اختفاء المتهم

عندما ذهب «تختخ» في صباح اليوم التالي إلى حديقة منزل «عاطف» للاجتماع بالأصدقاء، وجد المفتش «سامي» معهم … ومعه الشاويش «علي» وكان المفتش يضع مظروفًا على المائدة أمامه، وهو يرشف فنجان قهوته في تفكير عميق.

وصاحت «لوزة»: لقد جاء «توفيق» … والتفت المفتش إليه … وتبادلا النظرات، ثم قال المفتش وهو يُسلِّم على «تختخ»: لقد تعرَّفت «محسنة» على الأستاذ «كمال رياض» … قالت إنها برغم الضوء الخافت، وبصرها الضعيف، فإنها تعتقد أن الصورة تطابق إلى حدٍّ بعيدٍ هذا الرجل …

ومدَّ المفتش يده ﻟ «تختخ» بالمظروف الأبيض … فأخذ يُقلِّب الصورة حتى وصل إلى صورة رجل تشبه إلى حدٍّ بعيد الأوصافَ التي قالتها «محسنة» عن اللص … وأخذ «تختخ» يتأمل الصورة … كان رجلًا محترمًا بعيدًا عن الشبهات … فلم تكن له ملامح اللصوص القاسية، وكان يبتسم في وداعة وثقة …

قال المفتش: ما رأيك في صورته؟ لقد حصلت عليها من منزله!

ردَّ «تختخ» على الفور: ما زلت أظن أن نظريتي أقرب إلى الواقع …

المفتش: هناك مفاجأة ثالثة في سلسلة المفاجآت … لقد اختفى الأستاذ «كمال رياض» …

ساد الصمت بعد هذه الجملة لحظات، وعاد المفتش يقول: وقد قام رجالي بالبحث عنه، ولكنْ لا موظفو مكتبه … ولا خادمه في المنزل يعرفون أين ذهب …

قالت «لوزة»: ولكن هل معنى اختفاء إنسان أنه متهم؟

المفتش: في مثل هذه الظروف … نعم …

تختخ: ولكن تبقى مشكلة أنه كان موجودًا ساعةَ ارتكاب الجريمة مع الشيخ «المختار» وبقية أصدقائهم … وما دام يستطيع إثبات وجوده بعيدًا عن مكان الحادث … فكيف يمكن اتهامه؟ …

المفتش: معك حق … إن كل ما يهمني الآن أن أقابله … إنني أريد أن أواجهه بأقوال «محسنة» وأسمع رده …

قال «تختخ»: هل أستطيع الاحتفاظ بهذه الصورة؟

المفتش: بالطبع، فعندنا نسخ أخرى منها … وسوف يتابع الشاويش «علي» حضور الأستاذ «كمال رياض» …

تختخ: ألم تسأل الشيخ «المختار» عن رأيه في الأستاذ «كمال رياض»؟

المفتش: طبعًا … وقد جئت اليوم خصوصًا لهذا الغرض … لأن الشيخ متعب قليلًا، وقد عرضت عليه الصورة فأكَّد أنها للأستاذ «كمال»، ولكنه أكَّد في نفس الوقت أنه ليس اللص، فقد حدث ليلتها أن اتصل «كمال رياض» بالشيخ «المختار»، وطلب منه أن يمرَّ عليه لأخذه في سيارته؛ لأن سيارة الأستاذ «كمال» كانت في الإصلاح … ويقول الشيخ إنه مرَّ عليه في المنزل، وأخذه معه إلى نادي الصيد حيث كان العشاء، ثم أعاده معه إلى البيت …

تختخ: إن هذا ينفي تمامًا صلة «كمال رياض» بالحادث …

المفتش: شيء مُحيِّر … بين شهادة «محسنة» ووقائع الحادث …

وقام المفتش واقفًا وقال: بالمناسبة، علمت أنَّ الشيخ «المختار» كان قد أمَّن على المجوهرات بمبلغ مائة ألف جنيه لدى إحدى شركات التأمين …

لمعت عينا «تختخ» وقال: مؤمِّن عليها …

المفتش: نعم … والأستاذ «كمال رياض» هو الذي نصحه بالتأمين عليها …

وانصرف المفتش، وودعه الأصدقاء، ثم جلسوا يتحدثون … وشرح «تختخ» للمغامرين نظريته في اتهام «محسنة» بتدبير الحادث … وبعد أن أوضح استنتاجاته حول هذه المسألة وافق الجميع عدا «عاطف» الذي قال: إن الست «محسنة» لا يمكن أن ترتكب حادثًا من هذا القبيل … إنها سيدة طيبة …

قال «تختخ»: إن المفتش مع رأيك بالضبط …

عاطف: على كل حال … لقد حضر «حسن» ابن الشيخ «المختار» من السعودية، وسأمرُّ عليه هذا المساء، ونذهب لدخول السيرك …

تختخ: أريد أن أقابل «محسنة» …

عاطف: من الممكن أن يتمَّ هذا الآن …

تختخ: عظيم … هيَّا اطلب «حسن» تليفونيًّا …

وأمسك «عاطف» بسماعة التليفون وطلب «حسن»، وبعد لحظات كان «تختخ» و«عاطف» و«لوزة» — التي أصرَّت على الذهاب معهما — في الطريق إلى فيلَّا الشيخ «المختار» في نهاية الشارع الموازي لمنزل «عاطف» …

استقبلهم «حسن» في الحديقة … كان يلبس الجلابية البيضاء، ويضع على رأسه «الغترة» كعادة السعوديين، وقام «عاطف» بواجب التعريف بين «حسن» و«تختخ» و«لوزة»، وجلس الجميع في ظل شجرة وارفة الظل … وأخذوا يتحدثون في شتى المسائل، ثم تحدثوا عن السرقة … وقال «حسن»: إن والده حزين لضياع المجوهرات ليس لقيمتها المادية فقط، ولكن لقيمتها التاريخية أصلًا.

قال «تختخ»: إننا — كما تعرف — مجموعة من المغامرين تهوى حل الألغاز، وتخاطر من أجل العدالة …

حسن: عرفت هذا من صديقي «عاطف»، وأتمنى أن أشترك معكم في حل أحد الألغاز أو الدخول في مغامرة …

تختخ: هذه فرصتك يا عزيزي «حسن»، فنحن مشغولون بقضية سرقة المجوهرات من والدك، ونتمنى أن تشترك معنا في حلها …

حسن: أرجو ذلك … وإن كان وقتي ضيقًا لأن والدي استأجر فيلَّا أخرى في مدينة المهندسين، وسوف نغادر المعادي خلال أسبوع …

قال «تختخ» مندهشًا: هل معنى هذا أنكم لا تملكون هذه الفيلَّا؟

حسن: لا … إننا نستأجرها فقط …

تختخ: منذ متى؟

حسن: منذ سبعة شهور تقريبًا …

تختخ: شيء مدهش …

لوزة: ما هو المدهش يا «تختخ»؟

تختخ: لا شيء … إنه مجرد خاطر كان قد خطر لي …

عاطف: «حسن» … أرجو أن تناديَ الست «محسنة»؛ فإن «تختخ» يريد أن يتحدث إليها …

حسن: سأدعوها ومعها أكواب شراب اللوز إذا لم يكن عندكم مانع …

تختخ: إنني أحبه جدًّا …

قام «حسن» فدخل الفيلَّا … وقال «عاطف»: إنه ولد ظريف جدًّا، أليس كذلك؟

تختخ: فعلًا … ويعجبني منظره في الملابس الوطنية للسعوديين …

لوزة: ماذا لفت نظرك في أن الفيلَّا مُؤجَّرة وليست مِلْكَ الشيخ «المختار»؟

تختخ: إنني …

ولكن قبل أن يُتمَّ جملته، ظهر «حسن» وخلفه «محسنة»، واتجهت أنظار الثلاثة إليها، وأخذ «تختخ» يتأملها … سيدة عجوز في الخامسة والخمسين تقريبًا … قصيرة، بيضاء، تبدو عليها الطيبة …

ووصل الاثنان إلى حيث كان يجلس المغامرون الثلاثة … ووضعت «محسنة» الصينية التي كانت تحملها … فقال «عاطف»: كيف حالك يا خالة «محسنة»؟

ردَّت «محسنة» وهي تُخفي بعض وجهها بطرحتها كعادة الريفيات: الحمد لله يا بني … كل ما يأتي به الله خير …

عاطف: هل شُفيت إصابتك؟

محسنة: إنها أحسن الآن … ربنا ينتقم من المجرم … مدَّ «تختخ» يده بالصورة إلى «عاطف» الذي ناولها ﻟ «محسنة»، وسألها: هل أنت متأكدة أن هذا هو الفاعل؟

أمسكت «محسنة» بالصورة وارتعدت يدها قليلًا وهي تُقرِّبها من عينيها، وقالت: الله أعلم يا بني … ولكن إذا سُئلتُ يومَ القيامة فسأقول ما أقوله الآن … إنه يشبهه تمامًا …

سألها «تختخ»: ألم تتذكري بعدُ أين رأيتِ هذا الرجل؟

أخذت «محسنة» تتأمل الصورة طويلًا، ثم قالت: الله أعلم … ولكن أظنُّ أنني رأيته هنا في هذا البيت، ولعله حضر بعض المآدب التي يُقيمها الشيخ «المختار» هنا … نظر «عاطف» إلى «تختخ»، فأشار له «تختخ» بأنه اكتفى بما سأل وسمع، ولاحظ «حسن» الإشارة فقال ﻟ «محسنة»: تفضَّلي أنتِ يا ست «محسنة» … وسلَّمتْ «محسنة» الصورةَ إلى «تختخ» ومضت …

وقال «تختخ»: أريد أن أرى البوَّاب …

وقام «حسن» باستدعاء «سيد» البوَّاب، الذي حضر مسرعًا، وبيده عصًا ضخمة يدقُّ بها الأرض … وسلَّم على الجالسين، فناوله «تختخ» الصورة وقال: هل رأيتَ هذا الرجل من قبل يا عم «سيد»؟

أمسك «سيد» بالصورة وقال على الفور: طبعًا يا أستاذ … إنه يسكن قريبًا من هنا … إنه الأستاذ «كمال رياض»، وأنا أعرفه منذ أكثر من سنتين …

تختخ: هل تقصد أنك عرفته عن قرب؟

ردَّ البوَّاب: بالطبع يا أستاذ … لقد كان يسكن هذه الفيلَّا منذ سنتين … وقضى فيها بضعة شهور، ثم غادرها إلى المنزل الذي يُقيم به الآن …

ساد الصمت بعد حديث البوَّاب … وأخذ الجميع ينظرون إليه في اهتمام … وكان «تختخ» أكثرهم اهتمامًا …

قال «تختخ»: شكرًا يا عم «سيد» …

ردَّ عم «سید»: الشكر لله يا أستاذ …

ولم يكد «سيد» يتحرك من مكانه حتى قال «تختخ»: إن الأدلة كلَّها الآن تُشير إلى الأستاذ «كمال رياض» …

لوزة: كيف؟

تختخ: لقد كان يمكنه وهو ساكن في الفيلَّا أن يصنع مجموعة ثالثة من المفاتيح … وربما بقيت معه حتى الآن … وربما استخدمها في الدخول … ولكن المشكلة التي بلا حل … أنه كان بعيدًا عن مكان الحادث تمامًا …

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤