الفصل السابع

هل يمكن حل إشكاليات القاهرة

(١) عمدة المدينة

القاهرة عاصمة أقدم حضارات العالم، ومن مدن العالم الكبرى، وأكبر مدينة في أفريقيا والشرق الأوسط والعالم العربي، تشكو الكثير من المشكلات المتشابكة بين جهات حكومية متعددة، هذا التشابك هو أحد أسباب تراكم المشكلات التي تبحث عن حل، هل الحل في يد المحافظة أم وزارة كذا … إلخ؟ هذا التشابك بين السلطات يحتاج فعلًا إلى خطوة جريئة لفض الاشتباك، ووضع الأمور في نصابها.

أول المسائل والتساؤلات لتصحيح الأمور هو السؤال الوحيد والأساسي: لماذا لا تصبح مسائل المدينة كلها في يد عمدة المدينة، أو ما نسميه محافظ المدينة؟ ولماذا تقتص منه صلاحيات تختص بها وزارات الدولة المختلفة كالتعمير والكهرباء والماء؟ لماذا لا تفوض بلديات الأحياء في القيام بأعمال البنية الأساسية وصيانتها ضمن إطار مخطط وتمويل المحافظة؟ لماذا يقع العبء على المحافظ وحده في اتخاذ القرارات صغيرها أكثر من كبيرها، مثل تسييل المرور بإغلاق تقاطعات الطرق الرئيسية بدلًا من جعل الناس يحترمون إشارات شرطي المرور بقوة القانون؛ لكي تصبح عادة يألفها الناس، ويتفاعلوا معها بأسلوب درجنا على تسميته «حضاريًّا». لا شك أن هناك لجانًا ومجالس مشتركة بين المحافظة والوزارات المعنية، لكن الأغلب أن الغلبة هي لصالح فكر وزارة أكثر منه لفكر المحافظة التي يفترض أن تلتقي عندها كل مخططات الوزارات المعنية بالبنية الأساسية كعمل طريق علوي أو نفق سفلي، أو مد كابلات التليفون أو أنابيب الغاز أو توسعة شارع أو تعويض المضارين سواء كانوا في أحياء راسخة أو عشوائية.

في البلاد الأخرى نجد لعمدة المدينة صلاحيات واسعة، فمتى نفض الاشتباك بين المحافظات والوزارات؟ ومتى نقلل من مركزية اتخاذ القرار داخل المحافظة الواحدة؟ ومتى يحاسب مسئول عن اتخاذ قرار جانبه الصواب؟ ومتى يُنتخب عمدة المدينة؛ ليكون مسئولًا أمام الناخبين إلى جانب مسئوليته تجاه الدولة؟ ذلك لأن أي خطأ في مخطط عمراني يظل على الدوام مصدرًا للمعاناة، وفي هذا قيل: إن مخطط شارع الأزهر الأصلي في عهد أحد ملوك مصر كان يسير في خط مستقيم من العتبة إلى الجامع الأزهر، بحيث يرى الواقف في العتبة هذا الجامع العتيد. لكن مصالح معينة جعلته يلتوي ويتقوس، وما زال كذلك حتى الآن! عوقب المسئول آنذاك، لكن العقاب لم يغير الخطأ على مدى قرن أو أكثر، فما زال الشارع يسير ملتويًا مقوسًا! فالخطأ المعماري فادح والخطأ التخطيطي أشد وأعتى.

(٢) نقل العاصمة السياسية١

إن نقل واحد من وظائف مدينة متضخمة قد يعطينا حلًّا جريئًا للتغلب على طاغوت المدينة، وهذا النقل سوف يقضي على بعض عوامل التوسع في المدينة، ويعطي للمخططين الفرصة السانحة للتخطيط والتشريع الملائم للمدينة. فما هي الوظائف الأساسية للمدن الكبيرة كالقاهرة؟
  • الوظيفة السياسية: الحكم بما في ذلك الرئاسة والوزارات والتشريع النيابي.
  • الوظيفة الإدارية: الحكم المحلي لشئون المدينة، ويشتمل على كثير من النشاطات، مثل إمداد المدينة بالمياه وشبكة الصرف والكهرباء، وكل أشكال البنية التحتية، والأمن وكافة الخدمات التعليمية والصحية والتموينية، وفي حالة العواصم يقع هذا الحكم في ظل الحكم المركزي، ويصبح باهتًا لوجود السلطة الأعلى إلى جواره وفوقه مباشرة.
  • الوظيفة الاقتصادية: نقصد بها الإنتاج السلعي والاستهلاك وأشكال الوظائف العامة المساندة للوظيفة السياسية والإنتاجية والاستهلاكية معًا، وفي المدن يدور الإنتاج أساسًا حول الصناعة، وتصنيع السلع بما في ذلك إمداد وتموين المدينة.
  • الوظيفة المالية: الأعمال البنكية، والائتمانية، ومؤسسات الاستثمار.
  • وظائف الخدمات: وهي كثيرة من الخدمات الصحية والتعليمية والنقل، إلى الخدمات الإعلامية والبحثية والترفيهية.

ولا شك أن هناك الكثير من التداخل بين هذه الوظائف، إنما التفصيل والتقسيم للإيضاح، وإذا أردنا اختيار إحدى الوظائف الأساسية للقاهرة؛ لكي نبعد تأثيرها فعلينا أولًا أن نعرف — من الناحية العددية — توزيع العمالة على الأنشطة والوظائف المختلفة.

وقد كان سكان القاهرة سنة ١٩٦٠هو ٣٣٤٨٧٧٩ شخصًا، وكانت نسبة العاملين فوق ١٥ سنة إلى مجموع سكان المدينة هي ٢٥ بالمائة، وبعبارة أخرى نقول: إن مقياس الإعالة كان بنسبة واحد إلى أربعة أشخاص من سكان القاهرة، وبناء على ذلك نستطيع أن نحسب متوسط عدد أفراد الأسر للعاملين نظريًّا في مختلف القطاعات. فيصبح عدد الأشخاص المعتمدين على وظائف الخدمات هو ١٢١١٦٧٢ من سكان القاهرة، والمعتمدين على الوظيفة الاقتصادية ٩٨٨٥٤٨ من السكان، والمعتمدين على الوظيفة التجارية والمالية ٥٧٨٩٧٦ والمعتمدين على وظائف الحكومة ٥٤٦٤١٢ شخصًا من سكان القاهرة.

وفي ١٩٩٦ وصل عدد سكان القاهرة إلى ٦٧٨٩٤٧٩ فردًا، وكان عدد العاملين مليونًا و٨٢٢ ألفًا، ومتوسط عدد أفراد الأسرة ٤ أفراد. وكانت نسبة العاملين ٢٧٪ من سكان القاهرة، منهم ٣٪ عاطلون، وبعبارة أخرى: إن التركيب الوظيفي من حيث نسبة العمالة ظلت كما هي في الفترة ٦٠–١٩٩٦ دون تغيير كبير سوى في جملة أعداد السكان، وفي سنة ١٩٦٠ كان عدد الموظفين الحكوميين نحو ١٥٠ ألفًا، زادوا إلى ٤٥٠ ألفًا في ١٩٨٦ ثم تضخموا في ١٩٩٦ إلى نحو ٥٩٥ ألفًا، فضلًا عن نحو ٢٤٥ ألفًا يعملون في قطاع الأعمال شبه الحكومي، مقابل نحو ٩٥٠ ألفًا في القطاع الخاص والاستثماري، وبعبارة أخرى: إن نحو ٤٥٪ من العاملين هم حكوميون وشبه حكوميين،٢ وهي نسبة كبيرة حقًّا تمثل عبئًا على المدينة، وقد أخذت الحكومات المتتابعة على عاتقها «إصلاحًا وظيفيًّا واقتصاديًّا» منذ أواسط الثمانينيات شملت بالأساس برنامجًا لخصخصة بعض من قطاع الأعمال.
إذا عدنا إلى موضوعنا عن وظائف المدينة سنجد عدد السكان المعتمدين على قطاعات الوظائف الأساسية سنة ١٩٩٦ على النحو الآتي — أرقام مدورة — باعتبار متوسط عدد أفراد الأسرة في القاهرة أربعة أشخاص حسب نتائج التعداد:
  • القطاع الحكومي: ٥٩٥ ألف عامل × ٤ أفراد للأسرة = مليونان و٣٨٠ ألفًا من السكان.
  • قطاع الأعمال العام: ٢٤٤ ألف عامل × ٤ أفراد للأسرة = ٩٧٦ ألفًا من السكان.
  • القطاع الخاص: ٩٤٨ ألف عامل × ٤ أفراد للأسرة = ثلاثة ملايين وثلاثة أرباع المليون.

ومن البديهي أنه لا يمكن لمدينة ما أن تعيش دون أي من قطاعات الوظائف السابقة، بدرجات متفاوتة، باستثناء الوظيفة السياسية المتمثلة في مجموع موظفي الوزارات. ذلك أن المدينة، أيًّا كان حجمها، عبارة عن مكان محدد من الأرض تتبادل مع إقليمها المحيط بها عددًا لازمًا من الأنشطة الوظيفية غير الحكومية.

لهذه الأسباب التي هي من صنع الإنسان يتضح أن من بين الحلول المقترحة لمشكلات القاهرة؛ نقل الوظيفة السياسية من القاهرة كوسيلة لاستبعاد أحد عناصر جذب العمران وهجرة العاطلين إلى المدينة المترهلة فعلًا، وبطبيعة الحال فليس متوقعًا نقل هؤلاء جميعًا بأسرهم إلى العاصمة الجديدة، وإلا كنا كما يقول المثل: «كأنك يا أبو زيد ما غزيت.» الموضوع يحتاج إلى تفكيك مركزية الوزارات، وتوزيع كثير من موظفي القطاع الحكومي على المحافظات التي يجب أن تتمتع بقدر أوفر بكثير من السلطات الممنوحة لها الآن. هناك يكون الموظف الحكومي على رأس عمل فعلي بدلًا من الأعمال الورقية والكتابية التي تمارسها مركزية الوزارات بالقاهرة.

توصيف الوزارة المركزية

في البداية يجب توصيف الوظائف التي تحتاجها الوزارات المركزية، ومن ثم تحديد أعداد الوظائف دون إضافات سنوية بلا هوية، ولكي يكون ذلك ممكنًا يجب أن تختص وظيفة الوزارة المركزية برسم الخطط العامة على ضوء احتياج البلاد، تاركة التنفيذَ المرن للحكم المحلِّيِّ الذي يتبادل بدوره الرأي مباشرة مع الناس ذوي الاهتمامات المختلفة في قواعد العمل والإنتاج، ولهذا فالمتوقع أن يكون عدد العاملين في الأجهزة المركزية قرابة ٥٠ إلى ٧٥ ألف عامل حكومي مركزي، ومن ثم قد يبلغ عدد العاملين بأسَرِهم نحو ربع مليون شخص، ومع إضافة عمالة الخدمات في مدينة الحكم المركزي المقترحة قد يصبح عددَ سكان العاصمة ٤٠٠–٥٠٠ ألف شخص، وعلى هذا لا يجب أن يتعدى سكان العاصمة نصف المليون حتى لا تتكون للمدينة قوى نمو ذاتية تفرض نفسها على أجهزة المدينة كما أسلفنا في الفصل السادس.

في سنة ١٩٧١ رجحت أن تنقل الوظيفة السياسية من القاهرة إلى عاصمة جديدة في مكان قريب من موقع مدينة السادات الآن، وكان ذلك اعتمادًا على أن عدد الموظفين بالحكومة وأسرهم لا يتجاوز نصف مليون فرد. الشيء المهم هو أننا لم نطلب نقل كل الموظفين، وذلك اعتبارًا من منطق ضرورة التغيير الإداري إلى حكومة مركزية في العاصمة الجديدة وحكومات محلية في المحافظات، وبالتالي فإن نقل نصف مليون شخص لم يكن واردًا، وإنما مجموعة من الإدارات في الوزارات المركزية المختلفة تشرع وتخطط السياسات العمة للدولة، وتترك التنفيذ المرن للأقاليم. واليوم، وبرغم تضخم عدد الموظفين الحكوميين وأسرهم، إلا أننا ما زلنا نرى أن الوظيفة السياسية تحتاج إلى منبر يطالب بالإصلاح الحكومي إدارة ومكانًا، ولا يجب أن يغني ذلك عن مطلب آخر ضروري وجوهري، وهو تحجيم المشروعات الاستثمارية والمدن الجديدة حول القاهرة، وتحويل ذلك إلى أقاليم الدولة بعيدًا عن القاهرة المتخمة والمثخنة بالجراح.

مصاعب نقل العاصمة السياسية من القاهرة

ارتباطًا بما سبق تفصيله في وظائف القاهرة، وبما سيأتي ذكره من دوافع وأسباب، فإن الاقتراح الذي نطرحه للبحث الجِدِّيِّ هو نقل الوظيفة السياسية من القاهرة إلى مدينة أخرى تنشأ أساسًا لتكون مدينة الحكم في مصر، وإلا أصبحت مشكلات أكثر تسلطًا وأكثر صعوبة في إمكانية إيجاد حل لها، والآن نرى ماذا يكلفنا نقل العاصمة من مدينة القاهرة:
  • (١)

    الصعوبة الناجمة عن الارتباط العاطفي بين القاهرة كمدينة وكعاصمة لمصر لأكثر من ١٣٠٠ سنة منذ إنشاء الفسطاط. هذا الارتباط العاطفي يتزايد في فترات تاريخية معينة حينما تصيب بلاد الشرق الأوسط العربي ضائقة، فتصبح القاهرة عاصمة للعالم العربي الواسع، كما حدث خلال الحملات الصليبية والتتارية، وما يحدث الآن من مخاطر الإمبريالية الصهيونية المعاصرة على مستوى الشرق الأوسط والعالم معًا. كذلك يتزايد الارتباط العاطفي بالقاهرة كعاصمة لإقليم أوسع في مصر في فترات ازدهار حضاري ومادي، كما حدث في عهد الخلافة الفاطمية، وفي العهد المملوكي وفي العصر الحديث ابتداء من القرن التاسع عشر إلى اليوم. وبعبارة أخرى: فإن الارتباط العاطفي بين القاهرة والعاصمة يتعدى في فترات عواطف المصريين إلى عواطف سكان الشرق الأوسط عامة. ولا شك أن المشكلة العاطفية تعطي بعدًا عميقًا للمسألة، وتجعل للزمن وحده القدرة على التغلب على هذه المشكلة، وربما كان أحد الحلول السريعة للمشكلة العاطفية أن تسمى مدينة الحكم الجديدة: القاهرة الجديدة أو الثانية، وإن كان الأرجح تسميتها «المدينة البيضاء» تيمنًا.

  • (٢)

    لقد تجولت عاصمة مصر كثيرًا في تاريخها الطويل، فلم تكن العاصمة هي دائمًا القاهرة. فقد كانت العاصمة الأولى لمصر الموحدة — حسب معلوماتنا الراهنة عن الوحدة المصرية — هي مدينة منف (ميت رهينة وسقارة الحالية)، ثم انتقلت العاصمة إلى اللاهون (مدخل الفيوم) في عصر الدولة الوسطى، ثم انتقلت إلى طيبة (الأقصر) معظم فترات الدولة الحديثة مع فترات انتقال إلى تانيس (صان الحجر بالشرقية) وبوبستس (الزقازيق) في العصور الفرعونية المتأخرة. ثم أصبحت مدينة الإسكندرية عاصمة مصر طوال العصرين البطلمي والروماني، وأخيرًا عادت إلى موقع القاهرة منذ دخول الإسلام: الفسطاط وقاهرة المعز الفاطمية والقاهرة الأيوبية والمملوكية والعثمانية وأسرة محمد علي وعصر الجمهورية إلى وقتنا هذا.

    وبعبارة أخرى: تجولت العاصمة المصرية خلال خمسة آلاف سنة بادئة من منطقة القاهرة، ومنتهية بها، وكان التجوال مرتبطًا بأشياء كثيرة، منها: الضعف والقوة المصرية وكثافة العلاقات وتطورها مع الشرق الأوسط تارة والبحر المتوسط تارة أخرى، بحيث كان المكان الذي تنتقل إليه العاصمة مستجيبًا لأحداث سياسية عالمية — بمنطلق العالمية آنذاك — أو مستجيبًا لقوى التفاعل الداخلي، سواء كان ذلك مرتبطًا بالأسر الحاكمة أو المنطلقات الدينية والتفاعلات الاقتصادية والتجارة العالمية، وحين تنتقل العاصمة السياسية الآن سوف يكون ذلك لمبررات لم تكن موجودة من قبل هي التكدس السكاني ومركزية الاقتصاد والعمالة، وتركز القرارات التنفيذية من جانب هيئات عامة وخاصة في الإقليم الجغرافي للقاهرة الكبرى بصورة مبالغ فيها؛ مما يؤدي إلى تيار هجرة مستمرة لا يمكن كسر حلقاته.

  • (٣)

    ستظل القاهرة — برغم نقل المؤسسات المركزية السياسية — مركزًا حضاريًّا وماليًّا وثقافيًّا مصريًّا وعربيًّا، مثلها في ذلك مثل نيويورك وفرانكفورت وزيورخ وشنغهاي وبمباي وكراتشي وجوهانسبرج … إلخ. وستكون هناك فرصة لمخططي القاهرة، وهي إعادة تجديد الأحياء القديمة، وتنظيم الطفيليات العشوائية بتناقص الجذب السكاني، وانخفاض نمو عدد السكان لانتقال بعض العاملين في قطاعات الخدمات الرئيسية الإنتاجية والتجارية والتعليمية والصحية والإدارية إلى مدن مصر الأخرى نتيجة لفاعلية إيجاد حكم محليٍّ حقيقيٍّ، وعلى هذا فإن أي مدينة يمكن أن تعيش وتنمو وتزدهر بدون أن يكون لها وظيفة العاصمة السياسية.

  • (٤)

    الصعوبة المادية الناجمة عن بناء عاصمة جديدة لمصر، من حيث الاستثمارات اللازمة لعمليات البناء وشبكة الطرق والخدمات، وبالرغم من أن استثمارات البناء والخدمات ذات أرباح متوقعة وسريعة نسبيًّا إلا أن المشكلة الأساسية تكمن في إيجاد الأموال اللازمة للاستثمارات. وهنا تساؤل تطرحه بعض العواصم الجديدة مثل برازليا وإسلام أباد، والنمو السريع لمدينة بيروت بعد حرب أهلية ضروس، وقد نمت هذه المدن بدون شك نتيجة دعوة الاستثمارات إليها من الداخل والخارج. فهل يمكن ذلك بالنسبة للعاصمة الجديدة في مصر؟ الرأي النهائي بطبيعة الحال لرجال المال واتجاهات الاستثمارات العالمية، لكن يجب أن ننوه بعدة أشياء، منها؛ الأول: أن بناء المدينة سيكون بالضرورة أمرًا تنفيذيًّا تدريجيًّا داخل إطار مخطط مرسوم بعناية، ومطروح لآراء خبراء كثيرين، والثاني: الأخذ في الاعتبار بإمكانات مصر الذاتية، والثالث: دعوة رأسمال استثماري مصري وعربي من الخارج، والرابع: احتمالات القروض الداخلية والمساعدات الخارجية.

  • (٥)

    قد يكون من الصعب نقل الموظفين من القاهرة إلى العاصمة الجديدة نظرًا لارتباطاتهم وأسرهم بالقاهرة، لكن ذلك لا يجب أن يكون عائقًا أمام الانتقال الملزم. وفي مقابل ذلك يجب أن تكون هناك تسهيلات حقيقية في الخدمات والسكن والتعليم والترفيه، وفي هذا المجال يمكن أن تضم المدينة الجديدة معاهد عليا من أنواع معينة تحتاجها العاصمة كالإدارة والمعلمين والعلوم السياسية والاقتصادية والقانونية وتكنولوجيا الاتصالات.

إيجابيات نقل العاصمة السياسية

وفي مقابل هذه المصاعب الرئيسية فإن هناك فوائدَ عديدةً، وضروراتٍ ملحةً تبرر نقل العاصمة السياسية من القاهرة، بعضها ما يلي:
  • (١)

    إن اختيار الوظيفة السياسية لنقلها من القاهرة الحالية هو أقل الوظائف التي تُنقل تكلفةً. فمثلًا لا تقاس تكلفة بناء عاصمة جديدة إلى تكلفة حل المصانع، وإعادة تركيبها في مدينة جديدة، وكما سبق القول: فإن أي مدينة يمكن أن تعيش بدون أن تتواجد فيها الحكومة، ولكنها لا تعيش دون مقوماتها الاقتصادية الرئيسية.

  • (٢)

    إن نقل الحكم من القاهرة الحالية سوف يؤدي إلى تفريغ عدد معين من السكان. في حدود نصف مليون شخص من الموظفين وأسرهم وأسر العاملين في قطاعات الخدمات والتجارة الداخلية وغير ذلك من العاملين الذين يشكلون مقومات المدينة الجديدة، وبذلك تحدث تهدئة لمشكلات عديدة مزمنة في القاهرة الحالية، من أهمها: الإسكان، والموصلات، وأزمة مباني الوزارات والهيئات الحكومية الأخرى والهيئات التشريعية، وتخفيف اختناق الطرق بالسيارات.

  • (٣)
    وفضلًا عن ذلك سيعاد توزيع بقية العاملين الحكوميين على المحافظات بما فيها محافظة القاهرة؛ ومعنى ذلك: حدوث حركة تدريجية ينتقل بمقتضاها نحو ٣٠٠ إلى ٣٥٠ ألف عامل حكومي إلى محافظات مصر، ويبقى في القاهرة نحو مائة ألف عامل حكومي في مختلف قطاعات العمل الرسمي، وبطبيعة الحال سوف توجد مقاومة من جانب بعض المسئولين، وكثير من الموظفين٣ لكن مقابلها سوف تنتعش الأقاليم بهذا العدد القادم الذي يمكن أن يثبت دعائم الحكومات المحلية، ويجعلها قادرة على إدارة الأمور بشكل مكثف. ستكون هناك فرص كثيرة للعمل في التشييد والبناء والخدمات في عواصم المحافظات، فتستقيم أمور تقلل من البطالة والهجرة.
  • (٤)

    وفي ذات الوقت يجب أن تشرَّع قوانين خاصة بالقاهرة للحد من إقامة منشآت العمالة الكثيفة في القاهرة وضواحيها — المصانع بالذات؛ وبذلك تترك الفرصة للقاهرة لكي تحدث بعض التعادل في توزيع كثافة السكان لمدة لا بأس بها قبل أن يغطي النمو الطبيعي الفراغ الناجم عن انتقال العاصمة إلى المدينة الجديدة، وانتقال كثير من الموظفين إلى عواصم وحواضر مصر الأخرى، وفي خلال فترة الهدنة هذه يمكن لحكومة القاهرة المحلية أن تنشط بسرعة، وفي إطار خطة متكاملة؛ لعلاج العيوب الخطيرة في القاهرة، وتجنب حدوثها في المستقبل. «التركيز التجاري والصناعي يجب أن يجد له حلولًا في تلك الفترة، كذلك وسائل النقل العامة، واتساع الطرق والتركيز الثقافي لمعاهد التعليم ومراكز الفنون والترفيه.»

  • (٥)

    انتهاز فرصة نقل العاصمة لعلاج أخطر مشاكلنا السياسية والإدارية: المركزية المطلقة التي تسيطر على مصر. يجب أن تشتمل العاصمة الجديدة على الحكم المركزي أو الاتحادي في صورة وزارات مهمتها الأساسية وضع الخطط والسياسات العامة المختلفة في إطارات مرنة. أما التنفيذ الفعلي؛ فتقوم بتطويعه الإدارة المحلية في كل إقليم أو محافظة وفق ظروفها وإمكاناتها وتشريعاتها دون الرجوع إلى الوزارات المركزية إلَّا في أضيق الحدود.

تلازم نقل العاصمة بتغيير التقسيم الإداري لمصر

وثمة موضوع يمكن أن نلمح إليه؛ لإلحاحه الشديد، ولأنه مكمل لشمولية الإصلاح الحكومي؛ ذلك هو اقتراح بإنشاء نوع وسط من المركزية في صورة حكومات محلية على مستوى إقليمي فوق مستوى المحافظات الحالية مع بقاء هذه المحافظات أو إلغائها بعد التجريب. ومبرر ذلك ضرورة التعامل على مساحات أوسع من المحافظات الحالية لتنفيذ عدد من الخطط الخاصة بالإنتاج الزراعي والصناعي والرعاية الاجتماعية والصحية ومشكلات التعليم، ويمكن أن نقترح مناطق الحكم المحلي في التجمعات الإدارية الإقليمية التالية:
  • إقليم الجنوب: ويشمل: محافظة أسوان وجنوب الوادي الجديد إلى شرق العوينات، ومن ثم حتى حدود مصر ليبيا عند جبل العوينات، وتمتد شرقًا إلى القسم الجنوبي للبحر الأحمر من حلايب إلى مرسى علم.
  • إقليم مصر العليا أو الصعيد: ويشمل محافظات: قنا وسوهاج وأسيوط، وشرقًا إلى المنطقة الوسطى من البحر الأحمر بين الغردقة والقُصير، وغربًا إلى واحتي الخارجة والداخلة حتى الحدود الليبية.
  • إقليم مصر الوسطى: يشمل محافظات: المنيا – والفيوم – بني سويف – جنوب الجيزة – واحتي البحيرة والفرافرة، ويمتد شرقًا حتى سلسلة جبال البحر الأحمر عند الحدود مع إقليم السويس «أو سيناء-القناة».
  • الإقليم المركزي أو إقليم القاهرة: ويشمل: القاهرة – وسط وشمال الجيزة – جنوب القليوبية حتى القناطر وقليوب والخانكة.
  • إقليم السويس نسبة إلى خليج السويس (أو سيناء-القناة): بورسعيد – الإسماعيلية – السويس – سيناء الشمالية والجنوبية – شمال البحر الأحمر حتى مدخل خليج السويس.
  • إقليم الشرق (أو الدلتا الشرقية): الشرقية – القليوبية – الدقهلية – دمياط.
  • إقليم الدلتا: ويشمل محافظات المنوفية – الغربية – كفر الشيخ.
  • إقليم الغرب: البحيرة – الإسكندرية – الصحراء الغربية.٤

وفي حالة نقل العاصمة السياسية من القاهرة يمكن إنشاء إقليم إداري خاص باسم إقليم العاصمة، غالبًا ما سيكون في شرق الصحراء الغربية بين إقليمي الغرب ومصر الوسطى والإقليم المركزي حول القاهرة الكبرى.

وتعطي الخريطة ٧-١ صورة تقريبية للوحدات الإدارية المقترحة، والمكونات الاقتصادية الرئيسية لهذه الأقاليم.

تغيير مفهوم الحكم المحلي

fig71
شكل ٧-١: التقسيم الإداري المقترح لمصر.

ليس المهم فقط تغيير مساحات وأسماء التقسيم الإداري المصري من محافظات صغيرة عديدة إلى أقاليم أرحب وأكثر قابلية للتنمية بحكم المساحة وأعداد السكان والموارد المتعددة الزراعية والتعدينية والصناعية والخدمية، بل يجب أن يصاحب ذلك تغير في مفهومنا وممارستنا للحكم المحلي. وأول أشكال التغير هو العزوف عن ممارسة السلطة المركزية؛ حق تعيين المحافظين ووكلاء وزارات التعليم والصحة والاقتصاد والزراعة والشرطة … إلخ، وجعل هذا حقًّا من حقوق الناخبين في الإقليم. وبالتبعية ينشأ مجلس تنفيذي منتخب لا تصبح صلاحية قراراته نافذة المفعول إلا بعد موافقة مجلس نيابي إقليمي منتخب، له ما للمجالس النيابية من حقوق الموافقة أو الاعتراض على مشروعات المجلس التنفيذي للإقليم، وبعبارة موجزة: تتسلسل مجالس محلية منتخبة في مدن وقرى الإقليم.

لا شك أن مثل هذا الترتيب يحتاج إلى تشريع مركزي يؤمِّن وجوده، ويساعد السلطة على حسن الأداء الوظيفي في أنحاء الجمهورية قاطبة. ولعل أكبر مكسب هو أن تعتبر السلطة المركزية مثل هذا الشكل من أشكال الحكم المحلي المدرسة الأولى التي تعد الناس إلى ممارسة حقيقية لديمقراطية الحكم المحلي والمركزي على حد سواء. وبطبيعة الحال قد نتخلص من العصبيات القديمة لتجمعات الأسر القوية في محلات مختلفة، وذلك ليس فقط من خلال الانتخابات متعددة المستويات؛ بل أيضًا بوجود أحزاب حقيقية معبرة عن مصالح معينة، وبالتالي ذات برامج واضحة ينتمي إليها مؤيدوها بالفعل، وليس بالتعاطف مع شخصيات فردية فقط.

أين نبني العاصمة الجديدة؟

نظرًا لضيق المجال الحيوي داخل مصر، وكثرة امتداد الصحاري؛ فإنه من الضروري أن تكون العاصمة الجديدة في مكان يسمح لها بالاستفادة من مياه النيل مع استخدام وسائل توصيل المياه الحديثة. لكنه في الوقت نفسه لا يجب أن تكون العاصمة بالقرب من مدينة ما من المدن المصرية الكبيرة حتى لا يلتحم عمرانهما، وحتى لا نرفع العبء عن القاهرة، ونضعه على مدينة أخرى، ومن ثم فإنني أقترح أحد موضعين للعاصمة الجديدة:٥
  • المكان الأول: في مكان ما بين وادي النطرون والقطاع الجنوبي لمديرية التحرير على الطريق الصحراوي السريع بين القاهرة والإسكندرية قرب الكيلو ٧٠. في هذه المنطقة يلتقي طريق الخطاطبة الصحراوي بالطريق الصحراوي السريع في منطقة سهلية كبيرة على ارتفاع ٦٠ مترًا فوق سطح البحر.

    هذا الموضع متوسط بين المدينتين الرئيسيتين: القاهرة والإسكندرية، كما أنه في مواجهة الدلتا، ويبعد ٣٠ كيلو مترًا عن فرع رشيد عند الخطاطبة وطهواي، ويمكن بسهولة مد خطوط أنابيب المياه من فرع رشيد أو فرع مديرية التحرير. ويعزز هذا المكان وجود الطريق الصحراوي السريع مما يقلل من تكلفة إنشاء طريق خاص. كذلك يكون وادي النطرون ظهيرًا لطيفًا للمعسكرات والرحلات والترفيه. كما يمكن أن يؤدي وجود العاصمة إلى مزيد من الاهتمام بتنمية وادي النطرون اقتصاديًّا: «زراعة – دواجن – ماشية أو أغنام – تعدين – الأملاح المختلفة وإقامة صناعات عليها».

  • المكان الثاني: منطقة المنحدرات الشمالية لجبل القطراني شمالي بحيرة قارون، وبالقرب من مسار الخط الحديدي والطريق الجديد من الواحة البحرية إلى الجيزة. تقع هذه المنطقة على ارتفاعات ٢٥٠–٣٠٠ متر فوق سطح البحر، مما يلطف الجو كثيرًا. فيها كثير من مجاري الوديان الجافة التي تصلح — مع التعديل — لشبكة صرف المدينة أو الطرق المتعامدة دون تقاطع. المنطقة على بعد نحو ٧٠ كيلومترًا من الهرم، ويمكن أن تتصل بطريق الفيوم الصحراوي بوصلة طولها حوالي ٣٠ كيلومترًا. المنحدرات الشمالية في المجموعة سهلية حجرية تقع إلى الجنوب منها صخور البازلت في جبل القطراني التي ترتفع إلى ٣٥٠ مترًا فوق سطح البحر، ويمكن أن تصبح هذه المنطقة الجبلية وانحداراتها الجنوبية السريعة إلى بركة قارون — مع التشجير — منطقة مشتى ومعسكرات وترفيه جميلة فريدة في مصر. المشكلة الأساسية جلب المياه بواسطة أنابيب تعتلي ارتفاعات عالية، وهي في حد ذاتها ليست مشكلة من الناحية الفنية. مصدر المياه إما من النيل مباشرة في منطقة البدرشين أو العياط، وإما من ترع بحر يوسف في الفيوم، وإما استخدام مياه صرف الفيوم بعد معالجتها بالطرق المعروفة.
  • ثالثًا: وفي الوقت الحاضر يرى البعض أنه إذا كان الهدف الاستراتيجي المصري الحالي هو الاهتمام بجنوب الوادي — الذي طال انتظاره؛ ليتحول من الحوش الخلفي لمصر إلى الواجهة — فإن في الإمكان إنشاء العاصمة السياسية قرب أحد مدنه الرئيسية، مثل: غرب البحر اليوسفي على الحافة الصحراوية في محافظة المنيا، أو على الهضبة الشرقية في محافظتي المنيا أو أسيوط.
هذه باختصار مقترحات مبدئية، والأمر يحتاج إلى مزيد من التمحيص من وجهات نظر عدة قبل التفكير الجِديِّ في اختيار المكان الملائم للعاصمة الجديدة، ولكن هناك عدة أمور أرجو أن ألح عليه كثيرًا على رأسها:
  • أولًا يجب أن تكون العاصمة الجديدة بعيدة بعدًا كافيًا عن القاهرة والإسكندرية؛ لكي لا يتلاحم العمران، وبالرغم من أن المكانين المقترحين ليسا على درجة كافية من البعد اللازم، إلا أن وجود الصحراء لهذه المسافة٦ — مع عدم وجود مصادر للمياه — سوف يمنع تمامًا التحام المدن خلال نموها، وهذا هو الذي دعاني إلى اختيار منطقة صحراوية للعاصمة، فضلًا عما تتمتع به من ظروف صحية جيدة.
  • وثانيًا مشكلة أخرى من ناحية الفكر المدني هي نظرية التوسط الجغرافي الكلاسيكية والحديثة. لا شك أن القاهرة ذات موقع متوسط شديد الامتياز في مصر، وسيظل كذلك بالنسبة للقاهرة، جاعلًا منها عاصمة فعلية في عالم الإنتاج الصناعي والخدمات والتجارة والبنوك والتعليم والفنون. أما العاصمة الجديدة — برغم عدم بعدها كثيرًا عن الموقع المتوسط للقاهرة — فلا تحتاج إلى التوسط التقليدي من حيث المكان، وقد حلت الاتصالات الحديثة السلكية والتلفزيونية واللاسلكية والإنترنت في كثير من الأحيان محل التوسط المكاني لمركز الحكم. ونظرة واحدة إلى العالم تجعلنا نعتقد أن توسط العاصمة السياسية ليس أمرًا محتومًا: لندن – باريس – واشنطن – فيينا – برلين – بكين – دمشق، كنماذج من العواصم القديمة، وأوتوا – كنبرا – بون – إسلام أباد، من العواصم الجديدة.
  • وثالثًا وأخيرًا ألا تكون العاصمة داخل أراضٍ زراعية أو أراضي توسع زراعي مستقبلي لما نعرفه من ضيق الرقعة الزراعية ضيقًا لا يحتاج إلى تنويه.
إن الموقف في المدن الكبيرة عامة، وفي القاهرة خاصة لأنها تعنينا، على جانب كبير من الخطورة. فلا يجب أن ننتهي إلى مشكلات أكبر من قدرتنا، كما يجب أن نستفيد من تجربة المدن الأخرى. ففي أمريكا — دولة المدن العملاقة — وفيها ما فيها من إمكانات عظيمة في مجالات المال والتخطيط والتقدم الفني، أصبحت المدن جحيمًا لا يطاق، ليس فقط من نواحي الإسكان والمواصلات والجريمة، لكن في كل نواحي الحياة الاقتصادية والاجتماعية، والمثال الذي يمكن أن يخيف المدن الأخرى هي حالة المواصلات العامة والخاصة في غالبية المدن الأمريكية الكبرى. فمتوسط سرعة السيارة داخل المدن تتراوح بين ١٥–١٨ كيلومترًا في الساعة،٧ وهي سرعة لم تزد إطلاقًا عن سرعة عربات الخيل التي كانت شائعة منذ مائة سنة! كذلك أفلست عدة شركات كبرى من شركات النقل. وفي المجموع اضطرت بلديات بعض المدن أن تتولى إدارة شركات النقل الرئيسية أو تدعمها ماليًّا، وبرغم الاستعدادات الفنية الكثيرة في أنفاق نيويورك من حيث الأمان، فإن الحرائق تحدث باستمرار، وتؤدي غالبًا إلى وفيات وإصابات وأمراض نفسية، وأصبح إصلاح الطرق السريعة المؤدية إلى المدن الكبرى الأمريكية أمرًا يكاد أن يصبح مستحيلًا.

وهذه الحقيقة وحدها تنعكس عليها كل مفهومات ومضمونات الحضارة والعصر الصناعي؛ حياة المدينة. فقد ظلت الصناعة منذ نشأتها تمتص السكان الذين كانوا موزعين بشيء من التعادل في أرجاء الدولة، وتركزهم بصفة مستمرة في المدن الحديثة لخدمة مراكز القوى الصناعية قلبًا وفكرًا، وبهذا أصبحت المدينة الحديثة خلاصة الحياة المعاصرة، وأصبحت لها مشكلاتها الخاصة التي كان يواجهها الإنسان بقدر من الإصلاح الوقتي والتلقائي دون الإحساس بشمول وتفاقم خطر المدينة، ومن ثم فإن الإصلاحات التي تمت في بعض المدن — كالأنفاق والمداخل والطرق السريعة — قد أدت إلى نمط لم يعد في الإمكان إصلاحه مع تفاقم مشكلاته، تمامًا كما يحدث الآن في نيويورك وغيرها من المدن الأمريكية.

هذه لمحة عما يحدث من مشكلات عويصة في دولة غنية بكل شيء من الفكر والتكنولوجيا إلى العمل، ومن الخطة إلى التنفيذ. ونحن أحوج ما نكون إلى تجنب هذه المشكلات بوقف تضخم القاهرة على النحو السابق شرحه. فالمدينة التي يتراوح زمن اختراقها من أطرافها إلى قلبها في أي من محاورها الرئيسية أكثر من ساعة زمن، ويتراوح متوسط سرعة السيارة بين ٢٠–٣٠كم هي غالبًا مدينة مريضة.

لهذا نجد هجرة الأجهزة الحكومية وهيئات أخرى قد بدأت من لاظ أوغلي إلى مدينة نصر والعباسية وكلية الشرطة والجامعة الأمريكية — القاهرة الجديدة — ومن قبل رئاسة الجمهورية إلى مصر الجديدة. واستجابة لمثل هذه الحركة المهاجرة انتقلت عيادات طبية ومستشفيات وشركات أعمال إلى الأطراف الجديدة، وأنشأت الأندية فروعًا لها خارج وسط القاهرة كالنادي الأهلي في مدينة نصر ونادي الجولف قرب القطامية، وتبحث نوادٍ أخرى عن متسعٍ أرضي في الشروق أو القاهرة الجديدة أو ٦ أكتوبر … إلخ.

والخلاصة أن العاصمة المصرية انتقلت كثيرًا دون أن تحدث للحياة المصرية أضرار ونكسات تصيب مصر في مقتل، ومن ثم فإن نقل العاصمة السياسية من القاهرة إلى مكان آخر لن يكون له دور سلبي على المستوى القومي، ولكنه سوف يساعد القاهرة الحالية على تقليل النمو السكاني والسكني المتسارع، ويعطي فرصة أن تعالج القاهرة ما أصابها من ترهل جعل إدارتها صعبة المراس من ناحية، وتنمية المناطق حول العاصمة الجديدة من ناحية أخرى.

إن الفكر السائد الآن هو الخروج من الوادي التقليدي إلى مناطق أرحب، وهو فكر يحتاج أيضًا إلى فكر موازٍ لمستقبل العاصمة. فهل نقل العاصمة هو الحل أم أن هناك حلولًا أخرى أقل تكلفة، وفي الوقت نفسه تساعد على تخفيف آلام هذه المدينة العظيمة؟

(٣) رؤية لحل مشكلات التكدس في القاهرة ومركزيتها٨

الفرضية الواقعة

القاهرة الكبرى مدينة مكدسة بالسكان ومركزية الحكم وطبقات التاريخ على مدى ألف عام، وهي فوق هذا مكدسة بكل أشكال الخدمات، وكل أشكال الترفيه، وكل أشكال المؤسسات التعليمية والتدريبية والإعلامية والسياحية، وكل أشكال الهيئات الدولية الممثلة في مصر. وفيها يتركز الأحسن النسبي من البنية الأساسية من طرق وخطوط المياه والصرف الصحي والكهرباء والغاز الطبيعي والاتصالات المحلية والدولية والعالمية. كل ذلك في مساحة من الأرض لا تزيد كثيرًا عن نحو ألف كيلو متر مربع؛ أي ما لا يتجاوز جزءًا واحدًا في الألف من مساحة مصر. في هذا الحيز المحدود يعيش نحو ١٠–١٢ مليون شخص يزيدون بصفة مستمرة بالهجرة الدائمة من ريف مصر والهجرة اليومية لأصحاب العمل والعاملين من وإلى القاهرة؛ لهذا كله فحركة الانتقال فيها فوق أحمال الطرق التي لم تكن مبنية لهذا الكم المتزايد من السيارات العامة والخاصة، وبخاصة في مناطق مركزية، مثل أحياء الوزارات: «لاظ أوغلي – قصر العيني، والعباسية – مدينة نصر»، والجامعات: «عين شمس، والقاهرة، والأزهر، والأمريكية»، وتجارة الجملة: «منطقة القاهرة الفاطمية»، وأسواق القاهرة الكبرى في وسط البلد وفي الأحياء الشرقية: «مصر الجديدة، ومدينة نصر»، والأحياء الغربية: «الدقي، والمهندسين، والجيزة»، والجنوبية «المعادي وحلوان»، وهناك أيضًا مناطق الإنتاج الحرفي ونصف الآلي في الجمالية وباب الشعرية وبولاق والسبتية والخليفة والبساتين.

ثلاثة حلول مقترحة

هناك ثلاثة حلول أساسية هي:
  • (١)

    نقل العاصمة السياسية إلى مكان ما خارج القاهرة؛ لتخفيف الضغط، وعوامل الجذب، وقد سبقت دراسته بالتفصيل. وموجز الاعتراض: أنه حل لا يرضي الجميع من حيث العلاقة العاطفية بين القاهرة ومصر، والقاهرة والعالم العربي، والقاهرة وبقية العالم، والقاهرة والتاريخ. وهو لا يرضي الجهات المالية؛ لما يقتضيه من أموال هائلة، برغم الأموال الضخمة التي أنفقت على إنشاء المدن الجديدة، لكنها لم تؤدِ إلى تخفيف الضغط على القاهرة. وأخيرًا هو لا يرضي جميع العاملين في شتى أشكال الوزارات والإدارات والهيئات والمؤسسات العامة والخاصة؛ لما في القاهرة من أشكال حياة جيدة ونوعية متميزة وخدمات وتعليم وعلاج وترفيه … إلخ.

  • (٢)

    تقسيم القاهرة الكبرى إلى عدة محافظات بدلًا من محافظتين، بحيث تقتصر محافظة القاهرة على الأقسام الوسطى من باب الحديد إلى السيدة زينب ومن بولاق إلى الأزهر. وتتكون محافظة القاهرة الشمالية من أقسام تشمل: شبرا الخيمة وجميع أقسام وأحياء شبرا والشرابية والزاوية الحمراء، ويمكن تسميتها: محافظة شبرا. وتشمل محافظة القاهرة الجنوبية: المنطقة من مصر القديمة والخليفة إلى حلوان والتبين، ويمكن تسميتها: محافظة الفسطاط-حلوان أو الفسطاط فقط. وتشمل محافظة شمال شرق القاهرة الأقسام من العباسية إلى مدينة السلام المتمحورة حول طريق جسر السويس، ويمكن تسميتها محافظة «أوون»؛ وهو الاسم التاريخي لمدينة العلم في عين شمس في العصور الفرعونية، مثلها في ذلك مثل الأسماء التاريخية السابقة: القاهرة والفسطاط وشَبرا. أما محافظة شرق القاهرة فتشمل: مصر الجديدة ومدينة نصر ومنشأة ناصر والامتداد الشرقي إلى ما يسمى الآن: «القاهرة الجديدة» التي تصلح اسمًا لهذه المحافظة. وبالمثل تتكون محافظة الجيزة من محافظتين؛ هما: الجيزة التي تشمل المنطقة من النيل إلى الهرم، ومن المنيب إلى الأورمان، وتشمل محافظة إمبابة الأقسام من بولاق الدكرور إلى الوراق، ومن النيل غربًا إلى طريق الإسكندرية الصحراوي.

    وهذا الحل غرضه الأساسي ليس زيادة الوظائف بتعدد المحافظات، وإنما تمكين أجهزة كل من المحافظات المقترحة من حسن الإدارة والتفاعل مع واقع محدود المساحة ومتناسب السكان. فمحافظة القاهرة سوف تضم ثلاثة أرباع المليون شخص، وشبرا مليون وثلاثة أرباع المليون، والفسطاط مليون وثمانمائة ألف شخص، وأوون تصبح أكبر المحافظات عددًا بنحو مليونين وثلث المليون شخص، وتصبح محافظة القاهرة الجديدة أكبر المحافظات مساحة تحسبًا للامتدادات المدنية المستمرة حول الطريق الدائري في قطاعه الشرقي، لكنها حاليًّا تضم ٨٧٥ ألف شخص، وتضم محافظة الجيزة نحو المليون وإمبابة مليونًا وربع المليون.

    وليس من المعقول أن تتعامل محافظة القاهرة الحالية مع ثمانية ملايين شخص، وأن تتعامل محافظة الجيزة الحالية مع نحو مليونين ونصف المليون في مدينة الجيزة وحدها فضلًا عن سكان القرى والمدن في بقية أجزاء المحافظة. والمقصود بالتعامل هو حمل أعباء ومشكلات الحركة والانتقال، وتحسين الطرق وإمدادات الماء والكهرباء، وتحسين الخدمات التعليمية والرعاية الصحية، وتنمية المناطق السكنية المتقادمة، وإحلالها بخطوط تنظيم جديدة، واشتراطات بناء مناسبة، ومعالجة المواقف المتأزمة في الأحياء العشوائية، وما تثيره من مشكلات اجتماعية واقتصادية وصحية وأمنية.

  • (٣)

    الإبقاء على الأوضاع الحالية مع بعض التغيير في جاذبية التكدس والحركة والهجرة، وذلك باتباع وسيلة التخفيف الجزئي من الوزارات والإدارات، وتوزيعها على بعض المدن المصرية من أجل تنمية تلك المدن أيضًا، وهذا الحل يعتمد على تفكيك المركزية المكانية للقاهرة، وليس تخفيف المركزية المصرية المتشددة — وإن كنا نأمل في ذلك أيضًا — والكثير من دول العالم المتقدم تنتهج هذا النهج؛ لتخفيف الضغط السكاني، وضغوط الحركة عن العواصم بشكل نسبي. ففي ألمانيا على سبيل المثال: تتوزع الوزارات بين برلين: «الرئاسة، المستشارية، المجلسان النيابي والاتحادي، الخارجية، الداخلية، النقل … إلخ»، وفي بون: «وزارة الدفاع والصحة والبيئة والتعليم والبحوث إلخ»، البنك المركزي في فرانكفورت، والمحكمة الدستورية العليا، والمحكمة الاتحادية في كارلسروه، ومحكمة العمل في إرفورت، وهيئة المحاسبات في ميونخ … إلخ.

ويقتضي هذا المبدأ التنظيمي، إذا أقر، توزيع الإدارات على سبيل المثال على النحو الآتي:
  • القاهرة: تختص بمقار رئاسة الجمهورية، والمجالس التشريعية، ورئاسة الحكومة، وعدد من الوزارات كالداخلية والخارجية والاتصالات والتعليم والطيران والمحكمة الدستورية العليا والبنك المركزي.
  • ٦ أكتوبر: وزارة البحث العلمي، وزارة الإعلام.
  • الإسكندرية-برج العرب: الجمارك والنقل البحري والتجارة الخارجية والاقتصاد.
  • طنطا: النقل الحديدي والشئون الاجتماعية.
  • السادات: وزارة الزراعة والاستصلاح الزراعي.
  • المنصورة: وزارة العمل والجهاز المركزي للإحصاء.
  • المحلة: وزارة الصناعة.
  • السويس: وزارة البترول والمناجم.
  • أسيوط الجديدة: محكمة الجنايات العليا، وزارة العدل، مصلحة الشهر العقاري.
  • بني سويف الجديدة: الجهاز المركزي للمحاسبات، وزارة المالية، الضرائب.
  • الواسطة غرب — على الطريق الصحراوي للصعيد: وزارة الدفاع.
  • الأقصر: وزارة السياحة.
  • الغردقة: وزارة شئون البيئة.
  • أسوان: وزارة الطاقة الكهربائية، وزارة الري.

إن تركز الوزارات والإدارات في القاهرة كانت ضرورة تمليها مقتضيات القرب المكاني نتيجة شكل المواصلات والانتقال الماضية، ومع ضيق المكان المركزي للحكومة في لاظ أوغلي حدثت هجرة لبعض الوزارات المستجدة أو الوزارات التي تقسمت إلى مناطق بعيدة عن القلب الوزاري القديم في اتجاه العباسية ومدينة نصر وفي اتجاه إمبابة والجيزة، وهذه الهجرة في حد ذاتها مؤشر ودليل على إمكانية بعثرة الوزارات والإدارات على مسافات متباعدة، ومع ذلك لا تخل بالأداء الوظيفي المطلوب. واليوم، ونحن نملك وسائل اتصال لم تكن متوافرة من قبل، وعلى رأسها اتصالات شبكات الحاسب الآلي والبريد الإلكتروني والفاكس، أصبح بالإمكان عمل الوزارات عن بعد مثل الاستشعار عن بعد. فلا خوف إذن على المركزية وحسن الأداء.

على أن ذلك يقتضي تقنية جديدة في استخراج المعاملات بدلًا من ضرورة التوقيعات وخاتم النسر وحضور المستلم بنفسه، وسياحته بين المكاتب والطوابق والكثير من الدورة الورقية والبيروقراطية. لحل ذلك لا تجهز كل أجهزة الكمبيوتر بإصدار المعاملات، وإنما جهاز واحد في الإدارة هو الذي يصدرها، وعلى ورق به علامة مائية لشعار النسر، وبالتالي يمكن التحكم بنسبة عالية من الدقة في صحة هذه الإصدارات بدلًا من تلال القضايا في المحاكم المختلفة.

ويقتضي هذا أيضًا أن تكون للوزارات والإدارات في القاهرة والمدن الأخرى مكاتب اتصال متعددة على نسق مكاتب وزارة الخارجية وإدارات المرور وغيرهما المنتشرة في أنحاء القاهرة وعواصم المحافظات. يقدم الطالب طلبه، ويمكن أن يحصل على مبتغاه في مدة يوم أو أكثر حسب نوع الطلب، وما يقتضيه من إجراءات بحثية.

وأخيرًا يقتضي هذا برمجة الملفات، وتدريب الموظفين على هذا النوع من العمل الإلكتروني، والتدريب ليس عملية شاقة، ففي خلال نصف سنة أمكن للبنوك التعامل مع السحب والإيداع في أقل من دقيقة زمن. أما برمجة الملفات فهي العمل الأصعب، ولكن لا شك أن هناك برامج جاهزة كل منها يستوعب احتياج وزارة أو إدارة، مع تطويع للبرنامج حسب مواصفات العمل في وزارة أو هيئة أو إدارة.

وكل هذه أشياء ليست موجودة؛ بل هي قائمة تستخدمها وزارات عدة مثل الداخلية وأجهزتها كالجوازات والرقابة أو الري أو المحافظات فضلًا عن البنوك، وفي كل وزارة ومعهد وجامعة وحدة كمبيوتر على الأقل، وفي الكثير منها ما يسمى وحدة نظم المعلومات الجغرافية سواء بالاسم أو بالفعل.

ما أحوجنا إلى النظر مليًّا في هذه المقترحات التي هي عبارة عن مؤشرات إطار عمل للحكومة المصرية يمكن صقله وتعديله بواسطة المختصين من أجل:
  • (١)

    تواكب مقتضيات الأمور، وتوازن بين هيئات تستخدم تكنولوجيا الاتصال وهيئات أخرى تسير على نمط «كاتب الدوبيا» الذي كان سائدًا في القرن الماضي، وما زالت له ذيول في هيئات ووزارات مختلفة.

  • (٢)

    إحداث الخلخلة المطلوبة في التكدس الإداري والحكومي في القاهرة من ناحية، والمساعدة على تنمية المدن المصرية وخاصة الجديدة، بدلًا من وقوعها دائمًا في ظل الحكومة القاهرة في القاهرة.

١  الكثير مما يأتي تحت هذا العنوان سبق للمؤلف نشره في صيف ١٩٧١ بجريدة الأهرام، وفي العدد ٧ السنة الثامن، يوليو ١٩٧٢، من مجلة الطليعة التي كانت دار الأهرام تنشرها، وفي ندوات عدة منها ندوة في جمعية المهندسين المصرية عام ١٩٩٨.
٢  دلالة هذه الأرقام خطيرة؛ ففي جيل كامل (١٩٦٠–١٩٩٦) تضاعف عدد موظفي الحكومة بنسبة نحو ٣٥٠٪ بينما كانت الزيادة ٢٤٠٪ في قطاعات التجارة والمال والصناعة، والمعنى: أن الوظائف الحكومية تنمو بمعدلات أعلى بكثير من الأنشطة الأخرى، وهي علامة غير صحية.
٣  لوحظ في الثمانينيات في الولايات المتحدة هجرة معاكسة من المدن الكبيرة في الشمال إلى مدن أصغر في الوسط والغرب حتى لو كانت الرواتب والأجور أقل؛ وذلك هربًا من كثافة المدينة الكبيرة وازدحامها، وارتفاع تكلفة المعيشة، وإيجارات المساكن، وتكلفة الانتقال داخلها، وكثرة الجريمة بشتى أشكالها من الجريمة المعروفة إلى الجريمة الجنسية، فضلًا عن أن البيئة في المدن الصغيرة أفضل في جوانب كثيرة على رأسها الجوانب الصحية، ومن ثم يطلق على نطاق هذه المدن: مدن الشمس؛ إشارة إلى التمتع بأجواء صحية. ولا شك في أن الموظف القاهري سيجد الحياة أرخص وأكثر صحية وأمنًا حين ينتقل من القاهرة إلى مدن مصرية أخرى.
٤  محمد رياض ١٩٧٢ و١٩٨٥ و١٩٩٨.
٥  تعود هذه المقترحات إلى ما كتبته عامي ١٩٧١ و١٩٧٢؛ أي قبل إنشاء مدينة السادات الحالية في منطقة المكان الأول المقترح قرب النطرون.
٦  في السبعينيات — حين كتبت هذا الاقتراح — كانت هذه المنطقة فعلًا صحراوية، وكان مشروع مديرية التحرير يسير متعثرًا قرب فرع رشيد شمالي الخطاطبة، والآن تحولت المنطقة إلى مزارع فردية وتعاونية كثيرة بطول الطريق الصحراوي، فانتقلت بذلك الصيغة الصحراوية لأبعاد أقل من بضعة كيلومترات حول محور الطريق.
٧  مثل هذا البطء الشديد في الحركة يلاحظه ويمارسه كل من زار نيويورك من المصريين، وبخاصة الانتقال داخل مانهاتن وبروكلين.
٨  نشرت معظم المادة التالية تحت هذا العنوان في جريدة الأهرام — صفحة قضايا وآراء بتاريخ ١٦/ ٦/ ٢٠٠٠.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤