زائرة غير منتظرة

عادتْ «لوزة» تصيح: لقد كنتُ في غاية الغباء! … لقد خدعوني ببساطة وكأنني طفل صغير! … كيف حدث هذا؟!

تقدَّمت «نوسة» منها وقالت: كفى يا «لوزة» … لا داعي لأن تلومي نفسك … لو أن أي واحدٍ منا كان هنا لحدث له نفس الشيء.

محب: المهم الآن ماذا نفعل؟

عاطف: ليس أمامنا إلا الاتصال بالمفتش «سامي». هل أصلح الرجل التليفون فعلًا أم اكتفى بخطف «نشوى»؟

لوزة: لا أدري … من الواضح أنهم جاءوا ليلًا وقطعوا السلك، ثم جاءوا نهارًا وأعادوا تركيبه.

وأمسك «عاطف» بسمَّاعة التليفون ووضعها على أذنه، وسمع الأزيز الذي يدل على أن التليفون جاهز للاستعمال، ولولا الموقف المحزن لقال إن رجل العصابة ماهر حقًّا في إصلاح التليفونات.

أدار «عاطف» رقم المفتش «سامي»، وسرعان ما ردَّ عليه أحد معاونيه، فقال «عاطف»: أُريد الحديث مع المفتش للأهمية.

قال صاحب الصوت: انتظر لحظةً من فضلك.

ثم سمع «عاطف» صوت الرجل يقول: المفتش حضر الآن، وهو مشغول جدًّا، من أنت من فضلك؟

قال «عاطف»: قلْ له «عاطف» من «المعادي»، والمسألة خاصة وهامة.

بعد لحظة سمع «عاطف» صوت المفتش «سامي» يتحدَّث، كان من الواضح أنه متعب، وأخذ قلب «عاطف» يخفق بشدة وهو يسمع المفتش يقول: أهلًا «عاطف»، ما هي أخباركم؟

ردَّ «عاطف» وهو ينطق الكلمات بصعوبة: آسف جدًّا يا حضرة المفتش … آسف جدًّا، إن ابنتك … إن «نشوى» اختفت، وإن عندنا من الأسباب …

قاطعه المفتش قائلًا: اختفت! … ما معنى اختفت؟! …

عاطف: أُريد أن أقول لسيادتك إن عندنا من الأسباب ما يدعونا إلى الاعتقاد بأنها خُطفت …

مرَّت لحظات طويلة قبل أن يرد المفتش بصوتٍ حاول أن يجعله هادئًا: ماذا حدث بالضبط؟

أخذ «عاطف» يروي للمفتش ما حدث في الصباح … حتى انتهى إلى حديثهم معه.

قال المفتش بصوت مشحون بالانفعال: أين «توفيق»؟

ردَّ «عاطف»: كل ما نعرفه أنه ليس في منزله … لقد خرج والداه في الصباح الباكر، وقالت الشغَّالة إنه ليس في غرفته، وربما خرج معهما.

في هذه اللحظة تدخَّل «محب» قائلًا: هاتِ السمَّاعة … أُريد أن أُكلِّم المفتش … وأمسك «محب» بالسمَّاعة وقال: آسف جدًّا يا سيادة المفتش لما حدث، وأظن أن غياب «تختخ» متعلِّق ببعض الشكوك التي راودتني أنا وهو أمس من أن هناك من يُراقبنا …

المفتش: يراقبكم؟! …

روى «محب» للمفتش ما حدث أمس، فقال المفتش: أعطني «لوزة» أُكلِّمها.

أمسكتْ «لوزة» بالسمَّاعة … ولكن صوتها خانها … كانت الدموع تخنق صوتها، فلم تستطِع أن تسمع كلمةً واحدة، ولكنها سمعت المفتش يقول: «لوزة» … لا تلومي نفسك على ما حدث … لقد كان سيحدث مع أي شخص آخر.

وانتظر المفتش أن ترد «لوزة» … ولكنها ظلَّت غير قادرة على الحديث، فعاد المفتش يقول: سأحضر فورًا … لا تفعلوا أي شيء لحين حضوري … فقط اتصلوا بالشاويش «علي» ليحضر عندكم الآن …

وضعت «لوزة» السمَّاعة والتفتت إلى «محب» قائلةً في ثورة: كيف حدث هذا؟! أنت و«تختخ» … عرفتما أمس أن هناك من يُراقبنا ولم تقولا لنا … لو عرفتُ أننا مراقبون لتصرَّفتُ بطريقةٍ أخرى … ولما سمحتُ للرجلَين بدخول المنزل … إنكَ أنتَ و«تختخ» ملامان على هذا التصرُّف.

لم يردَّ «محب»، فقالت «لوزة»: لقد طلب المفتش أن نتصل بالشاويش ليحضر فورًا إلى هنا … أرجوكَ اتصلْ أنتَ فهو لن يُصدِّقني.

•••

في هذه الأثناء كان «تختخ» ما يزال نائمًا في المخزن … وسمع بين اليقظة والمنام صوت باب يُفتح، وصوت أقدام تدخل المخزن، ثم إغلاق الباب … وشيئًا فشيئًا أخذ يستيقظ … كان يُحس بالألم في جسمه … وبصداعٍ شديد … ولكنه فتح عينَيه ليرى آخر ما كان يتصوَّر في حياته … كانت هناك فتاة صغيرة تجلس على أحد الكراسي الممزَّقة وهي تنظر إليه … ولم تكن هذه الفتاة سوى «نشوى»!

عرف «تختخ» من نظرة «نشوى» إليه أنها لم تعرفه … ودُهش لأن تنكُّره كان بهذا القدر من الإتقان … فأخذ ينظر إليها … وأُعجِب بشجاعتها؛ فلم تكن عليها علامات أي نوع من الفزع والخوف … كانت هادئةً تمامًا …

وقام «تختخ» من مكانه ومشى إليها بهدوء … وأخذت «نشوى» تنظر إليه مستطلعة … ومشى «تختخ» إلى النافذتَين فنظر منهما … ثم ذهب إلى الباب واستمع جيدًا من ثُقب المفتاح … ثم عاد إلى وسط المخزن ووقف أمامها وابتسم قائلًا: أهلًا «نشوى» …

نظرت إليه «نشوى» بين مصدِّقة ومكذِّبة … كان شكله ليس غريبًا عليها، ولكن لا تعرف بالضبط من هو … وكان صوته يُشبه صوت «تختخ»، وفكَّرت بسرعة … وكادت تُطلق صيحة دهشة، ولكن «تختخ» أسرع يضع يده على فمها، ثم قال: تمامًا … أنا «تختخ». ورفع يده من على فمها، فقالت: ماذا حدث لك؟ … لماذا أنتَ هكذا؟ …

ردَّ «تختخ»: لقد كنتُ أُراقب العصابة … ولكن للأسف أوقعوا بي.

نشوى: ألم يتعرَّفوا عليكَ في هذه الثياب وبهذه الباروكة؟ …

ردَّ «تختخ»: إذا كنتِ أنتِ لم تعرفيني، فكيف يعرفوني هم؟ … المهم ماذا أتى بكِ إلى هنا؟ …

ردَّت «نشوى»: جاء رجلان لإصلاح التليفون في منزل «لوزة»، وكان «عاطف» قد ذهب إلى منزل «محب» ليُبلغ شكوى للتليفونات، ويطلبك للحضور … وصعدتْ «لوزة» مع أحدهما إلى الفيلا لتريه مكان «الفيشة»، وبقِيتُ وحدي في الكشك الخشبي، وسمعتُ صوت سيارة تقف بباب الحديقة، وكان الرجل الآخر يقف في الحديقة، فوجدتُه يدخل الكشك ويقول لي إن هناك شخصًا في السيارة يُريد مقابلة «نشوى»، وظننتُ أنه أبي، فخرجتُ ولاحظتُ أنها ليست سيارته … ولكنه أحيانًا يركب سيارةً أخرى، فاتجهتُ إلى السيارة، وفُتِح بابها الخلفي، وأطلَّ شخص وقال إنه يحمل رسالةً من المفتش، فاقتربتُ منه، ولم أكَد أصل إلى الباب حتى دفعني رجل من الخلف، وتلقَّاني الرجل الآخر وكتم أنفاسي، ثم سمعتُ صوت أقدام رجل يأتي من ناحية الحديقة ويركب السيارة التي انطلقتْ بنا، حتى وجدتُ نفسي هنا …

تختخ: متى حدث هذا؟ …

نشوى: حوالي التاسعة صباحًا …

تختخ: ألم يكن هناك أحد في الشارع رأى ما حدث؟ …

نشوى: حدث كل شيء في ثوانٍ معدودات … وكان بعض المارة موجودين في الشارع، ولكنهم كانوا على مبعدة، ولم يكن في إمكانهم رؤية ما حدث، خاصةً أنني أدخلتُ رأسي في السيارة لأتسلَّم الخطاب، وأخفى الباب المفتوح ما حدث …

تختخ: إن المغامرين في موقف لا يُحسدون عليه … خاصةً ووالدك قد سافر بعيدًا خلف «شمروخ»، ولن يكون أمامهم إلا الشاويش «علي»، ولا أظنه سيتمكَّن من عمل شيء …

نشوى: وماذا يُريدون مني؟ …

تختخ: واضح جدًّا أنهم يُريدون الضغط على والدكِ من أجل شيء ما لا أعرفه … ربما مثلًا الإفراج عن مساعد «شمروخ» الذي وقع بين يدَي رجال الشرطة، وربما كان هذا مجرَّد انتقامٍ من المفتش.

نشوى: تقصد أن «شمروخ» اختطفني للانتقام من أبي؟!

تختخ: بالضبط … ولكن هناك شيء ما في «شمروخ» يجعلني أستبعد أن …

وقبل أن يتم «تختخ» جملته سمعا صوت الباب يُفتح، ثم ظهر شخص عرف «تختخ» على الفور أنه «عصفور» الذي كان يتبعه، وقال «عصفور»: هيا تحرَّكا … وتبعه الاثنان في الممر حتى دخلا غرفة المكتب … وكان الرجل الأنيق الذي تحدَّث إلى «تختخ» ليلًا يجلس إلى المكتب كما كان أمس تمامًا … وكان في هذه المرة أكثر مرحًا من الليل … فقد كان يبتسم وهو يستمع إلى موسيقًى خفيفة آتية من جهاز راديو بجواره …

وقال الرجل: تعالَي يا صغيرتي … ألَا تُحبين أن تسمعي صوت والدك؟ …

لم تردَّ «نشوى»، فرفع الرجل سمَّاعة التليفون … وراقبه «تختخ» وهو يُدير رقم المفتش في مديرية الأمن، ثم يضع السمَّاعة على أذنه ويستمع لحظات، ثم يقول: المفتش «سامي» من فضلك!

وصمت لحظات يستمع، ثم قال: أُريده لأمر هام!

واستمع لحظات أخرى، ثم قال: سأطلبه في هذا الرقم.

والتفت الرجل إلى «نشوى» … وقال: إن والدكِ ذهب إلى «المعادي» عند أصدقائك الصغار وسأطلبه هناك …

كان «تختخ» يرقب المشهد كلَّه وذهنه يعمل بسرعة الصاروخ … كيف يمكن الاستفادة من هذه الاتصالات … هل يستطيع أن ينقل إلى المغامرين أو إلى المفتش كلمةً واحدةً أو بضع كلمات … ولكن ذلك كان مستحيلًا … فلو حاول أن يخطف السمَّاعة لقضَوا عليه في لحظة قبل أن يقول شيئًا … فقد كان يقف خلفه «عصفور»، ورجل آخر يلبس الملابس البلدية … الجلباب والطاقية … شديد السمرة يحمل على كتفه بندقيةً سريعة الطلقات … ورجَّح «تختخ» أنه حارس الفيلا مع الكلاب المتوحِّشة …

أخذ الرجل الأنيق يُدير قرص التليفون برقم «عاطف»، وعندما انتهى من إدارة الرقم أشار إلى الرجل ذي الملابس البلدية، فأسرع إلى جواره … وعندما ردَّ المفتش قال له الرجل الأنيق: هناك من يُريد الحديث إليك …

ثم دفع بالسمَّاعة إلى الرجل الأسمر الذي أمسك التليفون، ثم قال على الفور وكأنه قد حفظ ما سيقوله: أنا «شمروخ» يا «سامي» بك … أنتَ نسيتَني … وانتظر لحظات، ثم قال: مرت عشرون سنة، ولكن «شمروخ» لا ينسى ثأره يا «سامي» بك … ويوم لك، ويوم عليك …

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤