الفصل الرابع

النظم المالية والتجارية الدولية

تتمثل مشكلة النظم النقدية الدولية في العلاقة بين العملات المحلية المختلفة؛ أي الشروط والظروف التي بموجها يستطيع الأفراد تحويل الدولار الأمريكي إلى جنيه إسترليني، والدولار الكندي إلى دولار أمريكي، وهلم جرا. ترتبط هذه المشكلة ارتباطًا وثيقًا بالرقابة على النقود التي ناقشناها في الفصل السابق، وكذلك بالسياسات الحكومية المتعلقة بالتجارة الدولية، نظرًا لأن الرقابة على التجارة الدولية إحدى وسائل التأثير على المدفوعات الدولية.

(١) أهمية النظم النقدية الدولية للحرية الاقتصادية

بالرغم من الطبيعة المتخصصة والتعقيد الشديد اللذين يتسم بهما موضوع النظم النقدية الدولية، فهو من الموضوعات التي لا يستطيع الليبرالي إغفالها. ولا أبالغ حين أقول أن التهديد الأخطر على الحرية الاقتصادية على المدى القريب في الولايات المتحدة في وقتنا الحاضر — باستثناء اندلاع حرب عالمية ثالثة بالطبع — هو أننا سننساق وراء اتباع ضوابط اقتصادية واسعة النطاق في سبيل «حل» مشكلات ميزان المدفوعات. تبدو التدخلات في التجارة الدولية غير ضارة؛ وقد تحظى بتأييد الأشخاص المتخوفين من التدخل الحكومي في الشأن الاقتصادي بطريقة أخرى؛ حتى إن عددًا كبيرًا من رجال الأعمال يعتبرونها جزءًا من «أسلوب الحياة الأمريكي»، مع ذلك هناك عدد من أشكال التدخل التي من الممكن أن تنتشر على نطاق أوسع من المطلوب بكثير، وينتج عنها في النهاية آثار مدمرة للاقتصاد الحر. هناك الكثير من الشواهد في الماضي تشير إلى أن أَفْعَل وسيلة لتحويل اقتصاد السوق إلى مجتمع اقتصادي استبدادي هي البدء بفرض ضوابط مباشرة على العملات الأجنبية. ستؤدي هذه الخطوة حتمًا إلى تقنين الواردات ومراقبة المصانع المحلية التي تستخدم المنتجات المستوردة، أو التي تنتج بدائل للواردات وما إلى ذلك في دائرة حلزونية لا تنتهي. وإن أحد المعروفين بأنهم من المؤيدين المخلصين للاقتصاد الحر كعضو مجلس الشيوخ باري جولدووتر انساق أحيانًا إلى القول إن القيود المفروضة على المعاملات في الصرف الأجنبي قد تكون ضرورية بوصفها «علاجًا»، وذلك عند مناقشة ما يسمى «تدفق الذهب»، مع أن «العلاج» سيكون أسوأ كثيرًا من المرض.

قلما يكون هناك أي جديد في السياسة الاقتصادية حقًا؛ فما يُزْعَمُ أنه جديد يتضح عمومًا أنه ما نُبِذَ في قرنٍ ماضٍ، لكن في قناع واه. ومع ذلك، ما لم أكن مخطئًا، فإن ضوابط الصرف مكتملة الجوانب وما يسمى ﺑ «عدم قابلية تحويل العملات» هما استثناءان وأصولهما تكشف عن أنهما يبشران بالاستبداد. فعلى حد علمي، ابتكرهما هيلمار شاخت في السنوات الأولى من نظام الحكم النازي. وفي العديد من الحالات في الماضي بالطبع، وُصفت العملات بأنها غير قابلة للتحويل. لكن ما كانت تعنيه الكلمة آنذاك أن الحكومة في ذلك الوقت كانت غير راغبة أو غير قادرة على تحويل العملة الورقية إلى ذهب أو فضة أو أيًا كانت السلعة النقدية، وفقًا للمعدل المحدد قانونيًا. ونادرًا ما يعني الوصف بغير قابلة للتحويل أن دولة تحظر على مواطنيها أو المقيمين بها تبادل قصاصات ورقية بوعد سداد مبالغ مالية محددة بالوحدة النقدية لتلك الدولة مقابل قصاصات ورقية مناظرة ممثلة في وحدة نقدية لدولة أخرى — أو في سياق متصل مقابل عملة معدنية أو أو مقابل سبيكة ذهبية أو فضية. على سبيل المثال. إبان الحرب الأهلية في الولايات المتحدة وعلى مدار عقد ونصف بعد ذلك، كانت عملة الولايات المتحدة غير قابلة للتحويل، بمعنى أن حامل الدولار لا يمكنه إعادته إلى وزارة الخزانة والحصول على كمية محددة من الذهب في المقابل، غير أنه في تلك الفترة كان يتمتع بحرية شراء الذهب بسعر السوق أو شراء أو بيع الجنيه البريطاني مقابل الدولار بأي سعر يتفق عليه كل من طرفي التبادل.

في الولايات المتحدة، كان الدولار غير قابل للتحويل بالمعنى الأقدم منذ عام ١٩٣٣؛ حيث كان من المحظور قانونيًا على المواطنين الأمريكيين الاحتفاظ بالذهب أو شراؤه أو بيعه. لكن لم يصبح الدولار غير قابل للتحويل بالمعنى الأحدث، إلا أنه لسوء الحظ يبدو أننا نتبع سياسات من المحتمل كثيرًا أن تقودنا إلى ذلك الاتجاه عاجلًا أم آجلًا.

(٢) دور الذهب في النظام النقدي للولايات المتحدة

لا يقودنا سوى التخلف الثقافي إلى التفكير في الذهب على أنه العنصر الرئيس في نظامنا النقدي. يتجلى الوصف الأكثر دقة لدور الذهب في سياسة الولايات المتحدة في أنه، في المقام الأول، سلعة يُدْعَمُ سعرها كالقمح أو غيره من المنتجات الزراعية. إن برنامجنا لدعم أسعار الذهب يختلف في ثلاثة أوجه هامة عن برنامج دعم أسعار القمح؛ أولًا، نحن نسدد للمنتجين الأجانب والمحليين على حدٍ سواء بسعر الدعم، وثانيًا، نبيع دون قيد أو شرط بسعر الدعم للمشترين الأجانب فقط دون المحليين، وثالثًا — وهو الأثر المهم المتبقي من الدور النقدي للذهب — فإنه مخول لوزارة الخزانة صنع النقود لسداد ثمن الذهب الذي تشتريه — أو طبع النقود الورقية إن جاز التعبير — بحيث لا يظهر الإنفاق على شراء الذهب في الميزانية ولا تكون هناك حاجة إلى أن يحدد الكونجرس المبالغ المالية المطلوبة لهذا الغرض بالتفصيل؛ على نحو مماثل، عندما تبيع وزارة الخزانة الذهب، لا تُظْهِر السجلات سوى انخفاض في الشهادات الذهبية، لا إيصالًا يُدَوَّنُ في الميزانية.

عندما تحدد سعر الذهب للمرة الأولى بمستواه الحالي البالغ ٣٥ دولارًا أمريكيًا للأوقية عام ١٩٣٤، كان هذا السعر يفوق كثيرًا سعر الذهب بالسوق الحرة. وبالتالي، غمر الذهب الولايات المتحدة وتضاعف مخزون الذهب لدينا ثلاث مرات في غضون ستة أعوام وأصبحنا نمتلك ما يفوق كثيرًا نصفَ المخزون العالمي من الذهب. وتراكم لدينا «فائض» من الذهب كما تراكم «فائض» من القمح للسبب ذاته — لأن الحكومة عرضت سعرًا أعلى من سعر السوق. في الآونة الأخيرة، تغير الموقف؛ ففي حين ظل السعر المحدد قانونيًا للذهب عند حد ٣٥ دولارًا أمريكيًا، زادت أسعار السلع الأخرى مرتين أو ثلاث مرات، وبالتالي أصبح ٣٥ دولار أقل مما قد يكون عليه سعر السوق الحرة الآن،1 وكنتيجة لذلك نواجه الآن «عجزًا» لا «فائضًا» بالضبط كما في السبب الذي يؤدي حتمًا إلى حدوث «عجز» في الإسكان عند وضع حد أقصى للإيجار — لأن الحكومة تسعى لأن تحافظ على بقاء سعر الذهب أدنى من سعر السوق.

كان من الممكن أن يرتفع السعر القانوني للذهب منذ زمن طويل — كما ارتفعت أسعار القمح من حين إلى آخر — لولا مصادفة أن المنتجين الرئيسيين للذهب، ومن ثم المنتفعين الرئيسيين من ارتفاع أسعاره، هما الاتحاد السوفيتي وجنوب أفريقيا؛ أي الدولتان اللتان لا يوجد أي وفاق سياسي بينهما وبين الولايات المتحدة.

إن الرقابة الحكومية على سعر الذهب، والتي تفوق الرقابة على أي سعر آخر، تتناقض مع الاقتصاد الحر. لا بد من التمييز الجيد بين معيار الذهب الزائف واستخدام الذهب كعملة نقدية في إطار معيار ذهب حقيقي وهو ما يتوافق تمامًا مع الاقتصاد الحر، على الرغم من أنه قد يكون غير ممكن التنفيذ. والأسوأ من تحديد الأسعار نفسه، مثلت الإجراءات التي اقترنت به والتي اتخذتها إدارة روزفلت عامي ١٩٣٣ و١٩٣٤، عندما رفعت سعر الذهب، انحرافًا كبيرًا عن المبادئ الليبرالية وترسيخًا لسوابق ثبت، فيما بعد، أنها أضرت كثيرًا بالعالم الحر؛ وأشير هنا إلى تأميم مخزون الذهب، وحظر الحيازة الشخصية للذهب لأغراض نقدية، وإلغاء شرط الدفع بالذهب من العقود في العقود العامة والخاصة.

في عام ١٩٣٣ وأوائل عام ١٩٣٤، أصبح لزامًا على مالكي الذهب من الأفراد تسليم الذهب إلى الحكومة الفيدرالية بموجب القانون، وتلقوا تعويضات بسعر يعادل السعر القانوني السابق، وهو ما كان في ذلك الوقت أدنى من سعر السوق، بالتأكيد. ولجعل هذا المطلب فعالًا، أصبحت الحيازة الخاصة للذهب داخل الولايات المتحدة غير قانونية باستثناء استخدام الذهب في الفنون. من الصعب على المرء تخيل إجراء أكثر تدميرًا لمبادئ الملكية الخاصة التي يقوم عليها المجتمع الحر من هذا الإجراء. لا يوجد اختلاف من حيث المبدأ بين هذا التأميم للذهب مقابل ثمن بخس للغاية وبين تأميم فيدل كاسترو للأراضي والمصانع مقابل ثمن بخس للغاية، وعلى أي أساس من المبدأ تستطيع الولايات المتحدة الاعتراض على واحد بعد ن طبقت الآخر؟ وفوق ذلك تجلى جهل بعض المؤيدين للسوق الحرة فيما يتعلق بأي شيء يتصل بالذهب كثيرًا في عام ١٩٦٠ عندما اقترح هنري ألكسندر، رئيس شركة مورجان جارنتي تراست كَمباني — التي أصبحت، فيما بعد، جي بي مورجان آند كَمباني — أن يمتد حظر الملكية الخاصة للذهب من مواطني الولايات المتحدة ليشمل امتلاك الذهب في الخارج! وتبنى الرئيس إيزنهاور هذا الاقتراح دون اعتراض يذكر من القطاع المصرفي.

بالرغم من أن مبرر قانون حظر الحيازة الخاصة للذهب هو «حفظ» الذهب للاستخدام النقدي، فلم يسن ذلك القانون لمثل ذلك الغرض النقدي، سواءً كان في حد ذاته صحيحًا أم خاطئًا؛ فقد صدر قانون تأميم الذهب لتمكين الحكومة من جني جميع أرباح «النقود الورقية» الناتجة عن ارتفاع سعر الذهب — أو ربما لمنع الأفراد العاديين من كسب أرباح.

كان لإلغاء شروط الدفع بالذهب غاية مماثلة، وهذا أيضًا كان إجراءً هدامًا للمبادئ الأساسية للاقتصاد الحر. إن العقود التي تبرم بنية حسنة وبمعرفة كاملة من جانب الطرفين المتعاقدين أصبحت باطلة لمصلحة أحد الأطراف!

(٣) المدفوعات الحالية وهروب رؤوس الأموال

عند مناقشة العلاقات النقدية الدولية بنظرة أكثر شمولًا، فمن الضروري التمييز بين مشكلتين مختلفتين نوعًا ما؛ وهما ميزان المدفوعات وخطر التهافت على الذهب. يمكن إيضاح الاختلاف بين المشكلتين على أفضل نحو بدراسة نموذج مصرف تجاري عادي. لا بد من أن ينظم المصرف شئونه جيدًا بحيث يحصل على رسوم الخدمة والفائدة على القروض وما إلى ذلك بمبالغ كبيرة كافية لتمكينه من دفع نفقاته كالأجور والرواتب والفائدة على الأموال المقترضة وتكلفة التجهيزات وعوائد المساهمين وهلم جرا؛ أي لا بد من أن يبذل ما في وسعه من أجل تحقيق حساب دخل ناجح. لكن أي مصرف ناجح فيما يتعلق بحساب الدخل قد يتعرض بالرغم من ذلك لمشكلة خطيرة إذا فقد المودعين لأي سبب ثقتهم في المصرف وطالبوا فجأة بودائعهم جميعًا في آن واحد. فقد أُجْبِرَت الكثير من المصارف الآمنة على إغلاق أبوابها نتيجة لحدوث مثل ذلك التهافت على سحب الودائع أثناء أزمات السيولة التي وصفناها في الفصل السابق.

إن هاتين المشكلتين مرتبطتان إحداهما بالأخرى، بالطبع. فمن الأسباب المهمة لفقدان المودعين الثقة في أي مصرف تعرض المصرف لخسائر في حساب الدخل. ومع ذلك تُعَدُّ المشكلتان مختلفتين للغاية؛ فمن جهة تُعَدُّ مشكلات حساب الدخل عمومًا تدريجية الظهور ويُتَاح وقت كبير لحلها؛ فنادرًا ما تأتي فجأة، وعلى الجهة الأخرى يظهر التهافت على سحب الودائع فجأة ويأتي دون سابق إنذار وعلى نحو لا يمكن التنبؤ به.

إن موقف الولايات المتحدة مشابه تمامًا؛ فالمقيمون بالولايات المتحدة وحكومة البلاد نفسها يسعون لشراء العملات الأجنبية بالدولار في سبيل شراء السلع والخدمات في البلدان الأخرى، أو الاستثمار في المشروعات التجارية الأجنبية، أو دفع الفائدة على الديون، أو تسديد القروض أو تقديم هبات للآخرين، سواءً في القطاع الخاص أو العام. وفي الوقت نفسه، يسعى الأجانب للحصول على الدولار بعملات أجنبية لأسباب مماثلة. بعد ذلك، سيعادل عددُ الدولارات التي تُنْفَقُ للحصول على عملات أجنبية عددَ الدولارات التي تُشْتَرَى بالعملة الأجنبية، تمامًا كما أن عدد الأحذية التي تباع تعادل عدد الأحذية التي تُشْتَرَى. إن لغة الأرقام لا تختلف، فعندما يبيع شخص شيئًا ما يشتريه آخر. لكن لا يوجد هناك ما يضمن أن عدد الدولارات التي يريد البعض إنفاقها سيعادل عدد الدولارات التي يريد الآخرون شراءها بأي سعر محدد للعملة الأجنبية مقابل الدولار، تمامًا مثلما أنه لا يوجد ما يضمن أن عدد أزواج الأحذية التي يريد الناس شراءها هو بالضبط عدد أزواج الأحذية التي يريد الناس بيعها، وذلك في حال وجود سعر محدد للأحذية. تعكس المساواة الواقعية وجود آلية ما تقضي على أي تعارض كان متوقعًا. إن مشكلة خلق آلية مناسبة لهذه الغاية هي المكافئ لمشكلة حساب الدخل بالمصرف.

علاوة على ذلك، تعاني الولايات المتحدة مشكلة كمشكلة المصرف في تجنبها لحدوث تهافت على الذهب؛ فالولايات المتحدة ملزمة ببيع الذهب للمصارف المركزية الأجنبية والحكومات بسعر ٣٥ دولارًا أمريكيًا للأوقية. تحتفظ المصارف المركزية والحكومات الأجنبية والمقيمين الأجانب بأموال ضخمة في الولايات المتحدة في صورة حسابات إيداع أو أوراق مالية أمريكية، والتي يمكن بيعها بسهولة بالدولار. وفي أي وقت، يمكن لأصحاب هذه الأرصدة الانطلاق في التهافت على سحب ودائعهم من خزانة الولايات المتحدة، عن طريق تحويل أرصدتهم بالدولار إلى ذهب. هذا بالضبط ما حدث في خريف عام ١٩٦٠، وهو محتمل الحدوث إلى حد بعيد مجددًا في وقت ما لا يمكن التنبؤ به في المستقبل (ربما قبل أن يطبع هذا الكتاب).

إن هاتين المشكلتين مرتبطتان بطريقتين؛ الأولى، تُعَدُّ صعوبات حساب الدخل بالمصارف مصدرًا رئيسًا لفقدان الثقة في قدرة الولايات المتحدة في الوفاء بوعدها ببيع الذهب بخمسة وثلاثين دولارًا أمريكيًا للأوقية. إن حقيقة أن الولايات المتحدة كانت مضطرة في الواقع إلى الاقتراض من الخارج في سبيل تحقيق التوازن في الحساب الحالي سبب رئيس لرغبة حاملي الدولار في تحويله إلى ذهب أو أية عملات أخرى. ثانيًا، إن السعر الثابت للذهب وسيلة اتخذناها لتعزيز مجموعة أخرى من الأسعار — سعر الدولار مقابل العملات الأجنبية — وتدفقات الذهب هي وسيلة اتخذناها لحل التناقضات المتوقعة سلفًا في ميزان المدفوعات.

(٤) آليات بديلة لتحقيق التوازن في المدفوعات الأجنبية

يمكننا تركيز الضوء أكثر على كل من هاتين العلاقتين بالنظر في الآليات البديلة المتاحة لتحقيق التوازن في المدفوعات — وهي المشكلة الأولى والأكثر أساسية من الأخرى من زوايا عديدة.

لنفترض أن الولايات المتحدة حققت توازنًا في مدفوعاتها الدولية تقريبًا وظهر شيء غَيَّرَ الموقف تمامًا، كانخفاض عدد الدولارات التي يريد الأجانب شراءها مقارنة بعدد الدولارات التي يريد المقيمين بالولايات المتحدة بيعها على سبيل المثال، أو عند النظر إلى الأمر من الجهة الأخرى، زيادة كمية العملة الأجنبية التي يريد حاملو الدولار شراءها مقارنة بالكمية التي يريد حاملو العملة الأجنبية بيعها مقابل الدولار. إن هذا شيء ينذر بحدوث «عجز» في مدفوعات الولايات المتحدة؛ وهو ما قد يكون ناتجًا عن ارتفاع كفاءة الإنتاج بالخارج، أو انخفاض الكفاءة محليًا، أو زيادة إنفاق الولايات المتحدة على المساعدات الأجنبية، أو انخفاض إنفاق بلدان أخرى على المساعدات الأجنبية أو أية تغيرات أخرى من هذا النوع التي تحدث دائمًا.

هناك أربع سبل لا غير يمكن للدولة عن طريقها التأقلم مع مثل ذلك الاضطراب ولا بد من استخدام مزيج من هذه السبل.
  • (١)

    يمكن خفض احتياطي الولايات المتحدة من العملات الأجنبية أو زيادة الاحتياطي الأجنبي من عملة الولايات المتحدة. هذا يعني عمليًا أنه يمكن لحكومة الولايات المتحدة السماح لمخزونها من الذهب أن ينخفض، طالما أن الذهب قابل للصرف بالعملات الأجنبية، أو يمكنها اقتراض عملات أجنبية وجعلها متوفرة لشرائها بالدولار بأسعار الصرف الرسمية، أو يمكن للحكومات الأجنبية مراكمة الدولار عن طريق بيع المقيمين بالولايات المتحدة العملات الأجنبية بالأسعار الرسمية. من الواضح أن الاعتماد على الاحتياطي ليس سوى وسيلة نفعية مؤقتة في أحسن الأحوال، ولا شك أن استخدام الولايات المتحدة الواسع لهذه الوسيلة النفعية هو تحديدًا ما يفسر المخاوف الكبيرة تجاه ميزان المدفوعات.

  • (٢)

    يمكن خفض الأسعار المحلية مقابل الأسعار الأجنبية داخل نطاق الولايات المتحدة، وهذه آلية التأقلم الأساسية في إطار معيار ذهب مكتمل الجوانب. قد يؤدي عجز مبدئي إلى تدفق الذهب للخارج (الآلية ١، أعلاه)، وقد يُحْدِثُ تدفق الذهب للخارج انخفاضًا في المخزون النقدي، وقد يؤدي انخفاض المخزون النقدي إلى انخفاض الأسعار والدخول بالداخل. وفي الوقت نفسه، تحدث النتائج العكسية في الخارج بأن يؤدي تدفق الذهب على الخارج إلى زيادة المخزون النقدي ومن ثم ارتفاع الأسعار والدخل. وقد تؤدي الأسعار المنخفضة بالولايات المتحدة — والتي يقابلها ارتفاع الأسعار الأجنبية — إلى جعل سلع الولايات المتحدة مفضلة أكثر لدى الأجانب، وبذلك يحدث ارتفاع في عدد الدولارات التي يريدون شراءها، وفي الوقت نفسه، قد تؤدي تغيرات الأسعار في جعل السلع الأجنبية أقل تفضيلًا لدى مواطني الولايات المتحدة؛ ومن ثم ينخفض عدد الدولارات التي يريدون بيعها. وكلتا النتيجتين تؤديان إلى تقليص العجز واستعادة التوازن دون الحاجة إلى مزيد من تدفقات الذهب.

    وفي إطار المعيار الحديث الخاضع للرقابة، لن تحدث هذا النتائج تلقائيًا. مع ذلك، قد تحدث تدفقات الذهب كخطوة مبدئية، لكنها لن تؤثر على المخزون النقدي للدولة التي تخسر الذهب أو الدولة التي تكتسب الذهب على حدٍ سواء، ما لم تقرر السلطات النقدية في تلك الدولتين المنفصلتين أنه ينبغي أن يحدث مثل هذا التأثير. يتمتع المصرف المركزي أو وزارة الخزانة في كافة الدول اليوم بسلطةِ موازنةِ تأثير تدفقات الذهب أو تغيير المخزون النقدي دون وجود تدفقات للذهب. ومن ثم ستستخدم هذه الآلية فقط في حال أن تكون السلطات بالدولة التي تمر بعجز مستعدةً لإحداث انكماش اقتصادي، وبذلك تحدث بطالة في سبيل حل مشكلة المدفوعات، أو أن تكون السلطات بالدولة التي تمر بفائض مستعدة لإحداث تضخم اقتصادي.

  • (٣)

    يمكن تحقيق النتائج نفسها عن طريق أحداث تغيير في أسعار الصرف تمامًا كما هو الحال مع إحداث تغيير في الأسعار المحلية تمامًا. على سبيل المثال، لنفترض أنه بموجب الآلية الثانية انخفض سعر سيارة معينة في الولايات المتحدة بنسبة عشرة في المائة من ٢٨٠٠ دولار إلى ٢٥٢٠ دولار. وإذا كان سعر الجنيه الإسترليني في تلك الأثناء يعادل ٢٨٠ دولارًا أمريكيًا، هذا يعني أن السعر في بريطانيا (بالتغاضي عن رسوم الشحن والرسوم الأخرى) سيهبط من ١٠٠٠ جنيه إسترليني إلى ٩٠٠ جنيه إسترليني. سيحدث في الولايات المتحدة نفس الانخفاض الذي حدث في بريطانيا بالضبط دون أي تغيير إذا ارتفع سعر الجنيه من ٢٨٠ دولارًا أمريكيًا إلى ٣١١ دولارًا أمريكيًا. في السابق، اضطر الرجل الإنجليزي إلى إنفاق ١٠٠٠ جنيه إسترليني للحصول على ٢٨٠٠ دولار أمريكي، لكن الآن يمكنه الحصول على ٢٨٠٠ دولار أمريكي مقابل ٩٠٠ جنيه إسترليني فقط، ولن يدرك الفارق بين هذا الانخفاض في التكلفة والانخفاض المامثل الناجم عن هبوط السعر الأمريكي دون حدوث تغير في سعر الصرف.

    من الناحية العملية، هناك عدة طرق يمكن أن يحدث معها تغير في أسعار الصرف. ففي ظل أنواع أسعار الصرف الثابتة بالعديد من الدول الآن، يمكن أن يحدث هذا التغير مع خفض قيمة العملة أو رفعها؛ بعبارة أخرى، من خلال تصريح حكومي بأن الدولة ستغير السعر الذي ترغب في تثبيت عملتها عنده. بدلًا من ذلك، لا يحتاج سعر الصرف إلى التثبيت على الإطلاق؛ فيمكن أن يكون كأسعار السوق تتغير من يوم إلى آخر، كما كانت الحال مع الدولار الكندي منذ عام ١٩٥٠ إلى عام ١٩٦٢. فإذا ما طُبِّقَتْ سياسة سعر السوق، يمكن أن يكون سعر سوق حرة حقًا ويتحدد في الأساس بناءً على المعاملات الخاصة، مثلما كان سعر السوق بكندا بوضوح من عام ١٩٥٢ إلى ١٩٦١، أو يمكن أن يكون سعر سوق يتعرض للتلاعب بسبب المضاربة الحكومية كما كانت الحال في بريطانيا من عام ١٩٣١ إلى عام ١٩٣٩، وفي كندا من عام ١٩٥٠ إلى عام ١٩٥٢ وثانيةً من عام ١٩٦١ إلى ١٩٦٢.

    ومن بين هذه الطرق المختلفة، لا يكون سوى سعر الصرف العائم دون قيود هو المستقل كليةً ويخلو من أية سيطرة حكومية.

  • (٤)

    إن التعديلات التي تسفر عنها الآليتان الثانية والثالثة تتألف من تغيرات في تدفقات السلع والخدمات التي تحركها التغيرات سواء في الأسعار الداخلية أو أسعار الصرف. بدلًا من ذلك، يمكن أن تستخدم الضوابط أو التدخلات الحكومية المباشرة في التجارة لخفض نفقات الولايات المتحدة المزمعة من الدولار وزيادة الإيرادات الأمريكية. يمكن رفع التعريفة الجمركية لكبح الواردات، ويمكن تقديم الدعم الحكومي لتعزيز الصادرات، وكذلك يمكن فرض حصص الاستيراد على مجموعة متنوعة من السلع، ويمكن أيضًا مراقبة استثمار المواطنين الأمريكيين أو الشركات الأمريكية رؤوسَ الأموال بالخارج وما إلى ذلك وصولًا إلى كافة الأمور الأخرى المتعلقة بالرقابة على سعر الصرف. لا بد من ضم ليس فقط الضوابط الرقابية على أنشطة القطاع الخاص إلى هذه الفئة، ولكن أيضًا التغيرات في البرامج الحكومية للأغراض المتعلقة بميزان المدفوعات. ومن الممكن إلزام المستفيدين من الإعانات الأجنبية بإنفاقها في الولايات المتحدة، وأيضًا جعل القوات المسلحة تشتري السلع من داخل الولايات المتحدة بتكلفة أعلى بدلًا من استيرادها وذلك بغية ادخار «الدولار» — وفق ما هو مُسْتَخْدَمٌ من مصطلحات تناقض نفسها — وما إلى ذلك في نسق محير.

جدير بالملاحظة أن إحدى السبل الأربع هذه سَتُسْتَخْدَمُ ولا بد من أن تُسْتَخْدَمَ، كما أنه لا بد من توازن سجلات القيد المزدوج ولا بد من أن تعادل المدفوعاتُ الإيراداتِ، والسؤال الوحيد هو: كيف؟

لقد كانت سياستنا الوطنية المعلنة — ولا تزال — أننا لن نفعل أيًّا من هذه الأمور، حيث قال الرئيس كينيدي في خطبة ديسمبر/كانون الأول عام ١٩٦١ الموجهة إلى المجلس الوطني للمصنعين «من ثم، إن الحكومة ليس لديها أي نية لفرض ضوابط رقابية على الصرف أو خفض قيمة العملة أو زيادة العوائق التجارية أو كبت الانتعاش الاقتصادي طيلة فترة حكمها، وأكرر هذا وأقوله بكل صراحة ووضوح.» من المنطقي أن يترك هذا احتمالين فقط، وهما؛ دفع البلدان الأخرى إلى اتخاذ الإجراءات ذات الصلة، وهذا سبيل صعب ولا يمكننا الوثوق به، أو خفض الاحتياطي، وهو ما أعلن الرئيس وغيره من المسئولين مرارًا أنه لا يجب السماح له بالاستمرار. مع ذلك أوردت مجلة التايم أن «وعد الرئيس أطلق موجة من التصفيق والهتاف» من رجال الأعمال المجتمعين. بقدر ما يتصل الأمر بسياستنا المعلنة، نحن في موقف شخص يعيش في مستوى يفوق دخله ويصر على أنه مهما حدث ليس بوسعه زيادة دخله أو تقليل الإنفاق أو الاقتراض أو تغطية الزيادة من أصوله!

نظرًا لأننا كنا غير راغبين في تبني أي سياسة متسقة، فقد اضطررنا نحن وشركاؤنا التجاريون — الذين يطلقون، مثلنا، تصريحات كالنعامة التي تتعامى عن رؤية الخطر بدفن رأسها في الرمال — بحكم الضرورة إلى اللجوء إلى الآليات الأربع. في السنوات الأولى التي تلت الحرب، ارتفع احتياطي الولايات المتحدة، وفي الآونة الأخيرة أصبح الاحتياطي في تدنٍ مستمر. لقد تقبلنا التضخم بسعة صدر أكثر مما كنا سنتقبله أثناء ارتفاع الاحتياطي، كما أننا تقبلنا الانكماش منذ عام ١٩٥٨ مما كنا سنتقبله من قبل نتيجة لخروج الذهب. وعلى الرغم من أننا لم نغير السعر الرسمي للذهب، غَيَّرَ شركاؤنا التجاريون أسعار الذهب، ومن ثم تغير سعر الصرف بين عملتهم والدولار، ولم يكن ضغط الولايات المتحدة غائبًا في إحداث هذه التغييرات. في النهاية، استخدم شركاؤنا التجاريون ضوابط رقابية مباشرة على نحو واسع ونظرًا لأننا كنا نواجه عجز في الميزانية، لا هم، لجأنا نحن أيضًا إلى نطاق واسع من التدخلات المباشرة في ميزان المدفوعات، من خفض كمية السلع الأجنبية التي يجلبها السائحون معفية من الرسوم — خطوة عديمة الأهمية إلا أنها ذات دلالة — إلى إلزام المستفيدين من المعونات الأجنبية بإنفاقها في الولايات المتحدة، إلى منع أسر الجنود في الخارج من السفر إليهم، وإلى فرض مزيد من حصص الاستيراد الصارمة على النفط. لقد انسقنا إلى اتخاذ خطوة حطت من قدرنا عند الطلب من الحكومات الأجنبية أن تتخذ إجراءات خاصة لتعزيز ميزان مدفوعات الولايات المتحدة.

من بين الآليات الأربع، يُعَدُّ استخدام الضوابط الرقابية المباشرة الأسوأ بلا ريب من كافة أوجه النظر تقريبًا وهي الآلية الأشد تدميرًا للمجتمع الحر بلا ريب. مع ذلك بدلًا من وضع سياسة واضحة، انسقنا، على نحو متزايد، إلى الاعتماد على هذه الضوابط الرقابية بصورة أو بأخرى. إننا نجهر بفضائل التجارة الحرة ونروج لها وننادي بها؛ ومع ذلك اضطررنا — نتيجةً للضغط القاسي الذي شكله ميزان المدفوعات علينا — إلى التحرك في الاتجاه المعاكس وهناك خطر كبير أن نسير في هذا الاتجاه أبعد من ذلك. يمكننا إقرار كل القوانين الممكنة لخفض التعريفة الجمركية، ويمكن للحكومة مناقشة العديد من تخفيضات التعريفة الجمركية، مع ذلك إذا لم نتبنى آلية بديلة لحل مشكلة عجز ميزان المدفوعات، سنجد أنفسنا منساقين نحو إحلال مجموعة من المعوقات التجارية محل أخرى — وبالطبع إبدال مجموعة أفضل بأخرى سيئة؛ ففي حين أن التعريفة الجمركية سيئة، فإن سياسة الحصص وغيرها من التدخلات المباشرة أسوأ، إلا إن التعريفة الجمركية، كسعر السوق، موضوعية ولا تنطوي على تدخلات مباشرة من الحكومة في الشئون التجارية؛ أما الحصص فتتضمن على الأرجح التخصيص وغيره من التدخلات الإدارية، إلى جانب إعطاء رجال الإدارة مزايا يُسَخِّرُونَها لخدمة المصالح الشخصية. وربما كانت النظم غير الخاضعة لرقابة القانون هي الأسوأ من التعريفة الجمركية والحصص على حدٍ سواء، كالاتفاق «الطوعي» الذي أبرمته اليابان، والذي ينص على تقييد صادرات النسيج.

(٥) تعويم أسعار الصرف الحل المناسب للسوق الحرة

هناك آليتان فقط تتوافقان مع نظام السوق الحرة والتجارة الحرة. الآلية الأولى هي معيار ذهب دولي مستقل تمامًا، وهذه الآلية ليست ممكنة التنفيذ أو محبذة كما شاهدنا في الفصل السابق. وعلى أية حال، لا يمكننا تبني هذه الآلية وحدنا. الآلية الأخرى هي نظام تعويم أسعار الصرف دون قيود والتي يترك أمر تحديدها للسوق عن طريق المعاملات الخاصة دون تدخل حكومي، وهذه الآلية هي المكافئ الملائم للقاعدة النقدية التي أيدناها في الفصل السابق. إذا لم نطبق هذه الآلية، سنخفق حتمًا في توسيع رقعة التجارة الحرة وعاجلًا أم آجلًا سننساق إلى فرض ضوابط رقابية مباشرة واسعة النطاق على التجارة. في هذا الصدد، كما في غيره، يمكن أن تتغير الظروف — وهي تتغير فعلًا — تغيرًا غير متوقع، ومن الممكن إلى حد بعيد أن ننجح في تخطي الصعوبات التي تواجهنا الآن أثناء كتابة هذا الكتاب (أبريل/نيسان، ١٩٦٢) وفعلًا نجد أنفسنا في حالة فائض لا حالة عجز، ويتراكم الاحتياطي لدينا بدلًا من فقدانه. وإذا حدث ذلك، فإن هذا لن يعني شيئًا سوى أن البلدان الأخرى تواجه ضرورة فرض ضوابط رقابية. في عام ١٩٥٠، عندما كتبت مقالًا اقترح فيه نظام تعويم أسعار الصرف، كان في سياق الصعوبات الماثلة أمام ميزان المدفوعات الأوربي، والتي صاحبت ما كان يزعم في ذلك الوقت ﺑ «أزمة نقص الدولار». إن حدوث مثل هذا التحول محتمل دائمًا، لا شك أن صعوبة التنبؤ بوقت حدوث هذه التغيرات وكيفية حدوثها في حد ذاتها هي الحجة الأساسية لنظام السوق الحرة. إن مشكلتنا ليست «حل» مشكلة ميزان مدفوعات، بل حل مشكلة ميزان المدفوعات عن طريق تبني آلية من شأنها تمكين قوى السوق الحرة من تقديم استجابة فورية وفعالة ومستقلة للتغيرات التي تطرأ على الظروف وتؤثر على التجارة الدولية.

على الرغم من أن نظام تعويم أسعار الصرف دون قيود يبدو بوضوح أنه الآلية الملائمة للسوق الحرة، لا يحظى بدعم قوي سوى من عدد محدود من الليبراليين، هم في الأغلب علماء اقتصاد محترفون، ويعارضه العديد من الليبراليين الذين يرفضون التدخل الحكومي وتحديد الحكومة الأسعار في كل مجال آخر تقريبًا. ما السبب وراء ذلك؟ أحد الأسباب ببساطة طغيان الوضع الراهن، سبب ثانٍ هو الخلط بين معيار ذهب حقيقي ومعيار ذهب زائف. في إطار معيار ذهب حقيقي، تكون أسعار العملات الوطنية المختلفة بالنسبة بعضها أمام بعض ثابتة إلى حد بعيد، وذلك لأن العملات المختلفة لن تكون سوى أسماء مختلفة لكميات مختلفة من الذهب. من السهل ارتكاب خطأ افتراض أنه يمكننا إدراك جوهر معيار الذهب الحقيقي عن طريق التبني المجرد لإطار ينطوي على احترام شكلي للذهب؛ أي تبني معيار ذهب تكون أسعار العملات الوطنية المختلفة بعضها مقابل بعض ثابتة فحسب؛ لأنها فقط أسعار مثبتة في أسواق يتم التلاعب فيها. والسبب الثالث هو الميل الذي يتعذر اجتنابه لدى الإنسان في أن يؤيد السوق الحرة بالنسبة للآخرين، فيما يعتبر نفسه جديرًا بمعاملة خاصة. هذا، على وجه الخصوص، يؤثر على المصرفيين فيما يتعلق بأسعار الصرف، فهم يرغبون في أن يكون لديهم سعر مضمون. علاوة على ذلك، فإن المصرفيين ليسوا مطلعين على حيل السوق التي قد تنشأ للتغلب على التقلبات في أسعار الصرف، كما أن الشركات التي تتخصص في المضاربة والموازنة في سوق صرف حرة ليست موجودة، وهذا أحد أسباب طغيان الوضع الراهن. على سبيل المثال، كان بعض المصرفيين في كندا — بعد عقد من تطبيق سياسة سعر الصرف الحر والذي أتاح لهم وضعًا راهنًا مختلفًا — في صدارة أولئك المؤيدين لاستمراره والمعترضين على كل من سعر مثبت أو التلاعب الحكومي في سعر الصرف.

والأهم من أي من هذه الأسباب في رأيي هو التفسير الخاطئ لتجربة أسعار الصرف العائمة، الناتج عن مغالطة إحصائية يمكن تبينها بسهولة في مثال قياسي. من الواضح أن أريزونا هي أسوأ مكان في الولايات المتحدة يذهب إليه شخص يعاني مرض السل وذلك لأن معدل الوفيات نتيجةً للسل أعلى في أريزونا من أية ولاية أخرى في البلاد. إن المغالطة تبدو أقل وضوحًا فيما يتصل بأسعار الصرف. فعندما واجهت الدول صعوبات مالية قاسية نتيجة لسوء الإدارة الداخلية للنقود أو لأي سبب آخر، اضْطُرَّت في النهاية إلى اللجوء إلى نظام أسعار الصرف المرنة؛ حيث لم يُمكّنها أي قدر من الرقابة على سعر الصرف أو القيود المباشرة على التجارة من تثبيت سعر صرف كان، في تلك الأثناء، غير منسجم إلى حد بعيد مع الواقع الاقتصادي. بالتالي، من الحقيقي بلا ريب أن أسعار الصرف العائمة ارتبطت كثيرًا بالاضطراب المالي والاقتصادي؛ كما هو الوضع — على سبيل المثال — في حالات التضخم المفرط أو التضخم شديد الوطأة والذي لم يصل إلى درجة الإفراط مثلما حدث في العديد من دول أمريكا الجنوبية. من السهل أن نستخلص — كما فعل الكثيرون — أن أسعار الصرف العائمة تولد مثل هذا الاضطراب.

إن تأييد أسعار الصرف العائمة لا يعني تأييد أسعار صرف غير مستقرة. عندما ندعم نظام أسعار صرف حرة بالداخل، هذا لا يفترض ضمنًا أننا نؤيد نظام تقلب الأسعار بجنون صعودًا وهبوطًا. إن مبتغانا هو نظام تكون فيه الأسعار حرة في التقلب وفي الوقت نفسه تكون القوى التي تحدد الأسعار مستقرة بقدر كافٍ؛ بحيث تتحرك الأسعار في نطاقات معتدلة، وهذا ينطبق بالمثل على نظام تعويم سعر الصرف. إن غايتنا الأساسية الوصول إلى عالم تكون فيه أسعار الصرف — مع تمتعها بإمكانية التغير بحرية — عالية الثبات، في الواقع؛ لأن السياسات والظروف الاقتصادية الأساسية تنعم بالاستقرار. إن عدم استقرار أسعار الصرف من أعراض عدم الاستقرار في الهيكل الاقتصادي الأساسي، والقضاء على هذا العرض عن طريق التجميد الإداري لأسعار الصرف لا يداوي أيا من الصعوبات الأساسية بل يجعل تقويمها أكثر إيلامًا.

(٦) الإجراءات الضرورية في السياسة لوجود سوق حرة لنظام الصرف بالذهب والصرف الأجنبي

قد يجدي الوصف التفصيلي للإجراءات — التي أعتقد أنه يتعين على الولايات المتحدة اتخاذها للارتقاء بسوق حرة حقًا في كل من الصرف بالذهب والصرف الأجنبي — في توضيح المفاهيم الضمنية لهذا النقاش توضيحًا واقعيًّا.
  • (١)

    ينبغي أن تعلن الولايات المتحدة أنها لن تلزم نفسها بعد الآن ببيع أو شراء الذهب بأي سعر ثابت.

  • (٢)

    ينبغي إلغاء القوانين الحالية التي تحظر على الأفراد حيازة الذهب أو شراءه أو بيعه، بحيث لا يكون هناك أية قيود على أسعار شراء الذهب أو بيعه أمام أية سلعة أخرى أو أداة مالية، بما في ذلك العملات المحلية.

  • (٣)

    ينبغي إلغاء القانون الحالي الذي يتضمن أنه لا بد أن يحتفظ جهاز الاحتياطي الفيدرالي بشهادات ذهبية تعادل ٢٥ في المائة من التزاماته المالية.

  • (٤)

    من المشكلات الرئيسة في القضاء تمامًا على برنامج دعم أسعار الذهب، كما في برنامج دعم أسعار القمح، المشكلة الانتقالية التي تطرح التساؤل: ماذا سيكون مصير الأرصدة الحكومية المتراكمة؟ في كلتا الحالتين، إن وجهة نظري أنه ينبغي للحكومة استعادة السوق الحرة على الفور عن طريق البدء في الخطوتين الأولى والثانية، وينبغي أن تتخلص في النهاية من كافة أرصدتها. غير أنه قد يكون من المحبذ للحكومة على الأرجح التخلص من أرصدتها تدريجيًا فحسب. بدت لي الأعوام الخمسة للتخلص من أرصدة القمح فترة طويلة بما يكفي، لذا قد أيدت أن تلتزم الحكومة بالتخلص من خمس أرصدتها في كل عام من الأعوام الخمسة. تبدو هذه الفترة كافية وُمْرضٍيَة بالنسبة للذهب أيضًا، من ثم، أقترح أن تبيع الحكومة في مزاد علني بالسوق الحرة أرصدة الذهب على مدار خمسة أعوام. قد يرى الأفراد في إطار سوق ذهب حرة أن الاحتفاظ بشهادات إيداع للذهب أكثر نفعًا من الاحتفاظ بذهب حقيقي. بيد أنه إذا كان الأمر كذلك، يمكن للشركات الخاصة، بالتأكيد، توفير خدمة تخزين الذهب وإصدار الشهادات. لماذا ينبغي إخضاع تخزين الذهب وإصدار شهادات إيداع للتأميم؟

  • (٥)

    ينبغي على الولايات المتحدة الإعلان أيضًا عن أنها لن تقر أية أسعار صرف رسمية بين الدولار وأية عملات أخرى إضافة إلى أنها لن تشترك في أية مضاربة أو أية أنشطة أخرى تهدف إلى التأثير على أسعار الصرف، فهذه الأمور سوف تُتْرَكُ حينها للأسواق الحرة لتقررها.

  • (٦)

    ستتعارض هذه الإجراءات مع التزامنا الرسمي كعضو في صندوق النقد الدولي بأن نحدد سعر تعادل رسمي للدولار. بالرغم من ذلك، رأى الصندوق أنه في الإمكان التوفيق بين إخفاق كندا في تحديد سعر تعادل وبين شروطه لكي يعطيها موافقته على تعويم سعر الصرف. لا يوجد ثمة سبب كيلا يحذو الصندوق الحذو نفسه مع الولايات المتحدة.

  • (٧)

    قد تختار دول أخرى أن تربط عملاتها بالدولار؛ هذا شأنها، وليس هناك أي سبب لاعتراضنا مادمنا لن نتعهد بأية التزامات لشراء أو بيع عملاتها بسعر ثابت. سيكون بمقدور هذه البلدان النجاح في ربط عملاتها بعملتنا بإجراء واحد أو أكثر من بين الإجراءات التي ذكرناها من قبل — خفض الاحتياطي أو مراكمته، وتنسيق سياساتهم الداخلية مع سياسة الولايات المتحدة، وإحكام أو تحرير الرقابة المباشرة على التجارة.

(٧) القضاء على قيود الولايات المتحدة على التجارة

إن نظامًا — كذاك الذي استعرضناه توًا — سيحل مشكلة ميزان المدفوعات نهائيًا. وليس من الجائز أن ينشأ عجز يستدعي من كبار المسئولين بالحكومة التماس المساعدة من الدول الأجنبية والمصارف المركزية، أو أن يستدعي من رئيس أمريكي أن يتصرف كمصرفي منزعج يحاول استعادة الثقة في مصرفه، أو إجبار إدارة تؤيد التجارة الحرة على فرض قيود على الصادرات، أو التضحية بالمصالح الوطنية والشخصية المهمة في سبيل القضية التافهة الممثلة في اسم العملة المستخدمة في سداد المدفوعات. دائمًا ما تتوازن المدفوعات وذلك لأن السعر — سعر الصرف الأجنبي — يكون حرًا في إحداث توازنًا؛ فلا يمكن لأحد بيع الدولار ما لم يجد شخص يشتريه والعكس صحيح.

بناءً على ذلك، سَيُمَكِّنُنَا نظام تعويم أسعار الصرف من المضي قدمًا بفاعلية ومباشرة نحو إدراك نظام تجارة حرة تمامًا في السلع والخدمات — باستثناء ذلك التدخل المتعمد الذي قد يُبَرَّرُ بأسباب سياسية وعسكرية بحتة؛ مثل حظر بيع السلع الاستراتيجية للدول الشيوعية. مادمنا ملتزمين التزامًا شديدًا بالقيود الصارمة لأسعار الصرف الثابتة، لا يمكننا التحول قطعًا إلى التجارة الحرة. ولا بد من الإبقاء على خيار التعريفة الجمركية أو الرقابة المباشرة كَمَخْرَج أمان في حالة الضرورة.

لنظام تعويم أسعار الصرف ميزة ثانوية من شأنها إيضاح المغالطة في أكثر الحجج شيوعًا ضد التجارة الحرة بشفافية كبيرة، والحجة هي أن الأجور «المنخفضة» في مكان آخر تجعل التعريفة ضرورية لحماية الأجور «المرتفعة» هنا. هل ١٠٠ ين في الساعة لعامل ياباني أجر مرتفع أم منخفض مقارنة بأربعة دولارات في الساعة لعامل أمريكي؟ كل ذلك يعتمد على سعر الصرف؛ لكن ماذا يحدد سعر الصرف؟ إنها الحاجة إلى تحقيق التوازن في المدفوعات؛ أي جعل المقدار الذي يمكن بيعه لليابانيين يعادل تقريبًا المقدار الذي يمكنهم بيعه لنا.

لنفترض — على سبيل التبسيط — أن اليابان والولايات المتحدة هما الدولتان الوحيدتان المرتبطتان بتجارة مشتركة وأنه عند سعر صرف معين، ١٠٠٠ ين للدولار مثلًا، تتمكن اليابان من إنتاج كافة المنتجات القادرة على دخول سوق التجارة الخارجية بسعر أرخص من الولايات المتحدة. وعند سعر الصرف ذاك، يستطيع اليابانيون بيع الكثير لنا، ونحن لا نبيع شيئًا لهم. لنفترض أننا ندفع لهم بعملات ورقية من الدولار. ماذا سيفعل المصدرون اليابانيون بالدولار؟ لن يمثل لهم أية أهمية. إذا كانوا يريدون الاحتفاظ به ببساطة، سيكون بالتالي مجال الطباعة — أي طباعة العملات الورقية من الدولار — صناعة تصديرية هائلة؛ وإيراداته ستمكننا من الحصول على أفضل الأشياء في الحياة والتي ستتوفر لنا من اليابانيين دون مقابل تقريبًا.

لكن بالطبع لن يريد المصدرون اليابانيون الاحتفاظ بالدولار فحسب، بل سيريدون بيعه مقابل الين، ومن الناحية الافتراضية ليس هناك شيء يمكنهم شراءه بدولار واحد ولا يمكنهم شراءه بأقل من الألف ين التي يُصْرَفُ به الدولار، كما افترضنا. هذا ينطبق بالمثل على سائر اليابانيين، لماذا سيتخلى حينها أي حامل للين عن ألف ين مقابل دولار واحد والذي لن يشتري به سوى سلع أقل مما كان سيحصل عليها بألف ين؟ لن يفعل أحد ذلك. من أجل أن يستبدل المصدر الياباني الين بالدولار، سيضطر إلى عرض أن يأخذ عدد أقل من الين — أي سعر الدولار مقابل الين يجب أن يكون أقل من ١٠٠٠ ين أو أن يكون الين مقابل الدولار أكثر من ١ مل. بيد أنه عندما يعادل الدولار ٥٠٠ ين، ستكون السلع اليابانية بضعف السعر بالنسبة للأمريكيين عما كان من قبل، وستكون السلع الأمريكية بنصف السعر لليابانيين؛ ولن يصبح بمقدور اليابانيين بعد ذلك البيع بأسعار أقل من المنتجين الأمريكيين في كافة المنتجات.

متى يستقر سعر الين مقابل الدولار؟ في أي مستوى ضروري لضمان أن المصدرين كافة الذين يرغبون في فعل ذلك بمقدورهم بيع الدولار الذي يحصلون عليه مقابل السلع التي يصدرونها لأمريكا للمستوردين الذين يستخدمونها لشراء السلع في أمريكا؛ وللحديث بأسلوب عام، في أي مستوى ضروري لضمان أن قيمة الصادرات الأمريكية (بالدولار) تعادل قيمة الواردات الأمريكية (بالدولار أيضًا)، وبعبارات عامة، لأن البيان الدقيق يجب أن يأخذ في الحسبان المعاملات الرأسمالية والهبات وما إلى ذلك، لكن هذا لا يغير من المبدأ المحوري.

سنلاحظ أن هذه المناقشة لا تتحدث عن مستوى معيشة العامل الياباني أو العامل الأمريكي؛ فهذه الأمور خارجة عن الموضوع. إذا كان للعامل الياباني مستوى معيشي منخفض عن العامل الأمريكي، فهذا يرجع إلى أنه أقل إنتاجية في المتوسط من العامل الأمريكي، مع الأخذ في الحسبان التدريب الذي تلقاه ومقدار رأس المال والأرض وما إلى ذلك من الاعتبارات التي يضطر إلى العمل في إطارها. على سبيل المثال، إذا بلغت إنتاجية العامل الأمريكي في المتوسط أربعة أضعاف العامل الياباني، سيكون من باب تبديد الموارد استخدام هذا العامل لإنتاج أية بضاعة في مجال تكون إنتاجية هذا العامل فيه أقل بأربع مرات؛ لذا من الأفضل استخدامه في إنتاج السلع التي يكون أكثر إنتاجية في مجالها ونتبادلها بالسلع التي يكون فيها أقل إنتاجية. إن التعريفة الجمركية لا تساعد العامل الياباني على رفع مستوى معيشته، ولا تساعد في حماية المستوى المعيشي المرتفع للعامل الأمريكي، بل على العكس، فهي تقلل من المستوى المعيشي للعامل الياباني وتحول دون ارتفاع المستوى المعيشي للعامل الأمريكي إلى أقصى درجة ممكنة.

ولما كان من المفترض أن نتحول إلى التجارة الحرة، فكيف ينبغي لنا فعل ذلك؟ إن الطريق الذي حاولنا إتباعه هو المفاوضات المشتركة مع بلدان أخرى لخفض التعريفة الجمركية. هذا يبدو لي إجراءً خاطئًا؛ ففي المقام الأول، يتضمن إيقاعا بطيئًا، فمن يسير وحده يصل أسرع. وفي المقام الثاني، يعزز هذا الأمر من رؤية خاطئة للمشكلة الأساسية؛ حيث يجعلها تظهر وكأن التعريفة الجمركية تساعد البلدان التي تفرضها وتضر بالبلدان الأخرى، كما لو أنه عندما نخفض التعريفة الجمركية فإننا تتخلى عن شيء قيم ويجب أن نحصل على شيء في المقابل في صورة انخفاض في التعريفة الجمركية التي تفرضها الدول الأخرى. وفي واقع الأمر، الموقف مختلف تمامًا؛ فالتعريفة الجمركية التي نفرضها تضرنا كما تضر البلدان الأخرى، وسنستفيد بالتخلص منها حتى إذا لم تحذُ البلدان أخرى الحذو نفسه،2 ستكون استفادتنا أعظم بالطبع إذا خفضت البلدان الأخرى تعريفاتها الجمركية؛ بيد أن استفادتنا لا تتوقف على تخفيض البلدان الأخرى للتعريفة الجمركية، فالمصالح الشخصية تتفق ولا تتعارض.

أرى أنه من الأفضل كثيرًا لنا الانتقال إلى نظام التجارة الحرة من جانب واحد، كما فعلت بريطانيا في القرن التاسع عشر عندما لغت قوانين الحبوب. قد نمر، كما حدث مع البريطانيين، بتعاظم هائل للسلطة السياسية والاقتصادية. نحن أمة عظيمة ولا ينبغي لنا أن نطلب من دولة لوكسمبورج تقديم منافع تبادلية مقابل تخفيض التعريفة الجمركية على منتجات لوكسمبرج، أو أن نتسبب في طرد آلاف اللاجئين الصينيين من العمل بفرض حصص استيراد على المنسوجات من هونج كونج. لنستجب لقدرنا ونكن نموذجًا أعلى لا تابعين معارضين.

لقد تحدثت من ناحية التعريفة الجمركية كي أبسط الأمر، لكن، كما سبق وأشرت، قد تشكل القيود غير المرتبطة بالتعريفة الجمركية الآن معوقات، بالنسبة للتجارة، أخطر من التعريفة الجمركية. لذا علينا القضاء على الاثنين معًا. من الممكن وضع برنامج سريع وتدريجي في الوقت نفسه لسن تشريعات تفيد بأن ترتفع كل حصص الاستيراد أو غيرها من القيود الكمية، سواءً فرضناها نحن أو قبلت بها البلدان الأخرى «طواعية»، بنسبة عشرين بالمائة سنويًا حتى تصبح مرتفعة للغاية لدرجة تصبح معها غير قابلة للتطبيق ويتسنى التخلي عنها، وأن تخفض كل التعريفات الجمركية بمقدار العشر من المستوى الحالي في كل عام من العشرة أعوام القادمة.

هناك بعض التدابير التي يمكننا اتخاذها والتي من شأنها الإسهام بقدر أكبر في تعزيز قضية الحرية داخل الوطن وخارجه. بدلًا من تقديم هبات للحكومات الأجنبية تحت مسمى المعونة الاقتصادية — وبالتالي نروج للاشتراكية — وفي الوقت نفسه نفرض قيودًا على المنتجات التي ينجحون في إنتاجها — وبالتالي نكبح الاقتصاد الحر — يمكننا اتخاذ موقف متوافق وأخلاقي؛ يمكننا إبلاغ العالم أننا نؤمن بالحرية وعازمون على ممارستها، لا يمكن لأحد إجبارك أن تكون حرًا، فهذا شأنك أنت، لكن يمكننا تقديم التعاون التام القائم على المساواة للجميع، وسوقنا مفتوح أمام الجميع، بإمكانك بيع ما تستطيع وتريد أن تبيعه، ويمكنك أيضًا استخدام إيرادات المبيعات في شراء ما تريد، وبهذه الطريقة يمكن أن يعم التعاون بين الأفراد في العالم أجمع ودون قيود في الوقت نفسه.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤