الفصل الثاني

إيفا

(مَدخَلٌ في ضَيعة كورجيلا. إيفا بونتيلا تنتظر أباها وتأكل شوكولاتة. المُلحَق الدبلوماسي إينوسيلاكا على أعلى السُّلَّم، يبدو عليه النُّعاس الشديد.)

إيفا : أعتقد أن السيدة كلنكمان غاضبة جدًّا.
المُلحَق : عَمَّتي لا يَطُول غضبها. لقد سألتُ عليهم مرةً أُخرى بالتليفون، وعلِمتُ أن بعض الناس في القرية شاهدوا سيارةً تَعبُر بهم وفيها رجلان يهتفان ويُهلِّلان.
إيفا : إنهما هما، أنا أستطيع أن أعرف أبي من بين ألف رجل، وكلما سمعت الناس يتحدثون عن رجلٍ جرى وراء تابعه بالكرباج، أو أهدى سيارةً إلى أرملة فلاحٍ أجيرٍ عرفتُ أنهم يتحدثون عن أبي.
المُلحَق : المهم أنه ليس هنا في عزبته في بونتيلا. أنا أخشى الفضيحة فقط. ربما كنتُ لا أفهم شيئًا في الأرقام ولا أعرف كم لترًا من اللبن يَصِح أن نُرسلها إلى كاوناس؛ فأنا لا أشرب اللبن، ولكني أُحِس بالفضيحة قبل أن تقع إحساسًا لا يخطئ؛ فعندما سمِعتُ المُلحَق الدبلوماسي في السفارة الفرنسية في لندن يهتف في إحدى المآدب، بعد أن شرب ثماني كئوس كونياك، ويقول لدوقة كاترومبل إنها عاهرة، تَنبَّأتُ على الفور بأن هناك فضيحةً ستقع. وقد حدث ما تَوقَّعتُ. أعتقد أنهم قادمون. أنا مُتعَبٌ بعض الشيء، هل تُسامحينني لو استأذنتُ في الانصراف؟ (ينصرف مسرعًا.)

(ضجة شديدة، يدخل بونتيلا والقاضي وماتي.)

بونتيلا : ها نحن قد جئنا. لكن لا تُثيري ضَجةً ولا توقظي أحدًا. سنشرب زجاجةً في هدوء ثم ننام. هل أنت سعيدة؟
إيفا : نحن ننتظركم منذ ثلاثة أيام.
بونتيلا : لقد اضطُرِرنا للتوقُّف في الطريق، ولكننا أحضرنا معنا كل شيء. ماتي، هاتِ الحقيبة. عسى أن تكون قد وضَعتَها بعنايةٍ على ركبتَيك حتى لا ينكسر شيء وإلَّا هلكنا هنا من العطش. لقد أسرعنا بالحضور؛ لاعتقادنا بأنك تنتظريننا.
القاضي : هل نقول مبارك يا إيفا؟
إيفا : بابا، أنت مصيبة. أنا أنتظر في هذا البيت الغريب منذ أسبوع وليس معي سوى روايةٍ قديمة والمُلحَق وعَمَّته حتى ذَبَلتُ من المَلَل.
بونتيلا : لقد أسرعنا بالحضور. كنتُ دائمًا أتعجلهم وأقول لهم: لا يجب أن نتأخر فعندي كلام مع المُلحَق في موضوع الخطبة. وقد فَرِحتُ لوجودك مع المُلحَق حتى تجدي إنسانًا يُسلِّيكِ في أثناء غيابنا. خذ بالك من الحقيبة يا ماتي حتى لا تحدث كارثة.

(يُنْزِل الحقيبة مع ماتي في حرص بالغ.)

القاضي : هل تَشاجرتِ مع المُلحَق حتى تشكي من تركك وَحدَك معه؟
إيفا : أوه، لا أدري؛ فمن المستحيل أن يتشاجر الإنسان مع واحدٍ مثله.
القاضي : بونتيلا، ابنتك لا يبدو عليها الحماس. إنها تأخذ على المُلحَق أنه من النوع الذي لا يستطيع أحدٌ أن يتشاجر معه. لقد نظرتُ مرةً في قضية طلاقٍ شَكَت فيها الزوجة زوجها؛ لأنها كانت تقذفه بالمصباح على رأسه فلم يضربها مرةً واحدة. لقد شَعَرَت أنه يُهمِلها.
بونتيلا : طيب. لقد فاتت هذه المرة أيضًا على خير. إذا تدخَّل بونتيلا في شيءٍ كان الحظ معه. ماذا؟ ألست سعيدة؟ أنا فاهم. إن سألتِني رأيي نَصحتُك بأن تبتعدي عن المُلحَق. إنه ليس رجلًا.
إيفا (التي ترى ماتي واقفًا يبتسم بخبث) : أنا لم أقل سوى أني غيرُ متأكدةٍ من أن المُلحَق يستطيع وحده أن يُسلِّيني.
بونتيلا : وهذا هو ما أقوله أيضًا. خذي ماتي. كل امرأةٍ تستطيع أن تتسلَّى معه.
إيفا : أنت فظيعٌ يا بابا. لقد قلتُ فقط: إنني غير متأكدة (لماتي): خذ هذه الحقيبة إلى الدور العلوي!
بونتيلا : حاسب! أَخْرِج أولًا زجاجةً أو زجاجتَين. أُريد قبل كل شيء أن أتكلم معك. إنني أسأل نفسي إن كان المُلحَق يناسبنا. هل تمت الخطوبة على الأقل؟
إيفا : لا، لم تتم. إننا لم نتكلم عن مثل هذه الموضوعات. (لماتي): لا تَفتَحْ هذه الحقيبة.
بونتيلا : ماذا؟ الخطوبة لم تتم؟ في ثلاثة أيام؟ ماذا فعلتما إذًا؟ إن هذا لا يعجبني منه. أنا أخطب في ثلاث دقائق. أحضريه، وسوف أدعو فتياتِ المطبخ لِأُبيِّن له كيف أخطب في لَمْح البَرْق. هاتي الزجاجات، البرجوندر، لا، الليكور.
إيفا : لا، لن تشرب الآن شيئًا. (لماتي): احمِلِ الحقيبة إلى حجرتي. الثانية على اليمين من السُّلَّم.
بونتيلا (وقد شعر بالخطر وهو يرى ماتي يرفع الحقيبة) : لكن يا إيفا، هذه قسوة منك. لا تستطيعين أن تمنعي أباك من بلِّ ريقه. أعدك أن أُفرغ في هدوءٍ تام زجاجةً واحدة مع الطاهية أو الخادمة أو فردريك، الذي ما زال أيضًا يحس بالعطش. كوني إنسانة!
إيفا : لقد ظللتُ يَقِظةً حتى الآن لكي أمنَعَك من إزعاج الخدَم في المَطبَخ.
بونتيلا : أنا مقتنع بأن السيدة كلنكمان — أين هي الآن؟ — ستُرحِّب بالجلوس معي قليلًا. فردريك مُتعَب ويمكنه أن يذهب لينام، أمَّا أنا فسوف أتناقش مع كلنكمان؛ فقد كانت هذه نيتي على كل حال. لقد كُنا دائمًا نشعر بالضعف تجاه بعضنا.
إيفا : أرجوك أن تتماسك قليلًا. السيدة كلنكمان كانت ثائرةً لأنك تأخَّرتَ عن موعدك ثلاثة أيام. أنا أَشُكُّ فيما إذا كُنتَ سترى وجهها غدًا.
بونتيلا : سوف أطرق بابها وأُرتِّب كل شيء. إنني أعرف كيف أعاملها. هذه أمورٌ لا تفهمينها يا إيفا.
إيفا : أنا لا أفهم إلا أن أية امرأة سترفض الجلوس معك وأنت في هذه الحالة! (لماتي): قلت لك ارفع هذه الحقيبة! يكفيني تأخيرُكُم ثلاثة أيام.
بونتيلا : إيفا! كوني عاقلة! إذا كُنتِ لا تريدين أن أَصعَد إليها، فنادِي على البنت القصيرة السمينة. أَعتقدُ أنها هي مُدبِّرة البيت، وعندي ما أقوله لها.
إيفا : بابا! لا تخرج عن حدودك. وإلا حَملتُ الحقيبة بنفسي ووَقعَت مني سهوًا على السلالم.

(بونتيلا يقف مفزوعًا. ماتي يحمل الحقيبة بعيدًا. إيفا تتبعه.)

بونتيلا (في هدوء) : هكذا تُعامِل البنت أباها! (يستدير وهو يهتَزُّ من التأثُّر مُتجهًا إلى العربة) فردريك! تعال معي!
القاضي : ماذا تُريد أن تفعل يا يوحنا؟
بونتيلا : سأذهب بعيدًا عن هنا. هذا البيت لا يعجبني. لقد أَسرعتُ في الحضور، ووصلتُ متأخرًا بالليل، وانظر كيف يستقبلونني؟ هل تلقَّاني أحد بالأحضان؟ إن هذا يا فردريك يُذكِّرني بالابن الضائع. وبدلًا من أن يذبحوا عجلًا تَلقَّوني بالشتائم. سأذهب بعيدًا عن هنا.
القاضي : إلى أين؟
بونتيلا : لا أفهم كيف يمكنك بعد هذا كله أن تسأل؟ ألا ترى كيف تمنع ابنتي الخمر عني؟ وكيف أُضطَر إلى الجري في الليل لأبحث عن أحدٍ يُعطيني زجاجةً أو زجاجتَين؟
القاضي : كن عاقلًا يا بونتيلا. لن تجد خمرًا في الساعة الثانية والنصف ليلًا. إن بيع الكحول بدون شهادةٍ من الطبيب ممنوع بحكم القانون.
بونتيلا : أنتَ أيضًا تتخلى عني، أتقول لن أعثر على خمرةٍ قانونية؟ طيب. سوف أُريك كيف أحصل على خمرةٍ قانونية، في أي وقتٍ بالليل أو بالنهار.
إيفا (تظهر على أعلى السُّلَّم) : بابا! اخلَع مِعطفَك فورًا!
بونتيلا : كوني حكيمةً يا إيفا! وأكرمي أباك وأمك لكي تُرْزَقي بالعمر الطويل على هذه الأرض! (يتجه غاضبًا إلى سيارته) هذا بيتٌ جميل! تُنْشَر فيه أمعاء الضيوف لتجفَّ على الحبال! لا أحصل على امرأة! سأُريكِ كيف أحصل على امرأة! يمكنك أن تقولي للسيدة كلنكمان إنني زاهدٌ في صحبتها! إنها في نظري العذراء المعتوهة التي خَلا مِصباحها من الزيت! الآن سأَنطلِق بأقصى سرعة، حتى تُدوِّي الأرض وتُصبحَ كل المُنحنَيات من الرعب مستقيمة! (يخرج.)
إيفا (تهبط السلالم) : أنت! أَمسِك السيد!
ماتي (يظهر خلفها) : فات الوقت. إنه سريع جدًّا.
القاضي : أعتقد أنني لن أستطيع انتظاره. لم أَعُد شابًّا كما كنتُ يا إيفا. لا أظن أنه سيُؤذِي نفسه. لقد كان الحظ دائمًا معه. أين حجرتي؟ (يصعد السلالم.)
إيفا : الثالثة على يمين السلم. (لماتي): والآن علينا أن نظل يَقِظِين حتى لا يشرب مع الخدَم ويُهِين نفسَه معهم.
ماتي : إن رفع التكليف لا يأتي من ورائه إلا النَّكَد. كنتُ أعمل في مصنع ورقٍ فقَدَّم البواب استقالته؛ لأن السيد المدير سأله عن صحة ابنه.
إيفا : هم يستغلون أبي دائمًا أسوأَ استغلالٍ بسبب هذا الضعف. إنه طيِّبٌ جدًّا.
ماتي : من حُسنِ حظ الناس حوله أنه يَسكَر في بعض الأحيان. إنه عندئذ يصبح إنسانًا طَيِّبَ القلب ويرى أمامه فيرانًا بيضاء ويَتمنَّى أن يُربِّت عليها؛ لأنه طَيِّبُ القلب إلى أقصى حد.
إيفا : لا أُحب أن تتكلم عن سيدك بهذه اللهجة، أو تأخذ الكلام الذي قاله عن المُلحَق مثلًا بالحرف الواحد، ولا أُحب أيضًا أن تنقل الكلام الذي قاله على سبيل المزاح إلى كُلِّ من هَبَّ ودَب.
ماتي : من أن المُلحَق ليس رجلًا؟ إن الآراء تختلف في معنى الرجولة اختلافًا شديدًا. كنتُ أعمل عند صاحبة مصنع بيرة، وكانت لها ابنة، نادتني مرةً من الحمام لكي أُحضِر لها برنسًا؛ فقد كانت خجولة جدًّا. قالت لي وهي تقف أمامي عاريةً كما خلقها الله: «ناولني بشكيرًا؛ فإن الرجال ينظرون إليَّ عندما أستحم.»
إيفا : لا أفهم ما تريد أن تقول.
ماتي : لا أريد شيئًا. أنا أتكلم فقط لأقتل الوقت وأُسلِّيك. إنني حين أتكلم مع سادتي لا أقصد شيئًا ولا يكون لي رأيٌ في أي شيء. إنهم لا يطيقون ذلك من الخدم.
إيفا (بعد فترة قصيرة) : إن المُلحَق مُحترَم جدًّا في السلك الدبلوماسي، وأمامه مستقبلٌ عظيم. أُحب أن يفهم الناس ذلك. إنه من أذكى الشبان في الجيل الجديد.
ماتي : فَهِمتُ.
إيفا : إن ما كنتُ أقصده هو أنني لم أتسلَّ مع المُلحَق كما كان أبي ينتظر. بالطبع ليس المهم في الرجل أن يكون مُسلِّيًا أو لا يكون.
ماتي : عرفت رجلًا لم يكن مسليًا على الإطلاق، ومع ذلك فقد كوَّن من السمن الصناعي ثروةً بَلغَت المليون.
إيفا : إن خطوبتنا مُقرَّرة من مدةٍ طويلة. إننا نعرف بعضنا من أيام الطفولة. ربما كنتُ بطبيعتي شديدة الحيوية؛ ولذلك أشعر بالمَلَل بسرعة.
ماتي : من أجل هذا تَتردَّدِين؟
إيفا : أنا لم أقل هذا. لا أدري لماذا لا تُريد أن تفهمني؟ إنك مُتعَب بغير شك. لماذا لا تذهب لتنام؟
ماتي : إنني أُونِسُكِ.
إيفا : لا داعي لأن تُتعِب نفسك. لقد أردتُ أن أُؤكِّد لك أن المُلحَق إنسانٌ ذكيٌّ وطيب القلب، لا يَصِح أن يحكم عليه الناس من مظهره ولا من كلامه أو تَصرُّفاته. إنه شديد الاهتمام بي ويُحِس برغباتي بِمجرَّد النظر في عيني. لن يَتصرَّف في يومٍ من الأيام تَصرُّفًا سخيفًا أو يَرفعَ الكُلفة بينه وبين الناس أو يَستعرِض رجولته أمام امرأة. إنني أحترمه وأُقدِّره، ولكن ربما أَردتَ أن تنام؟
ماتي : استَمرِّي في كلامك. إنني لا أُغلِق عيني إلا لكي يساعدني ذلك على شدة التركيز.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤