الفصل الثالث

الوقت والمكان متاحان دائمًا

بغض النظر عن مدى انشغالك من وجهة نظرك، يجب أن تجد الوقتَ للقراءة، أو تستسلم للجهل الذي اخترته بنفسك.

آتوود إتش تاونسيند

أقرأ في الفصل؛ وهذا يدفعني للقراءة في أي مكان آخر.

مارلين

متربعةً في سريري، متلحِّفةً بالأغطية حتى ذقني، أقرأ رواية «أزرق وأسود» للكاتبة آنَّا كويندلين، وهي قصة سيدة تعاني من سوء معاملة زوجها. تتسم الرواية بجودة كتابتها وحبكتها الآسرة؛ مما يصعِّب عليَّ تركها. لكن قرعًا مزعجًا على الباب يقتلعني من كتابي، فأنطق بكلمتين مألوفتين لأحبائي «الفصل الأخير!» لم يختلف حالي الآن عن حالي منذ عشرين عامًا، لكن مع استبدال رواية كويندلين برواية إدجار لورانس دوكتورو التاريخية «راجتايم». فبغضِّ النظر عن أي مهام ينبغي عليَّ أداؤها — تصحيح الأوراق، أو طيِّ الملابس المغسولة، أو الرد على رسائل البريد الإلكتروني — يظل بداخلي دائمًا نازع يدفعني للرجوع إلى كتبي. تتأمل كويندلين في كتابها «كيف غيَّرَتِ القراءة حياتي» هوسَها طوال حياتها بالقراءة قائلةً: «الكتب هي الطائرة والقطار والطريق. إنها الوجهة والرحلة. إنها الموطن.» أعلم أن طريق حياتي تميزه لافتات بأسماء الكتب المحببة إلى قلبي، فكلٌّ منها يرمز إلى الشخصية التي كنت عليها في أثناء قراءتها، مشكلًا الشخصية التي أصبحت عليها. وقد يظن غير المتمرس أنني ضائعة بين كتبي، لكنني أعلم أنني أجد نفسي — أكثر مما أضيع — بين كتبي.

وهذا ما أريده لطلابي؛ أن يضيعوا ويجدوا أنفسهم في الكتب. فخلال أيامهم الممتلئة بممارسة كرة القدم والكشافة والواجبات المنزلية والأعمال الروتينية، لا يتبقى لهم سوى القليل من الوقت للقراءة؛ لذا لزم عليَّ أن أحرص على منحهم وقتًا للقراءة في الفصل كل يوم، ففي النهاية، إذا لم أمنحهم الوقت للقراءة في المدرسة، فما الذي سيدفعهم لتخصيص الوقت لها في حياتهم؟

لكن ما مقدار الوقت الذي نتحدث عنه هنا؟ تبدأ حصتي كل يوم بفترة مخصصة للقراءة المستقلة. في بداية العام الدراسي، يمكن ألا تزيد هذه الفترة عن خمس عشرة دقيقة؛ إذ أريد أن يعتاد الطلاب على روتين بدء الحصة على هذا النحو. وفي بداية العام الدراسي، قبل أن أبدأ اجتماعاتي المنتظمة مع الطلاب، أقوم أنا أيضًا بالقراءة؛ إذ يحتاج الطلاب أمامهم إلى نموذج يُحتذَى به في القراءة. وأريد أيضًا أن أوضح لهم أن وقت القراءة ليس فرصة للتحدث معي بشأن واجبهم المنزلي أو طلب الذهاب إلى قاعة الموسيقى. وهو ليس أيضًا وقت فراغ لأداء المهام الشخصية أو تنظيف المجلدات؛ وقت القراءة للقراءة. إنني أُقدِّر هذه التجربة كثيرًا؛ ما يجعلني أخصص لها وقتًا كل يوم، بغض النظر عن أي شيء آخر نفعله. ودائمًا ما أمزح مع طلابي قائلةً إنه إذا كان وقتُ الحصة عشرين دقيقة، فسوف نقضيها كلها في القراءة.

(١) وقت القراءة هو وقت مُستَغلٌّ جيدًا

أوضح لطلابي أن القراءة ليست إضافة للحصة المدرسية، وإنما هي حجر زاويتها؛ فالكتب التي نقرؤها وملاحظاتنا وتساؤلاتنا بشأن هذه الكتب تغذي عمليتي التعليم والتعلم في الفصل. في البداية، يكون وقت القراءة تكليفًا مني للطلاب؛ فهم يقرءون لأنني أمرتهم بذلك، فأنا أريد أن أغرس فيهم عادة القراءة يوميًّا. والقراءة — شأنها شأن غسل الأسنان — مسئولية يدرك طلابي أنني أنتظر منهم تحملها. بيد أن الوقت الذي يقضيه المرء في القراءة يؤدي إلى المزيد منها؛ فكلما قرأ طلابي أكثر وصاروا جماعة من القرَّاء، ازدادت رغبتهم في القراءة. ومع وصولنا لذروة النشاط في العام الدراسي، أخصص قدرًا أكبر قليلًا من الوقت كل يوم للقراءة المستقلة. وبحلول الربيع، يقضي الطلاب نحو ثلاثين دقيقة من حصة آداب اللغة التي تبلغ مدتها تسعين دقيقة في قراءة كتبهم المستقلة. لا يدرك طلابي حتى مقدار الوقت الذي يقضونه في القراءة كل يوم، لكنني أدرك جيدًا مدى تقديرهم للوقت الذي أمنحه لهم من أجل القراءة بسبب كل أصوات الاستياء والشكاوى التي أسمعها عندما أُعلنُ أن وقت القراءة قد انتهى، فأسمع كثيرًا مَن يقول: «سيدة ميلر، هل يمكننا تخصيص يوم لا نفعل فيه شيئًا طوال الحصة سوى القراءة؟» وقد حدث ذلك بالفعل في الربيع عندما غاب نصف طلاب الفصل لذهابهم إلى مسابقة للفرق الموسيقية!

القراءة في الفصل تجعلني أُكثِر من القراءة في المنزل وفي عطلات نهاية الأسبوع؛ لأن الكتاب الذي أقرؤه يأسرني بحيث لا يكون أمامي خيار سوى الانتهاء من قراءته.

مولي

مهما كان الوقت الذي يقضيه الطلاب في التلقِّي المباشر لتدريس القراءة، ومن دون إتاحة الوقت لهم لتطبيق ما يتعلمونه في سياقٍ عمليٍّ من القراءة الحقيقية، فلن يطوِّر الطلاب مطلقًا قدرتهم على القراءة. ومن دون قضاء فترات زمنية متزايدة الطول في القراءة، لن يطوِّروا أيضًا جَلَدَهم كقرَّاء. إن الطلاب بحاجة لوقت ليقرءوا، وبحاجة لوقتٍ كي يصبحوا قرَّاءً.

في كتاب ستيفن كراشين «قوة القراءة»، الذي يقدم فيه تحليلًا ما ورائيًّا لأبحاثه حول القراءة المستقلة التي أجراها على مدار الأعوام الأربعين الماضية، يكشف عن أنه ما من نشاط تعليمي آخر له أثر أكثر إيجابية على فهم الطلاب ومعرفتهم بالمفردات والهجاء والقدرة على الكتابة والتحصيل الأكاديمي العام من القراءة الحرة الطوعية. ومن خلال ملء اليوم التعليمي بالتدريبات المعتمدة على الحفظ، مثل قوائم الهجاء والمفردات الأسبوعية واختباراتها، وتدريبات النحو في كتب التدريبات، وتكليفات قياس الفهم المنخفضة المستوى — وهي أشياء لها جميعًا أثر ضعيف للغاية، بل وسلبي في كثير من الأحيان، على تحصيل الطلاب — يؤكد كراشين على أننا نحرم الطلاب من حقهم في أداء النشاط الوحيد الذي ثَبَت مرارًا وتكرارًا أنه يَزيد من اكتسابهم للغة وبراعتهم في التواصل؛ وهو القراءة الحرة الطوعية، مجددًا. لقد لاحظت أن طلابي على الأغلب يستكملون في المنزل قراءة الكتب التي بدءوها في المدرسة. كذلك تُحرِّر القراءة الحرة القرَّاءَ السريِّين من قيودهم، فتُعْفيهم من التبديل بين كتاب المدرسة وكتابهم الخاص.

أعتقد أن التزامنا بالقراءة كل يوم في الفصل أمر رائع. وأحيانًا، يكون أفضل جزء من يومي هو القراءة لمدة نصف ساعة.

بيثاني

لا يمكن أن يظل السؤال الذي نطرحه هو: «كيف يمكننا تخصيص وقت للقراءة المستقلة؟» وإنما يجب أن يكون: «كيف لا يمكننا فعل ذلك؟» منذ أن جعلت القراءة المستقلة جوهر برنامج القراءة في فصلي المدرسي، شهدت زيادة في تحصيل الطلاب، فضلًا عن ارتفاع حادٍّ في مستوى الحماس والالتزام لديهم؛ فالطلاب أمثال كيلسي ممن اعتادوا الرسوب في تقييمات الولاية، صاروا ينجحون فيها بعد عامٍ من القراءة المكثفة. والطلاب، الذين لم يسبق لهم قراءة أي كتب أخرى غير العدد القليل من الكتب المفروضة عليهم في الفصل المدرسي، باتوا يقرءون كتابًا تلو الآخر. وإذا تساءلنا عن آثار القراءة المكثفة، فسنجد أن تحسُّن الكتابة، وثراء المفردات، وزيادة المعرفة العامة في الدراسات الاجتماعية والعلوم؛ هي نتائج طبيعية لقراءات طلابي المكثفة.

أحاول استغلال أي فرصة تُتاح لي للقراءة في المدرسة؛ لأن المدرسة في الغالب تكون مملة للغاية. وعندما أقرأ في الفصل، فإن ذلك يملأ ذلك الفراغ الصغير الذي أشعر به في قلبي (إنني أمزح)!

جون

حتى إن كان التدريس التقليدي قادرًا على تقديم مكاسب مكافئة، فإن تحسُّن موقف الطلاب تجاه القراءة يُعَد سببًا كافيًا لتخصيص وقت كبير للقراءة المستقلة. يعود طلابي السابقون إليَّ ويقولون لي إن الوقت المخصص لقراءة كتبهم الخاصة في الفصل يكاد يكون معدومًا في المدرسة الإعدادية والثانوية. لماذا لا نمنح الطلاب مزيدًا من الوقت للقراءة المستقلة في الفصل؟ أسمع كثيرين من المعلمين يقولون إنه ليس باستطاعتهم تخصيص وقت قراءة للطلاب لأن هناك محتوًى كبيرًا ينبغي على هؤلاء المعلمين تغطيته، لكنْ ما الغاية من ذلك المحتوى؟ بالنظر لأن أثر القراءة على تحصيل الطلاب يفوق أثر أي نشاط آخر في المدرسة، فإن تخصيص الوقت للقراءة يجب أن يكون أول نشاط نسجله — نحن المعلمين — في خطط الدروس الخاصة بنا، وليس الأخير. ثمة قول شائع بأن الإنسان يخصص الوقت للشيء الذي يقدِّره، فإذا كنا نُقدِّر القراءة، فلا بد أن نوجِد الوقت لها.

(٢) اختلاس لحظات للقراءة

قرِّرْ أن تدفع نفسك للقراءة قليلًا كل يوم، حتى وإن كانت جملة واحدة، وإذا غنمت خمس عشرة دقيقة يوميًّا من القراءة، فستشعر بأثر ذلك في نهاية العام.

هوراس مان

قد يبدو تخصيص جزء كبير من العملية التعليمية للقراءة المستقلة أمرًا مستحيلًا في ظل عالم الاختبارات البالغة الأهمية القائم على المعايير الذي نحيا فيه اليوم، لكن الأمر ليس مستحيلًا؛ فحتى إذا كنت مضطرًّا لاتِّباع برنامج مفروض من المنطقة التعليمية أو المدرسة ويتضمن أنشطة تلقينية مُخطَّطًا لها ومنهجًا موحَّدًا، يمكنك إيجاد الوقت للقراءة المستقلة. بفضل ناظر مدرستي الثاقب الفكر، أحظى بدعم لإعداد دروس مادتِي بالكامل بناءً على القراءة المستقلة، لكني أعرف أن المعلمين الآخرين قد لا يتمتعون بهذه الحرية. رغم ذلك، ثمة أساليب مبتكرة لاستخلاص وقت إضافي للقراءة من أجل طلابك — حتى وإن كنت تتبع برنامجًا روتينيًّا صارمًا — وذلك عن طريق استغلال لحظات اليوم الدراسي التقليدي إلى أقصى حدٍّ ممكن.

(٢-١) المقاطعات في الفصل المدرسي

أتولى تدريس حصتين مزدوجتين لمادتَي آداب اللغة والدراسات الاجتماعية كل يوم؛ حيث تبلغ الفترة التعليمية لكل مادة ساعتين وثلاثين دقيقة. ولقد تتبعت مؤخرًا المقاطعات التي تتخلل الوقت التعليمي في فصلِي المدرسي على مدار أسبوع واحد، فسجلت أربع عشرة زيارة من موظفي المكتب المدرسي لتوصيل رسائل، ووجبات غداء منسية، وملاحظات يلزم نقلها للمنزل، بالإضافة إلى تسع مكالمات هاتفية من أعضاء آخرين في هيئة التدريس، ومناقشتَين في الرواق حول سلوك الطلاب، واجتماع غير مخطط له مع أحد أولياء الأمور. وإجمالًا، خسرت أنا وطلابي أربعين دقيقة من الوقت التعليمي في ذلك الأسبوع، وذلك في مدرسة تبذل جهدًا للحدِّ من المقاطعات في أثناء اليوم الدراسي. وهذه القائمة لا تختلف كثيرًا لدى معظم المعلمين؛ فلا شك أنك على علم بمشتتات الذهن هذه، ففي كل مرة تحدث فيها هذه المقاطعات، ينبغي علينا التوقف عن التدريس، ثم العودة مرة أخرى لكي نستأنف من حيث توقفنا. إن المشكلة الكبرى التي تَحُول دون الحد من المقاطعات التي تتخلل الفصل المدرسي هي مشكلة متعلقة بالنظام، لكن تعويض الوقت الضائع مع الطلاب في متناول المعلم.

خلال السنوات القليلة الأولى من اشتغالي بمهنة التدريس، لم يكن هناك ما يثير قلقي مثلما يفعل رنين الهاتف في الفصل أو النقر على الباب؛ فأنا لا أفقد حبل أفكاري فحسب، وإنما يصعب عليَّ أيضًا جذب اهتمام الطلاب عندما يتعين علينا التوقف ثم البدء من جديد. هذا فضلًا عن أنني كنت أجاهد خلال هذه المقاطعات لأوزع انتباهي ما بين الزائر والطلاب الذين قد يستغلون الموقف لإساءة التصرف؛ فالحفاظ على سيطرتي على الفصل في أثناء المقاطعات يتطلب أن تكون توقعاتي بشأن سلوك الطلاب واضحة، بحيث يعرف الطلاب ما ينبغي عليهم فعله في هذه الحالات. خلال الأسابيع الأولى من الدراسة، يتدرب طلابي على إخراج كتبهم عند حدوث مقاطعات في الفصل. أبدأ بحثِّ طلابي على القراءة عند مقاطعة الحصة، لكن مع تقدم العام الدراسي، يستوعب الطلاب هذا الإجراء، كعادةٍ في البداية، لكنه يتحول في النهاية إلى رغبة لاختلاس مزيد من الوقت للقراءة؛ فصارت الكتب تنادي عليهم أيضًا طوال الوقت.

(٢-٢) التدريبات التذكيرية والإحمائية

عندما أقيِّم ممارسة تعليمية، أسأل نفسي أولًا: «ما الغاية التي يخدمها هذا النشاط؟» فمهما كان النشاط حماسيًّا أو ممتعًا أو فعالًا في الفصول المدرسية، يكن هدفي الشامل هو زيادة قدرة الطلاب على القراءة. وأي مسعًى لا يحقق هذا الهدف المحدد أستبعده تمامًا.

لقد اعتدت — شأني شأن كثيرٍ من المعلمين — إعداد الواجبات مثل تمرينات التحرير أو التدريبات على الكتابة، وعرضها باستخدام جهاز عرض الشرائح العلوي على طلابي لكي ينجزوها عند دخولهم الفصل. ظاهريًّا، صُمِّمَت هذه التدريبات لدمج الطلاب في نوع من تعليم القدرة على القراءة والكتابة أو في ممارستها، لكننا نعرف جميعًا الهدف الحقيقي من التدريبات التذكيرية أو الإحمائية، وهو إبقاء الطلاب على مقاعدهم ليعملوا في هدوء في أسرع وقت ممكن. ومن خلال تقييمي لهذه التدريبات بعين ناقدة، أدركتُ أن كل نشاط لا يتعلق بالقراءة يُضيِّع دقائقَ ثمينةً من وقت القراءة يوميًّا.

وإذا ألقينا نظرة على أحد الدروس الإحمائية المعتادة بالفصول المدرسية، فسنجد أن الطلاب يُطالَبون بالبحث عن الأخطاء النحوية وأخطاء علامات الترقيم في جملة مكتوبة. قد يستغرق تصحيح هذه الجملة خمس دقائق، وقد تستغرق مناقشة التصحيحات مع الطلاب وتقديم التغذية الراجعة عليها عشر دقائق أخرى. وبوضعنا في الاعتبار ضآلة الفائدة الفعلية التي تعود على مهارة الكتابة لدى الطلاب من هذا التعليم المباشر للقواعد النحوية (آلسوب وبوش، ٢٠٠٣؛ وتوماس وتشودي، ١٩٩٩؛ وويفر، ١٩٩٦)، سنجد أنه من الأفضل قضاء هذه الدقائق الخمس عشرة في القراءة، وهي النشاط الذي ثَبَت أنه يحسِّن مهارات الكتابة والنحو لدى الطلاب (إيلي، ١٩٩١، اقتباس في كتاب كراشين، ٢٠٠٤).

ومع ازدياد أهمية الوقت التعليمي في كل فصل مدرسي، لا يمكننا تحمل تكلفة إهدار أي لحظة منه. وقد أكدت الأبحاث على أن القراءة المستقلة هي أفضل استغلال للوقت. يأتي الطلاب إلى فصلِي كل يوم، ويُخرجون كتبهم، ويشرعون في القراءة؛ فلا يعملون في هدوء فحسب (الهدف الضمني لكل التدريبات الإحمائية)، وإنما ينهمكون أيضًا في نشاط إنتاجي يحسِّن من أدائهم في القراءة. ومقدار الوقت الذي أوفره عن طريق عدم الاضطرار للتخطيط للأنشطة الإحمائية غير الفعالة وتقييمها يزيد من فائدة هذا النشاط الإنتاجي.

لا أقصد هنا التحقير من شأن التدريبات التي قد تستخدمونها كأساليب تمهيدية في الفصل؛ فبعضها قد يحمل قيمة تعليمية بالفعل، لكنني أتحداكم أن تجدوا أي شيء أكثر تأثيرًا على التحصيل في القراءة من القراءة المستقلة.

نحن المعلمين لدينا ما يكفي من شهادات على أن الطلاب الأكثر ممارسة للقراءة هم الأفضل في الهجاء والكتابة والتفكير؛ فما من نشاط يحمل قيمة تعليمية أكثر من القراءة. أما عن الميزة الإضافية التي سنتمتع بها بوصفنا معلمين، فقد توصلتُ إلى أن القراءة المستقلة تمثِّل أحد أكثر الممارسات التعليمية سهولة في التخطيط والصياغة والتنفيذ.

(٢-٣) ما يفعله الطلاب عند الانتهاء من مهامهم

يتسم طلابي في الصف السادس بغرابة سلوكهم؛ فهم يودِّعون مرحلة الطفولة ويقفون على أعتاب مرحلة المراهقة. لا يزالون يحبون المعلمين، وإن كانوا لا يحبون إظهار ذلك، ويتلهف العديد منهم دائمًا لمساعدتي في فرز الأوراق، أو أداء المهام، أو تنظيف السبورة عند انتهائهم من عملهم في الفصل لذلك اليوم. وقبل أن أملأ كل لحظة مختلسة بالقراءة المكثفة، كان الطلاب يسألونني إن كان بإمكانهم الرسم أو أداء الواجب المنزلي لمواد أخرى عند انتهائهم من تكاليفهم الخاصة بحصتي، ويكون هناك دائمًا بضعة طلاب يشوشون على زملائهم عند انتهائهم من تكاليفهم؛ فكان حديثهم وتجولهم في الفصل يشتت انتباه الطلاب الذين لا يزالون يعملون على تكاليفهم، ويشتتون انتباهي أنا أيضًا بينما أحاول مساعدة الآخرين. لكن منذ أن أعدتُ إعداد الحصة بحيث يستغل الطلاب كل دقيقة من وقت فراغهم في القراءة المستقلة، تَوقَّف هذا التشويش. السؤال هو: ما الذي ينبغي على الطلاب فعله عند انتهائهم من جميع مهامهم في الحصة؟ والإجابة هي أنَّ تعلُّم الطلاب — أي القراءة والكتابة والتفكير — يجب أن يستمر بدءًا من جرس بداية الحصة حتى جرس انتهائها؛ فبينما نندد — نحن المعلمين — بنقص الوقت المخصص للتدريس، يبدو أننا نهدر قدرًا كبيرًا من هذا الوقت في مهام الفصل المدرسي والأعمال التي لا طائل منها.

من الممارسات الشائعة في كثيرٍ من الفصول المدرسية تجميع ملفات ممتلئة بالتدريبات وأوراق التمرينات الإضافية واستخدامها؛ وهي تدريبات مصممة لشَغْل أوقات الطلاب الذين ينتهون من مهام الفصل سريعًا. ولقد استخدمتُ هذه الملفات بدوري في بداية عملي في التدريس؛ إذ كانت تسيطر على ذهني آنذاك فكرةُ فِعل ما يفعله الجميع من حولي. لم تكن تلك الملفات المسلية المخصصة للطلاب الذين يفرغون من تكاليفهم سريعًا تنطوي إلا على قيمة تعليمية ضئيلة باستثناء التكرار والممارسة، شأنها شأن التدريبات الإحمائية، بل كان تخطيطها ووضعها يستغرقان ساعات. لكن عندما سألني طلابي إن كان بإمكانهم قراءة كتبهم بدلًا من أداء التكليفات الموجودة في الملفات، أدركتُ الرسالة.

وعندما فحصت هذه الملفات بدقة أكبر، اتضح لي السبب وراء كونها أنشطة مضيِّعة للوقت، وعملًا غير مثمر؛ وفي بعض الأحيان، تكون عقابًا أيضًا للطلاب ذوي القدرات العالية. يكره الطلاب ملفات أوراق التدريبات هذه التي من المفترض أن تكون ممتعة. وقد اكتشف زوجي — الذي كان يَعتبر نفسه طالبًا كسولًا في المدرسة — أنه عندما كان ينهي واجباته قبل الطلاب الآخرين، كانت المكافأة التي يحصل عليها هي المزيد من العمل. فبدأ يتباطأ شيئًا فشيئًا في عمله، ويتلكأ في أداء الواجبات التي يمكنه إنهاؤها بسهولة لكي يتجنب أي عمل إضافي. وأنا بالتأكيد أرفض أي نشاط يعزز تدنِّي مستوى التحصيل لدى طلابي! لذلك، تخلصت من هذه الملفات، وبدأ طلابي في القراءة. تساعد القراءةُ المكثفةُ الطلابَ في تحقيق أهداف القراءة الخاصة بالمادة، وتشغلهم في نشاط ممتع يساهم في تحصيلهم الأكاديمي، وتمنحني الوقت اللازم للعمل مع الطلاب الذين قد يحتاجون لمساعدتي، وتقلل إلى أقصى حد ممكن من مشكلات السلوك الناجمة عن عدم انشغال الطلاب في مهام مدرسية. يمكنني أن أعرف أن طلابي قد فرغوا من أداء مهامهم عن طريق الاستماع إليهم، ليس بسبب ارتفاع الأصوات والضوضاء في الفصل، وإنما لتخييم الهدوء عليه بسبب انشغال كل طالب بالقراءة.

خلال اجتماع على مستوى المنطقة التعليمية كنت قد حضرته مؤخرًا لمناقشة كتابة المناهج، عبَّرَت لي إحدى الزميلات عن قلقها عندما أخبرتها بعدم تخطيطي لأنشطة إضافية ينجزها طلابي عند انتهائهم من عملهم بالفصل، قائلةً: «ألا تقلقين من أن يسرعوا في إنجاز التكليفات المطلوبة منهم ليعودوا إلى كتبهم؟» وانتظرتُ لحظةً مستمتعةً بتعبير الصدمة الذي ارتسم على وجهها، ثم أجبتها قائلة: «يا إلهي، كم أتمنى أن يفعلوا ذلك!»

عند التفكير في عادات القرَّاء المداومين على القراءة طوال حياتهم، يتضح أن هذا الوقت المخصص للقراءة يتفق مع ما يفعلونه على أي حال؛ فما الذي يفعله القرَّاء البالغون عندما ينتهون من عملهم اليومي؟ إنهم يكافئون أنفسهم بالاستلقاء في ارتياح برفقة كتبهم.

(٢-٤) يوم التقاط الصور

وحدهم العاملون في المدارس يمكنهم إدراك مدى أهمية يوم التقاط الصور؛ حيث تتأنق فتيات الصف السادس في هذا اليوم في كنزات، بشعرهن متموجًا، مرتديات أحذية عالية الكعب لا يخلعنها إلا قبل دخولهن قاعة الألعاب الرياضية. أما الصِّبية، فيغلقون أزرار القمصان (التي تغطي الفانلات التي يرتدونها عادةً)، ويضعون كميات خطيرة من الجيل على شعورهم للحفاظ على ثبات الخصلات المصففة لأعلى. إن الانتهاء من تصوير ٨٥٠ طالبًا وطالبة في أقل من ثلاث ساعات يُعَد معجزة من معجزات الآلية التعليمية. ربما يحب طلابي حصتي، لكن الهروب منها للوقوف في طابور وتبادل أطراف الحديث مع أصدقائهم لمدة ثلاثين دقيقة يمثل عاملَ جذبٍ قويًّا لهم. في الماضي، كنت أقضي معظم الوقت في يوم التقاط الصور في التجوال جيئة وذهابًا بمحاذاة الطابور، مراقبةً سلوكيات الطلاب ومحاولةً إسكاتهم. وكان الطلاب الذين ينتهون من التصوير ويقفون في انتظار بقية الفصل هم الأكثر إثارةً للضوضاء. لم يقتصر الأمر آنذاك على شعوري بالإحباط بسبب سلوك طلابي، وإنما كنت أشعر بالضيق أيضًا لإهدار وقت الحصة.

ومرة أخرى، قَدَّمَت عاداتُ القرَّاء في فصلي وخبرتي المتمثلة في اصطحابي كتابًا في كل مكان أذهب إليه الحلَّ لهذه المشكلة. وأدركت الأمر في أحد أيام التقاط الصور عندما وجدت نفسي أحمل ثلاثة كتب لبعضٍ من طلابي القرَّاء النهمين، بينما ذهبوا لالتقاط صورهم؛ ومن ثم، أصبحنا الآن نصطحب كتبنا في يوم التقاط الصور مستغلين وقت الانتظار كوقت للقراءة. أحمل كتب الطلاب في سلة بينما تُلتَقَط لهم الصور، ثم يأخذونها مني، ويجلسون قبالة الحائط، ويقرءون في أثناء انتظارهم بقية الفصل. وفي أحد الأعوام، كان طلابي معتادين تمامًا على حمل كتبهم معهم في يوم التقاط الصور، بل وأصروا كذلك على أن تُلتَقَط لهم صورة الكتاب السنوي للفصل في ذلك الربيع وهم ممسكون بكتبهم.

أعلم أنه كلما ازداد مقدار الوقت الذي يقضيه الطلاب في القراءة كل يوم، ازداد ترسُّخ القراءة بداخلهم كعادة يومية. وإدراكًا مني لنجاح جهودي في استخلاص المزيد من الوقت للقراءة لطلابي، أبحث دائمًا عن فرص أخرى لهم للقراءة في أثناء الأوقات غير المُخطَّط لها. على مدار العام الدراسي، يُهدَر من الوقت ما لا حصر له في انتظار الاجتماعات وركوب الحافلات والوقوف في الطوابير؛ لذا، فقد انتزعتُ هذا الوقت غير المُخطَّط له لكي يمضيه طلابي في القراءة. ومن ثم صار السلوك السيئ الذي تشهده هذه الأوقات شبه منعدم، وأصبح طلابي يقضون وقتًا طويلًا في القراءة كانوا يقضونه من قبل في التحدث أو الوقوع في المشكلات أو الوقوف شاعرين بالملل (انظر الشكل ٣-١). لعلِّي أضيف هنا أيضًا أن الطلاب المحترفي المماطلة أثناء وقت القراءة في الفصل لا يمكنهم إخفاء حقيقة عدم قراءتهم عندما تكون هذه القراءة نشاطًا عامًّا في الفصل على مدار اليوم الدراسي. هكذا، حين يكون جميع طلاب الفصل جالسين قبالة الحائط يقرءون في أثناء انتظارهم التقاط الصور، بينما لا يفعل عدد قليل منهم ذلك، سرعان ما يصبح الأمر واضحًا. ومن خلال فرض التوقع بأن تكون القراءة ما نفعله دائمًا في أي مكان، تصبح القراءة جوهر ثقافة الفصل. وحتى أكثر القراء عزوفًا لا يمكنهم المقاومة إذا امتثل لها جميع أصدقائهم.

(٢-٥) وقت المكتبة

المكتبات! يا إلهي، كم أحبها! تلك الصفوف المتراصَّة من الكتب القابعة في انتظاري، والكراسي المريحة التي تغريني بالجلوس عليها طويلًا والانغماس في القراءة. تقدِّم المكتباتُ المليئةُ بما تسميه فيرجينيا وولف «الكنوز الخفية» ثروةً لأي قارئ. ومن أعظم الأمور التي تشعرني بالسعادة ذهابي للعمل كل يوم في مبنًى يضم مكتبة.

fig5
شكل ٣-١: طالبات يقرأن في أثناء انتظارهن وصول حافلة الرحلة الميدانية.

وعلى الرغم من وجود مكتبة كبيرة في الفصل المدرسي تضم ما يزيد عن ألفَي كتاب، فإنني أصرُّ على اصطحاب طلابي إلى مكتبة المدرسة بانتظام، مرة كل أسبوعين على الأقل، إن لم يكن أكثر من ذلك؛ فجزء من التمتع بشخصية القارئ هو تعلم كيفية التجوُّل في المكتبة والشعور بالراحة كما لو كان المرء في بيته. يمثِّل تأمل مجموعات الكتب مع طلابي فرصة عظيمة لأوضح لهم كيفية العثور على الكتب، ولأعرِّفهم على مجموعة أضخمَ منها، ولأعلِّمهم آداب زيارة المكتبات.

أطلقت عليَّ كيم جاردنر، أمينة المكتبة صديقتي، اسم «زمَّار هاملين» عندما شاهدت صف الطلاب الذي يتبعني في أنحاء المكتبة؛ فقد رأت كيف كان الطلاب مسلوبي الألباب بينما كنا نلقي النظر على الكتب ونختارها معًا. ومع ذلك، ليس دائمًا ما يأتي الطلاب إلى فصلي مكتسبين بالفعل مهارات تركيز الجهود على البحث عن الكتب والقراءة في أثناء زيارات المكتبة؛ فهذه السلوكيات يجب أن تُجسَّد وتُدَرَّس لهم بوضوح. يَنظر الكثير من الطلاب لزيارة المكتبة على أنها فرصة أخرى لاكتساب بعض وقت الفراغ أو للتسكع مع أصدقائهم والتجمع في مجموعات للدردشة تحت ستار البحث عن الكتب. ولا ينبغي أن يقضي المعلمون أو أمناء المكتبات وقت زيارات الفصول المدرسية للمكتبة في مراقبة سلوك الطلاب، وإنما يُستَحسَن استغلال هذا الوقت في مساعدة الطلاب على العثور على كتب ليقرءوها. ولا ينبغي كذلك الاعتقاد بأن وقت المكتبة هو وقت فراغ غير مُخطَّط له من جانب الطلاب، أو وقت تعليمي ضائع من جانب المعلمين، وهو الأمر الأسوأ؛ فأنا أعرف معلمين في المدرسة الإعدادية لا يأخذون طلابهم إلى المكتبة لأنها في نظرهم «مضيعة لوقت الفصل». لكن إذا تمحور التركيز في زيارات المكتبة حول اختيار الكتب واختلاس الوقت لقراءتها، فلن تكون هناك حاجة للصياح في وجه الطلاب للبحث عن الكتب أو لإسكاتهم. إن الطلاب يرتقون لمستوى توقعات معلمهم؛ لذا وضِّحْ توقعاتك لسلوكياتهم خلال زيارات المكتبة.

وضع الأهداف لاستخدام المكتبة

إن وضع الأهداف المتعلقة بالقراءة واختيار الكتب عند ذهاب طلابي إلى المكتبة يحدث في أول زيارة لنا إلى هناك. ويبدأ تمثيلي دور القدوة بإظهاري الحماس مع اقتراب أول يوم زيارة للمكتبة؛ فأبدأ بإخبار الطلاب أننا سنذهب للمكتبة قبل الموعد بعدة أيام، وأتخيل معهم الكتب الرائعة التي سيجدونها هناك، وأنشر أيام زيارة المكتبة على الموقع الإلكتروني الخاص بفصلنا، وأودُّ من ذلك أن يدرك الطلاب اعتقادي بأن أيام زيارة المكتبة حدث ينبغي ترقبه. وفي اليوم المنتظر، أطلب دائمًا من الطلاب تذكيري قبل الموعد المحدد لزيارة المكتبة ببضع دقائق كي نتمكن من الاصطفاف والذهاب إلى هناك عاجلًا.

وعندما نصطف للذهاب للمكتبة، لا بد أن يكون لدى كل طالب كتاب ليعيده إلى المكتبة، أو ليجدد استعارته، أو ليقرأه؛ وإن لم يكن، فعليه أن يخطط للحصول على كتاب من المكتبة. ونظرًا لأن المصدر الرئيسي للكتب لدى طلابي هو مكتبة الفصل، فقد يجلب الطلاب معهم الكتب إلى المكتبة في حالة عدم رغبتهم في البحث عن كتاب آخر في مكتبة المدرسة. وإذا لم يكن الطلاب يحملون كتابًا، فسيقضون وقتهم في المكتبة في البحث عن كتاب. والهدف هو أن يخرج كل طالب من المكتبة حاملًا كتابًا للقراءة. ويمزح معي طلابي بصياحهم «هذا ليس عدلًا» عندما يدركون أنني أقوم بزيارتين للمكتبة في اليوم الواحد بسبب تدريسي مادتين.

عند وصولنا إلى المكتبة، يكون لدى جميع الطلاب أهداف خاصة بهم. فإذا كانوا سيتفقدون الكتب، يبدءون مباشرةً في البحث، والطلاب الذين لن يتفقدوا الكتب يتوجهون إلى أركان هادئة ويقرءون؛ ما من أحد يجلس فحسب، ما من تجمعات، ما من أحد يتحدث؛ وإن كانت هناك مجموعة من الطلاب تتبعني عادةً يتحدثون معي في أثناء تجوُّلنا بين صفوف الكتب، للبحث عنها وجمعها؛ فأقضي وقت الزيارة بالكامل في مساعدة الطلاب على تحديد أماكن الكتب، لكنني لا أستطيع التحكم في شعوري بالإثارة عندما أعثر على كنوز أود قراءتها بدوري. يغار الطلاب من المزايا التي يتمتع بها المعلمون فيما يتعلق باستخدام المكتبة — ما من غرامات أو تواريخ لإعادة الكتب المستعارة، بالإضافة إلى العدد غير المحدود من الاستعارات — وهي المزايا التي أستغلها بالكامل.

ونظرًا لأنني أعمل مع الطلاب على إيجاد الكتب وأقلِّص السلوكيات الناجمة عن عدم انخراط الطلاب في المهام المدرسية المكلفين بها داخل المكتبة، تُتاح الفرصة لأمين المكتبة لتسجيل استعارة الكتب ومساعدة الطلاب الذين يحتاجون للمساعدة في البحث في كتالوج المكتبة على الإنترنت. وعندما يكون لدى كل طالب كتاب ليقرأه، نجلس جميعًا ونقرأ حتى ينتهي وقت المكتبة أو نترك المكتبة ونعود إلى الفصل لنستكمل القراءة هناك.

(٢-٦) كم من الوقت نخصص للقراءة، حقًّا؟

بحساب جميع الدقائق التي أتمكن من جمعها في أسبوع الدراسة العادي، كم من وقت القراءة أتمكن من توفيره حقًّا لطلابي؟ من خلال إحلال وقت القراءة محل التدريبات الإحمائية، واختلاس أكبر قدر ممكن من الوقت الضائع، أتوصل من خلال حساباتي إلى أنني أكتسب لطلابي فترة تتراوح ما بين عشرين إلى ثلاثين دقيقة للقراءة يوميًّا. ويوصي التقرير المعياري لِلَجنة القراءة، الذي يحمل عنوان «لكي نصبح أمة تقرأ»، بأن ينخرط الطلاب في القراءة الصامتة المتواصلة لمدة ساعتين أسبوعيًّا (آندرسن وهيبرت وسكوت وويلكنسن، ١٩٨٥). يمكنك تخصيص ساعتين للقراءة أسبوعيًّا لطلابك بسهولة ومن دون التضحية بأي جزء من الوقت التعليمي. وإذا كنت راغبًا أيضًا في تخصيص جزء من وقت الفصل للقراءة المستقلة؛ يمكن أن يصل عدد الساعات التي يقضيها طلابك في القراءة إلى أربع ساعات أسبوعيًّا «في المدرسة».

لقد صار طلابي الآن يختلسون الوقت للقراءة بأنفسهم، وذلك باستغلال الوقت الضائع وسط روتينهم اليومي للقراءة؛ فيقرأ بول في محطة الحافلات في الصباح، بينما يقرأ دانيال في أثناء انتظار والدته لتقلَّه إلى البيت بعد اليوم المدرسي، أما أليكس فيقرأ في وقت الغداء، بينما تقرأ ماديسون في فترة الراحة وهي تجلس تحت شجرة. بمجرد أن يكتسب الطلاب عادة القراءة، سوف يفعلون أقصى ما بوسعهم لإيجاد الوقت للقراءة.

بينما كنت أُلقي التحية على طلابي في الرواق ذات صباح، ركضت مولي نحوي لاهثةً لتخبرني بأسلوب مبتكر تمكَّنَت من خلاله من مواصلة قراءة آخر كتاب ألغاز وتشويق عمدت لقراءته، وهو كتاب «قبر الشبح» بقلم بيج كيريت، فقالت لي: «سيدة ميلر! لقد كان لكِ تأثير عظيم عليَّ؛ ففي الليلة الماضية، قرأت وأنا أستحم!»

سألتُها مستمتعةً بما تقوله: «كيف تمكَّنت من القراءة في أثناء الاستحمام مع الحفاظ على الكتاب جافًّا؟»

تجمَّع طلاب آخرون حولنا، لا ليشاهدوا مولي المهووسة بالقراءة، وإنما ليستمعوا إلى نصيحتها كي يتمكنوا من تطبيقها بأنفسهم. قالت مولي: «كنت قد قاربت على الانتهاء من الكتاب عندما أخذتْ أمي تناديني لأستحم، فمددت ذراعي إلى خارج حوض الاستحمام إلى أبعد مسافة تمكنت من الوصول إليها لأواصل القراءة.»

واقترح طالب آخر: «أعتقد أنه كان بإمكانك وضع كيس بلاستيكي فوق الكتاب لحمايته وأنتِ تقرئينه في أثناء الاستحمام!»

على الرغم من رفضي التوصية بقراءة الكتب في أثناء الاستحمام؛ حفاظًا على صحة القارئ وسلامة الكتاب، فمن المهم تشجيع القرَّاء الصغار عند اكتشافهم خيارات للقراءة في أي مكان يمكنهم فعل ذلك فيه. لقد احترف القرَّاء الكبار هذا الأمر؛ إذ يقرءون في المطارات، أو خلال رحلتَي الذهاب والعودة إلى العمل ومنه، أو في عيادات الأطباء للتغلب على الملل. إن القرَّاء يختلسون الوقت للقراءة.

(٣) تخصيص مكان للقراءة

إن وقت القراءة يمكن أن يكون أي وقت؛ لا معدات لازمة وليس هناك ضرورة لتحديد موعد أو مكان. إن القراءة هي الفن الوحيد الذي يمكن ممارسته في أي ساعة من النهار أو الليل. وحينما يحين الوقت وتدعوك الرغبة، يكون هذا هو وقت القراءة الخاص بك؛ في الفرح والحزن والصحة والمرض.

هولبروك جاكسون

يحمل زوجي، دون، كتابًا معه أينما ذهب. وعلى الرغم من أنني قارئة أيضًا، فقد أزعجني هذا الأمر في السنوات الأولى من زواجنا حين كان يجلب معه كتابًا إلى عشاء عيد الشكر في منزل والدتي أو عند ذهابنا إلى متجر البقالة. وفي إحدى المرات، اصطدم بشجرة في منتصف الرصيف بالمدينة بسبب قراءته في أثناء سيره متثاقلًا من العمل إلى المنزل. أتعجَّب من قدرةِ دون على القراءة في أي مكان، حتى وهو موجود وسط حشود صاخبة أو وهو واقف! وبعد عديد من لحظات الغيرة حين كنا نجد أنفسنا عالقَين على نحو غير متوقع في مكانٍ ما، فيكون لدى دون كتاب يقرؤه بينما لا يكون معي أي كتب، بدأتُ أنا أيضًا أحمل كتابًا معي أينما ذهبت. نفضِّل أنا ودون قراءة كُتُبنا ونحن جالسَين ضامَّين رُكَبنا إلى صدرينا على الأريكة في المنزل، لكننا لسنا بحاجة لأجواء مثالية لاختلاس بعض الوقت للقراءة. ومع هذا الموقف الذي لا يقيد القدرة على القراءة بمكان معين، فإنني لا أؤيد فكرة رُكْن القراءة؛ الأمر الذي سرعان ما سيلاحظه أي شخص يزور فصلي.

تخيَّلْ غرفة صغيرة تضم تسعة وعشرين طالبًا بالصف السادس من جميع الأطوال والأحجام، ومكتبة مكتظة بالكتب التي يزيد عددها عن ألفَي كتاب، بالإضافة إلى جميع الأشياء التي تَطْلب المدرسة من المعلم أن يبقيها في متناول اليد (مثل صناديق الأزمات وخزانات الملفات وملحقات الكتب المدرسية) هذا هو فصلي المدرسي، فليس لديَّ مكان متاح لأخصصه رُكنًا للقراءة.

مثلما تعلمون، كنت أقرأ في منزل أقاربي في ميامي. لا أعتقد أنهم كانوا يهتمون بالأمر حقًّا. بالطبع، من المحتمل أنهم كانوا يتكلمون عني بالإسبانية، لكنني ما كنت لأعلم ذلك.

ميشيل

عندما كنا في إحدى مسابقات الروديو لرعاة البقر المحترفين، وكان العرض الرئيسي يتمثَّل في طفلين صغيرين يرقصان في أنحاء الحلبة بالأشرطة الملونة، والمتسابقون يستعدون، أخرجتُ رواية «خلف حائط غرفة النوم» وانتهيت من قراءتها قبل أن يبدأ سباق البراميل.

مارلين
تبرع جيس — الشهير بجنونه بالكتب — ووالدته بأريكة جلدية قديمة لفصلي منذ بضع سنوات عند شرائهما أريكة جديدة. وبعد ترشيح عدة أسماء وتصويت الفصل، أطلق طلابي على هذه الأريكة «العمة فاني» (انظر الشكل ٣-٢). والآن صارت العمة فاني المسكينة محشورة تحت حافة النافذة. لدينا أيضًا في الفصل مجموعة متنافرة من المقاعد المصنوعة من الأكياس القماش المحشوة بالفاصوليا المجففة التي جمعتها على مدار السنوات من التبرعات ومعارض بيع الأغراض المنزلية المستعملة التي تقام في الجراجات؛ وهذه هي المقاعد التي يجلس عليها طلابي دائمًا. ولدينا أيضًا إضاءة رائعة يمكن ضبطها، وهي إحدى ميزات الوجود في مدرسة جديدة. فأُبقي الأضواء خافتة بعض الشيء كي يتمكن الطلاب من القراءة دون الوهج العالي لإضاءة الفلوريسنت. لا يهمني المكان أو الكيفية التي يقرأ بها الطلاب في فصلي، بل كل ما يهمني هو أنهم يقرءون؛ فيمكنهم الاستلقاء على الأرض، أو خلع أحذيتهم، أو البقاء على مكاتبهم، فما أهمية ذلك؟
fig6
شكل ٣-٢: الطلاب يقرءون وهم جالسون على «العمة فاني».

في صباح أحد الأيام، بينما كنت أُوقِفُ طلابي عن القراءة بندائي المعتاد «آنساتي سادتي! فلتتوقفوا عن القراءة الآن»، لاحظت أن دانيال، الذي كان واحدًا من أصعب الطلاب فيما يتعلق بإبعاده عن الكتاب الذي يقرؤه، لم يَعُدْ إلى مكتبه. فذهبت لأبحث عنه، واكتشفت أنه قد حشر نفسه في أحد الأركان بين الأريكة وخزانة كتب؛ إنه ملاذ أنشأه لنفسه حيث يمكنه القراءة في سلام بعيدًا عن حركة الطلاب في الفصل.

يؤكد عدد لا حصر له من خبراء القراءة في كتبهم وورش عملهم على أهمية إعداد مكان مخصص للطلاب ليقرءوا فيه. ويجب وضع جميع السجاجيد الصغيرة والوسائد والمصابيح وخزانات الكتب ببراعة وتأنٍّ لإنشاء محراب للقراءة؛ لذا، فقد شعرت بالغضب بسبب القيود المكانية في فصلي، وبالإحباط لعدم تمكُّني من ترتيب الأثاث والطلاب في مكان أشبه بواحة للقراءة. لقد كنت أخذل الخبراء، وربما أيضًا الطلاب. ذكرت في إحدى المرات لرون، ناظر المدرسة، أنني أرغب بإخراج جميع المكاتب من الفصل وإدخال أرائك وطاولات قهوة مكانها لأحول فصلي إلى مكان أشبه بمتجر بارنز آند نوبل لبيع الكتب، فضحك وهز رأسه؛ لقد ظنَّ أنني أمزح …

مثلما أفعل عادةً عند مواجهتي نموذجًا مثاليًّا لا يمكنني تحقيقه، تراجعت لإعادة التفكير في الهدف الحقيقي من الرُّكن المخصص للقراءة. تهدف منطقة القراءة في الفصل المدرسي من وجهة نظري لتحقيق غايتين؛ ألا وهما: إظهار أهمية القراءة للطلاب عن طريق تخصيص مكان بارز لها في الفصل، ومنح الطلاب الظروف المريحة للقراءة من خلال عدم تقييدهم في مكان جلوس مفروض من إدارة المدرسة على مكاتبهم تحت الإضاءة القوية. هل يمكننا فعل ذلك دون البساط الكبير والمصابيح الأرضية؟ بالطبع، يمكننا.

هل جربت من قبل القراءة وجسمك معلق رأسًا على عقب في ألواح التعلق؟ دعنا نقُل إن هذه الطريقة لم تُفلح معي؛ فقد سقط الكتاب وفقدت الصفحة، حاولت الوصول إليه، فسقطت على رأسي. لم يكن تصرفًا ذكيًّا!

بريتاني

لم أَرَ من قبل طالبًا أصبح قارئًا لأنه تَمكَّن من الجلوس على مقعد مصنوع من كيس محشو بالفاصوليا الجافة. ما الذي نطمح في أن نحققه بتصميم غرفة معيشة يمكن للطلاب القراءة فيها؟ ألا نتحسر على أن الطلاب لا يقرءون في غرف المعيشة بمنازلهم؟ لذا، إذا كان لديك ركن هادئ للقراءة، فاستخدمه بأي وسيلة. إنني أدعم أي تصميم للفصل المدرسي يجعله أقل رسمية وأكثر جذبًا للطلاب، لكن لا تأسف إذا لم يكن لديك الموارد أو المكان اللازم لمنطقة مخصصة للقراءة؛ إذ يتسم القرَّاء بالبراعة وسعة الحيلة على نحو مذهل عندما يتعلق الأمر بالعثور على مكان للقراءة.

في مدينة نيويورك، رأيت رجلًا في مترو الأنفاق يتمسك بإحدى الحلقات الجلدية المعلقة بالعربة بيد، بينما يمسك بالكتاب الذي يقرؤه باليد الأخرى — لا حاجة لركن منعزل مريح للقراءة. وأتذكر دائمًا زوجي الذي يقرأ دائمًا الكتب في القطار بينما يردد الأغاني التي يستمع إليها في جهاز آي بود الخاص به ويتراقص على نغماتها. وهناك عدد من الطلاب الذين أدرِّس لهم كل عام يقرءون في أثناء سيرهم في الرواق (يبدو أن لديهم جهازَ تحديدِ مواقعَ داخليًّا يَحُول دون اصطدامهم بالأشياء من حولهم!) أو أثناء ركوبهم الحافلة، أو أثناء جلوسهم في غرفة طعام مزدحمة صاخبة. إن أجواء الفصل المشجعة على القراءة لا تنبع من الأثاث ومكانه بقدرِ ما تنبع من توقُّع المعلم القراءة من طلابه. وبقبولي لهذه الحقيقة، أعلم أن فصلي بالكامل يمثل ملاذًا للقراءة؛ حيث يمكن للطلاب القراءة كما يشاءون، وحيث لا تتطلب القراءة منطقة مخصصة لكي تحظى باهتمامنا كل يوم. يجب أن نوصِّل فكرة أن أي مكان يمكن أن يكون مناسبًا للقراءة، سواء أكان ذلك في مترو الأنفاق أم في ركن منعزل. يجب ألا ينتظر الطلاب الظروف المثالية للبدء في القراءة؛ فالوقت الآن، والمكان هنا.

أماكن غريبة للقراءة (بقلم طلاب فصل السيدة ميلر)

تحت الدُّش.

حوض استحمام فارغ.

تحت السرير.

متجر البقالة.

الخزانة.

سطح المنزل.

السلالم.

أعلى صندوق البريد المصنوع من الأحجار.

الأَسْوِجة النباتية والأشجار.

الترامبولين.

استخدام الكلب كوسادة.

في حقيبة سيارة مفتوحة.

(٤) من فضلكم، ليلزم الجميع الهدوء (ربما باستثناء المعلمة)

أُصرُّ على التزام الهدوء خلال وقت ورشة عمل القراءة؛ وأعتقد أن السبب في ذلك هو أنني أحتاج إلى الهدوء لأقرأ بدوري، وأعلم كذلك أن عددًا لا بأس به من طلابي لا يمكنهم الاستغراق في قراءة أي كتاب دون وضع قيود على الضوضاء. منذ بضعة أعوام، وفي أثناء تجوُّلي في الفصل بحثًا عن طلاب يحتاجون لمساعدة في العثور على كتب، لاحظت أربعة صِبْية — جرانت، وتيان، وجويل، وبريت الذين أطلقتُ عليهم فيما بعد اسم «جماعة إيراجون» لاشتراكهم في حب كتاب كريستوفر باوليني (الذي أصبح الآن ثلاثية) — يتهامسون في رُكن قَصِيٍّ من الفصل؛ فصِحْتُ وأنا أسرع نحوهم قائلةً: «أيها الفِتْيانُ الجالسون في الخلف! من الأفضل أن يكون حديثكم عن الأدب!» كنت عازمة على إيقاف أي سلوك لا علاقة له بالقراءة، فرفع جرانت رأسه في خجل وقال لي: «نحن كذلك بالفعل!» مؤكِّدًا لي أنهم يؤدون المهمة المطلوبة منهم.

نظرًا للإحراج الذي شعرت به في ذلك الموقف، صِرت الآن في الغالب أمشي بجانب الطلاب المتهامسين لأحدد إن كانوا يتحدثون عن الكتب أم لا قبل أن أحاول إسكاتهم. إن بناء علاقة قائمة على الثقة مع الطلاب يكون أيسر عندما تتوقع منهم فعل الصواب بدلًا من أن تفترض عكس ذلك. وفي أثناء وقت القراءة المستقلة، يتشارك الطلاب الأكثر ثرثرةً ترشيحات الكتب أو يقرأ بعضهم لبعض أجزاءً مثيرةً من كتبهم. يكون لدى هؤلاء الطلاب كثير من الوقت للتحدث بعضهم مع بعض في أثناء اليوم، لكن ذلك الوقت يكون وقت حديثهم عن القراءة، ويستمتع هؤلاء الطلاب بفرصة الدردشة بعضهم مع بعض بشأن ما يقرءونه والاستفادة التي يحققونها من كتبهم.

وإحقاقًا للحق، على الأغلب أكون أنا الشخص الأكثر إثارةً للضوضاء في أثناء وقت ورشة عمل القراءة؛ فلست هادئة بطبعي، وأجد صعوبة في الهمس خلال الاجتماعات، وأشعر عادةً بالحماس الشديد تجاه الكتب التي أناقشها مع طلابي؛ ما يجعلني أطرح أسئلة بصوت مرتفع على بقية الفصل، مثل: «هل قرأ أحدكم رواية «تانجرين»؟ هل توصون بها لجوناثان؟ إنه يريد اقتراحًا برواية واقعية!»

إن فَرْض القيود على الحديث بين الطلاب في أثناء وقت القراءة المستقلة يؤكد للطلاب مدى أهمية احترام زملائهم الذين يحتاجون لبيئة هادئة للقراءة، لكنني أدرك أن هناك لحظات مشروعة للأحاديث الطبيعية التي تدعم القراءة أيضًا، حتى وإن كانت المعلمة هي التي تتحدث!

بينما كنت أسير بجوار طاولة ميشيل في صباح أحد الأيام، توقفت للتحدث معها عن الفيلم الذي سيُعرَض قريبًا «إنكهارت»، والذي يستند إلى أحد كتبنا المفضلة، وأكدت ميشيل على أن محبي ذلك الكتاب سيحبون مشاهدة الفيلم. وبدأنا في التحدث عن آمالنا بشأن الفيلم وأكثر الأجزاء التي نتطلع لرؤيتها على الشاشة من هذا العمل لكورنيليا فونكه الذي يتغنى بقوة الكتب. لم يتسبب حديثي الحماسي مع ميشيل في صرفها عن الكتاب الذي كانت تقرؤه فحسب، وإنما جذب إلينا أيضًا الطلاب الخمسة الذين كانوا يجلسون حولها. ويمكنني تبرير إلهاء الطلاب على هذا النحو لأنني أعلم أن التحدث عن الكتب ضروري لمجتمع القرَّاء، كما أن هذه المحادثات تنمي العلاقات بيني وبين الطلاب.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤