نجل إمام اليمن١

مضى الدهرُ بابن إِمامِ اليَمَنْ
وأَوْدَى بزين شبابِ الزمنْ
وباتَت بصنعاءَ تبكي السيوفُ
عليه، وتبكي القنا في عدن٢
وأَعْوَلَ نجدٌ، وضجَّ الحجازُ
ومالَ الحُسينُ، فعزَّ الحسن
وغَصَّتْ مَناحاتُه في الخيام
وغَصَّتْ مآتمُه في المُدُن
ولو أَنّ مَيْتًا مَشى للعزاءِ
مشى في مآتمه ذو يَزن٣
فتًى كاسمِه كان سيفَ الإله
وسيف الرسولِ، وسيفَ الوطن
ولُقِّبَ بالبدْرِ من حُسنه
وما البدرُ؟ ما قدرُه؟ وابنُ مَنْ؟
عزاءً جميلاً إِمامَ الحِمَى
وهوِّنْ جليلَ الرزايا يهُن
وأَنتَ المُعانُ بإِيمانه
وظنُّك في الله ظنٌّ حسن
ولكن متى رقَّ قلبُ القضاءِ؟
ومن أَيْن لِلموتِ عقلٌ يَزِن؟
يجامِلُك العربُ النازحون
وما العربيَّةُ إِلا وطن
ويجمَعُ قومك بالمسلمين
عظيمُ الفروضِ وسمْحُ السُّنَن
وأَنَّ نبيَّهمُ واحدٌ
نبيُّ الصوابِ، نبيُّ اللَّسَن
ومصرُ التي تجمع المسلمين
كما اجتمعوا في ظلال الرُّكُن٤
تُعزِّي اليَمانِينَ في سَيفهم
وتأْخذ حِصَّتَها في الحَزَن
وتَقعُد في مأْتم ابنِ الإمامِ
وتبكيه بالعبَرات الهُتُن
وتَنْشُر رَيحانَتَيْ زَنْبَقٍ
من الشِّعرِ في رَبَواتِ اليمن
تَرفَّانِ فوق رُفاتِ الفقيدِ
رفيفَ الجنَى في أَعالي الغُصُن
قَضَى واجبًا، فقضَى دونَه
فتًى خالص السِّر، صافي العَلن
تطوَّحَ في لُجَجٍ كالجبال
عِراضِ الأَواسِي طِوَالِ القُنَن٥
مَشَى مِشْيَة اللَّيْثِ، لا في السلاح
ولا في الدُّروع، ولا في الجُنَن٦
متى صِرتَ يا بحرُ غمدَ السيوفِ
وكنا عهدناك غِمدَ السُّفن؟
وكنتَ صِوانَ الجُمانِ الكريمِ
فكيف أُزِيلَ؟ ولِمْ لَمْ يُصَن؟
ظَفِرْتَ بجوهرةٍ فَذَّةٍ
من الشرف العبقريِّ اليُمُن
فتًى بذَلَ الروحَ دونَ الرِّفاق
إِليكَ، وأَعطى الترابَ البَدن
وهانتْ عليه مَلاهِي الشبابِ
ولولا حقوقُ العُلا لم تَهُن
وخاضَك يُنقِذُ أَترابه
وكان القضاءُ له قد كَمَن
غدْرتَ فتًى ليس في الغادرين وما
وخُنْتَ امرأ وافيًا لم يَخُن
في الشجاعةِ حَتْفُ الشجاعِ
ولا مَدَّ عمرَ الجبان الجُبُن
ولكن إِذا حانَ حَيْنُ الفتى
قضَى، ويَعيش إِذا لم يَحِن٧
أَلا أَيُّهذا الشريفُ الرَّضِيُّ
أَبو السُّجَر الرَّماحِ اللُّدُن
شهيدُ المُروءَةِ كان البَقِيعُ
أَحقَّ به من تراب اليمن
فهل غسَّلوه بدمعِ العُفاةِ
وفي كلِّ قلبٍ حزينٍ سكن؟
لقد أَغرَقَ ابنكَ صرْفُ الزمانِ
وأغرقْتَ أَبناءَه بالمِنن
أَتذكر إِذ هو يَطوِي الشهورَ
وإِذ هو كالخِشْفِ (حُلْوٌ) أَغنْ؟٨
وإِذ هو حولَك حسنُ القصورِ
وطِيبُ الرياضِ، وصَفْوُ الزمَن؟
بشاشتُه لذَّةٌ في العيون
ونَغْمتُه لذَّةٌ في الأذن؟
يلاعِب طُرَّتَه في يَدَيْكَ
كما لاعبَ المُهرُ فضل الرَّسَن؟
وإِذ هو كالشبل يَحكِي الأَسودَ
أَدلّ بمِخْلَبهِ وافْتَتَن؟٩
فشَبَّ، فقامَ وراءَ العَرينِ
يَشُبُّ الحروبَ، ويُطفِي الفِتَن؟١٠
فما بالُه صار في الهامدين
وأَمسى عَفاءً كأنْ لم يَكُن؟
نظَمْتُ الدموعَ رِثاءً له
وفصَّلْتُها بالأَسَى والشَّجَن

هوامش

(١) هو الأمير سيف نجل الإمام يحيى، وقد توفي غرقًا وهو يحاول إنقاذ رفيق له من الغرق سنة ١٩٣٣.
(٢) صنعاء: حاضرة اليمن، عدن: إحدى المواني هناك، وهي على خليج عدن المشهور.
(٣) ذو يزن: أحد أقيال اليمن الأقدمين، ولشجاعة هذا الملك في استرداد عرض أبيه وأجداده أضيفت إليه أساطير كثيرة.
(٤) يريد بالركن: الكعبة.
(٥) القنن: جمع قنة، وهي رأس الجبل. الأواسي من البناء: الدعائم.
(٦) الجنن: جمع جنة، بالضم، وهي ما استترت به من سلاح ودروع ونحو ذلك.
(٧) الحين: الأجل.
(٨) الخشف (مثلثة الخاء): الظبي، الأغن: الذي يخرج صوته من خياشيمه وهذا كناية عن ميعة الشباب.
(٩) الشبل: ولد الأسد إِذا أدرك الصيد.. أدل بمخلبه: أي تباهى به وتخايل على أقرانه.
(١٠) العرين: بيت الأسد. يشبُّ الحروب: يوقدها.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤