تمهيد

ليس الغرض في هذا الكتاب أن نَصِفَ حياة أبي العلاء وحده، وإنَّما نُريد أن ندرُسَ حياة النَّفس الإسلامية في عصره، فلم يكن لحكيم المعرة أن ينفرِدَ بإظهار آثاره المادية أو المعنوية، وإنَّما الرَّجل وما له من آثار وأطوار نتيجة لازمة وثمرة ناضجة لطائفةٍ من العلل، اشتركت في تأليف مزاجه وتصوير نفسه، من غير أن يكون له عليها سيطرةٌ أو سلطانٌ.

من هذه العلل: الماديُّ والمعنوي، ومنها ما ليس للإنسان به صلةٌ، وما بينه وبين الإنسان اتصالٌ؛ فاعتدال الجوِّ وصفاؤه، ورقة الماء وعذوبته، وخصب الأرض وجمال الرُّبى، ونقاء الشمس وبهاؤه، كل هذه علل مادية١ تشترك مع غيرها في تكوين الرجل وتنشئ نفسه، بل وفي إلهامه ما يعن له من الخواطر والآراء، وكذلك ظلم الحكومة وجورها، وجهل الأمة وجمودها، وشدة الآداب الموروثة وخشونتها، كل هذه أو نقائضها تعمل في تكوين الإنسان عمل تلك العلل السابقة، والخطأ كل الخطأ أن ننظر إلى الإنسان نظرنا إلى الشيء المستقل عمَّا قبله وما بعده: ذلك الذي لا يتصل بشيءٍ مما حوله، ولا يتأثر بشيء مما سبقه أو أحاط به، ذلك خطأ؛ لأنَّ الكائن المستقل هذا الاستقلال لا عهد له بهذا العالم، إنَّما يأتلف هذا العالم من أشياء يتصل بعضها ببعض، ويؤثر بعضها في بعض. ومن هنا لم يكن بين أحكام العقل أصدق من القضية القائلة: بأنَّ المُصادفة محال، وأن ليس في هذا العالم شيءٌ إلا وهو نتيجةٌ من جهة، وعلَّةٌ من جهة أخرى: نتيجة لعلَّةٍ سبقته، ومُقدِّمة لأثرٍ يتلوه. ولولا ذلك لما اتصلت أجزاء العالم، ولما كان بين قديمها وحديثها سبب، وَلَمَا شملتها أحكامٌ عامة، وَلَمَا كان بينها من التشابه والتقارب قليلٌ ولا كثير، وليس للمؤرخ المُجِيد عملٌ إلا البحث عن هذه العلل، والكشف عمَّا بينها من صلة أو نسبة، فعمله في الحقيقة وصفي لا وضعي؛ أي إنَّه يدل على شيء قد كان، من غير أن يخترع شيئًا لم يكن، مثله مثل السائح، يعثر في طريقه بالنَّهر لا يعرفه أصحاب تقويم البلدان، فيدلهم عليه ويهديهم إليه، قد يُسمَّى النَّهر باسمه، وقد يُجلُّه أصحاب هذا العلم، وقد ترفعه أمته إلى حيث يلقى كبار الرجال، ولكنَّه مع ذلك مُستكشف، لم يُوجد النَّهر، بل اهتدى إليه، كذلك شأن المُشتغلين بالعلوم النَّظرية والتَّجريبية، لهم فضيلة الاستكشاف، فأمَّا فضيلة الإيجاد فليس إليهم منها شيء، فلم يكن من الرياضيين من أوجد المثلث، ولا من اخترع نسبةً بين عددين؛ ولم يكن من أصحاب الطبيعة والكيمياء من اخترع قانون الثقل، أو ابتدع عنصرًا من العناصر، إنَّما حقائق العلم في أنفسها قديمة ثابتة واجبة، فأمَّا الحادث العارض، فعلم الإنسان بها واهتداؤه إليها، سواءٌ في ذلك حقائق اللغة والأدب، وأصول الفلسفة والحكمة.

إذا صحَّ هذا كله، فأبو العلاء ثمرةٌ من ثمرات عصره، قد عمل في إنضاجها الزمان والمكان، والحال السياسيَّة والاجتماعيَّة، بل والحال الاقتصادية، ولسنا نحتاج إلى أن نذكر الدِّين؛ فإنَّه أظهر أثرًا من أن نُشير إليه، ولو أنَّ الدليل المنطقي لم ينتهِ بنا إلى هذه النتيجة لكانت حال أبي العلاء نفسه منتهيةً بنا إليها؛ فإنَّ الرجل لم يترك طائفةً من الطوائف في عصره إلا أعطاها وأخذ منها، كما سترى في هذا الكتاب، فقد هاج اليهود والنَّصارى، وناظر البوذيين والمجوس، واعترض على المسلمين، وجادل الفلاسفةً والمتكلمين، وذمَّ الصُّوفية، ونعى على الباطنية، وقدح في الأمراء والملوك، وشنَّع على الفقهاء وأصحاب النُّسك، ولم يُعفِ التُّجار والصناع من العذل واللوم، ولم يُخلِ الأعراب وأهل البادية من التفنيد والتثريب؛ وهو في كل ذلك يرضى قليلًا ويسخط كثيرًا، ويظهر من الملل والضيق، ومن السأم وحرج الصدر، ما يُمثِّل الحياة العامة في أيامه، بشعةً شديدة الإظلام.

فالمؤرخ الذي لا يؤمن بالمذاهب الحديثة، ولا يصطنع في البحث طرائقه الطريفة، ولا يرضى أن يعترف بما بين أجزاء العالم من الاتصال المحتوم، ولا أن يُسلم بأنَّ الشيء الواحد على صغره وضآلته، إنَّما هو الصورة لما أوجده من العلل، ولا يطمئن إلى أنَّ الحركة التَّاريخية جبريةٌ ليس للاختيار فيها مكان، المؤرخ القديم الذي يرفض هذا كله ولا يميل إليه، ملزمٌ مع ذلك أنْ يبحث عن حياة الأمة الإسلامية، إذا بحث عن حياة أبي العلاء؛ فإنَّه إنْ لم يفعل ذلك، استحال عليه أن يفهم الرجل، أو يهتدي من أمره إلى شيء.

نقول الأمَّة الإسلامية، ومن قبل ذلك قُلنا: النَّفس الإسلامية. ولعلَّ من النَّاس من يصفنا بالإسراف في هذا التعبير؛ فإنَّ أبا العلاء قد كان عربيًّا، وعاش عيشة عربية، وأظهر آثاره الأدبية كلها باللغة العربية، فإذا أراد باحث أن يستقصي أمره، كان خليقًا أن يبحث عن حال الأمة العربية في عصره لا عن حال الأمة الإسلامية، وبين اللفظين فرقُ ما بين اللفظ الضيق المحصور واللفظ الواسع الحدود. كلَّا؛ ربما كانت الأمة العربية أشدَّ الأمم تأثيرًا في تكوين المزاج النفسي لأبي العلاء؛ فإنَّ الرجل قد أنفق حياتَه في درس الأدب العربي، والتعمق فيه، حتى استحال أو كاد يستحيل إلى كتلةٍ عربية خالصة، ولكن من الحق أنَّ الأمم الإسلامية الأخرى لها حظٌّ غير قليل في تكوين الرجل ومزاجه، ولا سيما العلمي والفلسفي، فقد بينَّا وسنُبيِّن أنَّ الرجل لم يترك فرقة ولا طائفةً إلا عرض لها، ومن الظَّاهر أنَّ أكثر هذه الفرق لم يكن عربيًّا خالصًا، ورُبما لم يكن له من العربية حظٌّ إلا اللغة، فلا شكَّ في أنَّ صلةً شديدة كانت بين أبي العلاء وبين الأمم الإسلاميَّة غير العربية.

الأمم الإسلامية، هذا اللفظ أيضًا ضيِّق في نفسه إلا أن نتوسَّع فيه، وندل به على معنى وضعي جديد، فنفهم منه — إذا أُطلِق — جميع الذين دانوا لحكم المسلمين، أو سكنوا أرضهم، أو اشتدت بين المسلمين وبينهم الصِّلة.

ذلك لأنَّ أبا العلاء قد عَرض لغير المسلمين، من أصحاب النِّحَل والدِّيانات، بل قد درس فلسفة اليونان، الذين لم يكن بينه وبينهم عهد ولا جامعةٌ زمانية؛ لبُعد الأمد وطول المدة، إلا أنَّ الرَّجل إنَّما درس هذه الفلسفة في كتبٍ إسلامية؛ أي في كتب أُلِّفت أو تُرجِمت في ظلِّ المُسلمين.

إذن فليس لنا بدٌّ من أنْ نبسط البحث ونمد أطرافه، حتى نصل بها بين أقصى المغرب وأقصى الشرق، في كثير من الأحيان، غير محصورين في هذه القرية الضَّيِّقة القائمة بين حلب وحماه، بل قد نضطر إلى أن نترك عصر أبي العلاء ونرجع مع الاستقصاء التاريخي إلى عصر الفلسفة اليونانية والهندية، قبل المسيح بقرون.

وقد نتجاوزُ القرنَ العَاشر لميلاد المسيحِ والقَرنَ الحاديَ عَشر، وهُما العَصْران اللَّذان عاشَ فيهما أبو العلاء، قد نُجاوزهما إلى هذا العصرِ الجديدِ الذي نَحنُ فيه، لنُقارن بين آراءِ الرَّجلِ وكثيرٍ من الآراء المُحدَثَةِ، التي تَكَشَّفَ عنها عصر الفَلسفةِ والاختراعِ.

يدلُّ ما قدمناه على أنَّا نرى الجبر في التَّاريخ؛ أي إنَّ الحياة الاجتماعية إنَّما تأخذُ أشكالها المُختلفة، وتنزل منازلها المتباينة، بتأثير العللِ والأسبابِ، الَّتي لا يملكُها الإنسان، ولا يستطيع لها دفعًا ولا اكتسابًا، ذلك رأي٢ نراه وسنثبته في موضعه من الكتاب.

وإنَّما نقول هنا: إنَّ هذا الرأي سيلزمنا أن نسلك في البحث عن حياة أبي العلاء طريقًا خاصَّة، ربما لم يألفها المؤرخون؛ ذلك أنَّا لا نعتقد انفراد الأشخاص بالحوادث، وإنَّما نعتقد أنَّ الحوادث أثرٌ لطائفةٍ من المؤثرات، وعلى هذا لا نستبيح لأنفسنا أنْ نُضيف أثرًا من الآثار إلى شخص من الأشخاص، مهما ارتفعت منزلته وعلت مكانته، ومهما عظم أثره وجلَّ خطره، وإنَّما كل أثرٍ ماديٍّ أو معنوي ظاهرةٌ اجتماعية أو كونية ينبغي أن تُرَدَّ إلى أصولها وتُعاد إلى مصادرها، وأن تُستَقَى من ينابيعها وتُستخرَج من مناجمها؛ وهي جماعة العلل التي أشرنا إليها آنفًا. فليس المأمون وحده هو الذي ابتدع فتنة القول بخلق القرآن، وإنَّما تلك فتنةٌ أحدثها عصره، واندفع المأمون بحكم المؤثرات المختلفة إلى أن يكون مظهرها، كما اندفع خلفاؤه من بعده إلى ذلك بحكم هذه المؤثرات.

إنَّما الحادثة التاريخية والقصيدة الشِّعريَّة والخُطبة يُجيدها الخطيب، والرِّسالة يُنمِّقُها الكاتب الأديب، كلُّ أولئكَ نسيجٌ من العللِ الاجتماعية والكونية، يخضع للبحث والتحليل، خضوع المادَّة لعمل الكيمياء.

من هنا يَعرِض لنا أحيانًا، أنْ نرفضَ كثيرًا من الرِّوايات التي أحصاها المُؤرخون في كُتبهم من غير تثبت ولا تحقيق؛ لقلة نصيبهم من النَّقد، أو لانقطاع الوسائل بينهم وبين إصابة الحق، نرفضها إذا دلَّ البحث العقلي والاجتماعي على غير ما تدلُّ عليه؛ فإنَّ هذا البحث، من غير شكٍّ ولا ريب، أصدق منها دلالةً وأوضح طريقًا.

نعم، ومن هنا لا نستبيح لأنفسنا أن نحمد الأشخاص أو نذمهم، بحسن ما يُنسَب إليهم من الآثار أو قُبحِه؛ فإنَّ الذم والحمد مع قلة غنائهما في التاريخ ليسا من عمل المؤرخ، بل من عمل الرجل الذي قصر حياته في صناعة المدح والهجاء، بل إنَّ مذهبنا في التاريخ يمنعنا من ذلك، ويُحرِّمه علينا؛ فإنَّا لا نؤمن بانفراد الأشخاص ولا استقلالهم بالأعمال، وإذا لم ينفردوا بها ولم يستبدوا بالتأثير فيها، كان من الواضح أنَّهم ليسوا أحرياء بما يُسدَى إليهم من حمدٍ أو هجاء.

ولقد مضت سُنَّة المُؤرخين من قومنا برواية الأخبار والحوادث، لا يُهملون تحليلها فحسب بل يُهملون أيضًا ذكر المصادر التي استقوا منها رواياتهم، يُهملونها إيثارًا للإيجاز، أو غُلوًّا في الثِّقَةِ بأنفسهم، أو إكبارًا لها عن أن تحتاج إلى استدلال كأنَّ الصدقَ لهم واجبٌ، والعصمةُ عليهم موفورةٌ؛ وكأنَّ وقوعَ الكذبِ منهم ممتنعٌ، ونسبة الخطأ إليهم جُرمٌ كبير! ذلك شأنُ الأدباء والمُؤرخين، مُنذ هجروا طريقة الأولين من الرُّواة، الذين ما كانوا يستبيحون لأنفسهم رواية خبرٍ من الأخبار، من غير أنْ يُضيفوه إلى مصدره، ويردوه إلى أول من رواه.

أجل، قد أهمل المؤرخونَ والأدباءُ ذلك، حتى اجترأ أحدهم على أنْ يُعلن هذا الإهمال، ويتمدَّح به، كأنَّه يكره أن يذكر المصادر التي أخذ منها، فيُظهر النَّاس على حظه من العلم، ونصيبه من الاطلاع، أو كأنَّه يريد أن يُحيط كتابه من الإلغاز والتعمية، بما يجعله رمزًا خالدًا إلى أنَّه قد علم ما لم يعلم النَّاس.

ذلك فن الاحتكار قد مضى به الزمان، منذ مضى بالكهنة من المصريين، ولم يبقَ منه الآن إلا ما كان من جبر العظم يحتكر طريقته القديمة بعض النَّاس في مصر، ولو أنَّ هذا الفن من الاحتكار قليل الضرر للعلم، لهان علينا أن نسمح به لأولئك الذين لا يُريدون أن يكسبوا منزلتهم وشهرتهم إلا من الغموض والخفاء، ولكن فيه من تضليل العقول، وخداع الألباب، وإفساد العلم، ما لا ينبغي أن تُغَضَّ عليه الأجفان.

لقد كان يمتاز الرجل في العَصر القديم، بكثرة ما أحصَى من العلم وما وعى من الأخبار؛ فكانَ من المعقول أنْ يضنَّ على النَّاس بمصادر علمه حتى لا يُشارك فيه، أمَّا الآن فَقَد أصبح الرَّجل يمتاز بحُسن البحث والتَّحليل، وإتقان التَّتَبُّع والاستقراء، وإجادة النظر والاستنباط. ومن الواضح أنَّ إظهار مصادره للنَّاس يُعينه على إظهار حظِّه من ذلك، وإعلان قسطه من التفوُّق والنُّبوغ.

تمنعنا الأمانة للعلم والرغبة في الحق، أنْ نسلكَ هذه الطريقة المعوجَّة، أو نذهب هذا المذهبَ الخَطِل، إنَّما نريد أنْ نُظهِر النَّاس على مصادرنا كافة، لا نستثني منها جليلًا ولا دقيقًا، وإنَّما نودُّ لو تتبعوا هذه المصادر وقرنوا إليها ما استنبطنا منها؛ فإنَّ ذلك أحرَى للحق أن يتأيد، وللرأي أن يعظم حظه من الصَّواب. بل ليس يكفينا أن نسرد المصادر سردًا، أو نحصيها عدًّا، ولكنَّا نحب أن ننتقدها مع الإيجاز، مصدرًا مصدرًا، حتى يكون القارئ على بينةٍ منها.

وإذ قد بيَّنَّا أنَّ الرَّجل خاضعٌ في أدبه وعلمه لزمانه ومكانه، فليس لنا بدٌّ من أن نُقدِّم بين يدي هذا الكتاب فصلًا في عصر أبي العلاء، وآخر في بلده. ولما كانت الأسرة أشد ما يُحيط بالرجل أثرًا فيه، خصَّصنا فصلًا آخر لأسرة أبي العلاء، فإذا فرغنا من هذا كله عمدنا إلى الحياة التاريخية للرجل ففصلناها تفصيلًا، ثم انتقلنا منها إلى منزلته الأدبية، فبيَّنا قسمته من الشعر والنثر وخصائصه فيهما، ثم إلى منزلته العلمية فشرحناها شرحًا مستوفى. ومن بعد هذا كله، تناولنا فلسفته فاجتهدنا في أن نكشف عنها ونجليها، ونبيِّن تأثرها بما قبلها، وتأثيرها فيما بعدها، مَعْنِيِّين عنايةً خاصة بفلسفته الإلهية والخلقية؛ لكثرة ما كان فيهما من اختلاف الآراء وافتراق الأهواء.

ونحن نرجو أن يكون الله قد وفَّقنا إلى أنْ نُمثِّل بهذا الكتاب ما نحبُّ أن نمثِّله من ثنائنا العطر وشكرنا الجزيل، واعترافنا بالصنيعة للجامعة المصرية، التي قضى الله أن نكون أثرًا من آثارها.

وإنَّا لنرى هذا لأنفسنا شرفًا ولقَدْرنا رفعة ولشأننا نباهة، ونحرص أشدَّ الحرص على أنْ نُؤدِّي إليها ما لها علينا، من حق العمل الصالح في نصر العلم وتحقيقه، وإباحته للنَّاس.

نشكر الجامعة ونثني عليها، وإنَّما يتقسَّم هذا الشكر والثناء طائفتان: إحداهما طائفة مجلس الإدارة، أولئك الذين جدُّوا في خدمة الجامعة وإنهاضِها، والأخرى طائفة الأساتذة، أولئك الذين بهم قامت الجامعة، وأولئك الذين اشتركوا في تكوين حياتنا العقلية، فأمدَّنا كلٌّ منهم بما له من روح وقوَّة، حتى نشأ لنا من هذه الأرواح والقُوَى — على اختلافها — مزاجٌ عقليٌّ خاص، نرجو أن يكون معتدلًا إن شاء الله.

نُسجِّل اعترافنا بالجميل لأساتذتنا المصريين والإفرنج في الجامعة، ولأساتذتنا في الأزهر الشريف، لا نستثني منهم أحدًا، ولا نفرِّق بينهم في الإجلال والإكبار.

ولقد قال أبو العلاء في آخر كتابه المعروف برسالة الغفران: إنَّه رجلٌ مستطيعٌ بغيره؛ أي إنَّه لم يكن ينفرد بقضاء ما يحتاج إليه من قراءة وتحرير، ونحو ذلك. ونقل عنه ياقوت الحموي شكره للذين أعانوه على الدرس والتأليف، فكتبوا عنه ما أملى عليهم، من غير أن يُكلِّفوه على ذلك أجرًا، أو يقتضوا منه ثمنًا. وإذا كان القضاء المحتوم قد أنزلنا من هذه الحاجة إلى النَّاس منزلة أبي العلاء، وأتاح لنا من الأصدقاء والمخلصين مثل من أتاح له، فلا جرم، حق علينا أن نُؤدِّي إلى أصدقائنا ما أدَّى أبو العلاء إلى أصدقائه من الشكر والثناء؛ فنرجو من الله أن يتولَّى جزاءهم عن ذلك؛ فإنَّه به حريٌّ، وعليه قدير.

طه حسين
٢٠ أبريل سنة ١٩١٤م
١  لسنا نريد بلفظ «المادية» هنا ما اعتاد الناس أن يفهموا منه، وإنما نريد ما بينه وبين الحس اتصال.
٢  لسنا نبتدع هذا الرأي، وإنما نوافق فيه كثيرًا من فلاسفة أوروبا وفلاسفة المسلمين.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤