قاتل في القاهرة

اهتزَّ الفراش الذي ينام عليه «أحمد»، في مقرِّ الشياطين السرِّيِّ، قرب میدان «السدِّ العالي» في «الدُّقِّي» … استيقظ «أحمد» على الفور … وامتدَّت ذراعه اليمنى تُمسك بالمُسدَّس الذي يحتفظ به تحت الوسادة.

وظلَّ «أحمد» في فراشه لحظاتٍ يتسمَّع … إنَّ اهتزاز الفراش يعني شيئين لا ثالث لهما …

  • أوَّلًا: أن يكون هناك مَن يريد اقتحام المقرِّ السرِّيِّ الفرعيِّ؛ حيث ينزلون في القاهرة …
  • الثاني: أنَّ هناك رسالةً عاجلةً من المقرِّ السرِّيِّ الرئيسيِّ «ش. ك. س».

وأرهف «أحمد» السمع، ولكنَّه لم يسمع شيئًا … وكان قد ضغط على زرارٍ خاصٍّ في الفراش؛ أوقف الاهتزاز العنيف الذي يحدث عندما تتصل دائرةٌ كهربائيَّةٌ خاصَّةٌ به، مُركَّبةٌ على جهاز الاستقبال الإلكترونيِّ في غرفة العمليات … لم يسمع «أحمد» ما يمكن أن يدلَّ على وجود شخصٍ غريبٍ في المقرِّ؛ حيث ينزل وحده منذ يومين في مهمة روتينيَّةٍ. وقام «أحمد» — وما زال مُسدَّسه في يده — واتَّجه على الفور إلى غرفة العمليَّات، فقد شاهد الضوء الأحمر فوق بابها.

كانت رسالةً بالشفرة تحمل شعار «عاجلٌ جدًّا وهامٌّ» …

من «ش. ك. س» إلى رقم «۱»

«غدًا تُقام المباراة على كأس الأمم الأفريقيَّة، بين الفريق القوميِّ المصريِّ وفريق الكاميرون … ستصل شخصيَّةٌ أفريقيَّةٌ هامَّةٌ جدًّا قبل بدء المباراة، ستحضر المباراة وتُغادر القاهرة بعدها على الفور … الزيارة غير رسميَّةٍ … هناك مؤامرةٌ لاغتيال الشخصيَّة الأفريقيَّة الهامَّة، واسمها المستعار في العمليَّات «موجامبي».» إنَّ السيِّد «موجامبي» من الشخصيَّات المؤثِّرة في مُنظَّمة الوحدة الأفريقيَّة، وله مواقف مُشرِّفةٌ من القضايا العربيَّة. هناك احتمالٌ كبيرٌ أن تتمَّ عمليَّة الاغتيال في استاد القاهرة … المعلومات قليلةٌ عن شخصيَّة المُغتال، ولكن من المؤكَّد أنَّه اختِير بعنايةٍ … سنواصل الاتِّصال.

نظر «أحمد» إلى ساعته … كانت الرابعة والدقيقة العاشرة من صباح يوم الجمعة … فإذا كانت المباراة ستقام في الساعة الثالثة بعد ظهر اليوم الجمعة، فمعنى ذلك أنَّ أمامه أقلَّ من ١١ ساعة لإحباط عمليَّة الاغتيال.

أسرع إلى المطبخ لإعداد کوبٍ من الشاي … ثمَّ جلس في الصالة، بعد أن ارتدى ملابسه واستعد للخروج. إنَّه منذ فترةٍ طويلةٍ لم يشاهد مباراة كرةٍ في الملعب … لقد أصبح مكانه الوحيد في المباريات هو أمام شاشة التليفزيون … وها هي فرصةٌ لمشاهدة المباراة … ولكن، هل سيستمتع بها؟ إنَّ كلَّ حواسِّه ستكون مشغولةً بمراقبة ما سيحدث في المُدرَّجات … فبين عشرات الألوف الذين سيحضرون المباراة سيكون هناك قاتلٌ على استعدادٍ لإطلاق النار … وارتكاب جريمة قتلٍ …

وفكَّر في أن يتصل بعمیل رقم «صفر» في القاهرة، ولكن لا بُدَّ من استئذان المقرِّ السرِّيِّ … فقد تكون هناك تعليماتٌ بعدم إبلاغه لسببٍ أو لآخر.

قام «أحمد» إلى جهاز الإرسال القويِّ المُعقَّد، وأرسل برقيَّةً شفريَّةً إلى المقرِّ السرِّيِّ:

إلى «ش. ك. س»:

«هل يمكنني الاتِّصال بالعميل السرِّيِّ في القاهرة؟ إنَّني في حاجةٍ إلى معلوماتٍ أكثر عن تحرُّكات «موجامبي» … وهل هناك إجراءات أمن؟ وما هي؟»

وبعد أن انتهى من إرسال البرقيَّة، أمسك بالتليفون، واتَّصل بفندق «ونتر بالاس» في «الأقصر» … حيث كان «عثمان» و«قیس» و«إلهام» و«زبيدة» هناك؛ لقضاء إجازةٍ في المدينة الأثريَّة الرائعة، التي تحوي أكثر من سُدس آثار العالم … وعندما ردَّ عليه عامل التليفون، طلب التحدُّث إلى الغرفة ٨ / ١٦ حيث كان ينزل «عثمان» … بعد ثلاث دقَّاتٍ مُتقطِّعةٍ، سمع «أحمد» صوت «عثمان» على الطَّرَف الآخر، وقد بدا عليه أثر النوم والمفاجأة.

فقال «أحمد»: آسفٌ لإزعاجك من النوم … ولكنَّ مهمَّةً خطيرةً في انتظاركم في القاهرة … ولا بُدَّ من عودتكم فورًا. ردَّ «عثمان»: هناك طائرةٌ في الخامسة صباحًا، تصل القاهرة في السادسة وخمسٍ وثلاثين دقيقةً.

أحمد: حاوِلُوا أن تجدوا أماكن عليها.

عثمان: لا تخشَ شيئًا؛ سنصل في الوقت المناسب.

أحمد: إنَّ المهمَّة شديدة الصعوبة … وأُكرِّر أسفي لأنَّني قطعتُ عليكم الرحلة.

عثمان: سنكون سعداء برؤياك.

أحمد: إلى اللقاء إذن.

أخذ «أحمد» يرشفُ الشاي الساخن في هذا الصباح المُبكِّر البارد … وهو يُفكِّر في الساعات القادمة … إنَّها ربَّما أسرع مغامرةٍ يقوم بها الشياطين … فالمهمَّةُ تبدأ في الثالثة، وتنتهي قبل الخامسة. وفي هذه اللحظة، أعطى جهاز اللاسلکي الإشارة بوصول برقيَّةٍ من المقرِّ الرئيسيِّ:

إلى رقم «۱»، «ش. ك. س» «٢»:

«بالطبع تستطيع الاتِّصال بعميل رقم «صفر» في القاهرة … المعلومات التي لدينا أنَّ القاتل — في الغالب — قادمٌ من الخارج، ولكن المعلومات لیست دقيقةً … اتَّصِل بنا في أيِّ وقتٍ … نريد أن نعرف خُطَّتكم.»

نظر «أحمد» إلى ساعته … كانت الرابعة والنصف … فهل يتَّصل بعمیل رقم «صفر» في هذه الساعة المُبكِّرة؟ … لم يكن هناك بُدٌّ مِن ذلك؛ فبعد ساعاتٍ تبدأ المغامرة المستحيلة … العثور على قاتلٍ بين عشرات الألوف من المُتفرِّجين في استاد القاهرة الضخم. وهكذا رفع سمَّاعة التليفون، واتَّصَل بعمیل رقم «صفر»، والمدهش أنَّ الطَّرَف الآخر ردَّ على الفور. ودُهِش «أحمد»، وقال: صباح الخير.

قال الصوت الذي يعرفه: صباح الخير.

قال «أحمد» بالشفرة — رَغم تأكُّده من الصوت: هل تدور الشمس حول نفسها؟

ردَّ الرجل: إنَّها تدور حول نفسها وحول الأرض.

أحمد: عندي تعليماتٌ بالاتصال بكم، بخصوص زائرٍ يأتي إلى القاهرة اليوم ويُغادرها غدًا.

الرجل: وأنا ساهرٌ من أجل هذا الضيف.

أحمد: هل أستطيع الحصول على صورةٍ له؟

الرجل: ستكون تحت عَقِب الباب في السابعة صباحًا.

أحمد: وما هي إجراءات الأمن؟

الرجل: إنَّ الطائرة التي سيصل عليها ستكون تحت مظلَّةٍ جوِّيَّةٍ منذ دخولها الأجواء المصريَّة … سيتمُّ نقله من مطار القاهرة إلى الاستاد بطائرة هليوكبتر (عمودية) … كلُّ تحرُّكاته خارج الملعب ودخوله إلى الاستاد تحت السيطرة الكاملة … ستكون حوله حراسةٌ مُشدَّدةٌ … ولكن عدد المُتفرِّجين سيجعل من الصعب التنبُّؤ بما سيحدث.

أحمد: إنَّني مُكلَّفٌ مع الزملاء بدخول المباراة؛ نريد تذاكر لأربعة أشخاصٍ في المقصورة … والدرجة الأولى … والدرجة الثالثة … فنحن لا نعرف حتى الآن كيف سننتشر.

الرجل: ستكون التذاكر مع الصورة عندك صباحًا.

أحمد: شكرًا.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤