الفصل الرابع

حرية القراءة

إن أي كتاب يساعد الطفل على تنمية عادة القراءة؛ أيْ جَعْل القراءة من الاحتياجات الدائمة والعميقة بداخله، هو كتاب نافع له.

ريتشارد ماكينا

القراءة هي ما أفعله الآن، خاصةً عند شعوري بالملل. وأعرف أنني سأفعل ذلك. أعرف وحسب.

براندون
أقف أمام طلابي بالفصل، وقلم التأشير في يدي ولوح الكتابة في انتظاري. أدير مناقشةً مع طلابي الجدد حول كيفية اختيار القرَّاء لكتبهم بأنفسهم. وعلى الرغم من نوبة حماس اختيار الكتب التي شهدها الفصل في اليوم السابق، لم يتقبَّل طلابي بعدُ فكرةَ أن هذا الفصل سيكون مختلفًا، وأن اختياراتهم في القراءة وصراحتهم هما العاملان اللذان سيوجهان كل ما نفعله. يرفع الطلاب أيديهم للرد بالإجابات التي يظنون أنني أود سماعها:
«ألقي نظرة على الغلاف والعنوان.»
«أقرأ الملخص الموجود على ظهر الكتاب.»
نتوقف ونناقش الاختلافات بين الملخص، الذي يصف حبكة الكتاب بالتفصيل، بما في ذلك الحل؛ والنبذة التشويقية التي تمنحك لمحة عن الكتاب دون الكشف عن حبكته بالكامل؛ والتعريف بالكتاب الذي يوضح رأي أحد النقاد فيه. وبعد تناوُل هذا الموضوع الجانبي، يواصل الطلاب إخباري بكيفية اختيارهم لكتبهم، فيقولون أشياءَ من قبيل:
«أبحث عن كاتب قرأت له من قبل.»
«أحب قراءة السلاسل التي يمكنني متابعتها.»
«أحصل على ترشيحات من أختي؛ فقد كانت في الصف السادس العام الماضي.»

نضيف الأصدقاء وأفراد الأسرة وأمناء المكتبات والمعلمين إلى مجموعة الأشخاص الذين نحصل منهم على ترشيحات بالكتب التي يمكن قراءتها.

يقول طالب آخر: «أختار الكتب من واجهة متجر الكتب.»

أشك في أن معظم طلابي يختارون كتبهم من إحدى واجهات بارنز آند نوبل الأنيقة، وربما لم يسبق لبعضهم من قبل اختيار كتاب بأنفسهم. إنهم يجسون نبضي؛ فتعليقاتهم تبدو كالأسئلة، وينتظرون تأكيدًا على هذه الردود المتوقعة. وإذا قبلت بهذه الإجابات الجاهزة، التي يمكن حتى للطلاب الذين لم يقرءوا قط أن يقدموها، فسوف يعلمون أن حديثي الحماسي عن الصدق ليس سوى كلام بلا بأس من أن تعترفوا بذلك؛قيمة؛ لذا، فإنني أتحداهم بأسئلةٍ ما كانوا ليتوقعوا مني طرحها.

أنا المعلمة، وثمة جوانب لاختيار الكتب لا يعتقد هؤلاء الطلاب الجدد أن بإمكانهم الاعتراف أو النطق بها أمامي؛ لأنها تكشف عن عادات للقراءة يُنظَر لها على أنها عادات «خادعة» أو «ليست قراءة حقة». فسألتهم: «مَن اختار كتابًا لأنه قصير؟ مَن اختار كتابًا بالتحقق من طوله؟» بابتسامات مرتبكة، رفع معظم مَن في الفصل أيديهم (وأنا من بينهم). «هلموا يا أولاد! فأنا أفعل ذلك أيضًا. لا بأس من أن تعترفوا بذلك؛ ففي بعض الأحيان، لا أملك الطاقة أو الوقت اللازمين لقراءة كتاب طويل، لكنني أرغب في الوقت نفسه في قراءة شيءٍ ما.» نتناول هذا الموضوع الجانبي لعدة دقائق، نتناقش خلالها حول أفضل الكتب القصيرة التي سبق لنا قراءتها، ونضع قائمة بها أيضًا.

ومع إزالة هذا الحاجز، نناقش الأساليب التي يستخدمها الطلاب لقراءة الكتب ويمتنعون عن الاعتراف بها. لم يدرك الكثير من الطلاب — الذين لا يَعتبرون أنفسهم قرَّاءً جيدين — قبل هذه المناقشة أن «جميع» القرَّاء «يغشون».

لامَنِي أولياء الأمور وزملائي المعلمون لسماحي للطلاب بقراءة كتاب واحد أكثر من مرة. إن أعز الكتب على قلبي أقرؤها عدة مرات، وفي كل مرة أكتشف شيئًا مختلفًا فيها؛ فالكتب متعددة الطبقات، وقراءة واحدة لها لا تكفي، وهذا أمر لا يعلمه سوى القرَّاء الحقيقيِّين.

(تعليق من جو آن على منشور بمدونة «الهامسة بالكتب» بعنوان «كيفية القراءة على جهاز كيندل»، ١٣ ديسمبر ٢٠٠٧.)

نضيف ما يلي لقائمة أساليب اختيار الكتب التي وضعناها:
«أحب قراءة بعض الكتب مرارًا وتكرارًا.»
«أقرأ الخاتمة أولًا، وإذا أعجبتني، أقرأ الكتاب كله.»
«أقرأ الفقرة الأولى، وإذا لم تُثِرِ اهتمامي، لا أكمل قراءة الكتاب.»
«أقرأ الكتب السهلة.»
«أقرأ كتب الخيال، وتحاول أمي دفعي لقراءة كتب أخرى، لكنني لا أحب كتبها.»

لقد أُثيرَ اهتمامُ الطلاب الآن، وصارت آراؤهم الخفية تتطاير من أفواههم من كل ركن من أركان الفصل. وبينما أحاول جاهدةً تدوين كل تعليقاتهم على لوح الكتابة، إذا بِبرايان يتمتم متذمرًا: «الكتب مملة.»

توقفتْ فجأة الضحكات والتعليقات المنطلقة من جميع أنحاء الفصل. يا للهول، هل من المفترض الاعتراف للمعلمة بأننا نرى الكتب مملة؟ يبتعد الطلاب عن برايان خوفًا من غضبي الحتمي الذي سيُصَبُّ عليه، وأخبرتني النظرات التي استرَقَها الطلاب ناحية برايان أن الحواجز لم تُزَل بالكامل بعد. نظر الطلاب إليَّ ليروا كيف سأتعامل مع تعليق برايان، وكان ما يلي.

استدرت ناحية برايان، مدركةً أن جميع الأطفال ينبغي أن يسمعوا ما سأقوله: «أنا سعيدة للغاية لأنك قلت ذلك! فبعض الكتب مملة بالفعل.» وأخبرتهم بتجاربي مع كتاب «مايفلاور» للكاتب ناثانيل فيلبريك، الذي قرأته مؤخرًا مع مجموعة القراءة التي أشترك فيها. «قرأت مائة صفحة من ذلك الكتاب، لكنني لم أندمج فيه رغم ذلك. لقد حاولت؛ فالجميع كان مهووسًا بذلك الكتاب الذي ضمَّته جميع قوائم «أفضل الكتب» لهذا العام، لكنني شعرت بالملل من الحروب الهندية والقوائم الطويلة للأشخاص والأماكن. فتركتُه في النهاية. وعندما ذهبت إلى نادي القراءة هذا الشهر، شعرت بالارتياح عندما اكتشفت أن بعض الأعضاء الآخرين في النادي انتابهم الشعور نفسه إزاء الكتاب!»

تعيد شهادتي فتح الباب مجددًا أمام التعليقات التي تنهال من الطلاب، فنبدأ مناقشةً حول ما يجب فعله عندما يكون الكتاب مملًّا، فأعطي لطلابي تصريحًا كاملًا بترك الكتب التي لا تثير اهتمامهم. إن القرَّاء يختارون ما يقرءونه، ويحددون متى يتوقفون عن قراءة كتابٍ ما إذا لم يَرْقَ إلى المستوى. لا أريد مطلقًا أن يشعر طلابي بأنهم متورطون في قراءة كتابٍ ما لمجرد أنهم شرعوا في قراءته. إن الإحاطة بالأنواع الأدبية ومستوى القراءة الأكثر ملاءمة للفرد تتطلب قراءة العديد من الكتب، ويتضمن ذلك بعض البدايات الخاطئة. «اسمعوا! ثمة كتاب آخر في انتظاركم دائمًا؛ فإذا كنت تقرأ كتابًا صعبًا أو مملًّا للغاية بحيث لا يمكنك الانتهاء منه، فاتركه، واحصل على كتاب آخر. المهم هو ألا تسمح لاختيار كتاب سيئ أن يعطل زخم القراءة لديك. إن القرَّاء يفعلون ذلك طوال الوقت، فلا تَشعر بأنك مضطر إلى قراءة كتابٍ ما لمجرد أنك شرعت في قراءته.»

تغني كورتني نسخة معدلة من أغنية «دوري» في فيلم والت ديزني «البحث عن نيمو»، قائلة: «فلْتُواصِلِ القراءة، وَاصِلِ القراءة!» يضحك الجميع، فأعرف حينئذٍ أن الطلاب بدءوا يسترخون.

سأل بونجاني: «ما الكتب التي سنقرؤها في الفصل هذا العام؟ لقد قرأنا «جوني تريمين» العام الماضي.»

تجاهلتُ همهمات التذمر الصادرة من الطلاب الآخرين الذين كانوا بلا شك في نفس الفصل مع بونجاني في الصف الخامس، وأجبتُ على سؤاله: «لا أعلم. ماذا تحبون أن تقرءوا؟ هل هناك كتب ينبغي أن يشترك الفصل بأكمله في قراءتها؟ ما الكتب التي تقترحونها؟ أَعْلِموني بالكتب التي قد تكون لديكم والتي ترون أننا سنستمتع بقراءتها في الفصل، ويمكننا إجراء مناقشة بشأنها. إن لديَّ بعض الكتب التي أحِبُّ قراءتها على فصولي بصوت عالٍ كل عام لأن الجميع يحبها، لكنني في الوقت نفسه كلي أذان مصغية لأفكاركم.»

أُومِن بضرورة تمكين الطلاب من اتخاذ أكبر قدر ممكن من خيارات الكتب، بما في ذلك الكتب التي نقرؤها معًا. إن فكرة مطالبة الطلاب بقراءة كتبهم المفضلة يصبُّ في مصلحة هدفي المتمثل في إثارة حماسهم للقراءة. ومن خلال تقدير آرائهم، حتى عن الكتب التي يشترك الفصل بأكمله في قراءتها، أجعلهم يدركون أن تفضيلاتهم مهمة بقدر أهمية تفضيلاتي.

بعد بضعة أيام، أقرأ على طلابي قائمة «حقوق القارئ» التي كتبها المؤلف الفرنسي دانيال بِناك. وهذه القائمة متاحة على الإنترنت في شكل ملصق يمكن تنزيله مع رسوم كوينتين بليك ذات الطابع المميز من خلال الرابط التالي: http://www.walker.co.uk/bookshelf/the-rights-of-the-reader-poster.aspx. لكن لا ريب أنك — بصفتك قارئًا — ستدرك هذه الحقوق بنفسك.

أود التحذير هنا من تعليق هذا الملصق في الفصل المدرسي؛ لأنه سيصبح مجرد ورقة حائط سيتوقف الطلاب عن رؤيتها بعد بضعة أشهر. على الرغم من أن كثيرًا من الدروس التي أُدرِّسُها عامًا تلو الآخر لا تتغير، فإنني أقاوم إغراء إعداد ملصقات لهذه الدروس وإعادة استخدامها بعد ذلك؛ وذلك لأنني لا أرغب بأن يعتقد الطلاب أن آراءهم ليست مبتكرة، أو أنه بإمكاني التنبؤ بما سيقولونه. إن كل فصل مختلف عن الآخر، ومن المهم أن يرى طلابي أفكارهم وكلماتهم — لا أفكار شخص آخر وكلماته — معلَّقة على جدران الفصل في صورة نصائح على جميع القرَّاء اتباعها؛ لذا، عليك أولًا بالتحاور مع طلابك بشأن عادات القراءة الخاصة بهم، ثم قَدِّم لهم قائمة الحقوق الخاص ببناك فيما بعد بوصفها تصديقًا على ما قالوه.

حقوق القارئ (بقلم دانيال بناك)

(١) الحق في عدم القراءة.

(٢) الحق في تخطي الصفحات.

(٣) الحق في عدم الانتهاء من القراءة.

(٤) الحق في إعادة القراءة.

(٥) الحق في قراءة أي شيء.

(٦) الحق في الهرب من الواقع.

(٧) الحق في القراءة في أي مكان.

(٨) الحق في التصفح.

(٩) الحق في القراءة بصوت مرتفع.

(١٠) الحق في عدم الدفاع عن الذوق.

(المصدر: بناك، ٢٠٠٦.)

(١) خطط القراءة

بالإضافة إلى إعادة قراءة الكتب المفضلة، واختلاس الوقت للقراءة، وترك الكتب غير المثيرة للاهتمام؛ يتطلع القرَّاء دومًا إلى كتابهم التالي. صارت قراءة الكتب الحائزة على ميدالية نيوبري كل عام جزءًا من خطة القراءة الخاصة بي منذ أن كنت في الصف الرابع. أما الآن، فأقرأ بنهمٍ القوائمَ والمراجعات النقدية بمجلة «بوكليست» وموقع أمازون الإلكتروني. وعندما أدركت أنني ملأتُ ظهر كل دفاتر الشيكات والإيصالات الموجودة في محفظتي بعناوين الكتب وأسماء المؤلفين — التي أسجلها دائمًا في أثناء المحادثات مع أصدقائي القرَّاء — بدأتُ أحتفظ بدفتر يوميات في حقيبة يدي. أَستخدم دفترًا جديدًا كل عام، وأسجل على عجلٍ كلَّ الترشيحات التي أحصل عليها، ثم أستخدم هذه الملاحظات عند شرائي الكتب أو ذهابي إلى المكتبة. والدفتر الذي اشتريتُه هذا العام مفكرة مولسكين حجمها ثلاث في خمس بوصات يمكن حملها في الجيب، والورق الخالي من الأحماض في هذا الدفتر يحمي قوائم الكتب الخاصة بي من التلطخ والبَهَت، هذا فضلًا عن أن استخدام نوع دفتر اليوميات نفسه الذي يُفتَرَض أن هيمنجواي كان يستخدمه يجعلني أشعر أنني مثقفة.

ثمة خزانة كتب كاملة في غرفة معيشتي مملوءة بالكتب التي أخطط لقراءتها؛ وهي كتب اقترضتها، أو استعرتها من المكتبة، أو اشتريتها. وهذا الكم الهائل من الكتب، الذي يُشار إليه على سبيل المزاح باسم «جبل ميلر»، لا يتضاءل حجمه مطلقًا، ويضمن لي عدم نفاد الكتب لديَّ. وهذه الكومة الهائلة تكون في كثير من الأحيان العذر الذي أسامح من أجله الطلاب عندما لا أسترد منهم أي كتاب يقترضونه في الوقت المحدد لذلك، لكنها تذكِّرهم كذلك بأنني أخطط دائمًا لقراءة كتاب آخر.

نظرًا لعدم اعتياد الطلاب في البداية على اختيار ما سيقرءونه بأنفسهم، لا يضع عدد كبير من الطلاب — لا سيما مَن لا يَعتبرون أنفسهم قرَّاءً — خططًا للقراءة المستقبلية؛ ففي المدرسة، يملي عليهم المعلم ما سيقرءونه من كتب وتوقيت قراءتها. ولا يتمتع هؤلاء الطلاب بقدر كبير من المعرفة بشأن أنواع الكتب المتاحة، فضلًا عن عدم امتلاكهم كثيرًا من الخبرات الإيجابية مع الكتب التي قد تدل على اختياراتهم في القراءة. إنهم بحاجة لنقطة انطلاق يبدءون منها؛ لذا، فإنني أوضِّح لطلابي المنهجية الذي سيتبعونها في القراءة في فصلي؛ وذلك لأقدم لهم دعامة تساعدهم على وضع خططهم الخاصة.

(٢) فروض القراءة: لماذا أربعون كتابًا؟

إن مطالبتي الطلاب بقراءة أربعين كتابًا قد تبدو صادمة في نظر أي طالب لم يقرأ أكثر من كتاب أو كتابين في العام، لكن هذا الفرض الثقيل يَحُول دون تفاوُضِ الطلاب معي بشأنِ إن كانوا سيقرءون كثيرًا؛ فأي معلم يتوقع من الطلاب قراءة أربعين كتابًا لن يقبل بكتاب واحد أو كتابين! وإذا توقعت عددًا أقل من الكتب، فسوف يقرءون أقل، أو سيؤجلون بدء القراءة إلى وقت لاحق من العام.

إن عشرة كتب أو عشرين كتابًا ليست كافية لغرس حب القراءة في نفوس الطلاب، فلا بد أن يختاروا ويقرءوا كثيرًا من الكتب بأنفسهم ليكتسبوا الحماس للقراءة. وبوضع مطلبٍ بهذه الدرجة من الصعوبة، أضمن استمرار الطلاب في القراءة. فمن دون الحاجة لقراءة كتاب كل يوم للوفاء بالمطلب الذي وضعته، سيقرأ الطلاب أقل قدر ممكن من الكتب، وقد لا يكتسبون عادات القراءة المستقلة إذا طالبتهم بفرض يتوقع منهم قدرًا أقل من القراءة. وما يجعلني أعلم أن هذا الأسلوب ناجح هو أنه ما من طالب لديَّ استكمل قراءة الأربعين كتابًا وتوقف عند هذا الحد؛ إذ يواصل الطلاب القراءة حتى بعد تلبيتهم للمطلب.

يفتقر بعض الطلاب إلى الثقة في قدرتهم على تحقيق هذا الهدف، لكنني أطمئنهم بأن باستطاعتهم فعل ذلك. أشجعهم وأدعمهم، لكن بحزم، قائلةً لهم: «لنخترْ كتابًا ونبدأ. كثير من الطلاب، القرَّاء باختلاف أنواعهم، فعلوا ذلك. وأنا أعلم أن بإمكانكم أنتم أيضًا فعل ذلك.» وعلى مدار الأعوام، شهدت طلابًا يقرءون عددًا هائلًا من الكتب، وأعلم أن فرض القراءة الذي أكلفهم به لا يصبح مشكلة لمعظمهم في النهاية. تتذكر بريتاني ما حقَّقَتْه من إنجازات خلال العام، فتقول: «عندما علمت أنه ينبغي علينا قراءة أربعين كتابًا هذا العام، طار عقلي شَعَاعًا؛ فما كنت قد قرأت سوى كتابين فقط العام السابق. وشعرت بأني سأفقد وعيي. لكنني حين بدأت أتحسس طريقي عبر هذه الفروض، أدركت تدريجيًّا مدى ما أتمتع به من قدرة على القراءة.»

أعتقد أن فروض القراءة أمرٌ مفهومٌ تمامًا؛ لأنه إذا لم يكن لدينا فرضٌ مكلفون به، فسيقرأ مَن هم مثلي كتابًا واحدًا فقط على مدار العام.

جون

وعندما يسألني طلابي عما سيحدث لهم إذا لم يقرءوا أربعين كتابًا، أردُّ عليهم بإجابات مبهمة؛ فالفشل ليس خيارًا، لِمَ الحديث عنه إذن؟ أعتقد أنه من المروِّع أن تقتصر فكرة الطلاب عن القراءة على كونها فعلًا لا يستحق القيام به إلا للنجاح في المادة. في الواقع، ليست هناك عواقب سلبية لعدم بلوغ هذا الهدف؛ ففي النهاية، إذا قرأ الطالب اثنين وعشرين كتابًا في العام الدراسي (وهو أقل عدد سبق أن قرأه أيٌّ من طلابي على الإطلاق)، فمَن يمكنه الاعتراض على ذلك؟

على مدار الأعوام، صار فرض القراءة الذي أُكلِّف به فصلي مزيجًا من الألوان الأدبية المقترحة من كتاب «إرشاد القرَّاء والكتَّاب (من الصف الثالث إلى السادس)» عن ورش عمل القراءة لفاونتس وبينيل الذي أعتمد عليه في التدريس؛ وأهداف منهج الدراسات الاجتماعية ودراسات آداب اللغة للصف السادس بولاية تكساس؛ وأنواع الكتب التي لاحظتُ أن طلابي يحبون قراءتها.

يختار طلابي من بين مجموعة متنوعة من المواد، وفي ذلك الشعر والأدب الروائي والواقعي. وكتبُ المقتطفات الشعرية، ونصوص الأدب غير الروائي (مثل التراجم والنصوص غير المعلوماتية)، والاختيارات الأدبية الكلاسيكية (مثل الأساطير والحكايات الشعبية والخرافات)؛ تقل بوجهٍ عام عن مائة صفحة. أما كتب الأدب الروائي (مثل الفانتازيا، والخيال العلمي، والروايات التاريخية، والروايات الواقعية) فتكون بالطول المعهود للكتب المقسمة لفصول. أحدِّد عددًا معينًا من الكتب التي ينبغي على الطلاب قراءتها في كل لون أدبي، لكنني أسمح لهم أيضًا باختيار تسعة كتب من أي لون لاستكمال الأربعين كتابًا. وعدد الكتب المحدد لكل نوع قابل للتغيير، بل إنني في الواقع أغيِّره من عام لآخر؛ فعندما طلب مني طلابي إدراج فئة لكتب الألغاز والتشويق، فعلتُ. وعندما وَضَعَ منهجُ المنطقة التعليمية توجيهاتٍ إرشاديةً تقضي بإدراج وحدة للشعر، أضفتُ مزيدًا من الكتب لفروض قراءة الشعر التي أكلِّف طلابي بها.

الأربعون كتابًا المكلَّف بقراءتها

المقتطفات الشعرية (٥).

الأدب الشعبي (٥).

الروايات الواقعية (٥).

الروايات التاريخية (٢).

الفانتازيا (٤).

الخيال العلمي (٢).

الألغاز والتشويق (٢).

كتب المعلومات (٤)

التراجم، والسِّيَر الذاتية، والمذكرات (٢).

خيارات الكتب المقسمة إلى فصول (٩).

يُعرِّض فرضُ القراءة الطلابَ لمجموعة متنوعة من الكتب والأنواع الأدبية؛ بحيث يمكنهم استكشاف الكتب التي قد لا يقرءونها عادةً، وتطوير فهمهم للعناصر الأدبية، والملامح النصية، وبِنى النصوص لمعظم الكتب. علاوةً على ذلك، يمكِّنني النطاقُ الواسعُ من الألوان الأدبية من إعداد خطتي للتدريس على نحو يتوافق مع تعليمات المنطقة التعليمية ومعايير الولاية، مع منح طلابي الفرصة في الوقت نفسه لاختيار كتبهم بأنفسهم من أجل إنجاز التكليفات التي هي في الأساس جزء من المنهج. ويمكن للطلاب استخدام مجموعة كبيرة متنوعة من الكتب للوصول إلى الموضوعات والمفاهيم الشاملة التي من المتوقَّع منهم تعلُّمها. وبوصفي معلمة لآداب اللغة والدراسات الاجتماعية، أُفضِّل دمج هذه الموضوعات عن طريق تضمين أنشطة القراءة والكتابة في منهج ثقافات العالم الخاص بالصف السادس بولاية تكساس.

يعجبني أنني مُلزَمة بقراءة مجموعة متنوعة من الكتب؛ لأنني ما كنت لأفعل ذلك لولا هذا الإلزام.

راشيل

لكلِّ منطقةٍ نَدْرُسها، أجمع كتبًا عن تاريخ هذا الجزء من العالم وشعبه وأدبه؛ على سبيل المثال، عندما ندرس تاريخ أوروبا وثقافتها، يقرأ الطلاب الحكايات الشعبية والقصص الخيالية للأخوين جريم وشارل بيرو وهانز كريستيان آندرسن. ويجرِّب الطلاب كتابة الأدب الشعبي عن طريق محاكاة أفكار الأعمال الكلاسيكية التي نقرؤها وموضوعاتها. وعندما نستكشف ثقافة اليابان، نقرأ ونكتب شعر الهايكو.

لقد تعلمتُ أن الطلاب يتعطشون إلى مزيدٍ من المعلومات، إذا بادرنا بتقديم هذه المعلومات لهم، متجاوزين ما يقدمه لهم كتاب الدراسات الاجتماعية المدرسي. ولهذا الغرض، أرصُّ مجموعات من النصوص الإقليمية على حامل أقلام التأشير الموجود تحت السبورات البيضاء في الفصل؛ مما يتيح للطلاب فرصة إضافية للقراءة عن الثقافات الإقليمية والبحث فيها، والانغماس في الأدب الإقليمي. كذلك، يشجع ذلك الطلابَ على استكشاف اهتماماتهم الثقافية الخاصة ومتابعتها، ويرتد ذلك كله إلى مناقشتنا في مادة الدراسات الاجتماعية؛ مما يؤدي إلى مزيدٍ من الاستفسارات.

(٢-١) الغاية هي القراءة، لا الفروض

أسفرت مطالبة طلابي بقراءة عدد معين من الكتب عن بعض التحديات غير المتوقعة؛ ففي أول عام وضعتُ فيه هذا الهدف الخاص بالقراءة، لاحظتُ أن القرَّاء الناشئين والخاملين اختاروا أقصر الكتب التي يمكنهم العثور عليها لتحقيق هذا الهدف. كما مثَّل توقُّع هذا العدد الكبير من الكتب مشكلةً أيضًا للقرَّاء السريين؛ فكيف سيمكنهم قراءة أربعين كتابًا بينما أقرب الكتب إلى قلوبهم هي المجلدات الملحمية ذات العدد المذهل من الصفحات؟ فتوصلتُ إلى حل لهذه المشكلة بأن سمحتُ للطلاب بحساب أيِّ كتاب يزيد عدد صفحاته عن ٣٥٠ صفحة باعتباره كتابين فيما يتعلق بتحقيق هدف قراءة الأربعين كتابًا. ويَحُول ذلك دون اختيار الطلاب للكتب لمجرد أنها قصيرة، ويأخذ في الاعتبار تفضيلات الطلاب الذين يحبون قراءة المجلدات الكبيرة، ويمنحهم جميعًا الحرية في قراءة أي كتب يريدونها، سواء أكانت قصيرة أم طويلة.

يتذكر بونجاني ردَّ فعلِه عندما سمع أنه ينبغي عليه قراءة هذا العدد الهائل من الكتب، فيقول: «عندما قُلْتِ أربعين كتابًا، توقَّفَ قلبي وفقدتُ الوعي لعدة ثوانٍ، ثم خطرت ببالي فكرة؛ أربعون كتابًا من كتب دكتور سوس لمدة أربعين يومًا! لكن عندما أخبرتِنا بشروط أنواع الكتب، قلتُ على الفور: «سأفجر هذا الفصل!»»

في أثناء اجتماعي مع بول، اعترف لِي بأنه بدأ العام الدراسي باختيار أقصر كتب يمكنه العثور عليها من كل نوع حتى يتمكن من تحقيق أهداف المادة، لكنه توقف عن فعل ذلك. وعندما سألته عن السبب وراء هذا التغيير، قال لي إنه كان قد قرأ بالفعل سبعة عشر كتابًا بعد أول تسعة أسابيع من الدراسة، وأدرك أنه سيحقق هدف الأربعين كتابًا بحلول شهر يونيو. وأضاف قائلًا: «سوف أقرأ أي شيء أرغب في قراءته، وأدع الأمور تأخذ مجرياتها.» يوضح لي ذلك أن بول اكتسب ثقةً في قدرته على القراءة. لم يكن يعتقد أن بإمكانه تحقيق الهدف؛ لأنه لم يُمنَح من قبلُ قطُّ حريةَ اختيار كتبه بنفسه أو الوقت الطويل اللازم لقراءتها، ولم يسبق لأيٍّ من معلميه أن تَوقَّع منه هذا التوقع العالي المستوى. أسابيع قليلة في فصلي غيَّرَت وجهة نظر بول عن نفسه كقارئ، وعما يمكنه تحقيقه.

أدركت هذا العام أن بإمكاني الاستمتاع حقًّا بالأدب الواقعي! اعتدت قراءة كتب الفانتازيا فحسب، لكنني صرت الآن أقرأ كثيرًا من الأنواع الأخرى.

أليكس

هل ينجح دائمًا توقُّع قراءة كل طالب للألوان الأدبية المحددة في فروض القراءة؟ لا، لا ينجح؛ ففي كل عام، يكون في فصلي طلاب مرتبطون للغاية بالألوان الأدبية التي يحبونها؛ ما يجعلهم في الواقع لا يؤدون فروض القراءة في الأنواع الأدبية المحددة. في أحد الأعوام، قرأ تومي — وهو محب مخلص لكتب الخيال — خمسة وستين كتابًا في الفانتازيا والخيال العلمي، لكنه تجنب أغلب الأنواع الأخرى من الكتب؛ فكانت هويته كقارئ قوية، شأنه شأن راندي. كان يعلم ما يحبه، واستمتع بحُرية قراءة أي شيء يريده. حاولت إغراءه بقراءة كتب أخرى، لكن في حالة عدم إظهاره أي اهتمام على الإطلاق، لم أكن أمارس أي ضغط عليه. فأدركت الأمر هذه المرة، وتركته يقرأ ما يرغب في قراءته. فهل من أحد يمكن أن يشكِّك في أن تومي قارئ لأنه لم يكمل قراءة كل الأنواع الأدبية التي ألزمتهم بقراءتها؟

أحب أن يكون لديَّ نطاق واسع من الاختيارات لأنني قارئة انتقائية للغاية ولا يمكنني إرغام نفسي على قراءة كتاب لا أحبه. وأُفضِّل اختيار الكتاب الذي سأقرؤه على أن أُكلَّف بقراءة كتاب محدد!

مولي

إن التوسع في مجالات القراءة يوسِّع من معرفة القارئ بمجموعة متنوعة من النصوص، لكن هناك فوائد أيضًا للتعمق في قراءة لون أدبي واحد فقط؛ فحديثي مع تومي لمدة دقيقتين كشف لي عن عمق المعرفة التي اكتسبها عن الحصون والأسلحة والأساطير وتاريخ العصور الوسطى من كل كتب الفانتازيا التي قرأها، هذا فضلًا عن فهمه للأفكار الأدبية المعقدة، مثل الأسلوب والرمز والنماذج للشخصيات فور أن شرحتُها للفصل؛ نظرًا لاكتشافه عديدًا من الأمثلة لهذه الأفكار بالفعل من الكتب التي يقرؤها.

(٢-٢) التواصل مع الطلاب بكل مستوياتهم

لم تنجز ماديسون أيضًا فروض القراءة المكلفة بها. لم تكن قارئة متحمسة أو سريعة عند انضمامها للفصل، ولم تجد متعةً كبيرةً في القراءة، لكن مع التشجيع وكثير من الترشيحات من زملائها ومني، قرأتْ ستة وعشرين كتابًا في الصف السادس؛ وبذلك قرأتْ ذلك العام عددًا من الكتب يفوق إجمالي الكتب التي قرأتْها بنفسها منذ دخولها إلى المدرسة، مما يعد إنجازًا مذهلًا. وقد عكست تفضيلات ماديسون في الكتب الموضوعات المفضلة لديها؛ فاستمتعت بقراءة الروايات الواقعية التي تتناول مشكلات المراهقين، مثل الشعبية والمواعدة. وإذا اختفى مجتمع القرَّاء الذي يقدِّم لها الدعم، أو انعدم توقُّع مواظبتها على القراءة يوميًّا، فلن تقرأ ماديسون بهذا القدر على الأرجح بعد ذلك.

يقرأ الطلاب الذين يستمتعون بالجوانب الاجتماعية للمدرسة — مثل ماديسون — عندما تكون القراءة لازمة للمشاركة في ثقافة الفصل، لكنهم قد لا يفعلون ذلك في حال تغيُّر المناخ العام للفصل. وهذه النقطة مرتبطة تحديدًا بالمدرسة الإعدادية، التي يرتبط فيها سلوك الطلاب بالأمور التي تحظى بتقدير أقرانهم. كانت ماديسون تقرأ لأن جميع أصدقائها في الفصل فعلوا ذلك؛ لذا، يجب عدم الاستهانة بضغطِ الأقران والحاجةِ للانتماء التي يخضع لها جميع المراهقين؛ بوصفهما قوة شديدة الأثر في تحفيز الطلاب على القراءة. لقد رأيتُ الكثير من الطلاب ينتقون كتابًا ما لأن أحد أصدقائهم رشَّحه لهم، وما كانوا ليختاروه لولا ذلك.

أرفض سحب السلطة من الطلاب فيما يتعلق باختيار ما يقرءونه، حتى وإن كانوا لا يرغبون بها. ولنأخذْ براندون مثالًا على ذلك؛ ففي أول يومين بالدراسة، انهار براندون وأخبرني بأنه لن يتمكن مطلقًا من قراءة جميع الكتب التي توقعتُ منه قراءتها لأنه يكره القراءة وليس قارئًا جيدًا. اختار على مضض كتاب «أمنيات جيدة» بقلم فراني بيلينجزلي لإعجابه بفتاة في الفصل كانت تقرأ هذا الكتاب. ما كنت لأرشح قطُّ هذا الكتاب لصبي نشط ورياضي مثل براندون؛ إذ بدا أنه كتاب يثير اهتمام الفتيات الحالمات المحبات للخيال. وكما هو متوقع، عانى براندون في قراءته للكتاب التي استمرت نحو شهر. في البداية، سألتُه في سعادة عن حاله مع الكتاب، فكان يتمتم بأنه على ما يرام. لكنني عرفتُ أنه لم يكن معجبًا بالكتاب، ولم يكن يركز في قراءته.

تَرَجَّيْتُ براندون أن يترك الكتاب ويختار كتابًا آخر، لكنني أدركت أن هذا بالضبط ما كان براندون يحاول تجنبه؛ فتَرْك كتاب «أمنيات جيدة» يعني أنه سيضطر لاختيار كتاب آخر، وهو لم يُرِدْ كتابًا آخر، بل إنه لم يُرِدْ أي كتاب على الإطلاق. أعتقد أن براندون تمنَّى أن أستسلم، لكنه استهان بي وبنفسه، وأنا موقنة بأنه تمكَّن من إرهاق المعلمين الذين مروا عليه قبلي، وتَجنَّبَ مسألة القراءة برمتها.

تَمثَّل تكتيكي الجديد في أن أعطي له أكوامًا من الكتب التي قد يستمتع بها على نحو أكبر؛ وهي الكتب التي تدور حول صبية يخوضون مغامرات، وكل ما فعلته هو أن جعلته يتعامل مع الكتب، أكوام وأكوام منها. ظللنا نتحدث عن الكتب في كل اجتماع، لكننا صرنا نتحدث عن الكتب التي قد يقرؤها براندون، لا الكتاب الذي لم يكن يقرؤه آنذاك. وأخيرًا، استسلم براندون ذات يوم، واختار كتاب «البلطة» بقلم جاري بولسن. قرأ براندون النصف الأول من ذلك الكتاب على مضض، لكنه أحبه وقرأ آخر خمسين صفحة منه سريعًا. وأعلن لي مفتخرًا أنه كان في الفصل الأخير من الكتاب، ثم سألني: «هل لديكِ أي كتب أخرى من نوعية «البلطة»؟» وهو الآن يقرأ بِنَهَمٍ جميعَ قصص برايان (ونشكر لجاري بولسن إنتاجه الغزير!) ويخطط لرحلات تخييم مع أسرته؛ الأمر الذي ألهمه بولسن بفعله.

برفضي تولِّي مسئولية قراءة براندون أو عدم قراءته، أجبرتُه على توليها؛ فقد كانت القراءة في السابق عملًا يسيطر عليه المعلم نيابةً عنه؛ ومن ثم كان براندون يرى أن فشله في القراءة لم يكن خطأه.

إن هدفي مع جميع الطلاب هو دَفْعُهم إلى اكتشاف أنهم قرَّاء، لكن بعضهم يلقى صعوبات في التحول من أشخاص لا يقرءون إلى أشخاص كثيري القراءة في عام دراسي واحد؛ لذا، من المهم الاحتفال بالإنجازات المهمة مع الطلاب، والتركيز على نجاحاتهم في القراءة، لا فشلهم في إنجاز الفروض المكلفين بها؛ فالتركيز على هذا الفشل لا يؤدي إلا إلى تثبيط همم الطلاب. لذا، فأنا — بدلًا من ذلك — أشجعهم وأطرح عليهم أسئلة من قبيل: «هل قرأتم أكثر مما توقعتم من أنفسكم قراءته؟» «كم عدد الكتب التي قرأتموها العام الماضي؟» «يا للروعة، انظروا عدد الكتب التي قرأتموها هذا العام! هل قرأتم كتبًا استمتعتم بها؟» «ما الذي أثار دهشتكم في ذلك الشأن؟» وعندما يخبرني طالب بأنه لم يقرأ سوى كتاب واحد طوال حياته، لكنه قرأ هذا العام ثلاثة وعشرين كتابًا بحلول شهر مارس، فكيف لي أن أفعل أي شيء سوى الاحتفاء به وتشجيعه؟

(٣) إقرار خيارات القراءة

من الملامح الأخرى المميزة للقرَّاء أننا نقرأ من أجل التهرب من الواقع فقط أحيانًا؛ فكم من القرَّاء المراهقين يقرءون كتبًا يعتبرها البالغون محدودة الفائدة في نظام القراءة الخاص بهم؟ ليس عليَّ سوى إلقاء نظرة على ما يقرؤه طلابي لأعرف كل ما أريد معرفته؛ أندرو — ذلك القارئ غير النهم — مستغرق حاليًّا في قراءة سلسلة كتب تتبع نفس الخط القصصي للعبة الفيديو المفضلة لديه، هالو؛ وبرايس يقرأ مقتطفات أدبية مختارة من قصص «حرب النجوم» المجمعة؛ ولورين وباتي لا تملَّان من قراءة كتب المانجا المصورة اليابانية؛ أما تيفاني، فترشِّح كتاب الألغاز والتشويق «الوجه المرسوم على علبة اللبن» لجميع أصدقائها. ما من كتاب من هذه الكتب يمكن أن يظهر في قائمة أفضل الكتب للقرَّاء الصغار، لكن طلابي أحبوا قراءتها. وبغضِّ النظر عن الكتب التي أحاول تقديمها لطلابي عن طريق مكتبة الفصل أو أرشحها لهم، لا بد أن أُقرَّ أيضًا ببعض من خياراتهم التي لا ترتقي إلى مستوى الثقافة الرفيعة في مواد القراءة.

إن الكتب التي تُقرأ على نطاق واسع ليست دائمًا الكتب التي يكتبها المؤلفون الأكثر حظوة بالاحترام أو الكتب التي تحصل على أفضل المراجعات النقدية. وبالمثل، كثيرٌ من الكتب التي توصَف بأنها أعمال ذات قيمة أدبية عظيمة لا يقرؤها الكثير من القرَّاء. ويتجول القرَّاء في هذين العالمين؛ عالم الفن الراقي وعالم الثقافة الشعبية. أعتقد أن كل أمريكي يجب أن يقرأ رواية «أن تقتل طائرًا بريئًا» الحاصلة على جائزة بوليتزر، لكنني أعتقد كذلك أنهم يجب أن يقرءوا رواية «البريق» لستيفن كينج، التي تحظى بقاعدة عريضة من المعجبين المخلصين. والكتب التي أختارها للقراءة مع الطلاب أو لاستخدامها في التدريس أو لأعرضها في مكتبتي قد تختلف عن الكتب التي أودُّ من كل قلبي أن يقرأها الطلاب؛ فمن خلال السماح للطلاب بقراءة ما يودون قراءته وتشجيعهم على ذلك، أُظهر إقراري لثقافتهم واهتماماتهم، الأمر الذي لا نفعله بما يكفي في المدارس.

تذكرنا كلمات لوسي كالكين في كتابها «فن تعليم الكتابة» بأنه: «ستفتقر ورش العمل التي نعقدها إلى الحيوية والأهمية، إذا جلس الطلاب خلالها غير مشاركين وشاعرين بالملل، منتظرين رنين جرس انتهاء وقت الورشة وبدء الحياة من جديد.» يفقد المعلمون مصداقيتهم مع الطلاب عندما يتجاهلون التوجهات والمسائل الثقافية التي تهم هؤلاء الطلاب، ويخططون لدروس القراءة في الفصل بناءً على الكتب «التي تنال إعجابهم الشخصي». يكنُّ المعلمون قدرًا معينًا من الاحتقار تجاه الروايات الشعبية الموجهة للأطفال؛ لأن بعض هذه الكتب لا تثري العقول، لكنني على يقين من أن بعض هؤلاء المعلمين يقرءون عند عودتهم إلى منازلهم كتبًا يتهربون بها من واقعهم، مثل «إدمان التسوُّق» أو إحدى قصص التشويق لجيمس باترسون، ولا يربطون مطلقًا بين الأمرين. هل ندرِّس للكتب أم للقرَّاء؟ إنني أُفضِّل أن يقرأ طلابي كتبًا مُختَلَفًا على قيمتها الأدبية على ألا يقرءوا على الإطلاق؛ فبمجرد أن يعثر الطلاب على كتاب واحد على الأقل يثير إعجابهم ويحصلون على الموافقة على قراءة كتب من اختيارهم، يصبح من اليسير توجيههم للكتب التي يقترحها المعلم.

على سبيل المثال، لم تكن ماري قارئةً نَهِمة عند التحاقها بفصلي؛ فلم يسبق لها سوى قراءة كتاب واحد فقط استمتعتْ به للغاية، وهو كتاب «يوم أن جُنَّت مؤخرتي» بقلم آندي جريفيث. هذا الكتاب، الذي يُعَد الأول في سلسلة مكوَّنة من ثلاثة كتب، يتناول قصة مراهق من بلدة صغيرة تكشف مؤخرته ومؤخرات أهل المدينة الآخرين عن كونها سلالة من الكائنات الفضائية التي تنوي السيطرة على العالم. نعم، فهم من كوكب أورانوس! رشحت ماري الكتاب لي، وعرضتْ أن تقرضني نسختها التي قرأتها كثيرًا، فخلعتُ عباءة المعلمة، وتعاملتُ مع الموضوع بصفتي قارئة، وفعلت ما يفعله القرَّاء عندما يرشح لهم شخصٌ ما كتابًا بهذا القدر من الحماس؛ فأخذتُ الكتاب وقرأتُه، ووجدتُ أنه إذا كان الكتاب — بما يحتويه من دعابات قبيحة عن الجسد وتوريات بغيضة وتسلسل أحداث فاضح — قد أضاف شيئًا لحصيلة ماري اللغوية، فستكون هذه الإضافة على الأرجح كلمات ليست بحاجة إلى معرفتها.

المهم حقًّا في الأمر هو أن ذلك الكتاب كان يعني كل شيء لماري؛ مما جعلني أقرؤه وظللنا نضحك عليه معًا طوال العام. ونظرًا لثقتي بماري كقارئة وإقراري بذلك، وَثِقتْ هي بدورها في نفسها. ومنذ ذلك الحين، قبلتْ كثيرًا مما رشحتُه لها من مواد للقراءة، فتحولت إلى قراءة روايات أكثر تعقيدًا، وصارت تحب الروايات التاريخية. وعندما حان وقت انتقالها من فصلي، كان كتابها المفضل على الإطلاق هو رواية «فتاة في الملابس الزرقاء» بقلم آن رينالدي — التي تتناول قصة فتاة تتنكر في زي فتًى لتشارك في الحرب الأهلية. كثيرٌ من الطلاب الذين يبدءون بقراءة كتب من نوعية «يوم أن جُنَّت مؤخرتي» لأنهم قرَّاء غير ناضجين، لا يتمتعون بخبرة كبيرة في اختيار الكتب بأنفسهم، أو لم يحصلوا على الإرشاد الكافي، ويوسِّع معظم هؤلاء الطلاب نطاق قائمة الكتب خاصتهم بدعمٍ من قارئ أكثر خبرة، وهنا يأتي دور المعلم؛ فما ينبغي علينا فعله هو منح الطلاب موافقتنا عندما يختارون ما سيقرءونه بأنفسهم، بغضِّ النظر عن الكتب التي يختارونها؛ لأن هذا أفضل كثيرًا من اتخاذهم قرارًا بعدم القراءة على الإطلاق.

وأعتقد أن السماح للطلاب — ولا سيما الصِّبْية — بقراءة الكتب المستفزة، أو التي تكاد تكون غير ملائمة — مثل كتابَي روبرت كورمير المثيرَين للجدل «حرب الشوكولاتة» و«متجر الخردة»، أو كتاب كريستوفر بول كورتيس الصادم «القضاء على سارج» — يعد محفزًا لهم. فما يجذب الصِّبْية بالمدرسة الإعدادية والثانوية لموضوعات أفلام وألعاب فيديو معينة، والصور الدقيقة، والمشاهد الإيحائية، والأسلوب التخريبي؛ يمكن العثور عليه في كتب الشباب، لكنهم يجهلون ذلك. في أحد الأعوام، تداولتْ مجموعة كبيرة من الصِّبية كتاب «حرب الشوكولاتة» فيما بينهم لإيمانهم بأنه ما من كتاب يمكنه تناول مسألة التنمُّر وتجربة صبي مراهق بمثل هذا الأسلوب الصريح والصادق.

يزدري المعلمون وأولياء الأمور على الأغلب أكثرَ نوع من القراءة يستمتع به الصِّبية؛ مَن يهتم بما إذا أراد هؤلاء الصِّبية قراءة كتاب يحتوي على نكات عن دورات المياه أو يتناول حوادث اصطدام السيارات؟ لماذا يجب على هؤلاء الصِّبية القراءة إذا لم يتمكنوا مطلقًا من العثور على اهتماماتهم أو الشخصيات التي يشعرون بترابط بينهم وبينها في الكتب التي يوجههم الكبار لقراءتها؟ لذا، فإنني أرغب في أن أوضِّح للصبية في فصلي أن بإمكانهم العثور على أنفسهم في الكتب، وجَعْل القراءة سبيلًا للسعي وراء الموضوعات التي تستحوذ على اهتمامهم.

(٤) التعريف بالمؤلفين عن طريق القراءة بصوت مرتفع

أُدرِّس لطلاب الصف السادس؛ لذا فإن الكثير من الكتب التي أقرؤها لهم بصوت مرتفع مرتبطة بهذه السن تحديدًا وبمخاوفهم بشأن الانتقال إلى المدرسة الإعدادية. وأول كتاب أقرؤه بصوت مرتفع كل عام هو «الفتاة المتعثرة في غدائها»، تحرير نانسي ميركادو، وهو مقتطفات مختارة من قصص مدرسية بقلم كتَّاب مشهورين. تتناول هذه القصص مجموعة متنوعة من الموضوعات التي تهم طلابي؛ مثل الطالب الجديد في المدرسة، والمعاناة من عسر القراءة، وصعوبات العمل مع مجموعة من الغرباء على استكمال مشروع ما للفصل. ونتشارك كذلك كل عام في قراءة كتاب جوردون كورمان — وهو أحد الكتَّاب المفضلين لديَّ — «لعبة الاسم المستعار للصف السادس» (بمعنى أن أقرأ ويتبعني الطلاب بقراءة نسختهم من الكتاب). ولا حاجة لشرح سبب اختياري لهذه القصة الواقعية التي تدور حول مجموعة من طلاب الصف السادس الذين لا يُعتبَرون من أفضل القرَّاء، لكنهم يتمكنون من التفوق في اختبار الولاية للقراءة عن طريق قراءة أعداد مهولة من الكتب، التي منحتْهم القوة لفعل ذلك.

من الكتب المفضلة لديَّ دائمًا أيضًا مذكرات جاري بولسن. إن روايات بولسن — مثل روايته الكلاسيكية عن النجاة «البلطة» — رائعة، لكن مذكراته الشخصية، من ذلك حكاية نجاته الشخصية «شَجاعة»، وروايته التذكارية عن كلابه العزيزة «سنواتي مع الكلاب»، وروايته عن تصرفاته المتهورة في مرحلة المراهقة «كيف حصل آنجيل بيترسون على اسمه؟»؛ كلها من أنجح الكتب التي نقرؤها كل عام. ونظرًا لأن تجارب الطلاب المحدودة مع كتب التراجم والسِّيَر الذاتية عادةً ما تبدأ بواجب بحثي، فإنهم يأتون إلى فصلي معتقدين أن هذين النوعين من الكتب سَرْد مُمِلٌّ لإنجازات أبطالٍ موتى. لكن مغامرات بولسن الشخصية يمكن أن تزيد من تقدير الطلاب للقراءة عن حيوات أشخاص آخرين.

ومن خلال قراءة هذه الكتب المنتقاة وغيرها مع طلابي في مرحلة مبكرة من العام، أعرِّفهم على نحو خمسة عشر كاتبًا تُنشَر أعمالهم على نطاق واسع وتُعرَف بأنها تثير اهتمام القرَّاء الصغار. وتمكِّنني تجارب القراءة المشتركة هذه من تقديم الترشيحات عن طريق الربط بين الكتب الجديدة للمؤلفين أنفسهم والقصص التي استمتعنا بقراءتها معًا في الفصل. وتشمل القائمة التالية للكتب المفضلة التي ستُقرأ بصوت مرتفع مع الفصل مجموعة متنوعة من الكتب لمؤلفين مشهورين وألوان أدبية يستطيع المعلم استخدامها مع فصله. إن النطاق العمري المقترَح لكتب المرحلة الابتدائية هو من الصف الثالث حتى الصف الخامس، ولِكتب المرحلة الإعدادية من الصف السادس حتى الصف الثامن. وقد تكون كتب المرحلة الابتدائية مفيدة لصفوف المرحلة الإعدادية أيضًا، وكذلك قد تفيد كتب المرحلة الإعدادية صفوف المرحلة الابتدائية، وذلك حسب احتياجات أو اهتمامات مجموعة الطلاب المحددة التي تدرَّس لها. قد تكون لديك قائمة الكتب المفضلة الخاصة بك والمخصصة للقراءة بصوت مرتفع في الفصل، لكن تَذكَّرْ أن هدفي من قراءة هذه الكتب هو مشاركة عديدٍ من الكتب المثيرة للاهتمام إلى حدٍّ كبير مع الطلاب كنوع من التعريف بالمؤلِّفين الذين كتبوا عديدًا من الكتب الأخرى التي يستطيع الطلاب قراءتها وحدهم.

قائمة الكتب المفضلة المخصصة للقراءة بصوت مرتفع في الفصل

(أ) الأدب الروائي

المرحلة الابتدائية

«كل طائر صغير مغرِّد»، بقلم ديبورا ويلز.

«لعبة الاسم المستعار للصف السادس»، بقلم جوردون كورمان.

«ملفات حوادث الطوارئ»، بقلم بيتسي بايرس.

«آكل الكلمات»، بقلم ماري أماتو.

المرحلة الإعدادية

«الوحوش»، بقلم ويليام سليتور.

«بالأسفل»، بقلم كاثي أبيلت.

«شوا كان هنا»، بقلم نيل شوسترمان.

«البذور الأولى»، بقلم بول فلايشمن.

«سارق البرق»، بقلم ريك رايردن.

(ب) المذكرات

المرحلة الابتدائية

«شجاعة»، بقلم جاري بولسن.

«عقد في خيط اليويو»، بقلم جيري سبينلي.

«رُتَيْلاء في حقيبتي»، بقلم جين كريجهيد جورج.

المرحلة الإعدادية

«سنواتي مع الكلاب»، بقلم جاري بولسن.

«خطوات صغيرة: العام الذي أُصبتُ فيه بشلل الأطفال»، بقلم بيج كيريت.

«كيف حصل إنجيل بيترسون على اسمه؟» بقلم جاري بولسن.

(٥) تأسيس خلفية معرفية عن النوع الأدبي

ينبغي على الطلاب — في إطار تعلُّمهم القراءة — تعلُّم اللغة المشتركة التي يتحدث بها القرَّاء عند مناقشتهم للكتب وتدارسها؛ لذا، فإنني أخطط تدريسي والمناقشات التي نجريها في الفصل على مدار العام حول مسألة اللون الأدبي، وهو التصنيف الرسمي للكتب. بعض الطلاب يجهلون المصطلح، لكنهم يفهمون الفرق بين الأدب الروائي وغير الروائي، وأن الكتب يمكن أن تشترك في أنواع الشخصيات والحبكة والإطارَين الزماني والمكاني. لقد شرحتُ هذه العناصر القصصية في حصص سابقة، لكن من المتوقع مني تناولها مجددًا وفقًا لمعايير الولاية.

وبدلًا من إجبار الطلاب على تحمُّل إعادةٍ مُملَّةٍ للمعلومات التي سبق لهم تعلُّمها، أوظِّف ما يعرفه الطلاب بالفعل لدعم استيعابهم كيفية اختلاف هذه العناصر بين الألوان الأدبية المختلفة، وكيفية استخدام التشخيص والحبكة والسياق في تصنيف الكتب. ومن خلال مناقشات الفصل، نضع توجيهات إرشادية لتحديد نوع الأدب غير الروائي أيضًا؛ حيث نستكشف أنواع المعلومات التي تقدمها التراجم والكتب المعلوماتية، وكذلك خصائص النص وأساليب صياغته. ونظرًا لأن معظم طلابي في الصف السادس لم يتعرفوا من قبلُ على المذكرات، أجد أن هذا هو الوقت المناسب لتعريفهم بها؛ وأُعرِّف المذكرات بأنها سيرة ذاتية تركز على فترة محددة من حياة الكاتب. أما الشِّعر، فأتركه ليكون آخر ما أتناوله من الألوان الأدبية؛ وذلك لأنه لا يتشارك في بنيته مع الألوان الأخرى، ولديه عناصره الفريدة الخاصة به وحده. أبدأ دراستنا لِلَّون الأدبي بالأسلوب ذاته كل عام؛ لأن ذلك يسمح لي بتقييم معرفة الطلاب السابقة بالمبادئ الأدبية، ووَضْع أساس في الوقت نفسه للقراءة المستقبلية بناءً على متطلبات اللون الأدبي؛ فينبغي عليَّ إدراك ما يعرفه الطلاب بالفعل قبل أن أتمكن من الانتقال إلى المرحلة التالية.

(٥-١) اللون الأدبي هو الخطوة التمهيدية

أحمل في يدي كومة من الكتب وترتسم على وجهي ابتسامة عريضة — وهو المنظر الذي سيعتاد طلابي على رؤيته كثيرًا على مدار العام — وأنادي على الطلاب: «آنساتي سادتي! فلتُخرجوا أوراق الملاحظات الخاصة باللون الأدبي لكي نتحدث عن الفانتازيا»؛ فيُخرجون أوراق ملاحظات اللون الأدبي حيث سجلوا خصائص كل نوع في أثناء تناولنا له، ويبحثون عن عنوان قسم الفانتازيا. وأتابع حديثي قائلةً: «لتتذكروا محادثاتنا عن الشخصيات وأخبروني: ما الذي نعرفه بالفعل عن شخصيات كتب الفانتازيا؟»

فيقول طالب: «حسنًا، معظم الشخصيات في كتب الفانتازيا إما سَحَرة وإما ساحرات كما هو الحال في روايات هاري بوتر.»

«أتفق معك أن وجود ساحر أو ممارس للسحر في الكتاب يجعله يندرج تحت لون الفانتازيا، لكن هل كل كتب الفانتازيا تتضمن هذين النوعين من الشخصيات؟ هل يمكن أن يعطيني أي أحد مثالًا على كتاب لا يتضمن ساحرًا، لكنه يظل كتاب فانتازيا؟»

يقدِّم العديدُ من الطلاب أمثلة على كتب ذات سياقات وشخصيات واقعية وتتضمن أحداثًا سحرية؛ مثل «تَك الخالد» و«آكل الكلمات». فيؤدي ذلك إلى مناقشة أخرى حامية الوطيس حول إن كانت الكتب التي تضم حيوانات ناطقة، مثل «شبكة تشارلوت» و«ريدوول»، كتب فانتازيا أم لا. ونقرر أنها كذلك بالفعل. أسجل سريعًا أكبر عدد ممكن من أفكار الطلاب على لوح ورقي، وأحث الطلاب طوال هذه الفترة على تجنُّب التعميمات عن طريق تجنب كلمات مثل «جميع» و«كل» عند تقديم اقتراحاتهم. وبما أن الأطفال في عمر الثانية عشرة يتمتعون بدرجة كافية من الثقافة، أوضح لهم أن هناك اختلافات واضحة حتى داخل اللون الأدبي الواحد.

أنبِّههم قائلة: «في الواقع، يمكن أن تضم كتب الفانتازيا أي نوع يمكن تصوره من الشخصيات، ومنهم الأشخاص العاديون، لكن ما نبحث عنه هو أنواع الشخصيات التي لا يمكن وجودها في أي نوع أدبي آخر سوى كتب الفانتازيا.»

نحدد في النهاية بعض الأنواع العامة للشخصيات التي تُختصُّ بها كتب الفانتازيا؛ ألا وهي ممارسو السحر، والحيوانات الناطقة، والكائنات الخرافية. وفي أثناء هذه المحادثة، ناقشْنا كثيرًا من الكتب، بل وبعض الأفلام أيضًا، لتقديم الأدلة الداعمة لآرائنا؛ فقد لا يكون لدى الطلاب ما يكفي من خبرات القراءة لتوضيح مناقشة اللون الأدبي بأمثلة من الكتب، لكنهم يعرفون قصصًا. والقواعد الأساسية للقصة موجودة في الأفلام والبرامج التليفزيونية التي يشاهدونها أيضًا. وتشجيع الطلاب على تقديم أمثلة بناءً على أي معرفة لديهم، وليس فقط الكتب، يَحُول دون هيمنة القرَّاء النَّهِمين على جميع المناقشات المبكرة التي نجريها حول الكتب، ويوضح للطلاب أنني أُقدِّر ما يفهمونه بالفعل. توفِّر هذه الممارسة كذلك سبيلًا آخر للتواصل مع الطلاب أيًّا كان مستواهم.

وبالانتقال إلى مناقشة السياقات والحبكة الشائعة في روايات الفانتازيا، نضيف هذه الخصائص إلى القائمة. وعلى مدار أسبوعين أو نحو ذلك، ندرس جميع الألوان الأدبية للكتب الموجودة في مكتبة الفصل، وننشئ قوائم بعناصر كلٍّ منها. ونراجع أيضًا التشخيص والحبكة والإطارَين الزماني والمكاني وبنية النص واللغة المجازية. ونتحدث عن كيف أن السفر عبر الزمن بواسطة السحر يجعل الكتاب يندرج تحت لون الفانتازيا، بينما السفر عبر الزمن بواسطة التكنولوجيا المتقدمة يجعله ينتمي إلى لون الخيال العلمي. ونتناقش حول إن كانت الأحداث التاريخية يجب أن تكون محور الحبكة لتجعل من الكتاب روايةً تاريخيةً؛ فتنبثق تلقائيًّا مصطلحات جديدة، مثل «المقتطفات الأدبية» و«الرواية القصيرة»، من هذه المحادثات أيضًا. وهكذا، لا يكف حديثنا عن الكتب.

من خلال هذه المحادثات، أتمكَّن من تقييم خبرات القراءة والمعرفة السابقة لطلابي؛ على سبيل المثال، تُظهر ملاحظات ميليسا حول هذه السلسلة من مناقشات الفصل كيف شكَّلَت هذه المحادثات فَهْمَها لخصائص كل لون أدبي (انظر الشكل ٤-١).
fig7
شكل ٤-١: ملاحظات طالبة حول خصائص الأنواع الأدبية (المصدر: ميليسا، الصف السادس).
fig8
(استكمال الشكل السابق.)

وفي الوقت الذي نصوغ فيه التعريفات، نلقي نظرة أيضًا على عديدٍ من الكتب لتحديدِ إن كانت معرفة الطلاب لخصائص كل لون أدبي يمكن أن تساعدهم أم لا في تحديد اللون الأدبي لأي كتاب عند استعراضهم له؛ ففَهْم البنية الأساسية والحبكة لكلِّ لون أدبي يساعد الطلاب على اختيار الكتب والتكهُّن أثناء القراءة. والطلاب الذين يفتقرون لِهُوية قرائية، ممن لا يعرفون ما يكفي من المعلومات عن الكتب ليعرفوا ما قد يعجبهم قراءته، يكوِّنون قدرًا أكبر من الفهم لأنواع الكتب المتاحة لهم أيضًا.

(٥-٢) التعرف على الكتب المندرجة تحت كل لون أدبي

لكي ننقل مناقشاتنا حول خصائص الألوان الأدبية إلى مستوًى يتجاوز مجرد التدريب الأكاديمي، أتوقع من الطلاب أن يتمكنوا من تطبيقِ ما تعلموه على الكتب التي ربما لم يسبق لهم قراءتها. إن مكتبة فصلنا المدرسي منظمة حسب اللون الأدبي، وأرغب في معرفةِ إن كان بإمكان الطلاب استخدام فهمهم للَّون الأدبي لاختيار الكتب من هذه المكتبة ووضع افتراضات بشأنِ ما يقدمه كل كِتَاب للقرَّاء.

بعد مرور بضعة أسابيع من دراستنا لوحدة اللون الأدبي، يدخل الطلاب الفصل ليجدوا عديدًا من الصناديق التي لا تحمل أي شيء يدل على نوع الكتب التي تحتويه من مكتبة فصلنا في انتظارهم عند كل مجموعة من المكاتب.

أقدم للطلاب موضوع اليوم عن طريق مشاركة أحد صناديق الكتب معهم، فأقول: «في هذا الصندوق، لديَّ عديد من الكتب التي تنتمي للَّون الأدبي ذاته. عند قراءتي للنبذات التشويقية الموجودة على الأغلفة الخلفية لهذه الكتب، استخدِموا أوراق الملاحظات ومناقشات الفصل التي أجريناها لتحديد اللون الذي تعتقدون أن هذا الصندوق يحتوي عليه.»

بعد أن يقرر الطلاب أن الكتب الموجودة في صندوقِي تنتمي للأدب الواقعي لأن الأحداث والأطر الزمانية والمكانية والشخصيات تبدو واقعية في نظرهم، أَلْفِتُ انتباههم للصناديق الموجودة على مكاتبهم، وأقول لهم: الأطر الزمانية والمكانية «والآن، أريدكم أن تعملوا على المجموعات الخاصة بكم. استخدموا معرفتكم بخصائص الألوان الأدبية للتعرُّف على اللون الأدبي للكتب الموجودة داخل الصناديق الموضوعة على مكاتبكم.»

يفحص الطلاب الصناديق الموضوعة على مكاتبهم، وينغمسون في تدوين الملاحظات واستعراض الكتب. تلوِّح فتاتان في الجانب الخلفي من الفصل لي كي أحكم بينهما؛ فثمة خلاف في مجموعتهما ولا يمكن لأفرادها الاتفاق على اللون الأدبي للكتب التي يحتوي عليها الصندوق البلاستيكي.

«نعتقد أن الكتب تنتمي لفئة الروايات التاريخية لأن الأغلفة الخلفية لكتب مختلفة منها تَذْكر أمورًا تاريخية، مثل بن فرانكلين والحرب العالمية الثانية، لكنني لا أعتقد — وكذلك ستيسي — أن الصبي في هذا الكتاب شخصية تاريخية حقيقية.»

يقاطع كودي — أحد أفراد المجموعة — الحديث قائلًا: «بن فرانكلين كان شخصية حقيقية، والحرب العالمية الثانية حدثتْ بالفعل. هذه الكتب معلوماتية.»

أرشدتُهم لمراجعة مناقشاتنا في الفصل، وقلت لهم: «حسنًا، ما الفرق بين الكتاب المعلوماتي وكتاب الأدب التاريخي؟»

فأكد كودي: «نحن لا نعلم إن كان هذا الصبي شخصية مختلقة أم لا؛ فربما يكون حقيقيًّا.»

أَحُثُّ المجموعة على استخدام ملاحظاتهم حول الألوان الأدبية كقائمةِ مراجعةٍ لمعرفةِ إن كانت جميع الكتب الموجودة في الصندوق تتضمن عناصر الرواية التاريخية أم عناصر الكتب المعلوماتية. وتحديدُ إن كانت الأحداث والشخصيات في كل الكتب واقعية أم لا هو العامل الفاصل هنا.

خسر كودي المعركة؛ فقد كانت الفتاتان على حق، وما حسم الأمر هو رواية «حرب فوستر» بقلم كارولين ريدر. فتوصلوا إلى أنه بالرغم من أن النبذة التشويقية تذكر أن الحرب العالمية الثانية هي محور الإطار الزماني لأحداث الرواية وحبكتها، فإن بطل القصة — فوستر سيمونز — شخصية خيالية. ووافق كودي مُكرَهًا على أن الصندوق كان يحتوي على روايات تاريخية. لكنه لم يخسر في الحقيقة؛ إذ رأيته ينقل الكتاب خلسة إلى مكتبه في وقت لاحق.

هذه الجلسة العملية لا تسمح للطلاب بتعزيزِ ما تعلموه عن اللون الأدبي عن طريق تطبيق ما تعلموه على كتب حقيقية فحسب، وإنما تتيح لهم أيضًا إمكانية مراجعة كتبٍ كثيرةٍ والتعرُّف على مخطط مكتبة الفصل. وبعد هذا الاختبار، ألاحظ دائمًا العدد الكبير من الكتب الذي يختفي من الصناديق وتنتقل إلى مكاتب الطلاب لكي يتحققوا منها لاحقًا. وختامًا لدراستنا لِلَّون الأدبي، أمنح الطلاب اختبارًا عمليًّا؛ فيحصل كل طالب على أربعة كتب، وينبغي عليه التعرف على نوع كلٍّ منها. ونادرًا ما أجد طالبًا لا يمكنه التعرف على أنواع معظم الكتب.

في خلال بضعة أسابيع فقط، نكون قد وضعنا الأساس لعامنا الذي سنقضيه في القراءة. يعتاد الطلاب على روتين القراءة كل يوم، وتكون لديهم خطة للقراءة قائمة على تكليفات واسعة النطاق لنصوص اختاروها بأنفسهم. في هذه الفترة، أشكِّل الخلفية المعرفية للطلاب عن مجموعة متنوعة من الألوان الأدبية والمؤلفين، ويعرفون أنني أقدِّر خياراتهم من الكتب وأحتفي بأي قراءة يقومون بها. ما أفعله وما يفعلونه يحيط بهذه القاعدة، ويوفر أساسًا لأنشطة القراءة والكتابة والتفاعل في المستوى التالي من ورشة عملنا.

(٦) متابعة الطلاب: دفتر القارئ

لمَّا كان كل طالب في فصلي يقرأ كتابه الخاص، لزمني التحاور مع كلٍّ منهم لتحديد مدى تقدُّمهم في تحقيق أهداف القراءة ومَنْحهم الدعم الفردي الذي يحتاجون إليه؛ فلا يمكنني الانتظار لأسابيع لأكتشف أن داني لا يقرأ أو أن كيتلين قد انصرفت عن قراءة آخر أربعة كتب خاصة بها. إذا انتظرتُ نتائج أنشطة القراءة التي نقوم بها، مثل المراجعات النقدية للكتب أو الممارسة المستقلة للاستراتيجية، فسأكتشف أن بعض طلابي كانوا يواجهون صعوبات في قراءة كتبهم أو فهمها، وسيكون الأوان قد فات؛ لذا، من خلال الاجتماعات ورسائل آرائهم في الكتب التي يقرءونها، أقيِّم إن كان الطلاب يستمتعون بكتبهم ويفهمونها أم لا. وينطلق هذا التفاعل بيني وبين طلابي من نقطة مشتركة؛ ألا وهي دفاتر القراء.

دفتر القارئ الذي نستخدمه، وهو نسخة مصممة من كتاب «إرشاد القرَّاء والكتَّاب (للطلاب من الصف الثالث إلى السادس)» بقلم فاونتاس وبينيل، هو دفتر سلك مكوَّن من سبعين صفحة، ملصق على جهته الأمامية نُسَخ ضوئية مقصوصة الحواف لمخططات وقوائم، ويتضمن هذا الدفتر عدة أقسام لتسجيل أنشطة القراءة التي يقوم بها الطلاب:
  • «قائمة التسجيل»: تنقسم هذه الصفحة إلى أعمدة للألوان الأدبية وعدد الكتب التي أطلب من الطلاب قراءتها، ويسجل الطلاب الكتب التي يقرءونها خلال مُضيِّهم في القراءة، أما أنا فأشطب على تكليفات القراءة الخاصة بكل لون أدبي ينتهون منه.

  • «قائمة القراءة»: يسجل الطلاب في هذه القائمة كل الكتب التي قرءوها أو حاولوا قراءتها وتركوها. ويتضمن كل تسجيل لأي كتاب عنوانه ومؤلفه وتاريخ الانتهاء من قراءته وتقييم الطالب لمدى صعوبة قراءته.

  • «قائمة الكتب المخطط لقراءتها»: تعمل هذه القائمة كقائمة تسوق أو كخطة لقراءة الطالب المستقبلية. يسجل الطلاب أجزاءً تكميلية لم تُنشَر بعدُ لكتبٍ قرءوها، والكتب التي يرشحها أقرانهم أو أرشحها لهم، أو الكتب التي عاينوها وأرادوا قراءتها لاحقًا.

  • «رسائل الآراء»: يخصَّص معظم دفتر القارئ لرسائل الرأي، ويكون تركيز هذه الخطابات جماليًّا؛ فيفكر الطلاب في آرائهم الشخصية تجاه الكتب التي قرءوها وفي أسلوب المؤلفين. وأكتب لهم بدوري خطاباتٍ ردًّا على ما كتبوه، وأطرح عليهم فيها أسئلة وأستكشف من خلالها تفسيرات الطلاب وتقديرهم للكتب.

أخصص دفترًا لنفسي أيضًا، وأسجل فيه كل الكتب التي قرأتها منذ بداية الصيف حتى نهاية العام دراسي، وأحمل هذا الدفتر معي إلى الفصل كل يوم. وفي أثناء الإعلانات عن الكتب (أي الترشيحات المباشرة للكتب المقدمة من الطلاب)، أدوِّن أي كتب يرشحها الطلاب وأود قراءتها، وأفتح هذا الدفتر في أثناء الاجتماعات ومناقشات الفصل عندما يحتاج أي طالب إلى اسم مؤلف أو ترشيح كتاب يعرف هذا الطالب أنني قرأته. وفي القسم الموجود في دفتري، الذي يقابله القسم الذي يسجِّل فيه الطلاب آراءهم تجاه الكتب، أكتب ملاحظات حول الاجتماعات. يمسك الطلاب بدفاتر القرَّاء الخاصة بهم كل يوم في بداية الحصة، ويرجعون إليها باستمرار ليضيفوا مزيدًا من الكتب، أو يؤشروا على متطلبات القراءة، أو يدونوا آراءهم. وعندما نلتقي في الاجتماعات، أتوقع من الطلاب إحضار دفاترهم معهم كي نتمكن من التحقق منها معًا والتحدث بشأنها، وأجلب دفتري بدوري أيضًا.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤