ما يستنتج من شعر امرئ القيس من الأحوال الاجتماعية في عصره

إذا استقرأنا كلمات هذا الشاعر تمثل لنا في تضاعيف كلماته أمور: أن الحياة الغالبة في عصره حياة البداة بين حل وترحال وسكنى الأخبية والخيام وانتجاع الكلأ والانتقال بسببه من مكان إلى آخر على الإبل والخيل، وأن هناك أطمًا مشيدة بجندل وأشجارًا وأنهارًا وغدرانًا ورياضًا ومرابئ ورُبًا ممرعة يتمتعون بجمالها وأزهارها وأطيارها.

(١) الترف

وأن هناك ضروبًا من النعمة والترف في المطعم والملبس والمضجع ونحوه، يتمثل في قوله في المرأة:

وتضحي فتيت المسك فوق فراشها
نئوم الضحى لم تنتطق عن تفضل

وقوله:

كأن المدام وصوب الغمام
وريح الخزامى ونشر القطر
تعل به برد أنيابها
إذا غرد الطائر المستحر

وقوله:

إذا قامتا تضوع المسك منهما
برائحة من اللطيمة والقطر

وقوله:

… … … … …
نسيم الصبا جاءت بريا القرنفل

وقوله:

حور تعلل بالعبير جلودها
بيض الوجوه نواعم الأجسام

وقوله:

وفوق الحوايا غزلة وجآذر
تضمخن من مسك زكي وزنبق

وقوله:

وريح سنا في حقة حميرية
تخص بمفروك من المسك أذفرا١
وبانًا وأُلويًّا من الهند ذاكيًا
ورندًا ولُبْنَى والكباء المقترا٢
جعلن حوايا واقتعدن قعائدًا
وجففن عن حوك العراق المنمق٣

وقوله:

فجئت وقد نضت لنوم ثيابها
لدى النوم إلا لبسة المتفضل

وقوله:

خرجت بها أمشي تجر وراءنا
على أثرينا ذيل مِرْطٍ مُرَحَّل

وقوله:

من القاصرات الطرف لو دب محول
من الذر فوق الإتب منها لأثرا

وقوله:

وألقى بصحراء الغبيط بعاعه
نزول اليماني ذي العياب المحمل

وقوله:

فظل العذارى يرتمين بلحمها
وشحم كهداب الدمقس المفتل

وقوله:

فعنَّ لنا سِرب كأن نعاجه
عذارى دوار في ملاء مُذيَّل

يدل على أن للمرأة ضروبًا من الملابس كالمفضل والإتب والمرط، وأن منها ما هو مزين بالنقوش، وأن ذيولها طويلة تجر على الأرض، وأنها تلتحف بالملاءة، وأن الخادم تتخذ النطاق.

(٢) الزينة

وقوله:

وجيد كجيد الريم ليس بفاحش
إذا هي نصته ولا بمعطل

وقوله:

لياليَ سلمى إذ تُريك منصبًا
وجيدًا كجيد الريم ليس بمعطال
قليلة جرس الليل إلا وساوسًا
وتبسم من عذب المذاقة سلسال٤
كأني لم أركب جوادًا للذة
ولم أتبطن كاعبًا ذات خلخال

وقوله:

غرائر في كِنٍّ وصون ونعمة
يحلين ياقوتًا وشذرًا مفقرا٥

وقوله:

إذا ما الثريا في السماء تعرضت
تعرض أثناء الوشاح المفصل

وقوله:

فأدبرن كالجزع المفصل بينه
بجيد مُعمٍّ في العشيرة مخول

يدل على أنواع الحلي من قلائد ووشاح وخلخال.

وقوله:

وفرعٍ يغشي المتن أسودَ فاحمٍ
أثيث كقنو النخلة المتعثكل

وقوله:

غدائرها مستشزرات إلى العلا
تضل العقاص في مثنًى ومرسل٦

يمثل لنا طريقة النساء في اتخاذ الشعور: مثناة ومرسلة ومعقوصة ومضفورة وغرز المداري فيها.

وغزله يمثِّل لنا الصفات الخلقية التي كانوا يحبونها في المرأة: فهي مهفهفة غير مفاضة مصقولة الترائب كأن على لباتها جمر مصطلٍ كالدرة يخلط بياضها صفرة … إلخ.

والصفات الخلقية: فهي قطيع الكلام:

عقيلة أتراب لها لا ذميمة
ولا ذات خلق إن تأملت جأنَّب

وهي مع هذا تريع إلى صوت الرجل كما ترعوي النوق إلى الجمل الفحل.

وتكره الرجل إذا قلَّ ماله أو شاب رأسه أو قوس ظهره، وكل ما تبديه من عسر لا يلبث أن ينقلب إلى مياسرة، فإذا قالت له:

سباك الله إنك فاضحي

أسمحت بعد ذلك وصارت معه إلى الحسنى وذلت.

وهي تتبع الهوى سبل الردى وتقول لأهل الحلم ضلا بتضلال.

وقوله:

فأدبرن كالجزع المفصل بينه
بجيد معم في العشيرة مخول

وقوله:

درير كخذروف الوليد أَمَرَّه
تتابعُ كفَّيْه بخيط موصَّل

وقوله:

فمثلك حبلى قد طرقتُ ومرضعٍ
فألهيتها عن ذي تمائم محول

وقوله:

ومنهن سوفي الخود قد بلها الندى
تراقب منظوم التمائم مرضعا

يمثل لنا ما كان يعوَّذ به الأطفال وما يلعبون به.

وقوله:

كأن دماء الهاديات بنحره
عصارة حناء بشيب مرجَّل

وقوله:

كأن ثبيرًا في عرانين وَبْله
كبيرُ أناس في بجاد مُزَمل

يمثل لنا ناحية من حالة الشيوخ ولباسهم.

وقوله:

أيا هند لا تنكحي بوهة
… … … …
مرسعة بين أرساغه
به عسم يبتغي أرنبا
ليجعل في كفه كعبها
حذار المنية أن يعطبا

وقوله:

فأدركنه يأخذن بالساق والنسا
كما شبرق الولدان ثوب المقدس

وقوله:

كأن دماء العاديات بنحره
عصارة حناء بشيب مرجل

يصور لنا ما كان عندهم من المزاعم.

وقوله:

ومطردًا كرشاء الجرور
من خلب النخلة الأجرد
وذا شطب غامضًا حكمه
إذا صاب بالعظم لم ينأد
ومشدودة السبك موضونة
تضاءل في الطي كالمبرد

وقوله:

عارض زوراء من نشم
غير باناة على وتره
فرماها في فرائصها
بإزاء الحوض أو عقره
برهيش من كنانته
كتلظي الجمر في شرره
راشه من ريش ناهضة
ثم أمهاه على حَجَره

يدلنا على ما كان عندهم من الأسلحة.

١  السنا: ضرب من الطيب. والحقة: ما صنع من الخشب وهي الربعة. والمفروك: الطيب. والأذفر: الشديد الرائحة.
٢  البان: شجر. والألوي: العود. والرند: شجر طيب. ولُبْنَى: ضرب من الطيب. والكباء: البخور. والقتار: الدخان؛ ريح البخور، وقتره تقتيرًا: هيج قتاره. وكباء: مقتر، كمعظم.
٣  الحوايا: جمع حوية؛ كساء محشو حول سنام البعير. والقعائد: جمع قعيدة؛ شيء تنسجه النساء كالعيبة يُجلس عليه، واقتعدت قعيدة: اتخذتها. وحفف حوله: أحدق به. والحوك: النسج.
٤  الجرس: الصوت. والوساوس: جمع وسواس؛ وهو صوت الحلي.
٥  الشذر: الذهب. والمفقر: المصوغ على هيئة فقار الجرادة كما في الشرح، وفي غيره: الفقر ثقب الخرز للنظم.
٦  وفي رواية: تضل المداري.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤