الفصل السابع

إدارة الفصل المدرسي أم التحكم به

لم أحب القراءة يومًا إلا بعد أن خشيت فقدانها؛ فالمرء لا يحب التنفس!

هاربر لي

أدرك أنني لن أحظى مطلقًا — على الأرجح — بفرصة أخرى للقراءة بالقدر الذي أقرؤه الآن في الفصل.

ميشيل

يمكن التعبير عن مضمون رواية جاري شميت «حروب الأربعاء»، وهي إحدى رواياتي المفضلة الجديدة، في جملة واحدة هي: «يزرع المعلمون في الخريف ويحصدون ما زرعوه في الربيع.» وبالنظر حولي في الفصل المدرسي في هذا اليوم من شهر مارس، أُدرِك أن هذا حقيقي؛ فطلابي مُنْحَنُون على كتبهم؛ بل إن أحدهم يواصل القراءة بينما يتمخط ويسير ناحية سلة القمامة. أنهي العام الدراسي على النحو نفسه الذي بدأته به؛ جالسةً أقرأ في كرسيي الأخضر. لا أقرأ أمامهم بقدر ما أقرأ معهم. أتساءل أحيانًا إن كنت قد جمعت الطلاب حولي في دائرةٍ أم أنهم فتحوا دائرتهم وسمحوا لي بالدخول إليها. أيًّا كان الأمر، القراءة هي ما نفعله الآن، ونحن سعداء بممارستها.

وبدلًا من ملاحقتي في كل مكان، والتوسل إليَّ للحصول على ترشيحات للكتب، بدأ طلابي في جمع أكوام من الكتب لاستعراضها واقتراحها بعضهم على بعض؛ إنهم يحاكون ما فعلته معهم، إنهم لا يحتاجون إلى دعمي لهم كقراء بقدرِ ما كانوا في بداية العام الدراسي في أغسطس، وهذه الفكرة تشعرني بالحماس، لكنها تحزنني في الوقت نفسه. أعلم أنهم سيتركونني عما قريب. وفي نظري، أسوأ ما في مهنة التدريس هي توديع الأطفال الذين أحببتهم، والذين لن أرى كثيرين منهم بعد ذلك مطلقًا. كل ما سيتبقى لي هي تلك اللقطات الذهنية التي ألتقطها لهم الآن وأنا أختلس النظر إليهم من فوق صفحات كتابي.

إن أليكس شعلة قراءة، زادت مكتبتنا والوقت المخصص للقراءة من توجهه. إنه ينهمك في القراءة لدرجة أنه يصرف انتباهه عن كلِّ ما يحيط به، بما في ذلك أنا في بعض الأحيان. أتمنى ألا أكون المعلمة الوحيدة التي لا تمانع ذلك.

إذا كان معك كتاب تدور أحداثه حول كلب، فأعطه لميليسا. ولا تعطِ كتبًا حزينة لباركر؛ فهي تدَّعي أنها تكره هذه الكتب، وإن كان من الواضح أنها تقرأ كثيرًا منها.

أما مولي، فتحب الكتب المليئة بالتشويق والإثارة وذات الإيقاع السريع، وهي انتقائية للغاية بشأن ما تقرؤه. وقد أعطيتها عشرين كتابًا لتستعرضها في إحدى المرات، ولم يعجبها أيٌّ منها. فصار اختيار الكتب التي ستعجبها تحديًا شخصيًّا لي. أعتقد أنها سيكون لها مستقبل في مجال النشر.

يجلس كينان وميشيل متواجهين على مكتبيهما المتقابلين، ويتنافسان على مَن سينتهي من قراءة «إنكهارت» أولًا. يبدو أن كينان قد ترك نسخته من الرواية في المنزل اليوم، ويقرأ شيئًا آخر. وبذلك، تصير ميشيل في الصدارة مؤقتًا.

أما بيثاني وماديسون ودانا، فهم مفتونون بسلسلة «أبناء منتصف الليل» بقلم سكوت ويسترفيلد، لدرجة أنهم أقنعوني باستخدام الكلمات المكوَّنة من ثلاثة عشر حرفًا، التي تسيطر على كائنات الظلام في هذه الكتب، في قائمة المفردات التالية للفصل (انظر الشكل ٧-١). هكذا، فإنهم يحضرون لي كلمات جديدة كل يوم. وبدلًا من الكلمات العشر التي اعتدنا على جمعها، ستحتوي هذه القائمة على ثلاث عشرة كلمة.

براندون، الذي لم يكن خبيرًا في أي شيء مطلقًا سوى الوقوع في المشكلات قبل التحاقه بفصلي، صار الآن خبير الفصل في كل شيء يتعلق بجاري بولسن. وعندما وصلت النسخ الجديدة من روايتَي «النهر» و«صيد برايان» إلى الفصل، وقف براندون أمام مكتبي وانتظر حتى انتهيت من تغليفها بورق التغليف اللاصق كي يتمكن من اصطحابها معه إلى المنزل. كنت أعلم عند طلبي لهذه الروايات أن براندون سيكون أول مَن يأخذها من الطلاب.

fig12
شكل ٧-١: ملصق خزانة ماديسون الذي صممته في المنزل يوضح حبها لروايات «أبناء منتصف الليل».

لم أجد بعدُ كتابًا من تأليف مارجريت بيترسن هاديكس لم تقرأه جوردان. ولعل اقتراب العام من نهايته أمر جيد؛ لأن اقتراحاتي لها قد أوشكت على النفاد.

يحزم دانيال كتبًا كثيرة جدًّا في حقيبة الظهر خاصته ليحملها معه إلى المنزل لكي يقرأها في عطلة الربيع حتى إنني أخشى أن يصاب بمشكلات بالظهر جراء ذلك. ويسألني كل يوم إن كنت قد انتهيت من قراءة رواية «أبناء المصباح: يوم محاربي الجن» كي يقرأها بعدي.

يزعم جوش ورايلي — اللذان يتميزان بثقتيهما بأنفسهما وشعبيتهما بين زملائهما — أنهما ليسا قارئين، لكنهما كانا أكثر مَن قدَّم كتبًا للزملاء في الفصل. إنهما دليل على أن المعلم إذا تمكن من دفع الأطفال ذوي الشعبية إلى القراءة، فإن باقي الأطفال الآخرين سينتهجون نهجهم.

يتمتع بيشوب بحماس شديد تجاه الكتب التي يحبها؛ مما يجعل من الصعوبة بمكان أن يضع أي شخص آخر يده عليها. وأَدين له بالفضل في جعل «الطبول والفتيات والفطيرة الخطيرة» أكثر الكتب شيوعًا بين الطلاب هذا العام، رغم وجود نسخة واحدة فقط منه في الفصل.

نمزح مع بونجاني وبتينيا بشأن عدد الكتب التي يتحفظان عليها؛ فكلاهما نَهِمَان للكتب، لدرجة أنهما يجمعان تِلالًا منها في خزانتيهما كما لو كانا يخزنان الجوز لفصل الشتاء.

وأجدني مدفوعة إلى التساؤل إن كان شتاء القراءة سيحل عليهم قريبًا؟ أدرك مدى هشاشة حبهم الذي اكتشفوه حديثًا للقراءة، وقلة المعلمين الذين يسمحون للطلاب بالجموح في القراءة مثلما أفعل أنا.

أعرف ذلك لأن بعض هؤلاء الطلاب يعودون إليَّ ويخبرونني بذلك.

(١) العودة إلى نقطة البداية

تَظهر آلي وأختها التوءم هانا على باب فصلي بعد بدء العام الدراسي بفترة قصيرة لكي تعيدا إليَّ الكتب التي استعارتاها مني على مدار إجازة الصيف. تقضي الفتاتان — الثرثارتان النابضتان بالحيوية — معي بضع دقائق في الدردشة حول ما فعلَتَاه خلال الإجازة. وينتقل حديثنا إلى الكتب التي تُعيدَانِها لي وانطباعاتهما عنها، لكن الحديث يئول في النهاية إلى فصل اللغة الإنجليزية الحالي بالصف السابع.

تقول آلي متنهدةً: «أشعر بخيبة أمل يا سيدة ميلر؛ فمعلمتنا الجديدة لا تؤمن بضرورة مَنْحنا وقتًا للقراءة الحرة.»

فقلت لها: «حقًّا؟» كنت أحاول تحقيق التوازن في حديثي؛ فأردت الإقرار بمشاعر آلي دون الإساءة للمعلمة التي ستظل تدرِّس لها طوال العام.

«لقد حدَّدَت مسبقًا كل الكتب التي ينبغي علينا قراءتها، لكننا لا نحظى بأي وقت لقراءة كتبنا الخاصة.»

قاطعت هانا حديث أختها قائلةً: «نعم، نقرأ كلنا رواية «لعبة ويستنج»، وهي رواية مملة جدًّا.»

ما كنت لأرشح أبدًا قراءة رواية الإثارة والتشويق «لعبة ويستنج» بقلم راسكين لآلي؛ فليست من النوع الذي تفضله آلي؛ إنها قارئة عاشقة للخيال. ونظرًا لأن مستوى ذلك الكتاب أدنى عدة أعوام من مستوى قراءتها، فإن ذلك يمثل عاملًا ضده كذلك. يمكنني أن أرى هنا أننا عدنا إلى حيث بدأنا: قراءة روايات مفروضة من المعلم دون أي مراعاة لاهتمامات الطلاب أو مستوى قراءتهم. من المهين ألا تقدِّر المعلمة الجديدة خبرات آلي في القراءة؛ فمستوى قراءتها وحصيلة مفرداتها لن تتطور إذا كانت تقرأ كتبًا سهلة للغاية بالنسبة لها.

«ينبغي علينا الاحتفاظ بكتبنا في كيس بلاستيكي قابل للغلق لأن المعلمة تعتقد أنه ليس بإمكاننا الحفاظ عليها، وقد أخبرَتْنا بأنها تعلم بأننا لا نقرأ على الأرجح بالقدر الكافي، وأنها تريد أن تضمن أن نقرأ بقدر أكبر. ألا تعرف من أين أتينا؟ لقد قرأنا جميعًا عددًا هائلًا من الكتب العام الماضي، وهي تعاملنا كما لو كنا لا نقرأ.»

فاندفعتُ في انزعاج قائلةً: «هل أخبرتموها بذلك؟ هل أخبرتموها بأنكم كنتم تقرءون كثيرًا جدًّا العام الماضي؟»

«كلا، فلن يشكل ذلك فارقًا.» لا أعرف إن كان ذلك حقيقيًّا أم لا، لكن من الجلي أن آلي وهانا قارئتان سريَّتان لا تُراعَى مشاعرهما بشأن القراءة وخبراتهما فيها في فصل مادة اللغة الإنجليزية للصف السابع الذي تنتسبان إليه. لقد نَمَّتْ كلتا الفتاتين حبهما للقراءة في فصلي، وأكره التفكير في أنهما ستسعيان للبحث عن هذا الحب خارج المدرسة لكي تحافظا عليه. لقد عدنا إلى نقطة الصفر! إنَّ غَرْس عادات القراءة التي تستمر مدى الحياة في طلابي أشبه بمحاولة درء مياه المحيط بمقشة، أيْ محاولة عديمة الجدوى، إذا كانوا سيعودون إلى نفس البيئة المتسلطة التي كانوا فيها قبل التحاقهم بفصلي.

غادرت آلي وهانا ذلك اليوم وهما تحملان كتبًا جديدة لقراءتها بالطبع، لكنهما ستضطران لقراءة تلك الكتب في المنزل. سعدت للغاية بعودة الفتاتين لرؤيتي، لكنني شعرت بالاكتئاب الشديد لأنهما لن تحظيا بأي وقت للقراءة في المدرسة هذا العام — بخلاف الكتب المكلفتين بقراءتها — ولأنني ليس بيدي أي حيلة في هذا الشأن. أودُّ لو كان بإمكاني التحدث مع معلمتهما، لكن ليس بإمكاني على الإطلاق التحقيق مع معلمة أخرى بشأنِ ما تفعله في فصلها.

فعلت الشيء الوحيد الذي يمكنني فعله؛ ألا وهو ركوب سيارتي والبكاء طوال الطريق إلى المنزل. أسأل نفسي: هل كان طلابي سيصيرون أفضل حالًا إذا لم أدرِّس لهم على الإطلاق (أعلم أنها مبالغة في الحسرة، لكنني كنت ثائرة للغاية)؟ وتلك الحقائب البلاستيكية ترمز إلى أن القراءة فعل لا يمكن للطلاب تحمل مسئوليته دون مراقبة من المعلم. لماذا نسعى جاهدين على هذا النحو لبناء أسوار بين الطلاب والكتب؟ لعلي أضعهم على طريق القراءة مدى الحياة، لكنني لا أُعِدُّهُم لسنوات من المعاناة مع الأسلوب التقليدي لتعليم القراءة الخاضع لتحكم المعلمين بعد تركهم لفصلي. وأسوأ من ذلك أن طلابي السابقين يعلمون ما يفتقدونه ويشعرون بخيبة أمل بسبب ذلك؛ فهم يعلمون أن القراءة يمكن أن تكون مختلفة، وأن الفصول يمكن أن تكون مكانًا يُسمَح فيه لهم بالاختيار، مكانًا يحظون فيه بوقت لقراءة كتبهم الخاصة كل يوم، ويمنحهم فيه المعلم زمام السلطة في قراءتهم. بعد التحدث مع الفتاتين التوءمتين، بدا لي أن السبيل الوحيد الذي يمكنهما النجاة به كقارئتين متحمستين بعد تركهما فصلي هو القراءة سرًّا.

(٢) ما الذي نُعِد الطلاب له؟

قيل لي عدة مرات، سواء على نحو مباشر أو عبر التعليقات على مدونتي، إنني لا أُعِد طلابي «للعالم الواقعي» بالسماح لهم بقراءة ما يرغبون في قراءته. نعم، هذا حقيقي، إذا كان العالم الواقعي يعني أعوامًا من أوراق التدريبات على الفهم والتمرين على الاختبارات؛ فإذا كانت هذه هي الأشياء التي يتألف منها تدريس القراءة، فأعتقد أن المعترضين على أسلوبي في التدريس على حق؛ فأنا لا أُعِد طلابي لهذا العالم.

لماذا يجب عليَّ أن أعرِّض طلابي لخبرات سلبية الآن لكي أُعِدهم لخبرات سلبية لاحقًا؟ لا أعتقد أن العمل غير الهادف هو ما ينبغي عليَّ إعدادهم له. لقد سئمت سماع المعلمين وهم يقولون: «يجب أن نجعلهم مستعدين للصف السابع أو المدرسة الثانوية أو الكلية.» إنهم في الصف السادس! لماذا لا نجعلهم يعيشون عامًا ثريًّا ومؤثرًا ورائعًا في الصف السادس؟ يجب ألا يكون الهدف من الدراسة هو إعداد الطلاب لمزيد منها. يجب أن نسعى لجذب اهتمام الطلاب على نحو كامل الآن.

إذا لم تكن هذه الحجة كافية من وجهة نظرك، فعليك التفكير في الأدلة التي تشير إليها فصول القراءة الحرة، مثل فصولي. إن السماح للطلاب باختيار كتبهم والتحكم في معظم قراراتهم بشأنِ ما يقرءون ويكتبون ويفكرون فيه أفضلُ في إعدادهم لحياة ثقافية مقارنةً بوحدات الروايات والتدريبات على الاختبارات والمشروعات العديمة الجدوى التقليدية الواسعة الانتشار. فما الذي ننتظره؟

أشارت النتائج التي تَوصَّل إليها ريتشارد ألينجتون منذ ثلاثين عامًا إلى أن الطلاب لا يقضون وقتًا كافيًا في القراءة الفعلية خلال دراستهم للقراءة، ولا يزالون على هذا الحال. وعنوان مقال ألينجتون المميَّز: «إذا كانوا لا يقرءون بالقدر الكافي، فكيف لهم أن يتحسنوا؟» يخبرني بالكثير من الأمور التي ينبغي عليَّ معرفتها. نُشِر هذا المقال في عام ١٩٧٧؛ أي قبل عام من التحاقي بالمدرسة الإعدادية. ولم أرَ بالطبع أي زيادة في معدل القراءة في فصلي بالمدرسة الإعدادية نتيجة لهذا البحث؛ الأمر الذي لا أراه الآن أيضًا في العديد من الفصول المدرسية. ومهما كانت استراتيجيات التدخل التي تتبعها لدعم القرَّاء الناشئين أو مشروعات الإثراء التي تقدِّمها لأكثر الطلاب موهبةً، فلن يؤثر أيٌّ منها على تحصيل كل طلاب فصلك في القراءة مثلما تفعل الساعات الطويلة من القراءة.

يوضح العديد من نتائج الأبحاث، ووثائق السياسات الفيدرالية، وكتُب الخبراء؛ للمعلمين أن القراءة الفعلية هي النشاط الأكثر قيمة في الفصل المدرسي. وعلى الرغم من قراءاتي لكثيرٍ من الأبحاث، فليس عليك بصفتك معلمًا سوى النظر إلى أي شيء غير الفهارس والمجلات التي يتلقاها أي معلم على بريده. فعند تصفحي فهرس «التطور المهني لجمعية القراءة الدوليَّة»، لا أجد إلا سبعة كتب فقط تركز بوضوح على تعزيز القراءة المستقلة وخيارات الطلاب للمواد التي يقرءونها. وإذا أضفت الكتب التي تشجع منح الطلاب بعض فرص الاختيار — عن طريق الدوائر الأدبية، على سبيل المثال — أو الكتب التي توصي بالقراءة المستقلة بصفتها جزءًا من نموذج التدريس الشامل؛ فسأحصي خمسة عشر كتابًا أخرى. يتضمن عدد مارس ٢٠٠٨ من مجلة «بوك لينكس» — التي تَصْدر عن جمعية المكتبات الأمريكية — مقالًا عن تحفيز القراءة تحت العنوان الفرعي «إثارة اهتمام الطلاب»، ومقالًا افتتاحيًّا بقلم أحد المعلمين يدعو فيه لمبادرة وطنية لربط الطلاب بالكتب بدلًا من التركيز على الاختبارات.

بالرغم من الكم الهائل من المعلومات المتوافِرة حول تنفيذ برامج القراءة القائمة على الاختيار الحر والدعم البحثي الواضح لهذه الممارسات، لِم إذن لا تُمارَس القراءة الفعلية إلا بقدر ضئيل للغاية في المدارس؟ وعندما يتمكن الطلاب من قراءة كتاب بالفعل، لماذا يُثقَل هذا الكتاب بكثير من «الأشياء» — على حد وصف ألينجتون — بدلًا من القراءة؟ أعتقد أن السبب هو التأثر الثقافي؛ فالمعلمون يفعلون ما يفعله الآخرون. فكيف يمكنك التخطيط والتعاون مع المعلمين الآخرين إذا كانت رؤيتك للقراءة مختلفة عن رؤيتهم؟ كيف ستحصل على المواد اللازمة إذا كان رئيس القسم الذي تتبع له لن يطلبها من أجلك؟ كيف تبرر الثلاثين دقيقة التي يقضيها طلابك في القراءة المستقلة، إذا كان ناظر المدرسة لا يفهم قيمة هذا النشاط؟

حتى إذا كان المعلمون يرون أن السماح لطلابهم بالقراءة أكثر فاعلية من أي نشاط آخر فيما يتعلق بتطوير قدرتهم كقرَّاء بارعين، فإنه لا يوجد دعم مؤسسي كبير للقراءة المستقلة؛ القراءة المستقلة الحقيقية دون برامج قائمة على المهارات أو اختبارات الفهم أو أنشطة الاختبارات أو الحوافز المرتبطة بها. وثمة ضغط قوي من الزملاء والإداريين لمواصلة العمل بالأسلوب القديم.

لا أزال أشعر بالهلع عند رؤيتي معلمين آخرين لآداب اللغة يُجْرُون للطلاب اختبارًا تدريبيًّا كاملًا على تقييم ولاية تكساس للقراءة لبناء «قدرتهم على التحمل» في الاختبار الفعلي الذي سيخوضونه في خلال شهرين. وأتساءل إن كان يجب عليَّ فعل ذلك بدوري. وقد قال لي أحد زملائي في أسبوع الاختبار التدريبي: «لا يستطيع طلابي الجلوس لمدة ست ساعات في الاختبار والإبقاء على تركيزهم حتى النهاية، فأقول لهم إنني لن أطلب منهم خوض سباق ماراثون دون أن يركضوا بضعة أميال أولًا.» لكنني أعتقد أن القارئ البارع من المفترض ألا يقضي ست ساعات للانتهاء من اختبار قراءة، وأن أفضل وسيلة لتحسين القدرة على القراءة إلى حد كبير هي قراءة الكتب. بيد أنني أحتفظ بهذا الرأي لنفسي ولا أُصرِّح به.

(٢-١) محاربة الثقافة السائدة

من الصعب محاربة الثقافة السائدة حتى وإن كان ما يراه المعلم في الفصل كل يوم يُثبت له أنه على الطريق الصحيح. أنا على الطريق الصحيح، وأعلم ذلك؛ فالدرجات التي يحصل عليها طلابي في الاختبارات تكون مساوية لدرجات الطلاب بجميع الفصول الأخرى في المدارس التي أعمل بها أو تَفُوقها. لكن لن يتباهى بهذه البيانات إلا مَن تكون المعايير الدنيا التي تضعها الولاية فيما يتعلق بأداء الطلاب هي هدفه الوحيد. ولكني أعترف أنني أتنفس الصعداء كل عام، شأني شأن أي معلم آخر، عند وصول الدرجات التي يحصل عليها طلابي في الاختبارات.

لماذا لا يزال هذا الشعور ينتابني على رغم ما لديَّ من بيانات جُمِّعت على مدار أعوام من الفصول المدرسية تثبت أن حرية القراءة لها أثر قوي على التحصيل في القراءة، وما يدعم هذه البيانات من عدد هائل من الأبحاث؟ يرجع السبب في ذلك إلى ثقافة التعليم المتمركز حول المعلم وهوس الاختبارات القياسية. هذه الثقافة تجعلني أشك في نفسي، وأعرف أنها السبب الذي يجعل كثيرًا من المعلمين يرفضون تغيير أسلوبهم؛ ففي النهاية، هذه الأساليب المتمركزة حول المعلم في تعليم القراءة تبدو فعالة فيما عدا جانبًا صغيرًا منها؛ ألا وهو أن الأطفال يتعلمون كره القراءة؛ فثمة خوف من الحياد عما هو فعال بالفعل لأن اتباع أسلوب جديد مع الطلاب قد لا ينجح، ومَن يمكنه المجازفة عندما تكون سمعتنا كمعلمين — وربما أيضًا وظائفنا — على المحك؟

لكن هذه الثقافة هي السبب ذاته الذي يُحتِّم علينا أن نقتنص الفرصة ونعيد القراءة إلى الطلاب بكل وسيلة ممكنة؛ فالتركيز المؤسسي على الاختبارات والبرامج المعدة مسبقًا يستنزف كل متعة من القراءة يَشعر بها الطلاب أو سيشعرون بها في المستقبل. لقد حوَّلْنا القراءة إلى قائمة من الواجبات، مع غض الطرف عن حقيقة أن الطلاب و«الكبار» على حدٍّ سواء يتحمسون بقدر أكبر للرغبات، لا الواجبات. إن واجبات القراءة — مثل التدريب على الاختبارات، وتدريس المهارات، والتحليل الأدبي — جزء مما يجب علينا تعليمه للطلاب، لا أجادل في هذه النقطة؛ فالطلاب بحاجة إلى أن يعرفوا كيفية حل اختبارات القراءة، وتحليل نص أدبي، وقراءة كتاب مدرسي. وأنا أدرِّس لهم هذه المفاهيم — شأني شأن المعلمين الآخرين — لكن تعليم القراءة القائم على المهارات في العالم كله لن يعلق في أذهان الطلاب إذا لم يكن من المُنتَظَر منهم قراءة الكتب أو يُسمَح لهم بذلك. وهذا النوع من التعليم كفيل بعدم قراءة الطلاب، في الصيف، وفي المنزل، بل «لن يقرءوا مرة أخرى أبدًا» بعد انتهاء دراستهم الرسمية.

(٣) التعلم من نماذج يُحتذَى بها

قبل عملي في التدريس، كنت موظفة حسابات. عملت في إدارة الفنادق والمطاعم لمدة عشرة أعوام. وعلى الرغم من إقراري بأن الكثير مما احتجت إلى معرفته عن تعليم القراءة تعلمته من عادة القراءة التي لازمتني طوال حياتي، فإني حصلت على بعض الأفكار المفيدة من خبرتي في الشركات؛ فعندما يريد قادة الشركات تحسين كفاءة شركاتهم أو إنتاجيتها أو أرباحها، ينظرون إلى ما تفعله النماذج التي يُحتذَى بها في المجال، ويخططون لأساليب من أجل نقل الإجراءات والطرق التي تجعل هذه النماذج ناجحة.

والنهج المتَّبع في التعليم الآن هو صناعة القرارات بناءً على البيانات، وهو الأسلوب المستعار من عالم الشركات؛ فتقارن الولايات بين بياناتها، مثل نتائج الاختبارات ومعدلات التخرج وإحصائيات الاستعداد للكليات وما إلى ذلك، وتقارن المناطق التعليمية للمدارس بياناتها ببيانات مناطق أخرى، وتقارن المدارس بياناتها ببيانات مدارس أخرى. ورغم الاستخدام المتزايد للبيانات الواقعية في التوصل إلى القرارات المتعلقة بالتدريس وجهود كثير من الباحثين لتحديد أفضل أساليب زيادة تحصيل القراءة، فلا يزال كثيرون من المعلمين يعلِّمون الطلاب القراءة باتباع نفس الأسلوب الذي اتبعه المعلمون منذ ثلاثين عامًا.

هذه المقارنات بين البيانات تساعد الإداريين في مجال التعليم على التخطيط لكيفية إنفاق الموارد أو تعيين المعلمين وتدريبهم، لكنها لا تساعد المعلمين في تحديدِ ما يجب عليهم فعله كل صباح عند دخول الطلاب الفصل؛ لذا، بدلًا من البحث عن حلول للمسائل التعليمية خارج الفصول المدرسية، أعتقد أنه يجب علينا البحث داخلها والتعلم من طلابنا. إن النماذج التي يُحتذَى بها في الأداء موجودة داخل فصولنا. ما الذي يعرفه أفضل القرَّاء عن القراءة ولا يعرفه القرَّاء الناشئون؟ ما الذي يمكننا تعلمه من أفضل القرَّاء ويرشدنا في اتخاذ القرارات بشأن أكثر القرَّاء ضعفًا في فصولنا؟

ببساطة، إن الطلاب الأكثر ممارسة للقراءة هم الأفضل في كل جانب من جوانب الدراسة؛ القراءة والكتابة والبحث والمعرفة المحددة المحتوى جميعًا (كراشين، ٢٠٠٤). وهم الأفضل في خوض الاختبارات أيضًا، والمعلمون يعرفون ذلك. القرَّاء الناجحون البارعون هم الذين لا يقلق المعلمون بشأنهم، وبإمكانهم اجتياز اختبار الولاية منذ أول يوم لهم في الفصل، ويحتاجون إلى كتبهم الخاصة لتثقيف أنفسهم في أثناء جلوسهم في فصولنا على مدار العام، ولا يتعلمون أي شيء جديد منا. لماذا لا نُعلِّم كل طلابنا تبنِّي أساليب أفضل القرَّاء وسلوكياتهم بدلًا من صرف انتباهنا عن هؤلاء الطلاب، والسعي جاهدين لتعليم القرَّاء الضعفاء؟

(٣-١) الهدف هو تنشئة قرَّاءٍ لمدى الحياة

لا ريب أننا نُصعِّب الأمور على أنفسنا. من الصعب التخلي عن السلطة؛ ففي النهاية، إذا لم نكن ندير بدقةٍ كلَّ جانب من جوانب القراءة لطلابنا، فهل يمكننا وصف ما نفعله بالتدريس؟ للتخلي عن السلطة، يجب أن يغيِّر المعلم فكرته عن التدريس، وما يمكن أن يمثله لك، وليس فقط للطلاب. لا أزال أتعلم حتى الآن كيفية التخلي عن السلطة. ومن الأمور التي أدركتُها أن ثمة فارقًا مميزًا بين إدارة الفصل والتحكم به؛ فبإمكاني إدارة فصلي دون أن أُملي على طلابي كل فكرة أو قرار، ومفهوم الذات لدى طلابي بصفتهم قرَّاءً يجب أن يمتد إلى خارج الفصل المدرسي، بما في ذلك فصلي، وإلا فلن يكونوا قد حصلوا على فائدة مستديمة مني. إذا تحكَّم المعلمون في القراءة، فإنهم لا يمكِّنون الطلاب منها أبدًا. ولن يخرج الطلاب من فصولنا بحافز داخلي للقراءة إذا كانوا يرون أن القراءة فعل لا يحدث إلا في المدرسة تحت سيطرة معلميهم. إن القراءة تنتمي في النهاية للقرَّاء، لا المدارس، ولا معلمي المدارس.

والقراءة في نظر كثيرين جدًّا من البالغين تساوي المدرسة؛ ويفخر بعضهم بعدم قراءة أي كتاب منذ التخرج. ولا ينطبق هذا على القرَّاء الضعفاء فحسب؛ وإنما على معظم القرَّاء، ومن هؤلاء الذين كانوا ينجحون في فصولنا ويجتازون تقييمات الولاية عامًا تلو الآخر. وما من معلم أعرفه يعتقد أن هذا الوضع المؤسف أمر مقبول، لكننا لا نتحمل مسئوليته، مُلقين باللوم على أولياء الأمور لعدم تشجيعهم لأبنائهم على القراءة، وعلى الطلاب أنفسهم لعدم رغبتهم في القراءة.

أريد لطلابي ما هو أكثر من حالة عدم القراءة هذه؛ أريدهم أن يشعروا بأن القراءة مسعًى يواصلون التعلم من خلاله ويجدون فيه السلوى والمتعة على مدار الحياة. أريد ما يريده كريس كرو— المحرر وكاتب العمود بجريدة إنجلش جورنال — لأطفاله عندما يقول راجيًا: «أود، ولو لمرة واحدة فقط، أن يدخل أحد أطفالي متثاقلًا إلى المطبخ متأخرًا على موعد الإفطار غائم العينين لاستيقاظه طوال الليل للانتهاء من قراءة روايةٍ ما. أود أن أراهم جالسين في استرخاء على الأريكة ويعيدون قراءة كتابهم المفضل. سأموت راضيًا إذا سمعت أحد أطفالي قبل أن أموت وقبل أن يكبروا يتحدث بحماس مع صديق له عن كتاب انتهى لتوِّه من قراءته.» لم يكن هذا الاستجداء لومًا موجهًا لأطفاله أو رسالة من خبير؛ وإنما هو رجاء من أبٍ لمعلمي أطفاله لتشجيع أطفاله على القراءة.

(٤) التواصل عن طريق الكتب

إن رحلتي مع الطلاب تعيدني إلى نفسي وإلى ما عرفته دائمًا عن القراءة. إن القراءة هي السبيل الذي اخترته لحياتي، لكل جانب فيها، سواء داخل الفصل المدرسي أو خارجه. وأتساءل في كثير من الأحيان إن كانت هويتي كقارئة — أيْ شخصية تقرأ بِنَهم ولديها دائمًا ترشيحات للكتب — هي كل ما لديَّ لأقدمه للآخرين. ربما يكون ذلك حقيقيًّا، لكنه مبالغة في التبسيط؛ فكيف يمكنني التعبير عن المدى الذي بلغته القراءة في تشكيل شخصيتي كإنسان؟

وبرغم أنني أرى نفسي شخصية حنون، فإنني لست من النوع الذي يُظهِر مشاعره، لكنني إذا جلبت لك كتابًا لم تطلبه، فاعلم أنني أهتم بك. لقد قلت لك كل شيء أود قوله لك من خلال ذلك الكتاب. لديَّ ما يكفي من الحكمة لأقرَّ بأن كلمات أي مؤلف أكثر بلاغة من كلماتي، وعندما نتقابل وأكتشف أننا قرأنا وأحببنا نفس الكتب، نصير أصدقاءَ على الفور، ونحن نعرف الكثير أحدنا عن الآخر بالفعل إذا كان كلانا قارئًا، وأعتقد أن هذا سبب سعيي الدائم لإحاطة نفسي بأشخاص يقرءون. إذا كنتَ لا تقرأ، فلا أعلم كيف أتواصل معك. أعلم أن ذلك عيبٌ. ولعل والدتي، التي شعرت بالقلق من أن تجعلني القراءةُ شخصيةً انطوائيةً، كانت محقة إلى حدٍّ ما؛ لا يمكنني التعبير أبدًا عن شخصيتي الحقيقية بكلماتي بالقدر نفسه من القوة التي يمكن أن تعبر بها كتبي.

هذا هو الأسلوب الذي أعبر به لطلابي عن حبي لهم: أضع الكتب بين أيديهم، ألاحظ أحوالهم، أبحث عن كتب تخبرهم بأنني أدرك ما يشغلهم، وبأنني أعرف شخصياتهم. وعلى الرغم من عدم تحدثنا عن تلك الأمور، فعند قراءتهم الكتب التي أقدمها لهم سيعرفون أنني أفهمهم. نتحدث معًا بلغة الكتب التي نتبادلها فيما بيننا، الكتب التي تقول: «أنت حالم، فاقرأ هذا»، أو «أنت تتألم بداخلك، فاقرأ هذا»، أو «أنت بحاجة للضحك، فاقرأ هذا!»

إن الوقت الذي يقضيه طلابي في فصلي يمر سريعًا للغاية، أو لعله يمر بهذه السرعة فقط من الناحية الزمنية، لكن الساعات التي نقضيها معًا في القراءة ستدوم ذكراها بعد العام الدراسي. الكتب تعني الخلود للكتَّاب، وباعتباري الوسيلةَ التي وصلَتْ من خلالها الكتبُ إلى أيدي الكثير من الأطفال، أشعر بأن الكتب تعني خلودي أنا أيضًا. وإذا تذكَّرَ طلابي عامهم معي بأنه العام الذي قرءوا فيه بِنَهَمٍ العشراتِ من الكتب، فهذا كافٍ في نظري. لا يمكنني التحكم فيما يحدث بعد أن يترك الطلاب فصلي، لكنني أتساءل إن كان ما قدمته كافيًا لهم. وبالنظر إلى عدد طلابي السابقين الذين لا يزالون يراسلونني بالبريد الإلكتروني إلى الآن للحصول على ترشيحات للكتب أو يَظهرون على باب فصلي بعد سنوات من تركهم له للتحدث عن الكتب، أعتقد أن ما قدمته ليس كافيًا.

(٤-١) عودة الطلاب

بعد ظهيرة أحد أيام الجمعة، كان نادي القراءة الذي تَرَجَّاني طلابي لتأسيسه قد انتهى لتوِّه، وكنت أنظف الفصل. رفعت عيني عن مكتبي الذي كنت أسويه لأجد ماثيو واقفًا عند الباب. قال بعينين لامعتين: «هذه الرائحة … لَكَمْ أحب رائحة هذه القاعة! لا يمكنني أن أصفها؛ إنها أشبه برائحة الكتب الجديدة والنظيفة. كيف حالك، سيدة ميلر؟»

عانقتُه ولاحظتُ أن جسده قد نما مقارنةً بالربيع الماضي الذي ترك فيه فَصلي. قضينا نصف الساعة التالية في التحدث عن الكتب التي قمنا بقراءتها منذ الصيف الماضي. سألني: «هل قرأتِ «جريجور وشفرة المخلب»؟» (تنبيه بكشف أحداث الرواية: إذا لم تكن قد قرأت هذه الرواية بعدُ، يمكنك تخطي الجزء الأول من المحادثة التالية!)

«نعم، لقد قرأتها. توحي النهاية بأن السلسلة لم تنتهِ بعدُ. أعتقد أن ثمة شيئًا لم تخبرنا به سوزان كولينز عن ذلك الجار.»

«نعم، أعرف ما تعنيه. لا يمكنني أن أصدق أنها قتلت آريس؛ لقد كان أحد أفضل الشخصيات في القصة! هل تعلمين أن «معركة المتاهة» ستصدر قريبًا؟»

فقاطعتُه قائلةً: «٦ مايو! وإني لَأتساءل كيف سيستخدم ريوردان أسطورة المينوتور في هذه الرواية!»

«لقد سجلتُ أنا وميشيل اسمينا لدراسة علم الأساطير العام القادم.»

«ماثيو! إن بإمكانك تدريس هذا الفصل بفضل ما قرأتَه في علم الأساطير العام الماضي.»

يساعدني ماثيو في جمع المقاعد والتقاط القمامة في أثناء حديثنا الطويل عن الكتب. من اللطيف أن نتمكن من التحدث عن الكتب بهذه السهولة رغم عدم التقائنا منذ ثمانية أشهر؛ الأمر الذي يُثبت أن العلاقة بيني وبين ماثيو كقارئين مستمرة بعد انتهائي من دور المعلمة معه بوقت طويل. نتحدث عن كل السلاسل التي نُتابعها وتَنَاقشْنا مجددًا حول انطباعاتنا عن رواية «هاري بوتر ومقدسات الموت». أخبر ماثيو عن الفيلمين القائمين على روايتَي «إنكهارت» و«القبحاء» اللذين سيُعرضان قريبًا. وعرضتُ عليه كتب فانتازيا القطط — المحاربون — التي وجدتها بالمصادفة في أحد معارض الكتب (ترجَّتْني آلي وهانا وماثيو لشراء هذه الكتب في الربيع السابق). يصرِّح لي ماثيو قائلًا: «أشتري الكتب دائمًا. وأنفق كل أموالي في مكتبة بارنز آند نوبل.» وتبدأ محادثتنا تكشف عن المزيد من الحقائق المزعجة بشأن حال القراءة بعيدًا عن فصلي.

«لماذا لا تزور مكتبة المدرسة، يا ماثيو؟»

«لا تصطحبنا المعلمة مطلقًا إلى المكتبة. ولا يمكنني زيارتها بنفسي إلا قبل اليوم الدراسي أو بعده، لكنني أكون دائمًا في عجلة من أمري في هذه الأوقات. وكلما أجد كتابًا يعجبني في المكتبة، يكون الثالث أو نحو ذلك في السلسلة، ولا أجد مطلقًا الجزء الأول من السلسلة. إنهم لا يشجعون على القراءة في ذلك المكان [يقصد المدرسة الإعدادية] مثلما كنتِ تفعلين.» ويتنهد ثم يستطرد قائلًا: «لا أحد يشجع على القراءة مثلكِ.»

أتوجه إلى مكتبة الفصل وأبحث عن بعض الكتب لماثيو مما أعتقد أنه لم يقرأها العام الماضي، وأمزح معه قائلةً: «أعتقد أن الأمر ينطوي على استغلال من جانبي، لكنني إذا أقرضتُك بعض الكتب لكي تقرأها، فسوف تزورني لإعادتها.»

إن تصريح ماثيو المؤثر بأنه «ما من أحد» يشجع على القراءة مثلما أفعل قد لا يكون دقيقًا للغاية، وهو لم يتعامل إلا مع ثمانية معلمين فقط منذ أن كان في رياض الأطفال. إن تقديم أكوام من الكتب للطلاب ليختاروا من بينها، ومنحهم الوقت للقراءة يبدو سهلًا للغاية، لكنه فعال، ولستُ الشخص البالغ الوحيد الذي يعلم ذلك ممن يعملون على تحفيز الأطفال على القراءة. ويتضح ذلك من نماذج التعليقات على منشورات مدونتي.

•••

لماذا يجب أن نقرَّ باهتمامات الطلاب عند ترشيح الكتب واستخدامها في الفصل؟

إذا أردنا أن يصبح الأطفال قرَّاءً متحمسين ونهمين، يجب أن نسمح لهم بقراءة ما يثير اهتمامهم.

دونا جرين، نُشِر في ١٣ مارس ٢٠٠٨

كيف يؤدي قضاء وقت أطول في تقييم الطلاب ووقت أقل في القراءة إلى القضاء على كل متعة يشعر بها هؤلاء الطلاب تجاه القراءة؟

من المحزن أن يأتي التعبير عن أهمية القراءة والكتابة (من خلال الاختبارات) على حساب الشغف الذي يكنُّه بعض الأطفال تجاه القراءة.

جيسون، نُشر في ٢٩ فبراير ٢٠٠٨

لماذا لا يزال أفضل برنامج للقراءة هو أول برنامج للقراءة يتلقاه معظم الأطفال وهم يجلسون على ساق أحد أبويهم حيث يتواصلون مع الكتب ويقضون الوقت في القراءة؟

إن مَنْح الأطفال المزيد والمزيد من الكتب الممتعة والوقت لقراءتها يبدو خاليًا من التعقيد، وبالغ السهولة، ومتسمًا بالمرونة. بالطبع لا يمكن أن ينجح.

إيرين، نُشِر في ١٣ فبراير ٢٠٠٨

لماذا تتعلق القراءة بالأطفال والكتب، لا البرامج والمعلم؟

بصفتي معلمةً للغة الإنجليزية في مدرسة للتعليم الثانوي البديل، رأيت كثيرًا من الطلاب غير القرَّاء يتحمسون للقراءة بمجرد إتاحة الفرصة لهم لاختيار كتبهم بأنفسهم. من الضروري من وجهة نظري أن يتمكن طلابنا من الوصول بسهولة إلى الكتب التي يسهل عليهم التجاوب معها؛ فعندما يعثر الطلاب على هذه الكتب، يصبح من الصعب عليهم فجأة تركها. أحب ذلك عندما يحدث.

تيري، نُشِر في ١٥ فبراير ٢٠٠٨

هذه النفحات من الحماس للقراءة ليست كافية، ونحن نَعْلم جميعًا أن هؤلاء المعلمين لا يمثلون الأغلبية. ينبغي ألا نضطر إلى أن نصبح معلمين سريِّين. ثمة شيء يجب أن يتغير. ينبغي ألا يعاني الطلاب. في كل مرة يختارون فيها كتابًا، نعاقبهم بأوراق التدريبات المبتذلة والتحليل والمناقشات اللانهائية. ما الذي سيدفعهم للقراءة بمحض إرادتهم؟ لا بد أن يكون هناك مزيد منَّا، لا بد أن تصل أصواتنا للإداريين والزملاء وأولياء الأمور بشأن ما نؤمن به. ولا بد أن نؤمن — بالطبع — بأن القرَّاء بحاجة إلى أن يقرءوا أكثر وأن يتمتعوا بمزيد من التحكم فيما يقرءون.

وإلى أن يحدث ذلك، سأظل أتلقى رسائل بريد إلكتروني مثل الرسالة التالية التي تلقيتها من والدة كيلسي:

ستخضع كيلسي لتقييم تاكس [تقييم تكساس للمعرفة والمهارات] مهم للغاية هذا العام. هل يمكنكِ مَنْحي بعض النصائح بشأنِ ما يجب علينا فعله لمساعدتها على النجاح؟ أعلم أنكِ مشغولة مع طلابكِ، لكن يبدو أنكِ تمكنتِ من التأثير في كيلسي.

إنها كيلسي — نفس الفتاة التي اجتازت بنجاح باهر تقييم تاكس في الصف السادس عندما كنتُ معلمتها. هل تشعر والدتها بالقلق بشأن تقييم تاكس مرة أخرى، واضطرت للاتصال بي لتستشيرني؟ هل أنا آخر معلمة تمكنتُ من التأثير في كيلسي، منذ عامين؟

يعود الطلاب إليَّ معًا، ويرسلون إليَّ رسائل بريد إلكتروني يلتمسون فيها مني قوائم للكتب أو يبحثون من خلالها عن أي شخص يهتم بأحدث إصدار من سلسلة روايات «العصبة». أتأثر بذلك، وأشعر أني أفتقدهم جميعًا، ويسعدني أن أعرف أنه كان لي هذه الدرجة من التأثير عليهم، وأنهم لا يزالون يقرءون، لكن ما كان ينبغي أن يعانوا إلى هذا الحد ليبقوا قرَّاءً، ومن المحزن أن مجتمعات القراءة الخاصة بهم لم تتوسع أو تتطور منذ أن كانوا في الصف السادس، وأعلم أنه من دون الوقت المخصص للقراءة في الفصل المدرسي، أو وجود مجتمع من الأقران القرَّاء الداعمين، يتوقف بعض هؤلاء الطلاب عن القراءة. إن خبرات القراءة التي أتشاركها مع طلابي هشة جدًّا.

يمكنك أن تقرأ كل ما كُتِب عن التعليم، وفي ذلك هذا الكتاب، لكن أحدث رسالة بريد إلكتروني تلقيتها من آلي — التي قضت فترة دراستها بالكامل في الصف السابع في بيئة قراءة تتحكم فيها المعلمة — توضح الأمر برمته:

كلفتنا السيدة/ … بفرض قراءة سنقرأ فيه كتبًا نريد «حقًّا» قراءتها! لم أعتقد قط أن ذلك ممكن … لقد جعلتنا نختار من بين كتب مثل «رمال الزمن» و«كتاب بدايات القصص»، و«بحر كائنات الترول» (هذه الرواية التي اخترتها)، و«إنذار كارثة بيولوجية». سأتمكن ولو مرة من قراءة كتاب ممتع في فصلها.

احتاج فصل آلي إلى الانتظار سبعة أشهر كي يعودوا إلى ما فعلوه في أول يوم لهم في الصف السادس. سيقرأ الطلاب إذا قدمنا لهم الكتب، والوقت، والتشجيع الحماسي لفعل ذلك. أما إذا جعلناهم ينتظرون حتى يحين موعد تلك الوحدة التي يُسمَح لهم فيها للمرة الوحيدة على مدار العام باختيار الكتب التي يريدون قراءتها لكي يصبحوا قرَّاءً، فقد لا تكون القراءة أحد خياراتهم أبدًا. لكي نُبقي طلابنا مواظبين على القراءة، يجب أن نسمح لهم بالقراءة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤