الفصل الحادي عشر

إجراءات الرفاهية الاجتماعية

إن الاتجاه المنادي بالإصلاح الاجتماعي والمساواة والذي ساهم في وجود ضريبة الدخل الفردية شديدة التصاعدية أسفر أيضًا عن مجموعة كبيرة من الإجراءات الأخرى التي تهدف إلى الارتقاء ﺑ «رفاهية» فئات محددة. ومن بين أهم مجموعات الإجراءات تلك المجموعة التي يطلق عليها على نحو مضلل «الضمان الاجتماعي»، ومن الإجراءات الأخرى الإسكان الشعبي وقوانين الحد الأدنى للأجور وبرامج دعم أسعار المزارع والرعاية الطبية لجماعات محددة وبرامج المعونة الخاصة وهلم جرا.

في البداية، سأناقش بإيجاز بعضًا من الإجراءات الأخيرة بهدف توضيح كيف يمكن أن تختلف نتائجها الفعلية تمامًا عن النتائج المنشودة في الأساس، وبعدها، سأناقش بشيء من الإسهاب العنصر الأكبر في برنامج الضمان الاجتماعي وهو تأمين المسنين والورثة.

(١) إجراءات متنوعة للرفاهية الاجتماعية

(١-١) الإسكان الشعبي:

ترتكز إحدى الحجج التي كثيرًا ما يقولها المؤيدون للإسكان الشعبي إلى تأثير جوار مزعوم: إن العشوائيات خاصة والمساكن ذات الجودة المنخفضة بدرجة أقل تكلف المجتمع خسائر عالية في صورة الحماية من الحرائق وحماية الشرطة. من الممكن للغاية أن يُوجَد تأثير الجوار البسيط هذا، بيد أنه بقدر ما يُوجَد، فهو يقدم حجة ليس للإسكان الشعبي بل لفرض ضرائب مرتفعة على ذلك النوع من السكن بما يضيف تكاليف اجتماعية نظرًا لأن ذلك قد يؤدي إلى المساواة بين التكلفة الخاصة والتكلفة الاجتماعية.

ستكون الإجابة على الفور إن الضرائب الإضافية ستشكل عبئًا على محدودي الدخل وهذا ليس مرغوبًا. إن هذه الإجابة تعني أن الإسكان الشعبي لم يُقَدَّم بناءً على تأثيرات الجوار بل كوسيلة لمساعدة الأشخاص ذوي الدخل المنخفض. فإذا كانت الحال كذلك، لماذا تدعم الحكومة المسكن على وجه التحديد؟ وإذا اسْتُخْدِمَتْ الأموال لمساعدة الفقراء، ألن يكون تقديمها في صورة نقدية لا صورة كيفية استخدامًا أكثر جدوى؟ من المؤكد أن العائلات التي تحصل على المساعدة ستأخذ مبلغًا من المال بدلًا من أن تحصل على المساعدة في صورة مسكن، وسيكون بمقدورها إنفاق المال على المسكن إذا رغبت في ذلك. لذا، لن تتردى أوضاع هذه العائلات، إذا حصلت على الدعم في صورة نقود، فإذا رأت تلك العائلات أن هناك احتياجات أخرى أهم من السكن، ستكون أفضل حالًا. سيحل الدعم النقدي مشكلة تأثير الجوار إلى جانب مشكلة الإعانة المالية العينية، وطالما أنه لم يستخدم في شراء المسكن، سيكون متاحًا لدفع ضرائب إضافية تبررها تأثيرات الجوار.

لذلك لا يمكن تبرير الإسكان الشعبي بناءً على تأثيرات الجوار أو مساعدة العائلات الفقيرة، ولا يمكن تبرير سياسة الإسكان الشعبي — هذا إذا كان لها مبرر — بأسباب الوصاية الأبوية؛ أي أن العائلات التي تُقَدَّمُ لها المساعدة «تحتاج» إلى المسكن أكثر مما «تحتاج» إلى أشياء أخرى لكن من الممكن ألا تتفق العائلات نفسها معهم في الرأي، أو تنفق المال إنفاقًا يفتقد إلى الحكمة. سيميل الليبراليون إلى رفض هذه الحجة بالنسبة للبالغين الذين لديهم حس المسئولية، ولكن لا يمكنهم رفض هذه الحجة تمامًا في صورتها غير المباشرة أكثر والتي تمس الأطفال؛ أي أن يتجاهل الآباء رفاهية الأبناء «المحتاجين» لمسكن أفضل. لكن الليبراليين سيطلبون قطعًا دليلًا أكثر إقناعًا وفي صميم الموضوع بدلًا من نوع الدلائل التي عادة ما تقدم قبل أن يوافقوا على الحجة الأخيرة كمبرر ملائم للإنفاقات الضخمة على المساكن الشعبية.

كان من الممكن الإسهاب في الحديث نظريًا قبل الحديث عن التجربة الفعلية للإسكان الشعبي. والآن وقد صارت لدينا التجربة، يمكننا الخوض في الموضوع أكثر. في واقع الأمر، اتضح أن الإسكان الشعبي له تأثيرات مختلفة تمامًا عن تلك المنشودة بالطبع.

كان الإسكان الشعبي بعيدًا كل البعد عن الارتقاء بمسكن الفقراء، كما يتوقع مؤيدوه، بل فعل العكس تمامًا. فقد فاق عدد الوحدات السكنية التي تعرضت للتدمير أثناء تشييد مشروعات الإسكان الشعبي عدد الوحدات السكنية الجديدة التي شُيِّدَت. لكن الإسكان الشعبي هذا لم يحقق شيئًا في خفض عدد الأشخاص المراد إيواؤهم؛ من ثم جاءت نتيجة الإسكان الشعبي في رفع عدد الأشخاص لكل وحدة سكنية. لقد حصلت بعض العائلات على سكن أفضل مما كان من الممكن أن تحصل عليه بطريقة أخرى؛ إنها تلك العائلات التي حالفهما الحظ لتملك وحدات سكنية شعبية. لكن هذا لم يحقق شيئًا سوى أنه زاد الأمر سوءًا أمام باقي الأفراد، نظرًا لأن متوسط الكثافة العام ارتفع.

لا شك أن الشركات الخاصة توازن بعضًا من التأثير الضار لبرنامج الإسكان الشعبي عن طريق تجديد الأحياء الحالية وبناء أحياء جديدة سواء للأفراد الذين شُرِّدُوا أو بتعبير أشمل الأشخاص الذين تم شُرِّدُوا في حركة أو حركتين أثناء لعبة الكراسي الموسيقية التي بدأتها مشروعات الإسكان الشعبي. مع ذلك، كان من الممكن أن تتوفر هذه الموارد الخاصة في غياب برنامج الإسكان الشعبي.

لماذا يترتب على برنامج الإسكان الشعبي هذه النتيجة؟ للسبب العام الذي شددنا عليه مرارًا وتكررًا؛ إن الصالح العام الذي دفع الكثيرون لتأييد وضع البرنامج غامض ومؤقت. ما إن تبنت الحكومة البرنامج، كان من المحتمل أن تهيمن عليه المصالح الخاصة التي يمكن للبرنامج خدمتها. وفي هذه الحالة، تمثلت المصالح الخاصة في تلك المجموعات المحلية التي كانت تتحرق شوقًا إلى إزالة المناطق المنكوبة وتجديدها، سواءً لأن لها ممتلكات هناك أو لأن الأضرار كانت تهدد الأحياء التجارية المحلية أو المركزية. لقد لعب الإسكان الشعبي بدور الوسيلة الملائمة لتحقيق أهداف تلك المجموعات، الأمر الذي اقتضى الهدم أكثر منه البناء.

ومع ذلك، لا تزال «الأحياء المتدهورة بالمدن» موجودة معنا بقوة لا يستهان بها، وهذا ما يقف وراء الضغط المتزايد للأموال الفيدرالية لمعالجة هذه المشكلة.

هناك مكسب آخر توقعه المؤيدون للإسكان الشعبي وتمثل في خفض جنوح الأحداث عن طريق تحسين أحوال المسكن. ومجددًا، كان للبرنامج في العديد من الحالات التأثير العكسي تمامًا، فضلًا عن إخفاقه في تطوير الظروف السكنية المتوسطة. لقد أدت قيود الدخل — التي كان من الصائب طلب توافرها في الراغبين في امتلاك الوحدات الحكومية بإيجارات مدعمة — إلى كثافة شديدة الارتفاع للأسر «المفككة» — لا سيما الأمهات المطلقات أو الأرامل الذين يعيلون أطفالًا. إن أطفال العائلات المفككة على وجه الأخص ترتفع احتمالات أن يتحولوا إلى «مثيري للمتاعب» ومن المحتمل أن يزيد التركيز العالي لمثل هؤلاء الأطفال من جنوح الأحداث. تجلى ذلك في العواقب الوخيمة للغاية على المدارس الموجودة بالأحياء التي تضم مشروعات إسكان شعبي. ففي حين أنه يمكن لمدرسة استيعاب قلة من التلاميذ «المثيرين للمتاعب» بسهولة، من الصعب عليها للغاية استيعاب عدد كبير من هؤلاء الأطفال. يأتي ذلك في وقت تمثل العائلات المفككة في بعض الحالات الثلث أو ما يزيد عن الثلث من إجمالي القاطنين بمشروع الإسكان الشعبي مما يمكن أن يجعل المشروع يتسبب في وجود أغلبية من الأطفال المثيرين للشغب في المدرسة. فإذا ما كانت هذه العائلات قد تلقت المساعدة في صورة منح نقدية، لانتشروا في المجتمع انتشارًا متفرقًا.

(١-٢) قوانين الحد الأدنى للأجور:

تعد قوانين الحد الأدنى للأجور قضية واضحة يتبين المرء إلى حد ما أن عواقبها هي العكس تمامًا من النتائج المنشودة لدى الأشخاص ذوي النوايا الحسنة المؤيدين لها. يشتكي الكثير من مؤيدي قوانين الحد الأدنى للأجور من شدة المعدلاتِ المنخفضةَ، وهم محقون في ذلك تمامًا، فهم يرونها كعلامة من علامات الفقر، ويرجون تخفيف وطأة الفقر عن طريق جعل الأجور التي تدنو من مستوىً محدد غير قانونية. في واقع الأمر، بقدر ما يكون لقوانين الحد الأدنى للأجور أي تأثير فى الإطلاق، فمن الواضح أن تأثيرها يتجسد في زيادة الفقر. بمقدور الدولة تشريع حد أدنى لمعدل الأجور، ولكن من الصعب أن تلزم أرباب العمل بتوظيف كافة الأفراد الذين عملوا في السابق بذلك الحد الأدنى مع منحهم أجورًا أقل. ومن المؤكد أن فعل ذلك ليس في مصلحة أرباب العمل؛ من ثم يترتب على الحد الأدنى للأجور زيادة البطالة أكثر مما هو متوقع في غيابه. ومع أن معدلات الأجور المنخفضة علامة من علامات الفقر في الحقيقة، فإن العاطلين عن العمل هم بالتحديد أولئك الأفراد الذين لا يمكنهم التخلي عن الدخل الذين كانوا يتلقونه، بقطع النظر عن الضآلة التي يبدو عليها للأشخاص الذين يؤيدون الحد الأدنى للأجور.

هذه الحالة تشبه كثيرًا الإسكان الشعبي في أحد الأوجه. ففي كلتا الحالتين، يكون الأفراد الذين يتلقون المساعدة معروفين؛ وهم الأفراد الذين تُرفع أجورهم والذين يتملكون وحدات سكنية حكومية. أما الأفراد الذين يتعرضون للضرر فهم مجهولون وليس هناك رابط واضح بين قضيتهم وبين سببها: إنهم الأفراد الذين ينضمون إلى صفوف العاطلين أو على الأرجح الأفراد الذين لن يحصلوا على عمل في أنشطة بعينها نظرًا لوجود قوانين الحد الأدنى للأجور ويضطرون إلى مزاولة أنشطة أقل ربحًا أو إلى الانضمام إلى صفوف متلقي الإعانات المالية؛ إنهم الأفراد الذين يُجْمَعُون معًا في الأحياء الفقيرة المنتشرة والتي تمثل علامة على الحاجة إلى مزيد من الإسكان الشعبي أكثر منه نتيجة للإسكان الشعبي الحالي.

لا يأتي جزء كبير من الدعم لقوانين الحد الأدنى للأجور من الأفراد ذوي النية الحسنة والنزاهة بل من أطراف لها مصالح خاصة. فعلى سبيل المثال، تفضل النقابات المهنية والشركات بالشمال — والتي تخضع لتهديد المنافسة الجنوبية — قوانينَ الحد الأدنى للأجور لتقليص المنافسة من الجنوب.

(١-٣) برامج دعم أسعار المزارع:

إن برامج دعم أسعار المزارع مثال آخر على إجراءات الرفاهية الاجتماعية. وبقدر ما يمكن تبريرها — هذا إذا كان هناك لها مبرر من الأصل — وفقًا لأسباب أخرى بخلاف الحقيقة السياسية أن المناطق الريفية لها تمثيل زائد في الهيئة الانتخابية والكونجرس، لا بد أن تكون هذه الأسعار قائمة على اعتقاد أن المزارعين لهم دخل منخفض في المتوسط. وحتى إذا سلمنا بهذا الأمر كحقيقة، لا تحقق برامج دعم أسعار المزارع الغاية المنشودة وهي مساعدة المزارعين الذين يحتاجون المساعدة. في المقام الأول، وإذا كانت الإعانات المالية تتصف بشيء فهو أن علاقتها مع الحاجة عكسية في الواقع، وذلك طالما كانت تلك الإعانات المالية متناسبة مع الكمية المباعة في السوق، فالمزارع المعدم لا يبيع كمية أقل من المزارع الأثرى في السوق فحسب، بل يستقطع أيضًا على جزءًا أكبر من دخله ممثلا في زراعته منتجات لأغراض الاستخدام الخاص، وهذه لا يؤهله للحصول على الإعانة المالية. في المقام الثاني، بالرغم من كل شيء، تبقى الإعانات المالية للمزارعين — والتي يحصلون عليها من برنامج دعم أسعار المزارع — أقل كثيرًا من الكمية الإجمالية المُنْفَقَة، وينطبق هذا بوضوح على المبلغ الذي يُنْفَقُ للتخزين والتكاليف المماثلة التي لا تذهب إلى المزارع على الإطلاق، وبالطبع قد يكون مزودو خدمات السعة والمنشآت التخزينية المستفيدين الأساسيين. وبالمثل، ينطبق نفس الكلام على المبلغ المنفق على شراء المنتجات الزراعية. بهذه الطريقة ينساق المزارع إلى إنفاق مبالغ إضافية على السماد والبذور والآلات الزراعية وهلم جرا، وعلى أكثر تقدير، لن يضيف سوى الفائض إلى دخله. وفي النهاية، فإن مجرد إطلاق تعبير المكسب على هذا الجزء المتبقي من المبلغ المتبقي يمثل مبالغة وتجميلًا للكلام ذلك أن هدف البرنامج كانت إبقاء مزيد من الأشخاص ضمن البرنامج لفترة أطول مما كانوا سيبقون في حالة غياب البرنامج. ولن يتحقق لهم من ربح صافٍ سوى فائض ما أمكنهم كسبه في ظل برنامج دعم أسعار المزارع — إذا كان هناك فائض في الأساس — إضافة إلى ما أمكنهم كسبه بعيدًا عن البرنامج. إن النتيجة الرئيسية لبرنامج الشراء كانت ببساطة زيادة إنتاجية المَزارع، وليس رفع دخل المُزارع.

إن بعض خسائر برنامج شراء إنتاج المزارع واضحة ومعروفة جيدًا لدرجة لا تحتاج معها للشرح ولكن مجرد الذكر يكفي، ومن بين هذه الخسائر أن المستهلك يدفع مرتين، الأولى في صورة ضرائب تقدم كدعم للمزارع والثانية عن طريق دفع سعر أعلى مقابل الطعام، لقد أنهكت القيود الشاقة والسيطرة المركزية متشعبة قوى المُزارع، وأرهقت البيروقراطية المستشرية كاهل الأمة. ومع ذلك، هناك مجموعة من الخسائر أقل وضوحًا؛ فقد كان برنامج دعم المزارع عائقًا رئيسيًا في ميدان السياسة الخارجية. وفي سبيل الحفاظ على سعر محلي أعلى من السعر العالمي، كان من الضروري فرض حصص (كوتا) على واردات الكثير من الأشياء، وكان للتغيرات الغريبة في سياستنا نتائج عكسية خطيرة على بلدان أخرى؛ فقد شجع السعر المرتفع للقطن البلدان الأخرى على زيادة إنتاجها من القطن. وعندما أدى السعر المرتفع الذي فرضناه إلى وجود مخزون كبير من القطن تصعب إدارته، بدأنا في بيع القطن في الخارج بأسعار منخفضة وألحقنا خسائر فادحة بالمنتجين الذين شجعناهم على زيادة الإنتاج بإجراءاتنا سابقة الذكر. والأمثلة المشابهة كثيرة.

(٢) تأمين المسنين والورثة

إن برنامج «الضمان الاجتماعي» أحد الأمور التي يبدأ فيها استبداد الوضع القائم في ترك بصمته. وبالرغم من الجدل الذي أحاط نشأته، أصبح الناس يتعاملون مع الرغبة في وجوده كأمر مسلم به وكأنها لم تعد مثارًا للشكوك. مع ذلك، ينطوي البرنامج على انتهاك كبير للحياة الشخصية لجزء كبير من أفراد الشعب دونأي مبرر مقنع على الإطلاق حسبما أرى، ليس فقط وفقًا للمبادئ الليبرالية، بل وفقًا لكافة المبادئ تقريبًا. إنني أقترح فحص أكبر مرحلة للبرنامج والتي تنطوي على تقديم مبالغ مالية للمسنين.

من الناحية الإدارية، يتألف البرنامج المعروف بتأمين المسنين والورثة من ضريبة خاصة مفروضة على رواتب الموظفين بالشركات، إلى جانب مبالغ مالية تُقَدَّمُ للأفراد الذين يبلغون سنًا محددة، وتُحَدَّدُ المبالغ المالية على أساس السن الذي يبدأ فيه الفرد في الحصول على المبالغ المالية والحالة الاجتماعية وسجل المكسب السابق.

من الناحية التحليلية، يتألف تأمين المسنين والورثة من ثلاثة عناصر يمكن فصلها عن بعضها:
  • (١)

    شرط إلزام فئة واسعة من الأشخاص بشراء إيراد سنوي حتى بلوغ سن التقاعد بعينه، أي شرط إلزامي لتأمين المسنين.

  • (٢)

    شرط أن يشتري الفرد الإيراد السنوي هذا من الحكومة، أي تأميم تقديم هذا الإيراد السنوي.

  • (٣)

    خطة لإعادة توزيع الدخل، ما دامت قيمة الإيراد السنوي الذي يستحق الأفراد الحصول عليه عند الاشتراك في النظام لا تعادل الضرائب التي سيدفعونها.

من الواضح أنه لا توجد ضرورة لربط هذه العناصر؛ فيمكن إلزام كل فرد بتمويل معاشه السنوي الخاص به، ويمكن حينها السماح للفرد بشراء الإيراد السنوي من شركات خاصة، بيد أنه يمكن إلزامه بشراء إيرادات سنوية محددة. ويمكن للحكومة الدخول في مجال بيع الإيراد السنوي دون إلزام الأفراد بشراء إيرادات سنوية بعينها، وجعل هذا النشاط مجالًا قائمًا بذاته. ومن الواضح أنه بمقدور الحكومة فعلًا إجراء إعادة التوزيع دون استخدام حيلة الإيرادات السنوية.

بناء على ذلك، دعونا ننظر في كل عنصر على حدة تباعًا لنرَ إلى أي مدى يمكن تبرير كل عنصر، إذا كان هناك مبرر في الأساس.

أرى أنه إذا نظرنا إلى العناصر في ترتيب عكسي سنسهل من تحليلنا.

(٢-١) إعادة توزيع الدخل:

يضم برنامج تأمين المسنين والورثة نوعين أساسيين من توزيع الدخل، التوزيع من بعض المستفيدين من البرنامج إلى آخرين، والتوزيع من دافع الضريبة العام إلى المستفيدين من البرنامج.

يأتي النوع الأول من إعادة توزيع الدخل من أولئك الذين يشتركون في النظام في سن صغيرة نسبيًا إلى هؤلاء الذين دخلوا في النظام في عمر متقدم. تتلقى الفئة الأخيرة وستتلقى ولبعض الوقت في صورة إعانات مبالغ أكبر مما كانت ستشتريه الضرائب التي دفعها أفرادها. على الجانب الآخر وفي إطار برامج الضرائب والإعانات الحالية، سيتلقى هؤلاء الذين دخلوا النظام في سن صغيرة مبلغًا أقل حتمًا.

لا أرى ثمة أسس — ليبرالية أو غيرها — يمكن بناءً عليها الدفاع عن هذا النوع بالتحديد من إعادة توزيع الدخل. إن الإعانة الحكومية للمستفيدين لا علاقة لها بالفقر أو بالغنى؛ حيث يتلقاها الثري كما يتلقاها الفقير، والضرائب التي تقدم الإعانة الحكومية هي ضريبة ثابتة على المكاسب تصل إلى الحد الأقصى، وتشكل جزءًا أكبر من الدخول المنخفضة عما تشكله في الدخول المرتفعة. هل من مبرر مقبول لفرض ضرائب على الشباب لتقديم إعانات مالية لكبار السن بصرف النظر عن الحالة الاقتصادية لكبار السن، أو لفرض معدل ضريبي أعلى لهذا الغرض على الدخول المنخفضة دون المرتفعة، أو — من هذا المنظور — لجمع الإيرادات لدفع الإعانات المالية عن طريق فرض ضريبة على رواتب الموظفين؟

ينشأ النوع الثاني من إعادة التوزيع نتيجةً لأنه من المستحيل أن يكون النظام ذاتي التمويل تمامًا. وإبان الفترة التي يتمتع فيها الأفراد بنظام التغطية ويدفعون الضرائب، وليس فيها إلا القليل من المؤهلًين للحصول على الإعانات المالية، ظهر أن النظام ممول ذاتيًا، وأن هناك فائضًا فعلًا، لكن هذا المظهر يعتمد على تجاهل الالتزام المتزايد نحو الأفراد الذين يدفعون الضرائب. ومن المشكوك في صحته أن الضرائب المدفوعة كانت كافية لتمويل الالتزام المتراكم، فالعديد من الخبراء يؤكدون أنه حتى على أساس نقدي، ستكون الإعانة المالية ضرورية؛ ومثل هذه الإعانات كانت شرطًا أساسيًا في نظم مماثلة في بلدان أخرى. إن هذا الأمر فني للغاية بدرجة تجعلنا غير قادرين على الخوض فيه في هذا المقام ونحن في غنى عن ذلك ويمكن أن تكون هناك اختلافات صادقة في الرأي بصدده.

أما في سياق الغرض من حديثنا، يكفي فحسب أن نطرح السؤال الافتراضي: ما إذا كانت الإعانة المأخوذة من دافع الضريبة العادي يمكن تبريرها إذا تطلب ذلك؟ إنني لا أرى أية أسباب يمكن على أساسها تبرير هذه الإعانة المالية. من الممكن أن نرغب في مساعدة الفقراء، ولكن هل هناك أي مبرر لمساعدة الأفراد — سواءً كانوا فقراء أم لا — لمجرد أنهم بلغوا سنًا معينة؟ أليس هذا برمته إعادة توزيع تعسفية؟

إن الحجة الوحيدة التي وقعت عليها عيني لتبرير إعادة توزيع الدخل الذي ينطوي عليه تأمين المسنين والورثة هي حجة أراها غير أخلاقية تمامًا بالرغم من استخدامها على نطاق واسع. هذه الحجة هي أن إعادة توزيع تأمين المسنين والورثة يساعد الأفراد ذوي الدخل المنخفض أكثر مما يساعد الأفراد ذوي الدخل المرتفع، على الرغم من وجود عنصر تعسفي كبير في ذلك؛ بحيث يكون من الأفضل إجراء إعادة التوزيع هذا على نحو أكثر فعالية، بيد أن المجتمع لن يؤيد إعادة التوزيع مباشرة مع أنه سيؤيده كجزء من برامج الضمان الاجتماعي. ما تنطوي عليه هذه الحجة أساسًا أنه يمكن تضليل المجتمع وسوقه إلى تأييد إجراء يعارضه عن طريق تقديم الإجراء في صورة مخادعة. مما لا شك فيه أن الأشخاص الذين يجادلون بهذه الطريقة هم الأشهر في إدانتهم للإعانات التجارية المضللة!1

(٢-٢) تأميم تقديم الإيرادات السنوية اللازمة:

لنفترض أننا تجنبنا إعادة توزيع الدخل عن طريق إلزام كل فرد بتمويل الإيراد السنوي الذي يحصل عليه؛ بمعنى أن يكون قسط التأمين الذي يحصل عليه يكفي تغطية القيمة الحالية للإيراد السنوي بالطبع، وأن يؤخذ في الحسبان كلًا من الوفيات وعائدات الفائدة. ما المبرر حينها لإلزامه بشراء الإيراد السنوي من مؤسسة حكومية؟ وإذا كانت ستتحقق إعادة التوزيع، فمن المؤكد أنه لا بد من استخدام السلطة الضريبية للحكومة. لكن إذا لم تكن إعادة التوزيع جزءًا من البرنامج — وكما شاهدنا توًا — وكان من الصعب تبين أي مبرر لجعلها جزء من البرنامج، فلماذا إذن لا يتم السماح للأفراد الذين يرغبون في فعل ذلك بشراء إيراداتهم السنوية من المؤسسات الحكومية؟ ويمكن تقديم حالة مشابهة هي قوانين الولايات التي تقضي بالشراء الإجباري لتأمين المسئولية على السيارة. فعلى حد علمي، لا توجد شركة تأمين حكومية في أية ولاية تفرض هذا القانون، ناهيك عن إجبار أصحاب السيارات على شراء تأمينهم من هيئة حكومية.

إن اقتصاديات الحجم الكبير الممكنة ليست بحاجة إلى تأميم تقديم الإيرادات السنوية. وإذا كانت قائمة، وأنشأت الحكومة جهة لبيع عقود الإيرادات السنوية، قد تصبح هذه الاقتصاديات قادرة على بيع تلك العقود بثمن أقل من المنافسين بفضل حجمها. وفي تلك الحالة، ستسيطر على المجال دون إكراه. ولكن إذا لم تستطع البيع بسعر أقل من المنافسين، فمن المفترض إذن أن اقتصاديات الحجم غير موجودة أو أنها ليست كافية للتغلب على العيوب الاقتصادية بالإدارة الحكومية.

هناك ميزة ممكنة لتأميم تقديم الإيرادات السنوية وهي تيسير تطبيق الشراء الإلزامي للإيرادات السنوية. ولكن هذه الميزة تبدو غير جديرة بالاهتمام مطلقًا. قد يكون من السهل ابتكار نظم إدارية بديلة، كإلزام الأفراد بإدراج نسخة من الإيصال لدفعات التأمين إلى جانب عائدات ضرائب الدخل الخاصة بهم، أو إلزام أرباب عملهم بالإقرار بأنهم أوفوا بالشرط؛ من ثم ستصبح المشكلة الإدارية بلا شك ثانوية مقارنة بتلك التي تفرضها النظم الحالية.

يبدو من الواضح أن خسائر التأميم تفوق أهمية أية ميزة تافهة كتلك. وفي هذا الصدد — كما في غيره — ستعزز حرية الفرد في الاختيار والمنافسة بين الشركات الخاصة لاجتذاب العملاء من تطوير أنواع العقود المتاحة، كما ستعزز من التنوع والاختلاف للوفاء بالاحتياجات الفردية. على المستوى السياسي، هناك مكسب واضح من تجنب توسبع نطاق التدخل الحكومي والتهديد غير المباشر للحرية الذي يمثله كل توسع مماثل.

هناك خسائر سياسية أقل وضوحًا تنشأ من طبيعة البرنامج الحالي؛ إذ أصبحت القضايا المتضمنة فنية ومعقدة للغاية، وغالبًا ما يكون الشخص العادي غير مؤهل للحكم عليها. فالتأميم يعني أن تصبح غالبية «الخبراء» موظفين للنظام المؤمم أو أن الأساتذة الجامعيين يصبحوا شديدي الارتباط به. وحتمًا، أضحوا يؤيدون توسعه، ليس من منطلق الحرص على المصلحة الشخصية الضيقة بل لأنهم يعملون داخل إطار عمل يسلمون فيه بالإدارة الحكومية ولا يألفون سوى أساليبها، زيادة في الإيضاح، تمثلت الميزة التعويضية الوحيدة في الولايات المتحدة حتى الآن في وجود شركات التأمين الخاصة التي تشترك في أنشطة مماثلة.

إن الرقابة الفعالة للكونجرس على أعمال هيئات كهيئة الضمان الاجتماعي أصبحت مستحيلة جوهريًا نتيجة للطبيعة الفنية لمهمتها واحتكارها الجزئي للخبراء. فقد أصبحت هيئات مستقلة يوافق الكونجرس على مشروعاتها روتينيًا، أما الأشخاص القادرون الطامحون الذين يصنعون مستقبلهم الوظيفيي فيها تواقون بطبيعة الحال لتوسيع نطاق هيئاتهم ومن الأمور بالغة الصعوبة منعهم من فعل ذلك. إذا أظهر الخبير موافقته، فهل هناك شخص كفؤ يمكنه الرفض؟ من ثم شاهدنا قطاعًا متزايدًا من السكان يُستقطبون إلى نظام الضمان الاجتماعي، والآن أصبح هناك بضعة احتمالات للتوسع في ذلك الاتجاه، ونشهد الآن خطوات نحو إضافة برامج جديدة، على غرار الرعاية الطبية.

أخلص إلى أن الحجة ضد تأميم تقديم الإيرادات السنوية قوية إلى أبعد الحدود، ليس فقط بناءً على مبادئ ليبرالية بل من حيث القيم التي يعبر عنها مؤيدو سياسة دولة الرفاهية. إذا آمنوا أن الحكومة بوسعها تقديم الخدمة تقديمًا أفضل من السوق، فينبغي لهم تأييد جهة حكومية لإصدار الإيرادات السنوية في منافسة مفتوحة مع جهات أخرى. وإذا كانوا على صواب، ستزدهر الجهة الحكومية. أما إذا كانوا على خطأ، ستنمو رفاهية الناس عن طريق وجود بديل خاص. وحسبما أرى، لن يأخذ سوى الاشتراكيون المتشددون أو المؤمنون بالسيطرة المركزية في حد ذاتها موقفًا مؤيدًا من حيث المبدأ لتأميم تقديم الإيرادات السنوية.

(٢-٣) الشراء الإلزامي للإيرادات السنوية:

بعدما قوضنا العناصر الثانوية، صرنا مستعدين الآن لمناقشة القضية الأساسية وهي إلزام الأفراد استخدام بعض من دخلهم الحالي لشراء الإيرادات السنوية لتأمين شيخوختهم.

هناك مبرر محتمل لمثل هذا الإلزام وهو نابع تمامًا من الوصاية الأبوية للدولة. يمكن للأفراد — إن أرادوا — أن يقرروا أن يفعلوا فرديًا ما يلزمهم القانون بفعله كمجموعة؛ بيد أنهم سيفتقرون إلى بعد النظر لو تصرف كل منهم على حدة وليس بوسعهم التخطيط لمستقبلهم. «نحن» نعلم أفضل منهم أنه في «صالحهم» تأمين مرحلة الشيخوخة بدرجة أكبر مما يمكنهم فعله طواعية، لا يمكننا إقناعهم كلًّا على حدة، لكن يمكننا إقناع واحد وخمسين بالمائة أو أكثر بإجبار الجميع على فعل ما هو في صالحهم. إن هذه الوصاية الأبوية خاصة بالأفراد المسئولين؛ ومن ثم ليس لها أي مبرر جدير بالاهتمام للأطفال أو المختلين عقليًا.

إن هذا الموقف متوافق ومنطقي في تركيبه، ولا يمكن إقناع شخص مؤيد للوصاية الأبوية ويتبنى هذا الموقف بالعدول عنه بأن تثبت له أنه يرتكب خطأً منطقيًا. فهو معارض لنا على أساس المبدأ، وليس مجرد صديق حسن النية بل صديقًا مضللًا. وهذا الشخص أساسًا يؤمن بالديكتاتورية، وحسن النية، ولعله يؤمن بحكم الأغلبية، لكنه مع ذلك ديكتاتوري.

إن من يؤمن منا بالحرية لا بد من أن يؤمن أيضًا بحرية الأفراد في ارتكاب أخطائهم. إذا فضل شخص — عن قصد — التمتع بالمرحلة الحالية من حياته، واستخدام موارده لمتعته الحالية واختار — عن عمد شيخوخة — فقيرة، بأي حق نمنعه من فعل ذلك؟ قد نتجادل معه ونسعى لإقناعه بخطئه لكن هل يحق لنا استخدام القهر لمنعه من فعل ما اختار؟ أليس هناك دائمًا احتمال أنه على حق وأننا على خطأ؟ إن التواضع هو نقطة القوة المميزة للمؤمن بالحرية، أما السمة المميزة للمؤمن بالوصاية الأبوية فهي الغرور.

يوجد بضعة أشخاص يؤمنون تمامًا بالوصاية الأبوية، وهذا الموقف منفر للغاية إذا ناقشناه بموضوعية وتفصيل. ومع ذلك، لعبت الحجة الأبوية دورًا كبيرًا في إجراءات كالضمان الاجتماعي لدرجة أنها بدت جديرة بأن تُطَبَّقَ صراحةً.

هناك مبرر محتمل قائم على مبادئ ليبرالية للشراء الإلزامي للإيرادات السنوية التي يحصل عليها كبار السن وهو أن المسرفين لن يعانوا تبعات أفعالهم بل سيحملون الآخرين خسائر. يُزْعَمُ أننا لن نكون راغبين في رؤية كبار السن المعدمين يعانون الفقر المدقع، وسنمد لهم يد العون عن طريق الأعمال الخيرية العامة والخاصة؛ ومن ثم سيصبح الرجل الذي لا يؤمن شيخوخته عبئًاً على عامة الناس، وإلزامه بشراء إيراد سنوي ليس مبررًا لصالحه بل لصالح باقي الأفراد.

تعتمد أهمية هذه الحجة بالتأكيد على الواقع. فإذا أصبح تسعون بالمائة من السكان يمثلون أعباء على المجتمع في سن الخامسة والستين في غياب الشراء الإلزامي للإيرادات السنوية، سيكون للحجة أهمية كبيرة. أما إذا كان واحد بالمائة فقط هم مَن سيصبحون عبئًا على المواطنين، لن تكون للحجة أية أهمية. لماذا نقيد حرية تسعة وتسعين في المائة من الأفراد لتجنب خسائر قد يفرضها واحد بالمائة من الأفراد على المجتمع؟

لقد اكتسب الاعتقاد بأن جزءًا كبيرًا من المواطنين سيمثل عبئًا على المجتمع إذا لم يُجْبَرُوا على شراء الإيرادات السنوية إلى أزمة الكساد الكبير مصداقيته — أثناء سن قانون تأمين المسنين والورثة — بسبب الكساد الكبير. ففي كل عام اعتبارًا من عام ١٩٣١ إلى عام ١٩٤٠، كان ما يزيد عن سبع القوة العاملة متعطل عن العمل، وكانت البطالة نسبيًا بين العمال الأكبر سنًا. كانت هذه الأحوال غير مسبوقة ولم تتكرر منذ ذلك الحين، ولم تنشأ نتيجةً لأن الناس كانوا يفتقدون إلى البصيرة وفشلوا في تأمين شيخوختهم، بل كانت إحدى تبعات سوء الإدارة الحكومية، كما شاهدنا. كان تأمين المسنين والورثة علاجًا — إذا كان كذلك من الأصل — لمرض مختلف للغاية عما سبق، لكننا ليست لدينا أية دراية بطبيعة هذا المرض.

من المؤكد أن أعداد العاطلين أثناء الأربعينيات خلقت مشكلة خطيرة عرقلت انفراج الأزمة الاقتصادية، وأصبح العديد من الأشخاص يمثلون أعباءً على المجتمع. وبالرغم من ذلك، لم يكن كبار السن المشكلة الأخطر على الإطلاق؛ فالعديد من الأشخاص في سن الإنتاج كانوا ضمن برامج الإعانة والدعم، ولم يحل الانتشار المطرد لتأمين كبار السن والورثة — حتى يومنا هذا هناك أكثر من ستة عشر مليون شخص يتلقى الإعانات الحكومية — دون تسارع وتيرة نمو عدد الأشخاص الذين يتلقون المساعدة.

لقد تغيرت تمامًا النظم الخاصة يرعاية كبار السن مع مرور الزمن. كان الأطفال في وقت ما الوسيلة الرئيسية التي تمكن الناس بواسطتها من تأمين مرحلة الشيخوخة. ولما تحسنت الحالة الاقتصادية للمجتمع، تغيرت التقاليد والأعراف؛ وتقلصت المسئوليات المفروضة على الأطفال في رعاية آبائهم وجاء المزيد والمزيد من الناس ليضعوا قواعد خاصة بتأمين مرحلة الشيخوخة، وهي القواعد التي جاءت في صورة جمع الممتلكات أو اكتساب حقوق المعاش الخاص. وفي الآونة الأخيرة، ازداد تطور خطط المعاش فضلًا عن تأمين كبار السن والورثة. وفعلًا، يؤمن بعض الدارسين أن استمرار الاتجاهات الحالية يؤدي إلى مجتمع يقتصد فيه جزء كبير من عامة الناس أثناء السنوات الإنتاجية بحياتهم لتوفير مستوى معيشي أفضل لأنفسهم أعلى تمامًا مما استمتعوا به في ريعان شبابهم. قد يعتقد البعض منا أن هذا التوجه أحمق، ولكن إذا عكس ميول المجتمع، فلا بأس.

وبسبب ذلك، تسبب الشراء الإلزامي للإيرادات السنوية في خسائر كبيرة مقابل مكسب ضئيل؛ فقد حرمنا جميعًا من السيطرة على جزء ضخم من دخلنا، وألزمنا بتكريسه لغرض بعينه، وهو شراء إيراد سنوي شراءً محددًا حتى بلوغ سن التقاعد، من خلال شرائه من جهة حكومية، وهو الأمر الذي حال دون المنافسة في بيع الإيرادات السنوية ودون تطور نظم التقاعد، وكان مصدرًا لقدر كبير من البيروقراطية التي تظهر ميولًا للنمو لوجود ما يغذيها ولتوسيع نطاقها من مجال لآخر في حياتنا. وكل هذا لتجنب خطر أن يصبح بضعة أشخاص أعباءً على المجتمع.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤