تحية للتُّرك

الدهرُ يقظانُ والأحداثُ لم تنَمِ
فما رُقادُكمُ يا أشرفَ الأُمَمِ
لعلكم من مِراسِ الحربِ في نَصَبٍ
وهذه ضجعةُ الآسادِ في الأَجَمِ١
لقد فتحتم فأعرضتم على شِبَعٍ
والفتحُ يعترض الدُّولاتِ بالتُّخَمِ٢
هبُّوا بكم وبنا للمَجدِ في زمنٍ
مَن لم يكن فيه ذئبًا كان في الغنمِ
هذا الزمانُ تُناديكم حوادثُهُ
يا دولةَ السيفِ كُوني دولةَ القلمِ
فالسيفُ يهدم فجرًا ما بُنِي سَحَرًا
وكلُّ بنيانِ علمٍ غيرُ مُنهدِمِ٣
قد مات في السِّلم مَن لا رأيَ يَعصمُهُ
وسوَّت الحرب بين البَهْم والبَهَمِ٤
وأصبح العلمُ ركنَ الآخذين به
مَن لا يُقِمْ ركنَه العرفانُ لم يَقُمِ
الناسُ تسحبُ فضفاضَ الغِنى مرحًا
ونحن نلبسُ عنه ضيقةَ العُدُمِ٥
يا فِتيةَ التُّرك حيَّا اللهُ طلعتَكم
وصانَكم وهداكم صادقَ الخِدَمِ٦
أنتم غدُ المُلكِ والإسلامِ لا برِحا
منكم بخيرِ غدٍ في المَجدِ مُبتسِمِ٧
تُحِلُّكم مصرُ منها في ضمائِرها
وتُعلِن الحبَّ جمًّا غيرَ متَّهَمِ٨
فنحن إن بعدَت دارٌ وإن قرُبَت
جارانِ في الضادِ أو في البيتِ والحرَمِ٩
ناهِيك بالسببِ الشرقيِّ من نسبٍ
وحبذا سببُ الإسلامِ من رحِمِ١٠
شملُ اللغاتِ لدى الأقوامِ مُلتئمٌ
والضَّادُ فينا بشملٍ غيرِ مُلتئمِ١١
فقرِّبوا بيننا فيها وبينكمُ
فإنها أوثَقُ الأسبابِ والذِّمَمِ
وكُلُّنا إن أخَذْنا بالفلاح يدٌ
وسعيُنا قَدمٌ فيه إلى قَدَمِ
فلا تكونُنَّ «تركيَّا الفتاةِ» ولا
تلك العجوزَ وكُونوا تركيا القِدَمِ
فسيفُها سيفُها في كلِّ مُعترَكٍ
وعدلُها طوَّقَ الإسلامَ بالنِّعَمِ
١  مراس الحرب: مزاولتها. والنصَب: التعب. والضجعة: الرقدة. والآساد: جمع أسد. والأجم (بفتح الجيم): جمع أجمة، وهي الشجر الملتف.
٢  فتحتم: تغلَّبتم على البلاد التي حاربتموها حتى ملكتموها. والتخم: جمع تخمة، وهي ثقل الأكل.
٣  يهدم فجرًا … إلخ: أي يهدم وقت الفجر ما يكون قد بناه وقت السحر، والمعنى أن بنيان السيف لا دوام له.
٤  السلم: ضد الحرب. ويعصمه: يحفظه ويقيه. والبهم (بفتح الباء وسكون الهاء): جمع بهمة (بفتح الباء وسكون الهاء أيضًا)، وهي أولاد الضأن والمعز والبقر. والبهم (بضم الباء وفتح الهاء): جمع بهمة (بضم الباء وسكون الهاء)، وهي الرجل الشجاع.
٥  الفضفاض: الواسع. والمرح: التبختر والاختيال. والضيقة (بفتح الضاد وكسرها): سوء الحال. والعُدم (بضم العين والدال وتُسكَّن داله أيضًا): الفقر.
٦  صادق الخدم: أي الخدم الصادقة، وهي جمع خدمة.
٧  أنتم غد الملك والإسلام: أي أنتم الذين تهيِّئون لهما غدهما، والمراد مُقبِل حالهما.
٨  جمًّا: كثيرًا. وغير متهم: أي غير مشكوك في صدقه.
٩  الضاد: تُطلَق اسمًا للغة العربية؛ وذلك أن حرف الضاد لا يوجد في لغة سواها، ولا يقوى عليه إلا أهلها.
١٠  ناهيك: كلمة استعظام وتعجُّب، وتأويلها في الكلام أن هذا الشيء هو غاية فيما تطلبه، حتى إنه ينهاك عن طلب غيره، فمعنى البيت أن السبب الشرقي هو ما يطلب من النسب بيننا وبينكم، فلا تطلبوا نسبًا سواه. وحبذا: كلمة مدح.
١١  الشمل: ما تفرَّق من الأمر وما اجتمع منه، يقال جمع الله شملهم، وفرَّق الله شملهم. وملتئم: منضم وملتصق.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤