ثلاث دوائر متصلة

قال المفتش وهو يستعدُّ للانصراف: إنكم تعيشون في المعادي … وفي نفس المنطقة التي وقعت فيها السرقة واللص — في الأغلب — من هذه الأنحاء … فأريد أن أرى هِمَّتكم … إن عددًا من أفضل رجالي يعمل في نفس القضية … وستكون سِباقًا بينكم وبينهم … هل من أسئلةٍ أخرى؟

تختخ: البوَّاب … أليس للفيلَّا بوَّاب؟

عاطف: عم «سید» البوَّاب … إني أعرفه …

المفتش: «سيد» البوَّاب ترك الفيلَّا في العاشرة، وذهب مع بعض أقاربه للتفرُّج على الفرح الذي كان مُقامًا في المنزل المجاور … لأن بوَّاب المنزل قريبُه، ولم يحضُر «سید» إلَّا بعد انتهاء الفرح في الثانية والنصف صباحًا …

ونظر المفتش إلى «تختخ»، وابتسمَ قائلًا: شيء مريب … أليس كذلك؟

تختخ: من يدري … وربما كان السؤالُ الأهمُّ هو … مَن الذي كان يعلم بوجود المجوهرات في المنزل؟ …

المفتش: سؤالٌ هامٌّ حقًّا، قال لي الشيخ «المختار» … إنهم مجموعة من أصدقائه من هُواة التُّحف والمجوهرات النادرة مثله، وهم يُكوِّنون شِبْه مجموعة … وكلهم من الشخصيات البارزة والغنية … وأهم من هذا كله … أنهم جميعًا كانوا معه على العشاء والسهرة في نادي الصيد حتى الواحدة صباحًا … لم يغادرْ أحدٌ منهم مكانه … ثم التفت المفتش إلى «لوزة» قائلًا: لعلكِ مقتنعة الآن يا «لوزة» أنه لغز وإن كان يبدو بسيطًا إلَّا أنه شديد الغموض …

لوزة: نعم … وسوف نفعل ما بوسعنا …

رفع المفتش أصبعه محذِّرًا، وقال: دون أن تعرِّضوا أنفسَكم لأيِّ خطر … إنَّ هذا هو شَرْطي الوحيد الذي لا أتنازل عنه …

وسار الأصدقاء مع المفتش حتى ركب سيارته، ثم حيَّاهم وانطلقت السيارة، وعاد المغامرون إلى مكان اجتماعهم … ولم يكادوا يجلسون حتى انطلقت «لوزة» تقول في حماسة: عندنا لغز … الآن، من أين نبدأ؟

عاطف: ما دمتِ سعيدةً جدًّا لهذا الحد … فلماذا لا تقولين لنا أنتِ من أين نبدأ؟

تدخَّل «تختخ» قبل أن يشتدَّ النقاش بين الشقيقين قائلًا: إنها ليست مهمة «لوزة» وحدها … ولكنها مهمة المغامرين الخمسة و«زنجر» أيضًا …

نوسة: إن المعلومات المتوفِّرة عن اللص قليلة جدًّا … والأوصاف التي أدلت بها «محسنة» يمكن أن تنطبق على بضعة آلاف من الأشخاص …

تختخ: طبعًا … ورأيي الشخصي أننا يجب أن نُعيدَ الحديثَ مع «محسنة» مرَّةً أخرى … فربما بعد أن تُفيق من أثر الصدمة تستطيع أن تتذكر أكثر.

محب: وأنا أرى أن نعيد فحص أقوال البوَّاب … إن موقفه مريب جدًّا … يترك مكانه ويذهب للتفرُّج على حفل زفاف في نفس الوقت الذي تتم فيه السرقة … إنه كلام يُثير الشك …

نوسة: رأيي الشخصي أن نفكِّر في مسألة المفاتيح … كيف تمكَّن اللصُّ من الحصول على مجموعة مفاتيح للباب الخارجي ولباب غرفة النوم … وللدولاب …

قال «تختخ»: نقطة شديدة الأهمية … إنَّ عندنا مجموعتين من المفاتيح … واحدة مع الشيخ «المختار» والأخرى مع أولاده … فما هي المجموعة التي وصلت إلى اللص حتى يصنع منها مجموعة مقلدة؟

عاطف: إننا لسنا متأكدين حتى الآن أنها مقلدة … فلعلها المجموعة التي مع الأولاد نسوها في مكان ما، وعثر عليها اللص …

تختخ: وكيف عرف اللص أنها لهذا المنزل؟ … الإجابة الوحيدة الممكنة أنه يعرف المنزل وسُكَّانه …

لوزة: معنى هذا أن اللص ممن يتردَّدون على المنزل؟

تختخ: أظن هذا … بدليل أن «محسنة» متأكدة أنها رأته من قبل … فأين ستراه إلَّا في المنزل!

محب: إن هذا يُضيِّق نطاقَ البحث.

تختخ: ليس تمامًا … فلعله لم يدخل المنزل إلَّا مرَّةً واحدة …

عاطف: ما رأيك يا «تختخ»؟ …

تختخ: إنني أفكِّر في شيئين في نفس الوقت … أولًا: المفاتيح من ناحية … وحكاية الذين يعرفون بوجود المجوهرات في الفيلَّا من ناحيةٍ أخرى … ولعلكم تلاحظون أن هناك ارتباطًا ما بين الموضوعين …

لوزة: ما هو هذا الارتباط؟

تختخ: إن الذي يعرف أن المفاتيح صالحة لفتح الفيلَّا وباب غرفة النوم والدولاب … هو شخص قريب من الشيخ «المختار»، وكذلك الذي يعرف بوجود المجوهرات … إنه أيضًا شخص قريب من الشيخ … وهذا عنصر هام في القضية …

نوسة: معك كل الحق يا «تختخ» … بل يمكن أن نُضيف أنه معروف ﻟ «محسنة»، ومعنى هذا ثالثًا أنه قريب من الشيخ «المختار» …

تختخ: صح يا «نوسة» … إنها ثلاث حلقات متصلة، وليس حلقتين فقط.

لوزة: وفي هذه الحلقات الثلاث سوف نبحث …

تختخ: أعتقد أن هذا هو الطريق الوحيد …

لوزة: ومن أي حَلْقة نبدأ؟

تختخ: أعتقد أنَّ علينا الآن أن ننطلق لنطوف بفيلَّا الشيخ «المختار» ندرس موقعَها، ونحصل على كل المعلومات الممكنة من الجيران، لعل أحدهم هو اللص … فالجيران عادة يعرفون كل شيء …

وانطلق المغامرون الخمسة على دراجاتهم … كان الشارع الموازي لمنزل «عاطف» من أطول شوارع المعادي … وفي نهايته كانت فيلَّا الشيخ «المختار» … وصل إليها الأصدقاء فوقَفوا بعيدًا يرقبون … كان البوَّاب يجلس أمام الباب يتحدث مع شخص يبدو أنه بوَّاب مثله.

وقالت «نوسة»: تخيَّلوا «سيد» البوَّاب وهو يلبس نظارة …

محب: ماذا تقصدين يا «نوسة»؟

نوسة: إن بعض أوصاف «محسنة» للصِّ تنطبق عليه، فهو متوسط الطول، أسمر … شعره أشيب … كل ما ينقصه هو النظارة الطبية …

قالت «لوزة» مندفعة: معقول جدًّا … ما رأيك يا «تختخ»؟

تختخ: ممكن … ولكن «محسنة» لو رأته لعرفته مهما كان يلبس نظارة على الفور؛ فهي تراه كلَّ يوم … ولا يمكن أن تُخطئ …

نوسة: ولكن ببعض التنكُّر الخفيف … وإذا خلع الجلباب وارتدى بدلة … أليس من الممكن أن يخدعها؟ …

تختخ: ممكن … وسوف نضع هذا في اعتبارنا …

عاطف: استبعدوا عم «سيد» على مسئوليَّتي، إنه رجلٌ طيبٌ جدًّا … وكنت كلما ذهبت لزيارة صديقي «حسن» ابن الشيخ «المختار» استقبلني عم «سيد» البوَّاب بالتَّرْحاب …

هزَّ «محب» رأسه قائلًا: مدهش جدًّا يا «عاطف»، إن هذا تفكير ساذَجٌ جدًّا … هل يمنع رجلًا يقابلك بالتَّرْحاب أن يكون لصًّا محترفًا وخطيرًا؟ …

سكت «عاطف»، ونظرت إليه «لوزة» وقالت: وما هي حكاية استبعاده على مسئوليَّتك! هل أنت وزير الداخلية؟! … حتى الوزير لا يملك هذا الحق …

عاطف: قصدت أن …

ولكن قبل أن يُتمَّ جملته قال «تختخ»: أسرع يا «عاطف» … خلف هذا الرجل الذي كان يتحدث مع البوَّاب … نريد أن نعرف إلى أين سيذهب … وما هو عمله بالضبط … وكان الرجل قد ترك البوَّاب … وبدأ يبتعد … فانفصل «عاطف» عن المغامرين، وسار يتبعه بدراجته على مَبْعدة …

قال «تختخ»: سأقوم أنا و«محب» بالدوران حول الفيلَّا … وسنحاول الحديث مع البوَّاب … فانتظرنا هنا …

وتحركت الدراجتان … وأخذ «تختخ» يفكِّر وهو يدور حول الفيلَّا في السرقة وملابساتها … كان الباب الخارجي مُغطًّى بشُجيرات الفل الرقيقة المتكاثفة، بحيث يمكن أن تغطِّيَ أيَّ شخصٍ يقف عندها … وكانت المسافة المكشوفة بين الباب الحديدي للحديقة وباب الفيلَّا نحو عشرة أمتار … وفجأة سمع جرس دراجة خلفه … وصوت سعال لا تُخطئه أذنه … كان الشاويش «علي» خلفهما بالضبط وسرعان ما سمعاه يقول: ماذا تفعلان هنا؟

توقَّف الصديقان والتفتا إلى الشاويش … وتوقف الشاويش هو الآخر فوق دراجته وعاد يكرر: ماذا تفعلان هنا؟

قال «محب»: إننا نبحث عن فيل هارب من صاحبه یا شاویش …

لمعت عينا الشاويش بغضب وقال: فيل … فيل … هل تسخر مني؟

محب: أبدًا يا شاويش … المسألة أنك تسألنا عن سبب وجودنا هنا … وهو سؤال غريب … فهذا الشارع ليس ملكًا لك … ونحن لا نفعل شيئًا مريبًا يمكن أن تسألنا عنه … فماذا نقول لك؟

الشاويش: تردُّ باحترام …

محب: وهل البحث عن فيل هارب فيه شيء من عدم الاحترام لك؟ …

ازداد وجه الشاويش احتقانًا وهو يصيح: يجب أن تعرف أنَّ في إمكاني القبضَ عليكما.

محب: بتهمة البحث عن الفيل؟

الشاويش: بتهمة اللف والدوران حول مكان جريمة ارتُكبت أمس، إن هذا مثير للشبهات …

محب: إننا لم نسمع عن تعليمات بمنع المرور في هذا المكان يا شاویش …

وقبل أن يُتمَّ «محب» جملته، قال «تختخ»: هل حدثت جريمة هنا یا شاویش حقًّا؟ تردَّد الشاويش ثم قال: ليس هذا من شأنك …

تختخ: ربما كان هذا الشخص الذي كان يجري الآن هو اللص …

الشاويش: رجل يجري … هنا … متى حدث هذا؟

تختخ: منذ دقيقة واحدة … كان رجلًا أسمر متوسط الطول، يلبس نظارةً طبِّيةً، وكان يختفي بين الشجيرات التي تُغطِّي سورَ فيلَّا الشيخ «المختار» …

الشاويش (منفعلًا): وأين ذهب؟ … في أي اتجاه؟

أشار «تختخ» إلى اتجاه «نوسة» و«لوزة» وقال: في هذا الاتجاه يا شاويش … واندفع الشاويش كالصاروخ على دراجته … ونظر «محب» إلى «تختخ» وانفجرا في الضحك … وقال «محب»: سيجد «لوزة» و«نوسة» وأعتقد أنه سيسقط من طوله غضبًا وانفعالًا …

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤