وجهًا لوجه مع الأسد

أخذ «تختخ» يجري باحثًا عن الشاويش … ولمَّا لم يجده أخذ ينادي عليه … وسمع صوت الشاويش يأتي من أحد الدهاليز، فاتجه إليه … ووجده يقف أمام غرفة من غرف الممثلين … توقَّف «تختخ» وأنفاسه تتسارع، وقال بصوت متقطع: هل عثرت عليه؟

قال الشاويش: لا … فقد حضرت إلى الغرفة فوجدت سيدة عجوزًا تجلس وحدها، فلما سألتها عن النجم «سمير» قالت لي إنه سيعود بعد لحظات … وهو لم يَعُدْ بعد وأنا في انتظاره …

تختخ: هل كانت السيدة تلبس فستانًا أحمر من طراز القرن الماضي، وشعرها أصفر؟

ردَّ الشاويش مندهشًا: نعم … كيف عرفت؟

تختخ: لأن هذه السيدة العجوز ليست سوى الممثل «سمير» الذي جئتَ للقبض عليه …

فتح الشاويش فمه في دهشة وقال: السيدة العجوز هي «سمير»! ولكن …

تختخ: لا تُضيِّعْ وقتًا أطول يا شاويش … إنَّ آخِر نمرة قدَّمها نجم التنكُّر «سمير» كان في ثياب سيدة من القرن الماضي …

عضَّ الشاويش طرف شاربه وقال: إنني لم أحضر آخر نمرة قدَّمها، وأتيت وأخذت أبحث عن غرفته حتى وجدتها …

تختخ: هيَّا بنا … إنه في ملابس التنكُّر هذه لن يبتعدَ طويلًا …

وخرجا من الغرفة، وأخذا يسألان كلَّ من يقابلهما عن السيدة ذات الملابس الحمراء … بعضهم تذكَّر أنها مرت بهم … وقالوا جميعًا إنها اتجهت إلى آخر السيرك حيث توجد الحيوانات …

أخذ الشاويش يجري وخلفه «تختخ»، ووصلا إلى أقفاص الأسود التي انطلقت تزأر بأصوات كانت تهز المكان … وأحس «تختخ» ببعض الخوف وهو قريب جدًّا من هذه الحيوانات المتوحشة … ثم اتجها إلى مكان الفيل … ثم إلى حظيرة الكلاب … ولم يكن هناك أثر للسيدة … وعادا مرَّةً أخرى من نفس الطريق … وما كادا يصلان إلى أقفاص الأسود مرَّةً أخرى حتى سمع «تختخ» صوتَ حركة باب يُفتح … والتفت فإذا بباب قفص أحد الأسود مفتوح … وإذا بالأسد يدور دورة داخل قفصه ثم يخطو إلى خارج القفص …

لم يكن بين «تختخ» وبين الأسد سوى ثلاثةِ أمتار … والتقت عيناه بعينَي الأسد الذهبيَّتَين … وأحسَّ بأطرافه تتجمد وبالشلل يسري إلى جسدِه كلِّه … كانت عينا الأسد كأنما رُكِّبَ فيهما مغناطيس يشدُّه دون أن يتمكن من المقاومة … ولم يستطع أن ينطقَ بحرف، وأخذ الأسد يتلفَّت حوله ثم قفز إلى الأرض … وفي هذه اللحظة أدرك «تختخ» أنه سيصبح فريسةً للأسد في خلال ثوانٍ قليلة … واستجمع قواه ليجريَ وسمع الشاويش من خلفه يصيح به: «توفيق» … «توفيق» …

والتفت إلى الشاويش فوجده واقفًا يُحدِّق في الأسد، وجرى «تختخ» وجذب الشاويش معه … وأخذا يجريان وهما يصيحان معًا: الأسد … الأسد …

ارتفعت الأصوات من كل مكان … وبدأت حالة من الذعر في الكواليس … وكان الأسد يسير هادئًا في البداية، ولكن الأصوات المرتفعة أزعجته. فأخذ يجري، ووقع «تختخ» على الأرض … فقد تعلَّقت قدمه بحبل في الطريق … وأحسَّ بقدمه تلتوي وبألمٍ هائل يسري في جسمه كله … ثم أحسَّ بأقدام الأسد تقترب منه … وبرائحته القوية تملأ أنفه … وأغمضَ عينيه لحظات، ثم فتحهما وأطلَّ إلى الخلف … ووجد الأسد يقترب منه سريعًا … وفي هذه اللحظة سمع طرقعةً قوية، وشاهد مُدرِّب الأسود يمسك بسوطه ويصيح في وجه الأسد: «كنج» … «كنج» … ارجع … ارجع …

وتوقَّف الأسد مكانه … وكان المدرِّب يحمل في يده اليمنى سوطًا، وفي اليسرى مُسدَّسًا … أخذ يهزُّ رأسه الضخم لحظات، ثم بدأ يتراجع أمام طرقعة السوط … وفي هذه اللحظة ظهر «حسن» و«لوزة» و«عاطف» … وكانوا قد سمعوا الضجَّة التي ارتفعت بعد خروج الأسد من قفصه … ولم تكد «لوزة» و«عاطف» و«حسن» يرون «تختخ» مُلقًى على الأرض … والأسد على بُعد خطوات منه … حتى اندفعوا جميعًا إليه غير عابئين بالخطر … وألقت «لوزة» نفسها على «تختخ» وهي تبكي، ولكن «تختخ» طمأنها قائلًا: إنني على ما يُرام … لقد التوت قدمي فقط، ولا شيء آخر …

وساعده الثلاثة على القيام … ونظر «تختخ» حوله فلم يجد الشاويش «علي»، وأدرك أنه قد نشط إلى البحث عن «سمير» … وكان الأسد قد تراجع تمامًا … وأخذت طرقعات السوط تخفت تدريجيًّا …

كانت قدم «تختخ» تؤلمه، ولكنه كان قادرًا على السير مستندًا إلى الأصدقاء حتى خرج من السيرك … وتحامل على نفسه وركب دراجته، واتجهوا جميعًا إلى منزل «نوسة» و«محب» اللذين تخلَّفا عن الحضور للسيرك لارتباطهما بمواعيدَ سابقة مع بعض أقاربهم …

وعندما جلسوا جميعًا، قالت «نوسة» مُوجِّهةً الحديثَ إلى «تختخ»: ماذا جرى؟ … إنك تبدو شاحبًا بعض الشيء …

ردَّت «لوزة»: لقد هاجمه أسد …

صاحت «نوسة» مُرْتاعةً: أسد! …

قال «عاطف»: نعم، أسد حقيقي … ولكن يبدو أن الأسود لا تحب اللحم السمين … لهذا رفض السبع أكل «تختخ» …

لوزة: ما هذا الهزار السخيف یا «عاطف» …

عاطف: أليس هذا ما حدث بالضبط؟ … لقد كان الأسد على بُعد أقل من مترين وكان في إمكانه بقفزة واحدة أن ينقضَّ على «تختخ» … فلماذا لم يأكله؟ …

نوسة: إنكم تتحدثون كأنَّ المسألة حقيقية …

لوزة: طبعًا … طبعًا … لقد دخلت ورأيت الأسد يقترب من «تختخ» وهو مُلقًى على الأرض … وللحظة ظننت أن لا أمل في إنقاذ «تختخ» من مخالبه … وأنيابه … ولكن الله سلَّم …

محب: إنكم تتحدثون بالألغاز … لقد ذهب «عاطف» و«لوزة» و«حسن» للسيرك، فماذا حدث؟ ولماذا ذهب «تختخ» إلى هناك؟

أخذت «لوزة» تروي ما حدث منذ لحظة وصولهم إلى السيرك ومشاهدتهم لصورة الممثل «سمير» الذي يُشبه لِصَّ المجوهرات … وكيف اتصلت ﺑ «تختخ»، ووصول الشاويش …

وتوقَّفت «لوزة» عند هذه النقطة، وأخذ «تختخ» يُكمل ما جرى منذ دخولهم السيرك حتى هروب السيدة ذات الثياب الحمراء … والصوت الذي سمعه عند قفص الأسود والباب الذي انفتح … وخروج الأسد … حتى إنقاذه …

وعندما انتهى «تختخ» من روايته قال «محب»: معنى ذلك أنَّ الرجل ذا الألف وجه قد هرب؟ …

تختخ: نعم … وهذا بالطبع يثبت أنه ليس بريئًا … وإلَّا فلماذا هرب عندما شاهد الشاويش وعرف أنه يسأل عنه؟

نوسة: ومن الذي فتح باب قفص الأسد؟

تختخ: إنه نفس الرجل «سمير»، فقد هرب واختبأ خلف الأقفاص، وعندما وجدنا نطارده حاول التخلُّص منا بإطلاق الأسد علينا … ثم انتهز فرصة انشغالنا بمواجهة الأسد … وهرب …

محب: إن الرجل الذي يصل إلى حدِّ القتل في محاولته للهرب مجرم عريق … وأعتقد أننا يجب أن نتصل بالمفتش «سامي» فورًا …

تختخ: لقد اتصلت به قبل دخول السيرك، وتركت له خبرًا …

محب: لنحاول مرَّةً أخرى …

قام «تختخ» بالاتصال بالمفتش «سامي». كانت الساعة قد أشرفت على العاشرة مساءً … ولم يكد الجرس يدقُّ على الطرف الآخر حتى سمع «تختخ» صوت المفتش يرد …

قال «تختخ»: لقد اتصلت بك منذ نحو ساعتين ونصف …

المفتش: لقد دخلت الآن حالًا إلى المنزل … وكنت سأتصل بك … هل ثمة جديد في القضية؟ …

تختخ: نعم … مفاجأة كاملة … لقد عثرنا على لص المجوهرات … أو هذا على الأقل ما أعتقده …

سكت المفتش لحظات ثم قال: كيف؟ ومتى؟ وأين؟

وأخذ «تختخ» يروي للمفتش «سامي» ما حدث في السيرك … والمفتش يستمع باهتمام ويقاطعه بين لحظة وأخرى بالأسئلة … وبعد أن انتهى «تختخ» من رواية كل القصة وبكل التفاصيل، قال المفتش: سأذهب فورًا إلى السيرك …

تختخ: هل أذهب لانتظارك هناك؟

المفتش: لا … الوقت متأخِّر الآن … وإذا جدَّ جديدٌ فسوف أتصل بكم … المهم الآن أن تهتمَّ بقدمك الملتوية … وأنصحك بأن تَعرِض نفسك على طبيب.

تختخ: شكرًا … لا أعتقد أن المسألة تحتاج إلى طبيب … وسأكتفي بوضعها في الماء الساخن … وإذا لم تتحسن حتى الصباح، فسأعرض نفسي على أحد الأطباء …

المفتش: سأتصل للاطمئنان عليك غدًا …

انتهت المكالمة … وقال «تختخ»: لقد فعلنا ما بوسعنا … والدور الآن على رجال الشرطة …

لوزة: للأسف أنْ ينتهيَ هذا اللغز بهذه السرعة …

تختخ: من يدري … إن القبض على الرجل ذي الألف وجه ليس مسألةً سهلة … وفي نفس الوقت قد يؤدي القبض عليه إلى تطورات هامة في القضية …

لوزة: ألا تعتقد أنه اللص؟

تختخ: ليس مهمًّا ما أعتقده … والمهم الآن هو القبض عليه … فإذا لم يكن هو اللص … ففي الأغلب أنَّ له عَلاقةً بسرقة المجوهرات …

نوسة: إن هذا كلام غامض يا «تختخ» …

ردَّ «تختخ» وهو يقوم من مكانه مستندًا إلى ذراع محب: معك حق … ولكن فكروا قليلًا، إنني أعتقد أنَّ الأمور سوف تكشف عن حقائقَ مذهلةٍ إذا قبضوا على الرجل …

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤