الفصل الخامس عشر

في فتح جزيرة صقلية واجتماع مندان بولدها كورش

كنا تركنا «مندان» في تلك القبة تُقاسي عذاب الوحدة والقطيعة، لولا أن الله سهل لها تلك الجمعية التي كانت لها تسليةً عظيمةً، وهي تتمتع بعبادة الرحمن — سبحانه وتعالى — فتجد لها لذةً تُغنيها عن مُجالسة الناس.

وكان ابن الملك يتردَّدُ عليها، ويسلِّيها، فتجد لكلامه تأثيرًا عظيمًا إلى يوم دخول ملك «بابل» على والده، فدخل عليها وأخبرها بالقصة كما هي، وقال: ها نحن نستعد لحرب الملك «كورش».

فلما سمعت «مندان» هذا الكلام برقت أسرتها، وقالت: ومتى جاء هذا الملك؟ ومتى كانت الحرب بينه وبين ملك فارس؟

قال: منذ بضعة أشهر، أما مجيئه فلم يتجاوز الأربعين يومًا؛ لأنه كان أسيرًا تحت قبضة الملك «كورش» فتحايل وهرب من …

فبكت «مندان» فاندهش «ألفونك»، وقال: ما يبكيك يا سيدتي، وأنا لم أقل إلا خيرًا؟!

فنظرت إليه وقالت: ألم تعلم من هو كورش؟

قال: كلا، ولكني أعلم أنه ملك فارس.

فزادت «مندان» في النحيب حتى تحيَّر «ألفونك»، وندم على ما فرَّط منه، وظنَّ أنه فكَّرها ببلادها وأيام عِزِّها، فقال: يا مولاتي أطلبُ عفوك؛ لأني أسأت لك بذكرى هذا الخبر.

قالت: لا والله بل أحسنت إليَّ، وإني أخبرك ما سبب هذا الإحسان، وهو أنك تبشرني بظهور ولدي وجلوسه على سرير أبيه.

قال: هل هو بلغ سن الرشد حتى يملك مكان أبيه؟

قالت: «أنا صار لي في هذا المكان عشرين سنةً، وهذا سن ولدي «كورش»، وأنَّ الله أرسل ملك «بابل» إلى هنا ليكون بشيرًا لي بقرب اللقاء.» ثم بكت بكاءً مستمرًّا، وقالت: ليت شعري ما فعل الدهر بأبي!

قال: الملك «أستياج؟»

قالت: نعم.

قال: تواترت الأخبار أنَّ الملك «كورش» هجم على بلاده وفتحها عنوةً، وأخذ الملك، ولكنه لم يمت بل هو باقٍ عنده في قصره.

قالت: الحمد لله الذي جعل الرأفة في قلب ولدي حتى أبقى على جده.

ثم بكت فأخذ ألفونك في تسليتها، وقال لها: كوني في راحة، واعلمي أني أول من يكون تحت راية «كورش» وقت الحرب.

ثم ودَّعها وقام قصد الوزير، وأخبره بكل ما سمعه من «مندان»، وقال له: لا بد أن نعضده حتى نجعل كل هذه البلاد تعبد الله، وتعمل على توحيد الدين الحق.

قال الوزير: وهذا الذي كنا نرجوه منذ سنين، وعلى الله الاعتماد.

فلنترك هؤلاء في تحضيرهم، و«مندان» بفرحها، ونرجع إلى «روبير» فإنه لم يزل سائرًا إلى أن دخل على الملك «كورش»، وكان في غاية القلق لغيابه، ولمَّا دخل عليه سلَّم ووقف، فقال له: أين كنت إلى هذا الوقت يا روبير؟

قال: كنت في جزيرة صقلية.

قال: وماذا فعلت؟

قال: جئتك بالخبر الأكيد. ثم أخبره بكل ما حصل، وكيف أنه وجد ملكها يستعدُ لأنْ يباغتهم على حين غفلة، فلمَّا سمع ذلك نهض قائمًا وقال: سأباغتهم أنا. ثم أمر القواد والوزراء أن يستعدوا، وقال لهم: إن ملك صقلية على وشك الهجوم على بابل، وإنِّي أُريد أن أهجم على جزيرته قبل أن يخطو منها خطوةً، وأرمي كيده في نحره.

قالوا جميعًا: نحن طوع أمرك أيها الملك.

قال: كونوا على أهبة في أسرع وقت. ثم إنهم رتَّبوا العساكر وباتوا على نيَّة السفر، وبعد مضي ثلاثة أيام كانوا على شاطئ البحر والسفن في انتظارهم فركبوا جميعًا، وساروا إلى أن أشرفوا على أطراف الجزيرة، ورُبطت السفن في محلٍّ يبعُدُ عن المدينة مسافة نصف يومٍ، وخرجت العساكر قاصدين المدينة وعسكروا حولها. ولما رأت أهل المدينة ذلك أغلقوا الأبواب، وهرعوا إلى الملك يُخبرونه بما رأوا. فقالوا: إنا نرى عساكر لا تُحصى وفرسان شاكين السلاح، وقد عسكروا حول المدينة، وقد ارتجت المدينة من كل جهة.

ولمَّا سمع الملك ذلك أمر بجمع الوزراء والقوَّاد فحضروا جميعًا، وعقدوا الرأي بأن يُرسل الملك من يكشف له الخبر، فالتفت الملك إلى وزيره، وقال له: اذهب أنت أيها الوزير، وائْتنا بالخبر. واسأل هذا الملك أن يخبرنا ماذا يريدُ مِنَّا.

قال: سمعًا وطاعةً. ثم مضى ومعه أحد خدمه وعليه علائمُ الوزارة، وقد فتحوا له الباب فخرج، ولم يزل سائرًا إلى معسكر الملك «كورش»، ولما رأوه أخبروا الملك بأنَّ رسولًا آتٍ من جهة المدينة، قال: عليَّ بهِ فأدخلوه على سرادق الملك، فوجده جالسًا على سرير ملكه، تحفُّه العساكر والأُمراء والوزراء والقواد والحجاب وأكابر الدولة فسلم، وقد عظم في عينه، وأخذته هيبة هذا الملك فردَّ عليه السلام، وأمر له بالجلوس فجلس، ثم قال: ما جاء بك أيها الوزير؟ وكان قد رأى عليه علامة الوزراء.

قال: أنا رسولٌ يا مولاي من قبل مليكي؛ لأستخبر عن سبب مجيء الملك بهذا الجيش العرمرم.

قال: أخبر مولاك أني آتٍ لأخذ «أفراسياب»، فإن سلَّمه لي فأنا أرحل عن بلاده بمن معي وإلا فالسيف بيننا حكم.

قال: يا مولاي «أفراسياب» استجار به ولا يمكن أن يسلمه.

قال: فليستعد للقتال إذن.

قال الوزير: عندي لك سرٌ أريد أن ألقيه على مسامع الملك.

فالتفت لمن حوله وأشار لهم أن يُخلوا المكان، فقام الجميع إلا «روبير» فإنه بقي مكانه خوفًا على سيده من الغدر، ووقف على رأس الملك شاهرًا حُسامه، فقال «كورش»: تكلَّم أيها الوزير، ولا تخشَ من هذا فإنه كاتم أسراري. قال الوزير: إني أسأل الملك عن شيءٍ فهل هو مُجيبني على سؤالي؟

قال: نعم، سل عمَّا تُريد.

قال: ما اسم والدتك يا مولاي؟

قال: «مندان» وقد تُوفيت من وقت ولادتي، ولم أعلم أين توفيت، وأيضًا هذا السؤال ليس له دخل في موضوعنا!

قال: لا، بل له دخل عظيم.

فتعجب الملك من ذلك، وقال: أخبرني بالحقيقة أيها الوزير!

قال: يا ملك، أمك عندنا منذ عشرين سنة، وهي «مندان» بنت الملك «أستياج» ملك «مادي»، وإنك أشبه الناس بها.

فارتاب الملك بهذا الأمر، فقصَّ عليه الوزير كلَّ ما سمعه من «مندان» من أول خروجها من قصر أبيها إلى ذلك الوقت الذي هم فيه. وكيف اجتمع لديها تلك الجمعية من المؤمنين، وكيف وضعت لهم قانونًا ليدبروا به شئون الجمعية — بما منحها الله من المعارف والعلوم.

ولما سمع «كورش» ذلك كاد الفرح أن يذهب بحياته، فقال له «روبير»: خذني معك أيها الوزير لعلِّي أرى سيدتي.

قال: كيف نكون قد خرجنا اثنين، وندخل ثلاثًا؟

قال: فلنترك خادمك هنا، وأنا ألبس ثيابه، وأذهب صحبتك.

قال الملك: هذا رأيٌ سديدٌ! ولكن فلنتكلم بخصوص فتح المدينة، فإني في شدة التشوق إلى فتحها الآن أكثر من قبل لشوقي إلى رؤية والدتي.

قال الوزير: هذا أمرٌ سهلٌ فإن ابن الملك قائد الجيوش، وهو من حزب الملكة «مندان»، وقد عاهدها بأن يكون تحت رايتك، وهو الآن في انتظاري، وذلك لأجل إظهار الدين الحق، وإبطال عبادة الأصنام والحيوان.

قال: أَوَعَلِمَتْ والدتي بحضوري حتى عاهدت ابن الملك؟

قال: نعم، فإنها تعلم بذلك قبل حضورك، أخبرها ابن الملك عن سبب تحضير العساكر، ففهمت أنك ولدها.

قال الملك: فليكن الهجوم في هذه الليلة؛ لأني تاقت نفسي لرؤية والدتي! قال: نعم، ستجد الأبواب مُفتَّحةً، ولا تجد من يُقيم في وجهك سلاحًا إلا أمام قصر الملك. فلمَّا سمع ذلك زاد فرحه، وأمر «روبير» أن يستحضر للذهاب مع الوزير، فأمر هذا خادمه أن يخلع ما عليه من الثياب، ويسلمها «لروبير» ففعل، فأخذها بعد أن أخرج له غيرها فلبسها «روبير»، وصارا قاصدين المدينة. وكان «ألفونك» في انتظاره فوق السور، ولما قرب من الباب فتح له فدخل ومعه «روبير»، ولما رآه قال: ما وراؤك أيها الوزير؟

قال: طعنٌ تذوب منه الجبال إن لم يُسلَّم له «أفراسياب».

قال: دونك والملك، فأخبرْه بما سمعت. فقصد قصر الملك، ولما دخل عليه وجد عنده أكابر الدولة، فسأله الملك عما حصل بينه وبين ملك فارس فأخبره بما سمع، وكان «أفراسياب» جالسًا عن يمين الملك.

فقال له: إن الملك «أفراسياب» استجار بي، وأنا لا أسلم جاري أبدًا، وهذا السيف بيني وبينه حكم. ثم استحضر ولده «ألفونك» وأعطاه التعليمات اللازمة، وقال له: في الغد تخرجوا لهذا الملك وتُجلوهُ عن بلادنا.

قال: سمعًا وطاعةً.

ثم خرج واجتمع بالوزير، وقال: أخبرني عما فعلت!

فشرح له كل ما حصل، وأنهم في الليلة سيدخلون المدينة. وقال: أخبرتُه بما بينك وبين «مندان» من العهود، وأنك ستفتح لهم المدينة.

قال: خيرًا فعلتَ!

ثم التفت إلى «روبير»، وقال: هذا رئيس عيارين الملك، قد أحضرته معي ليجتمع بسيدته، فكيف العمل بوصوله إليها الآن؟

قال «ألفونك»: سأدخلُ على الإله أستجيرُ به لينصرنا على الأعداء وأصحبه معي.

قال: رأيٌ حسنٌ!

ثم أخذه معه، وسار حتى دخل على «مندان»، واستأذن «ألفونك» ودخل، وبقي «روبير» خارج الحجرة يسرح الطرف فيما حوله من التحف البديعة، وقد أراد «ألفونك» أن يُخبر «مندان» بلُطفٍ خوفًا عليها من تأثير الفرح. فلمَّا دخل على «مندان» قابلتْه بكلِّ سرورٍ وانشراح، وبعد أن أدَّى فروض التحية قال لها: إني آتيك بهدية ما أظنُّ شيئًا في هذه الحياة يُفرح مولاتي أكثر منها.

قالت: فما هي — ليت شعري — التي تُفرحني، وأنا قد خُتم على فؤادي بخاتم اليأس، ونسجت عليه عناكب الحزن؟

قال: وهذه الهدية حلٌّ لذاك الطلسم الذي خُتِمَ به على فؤادك.

قالت: فما هو؟! أوضحْ لي لعلي أجدُ فيه راحةً!

قال: ادخل يا «روبير!»

فلما سمعت هذا الاسم — الذي صار لها عِدَّة سنين لم تسمعه — صرخت، وسقطت على كرسيٍّ وراءها وبكت. ثم قالت: روبير! روبير! فمن لي أن أراه؟!

فقال لها: ليس هذا وقت البكاء، فإننا في شُغلٍ أقوى منه وأعظم. وكان «روبير» في هذه المسافة قد دار في أنحاء تلك القبة، واطَّلَع على ما فيها من العجائب والأشياء الثمينة، ولما سمع النداء دخل على سيدته، فوجدها خاوية القوى، تذرف الدمع المدرار، فتقدَّم إليها وقبَّل أياديها، وبكى هو أيضًا، وقال لها: الحمد لله الذي منَّ علينا باللقاء بعد هذا البعاد.

ثم قالت: يا «روبير»، وأين ولدي الآن؟ ومتى أراه؟

قال: هو خارج المدينة، وفي هذه الليلة سترينه — إن شاء الله.

ثم أخبرها بما عزموا عليه من فتح الأبواب، ودخول «كورش» بدون حربٍ ولا طعان، ففرحت لذلك، فجلس «روبير» يقصُّ عليها كل ما حصل في غيابها، وكيف انتشلوه من سجن جده، وكيف ربَّاهُ الوزير، وكيف عشق بنت ملك أشور، ثم خلصها من يد «أفراسياب»، وفتح مدينة «بابل» لأجلها، وقد تزوج بها الآن، وصار يحكم على جميع مملكة «مادي» وبلاد فارس وعاصمة مملكة «بابل» الشهيرة، قالت: وما فعل بأبي؟

قال: هو عنده في قصره في غاية الإكرام يعبد الله في خلوته، وقد آمن بالله، وترك عبادة النار، وكل أهل المدينة آمنوا، وهُدِّمَت معابد النار، وأقاموا شعائر الله، وبُنيت فيها المساجد لله — سبحانه وتعالى.

ولما سمعت «مندان» سجدت لله شكرًا، وحمدت الله وأثنت عليه، وكان الوقت قريب الغروب، ثم قام «ألفونك» و«روبير» وودَّعَاها وذهبا بغاية السرعة بعد أن وعداها، وقالا: إن الملك يكون في الغد عندها بإذن الله.

ثم إن «ألفونك» جمع قوَّاده الذين يثقُ بهم، وأعطاهم التعليمات بغاية الدقة، ثم أخرجوا «روبير» بغاية الاحتراص إلى الخارج بعد أن حددوا له الموعد في وقت الهجوم.

فهرع إلى مولاه وأخبره بكلِّ ما رأى وسمع من سيدته «مندان»، ففرح «كورش» وودَّ لو أنه يهدم أسوار المدينة، ويدخل منها ويرى والدته التي قضى معظم أيامه، وهو بحسرتها وغاية مُناه أن يسمع عنها خبرًا، أَحَيَّة هي أم ميتة؟!

وقد قال «روبير»: في منتصف الليل تكون أبواب المدينة مُفتَّحة، وهم في انتظاركم.

فأمر الملك أن يكونوا على أهبة الهجوم، قالوا: نحن في غاية الاستعداد أيها الملك. ثم انتظروا السَّاعة المعلومة، ولما أزفت قاموا ودخلوا المدينة بغاية الانتظام، فوجدوا أبوابها مُفَتَّحةً، وفي أقلِّ من القليل استلموا المعالم العسكرية والأسوار، واحتاطوا بقصر الملك، ولم يطلع الفجر إلا والمدينة أصبحت فارسيةً تخفق عليها الأعلام الإيرانية، وقُبض على الملك «ملتياد»، وعلى الملك «أفراسياب».

وجلس «كورش» على سرير المملكة، واصطفَّت من حوله القواد الوزراء، وحضرت الملكة «مندان» إلى قصر الملك.

وأمر بهدم تلك القبة، وذبح ذلك الكبش أمام الملأ من الذين يعبدونه، ونادى منادٍ من المؤمنين بأمر الملك: إنَّ من آمن بالله واليوم الآخر وكُتبه ورسله، فقد سلم من سيف الملك «كورش»، وفي الآخرة من عذاب النار، ومن كفر فجزاؤه الذبح كما ذُبح إلهُه، وقد أحضر الملك «ملتياد» والملك «أفراسياب» أيضًا، وقد عرض عليهما وهما تحت الأغلال الإيمان بالله وترك عبادة غيره من الحيوانات والأصنام، أما الملك «ملتياد» فقد آمن بالله، ولما رأت الأهالي ذلك وأنَّ ملكهم الذي كان مُتمسِّكًا في دينه تركه وآمن بالله؛ آمنوا جمعًا كبيرًا وصغيرًا، رفيعًا ووضيعًا.

وقد أقرَّهُ على مُلكه بشرط أن يدفع له الخراج في كلِّ عامٍ، أما «أفراسياب» فلم يُؤمن، فأمر الملك بقتله وصلبه على باب المدينة؛ ليعتبر به غيره ففعلوا، ودخل الملك على والدته «مندان» — وقد ألقت الحوادثُ أوزارها — فضمته إلى صدرها بعد أن سجدت لله شكرًا على ما منحها من نعمة التلاقي بعد طول الفراق، وعلى تلك المِنَّة العظيمة من نصر ولدها على الأعداء، وتأييد مُلكه.

وقد أُولمت الولائم، وأُقيمت الأفراح، وبُنيت المعابد الإلهية، ورتب الملك «كورش» كافة أحوال المملكة. وبعد مضي شهر من الزمن أمر الملك بالرحيل فحُملت الحمول، ونُصبت محفة ملوكية لأجل الملكة «مندان» تحفها الحراس والجنود من كلِّ صوبٍ، وساروا بكلِّ أُبهةٍ وعظمةٍ. أما «ألفونك» فإنه تقدم للملك، وقال له: إني على أهبة السفر معكم أيها الملك.

قال: على الرحب والسعة، ولكن هل برضا أبيك أم بغير إذنٍ منه؟

قال: قد أذن لي بالسفر، وقد استحضرت كل ما يلزم، وها هي أحمالي أمام الركب. وهكذا ساروا قاصدين مدينة بابل، ولما قربوا منها سارت المبشرون إلى المدينة يُبشرون بقدوم الملك مُؤيَّدًا منصورًا وبصحبته أُمِّه «مندان». فزينوا المدينة، وأُقيمت الأفراح، وضُربت آلات الطرب، وهرعت الجموع، وأكابر الدولة إلى مُلاقاتهم على مسافة ثلاثة أيام، ودخل الملك على المدينة بتلك العظمة والجلال، وقد دخلت الملكة «مندان» إلى القصر، فقابلتها «شاهزنان»، وقَبَّلَت يديها وضمتها «مندان» إلى صدرها، وبكت من شِدَّةِ فرحها ولسان حالها يقول:

هجم السرور عليَّ حتى إنه
من عِظَمِ ما قد سرَّني أبكاني

ثم دخلت «سباكو» مُرضعة الملك، وقَبَّلَت يديها، فشكرتْها «مندان» على اعتنائها بولدها قبل أن تعلم من هي. وكان الملك قد ولَّى الراعي على مُقاطعةٍ من مُقاطعات المملكة، وزاد في إكرامه.

أما «سباكو»، فكان يعتني بها كوالدة حقيقية، وقد دخلت «مندان» على والدها فقبَّلت يديه، وبكت فضمَّها إلى صدره، واعتذر لها على ما فَرَطَ منه، وهكذا عاشوا في هناءٍ وسرورٍ.

(تمت)

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤