الفصل الثالث

المنظر الأول

المشهد الأول

(السيد جوردان – الخادمان)
السيد جوردان : اتبعاني؛ فيجب أن أطوف في شوارع المدينة ليرى الناسُ ردائي، ويجب عليكما أن تسيرا توًّا ورائي ليتأكد الناس أنكما لي أنا وحدي.
الخادمان : نعم يا سيدي.
السيد جوردان : ناديَا نيقول لأعطيها بعض الأوامر، لا تتحركا فها هي.

المشهد الثاني

(نيقول – السيد جوردان – الخادمان)
السيد جوردان : نيقول!
نيقول : ماذا يريد مولاي؟ (تضحك) هي هي.
السيد جوردان : ما بك تضحكين؟
نيقول (تضحك) : هي هي هي هي.
السيد جوردان : ماذا تقصد هذه العفريتة؟
نيقول : هي هي هي إنَّك مبني بناءً … هي هي هي.
السيد جوردان : كيف ذلك؟
نيقول : آه يا الله! هي هي هي هي هي.
السيد جوردان : ما هذه اللصة؟ أتضحكين منِّي؟
نيقول : لا يا مولاي، إني آسفة جدًّا على هذا الضحك … هي هي هي هي هي.
السيد جوردان : إذا واظبت على الضحك أصفعك على أنفك صفعةً …
نيقول : لا أستطيع أن أملك نفسي يا مولاي … هي هي هي هي.
السيد جوردان : ألا تكُفِّين؟
نيقول : اعذرني يا سيدي، ولكنك مضحكٌ إلى درجة لا أستطيعُ معها امتلاك نفسي، هي هي هي هي.
السيد جوردان : ولكن انظروا هذه الوقاحة!
نيقول : إنك مدهش بزيك هذا، هي هي.
سيد جوردان : أُقْسِم …
نيقول : أرجو منك أن تعذرني، هي هي هي هي.
السيد جوردان : إذا بقيت تضحكين أُقْسِم لك أني أصفعك على وجهك صفعةً لم يَذُقْ مِثْلَهَا أَحَدٌ بعد.
نيقول : إذن لقد انتهيت، لن تراني أضحك بعد.
السيد جوردان : خذي حذرك؛ فيجب عليك أن تُنَظِّفي …
نيقول : هي هي.
السيد جوردان : أن تنظفي تنظيفًا …
نيقول : هي هي.
السيد جوردان : قلت لك يجب عليك أن تنظفي … القاعة.
نيقول : هي هي.
السيد جوردان : وأخيرًا؟
نيقول : اسمع يا مولاي، أُفضِّلُ أن تضربني على ألَّا تدعني أضحك كما أريد؛ فالضحك يقيدني جدًّا، هي هي هي هي هي.
السيد جوردان : يا للفظاعة!
نيقول : عفوك يا مولاي ودعني أضحك، هي هي هي.
السيد جوردان : إذَن أمسكْتُ بكِ …
نيقول : هي هي هي هي هي هي.
السيد جوردان : هل رأى أحدٌ شقية مثل هذه، تضحك في أنفي بدل أن تأخذ أوامري؟
نيقول : ماذا تريد أن أعمل يا سيدي؟
السيد جوردان : أن تفكري أيتها العفريتة في ترتيب بيتي للزوار القادمين بَعْدَ هنيهة.
نيقول : آه! لم يبق لي طاقة على الضحك؛ فقدوم هؤلاء الزوار المطبلين المزمرين كافٍ لأن يوقفني عن الضحك ويجعلني في حالة تشاؤم شديد.
السيد جوردان : أوَتُرِيدين أن أقفل باب بيتي في وجه جميع الناس لأجْلك؟
نيقول : ينبغي لك على الأقل أن تقفله في وجه بعض هؤلاء.

المشهد الثالث

(زوجة جوردان – السيد جوردان – نيقول – خادمان)
زوجة جوردان : ها ها! هذه حكاية جديدة، ما هي هذه الخِلعة التي عليك يا زوجي؟ هل جهزت نفسك بهذا الشكل لتضحك منك الناس، وهل يروقك أن يهزأ بك العابرون في كل مكان؟
السيد جوردان : لا يهزأ بي يا زوجتي إلا الأغبياء والغبيَّات.
زوجة جوردان : ولكن الناس لم ينتظروا إلى اليوم ليضحكوا منك؛ فكثيرًا ما أضحكَتْهُم الطرق التي تستعملها.
السيد جوردان : من هم هؤلاء الناس؟ أجيبيني لأرى.
زوجة جوردان : هؤلاء الناس قومٌ مُصيبون وهم أعقل منك، أمَّا أنا فقد أصبحت كثيرة الشكوك بهذه الحياة التي تسلكها، ولم أبْقَ أعرف كيف صار هذا البيت، فقد يظن الداخل إليه أنه مسرح تُمَثَّل عليه المرافع كلَّ يوم؛ إذ لا تبزغ الشمس حتى يسمع الناس ضجيج الكمنجات ودويَّ الغناء صاعدين من هذا المكان المقلق.
نيقول : إن سيدتي مصيبةٌ بما تقول؛ فلم أبْقَ أرى البيت نظيفًا مع هؤلاء الذين تصحبهم إليه كل يوم والذين يحمِّلون أرجلهم كل أوحال المدينة ليرموها هنا.
السيد جوردان : اصمتي أيتها الخادمة … يا خادمتنا نيقول؛ فأنت قروية ليس أكثر!
زوجة جوردان : إن نيقول مصيبة بما تقول، وأرى أنَّ عقْلها أفضل من عقلك، لا أعرف ماذا تريد أن تستفيد من أستاذ الرقص في سنك هذه.
نيقول : ومن أستاذ في البِراز يأتي إلى هذا المكان بدويه المزعج ليقلق راحة البيت ويحطم زجاج القاعة … قاعتنا.
السيد جوردان : اخرسي يا خادمتي ويا زوجتي.
زوجة جوردان : أتراك تريد أن تتعلم الرقص وتكاد قدماك لا تحملانك؟
نيقول : وهل تريد أن تقتل أحدًا؟
السيد جوردان : اخرسا، قلت لكما اخرسا، إنكما جاهلتان لا تفهمان مزية هذا كله.
زوجة جوردان : كان الأحرى بك أن تفكر في ابنتك التي تُوشك أن تصبح عانسًا.
السيد جوردان : سأفكر في زواج ابنتي عندما يتقدم أحدٌ لطلب يدها، ولكني أريد أن أتعلم أيضًا الأشياء الجميلة.
نيقول : ولقد سمعْتُ يا سيدتي أنه استحضر اليوم أستاذًا في الفلسفة.
السيد جوردان : بدون ريب؛ فأنا أرغب في معرفة الأشياء العقلية، وأريدُ أن أتعلم فنَّ التحليل بين أصحاب الصفات الممتازة.
زوجة جوردان : والمَدْرَسة؟ ألا تذهب إليها يومًا من الأيام فتعفر بضربات السوط في سنك هذه؟
السيد جوردان : ولم لا؟ إني لأتمنى لو قدِّر لي الآن أن أتناول مائة سوط أمام الجميع وأن أتعلم ما يُقال في المدارس.
نيقول : صحيح؛ فضربات السياط تُصْلِح فخذيك.
السيد جوردان : بدون ريب.
زوجة جوردان : وأرى أن ضربات السوط ضرورية لك في إدارة بيتك.
السيد جوردان : بدون ريب، إنكما تتكلمان كالبهائم، وإني لشديد الخجل من جهلكما. (لزوجته) أتعرفين مثلًا ماذا يسمى هذا الذي تتلفظين به الآن؟
زوجة جوردان : نعم أعرف أنَّ الذي أقوله الآن هو عين الحقيقة، وأنَّ الواجب يقضي عليكَ بأن تُغيِّر طريقة حياتكَ.
السيد جوردان : لم أقصد ذلك، بل سألْتُكِ ما هو الكلام الذي تَلَفَّظْتِ به هنا؟
زوجة جوردان : هو كلامٌ معقولٌ، على أنَّ تصرفاتكَ ليست معقولة.
السيد جوردان : قلتُ لكِ لمْ أقصد ذلك، بل سألتُكِ ماذا يُسمى الكلام الذي أقوله لك في هذه الساعة؟
زوجة جوردان : ماذا؟
السيد جوردان : ماذا تُسَمِّين هذه الألفاظ؟
زوجة جوردان : إنها تُسمَّى كما نريد أن نسميها.
السيد جوردان : إنها تسمى النثر أيتها الجاهلة.
زوجة جوردان : النثر؟
السيد جوردان : نعم، النثر! فكل ما هو نثر ليس شِعرًا، وكل ما هو شِعر ليس نثرًا، هذه نتيجة الدرس. (لنيقول) وأنت أتعرفين كيف يجب أن تَعملي لِتَلْفِظِي الواو؟
نيقول : كيف؟
السيد جوردان : كيف يجب أن تعملي لتَلْفِظِي حرف الواو؟
نيقول : ماذا؟
السيد جوردان : قولي واو لأرى.
نيقول : طيِّب، واو.
السيد جوردان : حسنًا، ولكن عندما تقولين واو ماذا تعملين؟
نيقول : أعمل ما تقوله لي أنت.
السيد جوردان : إنه لمن الأشياء المزعجة أن يتكلَّم الإنسان مع البهائم، اسمعي: تفتحين شفتيك ثم تُطْبِقِينَهُمَا هكذا: واو … وإذا شئت أن تسخري من أحد خصومك تقولين له في وجهه: واو …
نيقول : هذا حسن جدًّا …
زوجة جوردان : هذا بديع.
السيد جوردان : ماذا تقولان إذَن لو سمعتما الباء والتاء والثاء؟
زوجة جوردان : ولكن ما معنى هذه السخافات كلها؟
نيقول : من أي شيء تشفي هذه السخافات؟
السيد جوردان : إني لأستشيط غضبًا عندما أرى نساءً جاهلات!
زوجة جوردان : اخرس! كان يجب عليك أن تطرد هؤلاء الناس مع جميع سخافاتهم ومساخرهم.
نيقول : لا سيما ذلك الأستاذ في البِراز الذي يملأ البيت غبارًا وضجيجًا.
السيد جوردان : اخرسي! إن أستاذ البِراز هذا يضغط على قلبكِ، وسأريكِ بعينكِ مقدار جهلكِ أيتها الحمقاء (يَسْتَحْضر إليه سيفين فيُعطي أحدهما لنيقول ويُبقِي الآخر في يده) اسمعي: البرهان الحسي واستقامة الجسد، عندما أَطْعَن تعملين هكذا، وعندما تطعنين أعمل هكذا. وهذه لعمري أفضل طريقة يستطيع معها الإنسان التملُّص من القتل، اطعنيني قليلًا لأرى.
نيقول : حسنًا (تطعنه بضع طعنات).
السيد جوردان : بهوادة، هولا … بهوادة، يا لك شقية!
نيقول : ولكنكَ طَلَبْت مني أن أطعنك.
السيد جوردان : نعم، ولكنك لم تصبري حتى آخد حذري.
زوجة جوردان : إنك مجنون يا زوجي بخيالاتك هذه، ولقد صرت مجنونًا منذ أخذْتَ تُعاشر النبلاء.
السيد جوردان : عندما أعاشر النبلاء أُظْهِر مقدرتي، وهذا أجمل بكثيرٍ من أن أعاشركِ أنتِ.
زوجة جوردان : صدقْتَ؛ فهناك فائدةٌ كبيرة لكَ من معاشرة نبلائكَ، ولقد أحسنْتَ فعلًا بملازمتِكَ لذلك الكونت الجميل …
السيد جوردان : اخرسي، إنه قادمٌ إلى هنا.
زوجة جوردان : أخذه الشيطان!
السيد جوردان : اخرسي قلتُ لك.

المشهد الرابع

(دورانت – السيد جوردان – زوجة جوردان – نيقول)
دورانت (يدخل قائلًا) : يا صديقي السيد جوردان، كيف حالك اليوم؟
السيد جوردان : على أحسن منوال يا سيدي لأستطيع أن أُقَدِّم لك خدماتي الصغيرة.
دورانت : وسيدتي مدام جوردان التي هي هنا كيف حالها؟
زوجة جوردان : مدام جوردان هي كما تريد أن تكون.
دورانت : ما هذا يا سيد جوردان؟ أراك أنظف ما تكون.
السيد جوردان : أرأيت؟
دورانت : إن هذا الزي لَأَصْلَح ما يكون لك، وليس عندنا في البلاط شُبَّان أجمل زيًّا منك.
السيد جوردان : هي هاي!
زوجة جوردان (على حدة) : يحك له حيث يرعاه.
دورانت (لجوردان بصوتٍ منخفض) : لم أرك منذ ثمانية أيام لأطلعك على أخبار الجوهرة التي سلمْتَهَا إليَّ لأقدمها هدية للمركيزة من قِبَلِكَ؛ ولكن سبب ذلك هو أني قاسيت جميع مشقات العالم لأستطيع أن أتغلب على وسواسها، ولم ترض بقبول الهدية إلا في هذا النهار.
السيد جوردان : تعالَ نتحدث في ناحية، كيف رأت الجوهرة؟
دورانت : ساحرة، ولقد أَطْرَيْتُ لها جمال تلك الهدية وعظمة حبك وغرامك.
زوجة جوردان (لنيقول) : عندما يجتمع به لا يعود يفترق عنه.
السيد جوردان : إني مدينٌ لك بهذه الألطاف، وأراني في خجلٍ شديدٍ من رُؤية رجلٍ مثلك ينزل لأجلي هذه المنزلة.
دورانت : أتهزأ؟ وهل يجوز هذا الحديث بين الأصدقاء؟ ولو شاءت الظروف أن أكون في موقفك أفلا تخدمني هذه الخدمة نفسها؟
السيد جوردان : هو! بدون شكٍّ وبطيبة خاطر.
زوجة جوردان (لنيقول) : إنَّ وجود هذا الرجل يُثْقل عليَّ كثيرًا!
دورانت : أما أنا فلا أعبأ بشيءٍ عندما يجب عليَّ أن أخدم صديقًا لي، وعندما فاتَحْتَنِي بمَيْلك الشديد لتلك المركيزة الجميلة رأيت بنفسك كيف أني قَدَّمْتُ نفسي لخدمة غرامك.
السيد جوردان : صحيح! فلطفك يخجلني جدًّا.
زوجة جوردان (لنيقول) : أوَلا يريد أن ينصرف؟
دورانت : لقد عَرَفْتَ كيف تنْسَلُّ إلى قلبها؛ فالنساءُ يعشقن — بنوعٍ خاص — النفقات التي تُبْذلُ لأجلهنَّ، وأرى أنَّ هداياك الكثيرة والجوهرة التي قدمْتَها لها والهدية الجديدة التي تهيئها، كل ذلك أفْيَد لحبك وأفصح من جميع الكلمات التي يمكنك أن تقولها لها بنفسك.
السيد جوردان : ليس ثمة نفقات لا أبذلها إذا كان الوصول إلى قلبها هو من هذه الطريق؛ فالمرأة الممتازة تستهويني بجواذبها، وهذا لَعَمْري شرفٌ عظيمٌ أشتريه بأي ثمنٍ كان.
زوجة جوردان (لنيقول بصوتٍ منخفض) : ما هو هذا الحديث الذي استغرق كلَّ هذا الوقت؟ تقدَّمي بهدوءٍ واصغَيْ لأرى.
دورانت : وقريبًا تتمتع بلذة مشاهدتها؛ فمركيزتنا الجميلة بحسب ما ورد في البطاقة التي أرسلتُها إليك، ستحضر قريبًا إلى هذا المكان.
السيد جوردان : ولكي نكون في مُطلق الحرية عملتُ طريقة لتذهب امرأتي إلى بيت شقيقتها، فتتغدى هناك وتصرف كل بعد الظهر.
دورانت : لقد عَمِلْتَ بما تقضي به الحكمة؛ فامرأتك قد تُزعجنا جدًّا، ولقد أصدرْتُ عنكَ الأوامر اللازمة إلى الطاهي لتهيئة احتياجات الوليمة.
السيد جوردان (ينتبه إلى أن نيقول تتسمَّع فيصفعها) : يا لك وقحة! تعالَ نخرج.

المشهد الخامس

(زوجة جوردان – نيقول)
نيقول : وحقك يا سيدتي لقد دفعت ثمن تطفلي، على أنِّي أظنُّ أنَّ وراء الأكمة ما وراءها، وإنهما يتحدثان عن أمرٍ لا يريدان أن تَطَّلعي عليه.
زوجة جوردان : لقد حَزَرْتُ من زمنٍ طويلٍ يا نيقول أن زوجي يخونني؛ فأنا أكثر النساء انخداعًا في العالَم، وأظنُّ أن هناك قضية غرام لن أكُفَّ عن البحث عنها لاكتشافها، ولكن لنفكر الآن في ابنتي، فلا أخالك تجهلين حُب كليونت لها؛ فكليونت فتى يلائمني، وسأساعده على إعطائه يد لوسيل إذا استطعت.
نيقول : الحق يُقال يا سيدتي، إني لسعيدةٌ جدًّا برؤيتك على هذا الشعور، فإذا كان السيد يلائمك فالخادم يلائمني أنا أيضًا، وإني لأتمنى أن يَجري زواجنا في ظل زواجهما.
زوجة جوردان : اذهبي فكلميه من قِبَلِي وقولي له أن يحضر الآن إلى هنا لأساعده على طلب يد ابنتي.
نيقول : ها أنا ذا مُسرعة يا سيدتي؛ فليس أطيب على قلبي من القيام بهذه المهمة.

المنظر الثانى

المشهد الأول

(كليونت – كوفييل – نيقول)
نيقول : آه! هوذا أنت؟ إني سفيرة الفرح، ولقد جئت …
كليونت (يقاطعها) : انصرفي من هنا، ولا تجيئي مرَّة أُخرى تُلْهيني بكلماتك الخائنة.
نيقول : أهكذا تَسْتَقْبِل؟ …
كليونت : قلْتُ لك انصرفي من هنا، واذهبي فقولي لسيدتك الخائنة إنها مغرورة بغشِّها لكليونت البسيط.
نيقول : ماذا أصابه؟ (لكوفييل) قل لي يا كوفييلي المسكين، ما معنى هذا التصرف؟
كوفييل : كوفييلك المسكين أيتها اللصة؟ عجِّلي، احتجبي مِن أمامي أيتها القذرة ودعيني في راحتي.
نيقول : ماذا؟ أنت أيضًا …
كوفييل : قلْتُ لكِ احتجبي مِن أمامي ولا تحدثيني عن خيانتكِ.
نيقول : هو هو! أية حشرة لَدَغَتْهُمَا معًا؟ فلأذهب أُطْلِعْ مولاتي على هذه الحكاية المدهشة.

المشهد الثاني

(كليونت – كوفييل)
كليونت : أهكذا يُعامَل عشيق مثلي؟ عشيق هو أَطْوع العشاق وأصدقهم جميعًا؟
كوفييل : إنه لَأمرٌ فظيع هذا الذي تَسَبَّبانه لي ولك.
كليونت : أُظْهِرُ لأنثى أشدَّ غيرةٍ يستطيعُ الإنسان أن يتصورها؛ فلا أحب سواها في العالَم، ولا أفكر في سواها، ولا أتكلم إلا عنها، ولا أحلم بغيرها، ولا أتنشق الهواء إلا بها، وقلبي بها يعيش، فتُجازي محبتي لها بالنكران … وها قد مضى عليَّ يومان لم أرَها فيهما، يومان كاملان هما بمثابة قرنين، وأحيانًا ألتقيها صُدفة فينخطف قلبي لدى رؤيتها ويشرق فرحي على وجهي، ولكن عندما أطيرُ إليها تتحوَّل عني كأنها لم تعرفني ولم يَقَعْ بصرها عليَّ.
كوفييل : وأنا أقول مثل الكلام الذي تقوله أنت.
كليونت : أيستطيع الإنسان يا كوفييل أن يرى شبيهًا لذلك الغدر في صدر لوسيل الجاحدة؟
كوفييل : وفي صدر نيقول الشقية!
كليونت : بعد تلك التضحيات النارية وتلك الزفرات المضطرمة التي أَطْلَقْتُها في سبيل جمالها!
كوفييل : بعد تلك الخدمات الكثيرة التي أَدَّيْتُها لها في مطبخها!
كليونت : بعد تلك الدموع التي هَرَقْتُها على قَدَمَيْها.
كوفييل : بعد تلك الدِّلاء الكثيرة التي رَفَعْتُها من البئر لِأَجْلها.
كليونت : بعد أن أَظْهَرْتُ لها غيرة لا أُظْهِرُها لنفسي.
كوفييل : بعد أن قاسيْتُ حرارات شديدة في تقليب «أسياخ» اللحم مكانها.
كليونت : تهرب من وجهي باحتقار.
كوفييل : تدير لي ظهرها بوقاحة.
كليونت : إنها لَمُخاتِلة تستحق جميع أصناف العقوبات.
كوفييل : إنها لخيانةٌ تستحق ألف صفعة.
كليونت : لا تُكَلِّفْ نَفْسك ذِكْر اسمها أمامي من الآن فصاعدًا.
كوفييل : أنا يا سيدي؟ أعوذ بالله!
كليونت : ولا تأتِ مرةً أُخرى تعتذر لي عن أعمال تلك الخائنة.
كوفييل : لا تَخَفْ.
كليونت : واعلم أن جميع دفاعاتك عنها لن تفيد شيئًا.
كوفييل : ولكن مَن فَكَّر في ذلك؟
كليونت : أريد أن أحتفظ بحقدي عليها وأقطع جميع علاقاتي بها.
كوفييل : أوافقك.
كليونت : وذلك الكونت الذي يتردَّدُ عليها، إنه يُبهرها بمظهره النبيل، ويجب عليَّ حِفظًا لشرفي أن أَحُول عن عهدي معها، فلا أدع لها كل المجد في هجري.
كوفييل : قلتَ حقًّا، وإني لأوافقك على كلِّ ما تقول.
كليونت : ساعدني على نكايتها، وعلى وقوفي دون بقية الحُب الباقية لها في صدري، أَسْمِعني كل أنواع الحِيَف التي تستطيع أن تلصقها بها، وصورها لي بشكلٍ ممقوت يجعلني أحتقرها احتقارًا.
كوفييل : لا أرى في مزاياها مزية حسنة، وإنك لتقع على مائة أُنثى أجدر منها بك، عيناها صغيرتان.
كليونت : صحيح، عيناها صغيرتان، ولكنهما تطفحان نارًا … فهما أشد العيون بريقًا وَأَشَدُّها وقْعًا في النفوس.
كوفييل : فَمُها كبير.
كليونت : أجل، ولكنه يحتوي على جواذب لا تُرى في الأفواه الأخرى، ومن يَرَهُ تَسْتَيْقِظِ الميول في نفْسه؛ فهو أقرب الأفواه جميعًا إلى الحب.
كوفييل : أما قامتها فليست طويلة.
كليونت : لا، ولكنها سهلة الانقياد ممشوقة.
كوفييل : وهي تتكلف الكسل في كلامها وحركاتها.
كليونت : صحيح، ولكنها جذابة في كسلها هذا، ولا أعلم أي سحر في حركاتها يَنْفُذ توًّا إلى القلب.
كوفييل : أما روحها …
كليونت (يقاطعه) : آه! أما روحها فهو ألطف ما يكون.
كوفييل : وأما حديثها …
كليونت (يقاطعه) : فساحرٌ جذاب.
كوفييل : أراها دائمًا رصينة.
كليونت : أوَترغب في تلك البشاشة الدائمة وذلك الزهو المستمر؟ وهل ترى أوقح مِن المرأة التي تَضْحك في كل حين؟
كوفييل : ولكنها تسير دائمًا على هوى نفْسها.
كليونت : نعم، وإنها تسير على هوى نفْسها، ولكن النساء الجميلات جديرات بكلِّ شيءٍ، وللرجل أن يتحمَّل كل شيءٍ من الجميلات.
كوفييل : إذا كان الأمر كذلك فإني أراك ترغب في الاستمرار على حبها.
كليونت : لا، بل أُفَضِّل الموت على ذلك، وسأبغضها بقدر ما أحببتها.
كوفييل : وكيف العمل لذلك وأنت ترى كل شيء كاملًا فيها؟
كليونت : إنَّ الكمال الذي أراه فيها يساعد انتقامي على الانفجار، ويبرهن على قوة قلبي في هجرها، وهي في أبهى ما يكون من الجمال وأشد ما يكون من الجاذب، ها هي ذي.

المشهد الثالث

(كليونت – لوسيل – كوفييل – نيقول)
نيقول (للوسيل) : لا أُخفي عنكِ أنني صرت أشكُّ به جدًّا.
لوسيل : ولكن لا يمكن أن يكون غيْر ما قُلْتُه لكِ، هو ذا.
كليونت (لكوفييل) : لن أكلمها.
كوفييل : وأريد أن أعمل مثلك.
لوسيل : ما هذا يا كليونت؟ ما بكَ؟
نيقول : ما بكَ يا كوفييل؟
لوسيل : أيُّ غمٍّ يستولي عليكَ؟
نيقول : أي قلقٍ يقبض على قلبكَ؟
لوسيل : هل خَرِسْتَ يا كليونت؟
نيقول : هل فقدْتَ الكلام يا كوفييل؟
كليونت : إنها لشقاوةٌ غريبة!
كوفييل : إنها خيانةٌ فظيعة!
لوسيل : أرى أن اجتماع هذا الصباح أقلق أفكارك.
كليونت (لكوفييل) : ها ها! لقد اعترَفَتْ بما اقترَفَتْ.
نيقول : إن استقبالنا هذا الصباح قد ساءَك قليلًا.
كوفييل (لكليونت) : لقد حَزَرَتْ مكان الجرح.
لوسيل : أليس حقًّا يا كليونت أن هذا هو السبب في غضبك؟
كليونت : بلى، أيتها الخائنة، هو هذا بعينه! ولا تعتقدي أنك ستنتصرين بخيانتك كما يصوَّرُ لكِ، بل يجب أن تعلمي أني سأبدأ بقطع علاقاتي معكِ، فلا يُتاحُ لكِ أن تفوزي بطردي، ولا أكتُمُكِ أني سأُقاسي عذابًا كبيرًا في قهْر حبي لكِ على أني سأنتصر أخيرًا وأَسْلوكِ سُلُوًّا …
كوفييل (لنيقول) : ومثله أنا.
لوسيل : هذا ضجيجٌ فارغ، أريدُ يا كليونت أن أُطلعك على سبب تبرُّمي منك هذا الصباح.
كليونت (يتظاهر بالذهاب ويدور دورة المسرح) : لا أُريدُ أن أَسْمَعَ شيئًا.
نيقول (لكوفييل) : وأنا أيضًا أريد أن أُطْلِعَكَ …
كوفييل (يتظاهر أيضًا بالذهاب لِيَتَجَنَّب نيقول) : لا أُريد أن أَسْمَعَ شيئًا.
لوسيل (تتبع كليونت) : أعلم أن هذا الصباح …
كليونت : قلْتُ لكِ لا أريد أن أَسْمَع.
نيقول (تتبع كوفييل) : اعلم أن …
كوفييل : لا، أيتها الخائنة.
لوسيل : اسمع.
كليونت : لا شأن لكِ.
نيقول : دعني أقُلْ لكَ.
كوفييل : إني أطرش.
لوسيل : كليونت!
كليونت : لا!
نيقول : كوفييل!
كوفييل : أبدًا.
لوسيل : قف.
كليونت : أقاصيص وأغاني.
نيقول : اسمع …
كوفييل : سخافات.
لوسيل : دقيقة.
كليونت : أبدًا أبدًا.
نيقول : قليلًا من الصبر.
كوفييل : تَرَ رَ را رار!
لوسيل : كلمتان.
كليونت : لا، قُضي الأمر.
نيقول : كلمة واحدة.
كوفييل : قُطِعَت العلاقات.
لوسيل (تقف) : إذن بما أنكَ لا تريد أن تُصغي إليَّ فابقَ في مكانكَ واعمل ما تشاء.
كوفييل (يتحول إلى لوسيل) : طيب، ماذا تريدين أن تقولي؟
لوسيل (تهرب من وجه كليونت) : لقد عَدَلْتُ عن الكلام.
كوفييل (يتحول إلى نيقول) : طيب، ماذا تريدين أن تقولي؟
نيقول (تهرب من وجه كوفييل) : لقد عَدَلْتُ أنا أيضًا عن الكلام.
كليونت : قولي لي …
لوسيل : لا، لا أريد أن أقول شيئًا.
كوفييل : قُصِّي عليَّ …
نيقول : لا، لا أُريدُ أن أقصَّ شيئًا.
كليونت : أتوسَّل إليكِ.
لوسيل : قلت كلا، لا أريد.
كوفييل : رأفةً بي.
نيقول : قُطِعَت العلاقات.
كليونت : أرجوكِ.
لوسيل : دعني.
كوفييل : أتوسَّل إليكِ.
نيقول : اخرج من هنا.
كليونت : لوسيل!
لوسيل : لا.
كوفييل : نيقول!
نيقول : أبدًا.
كليونت : بحق السماوات!
لوسيل : لا أريد.
كوفييل : كلميني.
نيقول : أبدًا أبدًا.
كليونت : أوضحي شكوكي.
لوسيل : لا، لن أعمل شيئًا من هذا.
كوفييل : اشفي عقلي.
نيقول : لا أستصوب ذلك.
كليونت : إذن بما إنك لا تعبئين كثيرًا بآلامي ولا تُريدين أن تُبَرِّئي نفسك من تلك الخيانة التي اقتَرَفْتِها بحقِّ شُعلتي ولهيبي فلن تَرَيْني بعد الآن، أيتها الجاحدة، وأريد أن أبتعد عنك كثيرًا لأموت حبًّا وألمًا.
كوفييل (لنيقول) : وأريد أن أحذو حذوه أنا أيضًا.
لوسيل (لكليونت وقد همَّ بالخروج) : كليونت!
نيقول (لكوفييل وقد همَّ بالخروج وراء سيده) : كوفييل!
كليونت (يقف) : ماذا؟
كوفييل (يقف أيضًا) : ماذا؟
لوسيل : إلى أين أنت ذاهب؟
كليونت : إلى حيث قلتُ لكِ.
كوفييل : نحن ذاهبان نموت.
لوسيل : تريدُ أن تموت يا كليونت؟
كليونت : نعم أيتها القاسية، فلقد شئتِ ذلك.
لوسيل : أنا؟ هل أردتُ أنا أن تموت؟
كليونت : نعم أردتِ!
لوسيل : من قال لكَ ذلك؟
كليونت (مقتربًا من لوسيل) : أليس برهانًا على إرادتك إيَّاهُ عدم إرادتك تبديد شكوكي؟
لوسيل : هل الذنب واقع عليَّ؟ ولو أردتَ أن تصغي إليَّ ألم أكن أطلعْتُك على أنَّ الحادث الذي تأسف له قد سببه هذا الصباح وجود عمَّة مُسنَّة تزعم أن وجود رجل بالقرب من فتاة يمس شَرَفَهَا، وأنَّ جميع الرجال إنما هم شياطين يجِب الهرب من وجوههم؟
نيقول (لكوفييل) : هذا هو سر المسألة.
كليونت : ألا تَغُشِّينني يا لوسيل؟
كوفييل (لنيقول) : ألا تُخفين عني شيئًا؟
لوسيل (لكليونت) : ليس أصْدَق مما قُلْتُ لكَ.
نيقول (لكوفييل) : قلتُ لكَ الحقيقة كما هي.
كوفييل (لكليونت) : أَنُسَلِّم بهذا؟
كليونت : آه يا لوسيل! إن كلمة واحدة خرَجَتْ من فمك لَطَّفَتْ في قلبي أشياء كثيرة.

المشهد الرابع

(زوجة جوردان – كليونت – لوسيل – كوفييل – نيقول)
زوجة جوردان : إني لمسرورة برؤيتك يا كليونت، وأراك على استعدادٍ تام، فزوجي آتٍ إلى هنا، فتأهَّبْ حالًا لطلب يد لوسيل للزواج.
كليونت : آه يا سيدتي! إنَّ كلامكِ هذا لعذبٌ على قلبي وميولي، فهل أستطيع أن أتلقى أمرًا أجمل مِن هذا، أو أن أحظى بنعمةٍ أثمن مِن هذه؟

المشهد الخامس

(السيد جوردان – زوجته – كليونت – لوسيل – كوفييل – نيقول)
كليونت : لم أشأ يا سيدي أن أُوسِّطَ أحدًا لديك في عرض مسألةٍ أُفكِّرُ فيها منذُ زمنٍ طويلٍ، وكي لا أحوم كثيرًا حول الموضوع أقولُ لك: إنَّ شرف مُصاهرتك إنما هو نعمة مَجيدة أتوسل إليك أن تمنحني إياها.
السيد جوردان : أرجو منك يا حضرة السيد قبل أن أُجيبك على طلبك أن تجيبني على سؤال لي: أمن النبلاء أنت؟
كليونت : إنَّ معظم الناس يا سيدي لا يترددون طويلًا لدى هذا السؤال، بل يقطعون الكلام بسهولة، ومثل هذا اللقب لا يستلزم كبير تدقيق، ثم لقد جرت العادة في هذه الأيام أن يستحل أيٌّ كان اختلاس الألقاب، أما أنا فلا أكتمك أنَّ نفسيتي لا تتفق ونفسية بعض الناس في مثل هذه الحال؛ إذ أعتقد أن الاختلاس عارٌ على الرَّجُل الشريف، وأنَّ من الجبن وضع البرقع على ما أعطتنا إيَّاهُ السماء، ومن الحَيْف علينا أن نتزين على أعين العالم بلقبٍ مُختلَس، وندَّعي ما ليس لنا. فلقد وُلدْتُ يا سيدي من أبوين لم يلصق بهما حَيْف ولم يلوثهما أمْر شائن، وربحت لنفسي في الجندية شرف الخدمة ست سنوات؛ مما جعلني أَشْغَلُ بين الناس مركزًا لا بأس به. على أنِّي مع كل هذا لا أُريد أن أُعطي نفسي لقبًا قد يدعيه سواي، وأقول لك بصراحة: إني لست من النبلاء …
السيد جوردان : قف هنا يا حضرة السيد؛ فابنتي ليست لك.
كليونت : ماذا؟
السيد جوردان : لستَ نبيلًا! إذن فابنتي لن تكون لك.
زوجة جوردان : ماذا تقصد بنبيلك هذا؟ وهل نحن من ضلع القديس لويس؟
السيد جوردان : اخرسي يا زوجتي!
زوجة جوردان : ألم يكن والدك من الباعة كما كان والدي؟
السيد جوردان : أخذك الطاعون! إن يكون والدك من الباعة فلسوء حظه، أمَّا والدي أنا فلم يكُنْ من الباعة، ولم يزعم ذلك إلا فئة من الجُهَّال، وخلاصة القول أُريدُ أن يكون صهري من النبلاء.
زوجة جوردان : ينبغي لابنتك زوجٌ يصلحُ لها، وإنه لَأليقُ بها رجلٌ شريف الأخلاق غنيٌّ من رجلٍ نبيلٍ شحاذ.
نيقول : صحيح؛ ففي قريتنا نبيل له ولد أبله لم أرَ مثله في حياتي.
السيد جوردان : اخرسي أيتها الوقحة! إنك تزجين بنفسك دائمًا في الحديث. (لزوجته) لديَّ من الخيرات كثير جدًّا ولست بحاجةٍ إلا إلى الشرف، أما ابنتي فأريد أن أُصَيِّرها مركيزة.
زوجة جوردان : مركيزة؟
السيد جوردان : أجل، مركيزة، هذا أمرٌ صحَّت عليه عزيمتي.
زوجة جوردان : هذا أمر لن أوافق عليه؛ لأن زواج الإنسان من إنسان أكبر منه يُؤدِّي إلى عواقب لا تُحمد؛ فلا أُريد صهرًا يستطيع أن يشمت بأصل ابنتي، ولا أُريد أن ترزق ابنتي أولادًا يخجلون أن ينادوني بجدتهم، وهناك الطامة الكبرى إذا هي جاءت لتزورني في خِلعة الأميرات، فصادَفَتْ في الطريق قومًا من عُشَرَائها، وشاءت الظروف ألَّا تُحييهم خلافًا لعادتها، فلا يلبث هؤلاء أن يتناولوها بألْف فلتة من فلتات ألسنتهم فيقولوا مثلًا: «أرأيتم هذه السيدة المركيزة التي تتكلف المجد؟ فهي ابنة السيد جوردان التي كان جدَّاها يبيعان الخام في حي القديس منصور» لا، لا أريد مثل هذه المشاكل، وبكلمةٍ واحدة أريد صهرًا أستطيع أن أقول له: «اجلس هنا يا صهري وتغدَّ معي».
السيد جوردان : إنه لمن الحقارة أن يأبى الإنسان الارتفاع عن الصغائر، لا أريد أن تعترضيني أكثر من ذلك؛ فابنتي ستصير مركيزة بالرغم من جميع الناس، وإذا أَثَرْتِ كوامن غضبي أجعلها دوقة!

(يخرج)

زوجة جوردان : لا تقنط يا كليونت. (لابنتها) اتبعيني يا ابنتي وتعالَيْ، أَفْهِمِي والدَكِ أنكِ إذا لم تتزوجي من كليونت فلن تتزوجي من أحدٍ غيره.

المشهد السادس

(كليونت – كوفييل)
كوفييل : لقد تَوَفَّقْتَ بشواعرك النبيلة.
كليونت : ما العمل؟ أنا موسوس من هذه الناحية، ووسواسي لا يتغلَّبُ عليه مَثَل.
كوفييل : ولكن الرصانة مع رجل كهذا ليست من الحكمة في شيء، ألم ترَ أنه مجنون؟ وهل مجاراتك له في تخيلاته تكلفك شيئًا؟
كليونت : الحق معك، على أني لم أكُنْ أَعْلَم أنه يجب عليَّ التظاهر بالنبل لأحظى بمُصاهرة السيد جوردان.
كوفييل (ضاحكًا) : ها ها ها!
كليونت : لماذا تضحك؟
كوفييل : أضحك لفكرة خطرت لي الآن، وهي أن نلعب على صاحبنا دورًا ينيلك كل ما تتمنى.
كليونت : كيف ذلك؟
كوفييل : الفكرة مضحكة جدًّا.
كليونت : وما هي هذه الفكرة؟
كوفييل : هي أن نلعب عليه دورًا مضحكًا كما قُلْتُ لك، فصاحبنا تجوز عليه كل الحيل من غير أن نكلف أنفسنا جهودًا كبيرة، أما العدة لِلَعِبِ هذا الدور فمهيأة، ولكن دعني أعمل.
كليونت : أَفْهِمْنِي …
كوفييل : سأُفْهِمُكَ كل شيء، تعال نخرج فها هو قادم.

المشهد السابع

(السيد جوردان – خادمان)
السيد جوردان : يا للشيطان! لا يجدون ما يأخذونه عليَّ إلا تحدي الأسياد العظام، أما أنا فلا أجد أجمل من معاشرة عظماء الأسياد، وإني لأتمنى لو وُلِدْتُ كونتًا أو مركيزًا وقُطِعَتْ أصبعان من يدي.
الخادم : هو ذا الكونت يا مولاي ومعه سيدة يقودها بيده.
السيد جوردان : آه يا الله! لدي بعض أوامر أعطيها؛ فقل لهما إني آتٍ إلى هنا بعد هنيهة (يخرج).

المشهد الثامن

(دوريمين – دورانت – خادمان)
الخادم : قال سيدي إنَّه سيأتي إلى هنا بعد هنيهة.
دورانت : طيب.
دوريمين : لا أعلم يا دورانت كيف أَبَحْتَ لنفسي القدوم معك إلى دارٍ لا أعرف فيها أحدًا.
دورانت : أية دار تريدين يا مولاتي أن يختارها لكِ حبي وغرامي لنتغدى فيها، وقد أبيتِ — هربًا من الضجيج — أن تختاري بيتك أو بيتي؟
دوريمين : ولكن ألا تظنُّ أني أتهور جدًّا بقبولي منك كل يوم تلك الشواهد الكبيرة على حبك وغرامك؟ لقد حاولت كثيرًا التمنُّع عن قبول تلك الشواهد ولكنَّك أصررت وأصررت حتى لم أجد بُدًّا من النزول على كلِّ ما تُريد، وحتى أصبحت أنقادُ إليك انقيادًا مُطلقًا، وأرى أنَّ الأمر سيُفضي بك أخيرًا إلى استدراجي للزواج الذي أبتعد عنه قَدْر ما أستطيع.
دورانت : وحقك يا مولاتي، كان يجب عليك أن تكوني تَزَوَّجْتِ، فأنت أرملة لا شأن لأحدٍ معك، وأنا سيد نفسي وأحبك أكثر من حياتي، فلماذا لا تبدئين منذ اليوم بمنحي هذه السعادة؟
دوريمين : ولكن يا دورانت ينبغي لكلٍّ منَّا أن تتوفَّر فيه الشروط اللازمة للحصول على حياةٍ سعيدةٍ، ولا شكَّ أن أعقل الناس جميعًا كثيرًا ما وجدوا صعوبة في الوصول إلى اتحاد يُرضي الجهتين.
دورانت : إنك تهزأين يا مولاتي بتصورك كل هذه العراقيل.
دوريمين : ثم إنَّ النفقات التي أراك تبذلها تُؤسفني لسببين: الأوَّل أنها تقيدني أكثر مما أريد، والآخر أنك لا تبذلها من غير أن تزعج نفسك، وهذا ما لست راضية عنه.
دورانت : آه! إنَّ ما رفعْتُه إليك لَأشياء تافهة يا مولاتي و…
دوريمين (تقاطعه) : إني عارفة ماذا أقول، ثم إنَّ الجوهرة التي أرغمتني على قبولها تُساوي …
دورانت (يقاطعها) : وحقك يا مولاتي لا تقدري شيئًا لا يراه حبي جديرًا بك، وتكرمي … هو ذا صاحبنا قادم.

المشهد التاسع

(السيد جوردان – دوريمين – دورانت – خادمان)
السيد جوردان (بعد أن يعمل تحيتين يجد نفسه قريبًا جدًّا من دوريمين) : إلى الوراء قليلًا يا مولاتي.
دوريمين : ماذا؟
السيد جوردان : خطوة إلى الوراء إذا شئتِ.
دوريمين : ماذا تقول؟
السيد جوردان : ابتعدي قليلًا، للمرة الثالثة.
دورانت : إنَّ السيد جوردان يا مولاتي يعرف أن يَقْدُرَ قَدْر زُوَّاره.
السيد جوردان : مولاتي، إنه لمَجدٌ كبيرٌ أن أرى نفسي محظوظًا بأن أكون سعيدًا بأن تسعديني بمنحك إياي شرف تشريفي بفضل وجودك في بيتي، ولئن استحققت أن أستحق استحقاقًا كهذا، ولئن كانت السماء … التي تحسدني على نعمتي … قد منحتني … فضل أن أكون جديرًا … ﺑ …
دورانت : كفى يا سيد جوردان، فمولاتي لا تحبُّ المديح الطويل، وهي لا تجهل أنك رجلُ عقلٍ ومعرفةٍ واطِّلاعٍ (لدوريمين بصوتٍ منخفضٍ): إنَّه رجلٌ مثرٍ، طيب القلب، مُضحكٌ كما ترين من حركاته.
دوريمين (لدورانت بصوتٍ منخفض) : لا يصحُّ أن ندعه ينتبه لنا.
دورانت : هو ذا يا مولاتي أعز أصدقائي.
السيد جوردان : إنه لشرفٌ عظيم تمنحني إياه.
دورانت (لدوريمين بصوتٍ مرتفع) : إنه لرجلٌ ظريف.
دوريمين : وإني لأحترمه كثيرًا.
السيد جوردان : لم أعمل شيئًا بعد يا مولاتي لأستحق هذه النعمة.
دورانت (لجوردان بصوتٍ منخفض) : احذر — على الأقل — أن تكلمها عن الجوهرة التي أرسلتَها إليها.
السيد جوردان : ألا أستطيع أن أسألها رأيها فيها فقط؟
دورانت : كيف؟ إياك أن تفعل ذلك لئلا تنظر إليك كما يُنظر إلى الفلاح المنحط، ولكي تنهج نهج الظرفاء ينبغي لك أن تتظاهر كأنك لست أنت الذي قدم لها تلك الهدية (لدوريمين): يقول السيد جوردان يا مولاتي: إنه شديد الغبطة بمشاهدته إيَّانا في داره.
دوريمين : إنه يشرفني كثيرًا.
السيد جوردان (لدورانت بصوتٍ منخفض) : أشكرك جدًّا على ما تفعل معها لأجلي.
دورانت (لجوردان بصوتٍ منخفض) : لقد بذلت مجهودًا عظيمًا في سبيل إقناعها بالحضور إلى هنا.
السيد جوردان (لدورانت بصوتٍ منخفض) : لا أعرف بأي شيءٍ أُكافئك.
دورانت : يقول السيد جوردان يا مولاتي: إنه يراك أجمل امرأة في العالم.
دوريمين : إنه لطيفٌ جدًّا.
السيد جوردان : أمَّا اللطف يا مولاتي فأنت وحدك …
دورانت : إلى الغداء، إلى الغداء.
الخادم : كلُّ شيءٍ مُعدٌّ يا مولاي.
دورانت : إذن لنجلس إلى المائدة، وليُؤْمَر بإحضار الموسيقيين.

(يرقص ستة طهاة بعضهم مع بعض، ثم يُحْضِرون خوانًا عليه أطعمة كثيرة.)

(الستار)

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤