اسمه – نسبه – نشأته وحياته

  • اسمه: حُنْدُج (والحندج: الرملة الطيبة أو كثيب من الرمل أصغر من النقا).
  • لقبه: امرؤ القيس،١ ويقال له: «الملك الضليل». قال في «نهاية الأرب»:٢ «وسمي امرؤ القيس بالضليل؛ لأنه ترك ملكه وتوجه إلى قيصر يطلب منه جيشًا يأخذ به ثأر أبيه من بني أسد.»

    ويقال له: «ذو القروح»، لقوله:

    وبدلتُ قرحًا داميًا بعد صحة

    وسُئل لبيد: «من أشعر الناس؟» فقال: «ذو القروح.» وقال الفرزدق:

    وهب القصائد لي النوابغ إذ مضوا
    وأبو يزيد٣ وذو القروح، وجرولُ

    ويقال له: «الذائد» لقوله:

    أذود القوافي عني ذيادًا
  • كنيته: أبو الحارث، وأبو وهب، وأبو زيد.
  • نسبه: أبوه: حُجْر بن عامر بن الحرث بن عمرو المقصور — لأنه اقتصر على ملك أبيه؛ أي أقعد فيه كرهًا — ابن حجر من بني آكل المرار٤ معاوية بن ثور، من كندة من اليمن.

    وكان أبوه حجر ملكًا على أسد وغطفان.

    سبب تملكه عليهم: اختل نظام الأمر في البكريين في نجْد، واحتدم الخلاف بينهم، فاجتمع شيوخهم وأهل الرأي فيهم، وقالوا: إن سفهاءنا غلبوا علينا حتى أكل القويُّ الضعيفَ، ولا نستطيع دفع ذلك! ثم رأوا أن يملِّكوا عليهم رجلًا يضرب على أيدي الظالم ويأخذ للضعيف بحقه، ولكنهم أشفقوا إن ولوا عليهم رجلًا من قبيلة منهم أن تأباه قبيلة أخرى، فقصدوا تُبَّعًا — ملك اليمن — ليملكوه عليهم، فملك عليهم حجرًا أمير كندة، المعروف بآكل المرار، فانتقل إلى ديار بكر في نجد، وسار فيهم سيرة حسنة، وأعاد إليهم ما انتزعه اللخميون من أرضهم.

    فلما مات ولي ابنه عمرو المقصور،٥ ثم من بعده ولي الحرث بن عمرو وكان نزل الحيرة وله خمسة بنين.

    فاشتد الخلاف بين قبائل نزار، وطمى سبل الفساد فيهم، فأتوا الحرث وطلبوا إليه أن يوجه بنيه معهم، فيقيموا فيهم ليكفوا بعضهم عن بعض، فولى حجرًا على أسد وغطفان، وملَّك بقية بنيه على قبائل أخرى.

    فأقام فيهم حينًا من الزمن، وكان يأخذ من بني أسد إتاوة في كل سنة، ثم منعوا جابيه وضربوه.

    فحمي لذلك، وأخذ سرواتهم، وجعل يضربهم بالعصا حتى يموتوا (فسموا عبيد العصا)، وأباح أموالهم، وحبس أشرافهم في تهامة، فاضطغنوا عليه ذلك حتى أدركوا منه غفلة، فطعنه عوف بن ربيعة بن عامر — من أسد بن خزيمة — ولم يجهز عليه،٦ وكان له خمسة أولاد، فأوصى وصية، ودفع كتابه إلى عامر من بني عجل، وقال له: «انطلق إلى ابني نافع، فإن بكى وجزع فالْهُ عنه، واستقرئ أولادي واحدًا واحدًا حتى تأتي امرأ القيس، فإن لم يجزع فادفع إليه سلاحي وخيلي ووصيتي.»

    وقد كان بيَّنَ في وصيته من طعنه، فأتى الرجل نافعًا فأخبره فوضع التراب على رأسه وبكى، فتركه، واستقرأ إخوته واحدًا واحدًا، وكلهم فعل ذلك، فأتى امرأ القيس في موضع يقال له دمون من أرض اليمن، فأخبره وهو يلعب بالنرد، فلم يلتفت إليه حتى فرغ، ثم تأهب للأخذ بثأر أبيه، كما سيأتي.

  • نسبه من قبل أمه: أمه فاطمة بنت ربيعة بن الحارث، أخت كليب البطل المشهور، ومهلهل الشاعر المعروف، ويقال اسمها تملك. فأبوه يمني من أشراف كندة، وأمه نزارية من أشراف تغلب.
  • نشأته وحياته: ليس لدينا من الوثائق التاريخية ما يكشف اللثام عن حقيقة الزمن الذي ولد فيه امرؤ القيس والمكان الذي نبت فيه، ولا ما يوضح تفصيل نشأته وحياته.

بل لا يزال سرًّا غامضًا في زوايا التاريخ المغلقة، وكل ما عُلم من كلام القوم بِطَريق النقل أو الاستنباط أن امرأ القيس ولد في نجد في ديار بني أسد، ونشأ في حجر الملك، ودرج في مهد الترف والنعيم، فشب بين أقداح الراح، ومغازلة الملاح، لا ينقصه شيء من ملاذ الحياة.

استرسل في اللهو، وأمعن في المجون، وأطلق لنفسه العنان في ميادين الصبوة، وقعد عما تسمو إليه نفوس أمثاله من أبناء الملوك، وعلق٧ النساء، وأكثر من ذكرهن، والميل إليهن، فكره ذلك أبوه منه، وزجره فلم ينزجر، فاستشار بطانته فيما يصنع به، فقالوا: اجعله في رعاء إبلك حتى يكون في أتعب عمل! فأرسله في الإبل فخرج بها يرعاها يومه، ثم آواها مع الليل وجعل ينيخها ويقول: «يا حبذا طويلة الأقراب، غزيرة الحلاب، كريمة الصحاب! يا حبذا شداد الأوراك، عراض الأحناك، طوال الأسماك!» ثم بات ليلته يدور إلى متحدثه، حيث كان يتحدث، فقال أبوه: «ما شغلته بشيء!» قيل له: «فأرسله في الخيل.» فأرسله في خيله فمكث فيها يومه حتى آواها مع الليل. فدنا أبوه حجر يسمع فإذا هو يقول: «يا حبذا إناثها نساء، وذكورها ظباء، عدة وسناء، نعم الصحاب راجلًا وراكبًا، تدرك طالبًا، وتفوت هاربًا!» قال أبوه: «والله ما صنعت شيئًا!» فبات ليلته يدور حواليها، قيل له: «اجعله في الضأن.» فمكث يومه فيها حتى إذا أمسى أراحها، فجاءت أمامه وجاء خلفها، فلما بلغت المراح، ودنا أبوه يسمع فإذا هو يقول: «أخزاها الله وقد أخزاها! من باعها خير ممن اشتراها، لا ترفع إذا ارتفعت، ولا تروى إذا شربت، أخزاها الله! لا تهتدي طريقًا، ولا تعرف صديقًا، أخزاها الله! لا تطيع راعيًا، ولا تسمع داعيًا.» ثم سقط ليلته لا يتحرك.
فلما أصبح قال أبوه: «اخرج بها!» فمضى حتى بعد عن الحي وأشرف على الوادي، فحثا في وجهها التراب، فارتدت وجعل يقول: «حجر في حجر حجر، لا مدر هبهاب،٨ لحم وإهاب، للطير والذئاب!»
فلما رأى أبوه ذلك منه، وكان يرغب به عن النساء والشعر،٩ وأبى أن يدع ذلك، أخرجه عنه، فخرج مراغمًا لأبيه، فكان يسير في أحياء العرب يطلب الصيد والغزل.

والتفَّ حوله فئة من شذاذ العرب وذؤبانهم، فكانوا يتنقلون من مكان إلى آخر، فإذا صادفوا غديرًا أو روضة أو موضع صيد، أقاموا عليه يلعبون ويشربون ويصطادون، وكانت القيان تغنيهم في منازلهم، حتى إذا نضب ماؤه انتقلوا إلى غيره.

وله أيام كثيرة قضاها في الصبوة والمجانة مع النساء، وذكرها في شعره، وعدها من أيامه الصالحة، منها يوم الغدير المسمى «دارة جلجل»، وذلك١٠ أنه كان مولعًا بابنة عم له يقال لها فاطمة،١١ فطلبها زمانًا، فلم يصل إليها، فاحتمل الحي ذات يوم وقدموا الرجال، وخلفوا النساء والخدم والعُسَفَاء والثِّقْل، فرأى ذلك امرؤ القيس، فتخلف عن قومه في غيابة من الأرض، حتى مرت به النساء، وإذا فتيات فيهن ابنة عمه، فلما وردن الغدير قلن: «لو نزلنا فاغتسلنا وذهب عنا بعض ما نجد من الكلال!» فقالت إحداهن: «نعم!» فنزلن فنحين ثيابهن، ثم تجردن فدخلن الغدير، فأتاهن امرؤ القيس مخاتلًا، فأخذ ثيابهن ثم جمعها وقعد عليها، وقال: «والله لا أعطي واحدة منكن ثوبها حتى تخرج كما هي فتكون هي التي تأخذه.» فأبين ذلك عليه حتى ارتفع النهار، وتذامرن بينهن، وخشين أن يقصرن دون المنزل الذي يُرِدْن، فخرجت إحداهن فوضع لها ثيابها ناحية، فمشت إليها حتى لبستها، ثم تتابعن على ذلك حتى بقيت ابنة عمه، فناشدته الله أن يطرح إليها ثيابها، فقال: «لا والله! أو تخرجي!» فخرجت، فنظر إليها مقبلة ومدبرة، فوضع لها ثيابها ناحية، فلبستها، ثم أقبلن عليه فقلن: «فضحتنا، وحبستنا، وأجعتنا!» قال: «فإن نحرت لكُنَّ ناقتي، أتأكلن منها؟» قلن: «نعم!» فاخترط سيفه فعقرها ونحرها وكشطها، وجمع الخدام حطبًا، وأججوا نارًا عظيمة، فجعل يقطع من سنامها، وكبدها، وأطايبها ويرمي به في الجمر، وهن يأكلن ويأكل معهن، ويشرب من فضلة خمر١٢ كانت معهن، ويغنيهن وينبذ إلى الخدم من ذلك الكباب حتى شبعوا، فلما رأى ذلك وأراد الرحيل، قالت إحداهن: «أنا أحمل طنفسته.» وقالت الأخرى: «أنا أحمل رحله.» فتقسمن متاع راحلته وبقيت ابنة عمه لم تحمل شيئًا، فحملته على غارب بعيرها، فكان يجنح إليها فيدخل رأسه في حجرها، ويقبلها، فإذا امتنعت عليه أمال هودجها فتقول: «يا امرأ القيس! عقرت بعيري فانزل!» فما زال كذلك حتى جنه الليل، ثم راح إلى أهله، وذلك قوله:
ويوم عقرت للعذارى مطيتي
فيا عجبًا من كورها المتحملِ!

قضى امرؤ القيس شطرًا كبيرًا من حياته في الصبوة واللهو، ولم يشأ له القدر أن يتم البقية الباقية منها في مسارح الصبابة بين الغيد الحسان، وأقداح الخمر.

فبينما هو ذات يوم مع رفاقه في موضع يقال له دَمُّون من أرض اليمن يشرب الخمر ويلعب بالنرد، جاءه عامر العجلي فقال له: «قُتل حجر!» فلم يلتفت إليه، وأمسك رفيقه عن اللعب، فقال له امرؤ القيس: «اضرب!» فضرب، حتى إذا فرغ قال: «ما كنت لأفسد عليك دستك!» ثم أقبل على الرسول فسأله عن أمر أبيه فأخبره، فقال: «تطاول الليل علينا دمون! إنَّا معشر يمانون! وإنَّنا لأهلها محبون!» ثم قال:

أرقت ولم يأرق لمثلي نافع
وهاج لي الشوق الهموم الروادعُ١٣

ثم قال:

«ضيعني صغيرًا، وحمَّلني دمه كبيرًا! لا صحو اليوم، ولا سكر غدًا! اليوم خمر وغدًا أمر!»١٤ (فذهبت مثلًا)، ثم دفع إليه الرسول الوصية والكتاب والسلاح، ثم قال:
خليليَّ لا في اليوم مصحًى لشارب
ولا في غد إذ ذاك ما كان يشربُ

ثم شرب سبعًا، فلما صحا، آلى أن لا يأكل لحمًا ولا يشرب خمرًا ولا يدَّهن ولا يلهو ولا يغسل رأسه حتى يدرك ثأر أبيه، فيقتل مائة من بني أسد، ويجز نواصي مائة.

فلما جن عليه الليل رأى برقًا فقال:

أرقت لبرق بليل أهل
يضيء سناه بأعلى الجبل
أتاني حديث فكذبته
بأمر تزعزع منه القللْ١٥
بقتل بني أسد ربهم
ألا كل شيء سواه جلل١٦
فأين ربيعة عن ربها
وأين تميم وأين الخول١٧
ألا يحضرون لدى بابه
كما يحضرون إذا ما أكلْ؟
ويقال إنه لما قُتل أبوه كان غلامًا قد ترعرع، وكان مقيمًا في بني حنظلة؛ لأن ظئره١٨ كانت امرأة منهم، فلما بلغه ذلك قال:
يا لهف هند إذ خطئن كاهلا
القاتلين الملِك الحلاحلا
تالله لا يذهب شيخي باطلا
يا خير شيخ حسبًا ونائلا
وخيرهم قد علموا فواضلا
يحملننا والأسل النواهلا
وحي صعب١٩ والوشيج الذابلا
مستشفرات٢٠ بالحصى جوافلا
ثم أخذ٢١ يعد العدد، ويجهز الأسلحة، ويستنفر القبائل لقتال بني أسد، فانتهى إليهم خبر ذلك فأوفدوا إليه رجالًا؛ كهولًا وشبانًا، فيهم المهاجر بن خداش ابن عم عبيد بن الأبرص، وقبيصة بن نعيم، وكان في بني أسد مقيمًا، وكان ذا بصيرة بمواقع الأمور وردًا وإصدارًا، يعرف ذلك له من كان محيطًا بأكناف بلده من العرب، فلما علم بمكانهم، أمر بإنزالهم، وتقدم بإكرامهم والإفضال عليهم، واحتجب عنهم عنهم ثلاثًا.
فسألوا من حضرهم من رجال كندة، فقال: «هو في شغل بإخراج ما في خزائن حُجْر من السلاح والعدة.» فقالوا: «اللهم غفرًا! إنما قدمنا في أمر نتناسى به ذكر ما سلف، ونستدرك به ما فرط، فليبغ٢٢ ذلك عنا!» فخرج عليهم في قباء وخف وعمامة سوداء، وكانت العرب لا تعتمُّ بالسواد إلا في الترات.٢٣
فلما نظروا إليه قاموا له، وبدر إليه قبيصة، فقال: «إنك في المحل والقدر والمعرفة بتفرق الدهر وما تحدثه أيامه وتتنقل به أحواله بحيث لا تحتاج إلى تبصير واعظ، ولا تذكرة مجرب، ولك من سؤدد منصبك، وشرف أعراقك، وكرم أصلك في العرب، مُحتَمَل يَحتمِل ما حمِّل عليه من إقالة العثرة، ورجوع عن هفوة، ولا تتجاوز الهمم إلى غاية إلا رجعت إليك، فوجدت عندك من فضيلة الرأي، وبصيرة الفهم، وكرم الصفح في الذي كان من الخَطْب الجليل الذي عمت رزيته نزارًا واليمن، ولم تخصص كندة بذلك دوننا للشرف البارع! كان لحجر التاج والعمة فوق الجبين الكريم، وإخاء الحمد، وطيب الشيم، ولو كان يفدى هالك بالأنفس الباقية بعده، لما بخلت كرائمنا على مثله ببذل ذلك، ولفديناه منه! ولكن مضى به سبيل لا يرجع أولاه على أخراه ولا يلحق أقصاه أدناه، فأحمد الحالات في ذلك أن تعرف الواجب عليك في إحدى خلال: إما أن اخترت من بني أسد أشرفها بيتًا، وأعلاها في بناء المكرمات صوتًا، فقُدناه إليك بنسعة٢٤ يذهب مع شفرات حسامك، تناثي٢٥ قعيدته٢٦ فنقول: امتحن بهلك عزيز! فلم تستلَّ سخيمته٢٧ إلا بتمكينه من الانتقام، أو فداء بما يروح على بني أسد من نَعمها، فهي ألوف تجاوز الحسبة، فكان ذلك فداءً رجعت به القضب٢٨ إلى أجفانها لم يردده تسليط الإحن على البُرَآء، وإما أن توادعنا٢٩ حتى تضع الحوامل فنسدل الأُزُر، ونعقد الخُمُر فوق الرايات.»
قال: فبكى ساعة، ثم رفع رأسه فقال: «لقد علمت العرب أن لا كفء لحجر في دم، وإني لن أعتاض به جملًا أو ناقة، فأكتسب بذلك سبة الأبد، وفت العضد.٣٠ وأما النظرة٣١ فقد أوجبتها الأجنَّة٣٢ في بطون أمهاتها، ولن أكون لعطبها سببًا، وستعرفون طلائع كندة من بعد ذلك: تحمل القلوب حَنَقًا٣٣ وفوق الأسنة عَلَقًا:٣٤
إذا جالت الخيل في مأزق
تُدافع فيه المنايا النفوسا
أتقيمون أم تنصرفون؟» قالوا: «بل ننصرف بأسوأ الاختيار، وأبلى الاجترار٣٥ لمكروه وأذية وحرب وبلية.» ثم نهضوا عنه وقبيصة يقول متمثلًا:
لعلك أن تستوخم٣٦ الموت إن غدت
كتائبنا في مأزق الموت تمطر!

فقال امرؤ القيس: «لا والله، لا أستوخمه. فرويدًا ينكشف لك دجاها عن فرسان كندة وكتائب حِميَر! ولقد كان ذكر غير هذا أولى بي إذ كنت نازلًا بربعي، ولكنك قلت فأجبت!» فقال قبيصة: «ما نتوقع فوق قدر المعاتبة والإعتاب.» قال امرؤ القيس: «فهو ذاك!»

ثم ذهب امرؤ القيس فاستنجد بكرًا وتغلب فسألهم النصر على بني أسد، فبعث العيون على بني أسد، فنزروا بالعيون، ولجَئوا إلى بني كنانة، فقال لهم عِلْباء بن الحارث: «يا معشر بني أسد! إن عيون امرئ القيس قد أتتكم ورجعت إليه بخبركم، فارحلوا بليل ولا تعلموا بني كنانة.» ففعلوا، وأقبل امرؤ القيس بمن معه من بكر وتغلب حتى انتهى إلى بني كنانة وهو يحسبهم بني أسد، فوضع فيهم السلاح وقال: «يا لثارات الملك!» فقالت له عجوز كنانية: «أبيت اللعن! لسنا لك بثأر! نحن من كنانة، فدونك ثأرك فاطلبهم، إن القوم قد ساروا بالأمس.» فتبع بني أسد، ففاتوه ليلتهم تلك، فقال:

ألا يا لهف هندٍ إثر قوم
همُ كانوا الشقاء فلم يصابوا
وقاهم جدهم ببني أبيهم
وبالأشقين ما كان العقابُ٣٧
وأفلتهنَّ عِلْباءٌ جريضًا
ولو أدركْته صفر الوطاب٣٨

وكانت بنو أسد على الماء فنهد إليهم فقاتلهم، فأكثر فيهم القتل والجرح، فهربوا بعد أن حجز الليل بين الفريقين.

ثم تراجعت بكر وتغلب عن نصرته، وقالوا: «أصبت ثأرك!» فقال: «والله ما أصبت من بني كاهل ولا من غيرهم من بني أسد أحدًا.» قالوا: «بلى! ولكنك رجل مشئوم.» وانفضوا عنه.

فذهب إلى اليمن واستنصر الأزْد، فأبوا، فقصد قيلًا يدعى مرثد الخير بن ذي جدن الحميري، فأمده بخمسمائة رجل من حمير، ومات مرثد قبل رحيل امرئ القيس بهم، وقام بالمملكة بعده رجل من حمير يقال له: قَرْمَل بن الحميم، وكانت أمه سوداء، فردد امرأ القيس وطول عليه حتى همَّ بالانصراف وقال:

وإذ نحن ندعو مرثد الخير ربنا
وإذ نحن لا نُدعى عبيدًا لقَرْمَل
فأنفذ له ذلك الجيش، وتبعه شذاذ من العرب، واستأجر رجالًا من القبائل، وأَمَّ بني أسد، فمر في طريقه على تَبالة٣٩ وفيها صنم يقال له «ذو الخَلَصة»،٤٠ فاستقسم عنده بقداحه الثلاثة، وهي: الآمر والناهي والمتربص، فخرج الناهي ثلاث مرات، فكسرها، وضرب بها وجه الصنم، وقال: «ويحك! لو أبوك قتل ما عقتني!» ثم نزل بني أسد فظفر بهم.
ووجه المنذر٤١ جيوشًا من إياد وبهراء وتنوخ في طلب امرئ القيس، وأمده أنوشروان بجيش من الأساورة، فتفرقت عنه حمير ومن كان معه، ونجا امرؤ القيس في فئة من بني آكل المرار، فنزل بالحرث بن شهاب من بني يربوع بن حنظلة، فبعث إليه المنذر مائة مقاتل يهدده بالحرب إن لم يسلمهم، فأسلمهم، ونجا امرؤ القيس مع ابنته «هند» ويزيد بن معاوية بن الحرث، والأدرع والسلاح، ومال كان بقي معه، فخرج على وجهه حتى وقع في أرض طيء، وقيل نزل على سعد بن الضباب الإيادي، فأجاره.

ثم تحول عنه، فنزل برجل من بني جديلة يقال له المعلَّى بن تيم، فقال فيه:

كأني إذ نزلت على المعلى
نزلت على البواذخ من شمام

(إلى آخر الأبيات الآتية في المدح …)

فلبث عنده، واتخذ إبلًا هناك، فطردها قوم من بني جديلة، فخرج ونزل على خالد بن سدوس من بني نبهان من طيء، وكان عنده رواحل، فركبها خالد مع نفر من بني نبهان وخرجوا ليطلبوا له الإبل من جديلة، فأخذت جديلة الرواحل ورجعوا إليه بلا شيء، فقال في ذلك:

عجبت٤٢ له مشي الحُزُقَّة خالد
كمشي أتان حُلِّئَت بالمناهلِ
فدعْ عنك نهبًا صيح في حَجَراته
ولكن حديث ما حديث الرواحلِ

ففرقت عليه بنو نبهان فرقًا من معزى يحلبها، فأنشأ يقول:

إذا ما لم نجد إبلًا فمعزى
كأن قرون جِلَّتها العصي٤٣
إذا ما قام حالبها أرنَّت
كأن القوم صَبَّحهم نَعِيُّ٤٤
فتملأ بيتنا أقطًا وسمنًا
وحسبك من غنًى شبع وري٤٥

ثم خرج فنزل بعامر بن جوين، وكان أحد الخلعاء القتاك، تبرأ قومه من جرائره، فخافه امرؤ القيس على نفسه وأهله وماله، ثم تغفله وانتقل إلى رجل من بني ثعل يقال له حارثة بن مر، فاستجار به، فوقعت حرب بين عامر والثعلي من أجله، فخرج ونزل بعمرو بن جابر بن مازن من بني فزارة، وطلب منه الجوار حتى يرى ذات غيبه، فدله على السموأل، ووصف له منعته وحصنه فقال امرؤ القيس: «وكيف لي به؟» قال: «أوصلك إلى من يوصلك إليه.» فأوصله إلى الربيع بن ضبع الفزاري، وكان ممن يأتي السموأل، فقال له الفزاري: «إن السموأل يعجبه الشعر، فتعالَ نتناشد له أشعارًا!» فقال امرؤ القيس: «قل حتى أقول!» فقال الربيع قصيدة طويلة أولها:

قل للمنية أيَّ حين نلتقي
بفناء بيتك في الحضيض المزلقي

فقال امرؤ القيس:

طرقتك هندٌ بعد طول تجنُّب
وهنًا ولم تك قبل ذلك تطرق٤٦

ثم ذهب به الفزاري إلى السموأل، فلما كانوا ببعض الطريق رأوا بقرة وحشية مرمية، فتركوها، فمر بهم قوم قناصون من بني ثعل، فقالوا لهم: «من أنتم؟» فانتسبوا لهم، فإذا هم من جيران السموأل، فانصرفوا إليه جميعًا، وقال امرؤ القيس:

رب رام من بني ثُعَل
مخرجٌ كفَّيه من قُتَرِه٤٧
عارض زوراء من نَشَم
مع بانات على وثره٤٨
إذ أتته الوحش واردة
فتثنى النزع في يَسَره٤٩
فرماها في فرائصها
بإزاء الحوض أو عُقَره٥٠
برهيش من كنانته
كتلظي الجمر في شرره٥١
راشه من ريش ناهضة
ثم أمهاه على حجره٥٢
فهو لا تَنْمي رميَّته
ما له لا عد من نفره٥٣
ثم مضوا حتى قدموا على السموأل، فأنشده الشعر، وعرف لهم حقهم فأنزل المرأة في قبة أدم، وأنزل القوم في مجلس له براح،٥٤ فلبث عنده حينًا ثم طلب إليه أن يكتب كتابًا إلى الحارث بن أبي شمر الغساني بالشام ليوصله إلى قيصر، فاستنجد له، ورحلا، واستودع عنده المرأة والأدراع والمال، وكان عنده خمس أدرع: الفضفاضة، والضافية، والمحصَّنة، والخرِّيق، وأم الذيول، وهي لبني آكل المرار يتوارثونها ملكًا فملكًا.

وضع ذلك عند السموأل وأقام معها ابن عمه يزيد بن الحرث بن معاوية، فمضى إلى القسطنطينية، وأخرج معه إليها عمرو بن قميئة الضُبَعِي، وكان شاعرًا فحلًا، لقيه في آخر عمره، فقال: «ألا تركب للصيد؟» فقال:

شكوت إليه أنني ذو جلالة
وأني كبير ذو عيال مجنبِ
فقال لنا أهلًا وسهلًا ومرحبًا!
إذا سركم لحم من الوحش فاركبوا

فلما جاوز الدرب، علم أنه سائر إلى قيصر، فبكى، وقد أشار امرؤ القيس إلى هذه الرحلة بقوله من قصيدة:

بكى صاحبي لما رأى الدرب دونه
وأيقن أنا لاحقان بقيصرا
ثم مات عمرو في الطريق، فسمي «الضائع»، لموته في غربة من غير إربة.٥٥

ولما انتهى امرؤ القيس إلى قيصر قبله وأكرمه، وكانت له عنده منزلة، فاندس رجل من بني أسد يقال له «الطماح» — وكان امرؤ القيس قد قتل أخًا له — فأتى بلاد الروم وأقام مستخفيًا.

ثم إن قيصر ضم إلى امرئ القيس جيشًا كثيفًا فيه جماعة من أبناء الملوك، وطمع أن يكون له قوة في العرب يقاوم بها نفوذ الأكاسرة. فلما فصل الجيش قال لقيصرَ قومٌ من أصحابه: «لا تأمن أن يظفر بما يريد ثم يغزوك بمن بعثت معه!» فصرف الجيش وأعاده.

ويقال إن الطماح الأسدي قال لقيصر: إن امرأ القيس غويٌّ عاهر، وإنه لما انصرف عنك بالجيش ذكر أنه كان يراسل ابنتك ويواصلها، وهو قائل في ذلك أشعارًا يشهرها بها، فيفضحها في العرب ويفضحك. فبعث إليه حينئذ بحلة وشي مسمومة منسوجة بالذهب، وقال له: «إني أرسلت إليك بحلتي التي كنت ألبسها تكرمة لك، فإذا وصلت إليك فالبسها باليمن والبركة، واكتب إلي بخبرك من منزل منزل.» فلما لبسها أسرع فيه السم وسقط جلده، فلذلك سمي «ذا القروح»، وقال في ذلك:

لقد طمح الطماح من بعد أرضه
ليلبسني من دائه ما تلبسا
فلو أنها نفس تموت سوية٥٦
ولكنها نفس تساقط أنفسا

ثم صار إلى أنقرة، فاحتضر بها، فقال:

ربَّ جَفْنَة مُسْحَنْفِرَهْ٥٧
وطعنة مُثْعَنْجِرَهْ
وخطبة محبَّرهْ
تبقى غدًا بأنقرهْ

ورأى قبر امرأة من أبناء الملوك ماتت هناك، فدفنت في سفح جبل يقال له «عسيب»، فسأل عنها فأُخبر بقصتها، فقال:

أجارتنا إن الخطوب تنوب٥٨
وإني مقيم ما أقام عسيب
أجارتنا إنا غريبان ههنا
وكل غريب للغريب نسيب

ثم مات فدفن إلى جنب المرأة، فقبره هناك.

هذا ما ذهب إليه صاحب الأغاني، وفي نهاية الأرب:٥٩ الطماح رجل من أسد، أرسله قيصر إلى امرئ القيس بحلة مسمومة، فلما لبسها تقطع ومات بأنقرة.

أما موته بالحلة المسمومة فيجوز أن يكون أصابه قروح من احتكاك الثياب بجسمه فخالطها السم، كما يجوز أن تكون تلك القروح التهبت فأودت بحياته.

١  القيس: الشدة، وقيل صنم؛ ولذلك كان الأصمعي يقول: «يا امرأ الله.»
٢  ج٥ ص١٩٠.
٣  أبو يزيد المخبل.
٤  المرار: شجر مرٌّ إذا أكلته الإبل قلصت منه مشافرها، واحدتها مرارة. قال ابن الكلبي: «إنما سمي حجرًا آكل المرار لأن ابنة كانت له سباها ملك من ملوك مليح يقال له ابن الهبولة فقالت له ابنة حجر: كأنك بأبي قد جاء كأنه جمل آكل المرار.» يعني كاشرًا عن أنيابه؛ فسمي بذلك.
وقيل إنه كان في نفر من أصحابه في سفر فأصابهم الجوع، فأما هو فأكل من المرار حتى شبع ونجا؛ وأما أصحابه فلم يطيقوا ذلك حتى هلك أكثرهم ففضل عليهم بصبره على أكل المرار.
وفي الأغاني: أن زياد بن الهبولة سبى امرأة حجر، وهي هند ابنة ظالم، وساق قصة طويلة، وأورد لحجر أبياتًا في هند:
لمن النار أوقدت بجفير
لم ينمُ عند مصطل مقرور
أوقدتْها إحدى الهنود وقالت:
أنت ذا موثق وثاق الأمير
إن من غره النساء بشيء
بعد هند لجاهل مغرور
حلوة القول واللسان ومرٌّ
كل شيء أجن منها الضمير
كل أنثى وإن بدا لك منها
آية الحب حبها خيتعور
(أي يتلون ولا يدوم.)
٥  في الأغاني: سمي كذلك لأنه قد اقتصر على ملك أبيه؛ أي أقعد فيه كرهًا، والتعليل يقتضي أن يكون المقسور.
٦  في نهاية الأرب ٥ / ١٥١ أن بني أسد كانوا قتلوا حجر بن الحرث يوم ما قط.
٧  الجمهرة ص٨٤.
٨  الهبهاب: الصَّيَّاح، والسراب، ولعبة للصبيان. والهبهي: القصاب.
٩  في الأغاني (ج٨ ص٦٥): إن حجرًا طرد امرأ القيس وآلى أن لا يقيم معه أثمة من قوله الشعر، وكانت الملوك تأنف من ذلك.
١٠  الجمهرة ص٨٦.
١١  في الزوزني أنها عنيزة ابنة عمه شراحيل، ثم ذكر أن اسمها عنيزة وفاطمة، أو اسمها فاطمة، ولقبها عنيزة، وجرى في الجمهرة على ذلك عند قوله: «خدر عنيزة.»
١٢  في الزوزني: وكان معه ركوة خمر فسقاهن منها.
١٣  ردعه عن الشيء: كفه. وردع به الأرض: إذا ضرب به الأرض.
١٤  في اللسان: قال امرؤ القيس على الشراب حين قيل له «قتل أبوك»: اليوم قحاف، وغدًا نقاف! والقحاف: شدة البرد. والنقاف: المضاربة بالسيوف على الرءوس. ويقال: اليوم قحاف وغدًا نقاف؛ أي اليوم خمر وغدًا أمر. وفي التاج: أي اليوم الشرب بالقحاف. قال أبو الهيثم: المقاحفة: شدة المشاربة بالقحف؛ وذلك أن أحدهم إذا قتل ثأره شرب بقحف رأسه يتشفى به.
١٥  تزعزع: تتحرك. والقلل: ج قلة؛ وهي أعلى الجبل، وقلة كل شيء أعلاه.
١٦  ربهم: سيدهم. جلل: يسير، هين.
١٧  الخول: الخدم والحشم.
١٨  الظئر: العاطفة على ولد غيرها والمرضعة له.
١٩  صعب بن علي بن بكر بن وائل.
٢٠  استثفر: أدخل ذنبه بين فخذيه حتى يلزقه ببطنه. واستثفر الإنسان: أدخل إزاره بين فخذيه ملويًّا. وأراد بقوله «مستثفرات بالحصى»: أنها أثارت الحصى بحوافرها لشدة جريها حتى ارتفع إلى أثفارها، ج ثَفْر، وهو السير الذي في مؤخر السرج.
٢١  الأغاني ٨ / ٧٣.
٢٢  لعلها: فليبلغ.
٢٣  الترات: ج ترة؛ الذحل.
٢٤  النسعة: سير مضفور يجعل زمامًا للبعير وغيره.
٢٥  تناثي: تذكر.
٢٦  قعيدته: زوجته.
٢٧  سخيمته: حقده وضغينته.
٢٨  القضب: السيوف.
٢٩  الموادعة: المتاركة والمهادنة.
٣٠  فت فلان في عضده: إذا كسر من نيات أعوانه وفرقهم عنه. والعضد: الناصر والمعين.
٣١  النظرة: التأخير في الأمر.
٣٢  الأجنة: ج جنين: الولد ما دام في بطن أمه.
٣٣  الحنق: الغيظ.
٣٤  العلق: الدم.
٣٥  اجتر: جذب وجر.
٣٦  استوخم الطعام: لم يستمرئه ولا حمد مغبته، واستوخم الأرض: استوبلها؛ أي لم توافقه في مطعمه وإن كان محبًّا لها.
٣٧  يعني بني كنانة؛ لأن أسدًا وكنانة أخوان.
٣٨  علباء اسم رجل تقدم ذكره. والجريض: المغموم. وأفلت فلان جريضًا: يكاد يقضي. ومعنى «صفر الوطاب»: لو أدركوه قتلوه وساقوا إبله فصفرت وطابه من اللبن، وقيل إنه كان يقتل فيكون جسمه صفرًا من الدم كما يكون الوطاب صفرًا من اللبن. والوطاب: ج وَطْب.
٣٩  تبالة: بلد باليمن خصبة؛ وهي غير تبالة التي وليها الحجاج.
٤٠  بيت لخثعم كان يدعى كعبة اليمانية، وكان فيه صنم يدعى «الخلصة» فهدم؛ ويقال إنه ما استقسم عند ذي الخلصة بعد ذلك بقدح حتى جاء الإسلام وهدمه جرير بن عبد الله البجلي.
٤١  سبب العداء بين المنذر وامرئ القيس أن جد امرئ القيس الحارث بن عمرو ملك بعد أبيه، كان شديد الملك بعيد الصيت، ولما ملك قباذ بن فيروز خرج في أيام ملكه رجل يقال له «مزدك»، فدعا الناس إلى الزندقة وإباحة الحرم، وأن لا يمنع أحد منهم أخاه ما يريده من ذلك، وكان المنذر بن ماء السماء يومئذ عاملًا على الحيرة ونواحيها، فدعاه قباذ إلى الدخول معه في ذلك، فأبى، ودعا الحارث بن عمرو فأجابه، فشدد له ملكه، وطرد المنذر عن مملكته وغلب على ملكه. ثم وقعت حادثة فظيعة؛ وذلك أن أم أنوشروان كانت بين يدي قباذ يومًا، فدخل عليه مزدك ورآها، فقال لقباذ: «ادفعها إليَّ!» فقال: «دُونكَها!» فجعل أنوشروان يتضرع إليه أن يهَب له أمه، وقبَّل رجله، فتركها له، واضطغن ذلك في نفسه، فلما هلك قباذ ملك أنوشروان، وبلغ المنذر هلاك قباذ فأقبل إلى أنوشروان، فلما أذن للناس، دخل عليه مزدك ثم دخل المنذر، فقال أنوشروان: «إني كنت تمنيت أمنيتين أرجو أن يكون الله قد جمعهما لي.» قال مزدك: «ما هما؟» قال: «تمنيت أن أملك فأَستعمل هذا الرجل الشريف — يعني المنذر — وأن أقتل هؤلاء الزنادقة!» قال مزدك: «أَوَتستطيع أن تقتل الناس كلها؟» قال: «إنك لههنا يابْن …» ثم أَمر به، فقُتل وصُلب، وأَمر بقتل الزنادقة فقَتل منهم خلقًا كثيرًا.
وطلب أنوشروان الحارث بن عمر — وكان بالأنبار — فخرج هاربًا في هجائنه وماله وولده، فمر بالتوبة، وتبعه المنذر بالخيل مِن تغلب وبهراء وإياد، فلحق بأرض كليب، فنجا، وانتهبوا ماله وهجائنه، وأخذ بنو تغلب ثمانيًا وأربعين نفسًا من بني آكل المرار، فقدموا بهم على المنذر فضرب رقابهم بجفر الأملاك في ديار بني مرينة، وفيهم يقول امرؤ القيس:
ملوك من بني حجر بن عمرٍو
يساقون العشية يقتلونا
فلو في يومِ معركةٍ أصيبوا
ولكن في ديار بني مَرِينا
ولم تغسل جماجمهم بغسل
ولكن في الدماء مُرَمَّلينا
تظل الطير عاكفة عليهم
وتنتزع الحواجب والعيونا
(بنو مرينا: قوم من أهل الحيرة.)
(الغِسل: ما يغسل به من خطمي وأشنان وغيرهما. ورمله بالدم: لطخه به.)
فظلت هذه الضغينة متوارثة بين المناذرة والكِنديين.
٤٢  هذه رواية الأغاني، ورواه في اللسان في «حزق» هكذا: «وأعجبني مشي الحزقة»، ورواه في «حلأ»: «حلئت عن مناهلي.» والحزقة: الرجل القصير الذي يقارب الخطو. وحلئت: طردت أو حبست عن الماء. والنهب: المنهوب. والحجرات: ج حجرة؛ وهي الناحية.
يقول: دع النهب الذي نهب من نواحيك، وحدثني حديث الرواحل، وهي الإبل، التي ذهبت ما فعلت. ورواه في اللسان: «ولكن حديثًا …» وهذا مثل يضرب لمن ذهب من ماله شيء ثم ذهب بعده ما هو أجل منه.
٤٣  الجلة: ج جليل؛ أي المسن.
٤٤  أرنت: صوتت. والنعي: خبر الموت ونداء الداعي.
٤٥  الأقط: شيء يتخذ من اللبن المخيض يطبخ ثم يترك حتى يمصل.
٤٦  هذا من قصيدة طويلة، وهي لا تشاكل كلام امرئ القيس؛ ولهذا ذهب بعض الأدباء إلى أنها منحولة، ولم تدون في ديوانه.
٤٧  قترة الصائد: بئر يحتفرها ويكمن فيها، والجمع قُتَر. ورواه في اللسان: «مِن سِتَره»، ولعله ج سترة، وهو ما استترت به، كائنًا ما كان.
٤٨  قوس زوراء معطوفة، والنشم شجر تتخذ منه القسي. ورواه في اللسان: «غير بانات على وتره.»
٤٩  رواه في الصحاح واللسان: «فأتته الوحش فتمنى النزع …» والتمني في نزع القوس: مد الصلب. واليسر: ج يسرة؛ أسرار الكف إذا كانت غير ملتزقة؛ يقال: «في فلان يسر.» واليسر: ما كان حذاء وجهك، وروي: يُسَر، ج يسرَى، روي يُسُر ج يسار.
٥٠  الفريصة: لحمة بين الجنب والكتف ترعد من الدابة إذا فزعت. وعقر الحوض: موضع الشاربة منه.
٥١  الرهيش: النصل الدقيق، ونسل رهيش: جديد.
٥٢  راش السهم: ركب عليه الريش. والناهض: فرخ العُقَاب الذي وَفُر جناحاه ونهض للطيران. وأمهى الحديدة: سقاها الماء وأحدَّها.
٥٣  يقال أنميت الصيد فنمى ينمي: وذلك أن ترميه فتصيبه ويذهب عنك فيموت بعدما يغيب. والنفر: الرهط، دعا عليه وهو يريد مدحه، كقولك لرجل يعجبك فعله: ما له قاتله الله! وأنت تريد غير معنى الدعاء عليه.
٥٤  أرض براح: واسعة ظاهرة لا نبات فيها ولا عمران.
٥٥  الإربة: الحاجة.
٥٦  أي: لَهَانَ علي الأمر؛ وفيه إيجاز.
٥٧  روي: «رب خطبة مسحنفرة …» وروي باختلافات كثيرة، ومعنى «مسحنفرة»: كثيرة الصب والسيلان. ومثعنجرة: ممتلئة ثريدًا يفيض ودكها. ومحبرة: محسنة. والبيت الأول فيه خزم بزيادة حرفين.
٥٨  في الأغاني: «إن المزار قريب …»
٥٩  ج٥ ص١٩١.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤