عبد الوهاب البياتي فثلاث، وخيرها أولاها، أما قصيدة «سوق القرية» فهي سوق قرية حقًّا، وأين الشعر في قول شاعر كالبياتي: زرعوا فنأكل ونزرع فيأكلون؟ ثم قوله: لا يصلح العطار ما أفسد الدهر. أظن أن كلامًا كهذا بعيد جدًّا عن الشعر الصافي، فأسأل البياتي ملحًّا ألا يتهافت عليه.

مآخذ: قيل: ترغب أن تبتاعها، ورغب هنا تتعدى بفي.

وقيل: يعودون للثاني، والصواب يعودون إلى الثاني.

ولحن أحدهم فقال: عنهِم والصواب عنهُم بضم الهاء.

وقيل: فحدق في الفراغ، والصواب حدق إلى الفراغ.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤