الفصل الرابع عشر

أهو ابتزاز؟

كان هيثرويك لا يزال جاهلًا بسبب رغبة ماذرفيلد في رؤية رونا حين خرج هو وماذرفيلد قبل ظهيرة اليوم التالي من محطة دوركينج إلى الشارع الرئيسي، وتوجَّها إلى فندق «وايت هورس». توقَّف ماذرفيلد قبل باب الفندق ببضع ياردات.

وقال: «لننتظرها بالخارج، حتى أسألها سؤالًا أو اثنين. لا أريد حتى أن أخاطر بأن يسمعنا أحد عَرَضًا.»

بعد بضع دقائق جاءت رونا في سيارة ولدى رؤيتها للرجلين تقدَّمت نحوهما. ولم يضيِّع ماذرفيلد وقتًا في الدخول إلى صلب الموضوع.

فقال بصوت خفيض وهو يرمق المكان حوله بحذر: «أخبريني يا آنسة هانافورد، هل الليدي ريفرسريد موجودة في القصر؟» وأكمل بينما أومأت رونا: «موجودة! متى عادت إذن؟»

أجابت رونا على الفور: «في وقت مبكِّر من صباح الأمس. في قطار السابعة وخمس وأربعين دقيقة من فيكتوريا. كانت في القصر بحلول التاسعة والنصف.»

نظر ماذرفيلد إلى هيثرويك بوجه حائر تمامًا. وراح يحدِّق برونا.

وقال متعجبًا: «في قصر ريفرسريد في التاسعة والنصف صباح أمس الثلاثاء! مستحيل! لقد رأيتها بأم عيني في ساوثامبتون في التاسعة والنصف من صباح أمس.»

ردَّت رونا بضحكة ساخرة: «واثقة تمامًا من أنك لم تفعل! أنت واقع تحت تأثير انطباع خاطئ يا سيد ماذرفيلد. كانت الليدي ريفرسريد في منزلها، هنا معي في التاسعة والنصف من صباح أمس. هذه حقيقة يمكنني أن أجزم لكما بها!»

نظر الرجلان أحدهما إلى الآخر. بدا أن كلًّا منهما يسأل الآخر سؤالًا صامتًا. لكن ماذرفيلد نطق بسؤاله فجأة، بنبرة تنم عن التعجب والاستياء.

إذن فمَن تكون تلك المرأة التي تتبَّعتها إلى ساوثامبتون بحق السماء؟»

مرَّ سؤال ماذرفيلد من دون إجابة. أما رونا التي لم يكن لديها أدنى فكرة عما يتحدَّث عنه ماذرفيلد، فقد نظرت إلى هيثرويك وعلى وجهها علامات الدهشة والحيرة. ورأى هيثرويك أن الوقت قد حان للكثير من التفسيرات.

فقال: «اسمعا! ينبغي علينا أن نتحدَّث، ولا يمكننا أن ندَع الآنسة هانافورد واقفة في الشارع. لندخل إلى الفندق ونحصل على غرفة خاصة لتناول الغداء، وحينها يمكننا أن نناقش الأمور بخصوصية.» وأكمل يقول بعد بضع لحظات وهو يلتفت إلى رونا حين كان ثلاثتهم يجلسون معًا بعد أن طلبوا طعام الغداء: «أنتِ متحيرة بعض الشيء من كل هذا. ولا عجب في ذلك! لكن من الأفضل أن أخبرك بما كنا أنا وماذرفيلد نفعله مساء الإثنين، وما كان ماذرفيلد يفعله طوال يوم أمس.» واختتم حديثه بعد أن قدَّم لرونا سردًا موجزًا للإجراءات الأخيرة: «حسنًا، كنت متأكدًا تمامًا من أن المرأة التي رأيناها تخرج من نادي «فيفيان» مساء يوم الإثنين كانت هي المرأة التي أشرتِ إليها صباح يوم الأحد في فيكتوريا على أنها الليدي ريفرسريد؛ إذ كانت ترتدي الملابس نفسها، أنا متأكد من ذلك! باختصار، أنا مقتنع أنها كانت الليدي ريفرسريد. وأنا وماذرفيلد واثقان تمامًا أن تلك المرأة كانت هي نفسها التي رأيناها تخرج من شقة في «سانت ماري مانزيونز» قبل الخامسة من صباح الأمس بوقت قليل، والتي تبِعها ماذرفيلد إلى ساوثامبتون، حتى الآن، لم يساورنا الشك أنها كانت الليدي ريفرسريد، لم يساورنا أي شك!»

قالت رونا وهي تضحك ضحكة تنم عن الشك: «حسنًا، لا يمكنني بالطبع أن أقول إنكما لم تريا الليدي ريفرسريد وهي تخرج من نادي فيفيان مساء الإثنين. من المؤكد أن الليدي ريفرسريد كانت في المدينة منذ صباح يوم الأحد وحتى صباح يوم أمس، وربما ذهبت إلى نادي فيفيان مساء الإثنين لأسباب خاصة بها. لا أعلم شيئًا عن ذلك. لكنني أعلم أنها لم تكن في ساوثامبتون أمس؛ ذلك أنها وكما أخبرتكما، كانت في قصر ريفرسريد في غضون الساعة التاسعة والنصف صباحًا، ولم تغادر المنزل منذ ذلك الحين. هذه حقيقة واضحة!»

صاح ماذرفيلد: «أنا لا أفهم شيئًا إذن! وأقولها مرة أخرى، إن لم تكن تلك المرأة التي تتبَّعتها إلى ساوثامبتون هي الليدي ريفرسريد، فمن كانت إذن؟ إضافةً إلى ذلك، إن كانت تلك المرأة التي رأيناها وهي تخرج من نادي فيفيان وتتبَّعناها إلى بادينجتون هي الليدي ريفرسريد حقًّا، لكنَّ المرأة التي خرجت من الشقة صباح أمس، وذهبتُ في إثرها ليست هي الليدي ريفرسريد، إذن فإن لليدي ريفرسريد شخصية مطابقة لها تعيش في «سانت ماريز مانزيونز»! هذا ما أعرفه!»

فعلَّق هيثرويك قائلًا: «بخصوص ذلك، لم أخبرك ليلة أمس يا ماذرفيلد أنني عُدت أمس إلى ذلك المنزل الذي اتخذناه للمراقبة، وقمت ببعض الاستفسارات الحذرة عن تلك المرأة الطويلة الجميلة التي تمتلك شقة بالجهة المقابلة للمنزل. وقد حصلت على بعض المعلومات. تلك المرأة التي تتبَّعناها إلى هناك والتي كنتَ تلاحقها أمس تُعرف هناك باسم السيدة ليستوريل. وهي نادرًا ما تكون في شقتها على الرغم من أنها دقيقة في دفع إيجارها. وفي بعض الأحيان تغيب عن الشقة فترات طويلة، بل إنها نادرًا ما تُرى هناك. ويُعتقد أنها تعمل في مجال المسرح. وقد رآها الحارس الذي أمدني بهذه المعلومات في شقتها يوم الإثنين.»

ضرب ماذرفيلد كفًّا بكف.

وصاح قائلًا: «إنه اسم مستعار! أراهنك على أنها الليدي ريفرسريد! تغيب عن شقتها فترات طويلة؟ بالطبع؛ لأنها تكون هنا في منزلها الكبير. وتحتفظ بتلك الشقة لغرضٍ خاص بها وتدعو نفسها باسم … ماذا كان اسمها؟ يبدو لي فرنسيًّا.»

فقال هيثرويك معلِّقًا وهو يرمق رونا بنظرة خاطفة: «لكن بافتراض أن الأمر على هذا النحو، من المستحيل أن تكون الليدي ريفرسريد في قصر ريفرسريد أمس وفي ساوثامبتون في الوقت نفسه! بحقكم!»

غمغم ماذرفيلد: «صدِّقني حين أقول إنني أعجب لهذا الأمر! أنا متيقن مما رأيت! وإن كان ثمَّة خطأ، فهذا خطؤك أنت يا سيد هيثرويك! أنا لا أعرف تلك المرأة المدعوة بالليدي ريفرسريد! كلُّ ما أعرفه هو أنك قلت إن المرأة التي كانت تخرج من النادي هي الليدي ريفرسريد. وتلك يا سيدي هي المرأة التي تتبَّعتها!»

فقال هيثرويك مؤكِّدًا بنبرة هادئة: «المرأة التي رأيتها تخرج من نادي «فيفيان» كانت هي المرأة التي أشارت إليها الآنسة هانافورد باعتبارها الليدي ريفرسريد. هذا أمر مؤكَّد! لكن …»

قاطعه عند هذه النقطة وصول طعام الغداء. ولم يستمرَّ الحديث إلا حين اتخذ ثلاثتهم مجلسهم وصرفوا النادل. ثم نظرت رونا إلى رفيقيها وابتسمت.

وقالت: «يبدو أنكما وصلتما إلى مرحلة واعدة. كنت أظن في البداية أنه طريق مسدود، لكن …»

قال هيثرويك: «أوَليس كذلك؟ في الوقت الراهن لا أرى مخرجًا من الأمر أو طريقة لتجاوزه.»

فكرَّرت رونا تقول: «كلا، أعتقد أنكما ستصلان إلى شيء! فكل هذه الأشياء أفضل من لا شيء، حتى إن كانت تبعث على الحيرة. لديَّ أخبار أيضًا، إن كنتما واثقين من أنه لا يوجد متنصِّتون في الأرجاء.»

فقال هيثرويك: «أجل، نحن على ما يُرام! تلك أبواب عتيقة سميكة، وهي تغلق جيدًا. ماذا بعدُ؟»

مالت رونا عبر الطاولة قليلًا وخفضت صوتها.

وقالت: «شهد القصر أمس، أو «الدار» على الأقل، شيئًا من الضجة. كان ذلك مع الرجل المدعو باسيفيري!»

قال هيثرويك متعجبًا: «آه! هذا مثير للاهتمام! أخبرينا عن ذلك.»

فأكملت رونا تقول: «حسنًا، أخبرتكما أن الليدي ريفرسريد وصلت من لندن صباح أمس في حوالي التاسعة والنصف، ووصل الرائد بنتيني معها.»

قال ماذرفيلد متسائلًا: «ومَن هو الرائد بنتيني؟»

فأجابه هيثرويك: «إنه رجل عسكري متقاعد ويبدي اهتمامًا كبيرًا بدار الليدي ريفرسريد، ويتولى أمرَ الدار في لندن. وتعتقد الآنسة هانافورد أنه مغرم بمؤسِّسة الدار. لقد رأيته، رأيته مع الليدي ريفرسريد يوم الأحد.» وأضاف وهو يلتفت نحو رونا: «أجل، عاد معها الرائد بنتيني؟ أكملي.»

فأكملت رونا تقول: «فور أن وصلا — رأيتهما من نافذة مكتبي قادمَين — أتيا إلى «الدار». وبدا لي أن كليهما يحمل أمارات التجهُّم والجدية. تحدثا إليَّ دقائق قليلة عن أمورٍ متعلقة بالعمل، ودلفا بعد ذلك إلى مكتب الليدي ريفرسريد الخاص. قضيا في المكتب بعض الوقت، ثم خرجت الليدي ريفرسريد وغادرت؛ إذ رأيتها وهي تتوجَّه نحو القصر. وبعد ذلك خرج الرائد بنتيني وأتى نحوي وقال لي بأنه يرغب في أن يحدثني قليلًا على انفراد. وبقدرِ ما يسعني أن أتذكَّر، قال لي: «آنسة فيذرستون …»»

رفع ماذرفيلد وجهه بسرعة من طبقه.

وقال: «ماذا؟ الآنسة … فيذرستون؟»

قال هيثرويك: «هذا هو اسم الآنسة هانافورد هناك. إنه اسم والدتها. لقد أخبرتك من قبل.»

غمغم ماذرفيلد وهو يبتسم: «صحيح، صحيح! لقد أخبرتني بذلك، أتذكَّر الآن. إنما أنا مشغول البال بما حدث أمس.»

استطردت رونا: ««آنسة فيذرستون، أعتقد أنك تعرفين أن الليدي ريفرسريد قد زارها مؤخرًا، ولمرتين، رجل يقول إن اسمه الدكتور سيبريان باسيفيري؟»

«فأجبته: «أجل، أعرف أيها الرائد بنتيني. لقد رأيت الدكتور باسيفيري في كلتا المرتين.» تابع يقول: «حسنًا، وهل ترك لديك انطباعًا طيبًا يا تُرى؟» فأجبته: «كلا، على الإطلاق أيها الرائد بنتيني، بل إنَّ انطباعي عنه سلبي جدًّا.» فسألني بابتسامة قائلًا: «ألم يُعجبك مظهره؟» فتساءلتُ قائلة: «أيعجبك أنت؟» فأجابني: «لم أرَ الرجل من قبل، لكنني أتوقَّع رؤيته في هذا الصباح بالتحديد. هذا هو ما أريد أن أحدِّثك بشأنه. أظنُّ أنه سيأتي قربَ حلول الظهيرة، كما عرفت أنه فعل من قبل، وسيرغب بالطبع في رؤية الليدي ريفرسريد. أريد منكِ أن تخبري حارسَ البابِ ميتشل بأن يُدخِله مباشرةً فور أن يصل، وألا يقول ميتشل بأن الليدي ريفرسريد ليست موجودة — إذ إنها لن تكون موجودة — لكنه سيُدخِله على الفور؛ وأريد منكِ، إذا سمحتِ، أن تدخليه إلى المكتب الخاص مباشرة. وبدلًا من أن يجد الليدي ريفرسريد، سيجدني أنا. أهذا واضح؟» فأجبته: «واضح تمامًا أيها الرائد بنتيني. سأتولَّى الأمر.» فقال: «حسنًا، ثمة شيء آخر أيضًا. بعد أن أتحدَّث مع ذلك الرجل لبرهة، سأدق الجرس. أريد منكِ أن تدخلي ومعكِ ميتشل. هذا هو كلُّ ما أريد في الوقت الراهن. هل هذا مفهوم؟» فأجبته: «مفهوم أيها الرائد بنتيني. سأنفِّذ ذلك. لكن بما أنك لم ترَ هذا الرجل من قبل، فهناك شيء واحد أريد أن أخبرك به، وهو أنه من نوعية الرجال الذين يبدو عليهم أنهم قد يكونون خطرين.» فابتسم لذلك وقال: «شكرًا لكِ. أنا مستعد لذلك آنسة فيذرستون. أدخليه على الفور».»

توقَّفت رونا برهةً لكي تتناول شيئًا من طعامها. لكن سكين هيثرويك وشوكته كانا ساكنين؛ وكذلك الأمر بالنسبة إلى ماذرفيلد؛ كان من الواضح أنَّ كليهما منهمك في الاستماع. وابتهج وجه ماذرفيلد فجأةً وغمز بعينه إلى هيثرويك في إيماءةٍ لا تخطئها العين.

وغمغم وهو يضحك ضحكةً شبه مكتومة: «جيد! جيد! جيد! بدأت أرى بصيص أمل! ممتاز! حين تكونين مستعدة آنسة فيذرستون …»

أكملت رونا تقول بعد أن سكتت دقائق قليلة: «باقتراب الظهيرة وصل الدكتور سيبريان باسيفيري بالسيارة. كنت قد نقلت إلى ميتشل التعليمات، فأدخل هو باسيفيري إلى مكتبي مباشرة. كان مما لا شك فيه أن باسيفيري في أفضل أحواله المزاجية؛ إذ انحنى وابتسم لدى رؤيتي كما لو كان يتوقَّع أن يجدني أتحرَّق شوقًا لرؤيته. لم أجِبه على تحيته المنمَّقة؛ كلُّ ما فعلتُ أنني نهضت وأرشدته إلى باب المكتب الخاص وأغلقته خلفه وهو يخطو عتبته. ضحكت بعدما فعلت ذلك؛ إذ لم يكن سيرى مَن ينتظره حتى يدلف إلى داخل الحجرة، وكنت قد فهمت من الرائد بنتيني أن استقبال الرجل لا يمكن أن يكون سارًّا أو لطيفًا.»

فرك ماذرفيلد يده.

وقال بضحكته المكتومة: «جيد! جيد! ليتني كنت موجودًا في تلك الحجرة!»

قالت رونا: «لم يمرَّ وقت طويل حتى دخلتها يا سيد ماذرفيلد. كنت أشعر بفضولٍ جارف بالطبع لمعرفةِ ما كان يحدث بداخلها، لكن الباب يُغلق بإحكام، ولم أسمع أيَّ شيء؛ لا أصوات غاضبة أو أي شيء. لكن بعد أقل من عشر دقائق، دقَّ الجرس بصوت حادٍّ. فدعوت ميتشل، وهو رجل ضخم متناسق البنية ذو مظهر حازم للغاية، وكان يعمل قبل ذلك في فرقة حراسة، ودخلنا. استوعبت كلَّ شيء من أول لمحة، كان الرائد بنتيني يجلس على مكتب الليدي ريفرسريد. وعلى ورق التنشيف كان هناك مسدس …»

صاح ماذرفيلد متعجبًا: «ماذا! أنتِ واثقة! مسدس! حسنٌ!»

«وفي مواجهة المكتب وقف باسيفيري الذي كان يحدِّق في الرائد بنتيني أولًا ثم راح يحدِّق بنا. من الصعب عليَّ أن أصف ما بدا عليه. أعتقد أن التعبير الأساسي الذي ارتسم على وجهه كان الذهول الحاد.»

فهتف هيثرويك: «الذهول؟»

«الذهول! الدهشة! بدا كرجل سمع لتوِّه شيئًا كان يعتقد أنه من المستحيل أن يسمعه. رأيتُ في وجهه نظرة غضب وحَنق أيضًا؛ ولو لم يكن المسدس بالقرب من أنامل الرائد بنتيني ولو لم يكن ميتشل موجودًا لكنت صرخت ولُذت بالفِرار. بالرغم من ذلك، فلم أكن الشخص المنوط به الفِرار. فحالما دخلت وميتشل، تحدَّث الرائد بنتيني في هدوء شديد. أومأ إلى باسيفيري. وقال: «آنسة فيذرستون وأنت يا ميتشل، أتريان هذا الرجل؟ إن أتى إلى هنا ثانية، فامنعه من الدخول يا ميتشل، وأنتِ يا آنسة فيذرستون حين تسمعين من ميتشل أنه هنا، اتصلي بالشرطة وسيقبضون عليه إن كان لا يزال موجودًا.» التفت بعد ذلك إلى باسيفيري. وأكمل يقول وهو يشير إلى الباب: «والآن أيها الرجل! انصرف، بسرعة! اذهب!» نظرت إلى باسيفيري بالطبع. وقف الرجل وهو ينظر إلى الرائد بنتيني غير مصدق. بدا لي أنه يكاد لا يُصدِّق أذنيه؛ لقد ترك لديَّ انطباعًا بأنه غير قادر على تصديق أن يلقى مثلَ هذه المعاملة. غير أنه كان يستشيط غضبًا أيضًا. كانت أصابعه تتململ، وعيناه تتأجَّجان من شدة الغضب، وكان مظهر شفتَيه مريعًا. وأخيرًا، نطق ببضع كلمات …»

قاطعها ماذرفيلد قائلًا: «أخبرينا بهذه الكلمات بالضبط إن كنت تستطيعين فعْل ذلك.»

قالت رونا: «أستطيع بالطبع؛ فليس من المرجَّح أن أنساها. قال الرجل: «ماذا … تتحداني … وأنا أعرف ما أعرف … وأنا أعرف ما أعرف».»

غمغم ماذرفيلد: ««وأنا أعرف ما أعرف!» وهو يعرف ما يعرف! أمممم، ثم ماذا بعد؟»

«أشار الرائد بنتيني إلى الباب. وقال: «انصرف كما آمرك! وانظر في الصحف الليلة. هيا انصرف».»

قال ماذرفيلد: «انظر في الصحف الليلة؟ أممم … أممم! أظنُّ بأنه غادر بعد ذلك؟»

أقرَّت رونا قائلة: «ذهب من دون أن ينطق بكلمة أخرى، صحِبه ميتشل إلى الخارج وشاهده وهو ينصرف. نظر إليَّ الرائد بنتيني حين غادر. وقال: «والآن يا آنسة فيذرستون. هذا هو أحد أكبر المحتالين في لندن، بل في أوروبا. لنأمل ألا تريه مرة أخرى، وأن تكون تلك هي نهايته هنا. أظنُّ أنه تعلَّم درسه!» لم أُجِبه، لكنني كنت مسرورة جدًّا لرؤية سيارة باسيفيري وهي تنطلق من أمام «الدار»!»

أخذ ماذرفيلد إبريقَ البيرة الموضوع بجانبه وتجرَّع منه شيئًا كثيرًا. وضع الإبريق من يده بقرعة لافتة للنظر.

وقال بنبرة المنتصر: «أعرف ما هي تلك المسألة! إنها مسألة ابتزاز!»

وافقه هيثرويك قائلًا: «صحيح تمامًا! إنني أفكِّر في هذا منذ عشر دقائق. كان باسيفيري يسعى لابتزاز الليدي ريفرسريد. لكن هذه ليست مسألتنا، كما تعلمان. إن ما نسعى خلفه هو حل اللغز المحيط بموت هانافورد. هل يوضِّح هذا أي شيء؟»

أجاب ماذرفيلد: «أعتقد أنه سيوضِّح شيئًا في هذه القضية بالفعل! فأنا أرى أنه قطعة من اللغز، أو على الأقل قطعة من قطعة، ولدينا قِطَع كثيرة كالأُحجية. المسألة تكمن في وضع هذه القِطَع معًا. وهناك شيئان يمكن لنا أن نحاول القيام بهما في وقت واحد. الأول هو أن نعرف أكثرَ عن ذلك الرجل المدعو باسيفيري، والآخر هو الحصول على مزيد من المعلومات عن المرأة التي تسكن في «سانت ماريز مانزيونز».»

قال هيثرويك مقترحًا: «ماذا عن الذَّهاب إلى الليدي ريفرسريد للحصول على المعلومات، أو إلى الرائد بنتيني؟»

قالت رونا بنبرةٍ أشبه إلى التلهف: «أجل، لماذا لا تفعلان ذلك؟ افعلا ذلك! بدأت أشعر بالتعب من كوني الآنسة فيذرستون هناك. أريد أن أخبر الليدي ريفرسريد بالحقيقة، بكل الأسباب والتعليلات.»

لكن ماذرفيلد هزَّ رأسه نافيًا. وصرَّح بأن وقت ذلك لم يكن قد حان بعد، وأن عليهم الانتظار بعض الوقت. وبعد المزيد من الحديث، عاد هو وهيثرويك إلى لندن.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤