الفصل الخامس عشر

اكتشافات

كانت طبعة فترة الظهيرة المتأخرة من صحف المساء قد صدرت لتوِّها حين وصل ماذرفيلد وهيثرويك إلى فيكتوريا. فأخذ ماذرفيلد واحدة منها بسرعة؛ وبعد دقيقة دفع بها في وجه هيثرويك وهو يشير إلى أحرف سوداء كبيرة.

وصاح متعجبًا: «يا إلهي! انظر إلى هذا!»

نظر هيثرويك وشهق من دهشته مما قرأ.

مقتل روبرت هانافورد.
مكافأة قدْرها خمسة آلاف جنيه.

التفت هيثرويك إلى رفيقه بنظرة تنم عن الدهشة والتساؤل.

وقال: «هذا على الأرجح — لا، بل من المؤكَّد! — ما أشار إليه بنتيني حين أخبر باسيفيري أن يطَّلِع على الصحف! كان هذا أمس؛ لا بد أنَّ الإعلان قد ورد في صحف ليلة أمس وصحف هذا الصباح. لم أقرأ أيًّا منهما.»

قال ماذرفيلد: «انتظر.» وأسرع عائدًا إلى كشك الكتب ورجع وهو يحمل الكثير من الصحف، وكان يقلِّب في أعلاها وهو عائد. تابع يقول: «إنه مذكور هنا، وهنا! لنذهب إلى زاوية هادئة في مكانٍ ما وننظر في هذا الأمر بإمعان!»

قال هيثرويك: «لندخل إلى أحدِ غرف الانتظار إذن.» وغمغم يقول وهما يبتعدان: «هذا غريب! مَن ذا الذي يضع مكافأة، وبهذا الحجم، وهو غير معني بالقضية؟»

قال ماذرفيلد متعجبًا: «كيف لنا أن نعرف مَن هو غير معني بالقضية؟ لا شك أنَّ أحدهم معني بها! ومن الواضح أنه شخص ليس بمقدوره أن يقدِّم خمسة آلاف جنيه فحسب، بل إنه ينفق بسخاء شديد في الإعلان عنها.» قال وهو يقلِّب في الصحف التي اشتراها بسرعة: «انظر إلى هذا، وهذا، وهذا. إنه منشور في كل جريدة في لندن!»

قال هيثرويك: «لنقرأه بإمعان.» وفردَ واحدة من الصحف على طاولة قاعة الانتظار وغمغم بقراءة كلمات الإعلان فيما كان ماذرفيلد ينظر إلى الجريدة من فوق كتفه. واختتم يقول: «غريب جدًّا هذا الأمر! ماذا يعني ذلك؟»

لكن ماذرفيلد كان يعيد قراءة الإعلان.

حيث إنَّ روبرت هانافورد، الذي كان يعمل في السابق مفوَّضًا للشرطة في سيليثوايت بيوركشاير، قد مات فجأة في أحد قطارات الأنفاق بالقرب من محطة تشارينج كروس (الجسر)، وذلك في الواحدة والربع صباحًا يوم التاسع عشر من شهر مارس الماضي، وحيث إنَّ التحريات الطبية المتخصصة أثبتت أنه مات مسمومًا، وحيث إنه توجد أدلةٌ تدعم الاعتقاد بأن السُّم قد وُضع له بيد شخص أو أشخاص تعمَّدوا قتله، فإن هذا الإعلان منوط بتوجيه إشعار بأنَّ مبلغ الخمسة آلاف جنيه المذكور أعلاه سيُدفع لأول شخصٍ يدلي بمعلومات من شأنها أن تؤدي إلى إلقاء القبض على الشخص أو الأشخاص المسئولين عن وضْع السُّم، على أن تُقدَّم تلك المعلومات إلى الموقِّع أدناه، والذي سيدفع المكافأة المذكورة طبقًا للشروط السالفة الذكر.

بنتيني، «بلينكنسوب آند بنتيني» للمحاماة.

الثاني والعشرين من أبريل ١٩٢٠
٨٥٣، «لينكولنز إن فيلدز»
لندن، دبليو سي

أشار ماذرفيلد إلى أسماء الموقِّعين.

وعلَّق قائلًا: «بنتيني، هذا هو اسم الرجل الذي ذكرتْه الآنسة هانافورد، وقالت إنه هو مَن طرد باسيفيري.»

قال هيثرويك: «بالطبع؛ الرائد بنتيني. ربما هو شريك صغير في تلك الشركة. أعرف أسماءهم، لكنني لا أعرف الكثيرَ عنهم.»

قال ماذرفيلد: «كنت أظنُّه جنديًّا. فقد دعته برتبةِ الرائد.»

فأجابه هيثرويك: «من المرجَّح جدًّا أنه كان ضابطًا في الجيش الاحتياطي. على أي حال، الأمر واضح تمامًا يا ماذرفيلد، في ضوء جميعِ ما نعرفه. نُشِر هذا الإعلان بالنيابة عن الليدي ريفرسريد. لا شك أنَّ شركة «بنتيني، بلينكنسوب آند بنتيني» هي التي تقوم بأعمال المحاماة لها. لكن، لماذا؟»

قال ماذرفيلد متعجِّبًا: «أجل، لماذا؟ هذا هو ما يشغل ذهني! ما شأنها ومقتل هانافورد؟ لماذا ترغب في أن تقدِّم قاتله للعدالة؟ إن عرضت حفيدته مائة جنيه مثلًا مقابل الحصول على معلومات، فربما أتفهم ذلك؛ فهي من لحمه ودمه. لكن الليدي ريفرسريد! إن كانت هي حقًّا المرأة التي كانت فيما مضى السيدة ويتينجهام، فسيكون الأرجح أن تُسرَّ بابتعاد هذا الرجل عن طريقها! ربما لا يكون هذا الإعلان منه في نهاية المطاف.»

قال هيثرويك مؤكِّدًا: «أنا واثق تمام الثِّقة أنه منها. فنظرًا لجميعِ ما نعرفه، ما هو الاستنتاج الآخر الذي يمكن أن نتوصَّل إليه؟ هذا الإعلان من الليدي ريفرسريد ومستشارها الرائد بنتيني، وله علاقة بذلك الرجل المدعو باسيفيري. لكن ما تلك العلاقة؟»

غمغم ماذرفيلد: «علينا التقصي عن ذلك. فهم لم يتوجَّهوا إلينا للحديث عن الأمر قط. هذا عرض تطوُّعي تمامًا من جانبهم. لقد نحَّوا الشرطة عن المسألة تمامًا.»

قال هيثرويك: «حسنًا، لديَّ اقتراح. أعتقد أنه سيكون من الأفضل إذا ذهبنا أنا وأنت إلى بنتيني في صباح الغد. يمكننا أن نخبرهم شيئًا، وربما يخبروننا هم بشيء. تقسيم الجهود حماقة على أي حال؛ من الأفضل كثيرًا أن نتحد في جهد مشترك.»

ردَّ عليه ماذرفيلد بنبرةٍ تنم عن التشكك: «أممم! لكنْ أولئك المحامون دائمًا ما يحتفظون بشيء في جَعبتهم؛ بطاقةٍ ما يرغبون في استخدامها في الوقت الملائم لهم. بالرغم من ذلك، يمكننا أن نجرِّبهم.»

قال هيثرويك: «قابلني عند الزاوية الجنوبية الشرقية من ميدان «لينكولنز إن فيلدز» في تمام العاشرة والنصف من صباح الغد. يقع مكتب شركة بنتيني قريبًا من هناك. سنذهب معًا، وسنسألهم مباشرة عن معنى هذا الإعلان.»

قال ماذرفيلد: «حسنًا، لكن ماذا لو لم يجيبونا؟»

أجابه هيثرويك: «إذن في تلك الحال سنذكر اسم الليدي ريفرسريد، وسنسألهم إن كانت الليدي ريفرسريد صاحبة قصر ريفرسريد والسيدة ويتينجهام التي مكثت قبل ذلك في سيليثوايت هما شخص واحد.» وأردف: «بحقك يا ماذرفيلد! أظنُّ أن باستطاعتنا أن نريهم أننا نعرف الكثير بالفعل.»

أقرَّ ماذرفيلد قائلًا: «لا شك بأنَّ لدينا بطاقةً أو اثنتين يمكن أن نستخدمهما. لا بأس يا سيد هيثرويك! لنلتقي صباح الغد إذن مثلما اقترحت.»

كان ينتظر في المكان المحدَّد حين جاء هيثرويك يسير مسرعًا في صباح اليوم التالي. وفي الحال صحبه هيثرويك إلى الجزء السفلي من ميدان «فيلدز».

وقال: «عرفت شيئًا عن هؤلاء الأشخاص الذين نحن ذاهبون لرؤيتهم. فقد أخبرني موظفو مابيرلي ببعض المعلومات؛ إنه أشبه بموسوعة تسير على قدمين. هي شركة قديمة ذات مكانة مرموقة. تقاعد بنتيني الأب، وأصبحت الشركة تُدار الآن في حقيقة الأمر على يد بلينكنسوب وبنتيني الابن. إنَّ بنتيني الابن هذا، هو الرائد بنتيني الذي يولي اهتمامًا كبيرًا بدار الليدي ريفرسريد، وبالليدي ريفرسريد نفسها. وكما أشرت ليلة أمس، كان ضابطًا في الجيش الاحتياطي بالفعل؛ لذا فقد عاد الآن إلى وظيفته. والآن يا ماذرفيلد، لنضعْ خطةَ حملتنا. أنت بالطبع، لديك أوراق اعتمادك الرسمية، وأنا شخص مهتم كثيرًا بهذه القضية؛ إذ يصدف أنني الرجل الذي شهد على وفاة هانافورد. وأظنُّ من الأفضل لو كنتَ أنتَ المتحدِّث.»

فاقترح ماذرفيلد عليه قائلًا: «حسنًا، هل ستتدخَّل حين أحتاج إليك؟ أنت معتاد على المحامين أكثرَ مني، بما أنك محامٍ.»

أجابه هيثرويك ضاحكًا: «من المؤسف يا ماذرفيلد أنَّ معرفتي بالمحامين محدودة للغاية حتى الآن. لقد رأيت القليل منهم، لكن ذلك كان بين الحين والآخر فحسب. على أية حال، ها نحن أولاء، قد وصلنا إلى المنزل رقم ٨٥٣، ويا له من منزل عتيق متين وقاتم.»

كان على الزائرَينِ أن ينتظرا بعضَ الوقت قبل أن يهتم الموظَّفون الذين قد أُرسِلَت لهم بطاقتا الزائرَين بالأمر. كان ماذرفيلد قد بدأ يشعر بالانزعاج حين أرشدهما أخيرًا موظَّف كبير في السن إلى غرفة داخلية، حيث كان يجلس رجل بارد العينين جامد الوجه إلى مكتب فيها، بينما كان هناك رجل آخرُ لا يقلُّ في مظهره تجهُّمًا عن الأول إلا قليلًا، وقد أدرك هيثرويك في الحال أنه الرائد بنتيني الذي أشارت إليه رونا، والذي كان يقف على سجادة المدفأة ويداه في جيبه. راح كلاهما يحدِّق في الزائرَينِ في صمت، ثم أشار الرجل الجالس إلى المكتب إلى كرسيين يقعان على كلا جانبي مكتبه. توجَّه بنظره إلى ماذرفيلد.

وسأله: «حسنًا؟»

بدأ ماذرفيلد حديثَه بانحناءة تنم عن الكياسةِ وقال: «أعتقد أنك السيد بلينكنسوب؟» ثم انحنى مرةً أخرى باتجاه الآخر وقال: «وأنت السيد بنتيني؟»

قال بيلنكنسوب موافقًا: «صحيح. بالضبط! أجل؟»

أكمل ماذرفيلد يقول: «لديكم بطاقتي أيها السادة، وبهذا أنتم تعرفون مَن أكون. الشرطة …»

قاطعه بلينكنسوب قائلًا: «لحظة.» أخذ بطاقة هيثرويك وراح ينظر إليها وإلى مقدِّمها. وعلَّق يقول: «السيد جاي هيثرويك. هل زيارة السيد هيثرويك أيضًا بالنيابة عن الشرطة؟» وأضاف بابتسامة مقتضبة: «لأنني أظن أنني رأيت السيد هيثرويك وهو يعتمر شعرًا مستعارًا ويرتدي زي المحاماة.»

قال هيثرويك: «أنا الرجل الذي كان حاضرًا عند مقتل هانافورد. وإذا كنت ملمًّا بالقضية …»

فقال بلينكنسوب: «إلى حدٍّ بعيد! بكل تفصيلة فيها!»

فأكمل هيثرويك يقول: «إذن أنت تعرف ما رأيتُ، وتعرف الشهادة التي قدَّمتها في التحقيق. وقد تابعت القضية منذ ذلك الحين؛ وهذا هو سبب وجودي هنا.»

علَّق بلينكنسوب بابتسامةٍ أكثرَ اقتضابًا: «ليس بصفتك صديقًا للمحكمة إذن؟ لست بمستشار محايد. أفهم ذلك! والسيد ماذرفيلد؛ لماذا هو هنا؟»

فأجابه ماذرفيلد: «كنتُ أقول يا سيد بيلنكنسوب إنَّ الشرطة رأت الإعلان الذي وقَّعتْ عليه شركتكم والذي تقدِّمون فيه مكافأة قدْرها خمسة آلاف جنيه. والآن، أنا أتولَّى قضية هانافورد هذه وأؤكِّد لك أنني عملت عليها كثيرًا. وهكذا فعل السيد هيثرويك بأسلوبه الخاص. ونحن على اقتناع بأن هانافورد قُتل بالسُّم، وأن الذي سمَّمه قد سمَّم أيضًا الرجل المدعو جرانيت في الوقت نفسه. والآن، وحيث إنكما — أو ربما شخص آخر لعله موكِّل لديكما — مهتمان للغاية بتقديم قاتل هانافورد إلى العدالة، لدرجةِ أنكما تعرضان مبلغًا كبيرًا كهذا من أجل الحصول على المعلومات اللازمة لذلك، فإننا نعتقد أنكما تعرفان الكثير، وأقترح عليكما أيها السيدان أن تشاركا معنا ما تعرفانه من معلومات. آمل أن يكون اقتراحي مرحَّبًا به أيها السيدان الفاضلان.»

راح بلينكنسوب يطرقُ على ورق التنشيف أمامه بأطراف أصابعه، وأصبح وجهه أكثر غموضًا من ذي قبل. أما بنتيني، فقد ظل وضعه نفسه الذي كان عليه منذ دخول الزائرَين إلى الحجرة؛ متكئًا على رف الموقد ويداه في جيبه، بينما ينقل نظراته المحدِّقة بين هيثرويك وماذرفيلد. ساد الصمت فترةً قصيرة؛ وفي النهاية تحدَّث بلينكنسوب فجأة.

فقال: «لا أظنُّ أن لدينا ما نقوله. لقد قلنا ما لدينا بالفعل في الإعلان. سندفع المكافأة المعروضة على الشخص الذي يمدُّنا بمعلومات مُرضية. ولا أعتقد أن هذا يتعارض مع عمل الشرطة.»

قال ماذرفيلد محتجًّا: «هذا لا يساعدني كثيرًا يا سيد بلينكنسوب. لا بد أنك أنت أو موكِّلك على معرفةٍ بأكثرَ من هذا! لا بد أن هناك أسبابًا وجيهةً تفسِّر تقديمَ موكِّلك مثلَ هذا المبلغِ الكبير مكافأةً. أظنُّ أننا نريد أن نعرف المزيد.»

فأجاب بلينكنسوب: «لست مستعدًّا لإخبارك بالمزيد. غير أننا إذا حصلنا على معلومات، ونحن نظن أنَّ ذلك سيحدث، فلن نتباطأ في تقديمها إلى هيئات الشرطة.»

ألحَّ ماذرفيلد قائلًا: «قد يأتي ذلك متأخرًا للغاية. هذه قضية معقَّدة، وبها الكثير من الخيوط المتشابكة.» وبعد أن فسَّر نظرةً تلقَّاها للتو من هيثرويك على أنها إشارة بالاستمرار في حديثه أضاف قائلًا: «نحن نعرف كلَّ الخيوط المتشابكة في هذه القضية، أفضل من أيِّ شخص آخر! نعرف على سبيل المثال أيها السيدان أنَّ الليدي ريفرسريد متورطةٌ في هذه المسألة!»

وبالرغم من اعتيادهما الواضح على ممارسات ضبط النفس، لم يتمكَّن المحاميان من إخفاء علامات الذهول التي بدت عليهما. فقد انقلب وجه بلينكنسوب؛ وانتفض بنتيني من مكانه فتحوَّل من الاتكاء إلى الوقوف باستقامة. وللمرة الأولى تحدَّث بنتيني.

وقال متسائلًا: «ماذا تعرفان عن الليدي ريفرسريد؟»

فردَّ عليه ماذرفيلد بنبرةٍ حاسمة: «نعرف الكثيرَ يا سيدي، لكنني عازمٌ على معرفة المزيد. نعرف مثلًا أنَّ هانافورد كان يحمل قبيل وفاته المفاجِئة صورةً لليدي ريفرسريد، وكان يظن أنها متطابقة مع امرأةٍ تُدعى السيدة ويتينجهام كانت قد فرَّت من بين أصابعه في تهمة احتيال قبل عشر سنوات في سيليثوايت بيوركشاير. وأنا أيضًا أظن أن السيدة ويتينجهام تلك هي الليدي ريفرسريد، ويسعني أن أخبركما أنني أمتلك جميع الوقائع ذات الصلة بقضية سيليثوايت؛ وهي القضية التي جرى فيها الاستيلاء على قلادةٍ ماسية قيمتُها تساوي أربعة آلاف جنيه تقريبًا باستخدام شيكٍ من دون رصيد وأن …»

نهض بلينكنسوب من كرسيه فجأة وهو يرفع يده.

وقال: «لحظة من فضلك!» ثم أكمل وهو يلتفت إلى شريكه: «بنتيني، أريد أن أحدِّثك بكلمة في حجرتك.»

نظر ماذرفيلد نظرةَ المنتصر إلى الرجلَين المتقهقرَين، وضحك حين أُغلِق الباب خلفهما.

وصاح يقول: «أوقعنا بهم يا سيد هيثرويك! إنهما يدركان الآن أننا نعرف أكثرَ مما كانا يتوقَّعان. وبطريقة أو بأخرى، يبدو لي أنَّ ذلك الإعلان ليس سوى حيلة خداع!»

قال هيثرويك: «خداع! ماذا تقصد؟»

فأجاب ماذرفيلد: «أقول إنه خداع! إنه مفتعل ليمنع شخصًا ما من التطرُّق إلى مسألة سيليثوايت تلك. أراهنك بألف جنيه مني إلى جنيه واحد منك على ذلك. سترى أنَّ هذين المحاميين سيكونان أكثر تفاهمًا معنا حين يعودان. وسوف يحين دورهما في الحديث، ودورنا في الاستماع!»

فقال هيثرويك: «إن كان عليك أن تتحدَّث بالمزيد يا ماذرفيلد، فأبقِ الآنسة هانافورد خارجَ الأمر. فهي في موقفٍ صعب. لقد ذهبت إلى هناك بالطبع لكي تعرفَ ما يمكن لها أن تعرفه، وكانت النتيجة أنها أُعجِبت بالليدي ريفرسريد وأحبَّت العمل هناك كثيرًا، وتريد أن تتوقَّف. كل هذا يشكِّل مصدرَ إزعاج لها، وستكون في حاجةٍ لتعديل موقفها. على أي حال، أبقِ اسمها خارجَ المسألة.»

تحدَّث ماذرفيلد ضاحكًا: «كما أقول لك يا سيدي، سيتولَّى هذان الرجلان الحديثَ حين يعودان! سترى! وإذا كنت تريد إبقاء اسم الآنسة هانافورد خارجَ الأمر، فإنهما أيضًا يرغبان في إبقاء اسم الليدي ريفرسريد خارجَه؛ فأنا متيقن من الإشارات التي رأيتها!»

عاد بلينكنسوب وبنتيني فجأة واتخذا مجلسَيهما، فجلس بلينكنسوب إلى مكتبه وكان بنتيني بالقرب منه. والتفت بلينكنسوب إلى زائرَيه في الحال. وقد تغيَّر أسلوبه؛ فبدا الآن كرجل يتوق إلى تسويةِ مسألةٍ صعبة.

وقال مباشرة: «لقد قرَّرنا أن نتحدَّث معكما بحرية. هذا يعني أن نخبركما بكل شيء نعرفه عن هذه المسألة. وبصفتك ممثلًا للشرطة يا سيد ماذرفيلد، لا شك بأنك ستتعامل مع ما سنخبرك به على أنه سريٍّ. ولستُ في حاجة لأن أطلب منك يا سيد هيثرويك أن تعتبر كلَّ ما سيُقال هنا بأنه … حسنًا، كما تعلم. والآن وفي البداية سأخبركما بحقيقةٍ واحدة عليكما أن تضعاها في أذهانكما، حقيقةٍ لا يمكن دحضُها. الليدي ريفرسريد ليست هي المرأة التي كانت تُعرف باسم السيدة ويتينجهام في سيليثوايت قبل عشر سنوات، ولم يعتقد هانافورد أنها هي أيضًا!»

صاح ماذرفيلد متعجبًا: «ماذا؟ لكن …» ثم التفت إلى هيثرويك وأكمل يقول: «أتسمع هذا؟ نحن نعرف …»

قال هيثرويك في هدوء: «دعِ السيد بلينكنسوب يُكمِل حديثه. أعتقد أنه سيشرح الأمر.»

فوافقه بلينكنسوب قائلًا: «صحيح. وأبدأ حديثي بمحاولة تصحيح عدة أفكار خاطئة لديها. الليدي ريفرسريد ليست هي السيدة ويتينجهام. ولم يكن هانافورد يعتقد أنها السيدة ويتينجهام. ولم تكن الصورة المقصوصة من الصحيفة هي صورة الليدي ريفرسريد.»

لم يتمكَّن هيثرويك من إخفاء دهشته من هذا.

وسأل: «صورة مَن إذن؟ لقد كنتُ متيقنًا من أنها صورتها!»

انحنى بلينكنسوب وفتح أحد الأدراج من مكتبه. ومن بين مجموعة من الوثائق أخرج صحيفةً كانت مطوية بعناية وعليها علامة. وبعد أن فتحها، وضعها أمام زائرَيه وهو يشير إلى صورةٍ عليها علامة بحبر أزرق. ورأى هيثرويك في الحال أنها نسخةٌ طبْق الأصل من الصورة الموجودة في محفظته. غير أنه كان يوجد فارق مهم؛ ففي حين قصَّ هانافورد الكلام من صورته، كان الكلام الآن في الصحيفة التي عرضَها عليهما بلينكنسوب. واندهش هيثرويك مرة أخرى وهو يقرؤه: السيدة أنيتا ليستوريل.

قال بلينكنسوب: «هذه هي الصورة التي قصَّها هانافورد من الصحيفة. وهي ليست لليدي ريفرسريد.»

صاح ماذرفيلد: «إذن هي لامرأةٍ تشبهها حدَّ التطابق! أراهن بأي شيء على أنك إذا سألت مائة رجل رأوا الليدي ريفرسريد إن كانت هذه هي صورتها، فإنهم سيُقسِمون على أنها كذلك!»

قال هيثرويك متغاضيًا عن انفعال رفيقه: «أرى أنَّ هذه الصورة هي للسيدة ليستوريل، والتي يصفها التعليق المصاحب للصورة بأنها خبيرة في الأحجار النفيسة. والآن وفيما يتعلَّق بموضوع نقاشنا، هل لي أن أطرح سؤالًا مباشرًا؟ مَن السيدة ليستوريل؟»

ابتسم بلينكنسوب ابتسامةً غامضة.

وأجابه قائلًا: «السيدة ليستوريل هي الأخت التوءم لليدي ريفرسريد!»

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤