النتيجة صفر!

استيقظ «تختخ» في صباح اليوم التالي … فحرك قدمه حركةً خفيفةً … فوجد أنَّ الألم الفظيع الذي كان يحسُّ به أمس قد خفَّ إلى حدٍّ ما … وحمِدَ الله … وغادر فراشه ببطء، وبعد أن اغتسل وتناول الإفطار، أخذ طريقه مشيًا ببطء إلى منزل «عاطف» وخلفه «زنجر» ووجد «محب» و«نوسة» و«عاطف» و«لوزة» و«حسن» قد سبقوه إلى الحديقة حيث اعتادوا أن يجتمعوا … فلما رأوه ماشيًا على قدميه قال «عاطف»: ألم أقل لكم … إنه قوي كالحصان …

لوزة: يا له من تشبيه!

وقبل أن تُتمَّ جملتها قال «تختخ»: إن الحصان من أجمل الحيوانات وأكثرها وفاءً، ولست أعترض مطلقًا على هذه الصفة … المهم …

ولكن هذه الجملة لم تكتمل أيضًا، فقد دقَّ جرسُ التليفون، ورفعت «لوزة» السمَّاعة … وعلى الطرف الآخر كان المفتش «سامي» يتحدَّث … وبعد أن تبادلت التحية مع المفتش سلَّمت السماعة إلى «تختخ»، وقال المفتش: صباح الخير … كيف حالك؟

تختخ: على ما يرام … ألم خفيف في مفصل القدم …

المفتش: الحمد لله … الأخبار يمكن اعتبارها طيبةً وسيئةً في نفس الوقت … طيبة لأنه من المؤكد أن نجم التنكُّر «سمير» هو اللص، فقد استطعنا معرفة اسمه الأصلي وكشفنا عن سوابقه، فاتضح أنه لص عريق أُدين في عدة سرقات … وعندنا مجموعة صور له … وإن كانت لا تشبه تمامًا الصورة المعلقة له أمام السيرك، إنما تكوين الوجه لا يتغير … فله بعض صور بشارب، وأخرى بلحية، وثالثة بشعر كثيف، ورابعة بلا شعر على الإطلاق … إنه متخصص في التنكُّر حقًّا … وقد استطاع تزييف أوراق إثبات الشخصية، والتحق بالسيرك منذ نحو سنة …

تختخ: وهل يسكن في المعادي؟

المفتش: إنه بلا مسكن محدد … فأحيانًا ينام في السيرك، وأحيانًا ينام في فندق … ونحن الآن نطارده في كل مكان، ولن يستطيع الإفلات منَّا …

تختخ: أرجو ذلك، وإن كنت أظن أن قدرته على التنكُّر ستساعده على الإفلات على الأقل لفترة طويلة …

قال المفتش ضاحكًا: إنَّ لنا طرقنا في تتبع هؤلاء اللصوص … خاصة وهو الآن بلا أوراق … ولن يكون من السهل عليه تزييف بطاقة شخصية في وقت قصير …

تختخ: أتمنى لكم التوفيق …

وتبادلا التحية، وأغلق «تختخ» السماعة ثم التفت إلى الأصدقاء قائلًا: أصبحت المسألةُ مسألةَ وقتٍ، فرجال الشرطة منتشرون في كل مكان يحتمل أن يتردَّد عليه اللص … وأعتقد أنهم سيصلون إليه خلال ساعات …

لوزة: للأسف إن اللغز انتهى دون مجهود من جانبنا …

تختخ: كيف؟ … إنكِ أوَّلُ مَن اكتشف حقيقة اللصِّ عندما شاهدتِ صورتَه أمام السيرك … ولولا ذلك لما توصَّل رجال الشرطة إلى شيء …

حسن: أكثر من هذا كانوا سيتهمون رجلًا بريئًا؛ الأستاذ «كمال رياض».

محب: فعلًا … لقد كان ذلك خطأ شنيعًا …

تختخ: لم يكن أمام رجال الشرطة احتمال آخر … فالأوصاف التي أدلت بها «محسنة» كانت تنطبق على الأستاذ «كمال» تمام الانطباق … ولولا أنه كان بعيدًا عن مكان الحادث بمسافة بعيدة ومعه عدد من أصدقائه بينهم الشيخ «المختار» نفسه، لما استطاع أن يُبرِّئَ نفسَه …

كانت «نوسة» ساكتة طول الوقت تستمع، ثم قالت فجأة: ولكن هناك شيء لم يُحَلَّ … هو كيف حصل الرجل ذو الألف وجه على مفاتيح الفيلَّا؟

تختخ: إن البحث عن إجابة لهذا السؤال قبل القبض على اللص مستحيل … وهناك مَثَلٌ يقول: «إنك لا تستطيع أكل البطة قبل اصطيادها.» إن القبض على الرجل ذي الألف وجه سيُجيب عن أسئلةٍ كثيرة … منها كيف عرف بأمر المجوهرات، ومكانها …

عادت «نوسة» إلى الصمت مرَّةً أخرى، فقال عاطف: بما أننا الآن ليس لدينا ما يشغلنا، فلماذا لا نذهب في نزهة إلى النيل؟ إن «حسن» سيُغادرنا بعد أسبوع، ونحن نريد أن نحتفيَ به …

تختخ: إنني موافق على أن تقوموا بهذه النزهة اللطيفة … ولكني أعتذر عنها؛ فسوف أكون عبئًا عليكم بقدمي الموجوعة … وكان «تختخ» قد عاد يحسُّ بالألم في قدمه بعد المجهود الذي بذله في المشي من منزله إلى منزل «عاطف» … وفعلًا عندما حاول أن يقوم عاوده الألم … واضطُرَّ «محب» إلى أن يذهب معه إلى المنزل، بينما ذهب بقية المغامرين مع «حسن» إلى النيل …

•••

أمضى «تختخ» الأيام الثلاثة التالية في فراشه بأمر الطبيب، الذي حضر وكشف على القدم التي تورمت، وربطها برباط ضاغط وطلب منه الراحة … وفي الفراش أخذ «تختخ» يفكِّر في الرجل ذي الألف وجه … وكيف استطاع أن يختفيَ تمامًا عن أعين رجال الشرطة … فقد كان «تختخ» دائمَ الاتصال بالمفتش «سامي» الذي بدأ يفقد صبره وتفاؤله …

كان من الصعب الاستنتاج حول مكان الرجل … فهو يستطيع أن يتنكَّرَ في أي شكل من الأشكال؛ شاب … عجوز … امرأة … مشلول … أعمى … وعشرات من المشاهد يمكن أن يصطنعَها ويختفيَ خلفها … وكان المفتش «سامي» يركِّز جهودَه على الأماكن التي يتردَّد عليها المشبوهون واللصوص في وسط المدينة وفي منطقة شارع «كلوت بك» وما حوله … ومحلات بيع المجوهرات … فقد يقوم اللصُّ تحت ضغط الحاجة إلى محاولة بيع المجوهرات النادرة …

ولكن برغم الجهود المكثفة التي بذلها المفتش ورجاله فلم يعثر له على أثر …

وعقد المغامرون الخمسة اجتماعًا للمناقشة … وأخذ كل منهم يُدلي برأيه في طريقة الاختفاء التي يمكن أن يلجأ إليها هذا اللص … وفجأة قالت «لوزة»: هناك سؤال خطر ببالي أمس … لقد اتهمنا الممثل «سمير»؛ لأنه هرب بعد أن قابل الشاويش «علي» وعرَفَ أنه يسأل عنه … أليس من الممكن أن يكون «سمير» هذا قد هرب باعتباره لصًّا معروفًا للشرطة دون أن يكون له صلة بحادث سرقة المجوهرات؟ …

نظر المغامرون إليها في دهشة … كانت وجهة نظر ممكنة … فتشابُه وجهِ الممثل «سمير» مع وجه لص المجوهرات لا يعني أنه هو اللص … فقد سبق اتهام الأستاذ «كمال رياض»، ثم اتضح بعد ذلك براءته؛ لبعده عن مكان الحادث …

قال «تختخ» مُعلِّقًا: معكِ كلُّ الحق يا «لوزة» … لقد اندفعنا إلى اتهام الممثل «سمير» بسرقة المجوهرات لمجرد أنه هرب عندما عرَفَ أنَّ الشاويش يسأل عنه … والحقيقة أن علينا أن نعرف شيئًا واحدًا يحسم الموضوع …

قالت «نوسة»: ما هو هذا الشيء يا «تختخ»؟

ردَّ «تختخ»: علينا أن نعرفَ … هل تغيَّب «سمير» عن عمله في السيرك ليلة السرقة أو لا؟ … وفي أي وقت تغيَّب؟ لقد وقعت السرقة عند منتصف الليل بالضبط كما قالت الشغالة «محسنة»، فهل كان «سمير» في هذا الوقت موجودًا بالسيرك أو لا؟ … إذا ثبت أنه كان موجودًا بالسيرك في ذلك الوقت فإن هذا ينفي عنه الشبهات …

عاطف: وهذا يعني أننا ندور في حَلْقة مُفْرَغة … فكلُّ من نشك فيه يثبت أنه كان بعيدًا عن مكان الحادث … ولا يبقى بعد ذلك إلَّا أن نتهم «محسنة» كما كانت فكرة «تختخ» أولًا …

تختخ: الحقيقة أنها أقرب المتهمين إلى مكان سرقة المجوهرات … فهي وحيدة داخل المنزل، والأبواب لم تُغتصَب … ولكني عندما رأيتها أحسستُ أنها بريئة … فمنظرها لا يدلُّ على أنها من الممكن أن تقوم بهذا العمل …

محب: ولكنك قلت إن مشاعرنا كثيرًا ما تخدعنا، وإن عمل الشرطة يقوم على القرائن والأدلة وليس على العواطف والمشاعر …

ساد الصمت … وبدَّدتْه «لوزة» قائلةً: إذن فلنذهب إلى السيرك، ونبحث عن إجابة هذا السؤال … هل كان «سمير» موجودًا في السيرك تلك الليلة عند منتصف الليل أو لا؟ …

محب: سأقوم أنا بهذه المهمة …

عاطف: سأذهب معك …

تختخ: اذهبا معًا … وسننتظر عودتكما …

وجلس الباقون يتحدثون، ودقَّ جرس التليفون، وكان المتحدث هو «حسن» ابن الشيخ «المختار» … وقال لهم إنه يدعوهم جميعًا للعشاء في الفيلَّا هذا المساء …

رحَّب المغامرون بالدعوة، خاصةً «تختخ» الذي كان يريد أن يُلقيَ نظرةً على الفيلَّا من الداخل … ويرى الإضاءة الخافتة التي تمَّت فيها السرقة، وشاهدت فيها «محسنة» لصَّ المجوهرات …

وانصرفت «لوزة» و«نوسة»، وتركتا «تختخ» وحده في حديقة الفيلَّا، كان يجلس ساهمًا مُفكِّرًا … ومضت فترة من الوقت ثم دقَّ جرس التليفون بجواره، وكان المتحدث «محب»، وقال بصوت منفعل: اسمع يا «تختخ»، أخبار غريبة جدًّا من السيرك …

تختح: ماذا حدث بالضبط؟

محب: الممثل «سمير» لم يغادر السيرك ليلة الحادث مطلقًا …

تختخ: من الذي قال لك هذا الكلام؟

محب: كل العاملين بالسيرك … فقد مرض «سمير» ليلتها ولم يقدِّم عروضَ التنكُّر التي اعتاد أن يقدِّمها … وبقيَ في غرفته طول الليل، ولم يغادر السيرك …

سكت «تختخ» وقد أحسَّ بالبرودة تسري في أوصاله … لقد أُغلق آخر طريق إلى لص المجوهرات … ولم يعد أمامهم متَّهم على الإطلاق … المتهم الأول «كمال رياض» كان بعيدًا بعشرات الكيلومترات عن مكان الحادث … المتهم الثاني «محسنة» بعيدة عن الشبهات … المتَّهَم الثالث «سمير» كان مريضًا ليلة الحادث ولم يغادر السيرك … إذن ليس هناك سوى احتمالٍ واحد … أنَّ الجواهر لم تُسرَق … أو أنَّ اللصَّ شبحٌ من الأشباح …

وقال «تختخ» ﻟ «محب»: سنلتقي الليلةَ على مائدةِ العشاء عند «حسن» في الثامنة …

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤