الرجل «ذو الألف وجه»

توالت المفاجآت على «تختخ» في المساء … فقد اتصل به المفتش «سامي» تليفونيًّا، وقال له: إن الأستاذ «کمال رياض» قد ظهر … وإنه كان بالإسكندرية في رحلة عمل …

وقال المفتش: لقد واجهت الأستاذ «كمال رياض» بشهادة «محسنة»؛ فثار ثورةً عنيفةً، وأكَّد أنه كان منذ الساعة التاسعة مساء الحادث حتى الواحدة صباحًا في حفل العشاء بنادي الصيد … وقد اضطُررتُ إلى الاعتذار له … خاصةً وقد شهد جميع أصدقائه أنه لم يغادر النادي ولو دقيقة واحدة … بل إنه كان متألمًا من ضرسه، وجلس ساكنًا أغلب الوقت …

قال «تختخ»: لم يبقَ أمامنا إلَّا «محسنة» …

المفتش: ما رأيك فيها؟

تختخ: إنني أشاركك الإحساس أنها سيدة طيبة، وأنها لا يمكن أن تُقْدِمَ على السرقة إلَّا …

المفتش: إلَّا ماذا؟

تختخ: إلَّا تحت ضغط أو تهديد …

المفتش: إنني أستبعد أن يكون في حياتها ما يُمكن تهدیدُها به …

تختخ: بالمناسبة … لقد علمت هذا الصباح أن الأستاذ «كمال رياض» كان يسكن في فيلَّا الشيخ «المختار» منذ عامين … وهذا يعني أنه كان يستطيع الاحتفاظ بمجموعة من مفاتيح الفيلَّا …

قال المفتش بانفعال: للأسف … إن أي دليل ضد الأستاذ «كمال رياض» ليس له قيمة فقد أثبت بما لا يدع أيَّ مجال للشك أنه كان بعيدًا عن مكان الحادث وقت وقوعه … ولم يعد في استطاعتي قانونًا أن أتعرَّض له …

تختخ: إذن لم يعد أمامنا ما نفعله سوى مزيد من البحث والتحريات …

المفتش: بالضبط … وقد وضعنا كمائن في مختلف أنحاء الأماكن التي تبيع وتشتري المجوهرات كما أبلغت المطار والموانئ بمواصفاتها …

انتهت المكالمة … ولم يكد «تختخ» يضع السماعة حتى دقَّ جرس التليفون مرَّةً أخرى … وفي هذه المرَّة كانت «لوزة» هي التي تتحدث … وكانت كعادتها كلما عثرت على شيء تتحمس بشدة … فقد كانت تقول باندفاع: «تختخ»، لقد عثرنا على لص المجوهرات …

سكت «تختخ» قليلًا وهو لا يُصدِّق أذنيه … ثم قال: هكذا مرَّة واحدة …

لوزة: نعم …

تختخ: من الذي عثر عليه؟ وكيف؟ وأين؟ وهل أنتِ متأكِّدة؟ …

لوزة: بالطبع يا «تختخ» … أنا متأكدة، وقد عثرنا عليه أنا و«عاطف» و«حسن» فقد اتفقنا على الذَّهاب إلى السيرك … وأنا أتحدث من محل بجوار السيرك … وعندما وصلنا وشاهدنا الإعلانات كانت المفاجأة …

تختخ: هل عثرتم على اللص في الإعلانات؟

لوزة: نعم … إنه يُدعى الرجل «ذو الألف وجه» … وهو يقوم ببعض الألعاب في السيرك معتمدًا على التنكُّر … ولكن الصورة المعلقة له على باب السيرك تنطبق أوصافها تمامًا على لصِّ المجوهرات كما وصفته «محسنة»، وكما شاهدناه في الصورة …

قال «تختخ»: وما هو موعد الدخول؟

لوزة: بعد نصف ساعة … أي في الثامنة …

تختخ: احجزي لي تذكرةً معكم … إنني قادم فورًا … وأخذ «تختخ» يلبس ثيابه بسرعة … وذهنه يدور … هل يمكن أن يكون رجل السيرك هو اللص؟ …

وبعد دقائقَ قليلة، كان يقفز إلى دراجته وينطلق … وحاول «زنجر» أن يلحق به، ولكنه طلب منه العودة …

كان السيرك ينصب خيمته في الساحة الواسعة عند استاد المعادي كالعادة … وعندما اقترب «تختخ» من مكانه سمع الموسيقى النحاسية ترتفع … وعدد كبير من الناس في الطريق إليه … وعندما وصل إلى منتصف المسافة في الساحة سمع صوت «عاطف» يناديه … فاتجه إليه … وسلَّم على «حسن» و«لوزة» … واتجه الأربعة إلى إعلانات السيرك المعلقة، وبسرعة أشارت «لوزة» إلى صورة معلقة لم يكد «تختخ» يراها حتى دار رأسه … إنه نفس الرجل الذي رأى صورته … نفس الرجل الذي وصفته «محسنة» …

قال «عاطف»: ما رأيك؟

تختخ: إنه في الحقيقة صورة طبق الأصل من الأستاذ «كمال رياض» كما رأيته في الصورة، وما دام الأستاذ «كمال» كان بعيدًا عن مكان الحادث … ففي الأغلب أنَّ هذا الرجل هو اللص إذا كانت «محسنة» قد أصدَقَتْنا القول …

حسن: إنه يقوم بعدة أدوار تنكُّرية بارعة … ويستطيع أن يقلِّد أيَّ شخصية بإتقان مدهش … لقد شاهدتُه من قبل …

كان «تختخ» يفكر فيما ينبغي عملُه … وكان الحلُّ الوحيدُ هو الاتصال بالمفتش «سامي» فورًا وإخطاره بما حدث … فقال ﻟ «لوزة»: أين التليفون الذي تحدثت منه؟

أشارت «لوزة» إلى محل قريب وقالت: من هذا المحل …

تختخ: سأذهب للحديث مع المفتش «سامي» وإخطاره بما حدث … فانتظروني هنا … وأسرع «تختخ» إلى التليفون وطلب المفتش «سامي»، ولكنه لم يجده لا في منزله ولا في مكتبه … ووقف يفكِّر فيما ينبغي عمله بعد هذا … وكان الحل الوحيد هو الانتظار حتى الغد …

وهكذا أسرع إلى الأصدقاء، فلم تبقَ سوى دقائقَ قليلةٍ على بَدْء العرض … ولم يكد «تختخ» يصل إلى حيث يقف أصدقاؤه حتى كانت في انتظاره مفاجأة … فقد شاهد الشاويش «علي» يقترب منهم على درَّاجته … وقفزت إلى ذهن «تختخ» فكرة … و… لماذا لا يُخطِر الشاويش؟ … إنه الرجل المسئول عن الأمن في هذه المنطقة … ولم يتردَّد، فقد أسرع ينادي الشاويش الذي تقدَّم منهم وعلى وجهه علامات الشك كالعادة …

قال «تختخ»: مساء الخير يا شاويش «علي» … أريد أن أريك شيئًا …

الشاويش: أي شيء؟

قال «تختخ» مشيرًا إلى لوحة الإعلانات: هل رأيت هذا الرجل من قبل؟

تطلَّع الشاويش إلى لوحة الإعلانات حيث أشار «تختخ» … وفتح فمه في دهشةٍ بالغةٍ، ثم قال: اللص …

تختخ: إنه يشبهه تمامًا يا شاويش …

الشاويش: بالطبع … بل إنه هو … لا بُدَّ من القبض عليه …

تختخ: لا أدري ما هي الإجراءات القانونية یا شاویش … ولكنى أنصح بأن نتأكد أولًا؛ فلسنا ندري إذا كانت هذه صورته الحقيقية أم إحدى الشخصيات التي يتقمَّصُها … وقد يكون الرجل بريئًا …

الشاويش: وماذا ستفعلون أنتم؟ ولماذا جئتم إلى هنا؟

تختخ: بالصدفة يا شاويش … حضرنا لمشاهدة عرض السيرك … ولاحظنا الشبه الكبير بين هذه الصورة وبين الأستاذ «کمال رياض» …

الشاويش: لقد جئتُ بناءً على بلاغ من شخص بوجود مشاجرة في مكان قريب، وسأذهب لفضِّ المشاجرة وأعود فورًا …

تختخ: سنكون داخل السيرك إذا احتجتَ إلى أية معونة …

وتحرك الشاويش مبتعدًا بسرعة، واتجه الأصدقاء الأربعة إلى خيمة السيرك، وسرعان ما كانوا في قلب الضجَّة التي تُحدِثها الموسيقى … وفي جوِّ الألوان والحديث والأغنيات … بدأ العرض بمجموعة من الخيول البيضاء الجميلة تجري في حلبة السيرك المستديرة، وفوقها بهلوان يقفز من حصان لآخر … ويعيد تشكيل مجموعة الخيول مثنى وثلاث ورباع …

وخرجت مجموعة الخيول يتبعها تصفيق حاد من جمهور المشاهدين … ثم بدأ عرض المهرِّج الذي أخذ يقفز، ويتطوح في الهواء … ويقدم بعض العروض التي انتزعت الضحكات من المتفرِّجين … وتتوالى العروض … ثم وقف مقدِّم البرامج مُمسكًا الميكروفون وقال: والآن يَسرُّنا أن نقدِّم لكم نجم التنكُّر العالمي «سمير» الذي يستطيع أن يتنكَّر ويغيِّر وجهه ألف مرَّة دون أن يتعرَّف عليه أحد … وسيقدِّم لكم «سمير» هذه الليلة عشر شخصيات مختلفة …

ودقَّت الموسيقى … وظهر من جانب المسرح ولد يركب دراجة بطريقة مضحكة … كان الولد يلبس «شورت» أزرق وقميصًا أصفر، ويضع على رأسه قبعة حمراء …

وقالت «لوزة»: أين «سمير» نجم التنكُّر؟

ردَّ «تختخ»: إنه هذا الولد راكب الدراجة …

لوزة: غير ممكن …

تختخ: على كلِّ حالٍ …

ولكن قبل أن يُتمَّ جملته، صاح صيحةً خافتةً، ثم أشار إلى مكان في الصالة وقال: هذا هو الشاويش «علي»، لقد حضر سريعًا … وسنشهد الليلةَ تطوراتٍ خطيرةً في قضية المجوهرات، وقد تنتهي بالقبض على اللص …

قال «عاطف» بطريقته الساخرة: وهل تظنُّ أن الشاويش يمكن أن يُنهيَ قضيةً بهذه السرعة … إنه سوف يرتكب خطأ ما … وسوف تتأخر قضية المجوهرات بدلًا من أن تتقدم … لم يعلِّق أحد من الأصدقاء على ما قاله «عاطف»، وإن أحسوا جميعًا بالخوف من أن يتضح أنهم على خطأ، وأنه ليس هناك عَلاقة بين نجم التنكُّر «سمير» وبين القضية … وقرَّر «تختخ» أن يحاول تنبيه الشاويش إلى عدم القبض على «سمير» الآن حتى يمكن مراقبته فترة من الوقت أولًا …

أخذ «تختخ» يشير إلى الشاويش … والشاويش ينظر إليه في ضيق ويُشوِّح بذراعيه معلنًا عدمَ فَهْمه لما يقول «تختخ» … وأحسَّ «تختخ» أن لا أمل في إفهام الشاويش … فمضى يتفرَّج على بقية العرض حتى انتهى … ثم بدأ انصرافُ المتفرِّجين … وأخذ «تختخ» ينظر إلى الشاويش فلم يجده في مكانه … ولم يكن في إمكانه الإسراع في زحام الخروج … وأخيرًا بعد نحو ربع ساعة استطاع أن يصل إلى المكان الذي كان الشاويش يقف فيه وأخذ يتلفت حوله … ولم يكن هناك أثر للشاويش …

التفت «تختخ» إلى أصدقائه قائلًا: انتظروني أمام باب السيرك … وسوف أبحث عن الشاويش لأرى ماذا فعل …

وخرج الأصدقاء، ونظر «تختخ» حوله ثم اتجه إلى كواليس السيرك حيث غرف اللاعبين والممثلين …

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤