المباراة

في تمام الساعة الثالثة بعد الظهر، أطلق الحَكَم الدوليُّ الأفريقيُّ «تسفاي» صفَّارته، مُعلِنًا بدء المباراة … ونظر «أحمد» إلى المقصورة، فوجد «موجامبي» وحوله الحرس يدخل … هل هو «موجامبي» أم «عثمان»؟!

المفروض أنَّه — حسب الخُطَّة الموضوعة — يكون «عثمان» في ثياب «موجامبي»، وأنَّه هو الذي دخل المقصورة.

كان «أحمد» يلبس المِعطَف الأصفر الخفيف الذي يلبسه المصوِّرون … ووقف على الحشيش الأخضر داخل الملعب … ولكن كان مشغولًا عن المباراة بمهمَّته الصعبة … العثور وسط عشرات الألوف على قاتلٍ جاء خِصِّيصَى لقتل الضيف الأفريقيِّ.

وفكَّر لو كان مكان هذا القاتل ماذا يفعل؟ إنَّه لا يستطيع أن يُصيب من المُدرَّجات المقابلة … فالمسافة واسعةٌ جدًّا، لا تسمح بدِقَّة التصويب … إنَّ القاتل لا بُدَّ أن يكون في المقصورة نفسها … أو في المُدرَّجَينِ الأيمن أو الأيسر من المقصورة … أو في أرض الملعب … فهو لو كان معه بندقيَّةٌ الآن … لاستطاع أن يُصيب «موجامبي» ببساطة.

كان هدير المُتفرِّجين يرتفع بين لحظةٍ وأخرى؛ كلَّما اقترب الفريق المصريُّ من مرمى الفريق الأفريقيِّ، وكان يسمع كلمات «بيبو … بيبو»، وهو اسم الدَّلَع أو الشهرة للاعب مصر والنادي الأهلي الفذ … «محمود الخطيب»، وقد كان «أحمد» — رغم أنَّه له ميولٌ زملكاويَّةٌ — يُحِبُّ «الخطيب»، ويُعجَب ببراعته، وبأسلوبه الجميل في إحراز الأهداف … ولكن «أحمد» كان مشغولًا عن هذا كلِّه بمُهِمَّته القاسية؛ ليس فقط إنقاذ «موجامبي» من القتل … ولكن إنقاذ «عثمان» أيضًا … كان يتظاهر بأنَّه يُصوِّر المقصورة … وكان يقترب وينظر من خلال عدسة الكاميرا إلى صفوف الجالسين في المقصورة … كان يتمنَّى أن يرى وجه القاتل … ولكن كان ذلك صعبًا تمامًا.

أخذ يسير بجوار خطِّ التَّماسِّ، عندما سمع صوت سيَّارةٍ بعيدةٍ … هل كان داخل الاستاد أو خارجه؟ لا يدري … ولكنَّه اتَّجه إلى مصدر الصوت … خرج من الملعب إلى خلف المُدرَّجات … وكانت سيَّارة تقف في هذه اللحظة، وينزل منها «موجامبي» الأصليِّ … عرفه على الفور … كان أكبر سنًّا ممَّا تُظهِره الصورة … ولكنَّه كان نشيطًا وسريع الحركة … وتبعه «أحمد» من بعيدٍ وهو يسير بنشاطٍ بین الحُرَّاس … ويصعد درجات المُدرَّج الثاني بجوار المقصورة، وصعِد «أحمد» خلفه … ووجد رجال الأمن قد أعدُّوا له مكانًا بين الجماهير … وجلس على يمينه ويساره أشخاصٌ تبدو ملامحهم عاديَّةً … ولكن «أحمد» بخبرته الطويلة عرف أنَّهم من رجال الأمن.

أحسَّ «أحمد» ببعض الاطمئنان أنَّ خُطَّته تسير بنجاح … فالجالس في المقصورة والمُعرَّض للقتل هو «عثمان» وليس «موجامبي»، ويجب حماية «عثمان».

عاد «أحمد» إلى الملعب … شاهد «قيس» يتجوَّل وهو ينظر إلى المُدرَّجات … فاقترب منه، وقال: «عثمان» في المقصورة … «موجامبي» في مُدرَّجات الدرجة الأولى.

قيس: كيف عرفت؟

أحمد: لقد شاهدت «موجامبي» الآن.

قيس: هل هناك شيءٌ غير عاديٍّ؟

أحمد: لا شيء حتى الآن.

قیس: إنَّه مكانٌ نموذجيٌّ لارتكاب جريمة قتلٍ … فكلُّ واحدٍ في الاستاد مشغولٌ بالمباراة … ومن الممكن فعلًا إطلاق الرصاص دون أن يهتمَّ أحدٌ.

أحمد: هذا صحيحٌ … المُهِمُّ … هل کوَّنتَ فكرةً مُعيَّنةً عن مكان القاتل؟

قیس: إنَّه إمَّا في المُدرَّجات القريبة من المقصورة، أو هو في أرض الملعب.

أحمد: معك حقٌّ … وهذا الجيش من المصوِّرين يمكن أن يندسَّ بينهم القاتل، بعد الحصول على بطاقةٍ مزوَّرةٍ … خاصَّةً وعدد كبير منهم من خارج مصر.

قيس: سأراقب الجانب الأيمن من الملعب … وعليك بالجانب الأيسر.

أحمد: سنلتقي كلَّ ربع ساعةٍ في نفس المكان.

نظر «أحمد» إلى الملعب … كان اللاعب الفذُّ «محمود الخطيب» يجري بالكرة وكأنَّها مربوطةٌ إلى طرَف حذائه … ويُراوِغ المدافعين … والجماهير تهتف: «بيبو … بيبو». وكما سَحَرَت ألعابُ «الخطيب» الناسَ، سَحَرَت «أحمد» أيضًا، فظلَّ يُتابع اللاعب الرشيق، حتى جنح إلى اليسار، ثمَّ أطلق قذيفةً رائعةً سكنت الشِّباك، وارتفع هدير الجماهير بالهُتاف.

لا يدري «أحمد» ماذا حدث … ولكن خُيِّل له أنَّه سمع صرخةً ما في المقصورة الرئيسية … وأسرع يجري في اتِّجاهها، وأخذ ينظر إلى «عثمان» … ولكن «عثمان» كان يجلس في حماية الحرس؛ مُقلِّدًا الضيف الأفريقيَّ «موجامبي» … فأسرع «أحمد» إلى مُدرَّج الدرجة الأولى … وشاهد «موجامبي» جالسًا في هدوءٍ.

من أين أتت الصرخة؟ أم أنَّه كان واهمًا؟! أخذ يتفرَّس في وجوه الحاضرين؛ مُتظاهرًا بأنَّه يُصوِّر بعض اللقطات للجماهير … وانتهز الفرصة، واقترب كثيرًا من المقصورة؛ حيث يجلس كبار الضيوف … وأخذ يتأمَّل وجه «عثمان» … الذي حوَّله الماكياج إلى «موجامبي»، ولاحظ «عثمان» اقتراب هذا المصوِّر من مكانه، فنظر إليه … وابتسم؛ فقد عرف فيه زميله وصديقه «أحمد»، وأحسَّ بكثيرٍ من الراحة والاطمئنان.

فجأةً وجد «أحمد» مَن يقترب منه … لم يكن شخصًا واحدًا، ولكن ثلاثة أشخاصٍ أحاطوا به … وقال أحدهم في هدوءٍ: تعالَ معنا.

ولم يستطع «أحمد» الرفض … وسار بين الرجال الثلاثة، الذين اتَّجهوا إلى ما تحت المُدرَّجات، وعندما أصبحوا وحدهم بعيدًا عن الجماهير … أشاروا إليه بالوقوف، وقال أحدهم: ماذا تفعل هنا؟

أحمد: إنَّني مُصوِّرُ.

الرجل: ولكنَّك تقترب كثيرًا من المقصورة، حيث يجلس كبار الضيوف.

أحمد: إنَّ هذا جزءٌ من عملي؛ أن أُصوِّر انفعال هؤلاء الضيوف بالمباراة.

تقدَّم أحدهم، وقام بتفتيش «أحمد»، وطبعًا وجد مُسدَّسًا ضخمًا تحت ذراع «أحمد» … وانقضَّ عليه الرجال الثلاثة، وقال أحدهم: إذن فأنت القاتل القادم من بعیدٍ.

أحمد: ولكن هناك خطأ.

ولكن الرجال الثلاثة لم يلتفتوا إلى احتجاجه.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤