همسة
استقصاءات الطلاب
في نهاية اليوم، أُغْلِقُ الباب، متنهدةً، وأستمتع بهدوء بيتي الثاني: فصلي المدرسي. إنه أول أسبوع في الدراسة، ولم أَعْتَدْ بعدُ على التحدث والوقوف طوال اليوم؛ مما يجعلني أشعر بألم شديد في حلقي وقدميَّ. أسير بتثاقل إلى مكتبي، وأتهاوى على مقعدي منهارةَ القوى، وأبدأ في تقليب الاستقصاءات التي ملأها طلابي الجدد في الفصل.




لكي أقدم لطلابي ترشيحات القراءة الشخصية، أحتاج إلى معرفة خبراتهم السابقة وميولهم في القراءة، سواء داخل المدرسة أو خارجها؛ فأبحث بدقة في هذه الاستقصاءات عن أي معلومات من شأنها أن تشكل أساسًا لترشيحات الكتب التي أقدمها؛ فربما لا يتمكن الطلاب من وصف أنواع الكتب التي قد يحبون قراءتها، لكنني إذا كنت على علم بميولهم الشخصية، فسأتمكن من العثور على الكتب التي تناسب أي موضوع يستمتعون به.
أتجاهل أصوات إغلاق الخزانات الصادرة من الرواق، وأركز على ما تهمس به كلمات الطلاب في أذني. كيف يمكنني الوصول إلى كلٍّ منهم عن طريق الكتب؟ ما الكتب التي يمكنني ترشيحها لهم ومن شأنها أن تحضهم على قراءة المزيد؟ ما الأفكار الكاشفة التي يمكن أن أتوصل إليها من خلال الإجابات التي دَوَّنها هؤلاء الطلاب بالتزام بالغ؟ وبتذكر كل طفل من هؤلاء الأطفال في أثناء قراءتي للاستقصاءات، أحاول الربط بين ملاحظاتي المبدئية عنهم من جانب وتعليقاتهم المكتوبة من جانب آخر.
(١) كريستينا
كريستينا فتاة تشع حيوية، وذات شخصية بشوشة ومرحة، حتى شعرها المعقوص في ذيل حصان يتراقص بحيوية. إن كريستينا فتاة ذكية، لكنها تتعلم بالفعل إخفاء ذكائها مثلما تفعل كثيرات من الفتيات المراهقات. لاحظتُ أنها ليست شديدة الحماس للقراءة. وبفحص الاستقصاء الذي ملأته كريستينا، كنت أبحث عن علامات قد تساعدني في العثور على كتب تثير اهتمامها.
إن وصف كريستينا بالتعصب لكرة القدم لا يفيها حقها؛ فهي تضع الأرجنتين على رأس الدول التي تود زيارتها، والسبب في ذلك — مثلما أوضحت لاحقًا — هو أن الأرجنتين لديها فريق كرة قدم «مذهل»! ألاحظ أيضًا أنها تعتبر اللغة الإنجليزية المادة الأقل أفضلية لديها؛ لذا، من الواضح أن تعريف كريستينا على كتب ترتبط بحبها لكرة القدم سيكون خطوتي الأولى معها. فكرتُ للحظة، وتذكرت شرائي لكتاب «شاهد عيان: كرة القدم» خلال فصل الصيف لأن الكثير من طلابي العام الماضي عبَّروا عن اهتمامهم بهذه الرياضة. وعندما عثرت على هذا الكتاب، دوَّنتُ ملاحظة على ورقة ملاحظات لاصقة أسأل فيها كريستينا إن كانت تود أن تكون أول مَن يقرؤه. وبما أنها كانت في فصل الفترة الصباحية، توجهتُ إلى مكتبها ووضعت أمامها الكتاب والملاحظة فوقه.
(٢) راشيل
على الرغم من أن راشيل قد تحزم كتبًا في حقيبتها في رحلة إلى الفضاء تستغرق خمسة عشر عامًا، وتقضي وقتًا في القراءة مع أسرتها، فإنها تُصنِّف آداب اللغة على أنها المادة الأقل أفضلية لديها. وأتساءل عن السبب وراء ذلك؛ ربما تكون قارئة سرية فصلت بين حياتها الخاصة بصفتها قارئة وبين حياتها المدرسية. من خلال حديثي معها، عرفت أنها لم تكن تقرأ كثيرًا العام الماضي، وإذا تمكنت من دفعها لقراءة المزيد، فتأثيرها على أواصل هذه العملية لمدة ساعةالطلاب الآخرين يمكن أن يساعد في نشر أجواء التحمس للقراءة؛ لذا، أتوجه إلى مكتبة الفصل الموجودة بالجانب الآخر من القاعة، وأبدأ في جمع مجموعة من الكتب لتعاينها راشيل. التقطتُ كتبًا عن أطفال مثلها، أطفال يُخْفون من شخصياتهم الحقيقية أكثر مما يظهرون؛ مثل بول في رواية «تانجرين»، وبالمر في رواية «رينجر»، وبوبي وإيدي في رواية «المنبوذون»، والبطل الفاشل المفضل لدي، ألفريد كروب. جمعتُ عددًا كبيرًا من الكتب ووضعتها على مكتبها، أيضًا. يمكنها معاينتها في الغد واختيار الكتب التي تروق لها.
•••
أواصل هذه العملية لمدة ساعة؛ حيث أُفرِغ ملاحظاتي الحدسية عن الأطفال، وأقرأ الاستقصاءات وأعيد قراءتها، وأتجول جيئةً وذهابًا أمام صناديق الكتب في الفصل. أتناول الكتب واحدًا تلو الآخر، وأكدِّس الكتب على مكتب كل طالب من طلاب الفترة الصباحية، بينما أَصُفُّ أكوامًا من الكتب على الطاولة الموجودة خلف مكتبي مع وضع ملاحظات لاصقة عليها بأسماء المتلقين المعنيين، وذلك لطلاب المجموعة المسائية. وأواصل هذه العملية في اليوم التالي واليوم الذي يليه حتى أُعد أكوام كتب المعاينة أو أحدد عناوين كتبٍ للاختيار من بينها لجميع طلابي الستين الجدد. إن احتياجاتهم بوصفهم قرَّاءً — وأشخاصًا — تناديني من بين صفحات الاستقصاء، فأردُّ عليها هامسةً بالكتب.