الفصل الثاني والعشرون

المحامي المرموق

كان اللورد موراديل الذي ظل يحافظ على عادات الريف البسيطة حتى في لندن قد خلد إلى الفراش حين وصل هيثرويك ومابيرلي إلى منزله، لكنه لم يمكث طويلًا حتى ظهر في ملابس نومه ورداء منزلي، واستمع بإمعان ولهفة إلى رواية هيثرويك عما حدث للتو.

فغمغم يقول وهو يومِئ برأسه عند كل تقدُّم في القصة: «أجبروها! أجبروها! لقد استخرجوا ذلك منها بالإجبار. هذا إن كان الأمر أصليًّا.»

أخرج مابيرلي الورقةَ التي كان قد سرقها من أمام أعين الحارس وسلَّمها إليه في صمت.

فصاح اللورد موراديل متعجبًا: «آه، هذا هو خط يد السيدة ليستوريل! إنه خط يدها بلا أدنى شك. من الصعب تقليده بالطبع. أجل، إنه خطُّها! حسنًا، هذا يثبت ما قلته للتو يا سيد هيثرويك: إنهم أجبروها! إنها تحت إمرتهم، ومعها الآنسة الشابة، الآنسة … الآنسة … فيذرستون، هذا أكيد، وقد أجبروها على كتابة هذه الورقة. وبعد ذلك، سيجبرونها على كتابة أمرٍ إلى «صناديق إمبريال للودائع». لا بد أن نكون هناك قبلهم. في وقت مبكر، في وقت مبكر من هذا الصباح بقدْر ما يمكننا. قابلاني عند ماذرفيلد؛ أظن أنه متحمس لذلك. ليرحمني الرب! يا لهم من مجموعة من الأوغاد! والآن أتساءل أين تكون هاتان السيدتان عاثرتا الحظ من بين لندن بأكملها؟»

فعلَّق هيثرويك قائلًا: «من المفترض أن يساعدنا كلُّ ذلك على معرفة الإجابة عن هذا السؤال على وجه التحديد. أنا لست قلقًا جدًّا على الأشياء الثمينة التي يسعى خلفها أولئك الرجال بقدْرِ ما أنا قلق على سلامة …»

فرمقه اللورد موراديل بنظرة سريعة تنم عن تفهُّمه له.

وقال: «الآنسة فيذرستون، صحيح؟ فهمتك، فهمتك! وأنا أيضًا قلق على سلامة السيدة ليستوريل. وكما تقول، ينبغي لهذا أن يساعدنا. لكن اسمعا: ينبغي علينا أن نلزمَ الحذر، الحذر الشديد! ينبغي ألا نسمح لماذرفيلد بأن يندفع كثيرًا؛ فأنتما تعرفان كيف هم رجال الشرطة. إذا أتى أحد إلى الخزنة، فمن المرجَّح أنه سيغادرها إلى حيث أولئك المجرمون. لذا ينبغي علينا أن نتَّبعه، نتبعه فقط!»

قال هيثرويك: «أوافقك.»

فاختتم سعادة اللورد حديثه قائلًا: «إذن لنلتقي في التاسعة صباحًا عند ماذرفيلد. لعلنا نحصل على رائحة قوية للطريدة، رائحة مثيرة، ولعل صيدنا يفلح!»

وبتلك العبارة الرياضية تتردَّد في آذانهم، عاد هيثرويك ومابيرلي إلى حي ميدل تيمبل واستراحا بقية الليل، فخلد أحدهم إلى الفِراش، وافترش الآخر أريكةَ غرفة الجلوس. لكن حين استيقظ هيثرويك على ساعة المنبِّه في السابعة والنصف وأطلَّ برأسه داخل الغرفة الأخرى ليوقظ موظفه، وجد مابيرلي قد اختفى. كانت الوسائد والمفارش والأغطية التي خلد إليها ليلة أمس مطوية ومرتَّبة بعناية، وفي أعلاها وجد ورقة مشبوكة بها رسالة قصيرة مكتوبة بقلم أزرق.

لن تكون في حاجة لي هذا الصباح؛ ذهبت لأتبع فكرة مهمة واتتني. انتظر رسالة مني قرب الظهيرة.

م.

غمغم في نفسه أنه لا يملك أدنى فكرة عما كان موظفه بصدده، فارتدى ثياب الخروج بسرعة، وتناول إفطاره بنفس السرعة وهُرع ليقابل ماذرفيلد واللورد موراديل. فوجدهما معًا، وكان معهما فرد ثالث هادئ تبدو في وجهه الرصانة ويرتدي ملابس داكنة للغاية، وقد قدَّمه ماذرفيلد على أنه الرقيب المحقِّق كويجمان. ودخل ماذرفيلد في صلب الموضوع مباشرة.

فقال: «أخبرني سعادة اللورد عن مغامرتك ليلة أمس يا سيد هيثرويك، وبدأت أكوِّن بعض التنبؤات عما سيحدث على الأرجح. كان باسيفيري بالطبع هو مَن ذهب إلى شقة السيدة ليلة أمس، وهذا مؤكد. لكن لماذا ذهب في رأيك؟»

فأجابه هيثرويك وهو يرمق الآخرين: «لا يسعني القول بأنني توصَّلت إلى إجابة ذلك، لكنني أتخيَّل أنه ذهب إلى هناك لكي يحصل على مفاتيح معينة مثلًا، وذلك بعد أن أجبروا السيدة ليستوريل على إخبارهم بمكانها. أظن أنه ذهب من أجل مفاتيح صندوق الإيداع.»

فردَّ عليه ماذرفيلد وهو يهزُّ رأسه بطريقة تنم عن المعرفة وبابتسامة طفيفة لكويجمان: «لا! لا، ليس هذا هو السبب. سأخبرك بسبب ذهابه إلى هناك؛ لقد ذهب من أجل شيء بسيط للغاية. ذهب ليحصل على بعض أوراق الرسائل الخاصة بالسيدة! كان يعلم جيدًا أنه إن أراد أن يأخذ أمرًا لصندوق الودائع من شأنه أن يسمح لحامله بالوصول لخزنة السيدة، فإن ذلك ينبغي أن يكون وفقًا لما يُطلِق عليه الفرنسيون «وفقًا للمتَّبع» صحيح؟ ينبغي أن يكون الأمر مكتوبًا على ورقها الخاص وبخط يدها شخصيًّا وما إلى ذلك. فهمت الآن؟»

قال هيثرويك: «أظن أنك محق، وأظن أنه حصل على مبتغاه. كان هناك درج في مكتبها يحتوي على صناديق أدوات مكتبية، وكان الدُّرج مفتوحًا وبعض محتوياته متناثرة على المكتب. الحق أنني وضعت بعض الأوراق والمظاريف منها في جيبي، رغم أنني لم أكن أعرف لمَ فعلتُ ذلك، وها هي ذي الأوراق! راودتني فكرة مبهمة بأنها قد تفيدنا بطريقةٍ ما.»

فقال ماذرفيلد مؤكِّدًا وهو ينظر في الورق الذي أخرجه هيثرويك: «في الواقع، هذه هي الخطة بالفعل. ليس لديَّ أدنى شك أن شخصًا ما يُمثِّل السيدة ليستوريل ويحمل منها تفويضًا مكتوبًا على ورقها الخاص وبخط يدها سيقدِّم نفسه إلى «صندوق إمبريال للودائع» هذا الصباح. لكن هذا الشخص لن يكون باسيفيري! ولن يكون أمبروز!»

فسأله هيثرويك: «سيكون شخصًا غريبًا، أليس كذلك؟»

أكمل ماذرفيلد وهو يرمق الساعة بعينه: «سنرى. والآن سنذهب إلى مسرح العمليات. يقع «صندوق إمبريال للودائع» في كينجزواي بمدينة هولبورن، وهو موقع ملائم تمامًا لمهمتنا؛ إذ إنه قريب من محطة الأنفاق، وسيكون هناك الكثير من الناس في الأرجاء، فلن نَلفت لنا انتباه أحد. سأخبركم بالطريقة التي سيسير بها الأمر: سندخل أنا وسعادة اللورد إلى صندوق الودائع، وسنقابل المسئولين وسنشرح لهم الأمر وسنجعلهم يخبروننا في الحال إن ظهر ذلك المرسال المتوقَّع ووقت وصوله. وسنسمح له …»

فقاطعه كويجمان بنبرة جادة: «أو لها.»

فقال ماذرفيلد موافقًا: «صحيح يا صديقي؛ فربما تكون امرأة. هذا محتمل أيضًا! سنسمح له أو لها بأن يأخذ ما يريد من الخزنة ويغادر، وسنتبعه نحن الأربعة عن كثب. وفي حين أكون أنا واللورد موراديل في الداخل، ستكون أنت يا سيد هيثرويك وكويجمان في الخارج تتحدَّثان بصورة اعتيادية. وحين نخرج بينما تراقبان رَدهة الدخول جيدًا، سنعطيكما إشارةً إلى الشخص المحدَّد الذي نتبعه، وستذهبان إلى أيِّ مكان يذهب إليه ذلك الشخص. لكن لا تقتربا منَّا؛ فسنغطي نحن أحدَ جانبي الشارع، وتغطيان أنتما الجانب الآخر. وإن أخذ ذلك الشخص سيارة أجرة أو حافلة، فسيتحتم علينا أن نفعل مثله. لكنني أعتقد أن الشخص سيلتزم بالسير!»

سأل هيثرويك: «كيف سنذهب؟ سنذهب جميعًا معًا؟ إنها مجرد فكرة واتتني يا ماذرفيلد، لكن كيف ستعرف ما إن كان أولئك الأشخاص يراقبونك أنت أيضًا؛ إذ يبدو أن هناك أكثر من شخص معني بالأمر؟»

فأجابه ماذرفيلد: «لقد فكَّرت في ذلك. وسنذهب فرادى. إنها التاسعة والربع الآن. و«صندوق إمبريال للودائع» لا يفتح أبوابه إلا في العاشرة؛ فلن يستطيع أحد الدخول حتى تلك الساعة على أي حال. سنخرج نحن الأربعة من هذا المكتب فرادى. وسيذهب كلٌّ منا في طريقه الخاص إلى كينجزواي. وحالما أصل إلى هناك، سأدخل مباشرة وسأطلب رؤية المدير. وسيتبعني اللورد موراديل فور أن يصل وسنجتمع معًا في غرفة المدير. أما بالنسبة إليكما، فافعلا هناك ما شئتما؛ فلتطيرا إذا أردتما، أو تجوَّلا في الشوارع الجانبية. لكنكما ستلتقيان في العاشرة تمامًا أمام باب مدخل صندوق الودائع، وتحت غطاء اللقاء والحديث الاعتيادي، راقبا الباب باستمرار ولاحظا كل شخص يدخل ويخرج. أهذا واضح؟ بعد ذلك ننسحب جميعًا؛ واحدًا تلو الآخر.»

لما صار هيثرويك في الخارج وله أن يفعل كما يريد، فقد سار قليلًا ثم أشار إلى سيارة أجرة. ابتسم له ابتسامة ودودة. وقال وهو يركب السيارة: «يمكنك أن تساعدني في قضاء أربعين دقيقة. تجوَّل في الأرجاء، في أي مكان تحب، وتجوَّل ذهابًا وإيابًا، على أن توصلني عند زاوية مطعم هيلبورن عند العاشرة إلا دقيقتين بالتمام. أفهمتني؟»

أدرك السائق غايته، وبدأ رحلة متمهلة حول عدة شوارع رئيسية وطرق عامة. وقبل العاشرة بدقيقتين توقَّف عند زاوية شارعي هولبورن وكينجزواي وابتسم إلى راكبه.

وقال: «في التوقيت بالثانية تمامًا يا سيدي.» وأشار إلى ساعة مجاورة لهما.

فقال هيثرويك وهو يعطيه مبلغًا يفوق الأجرة المطلوبة: «أحسنت يا رجل!» ثم واتته فكرة. فأكمل يقول بنبرة خفيضة: «اسمع! ربما أحتاج، أنا وشخص آخر، إلى تتبُّع شخصٍ ما من هنا، وسيكون ذلك عما قريب. فقط سرْ بالسيارة في الشارع هنا، وأبقِ رايتك منخفضة، وانتظر، وإن أردتك فسأكون بجوارك.»

عبَّر السائق عن فهمه بإيماءة وغمزة من عينه ثم تحرَّك بالسيارة قليلًا نحو رصيف الشارع. وراح هيثرويك يسير ببطء في الجانب الغربي من شارع «كينجزواي». وحين دقَّت الساعة معلنةً تمام العاشرة رأى اللورد موراديل يأتي من أحد الاتجاهات ويدخل مبنى «صندوق الودائع» مهيب المظهر، والذي كان قد فتح أبوابه للتو، ورأى ماذرفيلد يظهر من الجانب الآخر، وحين نظر حوله مرة أخرى تعرَّف على كويجمان الجاد عند زاوية شارع «باركر» وهو آتٍ نحوه. فذهب هيثرويك للقائه.

وتحسُّبًا لوجود أيِّ عيون معادية تراقبه قال بأداء تمثيلي بعض الشيء: «ها أنت ذا! في موعدك بالضبط! من الأفضل أن نبدو وكأننا نتجاذب أطراف الحديث، أليس كذلك؟ لقد دخل الآخران لتوهما.»

فأجابه كويجمان وهو يتوقَّف على الرصيف، بينما كان اهتمامه منصبًّا على كل شيء آخر عدا المهمة التي كان يؤديها فعلًا: «رأيتهما يا سيدي. آه! لكن السؤال هو: متى سيخرجان؟ قد يكون ذلك بعد بضع دقائق مثلًا. وربما يستغرقان عدة ساعات طويلة!»

علَّق هيثرويك على حديثه قائلًا: «يبدو أنك سوداوي بعض الشيء.»

فغمغم كويجمان: «هذه مهمة سوداوية! المراقبة ليست مجالي في العمل. لكن ماذرفيلد أرادني أن أشترك في هذه المهمة تحديدًا.»

سأله هيثرويك: «لماذا؟»

فأجاب كويجمان: «لديَّ معرفة فريدة بالمحامين وموظفيهم في هذا الجزء من لندن. ذلك هو مجالي في العمل. ويعتقد ماذرفيلد أنَّ محاميًا هو مَن سيقدِّم أمرَ فتح الخزنة.»

فقال هيثرويك متعجبًا: «يا إلهي! أحقًّا؟ يا للعجب! لكن …»

فأشار كويجمان قائلًا: «سيكون عونًا كبيرًا لأولئك الرجال إذا تمكنوا من استخدام محامٍ للقيام بهذه المهمة بدلًا منهم، ألا ترى ذلك؟ فمن ذا الذي سيشك في محامٍ بالمحكمة العليا؟» وأكمل يقول فجأة: «وحيث إنني أعرفهم جميعًا تقريبًا، فهناك واحد أعرفه آتٍ من الجانب الآخر من الشارع. ذلك الشاب الطويل النحيف ذو الوجه الشاحب، أتراه؟ انظر إليه من دون أن يبدو عليك أنك تنظر. أهو يا تُرى الشخص المنشود؟»

نظر هيثرويك إلى الاتجاه الذي أشار إليه. فرأى شابًّا يافعًا يرتدي نظارة وقبعة حريرية ومعطفًا صباحيًّا وإضافات أخرى من الملابس تتماشى مع مهنته، وكان يسير بسرعة من جنوب الشارع إلى شماله. كان يبدو كشخص لطيف دمث، وليس كأحد الأشخاص الذين يمكن أن يكونوا ضالعين في مؤامرات خبيثة وغايات غامضة، فذكر هيثرويك ذلك.

فقال كويجمان بنبرة كئيبة: «أجل، لكن في الواقع، ما يدريك! بيْدَ أنني أعرفه كما أخبرتك. السيد جارويل: السيد أوكتافيوس جارويل، محامٍ يقطن في شارع «سانت مارتن». يمارس المهنة منذ أربع سنوات تقريبًا. إنه شاب لطيف! وهادئ. وها هو ذا يدخل، أتراه؟»

نظر هيثرويك باتجاهه. كان هناك العديد من الأشخاص، رجالًا ونساءً، يدخلون إلى صندوق الودائع، لكنَّ قبَّعةَ السيد جارويل الحريرية وكتفَيه المتحدرتين جعلت تمييزه سهلًا.

فعلَّق كويجمان وهو يتنهَّد: «يسعني القول إنه هو!» ثم أردف يقول: «إنه من نوعية الأشخاص الذين يمكن خداعهم! رجل بريء وغير متشكك. لكن ربما لا يكون هذا صحيحًا. فالكثير من الأشخاص يستخدمون صناديق الودائع في هذه الآونة.»

اختفى السيد جارويل. وراح المراقبان ينتظران. مرَّت خمس دقائق، وعشر، وخمس عشرة دقيقة، وعشرون، ثم خرج السيد جارويل. خرج مثلما يخرج أيُّ رجل بعد أن أتم عمله، خرج في هدوء. لم يتبعه أحد، ولم يبدُ أن هناك مَن يراقبه، من داخل صندوق الودائع. لكن هيثرويك لاحظ في الحال أنه خرج الآن وهو يحمل صندوقًا مربَّعًا صغيرًا مغلفًا بالجلد في حين أنه دخل ولم يكن يحمل شيئًا سوى مظلته. وبذلك الصندوق في يده اليُسرى عبر جارويل الطريق وتقدَّم مباشرة نحو هيثرويك وكويجمان.

فهمس المحقِّق قائلًا: «لسنا في حاجة لأن نتحرك يا سيدي. حاول أن تتابعه بعينك دون أن تَلفت الانتباه.»

بدا السيد جارويل عن كثب، شارد الذهن. بالرغم من ذلك، فقد تصادف أنه رفع نظره بينما كان يضع أولى خطواته على الرصيف، فالتقت عينه بعينَي كويجمان الذي لامس قبَّعته.

فقال المحقِّق: «صباح الخير يا سيد جارويل. عساه صباحًا جميلًا يا سيدي.»

فأجابه جارويل: «صباح الخير يا كويجمان. عساه صباحًا جميلًا!»

أومأ وهو يبتسم وأكمل طريقه، ثم استدار عند زاوية الشارع ودلف إلى شارع «باركر». نظر كويجمان إلى هيثرويك وهزَّ رأسه.

وقال: «ليس هو! ماذرفيلد لا يتبعه. وكما قلت، قد نضطر للانتظار لساعات طويلة!»

لكن بعد مرور عشر دقائق أخرى خرج ماذرفيلد وموراديل معًا من رَدهة الدخول المواجهة لهما. وكان هناك مسئول من المكان يتحدَّث إليهما ويبتسم وهو يصحبهما حتى عتبة الباب، وحين تركاه عبرا الشارع مباشرةً. فكان من الواضح لهيثرويك أن كلًّا منهما كان في حالة من الذهول، بل ربما في حالة من الحيرة. حيَّاهما ماذرفيلد فور أن أصبح على مسافة من مسامعهما.

وقال: «إنها مسألة غريبة! أرأيتم شابًّا يبدو أنه موظَّف محترف يخرج الآن ويحمل صندوقًا مغلفًا بالجلد؟»

فأجاب كويجمان: «رأينا السيد جارويل، وهو محامٍ من شارع «سانت مارتن». إنني أعرفه. ذهب يسير في شارع «باركر».»

فقال ماذرفيلد مقرًّا: «كان جارويل، أنا أيضًا أعرفه.» ثم التفت إلى هيثرويك وقال: «في الواقع، هذه مسألة غريبة. إنهم يعرفون جارويل في صندوق الودائع، لقد أتى إلى خزنة السيدة ليستوريل بناءً على أمرٍ منها من قبل. لقد دخل إلى هناك الآن، ومعه التفويض المعتاد، على ورقها الخاص، وذهب إلى الخزنة، وحصل على الصندوق الصغير، وخرج. جارويل أحد المحامين الجديرين بالكثير من الاحترام!»

فسأله هيثرويك: «لماذا لم توقفه وتطرح عليه بعض الأسئلة؟»

تبادل ماذرفيلد النظرات مع اللورد موراديل.

وقال: «ليس هناك! يبدو … في الواقع، يبدو أن السيدة ليستوريل قد أرسلته بالفعل! لإنجاز عمل خاص بها.»

فقال هيثرويك متعجبًا: «بالطبع أرسلته! تحت وطأة الإكراه! الأمر برُمَّته مكيدة حاذقة! الأرجح أن أولئك الرجال يعرفون أنها كانت تستعين بخدمات جارويل بين الحين والآخر، وأجبروها على كتابة خطابٍ له، مخولةً إياه أن يأتي إلى هنا مرةً أخرى، ويحتوي ذلك الخطاب على أمر للمسئولين في «صندوق الودائع»! ألا ترى ذلك؟»

قال اللورد موراديل: «يا إلهي، ثمَّة خطْب بخصوص هذا الشأن يا ماذرفيلد! لكن هذا لم يخطر ببالي! أقسم بشرفي، كنت أظن حقًّا أنه أتى بناءً على أمرٍ مباشر منها. لم أستطِع أن أفكِّر في سببِ ذلك على وجه التحديد، لكن مثلما يقول ماذرفيلد، إنه محامٍ جدير بالكثير من الاحترام، أليس كذلك؟»

فصاح ماذرفيلد فجأة: «سنسوِّي الأمر عما قريب! سنذهب إلى مكتب جارويل. من الأفضل أن نناقش المسألة هناك بدلًا من أن نتطرَّق لها هنا. على أي حال، سيكون معه الصندوق المربَّع. أشرْ إلى سيارة أجرة يا كويجمان!»

قال هيثرويك: «ثمة رجل ينتظرني هنا.» وأشار إلى سائقه السابق الذي أتى مسرعًا. وأكمل يقول بينما كان أربعتهم يتخذون مجلسهم والسيارة تنطلق بهم: «على الرغم من أي شيء نعرفه، ربما يكون جارويل قد غادر مباشرة إلى مكانٍ ما ليسلِّم ذلك الصندوق! كان علينا أن نتبعه.»

فأجاب ماذرفيلد: «لا أظن ذلك. الأمر برُمَّته غريب ولم يكن كما توقعته مطلقًا. يقول اللورد موراديل إنه لم يسمع من قبلُ أن السيدة استعانت بخدمات جارويل، لكن المسئولين في «صندوق الودائع» يقولون إنه أتى مرتين أو ثلاثًا من قبلُ لأغراضٍ لها. لكننا سنحصل على الإجابات بعد قليل.»

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤